|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
العائدات
العائدات يس عبد الوهاب نبيه مسعد هل شاهدتَ عُيوناً تدمع ؟ هل أحسستَ بقلبٍ يُضجع ؟ أم أظلمتِ الدنيا أمامك ؟ هل شاهدت الحزن يسير ؟ فوق الرأس يحوم ، يطير . يعود ، يجول . يخرِقُ فرحاً ، يُسْكِتُ أملاً ، يَهْدِمُ جسداً . حتى يُقضى بين يديه . إنها العائداتُ ، وما أدراك ما العائدات ؟ تلك التي تفاجئُنا دُون نذير ، وتجْثُو على قلوبنا دُون بشير . إنها تؤرِّق النفس ، وتمنع النوم ، وتُمْرِضُ الجسد والقلب ، وتُؤثِّرُ في الإنسان تأثيراً يجعلُهُ يغيِّر سَمْته وهيئتهُ ، وتصلُ به إلى أن يترك العمل ، وينقطع به الأمل ، وقد تُودي بصاحبها بعدما غرَّتْهُ الحياةُ وزينت له أنَّهُ في مأمنٍ منها ، وأنَّى له ذلك ؟ وأنَّى لإنسان أن تصفو له الحياة أبداً ؟ فالكلُّ من لذعاتها ذائقٌ . وما منْ عالم إلَّا له منها نصيبٌ . طَحنتْه الأيامُ فاعتلى وطارتْ شُهرتُهُ وأثَّر في الأُمم كما تؤثِّرُ حُبوب اللِّقاح في الثمار ؛ فلولاها ما أينعت الثِّمار ، ولولا العُلماء ما تقدَّمت الدُّنيا . ينْظرُ بعضنا إلى بعض ، فيروْنهُم لا يشكون ، ولا يتبرَّمُون ، فيَظُنُّون أنَّهم يَخْلُون من العائدات ، وأنَّهم في مأْمنٍ من الحادِثات ؛ فإذا أصابك مِثْلُ ذلك فاستغفر الله - تعالى - لأنه : ( من راقب الناس ماتَ غمّاً ) ، و « من حُسْنِ إسلام المرْءِ تركُهُ ما لا يعْنيه » . إنَّ المصائب تتفاوت بقدْر أصحابها ، ويظن المبتلى أنه أكثر الناس ابتلاءً ؛ وذلك لشدَّة لَذْعِ العائدات عليه ، وقلة الحيلة لديه : وتعظمُ في عينِ الصَّغِير صِغارُهَا وتَصْغرُ في عينِ العظيم العظَائِم كان هناك رجُلان ذوا منْصب وجاهٍ ، ورِثا ضَيْعةً وأمْوالاً ، وبساتين ، ثُمَّ استُخرِجَ لهما قانونٌ ، سلب منْهما أكثر ما يملكانه . أما أحدُهُما فثبت في الميدان ثبات الأسد في الفلاة ؛ فقد بنى لله مسجداً ، وظَلَّ على حاله من توزيع الصدقات والعطف على المساكين إلى أنْ تغمَّده الله برحمته ، وحزِن المساكين على فجيعته . وأمَّا الآخرُ : فقد جُنَّ جُنُونه بعدما ظنَّها باقيةً لهُ ، وقدْ ظلم مَنْ ظلم وقتل مَنْ قتل ، يَثُور كالبركان ، ويخور كالثيران . لا رادع له ولا أمان ؛ فهو السُّلطان بعد السلطان ، ثم تغير به الحال ؛ فبُنيت له حُجرةٌ ظاهرها حَجَريَّةٌ ، وباطنها إسفنجيةٌ . كُلما تذكر ماله الضَّائع جعل يخْبطُ رأسهُ بتلك الجُدْران إلى أن توفَّاة اللهُ - تعالى - وهو على هذه الحال . لا يُذْكَرُ إلا وتُذكَر مساوئه ، ولا يُذكَر أخوه إلاَّ وتُذكَر محاسنه . لقدْ خلق الله - تعالى - الموتَ والإنسانُ لا يُريده ولكنَّهُ يُسلِّم به ، وخلق الحياة والإنسان يطلبُها ولكنَّها لا تدوم . وخلق الله - تعالى - الأفراح يريدها الإنسان ولكنها لا تستمر على حال ،وخلق الأحزان لا لمتاعب الإنسان ولكنْ لتصقل نفسه صقلاً يخرج منها كالذَّهب الخالص وقد ثقَّفه صاحبه على النَّار ؛ فتزداد جمالاً وقوَّةً . {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا }( النجم : 43-44 ) . ولربما أصاب الإنسان ضِيقٌ دون سبب واضح يبدو له ؛ لأن السبب عند مُسبِّبُ الأسباب ، فاصطلِحْ معه يشرحْ لك صدرك ، ويضعْ عنك وزْرك . ثُمَّ خفِّف الحِمْل عن البائسين ، وتصدَّق على المُحتاجين ؛ فالصَّدقة بُرهان على الإيمان ، تنجلي بها الغُمَّةُ ، وتنكشف بها المُلِمَّةُ . فلْتنطلق في الحياة الفانية ، انطلاقك للحياة الباقية ، حتَّى تحصُد ما قدَّمت يداك . إن حوادث الزمن لا تعدو أن تكون فقداً أو حرماناً : فإنْ كانتْ فقْداً ، فالعائداتُ تُولِّي ، ولا يبقى لك إلَّا ما قدَّمت : {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ }( النحل : 96 ) وإن كانت حرْماناً ، فأنت لم تملك منها شيئاً طوال حياتك ، ولم تجرِّب لذَّة المُلكِ ؛ فلماذا البُكاءُ على ما لم تملكه ؟ فإذا وقع عليك ابتلاءٌ ( وهو واقعٌ لا محالة ) فحاوِل التخفيف عن نفسك وحلَّ مُشْكلاتك وإنْ كان لك يدٌ فيها ، واستشرْ أُولي الهمة والرأي ، وإلاَّ ففوِّض الأمر إلى الله - تعالى - إذا انقطعت بك الأسباب ؛ فهناك مسبِّب الأسباب يُجيبُ من مدَّ إليه يده : {أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }( النمل : 62 ) . وسيحلُّ لباس الفرح بديلاً من لباس الحُزْنِ ؛ فلا تبيتنَّ إلا خالي البال . إنَّ المُبتلى قريبٌ من الله ، قريبٌ من الجنة ؛ فأكثر الناس ابتلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل . فلْيكن استقبالُنا للأتراح كاستقبالنا للأفراح ، هكذا المؤْمن : إنْ أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له . واللهَ أسأل ألاَّ يجْعل مصيبتنا في ديننا .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |