تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 35 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #341  
قديم 02-12-2020, 12:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الطريق الموصل إلى الله تعالى
قد تقولون: هذه بعيدة، أنى لنا أن نصل إليها، كيف توجد هذه؟ ماذا نصنع؟ نعود من حيث بدأنا، وأنا أحلف بالله، وبعض الإخوان يلومونني لماذا أحلف؟ لا تلوموني، فأنا أحلف اقتداء بربي، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والحلف من أجل أن تطمئن النفس إلى القول وتقبله، فمن أراد أن يرحم أناساً يحلف لهم، من أراد أن يصدقوا الخبر يحلف لهم، والحلف الحرام بسيدي عبد القادر ورسول الله وفاطمة والحسين، فهذا من الشرك والعياذ بالله، الحلف بالباطل حرام، والحلف بالكذب فسق وفجور، لكن الحلف على الحق دين الله عز وجل. فأقول: الطريق السهل الميسر الذي نُري الله تعالى فيه قلوبنا وصدقنا في إيماننا، ورغبتنا في لقائه والسير في الطريق الموصل إليه، هو أن نأخذ بمبدأ: أن أهل القرية كأهل الحي في بلاد العرب والعجم على حد سواء، إذا دقت الساعة السادسة مساءً يقف دولاب العمل، لا دكاناً ولا مقهى ولا مطعماً ولا مصنعاً ولا مزرعة ولا.. ولا.. أهل القرية أهل الحي يتوضئون بسرعة، يلبسون أحسن ثيابهم ويحملون نساءهم وأطفالهم في صدق إلى بيت ربهم، وهل لربهم بيت خاص؟ إي نعم، المسجد، وإن ضاق وسَّعوه، وليسوا في حاجة إلى الحديد والإسمنت، يوسعونه بالخشب والحطب، باللبن والتراب، يجتمعون في بيت ربهم، أذَّن المغرب في الساعة السابعة والربع وإذا بأهل الحجاز كلهم في بيوت الله، أما الجهة الشرقية فبيننا وبينها نصف ساعة، والأمة كلها في بيوت الله، فيصلون المغرب والنساء وراء الستائر، والأطفال النورانيون دونهن، والفحول من أمثالكم أمامهن، ويجلس لهم عالم من ذاك النوع الرباني، فيدرسون كتاب الله وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقط قال الله وقال رسوله، لا أباضي ولا زيدي ولا نخولي ولا رافضي ولا مالكي ولا شافعي ولا حنبلي ولا حنفي ولا حزبي ولا وطني، وإنما أمة لا إله إلا الله، أمرها واحد، يخاطبها رب واحد، يهديها إلى الصراط المستقيم إله واحد، لا فرق بين عربي ولا عجمي، ولا أبيض ولا أسود، أهل القرية أهل الحي يتعلمون كتاب الله وحكمة رسوله، ليلة بعد ليلة، وفي عام وعامين تصبح تلك القرية وكأنها في عهد رسول الله وأصحابه. ما الذي يحصل بالعلم؟ يحصل به المودة، الإخاء، الحب، الولاء، التعاون، الزهد في أوساخ الدنيا وأوضارها وشهواتها وأطماعها، يتوفر المال عند الناس فماذا يصنعون به؟ من كان ينفق في الشهر عشرة آلاف ينفق ألفين ويفيض الزائد، ماذا يصنع به؟ لعلي واهم؟ والله لكما تقولون، عندما يصبح أهل الحي كأمة واحدة، جسم واحد، ماذا يصنعون بالمال؟ يفيض عليهم، وتنتهي مظاهر الضعف: الخيانة، الغش، الخداع، الكذب، الكبر، الحسد، الزنا، اللواط، ال.. ال.. انتهت، مُسِحَت، وهل تُمسح يا شيخ؟ إي نعم، سنة الله التي لا تتبدل، ونضرب المثل دائماً فنقول: أعلم أهل القرية اليوم في بلاد العرب أو العجم أعلمهم بالله ومحابه ووعده ووعيده أتقاهم لله، وأقلهم فجوراً، وأقلهم خيانة وكذباً، وأقلهم باطلاً وشراً، والله العظيم، فهل في من يشك بهذا؟ ومن ثَمَّ ما تكلفنا شيئاً، كل ما في الأمر أن النتاج يقوى، قلوبنا تتغير، يصبح ما يحصل عليه العامل وينتجه أضعاف ما كان قبل، فنحن نصلي الصبح ونقبل على الأعمال في البساتين، في المزارع، في المصانع بصدق وجد، بإخاء ومودة وتعاون، والله لننتج أكثر ما تنتجه مصانع الشرك والباطل والكفر، لا تقولوا: إذاً نعوِّق الحياة ونقف بها والناس يتقدمون، والله نصبح في وضعية يفتح الله أبواب العلم والمعرفة، فننتج ما لا تنتجه دول الكفر، وبهذا نكون قد أطعنا ربنا وامتثلنا أمره في قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].وهنا قد يقول قائلٌ: أنت فسرت الخير بالإسلام، وهذه الأمة -كما هو معروف- أمة الجهاد والغزو، كما أنك تقول: لو اجتمعنا في بيوت الله بنسائنا وأطفالنا نتلقى الكتاب والحكمة، فسننتقل من وضعية إلى وضعية أحسن، ونصبح.. ونصبح.. فكيف ونحن قد تركنا الجهاد؟! الجواب: نحن الآن لسنا في حاجة إلى أن نغزو، لا بريطانيا ولا إيطاليا، ولا تخوفوهم؛ لأن بلادهم مفتوحة لنا، فادخل وابن المسجد، وادع إلى الله، ووزع الكتاب والنَشْر ولا تخف، ولسنا في حاجة إلى أن نرسي سفننا في ميناء كذا لندخل إلى كذا، أبداً، انتهى هذا، فقط هيا ندعو إلى ربنا، كيف يا شيخ؟لقد بينا وقلنا: لمَ لا تتكون لجنة عليا، والمسئول عنها رابطة العالم الإسلامي، هذه التي بكينا وصحنا كذا سنة حتى تكونت، فتكوَّنت الرابطة، وتكوَّنت الجامعة الإسلامية، وتكون صوت الإسلام أو نداء الإسلام، هذا كله بسبب هذه الدعوة، فهل انتبهتم أو لا؟ أو نحلف لكم؟ والله العظيم، لو أن عندي الآن الرسالة التي رفعتها إلى جلالة الملك سعود، لاشتريتها بألفين ريال وهي ما تساوي عشرة قروش، لكن ضاعت، رفعنا رسالة وطبعتها بالآلة، ورفعناها إلى المسئولين، وكان مفتي الديار السعودية الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، أحد كبار العلماء في أيام الملك سعود رحمة الله عليه، وقلنا: لابد من القيام بهذا الواجب، أي: إنشاء جامعة أو معهد لتخريج الدعاة، فأمة الإسلام يأكلها الجهل ويغشيها ويعميها الضلال والشرك، فمن ينقذها؟ لابد من مصدر لتخريج العلماء أهل التوحيد والمعرفة لتطهير القلوب والنفوس، فوافق على تكوينها، فكذلك لابد من جماعة تربط العالم الإسلامي بعضه ببعض، وقد أخذ العالم يستقل إقليماً بعد إقليم. لا بد من هيئة عليا للعلماء تتكلم باسم العالم الإسلامي فتكونت الرابطة فكانت صوت الإسلام ولكن النتاج قليل؛ لمعوقات، ولأن القائمين عليها ما هم من النوع الذي نحلم به من الربانيين والأصفياء، أهل كرامة الله هم من نوعنا، فلهذا ما خطونا الخطوة الواسعة.الشاهد عندنا: الآن تتكون لجنة عليا من العالم الإسلامي تضم من كل إقليم -كبير وصغير- عالماً أو عالمين، وإذا بمجلس العلماء أفراده ينيفون على الثمانين، فكل دولة تبعث عالمين، هذه اللجنة العليا للإسلام لما تجتمع تكوِّن منها لجنان؛ لجنة إلى أمريكا، لجنة إلى أوروبا الشرقية، إلى أوروبا الغربية، لجنة إلى اليابان، أخرى إلى الصين.. إلى بلاد الكفر، وتدرس أوضاع الجاليات الإسلامية، وتتعرف إلى أعدادهم، وإلى مذاهبهم، وإلى سلوكهم، وإلى حاجاتهم، وبعد أربعين يوماً أو شهرين تأتي بخريطة، الإقليم الفلاني فيه كذا، الدولة الفلانية فيها كذا.إذاً: فهيا ننشر الإسلام، وحينئذ يكوِّنون ميزانية سرية خفية حتى لا نفزع اليهود أو الصليبيين، يسهم فيها كل مؤمن ومؤمنة بقرش؛ لأنها ضريبة الجهاد، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ [آل عمران:104]، يشارك فيها كل مؤمن، فأهل كل إقليم العلماء الذين منه يتولون الاتصال بالأفراد نساء ورجالاً يعلمونهم بأنه لا بد من المشاركة في هذه الميزانية في نشر الإسلام ودعوته في العالم، وفي خلال أربعين يوماً يعرفون أكبر ميزانية في العالم، فتكرس وتأخذ اللجنة العليا أولاً: تنتقي الكتاب اللائق بتدريسه وتعليمه، تنتقي العلماء الربانيين الصادقين، وتبعث العالم والكتاب بيده، وتتولى نفقة المسجد أو المدرسة على حسابها، وفجأة وإذا بتلك الجالية من أمريكا إلى أوروبا إلى اليابان أمرهم واحد؛ لأن مصدر النفقة واحد، ولأن الكتاب الذي يدرس واحد.وعلى سبيل المثال: منهاج المسلم، فأيما مسلم يقول: أنا لا أدرس هذا، مُسح اسمه من الإسلام، ما هو بمسلم؛ لأن هذا الكتاب يجمع المسلمين، فلا فرق بين شرقي، لا بين شافعي ولا حنفي، لا بين زيدي ولا أباضي، ولا بين مسلم ومسلم، يجتمعون في بيت الله، يتلقون الكتاب والحكمة، وتنمو أخلاقهم، وتسمو معارفهم، وإذا بالنور ينتشر، وإذا بالكفار من جيرانهم يغمرهم نورهم، فيطلبون هذا النور ويظفرون به، والله العظيم لو شاهد الكفار أنوار الإيمان حولهم لما رغبوا عنها ولطلبوها.وبالتالي نكون قد قمنا بواجب نشر الدعوة وبرئت ذمتنا، العوام والعلماء والحكام والأغنياء والفقراء.. كلهم برئت ذمتهم، وأصبحوا قد أدوا واجبهم، وكوَّنوا ما طلب الله أن يكوِّنوا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104]، فهل فهمت هذه يا دكتور أحمد؟ واضحة أم لا؟ ما الذي يمنع أن تكوَّن لجنة عليا وقد طالبنا بهذا في كتاب مكتوب إلى مسئولي الأمة علماء وحكاماً، ومضت عليه سنة، وما تحرك عالم ولا حاكم؟ أنا لا ألوم الحكام وإنما ألوم العلماء أولاً؛ لأن العالم لم يأت الحاكم فيبين له، وعليه فإننا آثمون، ما أدينا واجبنا، ما قمنا بأمر ربنا، عفوك يا عفو يا كريم، رحماك يا رب العالمين.

أهمية وجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مدن وقرى المسلمين
قوله تعالى: وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا توجد في العالم الإسلامي قط إلا في هذه المملكة، وقد أوجدها عبد العزيز رحمه الله؛ لأنه استقل عن العالم الكافر، والمسلمون مازالوا تحت سماء بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا، فكيف يكوِّنون هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم محكومون؟!إذاً: أعذرناكم أيام كنتم محكومين، لكن لما حكمتم واستقللتم وسدتم، وأصبحت لكم الحكومة المستقلة، لم لا تكوِّنون هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! نادوهم، ادعوهم: يا حكام كذا وكذا وكذا، من إندونيسيا إلى المغرب، لمَ لا تكونون هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أهم عصاة؟ إي والله، لم يطيعوا الله تعالى، أما وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]؟ لمَ نكوِّن أنواع البوليس على اختلافها؛ الدَرَك، الشُرَط ولا يوجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟! البوليس في يده الكُرْبَاج والصفارة يدور طول الليل والنهار، يشاهد منكراً ما يقول: هذا منكر، يشاهد معروفاً متروكاً ما يقول: يا عبد الله ما لك؟ لا، ما هي مهمتي؟! لا، لا، ما تتهمهم بهذا يا شيخ عبد الله اتركنا، اسمع، أنا ماشي في الطريق لمَ تعترضني سامحك الله؟! أنا أقول: استقل الإقليم عن بريطانيا، فيجب أن تكوِّن فيه هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووالله لو وجد في ذلك الإقليم -الذي استقل أمس عن بريطانيا أو فرنسا- علماء ربانيون صادقون لألزموا الحاكم أن يفعل، ولفرح بذلك؛ لأن الحكام ليسوا بجهلة، علمتموهم؟ جُهال وضلال؛ لأنهم تخرجوا من مدارس روسيا وأمريكا وبريطانيا، كيف يصبح وزيراً أو حاكماً وهو أمي؟! معقول هذا الكلام؟ لابد وأن يحمل الماجستير، الدكتوراه في علم السياسة، في علم النفس، فأين درسوا؟ في المسجد النبوي؟! أنفي ما قال تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101]؟ نحن الذين بعثناهم فدرسوا حتى كفروا، أنلومهم؟ ما لنا؟ أين عقولنا؟ سنقول: لو كان هناك علماء ربانيون لطالبوا الحاكم عندما استقل البلد أن يوجد هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يفرض إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ لأمر الله تعالى بذلك عند وجود الحكم والاستقلال، ما ننسى آية الحج: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41].لكن قد يقول قائل: يا شيخ، هذا الكلام نظريات قرآنية، فأين الواقع؟ ما رأينا الواقع، أقول: تعالوا إلى السعودية تشاهدون الواقع -إذا قالوا لهم: هذه رجعة إلى الوراء- تشاهدون هذا البلد المبارك، لولا الخليط الآن والارتكاسات، وماذا نقول؟ الذين يحاربون هيئات الأمر بالمعروف في داخل المملكة أكثر من خارجها، فهم يتقززون منها، ومع هذا والله لا يوجد بلد آمن من هذا البلد، ولا أطهر من هذا البلد، ومن يرد علي يخرج معي إلى البيت ويقول: أنا آخذك إلى البلد الفلاني الذي ليس فيه زنا ولا عهر ولا خيانة ولا كذب ولا.. ولا..، هاتِ، والله لا آمن ولا أطهر من هذا البلد، بسبب ماذا؟ الحكومة السعودية؟! هل عندها سحر؟ والله ما هو إلا إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووالله العظيم -لا تقولوا: الشيخ يحلف- يا ويل الذين يثبطون الحكومة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكتبون في الصحف، إنهم مرضى؛ لأنهم درسوا في الخارج، فيتقززون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بينما هو أمر الله يجب أن يكون في كل قرية من قرى المسلمين، رجالٌ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، حتى لا ينتشر المنكر بينهم فيهلكوا، حتى لا يختفي المعروف فينزلقوا ويتحطموا، ويسلط الله عليهم من يذلهم ويدوسهم بنعاله. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104] إي: الإسلام، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، كذا أو لا؟ فهيا نعتذر إلى ربنا، يا ربنا ما نستطيع، ما نقدر على أن نكوِّن، يقبل هذا العذر؟ نبحث عن الأسباب.

معنى قوله تعالى: (وأولئك هم المفلحون)
قال: وَأُوْلَئِكَ [آل عمران:104]السامون الأعلون، أشار إليهم بالبعد لعلو منزلتهم، والآن الحكومات والشعوب الإسلامية والكافرة كلها هابطة، والحكومة هذه البقية الباقية عالية والله العظيم، أو ما تثقون بهذا الكلام؟ أو لعلكم تقولون: هذا الشيخ يتملق! إن هذه كلمات يوحيها إبليس يمرض بها القلوب والعقول، ما يسمحون لمؤمن يقول كلمة حق أبداً، يتملق فقط، والتملق إذا قال الكذب أو قال الباطل، إذا دعا إلى المنكر من أجل إرضاء أصحابه، أما أن تكتم الحق، فهل هذا يصح من مؤمن؟! هذه البلاد من عفَّنَها؟ العالم الإسلامي يهشمها ويحطمها في كل مكان، فتجد السب والشتم والتضييع، ولا يقولون فيها خير أبداً ويذكروه، جبنا ديارنا وعرفناها في الشرق والغرب، والله لولا الله ما بقيت إلى اليوم أبداً. وَأُوْلَئِكَ هُمُ [آل عمران:104] لا غيرهم، الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] فالله يكذب؟ أعوذ بالله! تعالى الله عن الكذب، عرف الأشياء قبل أن يخلقها، كونها قبل أن توجد، فهل يجهل هذا؟ وأولئك الذين كونوا أو كانت منهم أمة تدعو إلى الإسلام وتجاهد وتبتع، وأمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديارها، هؤلاء هم وحدهم المفلحون، ما قال: (وأولئك المفلحون)، وإنما قال: وَأُوْلَئِكَ هُمُ [آل عمران:104] فلمَ أتى بالضمير(هم)؟ ليقصر الفلاح عليهم، ووالله لكما قال تعالى: هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فما معنى الْمُفْلِحُونَ ؟ الفائزون، وما معنى: الفائزون؟ هل الفائزون بجائزة نوبل؟! الله أكبر! أهل القرآن يقولون: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] إي والله، واقرءوا هذه الآية الكريمة: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، من يقول: إلا نفوس بني هاشم، إلا نفوس الطِليان. هل هناك من يستثني؟ لا. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، من حكم بهذا الحكم؟ الله، فهل استطاع أن ينقضه كائن في الكون؟ نافذ أو لا؟ إذاً: اسمع: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، أيتها الشغيلة، أيتها العملة، يا عمال! اعملوا، واصلوا العمل في الليل والنهار، ولا تطالبون اليوم بالأجر، إذ هذه دار عمل وليست دار أجر وجزاء، لا إله إلا الله! اعمل الصالح والطالح، والجزاء ليس هنا أبداً، فهي ليست دار جزاء، وإنما هي دار عمل، وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ [آل عمران:185] متى؟ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، أجور العمل سواء كان شراً أو كان خيراً وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]. ما هذه الأجور؟ دولارات، مليارات، إبل، أغنام، قصور؟! بين الأجور فقال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185] أي: أُبعد عنها وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، فهل عرفتم الفوز أو لا؟ وأخيراً: اذكروا حكم الله فينا وقد صدر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].معاشر المستمعين والمستمعات! هيا نزكي أنفسنا ولا يضرنا سقوط البشرية كلها في الهاوية، ليعمل كل واحد منا على تطهير نفسه بهذه العبادات المتقنة المقننة، وبالبعد عن كل ما حرم الله، من نظرة محرمة، أو لقمة محرمة، أو كلمة سيئة، أو حركة باطلة، بهذا تفلح يا عبد الله، وتفلحين يا أمة الله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].اللهم اجعلنا من المفلحين الفائزين يا رب العالمين، اللهم إن بيننا من يشكو الألم والمرض، فاشف مرضانا يا رب العالمين، وزكِ نفوسنا، وطهر قلوبنا ونورها لنا يا رب العالمين، وتوفنا وأنت راض عنا، وأدخلنا -يا ربنا برحمتك- في عبادك الصالحين.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #342  
قديم 02-12-2020, 12:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (43)
الحلقة (184)

تفسير سورة آل عمران (48)


الأمة المحمدية هي أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأجل أن تكون دعوتها على بصيرة فلابد لكل داعية فيها أن يعلم محاب الله عز وجل فيأمر بها، ويعلم مكاره الله ومساخطه فينهى عنها، ومتى ما قامت الأمة بهذا الواجب العظيم حفظ الله أمرها في الدنيا، وكتب لها الفلاح في الآخرة.

تابع تفسير قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات المباركات من سورة آل عمران عليهم السلام، وتلاوة الآيات -التي شرعنا في درسها البارحة- بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:104-109]. ‏

وجوب وجود جماعة من المسلمين تدعو إلى الإسلام
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! عرفنا وعلمنا وفهمنا وأيقنا أن على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كل أزمنتها وعصروها أن توجد فيها من يدعو إلى الإسلام، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104]، فلا خير أعظم من الإسلام، وبالتالي فلابد من إمام تبايعه أمة الإسلام، وأن يكون له جيش عظيم يغزو ويفتح من أجل نشر دعوة الله، وإدخال البشرية في الإسلام الذي هو رحمة الله، وهذا واجب ضروري، سواء قلنا: كفائي أو عيني، فأين إمام المسلمين؟ تفرقوا عنه ومزقوا بلاده وكوَّنوا دويلات وجماعات! إذاً فكيف يوجد لهم جيش إسلامي يدعو فيغزو ويفتح؟!إذاً: يجب أن تلتئم جراحاتهم، وأن تجتمع كلمتهم، وأن تتحد رايتهم، وأن يحملوا راية الدعوة إلى الله عز وجل، وإلا فهم آثمون بتركهم هذا الواجب، اللهم اغفر لنا وارحمنا.وقد ذكرت لكم فيما مضى ولعل بيننا من ينقل هذه الكلمات الحقة: مادمنا قد عجزنا عن الغزو والفتح، وقد فتح الله لنا بلاد العالم من الصين واليابان إلى أمريكا وأوروبا، فباسم الله نكوِّن لجنة عليا يشترك فيها من كل إقليم من أقاليم العالم الإسلامي عالم أو عالمان، وهذه اللجنة المكونة من أربعين أو خمسين عالماً تتولى نشر الدعوة الإسلامية بالكتاب والمعلم، وقبل ذلك بالدينار والدرهم.كما قلت لكم: إنه في الإمكان أن يرسموا خريطة للجاليات الإسلامية الموجودة في العالم، ويُعرف عددها وحاجتها، ثم توضع ميزانية تُفرض على كل مسلم في العالم الإسلامي أن يساهم بدينار، وهذه الأموال لا نريد أن نتبجح بها في الصحف والإعلانات فنثير أحقاد اليهود والماسونية والصليبيين، وإنما تتم في حالة سرية، والحكمة تقول: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، ثم يبعث إلى تلك الجاليات بعالم أو عالمين أو ثلاثة أو أربعة على قدر اتساع رقعتهم، ومعهم الكتاب الذي يوحد كلمتهم وصفوفهم، وحتى لا تبقى الفرقة ولا مظهر لها، وإنما كلهم مسلمون، فلا مذهبية ولا طائفية ولا عنصرية ولا وطنية، وإنما ديننا الإسلام الذي مصدره الكتاب وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم.وتمشي القافلة فلا تلبث أكثر من ربع قرن إلا وقد تضاعف أعداد المسلمين في العالم الخارجي، ولا يبعد أن تظهر دويلات إسلامية، ونكون بهذا قد أدينا هذا الواجب، ولنحمد الله على أن أراحنا من حمل السلاح وغزو البلاد وفتحها، إذ إن الله قد فتحها فالحمد لله، فهل تذكرون هذا أم لا؟ ننتظر حتى توجد الخلافة الإسلامية؟! متى؟ إن الباب مفتوح أمامنا انشر دعوة الله تعالى، بل يستطيع المسلمون أن يتجولوا في تلك البلاد بدون ما أمر من فوق أو من تحت، وبالتالي فالذي له ساعة في وقته له أن يزور بلداً ما على أن يحسن لغتهم، وله أن يتصل بفلان وفلان، فيعلمهم دين الله تعالى، وكل ما في الأمر أن الله رحمنا لضعفنا وعجزنا، ففتح لنا أبواب العالم لننشر الإسلام بكل راحة وطمأنينة.أما ديارنا الإسلامية فنحن قد هبطنا فمن يرفعنا؟ ورفعتنا ليست مستحيلة أبداً، إذ إن العالم الإسلامي اليوم كبلد واحد، فإذا كبرت في الشرق سمعت تكبيرتك في الغرب، وإذا رفعت يديك: وارباه، سمع دعاءك كل مؤمن في الشرق والغرب، فتستطيع أن تأتي إلى مكة في نصف يوم من أي بلد، وتأتي إلى المدينة في أقل من أربع ساعات.

الطريق إلى إيجاد جماعة من المسلمين تدعو إلى الله تعالى
والمهم والطريق هو -كما علمتم- أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله تعالى، فنطرحهما بين يديه، وترجمة ذلك أن نقبل على ربنا في بيوته، فنبكي بين يديه بنسائنا وأطفالنا كل ليلة حتى يستجيب دعاءنا، ويجمع كلمتنا، ويطهر أرواحنا، ويزكي نفوسنا، وهذا لا يكلفنا شيئاً، فكيف لا ندلل على أننا مفتقرون إلى الله محتاجون إلى رحمته لأننا في أسوأ الأحوال وأقل الظروف؟ يجتمع أهل القرية في مسجدهم، وأهل الحي في مسجدهم، وذلك من المغرب إلى العشاء كاجتماعنا هذا، ويتعلمون الكتاب والحكمة، ويزكون أنفسهم، واسمعوا إلى قول الله فيكم: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، أي: القرآن والسنة، فهل فينا يا أهل هذه الحلقة من يعتز بمذهبه فيقول: أنا حنفي، أنا شافعي، أنا مالكي، أنا حنبلي، أنا أباضي، أنا زيدي؟ لا أبداً، فالذين يجلسون في صدق فيتعلمون الكتاب والحكمة أصبحوا مسلمين، فلا عنصرية ولا طائفية ولا مذهبية، وإنما فقط نتبع هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولسنا في حاجة إلى من يبين لنا ذلك، وإنما إذا اتضح ولاح سلكناه ولا نبالي بالشرق ولا بالغرب؛ لأننا نريد أن ننزل بالملكوت الأعلى، نريد أن نخترق ونجتاز السبع السموات الطباق لننزل بدار السلام، فإذا كان هذا يكلفنا أن نجتمع في بيت الله ونبكي بين يديه طول حياتنا، فهل هذا غال؟ رخيص هذا.وشيء آخر: أين السياسيون؟ أين علماء النفس؟ أين علماء الاجتماع الذين يستطيعون أن يردوا على الله ورسوله؟ والله ما إن يطرح المؤمنون بين يدي ربهم إلا وقد انتهى كل مرض في قلوبنا، فلا غش، ولا خداع، ولا كبر، ولا غيبة، ولا نميمة، ولا سحت، ولا ربا، ولا زنا، ولا باطل، بل تنتهي كل هذه الأخباث المتنوعة، وهذا الظلم المتنوع، وهذا الشر والفساد، ولو تجتمع البشرية كلها على إزالته والله ما تزيله إلا على هذا الهدي الإلهي، ولو يضعون مع كل إنسان عسكري، والله ما يستطيع أن يستقيم، وإنما يكذب ويخدع ويغش ويخون، فلمَ لا نعرف هذا؟ فهيا نطهر قرانا ومدننا من هذا الخبث الذي خمت له الأجواء، ومن هذا الشر والفساد الذي طغى، ومن هذا العجز والضعف الذي أصابنا، بله من الحاجة والفقر، فما السبيل إلى ذلك؟ وما الطريق إلى ذلك؟ أن نحقق ولاية الله، أن نصبح أولياء الله، فالله قد نفى عن أوليائه الخوف والحزن فقال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. من هم أولياء الله تعالى؟ يقولون: العيدروس وسيدي عبد القادر والبدوي وفلان وفلان! إن أولياء الله كل مؤمن تقي لله تعالى، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، أي: يتقون سخط الله وغضبه وعذابه، بمَ يتقونه؟ بالمظلات؟ بالكهوف؟ بالطائرات؟ يتقونه بتسليم قلوبهم ووجوههم لله تعالى، بطاعة الله وطاعة رسوله، هذه الطاعة محتاج العبد إلى أن يعرف فيمَ يطيع الله؟ فيمَ يعصه؟وطلب العلم فريضة، وبالتالي فما الطريق إلى طلب العلم؟ عيينا، فتحنا في العالم الإسلامي مدارس وكليات، ومازال الجهل مخيماً، إذاً كيف نتعلم؟ دلونا على الطريق يا رشداء، يا عقلاء، ما الطريق إلى أن نتعلم؟ أو لستم بموقنين بما نتكلم به؟ والله لن يزول هذا الجهل وهذه الظلمة إلا إذا أقبلت الأمة على ربها في صدق، وأصبحت تجتمع في بيت ربها بنسائها وأطفالها، فيتعلمون الكتاب والحكمة طول العام، بل طول الحياة، في وقت يجب ألا يبقى فيه عمل، إذ الكفار لا يعلمون من الساعة السادسة إلى نصف الليل، ونحن نرفض هذا ونعمل حتى أننا لا نصلي المغرب في جماعة، ولا نجلس بين يدي معلم يعلمنا.

ضرورة إنشاء هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل قرى ومدن المسلمين
قال تعالى: وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، وقد قلنا في الجملة: لمَ الدويلات الإسلامية عربها وعجمها لا توجد بها هيئات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قالوا: هذا يكلف ميزانية جديدة! قلنا: نقسم الميزانية نصفين، نصفها للبوليس والشرط، ونصفها للهيئة، إذ البوليس والشرط لتحقيق الأمن، والهيئة لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فينتهي نصف الشر أو ثلاثة أرباعه، وشيء آخر: والله ليوجد من المسلمين من لو يأذنون لهم فيعطونهم سمة رسمية، ولا يحتاجون إلى مكافأة شهرية ولا عامية، لكن للأسف تستقل الدولة أو الإقليم ولا يريدون إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونستطيع أن نقول: إن الذي صرفهم هو الماسونية، لكن نحن الذين نمد أعناقنا لكل أحد، فالماسونية نلعنها، والمستعمرون الذين كانوا يحكموننا والله ما ألزمونا بألا نأمر بمعروف ولاننهى عن المنكر، بل ولا نصدق ذلك، فإقليم من الأقاليم يقول: لا، فنحن لما خرجت بريطانيا فرضت علينا ألا نفعل كذا! والله ما كان، لم ما يفعلون؟ ما يريدون الدار الآخرة؟ استغنوا عنها أم ماذا؟ نكل أمرهم إلى الله، اللهم اشهد فقد بلغنا.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #343  
قديم 02-12-2020, 12:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

دعائم الدولة الإسلامية
وقد بينت لكم ولهم بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضهما الله عز وجل على الدولة التي تقوم في البلاد، وهذه ليست نظرية وإنما سياسية، إذ إن دعائم الدولة الإسلامية أربعة:الأولى: إقامة الصلاة، ومعنى إقامة الصلاة أن المؤذن إذا قال: حي على الصلاة، وقف العمل، وأقبل المؤمنون على بيوت ربهم، فالجندي والعسكري كالمدني، والعامل كمراقبه، وأقبلوا على الله ليستمدوا قواهم، ويستمدوا رحمته وعونه لهم، وفي خلال ربع ساعة تنتهي الصلاة، ثم اندفعوا وراء أعمالهم، وذلك خمس مرات في الأربعة والعشرين ساعة؛ ليبقوا دائماً أولياء الله، ولتبقى ولاية الله ثابتة لهم.ولا تسألني عن النتائج المادية المحسوسة الملموسة من إقامة الصلاة، إذ لو أقيمت الصلاة اختفى كل وجه للباطل والشر والظلم والخبث والفساد، الأمر الذي لا تستطيع قوى الأمن بأي حال من الأحوال أن تحققه، بينما إقامة الصلاة والله ليحققه، أما قال العليم الحكيم: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]؟ وكررنا هذا القول -واشهد اللهم وإننا لمودعون- وقلنا لهم: تعالوا إلى أي بلد من العالم الإسلامي العرب والعجم، ونأتي بمحافظ المدينة ونقول له: يا فلان أعطنا قائمة بأسماء المجرمين في هذا الأسبوع، فيقدم لنا القائمة: هذا ضرب أباه، وهذا سرق أمه، وهذا فعل كذا، فقلت: والله لا نجد في تلك القائمة نسبة أكثر من 5% من مقيمي الصلاة، و95% من المصلين وتاركي الصلاة، والآن أربعين سنة ولم يعرفوا هذا، فالمقيم الصلاة الذي يناجي ربه على علم وبصيرة خمس مرات يخرج فيلوط ويزني ويكذب ويفجر ويسرق؟! والله ما كان، وإن وقعت مرة في عمره انغسل منها وانمحى ذنبه ببكائه وصيامه النهار وقيامه الليل. فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، لم؟ لأنها ما أنتجت لهم الطاقة النورانية، إذ الصلاة إن لم تقم على قدميها وساقيها كما هي لتنتج وتولد الطاقة النورانية في القلوب فإنها لا تنفع لضعفها، فهي صلاة بلا خشوع لا تولد هذا النور. إذاً: والآن لنعلم معاشر المؤمنين والمؤمنات! أن قول الله تعالى: وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] وآيات أخرى دالة على أنه يجب على المؤمن أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سواء كان مسئولاً أو غير مسئول، وذلك في القرية أو في الحي أو في السوق أو في الطريق أو في المسجد أو في البيت، فإذا رأى معروفاً متروكاً مهملاً، يلفت النظر إلى تاركه ومهمله، ويرغبه في فعله، ويكون بذلك قد أدى واجبه، وإن رأى منكراً مرتكباً مفعولاً في قرية أو في السوق أو في المدينة أو في المسجد أو في أي مكان، وهو يعلم أنه منكر، فينبغي أن ينبه أخاه بلطف ولين على أن هذا منكر، ومثلك لا يفعله، وأنت ولي الله، وهنا يتطلب الموقف معرفة المعروف ومعرفة المنكر، فالذي لا يعرف المعروف كيف يأمر به؟! قد يخطئ، والذي لا يعرف أن هذا الكلام منكر أو هذه الحركة منكر، أو أن هذا العمل منكر، كيف ينهى عنه؟!

أهمية معرفة محاب الله ومساخطه لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر
عدنا من حيث بدأنا: يجب علينا أن نعرف محاب الله ومساخطه، ومحابُ الله هي المعروف، ومساخطه هي المنكر، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش زمناً وهو لا يعرف ما يحب ربه ولا ما يكره مولاه؛ خشية أن يترك المحبوب فيغضب عليه ربه، أو يرتكب المكروه فيسخط عليه ربه، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش فترة يتمكن منها من السؤال والعلم والمعرفة، وهو لا يعرف المعروف ولا يعرف المنكر، إذ المعروف هو ما أحبه الله فشرعه في دينه، وأنزله في كتابه الذي أوحاه إلى رسوله، والمنكر هو المبغوض لله تعالى، أو ما حرمه الله تعالى، أو هدد فاعله، أو توعده، أو وضع له حداً من الحدود، سواء كان عقيدة أو قولاً أو عملاً، وبالتالي نعلم هذا كله في المساجد فقط، أما المدارس والكليات فلا، وقد بلغني -وأنا ما أطيق أن أسمع الأخبار- أن أعداداً كبيرة من خريجات الجامعات في البلاد العربية الآن يتزوجن بإطاليين وأسبان وأمريكان! مع أن الواجب على إمام المسلمين لو تزوجت امرأة مسلمة بكافر أن نغزو تلك البلاد، وأن نحرر تلك المرأة المؤمنة، ولا نترك الكافر يعلوها ويحول بينها وبين عبادة ربها. والآن فتياتنا وبناتنا علمناهن ورفعنا قيمتهن، فتخرجن من الكليات والجامعات، وبعث بهن إلى سويسرا وأسبانيا، وبالتالي يتزوجن اليهود والنصارى! فاسمعوا أيها المؤمنون! من الآن امنعوا بناتكم من دخول الجامعات في المدينة النبوية، لا أقول: من الجامعات في القاهرة المعزية، لكن قدي يقول قائل: يا شيخ! كيف تقول هذا؟ والله ما إن تزول هذه الراية -لا قدر الله- ويتولى الحكم إخوانكم، تصبح أوضاعكم أسوأ من أوضاع البلاد الأخرى، ويتسابقن بناتكم إلى أوروبا ليتعلمن، وتحل الخيبة وينزل البلاء والشقاء.ومع هذا مادمنا مندفعين وراء تعليم بناتنا، والزج بهن في الكليات والجامعات -هو الطريق المعروف- فلابد وأن ينتهي إلى كشف الوجوه والخلاعة والدعارة والوصول إلى البلاء، فهل يوجد علماء نفس يجادلوننا؟ أو علماء سياسة؟ أو علماء الحكمة؟ إن الله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، فكذلك الزج بالبنات في الجامعات والكليات والمدارس الثانوية وغيرها من أجل الرغبة في الدينار والدرهم مآله معروف، ولن يفلح إلا من شاء الله، ونحن أتباع النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم نعلم بناتنا كيف يعبدن الله؟ كيف يعشن على ذكر الله؟ كيف يربين البنين والنبات على نور الله وهداية الله؟ كيف يسعدن أزواجهن في بيوتهم؟ لا نعلم من أجل الوظيفة، إذ الوظيفة عمل رسمي يُعطى صاحبه مالاً معيناً.آه لما بدأت الصحف تظهر عندنا، وخاصة صحيفة المدينة والبلاد والرياض، أخذوا يطالبون بحماس: إلى متى والبنت السعودية في دياجير من الظلام؟! لم لا تُفتح مدارس للبنات؟! فكتبت رسالة بعنوان: الإعلام بأن العزف والغناء حرام، وهم يضربون ضربتين، مرة: لمَ تبق بنات السعودية في الظلام، افتحوا لهن مدارس؟ لمَ تبق إذاعتنا محطمة مهجورة ما فيها امرأة تغني، ولا فيها صوت كذا؟ وفعلاً انتصروا، وذلك لأننا -كما علمتم- نمد أعناقنا إلى الأعداء، ما هناك روح إيمانية ولا بصيرة، فقلت: والله إن فتحتم لهن المدارس الابتدائية لتطالبون بالثانوية، وإذا انتقلتم إلى الثانوية والله لتطالبون بالجامعة، وقد تم هذا كله بالحرف الواحد، والآن والله لتطالبن بالوظيفة، وفعلاً بدءوا الآن يطالبون بتوظيف النساء! وإذا تململنا وتململ آباؤهن وقالوا: كيف تتوظف النساء؟! إن التعليم غير الوظيفة، وهذا لا ينفع، فيبعثون بهن بالليل إلى جامعات أوروبا ليتعلمن العلوم التي البلاد في حاجة إليها! لأجل أن نصل إلى الوظيفة لا إلى الله. وعلى كل حال معشر المستمعين والمستمعات! احفظوا بناتكم عن الفتن، وإن جعن وإن عطشن وإن عرين خير لهن من الخروج عن دائرة الآداب والأخلاق والعقيدة والإيمان والإسلام، وحتى لا تكون سبباً في الفتنة إذا ظهرت.وقد بلغنا اليوم أن الحكومة قللت من استقدام الخادمات، فحمدنا الله عز وجل على ذلك، والآن ما يجد إبراهيم أو عثمان خادمة، إذاً: فيقول لابنته: اجلسي، اتركي هذه المدرسة واشتغلي مع والدتك في البيت، إذ والله لو شغلنا بناتنا في بيوتنا ما احتجنا إلى خادمات جاهلات، وبعضهن فاسقات ساحرات مبطلات، وترتب على مجيئهن البلاء وما يغضب الجبار.ونعود فنقول: يجب على المؤمن أن يعرف المعروف الذي يأمر به، ويعرف المنكر الذي ينهى عنه، وليس شرطاً أن تعرف كل معروف حتى تأمر بالمعروف، أو تعرف كل منكر حتى تنهى عن المنكر، وإنما حسبك إن عرفت أن إقامة الصلاة فريضة الله، وواجب على كل مؤمن ومؤمنة، فإذا وجدت من أهملها أو أعرض عنها فمره بذلك، أو عرفت أن الغيبة هي ذكر إنسان غائب في مجلس، وتعريته ونقده، فإذا كنت في مجلس وسمعت من يؤذي مؤمناً فقل: يا إخواننا! لا تذكروا أحداً وهو غائب، إذ إن هذه غيبة محرمة، أيضاً في مرة من المرات مرت بك امرأة كاشفة عن محاسنها في بلاد الطهر كهذه -والحجاب قائم والحمد لله- فأمرها بستر وجهها ومحاسنها، لكن بالكلمة الطيبة، وقد كان عندنا أحد الطلاب وقد مات، فقد كان يقرب من تلك المرأة المتبرجة ويلتفت بعيداً عنها ويقول: يا أمة الله! غط وجهكِ، ويمشي ويبتسم، وهو بهذا قد أدى الواجب الذي عليه .إذاً: يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( بلغوا عني ولو آية )، فمن عرف آية، بمعنى: حفظ الفاتحة، ثم سمع أمياً يصلي وهو لا يحسن قراءة الفاتحة، فيجب أن يقول له: يا عبد الله! تعال أعلمك الفاتحة، ويخلو به في جانب المسجد ويعلمه.أيضاً لو دخل أحدكم إلى بيت صاحبه فوجد في التلفاز نساء يغنين ويرقصن، فيبين له أن هذا لا يجوز، أو وجد كلباً في حجرة صديقه، فيتغدون والكلب إلى جنبهم يلهث، ولا يعرف أن وجود هذا الكلب في هذا المكان حرام، فقل له: يا عبد الله! أبعد هذا الكلب، ضعه عند حراسة الباب أو عند الغنم، لا عندنا في الحجرة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ).كذلك إذا زرت أخاك ووجدت عنده مغنية تغني في التلفاز وامرأته وبناته يشاهدهن، فقل له: هذا ما ينبغي، فأنتم مسلمون، طهروا بيتكم، وكل ذلك بكلمة طيبة، وبالتالي يكون قد أديت الأمانة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر.والذي لا يعرف مسألة لا يجوز له أن يأمر وينهى بدون علم، بل لابد وأن يكون قد عرف المعروف معرفة حقيقية، وعرف المنكر معرفة حقيقية، وحينئذ يأمر وبالتي هي أحسن، وعندنا نظام رباني فاسمع: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، فادع يا عبد الله إلى ربك بالحكمة، والحكمة: وضع الشيء في موضعه، والموعظة الحسنة: هي التي ترغب العبد في فعل الخير أو تبغض إليه فعل الشر، فتذكره بالدار الآخرة وما فيها، وإن جادلك من جادل فجادله بالتي هي أحسن؛ لأنه لابد من الكلم الطيب المعسول كما يقولون حتى يصل إلى قلبه ويستفيد منه، فهل عرفتم من هم المفلحون الفائزون؟ أبعدهم الله عن النار وأدخلهم الجنة.

نهي الله للمسلمين أن يسلكوا طريق أهل الكتاب في الفرقة والاختلاف في الدين
وقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا [آل عمران:105]، وهذا نهي، فاسمعوا يا عباد الله! وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105] في الدنيا والآخرة. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا أي: تفرقوا بعدما كانوا أمة أصبحوا أمماً، بعدما كانوا جماعة أصبحوا جماعات، واختلفوا في: هذا حلال وهذا حرام، هذا حق وهذا باطل، وهؤلاء هم أهل الكتاب وبصورة خاصة اليهود والنصارى، وَأُوْلَئِكَ أي: البعداء، لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ لا يقدر قدره ولا يعرف حقيقته إلا الله تعالى.وهنا أذكركم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة )، اليهود كانوا قبل النصارى، ( وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاثين وسبعين فرقة )، رواه الترمذي وهو صحيح، وقال: هذا حديث صحيح، وفعلاً فقد وجدت ست فرق في أمة الإسلام، وهي: الحرورية والقدرية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية، وانقسمت كل فرقة إلى اثنتي عشرة فرقة، فيكون مجموع تلك الفرق كلها اثنتان وسبعون فرقة، والناجية هي الثالثة والسبعون.فأولى هذه الفرق: الحرورية، نسبة إلى حروراء مدينة بالكوفة أو بالبصرة، ثم بعد ذلك القدرية الذين يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، وثالثاً: الجهمية محرفوا صفات الله ومؤولوها، ورابعاً: المرجئة الذين ليس عندهم ذنب أبداً، وإنما كل شيء يغفره الله تعالى، وخامساً: الرافضة أو الشيعة، وأخيراً: الجبرية القائلون: بالجبر، فيقتل ويقول: أنا مجبور! ويسب أمه ويصفعها ويقول: أنا مجبور! وكل ذلك حتى يستبيح كل شيء، وكل هذه الفرق لو تتبعتها في كتبها تجدها. إذاً: ما هي الفرقة الناجية؟ بنو هاشم؟ بنو تميم؟ الفرقة الناجية هي التي عقائدها وعباداتها وآدابها وأخلاقها وقضاؤها وحكمها على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فعقيدتك كعقيدة رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وكل الصحابة، وصلاتك وعبادتك تؤديها كما كان الرسول يؤديها وأصحابه ومن بعدهم، وزكاتك وصيامك وآدابك وأخلاقك وسلوكك دائماً مأخوذ من رسول الله وأصحابه، فهذه هي الفرقة الناجية، ومن عداها ففي النار؛ لأن العبادة إذا أُديت كما شرع الله فإنها تزكي النفس البشرية وتطهرها، فإذا زكت نفس العبد قبله الله في دار السلام، والعبادات التي تتنافى مع عبادة الرسول وأصحابه بالزيادة والنقص، أو بالتقديم والتأخير، هذه العبادة فاشلة، ولا تزكي النفس، وإذا لم تزكُ نفس العبد فكيف يدخل الجنة؟! فهل ينقض الله حكمه؟ أو هل هناك قوة أقوى من قوة الله؟ وهل صدر حكم الله على البشرية بأن من زكى نفسه دخل الجنة، ومن دساها دخل النار؟ نعم، ونجد ذلك في قول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فكن ابن من شئت، وعش في أي مكان شئت، إذا لم تزك نفسك -وأنت قادر على تزكيتها- فلن تفتح لك أبواب السماء، ولن تدخل الجنة مع الداخلين، وهذا حكم الله.وقد انتهت واندرست كل هذه الفرق والطوائف، إذ ما وجدت إلا للفرقة والتقسيم والضلال والعياذ بالله، وأنت مسلم أمرك الله بكذا، فقل: سمعاً وطاعة، أمرك الرسول بكذا، فقل: سمعاً وطاعة، نهاك الله ونهاك رسوله، فقل: سمعاً وطاعة، ولا تقل: أنا زيدي، أنا أباضي، أنا اثني عشري، بل لا تقل: أنا مالكي ولا شافعي ولا حنبلي، بل مد عنقك وقل: طاعة لله ورسوله.إذاً: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]، ونحن قد جاءتنا البينات، فكتاب الله خالد والله حافظه، وسنة الرسول حفظها الله وهيأ لها رجالاً يحفظونها، ولم يبق عذر لأحد من المسلمين، بل ومن الكافرين، ومن طلب وجد، والذين خرجوا عن أمة الإسلام لمَ لا يسألون العلماء ويرجعون إلى دين الله؟ لمَ يبقوا متعصبين جماعات جماعات، يضحك عليهم الشيطان وأولياؤه؟ من أجل أن يستقلوا ويكونوا الدولة على المذهب! إنها فعلة يهودية، وقد مد المسلمون أعناقهم وقبلوا الفرقة وانهزموا أمام الطغيان والشر، وأبوا أن يُقبِلوا على الله.وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #344  
قديم 02-12-2020, 12:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (44)
الحلقة (185)

تفسير سورة آل عمران (49)


الدنيا هي دار العمل، والآخرة هي دار الجزاء، فمن عمل في الدنيا الأعمال الصالحات، وقطع عمره في مرضاة الله، والعمل بأمره واجتناب نهيه جاء يوم القيامة أبيض الوجه، ودخل في رحمة الله عز وجل وجنته، وأما من أقام على المعاصي في الدنيا، ولم يأتمر بأمر الله عز وجل ورسوله، ولم ينته عن نهيهما فإنه يجيء يوم القيامة أسود الوجه، ويستحق سخط الله وعقابه.
تابع تفسير قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت، الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) حقق اللهم لنا هذا الموعود، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.هذا وقد انتهى بنا الدرس من سورة آل عمران إلى هذه الآيات التي درسناها ليلتين متتاليتين، وها نحن في الليلة الثالثة، ولعل الله يوفقنا لختمها ونهايتها، وإليكم تلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وتأملوا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] جعلنا الله منهم، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:105-109]. ‏

وجوب إيجاد جماعة في الأمة لنشر دعوة الله في العالم

أولاً: علمنا موقنين بأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كل أزمنتها وعصورها لابد فيها من جماعة تغزو وتفتح، وتدعو وتنشر دعوة الله في العالم، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104] الذي هو الإسلام، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].وقلنا: يجب على كل أهل إقليم من أقاليم العالم الإسلامي أن يوجدوا هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونظرنا إلى واقعنا فوجدنا أمة الإسلام أعرضت إعراضاً كاملاً عن هذا الواجب إلا ما شاء الله، كالدولة السعودية التي أسسها المرحوم عبد العزيز، فما زالت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة، وخصوم لا إله إلا الله يحاربونها في كل مكان، وإن حاربها اليهود والنصارى فلا عجب ولا غرابة؛ لأنهم لا يريدون أن نسعد وننجو، ولكن كون المحاربين لها من المسلمين فهذه التي لا تطاق.
الأسس الأربعة لقيام الدولة الإسلامية
قال تعالى: وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] بلغوا: لا يحل لمن أقام دولة في أرض الإسلام، وادعى أنه استقل بشعبه، وأصبح يدير مملكته أو إقليمه أو سلطنته أو جمهوريته، لا يحل له ألا يوجد هيئات من أهل العلم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإن تكبر عن هذا، أو خاف وانهزم، فمآل دولته الخراب والسقوط والنهاية المرة، أحبوا أم كرهوا؛ لأن الله تعالى قال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: حكمناهم وسوَّدناهم وأصبحوا حاكمين، أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41].فهذا إخبار بما يجب أن يكون، فإذا مكنك الله يا فلان وأصبحت حاكماً تدير مملكة أو قطراً أو جمهورية أو سلطنة، إن لم تقم دولتك على هذه الأسس الأربعة، فالعاقبة لله، وسوف تذوق أنت وقومك مرارة الحياة وآلامها، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]، ماذا يصنعون؟ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] إجباراً، إلزاماً، لا يحل لمواطن مهما علا شأنه أو نزل ألا يصلي في دولة الإسلام، والذي يتركها معرضاً عنها يستتاب ثلاثة أيام أو يقطع رأسه إلى جهنم، وأن تجبى الزكاة جباية نظامية إسلامية حتى صاع الشعير ورأس العنز؛ استجابة لأمر الله، أما أن نستبدل بها الضرائب الفادحة أو غير الفادحة، ونعرض عن جباية الزكاة، فمعناه: أننا أعرضنا عن الله وذكره، وتكبرنا عن الله وشرعه، قلنا هذا أو لم نقل.
إيجاد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة صمام أمان من العذاب
ثالثاً: لابد كما كوَّنا هيئات الشرط والبوليس والدَرَك للأمن وتحقيقه، فيجب أن نكوِّن هيئات يأمر رجالها بالمعروف وينهون عن المنكر، فإن رفضنا فالزمام بيد الله، أما قال: وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41] أو عاقبة الأمور عند بريطانيا وفرنسا؟ سوف تنزل بهم المحنة.فإن قيل: يا شيخ! لمَ تقول هذا؟ فنقول على علم: أما أنزل الله بالمسلمين بلاء عظيماً؛ إذ سلط عليهم هولندا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال وأسبانيا، فأذلوهم وأهانوهم وسادوهم وتحكموا فيهم ونكلوا بهم؟ فعل الله هذا أو لا؟ خائفون؟ تجاملون؟ فعل أو لا؟ إي نعم، مع أن أجدادنا الذين تسلط عليهم كانوا أتقى منا اليوم، كان عندهم الحياء والمروءة والرجولة، ونساؤهم محتجبات، ومع هذا لما أعرضوا ضربهم الله.وأما اليوم بعد هذه النعم المتتالية يعرض المسلمون عن ربهم، فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، لا يقيمون صلاة ولا يجبون الزكاة! فأين ربنا؟ بالمرصاد: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].إما أن يتوبوا قبل أن تدق الساعة، وإما والله سينزل بلاء ما عرفوه، مع أنهم في وضعيتهم هذه هم في بلاء، وليسوا في خير ولا في راحة ولا في سعادة، وإنما خبث وظلم وشر وفساد وتكالب.فهل عرفتم مضمون: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]؟ والجائزة: وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] الناجون من العذاب، الفائزون بالنعيم المقيم لا غيرهم.
التحذير من مشابهة الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات
قال الله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ [آل عمران:105] البعداء، لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]، ينهانا أن نكون كاليهود والنصارى في تفرقنا واختلافنا، ونزاعنا وصارعنا، ويعلمنا أن هذا الصنف من الناس لهم عذاب عظيم، حتى لا نتفرق ولا نختلف، فهل خِفنا مما خوفنا الله؟ الجواب: لا أبداً، أصبحنا أكثر من أهل الكتاب في الفرقة والخلاف، فعندنا ثلاثٌ وأربعون دولة، آلله أمر بهذا؟ أمة واحدة أم أمم؟ كم دستوراً -قانون- عندكم تحكمون به؟ عشرات، أين دستور الله: كتابه وسنة رسوله؟ على الرفوف في المكاتب، أما المحاكم فلا، هذه مقتضيات العذاب أو لا؟ والله لمقتضياته، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [يوسف:6]، يمهل ولا يهمل، على ذاك المنبر الشريف يخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المؤمنين فيقول: ( إن الله ليملي للظالم ) يزيد في أيامه وطغيانه وحياته، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى [هود:102]، العواصم والحواضر، وليست جغرافية الملاحدة، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى [هود:102] عاصمة كذا، وعاصمة كذا، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ [هود:102] شديد الألم، أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] فقل لهم: انتظروا.
تفسير قوله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه...)
والآن مع قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، اذكروا يا عباد الله، يوم القيامة وساعة فصل القضاء، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] فتصبح وكأنها الأقمار المشرقة، وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] فتصاب بالظلمة والسواد حتى كأنها الليل المظلم، وقطعاً سيتحقق هذا. ‏
جزاء المبيضة وجوههم والمسودة وجوههم يوم القيامة
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] بين لنا ربنا جزاء المبيضة والمسودة وجوههم، فقال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ [آل عمران:106]، فيقال لهم: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران:106]؟ ما لكم؟ ألستم كنتم بمؤمنين؟ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران:106]، فماذا يقولون في ساعة فصل القضاء؟ الاستفهام للتوبيخ والتأنيب والتعنيف والتقرير، وفيه إشارة إلى أن الذين يعبثون بدين الله ويستهزئون به، ويسخرون منه، ويعطلونه -وإن انتسبوا إلى الإسلام- فوالله لتسود وجوههم، وهذه فضيحة لهم.
قول الإمام مالك في قول الله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه...)
هذا مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وإمام دار النبوة، يروى عنه في العتبية أنه قال: لا توجد آية في كتاب الله أشد على هذه الأمة من هذه الآية؛ لأنها لا تتناول اليهود والنصارى والمجوس والمشركين، فلا يقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ ثم هل كانوا مؤمنين؟! فهذا يتناول هذه الأمة.اسمع، قال: روى ابن القاسم -تلميذ مالك- عن مالك شيخه في العتبية -كتاب معروف- أنه قال: ما آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، قال مالك : إنما هذه الآية لأهل القبلة بدليل قوله: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران:106]، فهاتوا لنا علماء معاصرين يؤولون هذه الآية، ويقولون: إنها في المشركين واليهود والنصارى، لا، فاليهود والنصارى قد انتهى أمرهم، فهل يقال لـأبي جهل: أكفرت بعد إيمانك؟! هو لم يؤمن حتى يقال له ذلك، وهل يقال لابن غوريون أو لـستالين: أكفرت بعد إيمانك؟ هو كان كافراً، إنما يقال هذا لمن يدعون أنهم مسلمون، فلا إله إلا الله! والسر في ذلك: أن هذه العبادات، وهذه الأحكام والشرائع ضمنها الله كفالة، وهي أنها تكفل سعادة الدنيا والآخرة، وذلك إذا طبقت على الوجه المطلوب، لكن إذا وقفت الشريعة، وعطلت أحكامها -كما هو واقع العالم الإسلامي إلا ما استثنينا من هذه الرقعة- فهل إذا سُئلوا يقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم وإلا كيف عطلتم شريعتنا واسودت وجوهكم؟! لأنها فضيحة ربانية، كذلك أهل الأهواء الذين حرفوا عقيدة الإسلام، فزادوا ونقصوا وكذبوا وافتروا، وهم يدعون أنهم مسلمون، وإذا دعوناهم إلى الكتاب والسنة، إلى قال الله ورسوله، تأففوا وترفعوا، وقالوا: لنا معتقدنا ولكم معتقدكم، فهؤلاء أهل البدع المخطئة المفسقة، فآيات الله فيهم أن تسود وجوههم، ويقول لهم الرب وملائكته: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران:106]، تجحدون بالقول أو بالعمل؛ لأن هذه العبادات إذا لم تؤد على الوجه المطلوب فلا تزكي النفس ولا تطهرها، فإذا صليت الصلوات الخمس ولم تصليها كما صلاها الرسول وأصحابه، فوالله لن تولد لك الطاقة، ولن تنتج لك النور، وهات صلاتك واعرضها على فقيه رباني من أهل السنة وقل له: صلاتي صحيحة أم لا؟ يقول لك: صلاتك باطلة؛ لأنك نقصت فيها كذا، زدت فيها كذا، أخرجت منها كذا، فبطل مفعولها، وهذه هي الحقيقة، ولذلك لو عرفوا لأكبوا على كتاب الله وسنة رسوله يبكون، وطالبوا العالمين بأهل السنة أن بينوا لهم الطريق إلى الله، لا الكبر والعنترية والاعتزاز بالقبيلة وبالإقليم وبالدولة وبالمذهب وبكذا، وكأن لم يكونوا عبيد الله.فهذا مالك يقول: إن هذه الآية لأهل القبلة، وليست في المشركين والكافرين، وإنما لأهل القبلة الذين ينتسبون إلى الإسلام ويصلون إلى الكعبة، وذلك لقول الله تعالى لهم: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران:106] وإلا فكيف اسودت وجوهكم؟!إذاً: فما الذي تستفيدونه؟ هو أن نحافظ -ما حيينا- على معتقدنا الرباني السليم، وعلى عباداتنا كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤديها ونحن موقنون، لا بدعة ولا ارتداد ولا انتكاس ولا باطل ولا.. ولا..، حتى نُبعث إن شاء الله وينزل بنا ماء من السماء فتبيض له وجوهنا فنصبح كالقمر.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #345  
قديم 02-12-2020, 12:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله ...)
قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107]، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم. ففي رحمة الله ألا وهي الجنة ورضا الرحمن، خالدين فيها لا يموتون ولا يخرجون منها ولا يرحلون، إنها بشرى عظيمة، إذ إن هذه الآية تساوي الدنيا وما فيها.مرة ثانية: اذكروا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ [آل عمران:106]، بذنوبهم وآثامهم، بشركهم وكفرهم وعنادهم، بإعراضهم عن ذكر الله، مع انتسابهم إلى الإسلام والمسلمين، فهؤلاء يقول لهم الله بنفسه، بل ينزه نفسه أن يكلمهم، فملائكته تكلمهم وتقول لهم: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران:106]، ويساقون إلى جهنم كما تُساق الإبل. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107]، لا يسألون ولا يستنطقون أبداً، فما إن ابيضت وجوههم إلا وقد عرفوا أنهم إلى دار السلام إلى الجنة.
تفسير قوله تعالى: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق...)
وأخيراً: يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [آل عمران:108]، هذه التي سمعتم آيات الله وعلاماته الدالة على وجوده رباً وإلهاً عليماً حكيما قوياً قديراً تغلل علمه في كل شيء، قدرته لا يعجزها شيء، آية تدل على وجود الله وعلمه وقدرته ورحمته وحكمته، وتدل على نبوة محمد ورسالته، إذ لو لم يكن رسوله لما أنزل عليه هذا القرآن، ولما أوحى إليه هذا الهدى وهذا البيان، تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [آل عمران:108]، ينزل بها جبريل بأمر الله تعالى، وجبريل يقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ [آل عمران:108]، بشرى، حاشا لله أن يريد الظلم للعالمين، إنسهم وجنهم، أبيضهم وأسودهم، أولهم وآخرهم، والله ما يريد الله الظلم لأحد، فهو منزه عن الظلم؛ لأن الظلم من شأن العجزة والضعفة والمحتاجين، فهم يظلمون من أجل أن يُكمِّلوا حالهم، أما الغني عما سواه فكيف يظلم؟! وأي داعٍ للظلم؟! إنما الذي يظلم هو العاجز الضعيف، يريد أن يُكمِّل قوته، وأن يزيد فيها، أما القوي الكامل فكيف يظلم؟! إذاً: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ [آل عمران:108]، بل يريد رحمتهم وهدايتهم وسعادتهم وكمالهم؛ لهذا أنزل كتابه، وبعث رسوله، وبين هذا البيان، وفصل هذا التفصيل.
تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السموات وما في الأرض...)
وأخيراً يأتي هذا التعقيب: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، من يقول: إلا الإقليم الفلاني لنا؟ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، هل هناك من يقول: إلا القطر الفلاني فهو لنا، إلا الحكم فهو لنا، أين ستالين ولينين وجماعة موسكو؟ في جهنم، وأين تلك العنجهية والعنترية والتعالي؟ انتهوا، مائة سنة من هذه الليلة لم يبق منهم كلب ولا خنزير، إذ إن كل ما في السموات وما في الأرض للباقي الخالد، أما الذي يفنى ويزول ويذهب، أسوأ أحواله هل يملك شيئاً فيقال: له كذا وكذا.
طلب الحوائج من الله
قوله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:109]، إذاً: يا فقراء، اطلبوا من هذا الغني، تريدون عزة وسلطان ودولة اطلبوها من الله، فهو يقول لكم: طبقوا شريعتنا، امشوا على منهجنا، تكملون وتسعدون، لكن لا نريد سعادة ولا كمال، وإنما نريد الخبث والظلم والهزؤ والسخرية! إذاً: ابقوا كما أنتم. إن هذا الإعلان عجيب، وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، يا طلاب الدولة! يا طلاب الرئاسة! يا طلاب المال! يا طلاب العزة! يا طلاب الطهر! يا طلاب الصفاء! يا محتاجون إلى أي شيء، اطلبوه من الله، أو هناك آخر نطلبه منه؟ ليس هناك من يملك إلا هو، فالله ملكاً أبدياً ما في السموات وما في الأرض، فكل من أراد سعادة في الدنيا وفي الآخرة فيطلبها من الله، أما أن يطلبها من الشياطين بالحيل والمكر والخديعة والخبث والنتن والعفونة والله ما ظفر بشيء، ومآله الخسران الأبدي.أردت أن تتزوج، عليك برب الأرباب، قم آخر كل ليلة وصل ركعتين وابكي وقل: زوجني يا رب، والله يأتيك بها كحوراء، تريد عملاً تقتات منه وتسد حاجتك، اقرع باب الله، ما هو بالغش وبالحيلة والمكر والخديعة، وإنما اركع واسجد وابكي عاماً عامين يفتح لك الباب، تريد أن يرفع عنك الظلم وأنت مظلوم مهان فكذلك، وهكذا. وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، من كل شيء بيده، هو الذي بيديه، ممن نطلب هذا إذاً؟ نطلب من أمريكا؟ من فرنسا تقوينا؟ من أسبانيا تمدنا؟ اطلبوا من الله.
كل الأمور مردها إلى الله سبحانه وتعالى
وأخيراً: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:109]، مردها كلها إليه تعالى، فما بقي لنا إلا أن نقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علمونا محاب الله لنحبه، علمونا مكاره الله لنتركها، علمونا كيف نعبد ربنا من طريق رسولنا، بينوا لنا سنته؟ الجواب: تعالوا إلى بيوت ربكم يعلمكم، فإن رفضتم فلن تموتوا إلا بعداء أشقياء، وهي سنن الله التي لا تتبدل، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، وطلب الهداية من الله يهبها لمن طلبها، وطلب الغنى وعدم الحاجة من الله الله، فهو الذي يغني عبده، وهكذا، أما أن تستغني عن الله، أو لا تعلن احتياجك له، وتطلب حاجاتك من الشياطين والأهواء، فوالله لن تفلح، وإنما تتعب سبعين سنة ثم تتحطم؛ لأن الله قال: وَإِلَى اللَّهِ لا إلى غيره، تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:109]، كلها، أمور الدنيا والدين، أمور الدنيا والآخرة، قولوا: آمنا بالله.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ معنى الآيات: بعدما أمر الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بتقواه، والتمسك بدينه، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف، وحضهم على ذكر نعمه؛ ليشكروها بطاعته، أمرهم في هذه الآية بأن يوجدوا من أنفسهم جماعة تدعو إلى الإسلام، وذلك بعرضه على الأمم والشعوب، ودعوتهم إلى الدخول فيه، كما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديار الإسلام وبين أهله، فقال تعالى مخاطباً إياهم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] - ولتكن منكم أي: يجب أن تكون منكم طائفة يدعون إلى الخير، أي: الإسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر- وبشرهم بأن الأمة التي تنهض بهذا الواجب هي الفائزة بسعادة الدنيا والآخرة، فقال: وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، الفائزون بالنجاة من العار والنار، وبدخول الجنة مع الأبرار.وفي الآيات (105) (106) (107) نهاهم أن يسلكوا طريق أهل الكتاب في التفرق في السياسة والاختلاف في الدين، فيهلكوا هلاكهم، فقال تعالى مخاطباً إياهم: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ، فلا ينبغي أن يكون العلم والمعرفة بشرائع الله سبباً في الفرقة والخلاف، وهما أداة الوحدة والائتلاف، وأعلمهم بجزاء المختلفين من أهل الكتاب؛ ليعتبروا فلا يختلفوا، فقال تعالى: وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، لا يقادر قدره ولا يعرف مداه، وأخبرهم عن موعد حلول هذا العذاب العظيم بهم، وأنه يوم القيامة حينما تبيضّ وجوه المؤمنين المؤتلفين القائمين على الكتاب والسنة، وتسودّ وجوه الكافرين المختلفين القائمين على البدع والأهواء، فقال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، وبيّن جزاء الفريقين فقال: فأما الذين اسودت وجوههم من سوء ما عاينوه من أهوال الموقف، وما أيقنوا أنهم صائرون إليه من عذاب النار ].لطيفة: اسودت وجوههم بسبب ماذا؟ قال: من سوء ما شاهدوا من أهوال الموقف، وما أيقنوا أنهم صائرون إليه من عذاب النار، فلذلك اسودت وجوههم. قال: [ فيقال لهم تقريعاً وتوبيخاً: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ، إذ هذه وجوه من تلك حالهم، فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران:106] بالله وشرائعه.وأما الذين ابيضت وجوههم فلم يطل في الهول موقفهم حتى يدخلوا جنة ربهم، قال تعالى: فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107].وفي الآية (108) شرف الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بخطابه والوحي إليه، فقال: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [آل عمران:108]، أي: هذه الآيات المتضمنة للهدى والخير نقرأها عليك بالحق الثابت الذي لا مرية فيه، ولا شك يعتريه، فبلغها عنا وادع بها إلينا، فمن استجاب لك نجا ومن أعرض هلك، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ [آل عمران:108]، فلا يُعذب إلا بعد الإعلام والإنذار.وفي الآية الأخيرة (109) يخبر تعالى أنه له ملك السموات والأرض خلقاً وتصرفاً وتدبيراً، وأن مصير الأمور إليه، وسيجزي المحسن بالحسنى، والمسيء بالسُّوأى ].
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات: أولاً: وجوب وجود طائفة من أمة الإسلام تدعو الأمم والشعوب إلى الإسلام، وتعرضه عليهم، وتقاتلهم إن قاتلوها عليه ].وقد بينا هذا وقلنا: لا بد من وجود إما الجهاد وإما لجنة عليا كما هي اليوم، وإن شاء سوف تسمعون بوجود لجنة عليا تكونت؛ لأنكم بلَّغتم، وتحدثتم بهذا في بيوتكم، وسوف تنقل إلى بعض الصالحين المسئولين فيكونونها. قال: [ ووجوب وجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مدن وقرى المسلمين.ثانياً: حرمة الفرقة بين المسلمين والاختلاف في دين الله ].فالذين يرفضون الوحدة والاتفاق على منهج الحق ملعونون هالكون، والذين ينادون: تعالوا، قال الله وقال رسوله ناجون والحمد لله.قال: [ ثالثاً: أهل البدع والأهواء يعرفون في عرصات القيامة باسوداد وجوههم.رابعاً: أهل السنة والجماعة وهم الذين يعيشون عقيدة وعبادة على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يعرفون يوم العرض بابيضاض وجوههم. خامساً: كرامة الرسول على ربه وتقرير نبوته، وشرف من آمن به واتبع ما جاء به.سادساً: مرد الأمور إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة، فيجب على عقلاء العباد أن يتخذوا لهم عند الله عهداً بالإيمان به وتوحيده في عبادته، بتحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #346  
قديم 05-12-2020, 05:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (45)
الحلقة (186)

تفسير سورة آل عمران (5)


زين الله عز وجل لعباده زينة الدنيا ومحاسنها وما فيها من النساء والأولاد والأموال فتنة لهم وامتحاناً واختباراً، وذلك حتى يأخذوا منها ما أباحه لهم، وما سمح لهم بأخذه والاستمتاع به، ويجتنبوا ما نهاهم عنه وحرمه عليهم من هذه النعم، ثم أخبرهم تعالى بأن ما أخذوا وما تركوا ما هو إلا متاع الحياة الدنيا والله عنده في الآخرة الجنة لعباده المؤمنين الصادقين.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) . اللهم حقق رجاءنا يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين!وها نحن اليوم مع آية واحدة من كتاب الله، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]. وقبل أن نشرع في تدارس هذه الآية الكريمة نتذاكر ما علمناه بالأمس! تذكرون أننا عرفنا أن الذنوب هي بريد العذاب، إذ قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أخذهم الله فعذبهم أشد العذاب؛ بسبب ذنوبهم، فالذنوب بريد المهالك والمعاصي وبوابة الخسران والشقاء والعذاب.والذنوب: هي المعاصي، معصية الله في أمره أو نهيه ذنب، ومعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره أو نهيه ذنب، فمن أمر ولم يفعل كمن نهي وفعل، كلاهما أذنب، فيؤاخذ بذنبه ما لم يتب ويتوب الله عليه.
الإيمان والعمل الصالح هما سلم الصعود إلى الملكوت الأعلى
من منكم يذكر لنا مراقي الصعود؟ ما هي المرقاة التي نخترق بها السموات السبع وننزل بالفردوس الأعلى؟الطلبة يخافون أو يستحون؟! الإيمان والعمل الصالح هما مرقاة الصعود إلى الملكوت الأعلى، وإن طلبتم بيان ذلك فأنتم عليمون به، فقد عرفتم حكم الله الذي صدر علينا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10]، والله إذا حكم فلا معقب لحكمه، فهو الذي أخبر بنفسه في سورة الرعد فقال: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]!تأملوا! قول الله عز وجل من سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، طاعة الله وطاعة الرسول أليست هي الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي؟! بلى.والطاعات: فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه، أمر بالإيمان والعمل الصالح، ونهى وحرم الشرك والمعاصي، اسمع لتشاهد هذه المرقاة: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ أي: المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]! كيف انتظم هؤلاء في سلك هذه المواكب في الملكوت الأعلى؟ ما هي المرقاة؟ ما هو السلم؟ ما هو البريد؟ إنها طاعة الله عز وجل، وطاعة الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، واللفظ واضح كوضوح الشمس، ولفظ (من) من ألفاظ العموم، فكل من يطع الله والرسول سواء كان ذكراً أو أنثى، عربياً أو أعجمياً، فقيراً أو غنياً، شريفاً أو ضيعاً مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]!أين هم الذين أنعم الله عليهم؟ أين رسول الله؟ في الملكوت الأعلى.أين أرواح الشهداء؟ أين أرواح المؤمنين؟ في الفراديس العلى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]. اللهم اجعلنا منهم ووالدينا يا رب العالمين!
إنعام الله على عباده الطائعين بنعمة الإيمان به
هنا سؤال يُطرح على السامعين والسامعات: بماذا أنعم الله عليهم؟ بالأموال؟ بالذرية والأولاد؟ بالمناصب العالية؟ بالجاه والسلطان؟ نريد أن نعرف بماذا أنعم عليهم؟ من نسي فليقرأ سورة الفاتحة ويتدبر قول الله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، إذ أنعم عليهم بأربع نعم: الأولى: نعمة الإيمان بالله، وبما أمر الله أن نؤمن به ونصدق وإن كان وراء العقول -كما يقولون- فإذا قال تعالى شيئاً نؤمن بما قال، ونقول: آمنا!في ذات ليلة وهو صلى الله عليه وسلم جالس كالبدر وحوله الكواكب الزهر من أصحابه قطع الدرس وقال: (آمنت به، آمنت به ) وأخذ بلحيته الطاهرة ، فما هذا الذي أُمر الرسول أن يؤمن به على الفور؟ ( أوحى الله إليه أن رجلاً فيمن كان قبلنا من الأمم السابقة كان يركب بقرة ) فلاح.. مزارع ركب بقرة ( فقالت له: إنا لم نخلق لهذا ) فالبقرة للسقي والحرث وليست للركوب عليها، فلما كان هذا مما لا يعقل ما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: ( آمنت به ). لأنها رفعت رأسها إليه وقالت: ما لهذا خلقت! البقرة نطقت بلغة الرجل، ورفعت رأسها إلى الخلف وهو عليها وقالت: ما لهذا خلقت! فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( آمنت به، آمنت به )، وكان الشيخان غائبين عن المجلس فقال صلى الله عليه وسلم: ( وآمن به أبو بكر وآمن به عمر ) ثقة في إيمان الرجلين!ومعنى هذا يا أبناء الإسلام! إذا أمر الله بالإيمان بشيء فسلموا وقولوا: آمنا به، سواء أدركتموه أو لم تدركوه فليس أمامك أيها المسلم إلا أن تقول: آمنت به!
إنعام الله على عباده الطائعين بمعرفته سبحانه بأسمائه وصفاته وجلاله وكماله
ثاني نعمة: معرفة الرحمن، معرفة الله، معرفة الله بأسمائه وصفاته، بجلاله وكماله، بآياته في الكون، بمخلوقاته؛ إذ ما من مخلوق إلا والله خالقه؛ فدل ذلك على واسع علمه وعظيم قدرته! من منكم يقول: أنا عرفت الله؟ من منكم يقول:أنا أنعم الله علي بمعرفته فعرفته؟ نحن نقول: عرفنا ربنا، فما هي البراهين على معرفتنا لله أو عدم ذلك؟ ما الدليل؟ اسمعوا وعوا! معرفة الله في القلب تثمر شيئين متى وجدا كانت المعرفة موجودة، ومتى انتفيا أو انتفى أحدهما فلا معرفة، وهما: حبه تعالى والخوف منه. من لم يخف الله والله ما عرفه! من لم يحب الله عز وجل والله ما عرفه! أنت الآن بفطرتك تحب من تسمع عن شجاعته.. عن كماله.. عن سخائه.. عن علمه.. عن طهره.. عن صفائه.. فتحبه لصفاته وليس شرطاً أن تراه أبداً، فكلنا يحب رسول الله لما له من صفات الجلال والكمال، وكلكم يحب علي بن أبي طالب ؛ لشجاعته.إذاً: من لم يحب الله ولم يخفه ما عرف الله!ومعرفة الله تثمر وتنتج للعارف شيئين ضروريين لحياته حتى يستقيم على منهج الحق وهما: حب الله، والخوف منه، فمن أحب الله عمل كل ما يحب في حدود طاقته، ومن خاف من الله هجر وهرب من كل ما يكره الله.
إنعام الله على عباده الطائعين بتعريفهم محابه ومساخطه سبحانه
النعمة الثالثة: معرفة محابه ومساخطه، معرفة ما يحب الله من الاعتقادات القلبية والأقوال والأعمال الذاتية، ومعرفة عكس ذلك وضده وهو ما يكره تعالى من الاعتقادات والأقوال السيئة والأعمال الفاسدة والصفات الذميمة، فلا بد من معرفة ما يحب الله حتى الكلمة الواحدة: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، ولا بد من معرفة ما يكره الله حتى الكذبة. هذه هي النعمة الثالثة: معرفة ما يحب الله وما يكره، وإذا قلت لنا: كيف أعرف ذلك؟ يقال لك: اقرع أبواب العلماء واسألهم، اقرع كتابه وادرسه، امشي وراء رسوله وتتبع سيرته تجد ما يحب الله وما يكره، أما أن يوحي إليك وأنت في مزرعتك أو مصنعك فهذا مستحيل، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] ، وهذا أمر، اسألوا! من نسأل يا رب؟ أهل الذكر. ما الذكر هذا؟ إنه القرآن: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1].وإذا لم نجد من نسأل ماذا نصنع؟ يجب أن نرحل ونركب بعيراً أو بهيمة أو طيارة أو باخرة حتى نجد الشخص الذي يعرف ما يحب ربنا وما يكره! قد تقول: يا شيخ هذا متعب، وهذا غير معقول؟ فأقول لك: ارحل من هذه القرية التي لا يوجد فيها من لا يعرف ما يحب الله وما يكره وانتقل، هاجر كما هاجر الأصحاب من مكة إلى المدينة؛ ليتعلموا الكتاب والحكمة! فإذا قلت: لا أستطيع! سأقول لك: كيف تستطيع أن تخترق سبع سموات وتنزل هناك؟ أهذه سهلة؟ مستحيلة هذه، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، فكل من لا يعلم يجب عليه أن يسأل حتى يعلم أحب أم كره، وبذلك يفترض أن لا يوجد بين المسلمين جاهل إلا من كان حديث عهد بالإسلام؛ إذ هذا نظام حياتهم، من لا يعلم يسأل حتى يعلم، ولا يشترط أبداً القلم ولا القرطاس، فإذا كنت تريد أن تأكل ولأول مرة فائت إلى عالم وقل له: كيف أتناول الطعام؟ سيقول لك: إذا وضع الطعام بين يديك فقل: (بسم الله)، وتناوله بيدك اليمني، ولا تأكل من حافة القصعة، وكل مما يليك فقط، وإذا أكلت فلا تشبع، بل كل بقدر ما تقيم صلبك وحياتك، ثم إذا ختمت فالعق أصابعك كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يلعق إن كان فيها إدام، ثم قل: (الحمد لله)، وبهذا تكون قد تعلمت كيف تأكل، فعلم امرأتك وأولادك ما تعلمته!
إنعام الله على عباده الطائعين بنعمة التوفيق للعمل
أخيراً: النعمة الرابعة: توفيق الله لك يا عالم أن تعمل بما علمت، إذ لو خذلك الله وما وفقك فستصبح كعلماء اليهود المغضوب عليهم!لم غضب الله عليهم؟ لأنهم علموا وأبوا أن يعملوا، آثروا الدنيا وأوساخها بعدما علموا فغضب الله عليهم، قال الله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، صراط المغضوب عليهم من اليهود لا نسلكه ولا نمشي عليه، وكذا صراط الضلال والجهال من النصارى، لا نمشي وراءهم! إذاً: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] أنعم الله عليهم بأربع نعم هي: أولاً: الإيمان؛ لأن هذه النعمة تطلب من الله، فكم وكم ممن طار في السماء وغاص في الماء ما آمن، فهذه نعمة تطلبها من الرحمن.ثانياً: معرفته عز وجل، وهذه تطلبها من الكتاب والسنة، وسؤال أهل العلم.ثالثاً: معرفة ما يحب وما يكره سبحانه، وهذه تطلبها من أهل العلم، وترحل من بلد إلى بلد لتظفر بها. وأما الأخيرة فنعمة التوفيق، فاطرح بين يدي الله وتململ بين يديه وأنت تبكي: رب زدني علماً! رب وفقني لما تحب وترضى! فيوفقك، ومن ثم -إن شاء الله- تجدون أنفسكم قد اخترقتم سبعة آلاف وخمسمائة عام، وما هي إلا لحظات فقط والشيخ على سرير الموت، وموكب من الملائكة -وليس ملكاً واحداً- فيسلم عليه ملك الموت: السلام عليكم، فلو كنت حاضراً لرأيت الابتسامة على وجهه وهو فرح، وتزف إليه البشرى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:30-31]، الله أكبر! لأن هذا الميت آمن واستقام، ما اعوج ولا انحرف ولا زاغ، وواصل مسيرته! وروحه ما هي إلا لحظات وهي تحت العرش! وهنا قد يقول قائل: لحظات وهي تحت العرش يا شيخ؟ فأقول له: نعم، هذا فوق مستوى عقولنا، فقل: آمنت بالله! وقد صار أعظم من هذا، من بيت أم هانئ رضي الله عنها إلى بئر زمزم أجريت عملية جراحية لأول مرة في القلب، وغسل القلب وحشي بالإيمان والحكمة، وأسري به إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى ما وراء دار السلام، وعاد صلى الله عليه وسلم. تقول أم هانئ : ما زال فراشه دافئاً ما برد!!
تفسير قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين...)
الآن مع قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، من المزين؟ إنه الله الذي زين لعباده الحسن الجميل، وذلك لحكم عالية. ‏

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #347  
قديم 05-12-2020, 05:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (زين للناس)
ما معنى (زين)؟ هل أنت تحب الطعام وتحب الشراب أم لا؟ بلى، كيف تحب هذا؟ من جعل هذا الحب فيك؟ إنه الله، فهو الذي زين لك هذا! وأنت أيها الفحل تحب امرأتك وتأتيها ولولا التزيين الإلهي والله ما تنظر إلى ذلك المكان ولا ترضاه لنفسك، ولكنها غرائز غرزت وطبائع طبعت لحكم عالية، من أبسطها: لولا أن الله زين لك حب الطعام والشراب ما كنت لتعيش، ولو قلت: أنا لا آكل ولا أشرب -كما يفعل الغافلون في السجون فيضربون عن الطعام حتى الموت- فلا بد أنك ستموت. إذاً: زين الله لك هذا حتى تحيا وتمتد حياتك لتذكره وتشكره.ومن ذلك أيضاً: قضية إتيان الأنثى في تلك الصورة، فهذه والله لولا أن الله زينها ما أقبل عليها آدمي ولا عرفها. لِم زينها الله؟ للتناسل وتواجد بالبشرية لتذكر الله وتشكره، وهذا تدبير الحكيم العليم.إذاً: الله يزين هذه الأمور لعباده لحكم عالية، مع ملاحظة أن الله يزين الحسن، والشيطان يزين القبيح، فكن مع ما يزين الله الحكيم العليم، وإياك أن تكون مع ما يزين الشيطان الرجيم، فالشيطان لا يزين إلا القبيح، والله لا يزين إلا الحسن، وتزيين الله عز وجل لحكمة، وتزيين الشيطان أيضاً لحكمة، فيزين لك الخبائث والمحرمات من أجل أن تهلك معه، والقضية قديمة الجذور والأصل، فالشيطان -عليه لعائن الله- حسد أباكم آدم وتكبر، ومن ثم لما أبلسه الله وأيئسه من الخير وأصبح قانطاً آيساً لا يدخل دار السلام أبداً سأل الله عز وجل أن يطيل عمره إلى نهاية الحياة من أجل أن يزين لبني آدم المنكر والباطل، والشرك والكفر، والفسق والفجور؛ ليهلكوا معه ويصبحوا معه في دار البوار والعذاب والشقاء، كما أخبر الله تعالى عنه في كتابه فقال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]، اللهم اجعلنا منهم! وقال: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:39]، فهيا نشرح الواقع: تزيين الطعام الحلال، والشراب الحلال، والنكاح الحلال حسن أم قبيح؟الجواب: حسن. وتزيين اللواط والزنا، وشرب الخمر والمسكرات حسن أم قبيح ؟الجواب: قبيح. فكل قبيح لا تفهم أن الله شرعه، أو أمر به ورغب فيه، وكل حسن تعرف أن الله أمر به وشرعه، فإبليس يزين القبيح، والرحمن جل جلاله يزين الحسن، ولذلك قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ [آل عمران:14]، فما قال (زينت) أو (زينا) بل قال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ [آل عمران:14] من بني آدم!
الشهوات التي زينها الله عز وجل للإنسان
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ [آل عمران:14] فماذا زُين لهم؟ الجواب: زين لهم حب الشهوات، والشهوات جمع شهوة، بمعنى المشتهى، فمثلاً: حبة التفاح تنظر إليها فتشتهيها، فتلك هي الشهوة. ‏
الأولى: شهوة النساء
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14]، من ينكر هذا من البشر؟ روسي؟ ياباني؟ من هذا؟ لا أحد ينكر هذا، فهذه غرائز غرزها الرحمن في بني آدم لحكم عالية، وقد قلت لكم: والله لولا أنه غرز هذه الشهوة ما اندفع الآدمي إليها أو حتى الحيوان وما توالدت البشرية، وما كان لها وجود.قوله: مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14]، النساء: واحده امرأة، وليس له مفرد، والنساء واحدة النساء، امرأة، ولا يخطر ببالك أنه مادام قد زين هذا فلتأته أنت مع من شئت من بنات ونساء المؤمنين بالعهر والزنا والفجور، لا ، بل انزع هذا من ذهنك؛ لأنه سبحانه زينه لحكمة وهي التناسل وكثرة البنين والبنات؛ ليعبد الله عز وجل، وليس لذات الغريزة والشهوة.إذاً: من زين له الشيطان الزنا أو اللواط فهذا التزيين للقبيح الذي هو أشد قبحاً، ودائماً نقول: ما أعرف! ما أقبح! ولا أبشع ولا أرخص ولا أذل ولا أنتن من يأتي الذكر الذكر، وقد بلغنا: أن في أوروبا أندية مخصصة للواط!! وذكر أن أحد أئمة الإسلام الأمويين، وهو عبد الملك بن مروان ناشر الدعوة وحامل رايتها زمناً، وقف على منبر دمشق يخطب الناس فحلف بالله: لولا أن الله تعالى أخبرنا عن قوم لوط ما كان يخطر ببالنا أن الذكر ينزو على الذكر. لا يخطر ببال العربي أن الرجل ينزو على الرجل أبداً.أما اليوم فقد وردني كتاب عند باب المسجد من مؤمن يبكي، يقول: إن أخاً له يأتي أخاً له في بيته، وقد قمنا بتأديبهما وضربنا وعذبنا وما استطاعا أن يتركا! لا حول ولا قوة إلا بالله! من أين تعلموا هذا؟ كيف وصلنا إلى هذا؟ لقد كان العرب حتى البغال لا يدخلونها بلادهم، ولا توجد في هذه الديار بغلة إلا الدلدل التي أهداها مقوقس مصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع مارية القبطية.لِماذا كان العرب لا يدخلون البغال ديارهم؟ لأن البغلة تتولد من إنزاء الحمار على الفرس، يسلطون الحمار على الفرس فتنتج بغلة. هذا العرب لا يعرفونه أبداً، ولا يستسيغون أن حماراً ينزو على فرس، مستحيل.. أبداً.وما عرفت هذه الجريرة وهذه الفاحشة - اللواط- إلا في خلافة عمر ، فقد ضبط الصحابة اثنين من العجم في البحرين ينزو أحدهما على الآخر، فاحتار الصحابة كيف يفعل بهما، فقال علي : نطلقهما من أعلى الجبل إلى الأرض، ونرميهم بالحجارة كما فعل الله بقوم لوط.آه! هذه الجريرة تمارس في بيوت الإيمان؟! أتدرون من علمهم؟ إنه إبليس، أبو مرة! ما هي الآلات التي تقدم بها إليهم؟الجواب: إنه التلفاز، الفيديو، الصحن الهوائي، الدش، فتعلم الأولاد العهر والفجور مما يشاهدون! آه.. أين الإيمان والمؤمنون، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة )؟! وإذا رحلت الملائكة من يحل محلها؟! تحل محلها الشياطين. والشياطين ما مهمتها؟ تزيين القبائح. ائتوني بسياسي يتكلم معي، يقول: هذه رجعية وتخلف،سأقول له: يا هذا! أتحداك أن تعدد لي النتائج المباركة الطيبة التي نمت بيننا عندما أدخلنا هذه الآلات في بيوتنا! هل كثرت الأموال؟ ولا ما استفدنا منها ريالاً واحداً! هل أصبحنا شجعان؟ لا والله فقد عبث بنا أذل الخلق من اليهود! فما الذي تحقق؟ لا شيء.إذاً: أيها العاقل الرشيد، نحن نظام حياتنا لا نقول الكلمة إلا إذا عرفنا أنها تنتج خيراً، ولا نتحرك حركة يميناً ولا شمالاً إلا إذا علمنا إذن الله بها، وأنها تنتج خيراً، فكيف نطرد الملائكة من بيوتنا؟ وكيف هجرنا بيوت الرب وتركناها ثم طردنا الملائكة حتى من بيوتنا؟ هل بعد هذا نستطيع أن نعيش طاهرين؟ كيف نطهر؟ هل ماتت الشياطين أو أعلنوا عن هزيمتهم؟! لا والله، وكنا الأمة تخلت عن دينها!وإن فرضنا أنك سياسي، ولابد وأن تطلع على أحداث العالم ولم تنفعك الصحف فاجعل التلفاز في غرفتك أيها الفحل، واضبط أوقات النشرة أو أوقات العرض وادخل وأغلق الباب عليك في الغرفة، ووالله لو تجعله في المرحاض لكان أفضل! وانظر ذاك واسمع الأخبار وما جرى في الحادثة وأغلقه واخرج.قد يقول قائل: لِم هذا يا شيخ؟ فأقول: لأننا عرفنا أنفسنا، هبطنا وما ارتفعنا، ماذا أفادنا هذا؟ زادنا بلاء ومحنة فقط.
الثانية: حب البنين
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ [آل عمران:14]، والبنات! أيضاً؟ لا.. لا، البنين فقط، ولو قال: (والأولاد) لدخل في ذلك البنات، فهن مولودات، لكنه قال (والبنين)، وأهل هذه الديار، أهل المروءات قديماً كان إذا بشر أحدهم بأنه ولدت له بنت يظل في كرب ويسود وجهه، ويستحي أن يلتقي مع الناس: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:58-59].عمر رضي الله عنه فعلها قبل أن يسلم! ولدت له بنت في مكة فدفنها حية، حفر لها وأخذت تمسح التراب من لحيته، ودسها، وبكى على هذه في الإسلام! مغفور لك يا ابن الخطاب ، فهذا كان في عهد الجاهلية غير عهد الإيمان والإسلام.إذاً: قال: (والبنين) ليكونوا فيلقاً تمر بهم بين الرجال ليحموك، ليحوطوك بالحماية، ولهذا تحبهم!أما الآن فيحبونهم حب شهوة فقط، لأنهم ما ينفعون، أو من أجل الراتب فقط! من فعل بنا هذا؟ إنه الثالوث الأسود، خصوم لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ المجوس، واليهود، والنصارى، ومددنا أعناقنا وساقونا إلى المهاوي والمهالك وما شعرنا بعد.إذاً: حب البنين لأنهم يجاهدون ويقاتلون وينشرون دعوة الله ويبنون ويصنعون، ويسافرون ويتجرون ويربحون، أما البنات فلو قال تعالى: (حب البنين والبنات) فسيقول أحدهم: لا.. لا، هذا ليس كلام الله، نحن لا نحب البنات، ولكن الله قال: (والبنين).
الثالثة: حب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران:14] مقنطرة، أي: بعضها فوق بعض، والقنطار: ألف أوقية ومائة، والأوقية معروفة عند الناس، وهم يحبون القناطير- أي: الكثرة- لأنها غريزة مطبوعة في النفس. وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ [آل عمران:14]، وقدم الذهب على الفضة لأنه أرقى.لِم قلوب البشرية متعلقة بالذهب؟ لأن الذهب أجمل من الزبدة، وأحلى من العسل، وأطيب من اللبن! أسألكم بالله! من ربط القلوب الآدمية بهذه الطينة؟ لا إله إلا الله، آمنت بالله! هل جاء زمان أو وقت كره الناس فيه الذهب والفضة؟ لا، ولهل واهم يقول: لعلها أيام الشيوعية، فأقول: لا، فقد ربط الله قلوبهم بهذه لينتظم الكون وتنتظم الحياة إلى نهايتها، آمنت بالله.
الرابعة: حب الخيل المسومة
قال تعالى: وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ [آل عمران:14]، وهذه شُغلنا عنها بوجود السيارات، وقد كان للخيل قبا وجود السيارات أهمية كبيرة فالذي لا يملك فرساً لا قيمة له، وقد كانت الأمة تجاهد على أرجلها وعلى خيولها، وفرسانها يركبون الخيول سواء العرب أو العجم، الدنيا كلها، والآن هبطت الخيول لوجود السيارات فقط، ومع هذا ما زالت محترمة، وإذا جاء في يوم من الأيام وانتهت المادة وانقطعت السيارات سنعود إليها من جديد، فهي محفوظة، ولعل أحدكم لو يهدى إليه فرس لفرح به مع أنه ليس في حاجة إليه، ولكنه فرس موسوم جميل، فتبيت ليلتك تحمد الله وتشكره إن كنت مؤمناً.
الخامسة: الأنعام
قال: وَالأَنْعَامِ [آل عمران:14]. ما هي الأنعام؟ في ثلاثة أصناف من الحيوان: الإبل، والبقر، والغنم، والغنم منها الماعز، ومنها الضأن، مزينة لأهلها، يحبونها.
السادسة: الحرث
وجاء الختم الإلهي، فقال: وَالْحَرْثِ [آل عمران:14] . (الحرث) يدخل فيه كل المزارع والحقول من إنبات الحبوب إلى نبات الورود والرياحين، ولو تهدى إليك الآن حديقة لطرت بها فرحاً! من غرز هذا فينا؟ إنه الخلاق العليم؛ من أجل أن تنتظم الحياة وتسير إلى نهايتها.
معنى قوله تعالى: (ذلك متاع الحياة الدنيا)
قال: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] أيها المستمعون وأيتها المستمعات! (ذلك) المزين لكم المذكور في الآية من حب النساء والبنين والقناطير من الذهب والفضة والحرث مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14].والمتاع: ما يتمتع به ويزول، لما تسافر تأخذ معك زنبيلاً فيه الخبز والتمر، فتأكله ولا يبقى منه شيء، فتحمل معك ما يكفيك في سفرك. هذا هو المتاع.(الحياة الدنيا) أي: القريبة. فتترك متاعها وترحل، ولنقرأ آية سورة الكهف: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7]، فهذا المتاع في الحياة الدنيا زينه الله للابتلاء والاختبار والامتحان، وهو زائل ومنتهٍ، (لنبلوهم) من يأخذ بما أحل الله، ويتخلى عما حرم الله، ومن ينغمس فيما حرم الله فتتمزق نفسه وتخبث وتصبح كأرواح الشياطين.

معنى قوله تعالى: (والله عنده حسن المآب)

قال: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، أرأيت هذا الختم الإلهي؟ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] والآخرة عند من؟ عند الله حسن المرجع والمآب.ومعنى هذا: يا عباد الله! يا أولياء الله! خذوا من دنياكم ما حل لكم وطاب، وميلوا إلى التقتير والتقليل؛ لأن آمالكم في السماء وليست في الأرض؛ لأن: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96]! إذاً: اذكروا ما عند الله، فإنه يصرفكم عما حرم الله. وَاللَّهُ عِنْدَهُ [آل عمران:14] ماذا؟ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14] أي المرجع في الجنة دار السلام، دار النعيم المقيم.
الحكمة من تزيين هذه الشهوات للإنسان
عرفتم هذا؟ ما هي النتيجة الطيبة؟النتيجة: عرفنا أن هذا المحبوب المزين زينه خالقه للفتنة وللاختبار والامتحان، فلنأخذ منه ما أذن لنا فيه وسمح به لنا، ونتجنب ما نهي عنه وحرم علينا؛ لأننا ممتحنون، فإن نحن كابدنا فقراً.. كابدنا تعباً ومشقة، فلنصبر ولنعلم أن وراء ذلك: النعيم المقيم، الذي لا حد له ولا حصر، وإليكم كلمات الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ) هذا الكلام الحكيم من أستاذ الحكمة ومعلمها، ( حفت الجنة بالمكاره ) فإذا أنت لم تغامر وتتقوى وتمزق تلك المخاوف وتقبل على عبادة الله لن تدخل الجنة، فالجنة محفوفة بما تكره النفس! آه.. الصيام! كيف نترك الطعام والشراب؟ كيف نترك كذا، محفوفة بما تكره النفس.. الزنا حرام، ما تزوجنا كيف نصبر ليلاً ونهاراً الأعوام والسنين؟ إذاً: حفت الجنة بالمكاره. تقول: كيف هذا الحج؟ أمشي على رجليّ وأنا في الأندلس؟ كيف أصنع؟ الاعتراف بالحق! لو صفعك مؤمن فقل: سامحتك! تجوع وتعطش ولا تمد يدك إلى مال غيرك لتسرقه! هذه المكاره تحوط بالجنة، فإن أنت اجتزتها وتجاوزتها دخلت دار السلام! ( حفت الجنة بالمكاره ) كحمل راية الجهاد مع إمام المسلمين، لابد للشبان والكهول أن يخرجوا إلا مريض، أو عاجز، وهذا تكرهه النفس! أصحاب الأموال أيها المؤمنون من عنده فضل عن قوته فليضعه غداً في صندوق الجهاد، تجد نفسك مضطر لابد وأن تخرج. قال: ( وحفت النار بالشهوات )، شهوات الربا، الزنا، الغش، اللهو، الباطل، الخداع، عقوق الوالدين، سب المؤمنين وتكفيرهم، كل هذه محاطة بالنار حتى يدخلها، ويقول فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، يقول: ( اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )، هذا كلام أستاذ الحكمة ومعلمها، اسمع ما يقول لنا يا عبد الرحمن!يقول: (اتقوا الدنيا) كيف نتقيها؟ نجعل بيننا وبينها وقاية فلا ننغمس في أوضارها وأوساخها، ولا نتكالب عليها، بل نأخذ منها الزاد فقط للوصول إلى القبر. لم ننغمس في الأموال فنصبح في أسوأ الأحوال؟ أنت موظف، فاكتف بوظيفتك ولا تفتح دكاناً، أنصحك!يا عبد الله ! أنت في خير وعافية فلا تفتح باب شر عليك، وتبدأ تتطلع ماذا فعلنا، وماذا ربحنا! قال: ( اتقوا الدنيا ) أي: انتبهوا! خافوها واحذروها بأن لا تقعوا في أحضانها فتهلككم ( واتقوا النساء ). كيف نتقي النساء يا رسول الله؟ تخاف من فتنتهن، فإذا مرت امرأة كأنها حية أو ثعبان، فأغمض عينيك واهرب ( فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ). بنو إسرائيل.. أبناء الأنبياء قادوا العالم بطهرهم وصفائهم، حتى بدأت فتنتهم بالكعب العالي فهبطوا! الزائرون لا يعرفون الكعب العالي، اذهبوا إلى أسواق المدينة يعلموكم ما هو الكعب العالي، حذاء كعبه رقيق إذا لبسته المرأة تصبح تتمايل، الشيطان يجعلها تتمايل هكذا.. وهذا الكعب العالي من سنة اليهود.وهذه الصديقة رضي الله عنها رأت بعض نساء المؤمنات تخرج وهي متزينة، فقالت: أو تردن أن ينزل القرآن فيكن كما نزل في بني إسرائيل. والشاهد عندنا: أن فتنتهم كانت بالنساء وإلى الآن فتنتنا في النساء. إذاً: علموا بناتكم ست سنين في المدرسة الابتدائية، وإذا تعلمن كيف يعبدن الله ويتقينه، فاحجبوهن في البيت يخدمن أمهاتهن، ويساعدن على تربية الصغار، ويتهيأن للأنوار؛ فيتزوجن وينجبن البنين والبنات. أما أنك تعلمهن للمستقبل، مستقبلك يا ابنتي! وهي تقول: مستقبلي يا بابا! ثم يتقدمون لخطبتها في الثامنة عشر فتقول لهم: لا، مشغولة، وفي الخامسة والعشرين فتقول: لا، حتى تأخذ شهادة الجامعة وتتخرج، وبعد ذلك تبحث عن وظيفة، والشيطان يوسوس لها، ويوجد لها وظيفة وتنتهي حياتها ولا تستفيد منها شيء، فلا وألف لا.إذاً: فتنتنا بدأت وكانت من النساء كفتنة بني إسرائيل، ولو أن النساء طاهرات صالحات ربانيات -والله- لأسعدن الفحول والرجال، لكن ما دمن شهوانيات راغبات في المال والمتعة والتمتع بالحياة فسيعكرن الحياة على أزواجهن.على كل حال: عمر رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال: الآن يا رب. أي: ما دمت زينت لنا هذه فمن الآن، فأنزل الله تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15].. وهذا هو درس أو آية غد إن شاء الله.وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #348  
قديم 05-12-2020, 05:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (46)
الحلقة (187)

تفسير سورة آل عمران (50)


لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإسلام ويحملون هم تبليغه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا، ذكرهم سبحانه وتعالى بخير عظيم وهو أنه جعلهم خير أمة أخرجت للناس، وامتن عليهم بأن وقاهم من كيد أعدائهم من أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا، بل وسلط عليهم المؤمنين وغضب عليهم بما كانوا يفسقون.
تفسير قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الموعود، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس في سورة آل عمران عليهم السلام إلى هذه الآيات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [آل عمران:110-112].معاشر المؤمنين والمؤمنات! يقول تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، هذا خبر من أخبار الله التي لا يتطرق إليها غير الصدق، فيخبر تعالى مبشراً مهنئاً هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجها الله للناس، إذ ما وجدت على وجه الأرض أمة سمت ووصلت إلى ما وصلت إليه هذه الأمة الإسلامية في الخير وعلو الدرجات، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. كُنْتُمْ [آل عمران:110]، أي: وجدتم، خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، والمخرج لها هو الله عز وجل، و(الناس): لفظ يشمل البشرية كلها، عربها وعجمها، أولها وآخرها على حد سواء.ثم بين وجه الخيرية، وكيف اكتسبناها وظفرنا بها وحصلنا عليها، فقال تعالى: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، أي: لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا، ذكَرهم بخير عظيم، وبشر وأعلن عن خيريتهم وأفضليتهم فقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].وفي هذا إجمال، وقد بينا (المعروف) الذي تأمر به هذه الأمة ألا وهو شرع الله عز وجل، وما عرفه الله من خير، فيدخل فيه الإسلام وكل شرائعه، إذ ما شرع الله لعباده إلا خيراً، و(المنكر) الذي ينهون عنه يشمل الكفر والشرك، وكل ما كره الله وأبغضه وحرمه ونهى عنه، سواء من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات والذوات. وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، ولازم إيمانهم بالله أنهم آمنوا بكل ما أمرهم الله أن يؤمنوا به، كالملائكة والكتب والرسل والبعث والجزاء، وكل غيب من الغيوب التي أخبر الله عنها وأمر بالإيمان بها، فلا تفهمن من قول الله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]: لا تؤمنون بغير الله، بل تؤمنون بالله وبكل ما أمرنا الله أن نؤمن به، سواء كان من عالم الغيب أو الشهادة، فإذا أمر الله بأن نصدق بكذا وجب على المؤمن أن يصدق.وأركان الإيمان الستة قد بينها جبريل عليه السلام، ونحن والحمد الله على علم بها، ومع ذلك إذا صح الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نصدق بحادثة معينة وجب الإيمان بها، ولا قيمة لعقولنا حتى ترفض أو تقبل، فكيف إذا أخبر الله تعالى؟!
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال: [ لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا، ذكرهم بخير عظيم فقال لهم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنتم خير الناس للناس ) ] وهذا حديث صحيح، فكيف حالنا اليوم؟ هل نحن خير الناس للناس؟ ما قدمنا للناس شيئاً، بل غرقناهم في الباطل والمنكر، هبطنا فائتسوا بنا وسلكوا سبيلنا، فهذا عمر رضي الله عنه عام حجه وهو خليفة للمسلمين رأى في الناس دعة وقعوداً، فقرأ هذه الآية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، ثم قال: من سره وأفرحه وأثلج صدره أن يكون في هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها، أي: من سره أيها المؤمنون! أن يكون في هذه الأمة الممدوحة المعلن عن كمالها فليؤد شرط الله فيها، وشرط الله فيها: الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك لما كنا نجاهد ونغزو ونفتح ونعلن عن كلمة لا إله إلا الله والبشرية تدخل فيها، وتجلى للبشرية صدقنا وعدلنا ورحمتنا وإحساننا وكمالاتنا، انجذبوا إلى الإسلام ودخلوا فيه.لكن لما وقفنا وهبطنا الآن أصبحوا لا يقبلون الإسلام؛ إذ لم يشاهدوا أنواره ولا آثاره بين المسلمين، فهل نبقى هكذا أو نحاول أن نعود إلى ما كنا؟ الواجب أن نحاول، والطريق الذي ما زلنا لا نعدله هو أن نخلص قلوبنا ووجوهنا لله، ونطرح بين يدي الله نبكي في بيوته بنسائنا ورجالنا، ونتلقى الكتاب والحكمة، وما هي والله إلا فترة قصيرة ونحن أولئك الذين أسوة للبشرية في الكمال البشري، ومن غير هذا الطريق فلا عصا تنفع ولا سحر يؤتَّى.قال: [ كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنتم خير الناس للناس )، ووصفهم بما كانوا به خير أمة فقال: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [آل عمران:110]، وهو الإسلام وشرائع الهدى التي جاء بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110]، وهو الكفر والشرك وكبائر الإثم والفواحش، وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وبما يتضمنه الإيمان بالله من الإيمان بكل ما أمر تعالى بالإيمان به، من الملائكة والكتب والرسل والبعث الآخر والقدر.ثم دعا تعالى أهل الكتاب إلى الإيمان الصحيح المنجي من عذاب الله فقال عز وجل: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ [آل عمران:110]، بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من الإسلام، لكان خيراً لهم من دعوى الإيمان الكاذبة التي يدعونها ] أي: ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لكان خيراً لهم من هذه الدعاوى الفارغة، وأنهم يدعون إلى اليهودية والصليبية، إذ كل ذلك من الدعاوى الباطلة، فهذا الله عز وجل الحكيم العليم يقول لهم: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ [آل عمران:110]، بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به عن الله من هذه الشرائع والعبادات والقوانين، لكان خيراً لهم مما هم عليه من دعوى أنهم يؤمنون، وأنهم موقنون، وهو كله كذب وباطل. قال: [ وأخبر تعالى عنهم بأن منهم المؤمنين الصادقين في إيمانهم ]، أي: من اليهود، وقد دخل من النصارى ملايين والآيات تنزل بالمدينة.قال: [ وذلك كـعبد الله بن سلام وأخيه، وثعلبة بن سعيد وأخيه ]، وهؤلاء من يهود وعلماء المدينة الذين آمنوا [ وأكثرهم الفاسقون الذين لم يعملوا بما جاء في كتابهم من العقائد والشرائع، ومن ذلك أمر الله تعالى بالإيمان بالنبي الأمي، واتباعه على ما يجيء به من الإسلام ] وهذا عندهم في كتابهم، فلمَ لم يؤمنوا به؟ قد عرفوه وأنكروه وجحدوه وتنكروا له، وذلك للحفاظ على اليهودية الملعونة المزعومة، وحتى لا يذوبوا في روح الإسلام. قال: [ ثم أخبر تعالى أن فساق أهل الكتاب لن يضروهم إلا أذى يسيراً، كإسماعهم الباطل، وقولهم الكذب، وأنهم لو قاتلوهم ينهزمون أمامهم، مولينهم ظهورهم، فارين من القتال هاربين، ثم لا ينصرون على المسلمين في أي قتال يقع بين الجانبين ] وهذا ما أخبر به الله تعالى في الآية الثانية إذ قال: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111]، أي: مجرد أذىً فقط باللسان، كالمهاترات والكذب، وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ [آل عمران:111]، في يوم ما، يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ [آل عمران:111]، أي: يعطوكم ظهورهم وأدبارهم ولن يقفوا أمامكم، ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [آل عمران:111]، وهذه بشرى للمسلمين وقد حصل ذلك، وهو الواقع. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا [آل عمران:112]، وهذا في اليهود، والضرب كطبع وختم، والذي ضربها عليهم وألصقها بهم هو الله خالقهم، ذلك لأنهم كفروا به وبما بعث به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولقتلهم الأنبياء والعلماء، ولارتكابهم جرائم لا حد لها، فقد أهانهم الله وأذلهم فضرب عليهم الذلة. أَيْنَ مَا ثُقِفُوا [آل عمران:112]، أي: حيثما وجدوا في العالم، وصدق الله العظيم، إذ حيثما وجد اليهودي في العالم فهو أذل من الذليل إلى أن ارتبطوا بأوروبا وأمريكا كما يأتي في الآية الكريمة، إذ قال تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، فإذا ارتبطوا بالله ودخلوا في دينه، رفع ذلك الذل وأصبح اليهود من أعز الناس وأكرمهم، أو ارتبطوا بمعاهدة مع دولة عظيمة كما ارتبطوا أولاً ببريطانيا التي رفعتهم وسادوا أوروبا، ثم أمريكا، فهم أعزة ونحن الأذلة. إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وهذه الآية مخصصة لعموم آية الأعراف وهي قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ [الأعراف:167]، يا رسول الله، لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167]، فهذه الآية في سورة مكية، وهذه السورة -آل عمران- مدنية.فاسمع إلى قول الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ ، أي: أعلن، لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ [الأعراف:167]، أي: اليهود، لَيَبْعَثَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167]، وهذا عام خصص بهذه الآية التي نزلت بعدها من سورة آل عمران، إذ قال تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وذلك حتى لا تفهم أن قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167]، أنهم إذا أسلموا يبقى العذاب عليهم، لا أبداً، بل إذا ارتبطوا بدولة أو معاهدة قوية فإنه يرفع العذاب عنهم، لكن إذا لم هناك إسلام ولا معاهدة فيبقون أذلة، بل أذل من الحيوانات، وقد عرف هذا البشر كلهم، إذ ليس هناك أذل من اليهودي؛ لأنهم أصحاب مكر وخداع وغش وكذب، مع أنهم أقلية لا يساوون أي شعب من الشعوب، لكن فتح الله تعالى لهم الباب إذا أرادوا أن يخلصوا فقال: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]. إذاً: ضرب الله تعالى على اليهود الذلة والمسكنة أينما ثقفوا وفي أي البلاد وجدوا، ولن تفارقهم الذلة والمسكنة في حال من الأحوال إلا في حال دخولهم الإسلام وهو حبل الله، أو معاهدة وارتباط بدولة قوية وذلك حبل الناس، وهذا علمه الله قبل أن يكون، وما كان النصارى يفرحون باليهود، إذ الثابت عنهم تاريخياً أن النصراني المسيحي لا يفتح عينيه في اليهودي، بل ينزه بصره أن ينظر إلى يهودي؛ بحجة أنه قاتل إلهه، فالذي يقتل ربك كيف تنظر إليه؟! لكن تم ما أخبر الله تعالى به واستطاعوا أن يحتالوا على البشرية، فكان أول ضربة ضربوها بأن أوجدوا المذهب البلشفي الشيوعي الأحمر، ووالله لهم صانعوه وناسجوا خيوطه، وهم الذين نشروه في العالم، وبذلك خف الضغط عليهم، واتسعت رقعة الأرض لهم، بل ورفعوا رؤوسهم، والآن ثلاثة أرباع المسيحيين بلاشفة، ومن ثم أصبح اليهودي يتعنتر في ألمانيا التي هي مخ الصليبية، وظهرت البلشفية الشيوعية، وساقت العالم، ووقع الذي وقع، وخف الضغط على اليهود، والآن لما أدت الشيوعية وظيفتها عوضوها بالعلمانية، فقالوا: كل شيء للعلم فقط لا للدين، وهكذا يعبثون بالبشرية، وهذا شأن الأمة إذا مدت أعناقها لعدوها. قال: [ كما أخبر تعالى في الآية (112) أنه تعالى ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا، وفي أي البلاد وجدوا، لن تفارقهم الذلة والمسكنة ] والمسكنة هي الفقر والحاجة والضعف.قال: [ إلا في حال دخولهم في الإسلام أولاً وهو حبل الله، أو معاهدة وارتباط بدولة قوية وذلك حبل الناس.كما أخبر تعالى عنهم أنهم رجعوا من عنادهم وكفرهم بغضب من الله ] أي: ذاك العناد والكفر الذي عاشوا عليه رجعوا خائبين، رجعوا بغضب من الله [ وما يستتبعه من عذاب في الدنيا بحالة الفاقة والفقر المعبر عنها بالمسكنة، وفي الآخرة بعذاب جهنم، كما ذكر تعالى علة عقوبتهم: وأنها الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء بغير حق، وعصيانهم المستمر، واعتداؤهم الذي لا ينقطع، فقال تعالى: ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ] أي: كتبنا عليهم تلك الذلة والمسكنة بسبب عصيانهم أولاً لله ورسله، وثانياً: باعتدائهم بقتلهم الأنبياء والعلماء، وارتكابهم الجرائم التي لا حد لها.يقول تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، أي: نحن إن شاء الله تعالى، فكل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويؤمن بالله وبما جاء عن الله فهو منهم، وكل من تخلى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتورط في الموبقات والجرائم هبط وانسل منهم؛ لأن التعليل واضح: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:110]، وهم أقلية كما علمتم، وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110]، أي: المتوغلون في الفسق، والفسق: الخروج عن طاعة الله ورسوله، يقال: فسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، وبالتالي كل من خرج عن دين الله فهو فاسق.ثم قال تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111]، أي: مجرد كلام يقولونه، أما أن يقاتلوا وينتصروا على المسلمين فلا، وقد وقع ذلك، فهل انتصر اليهود على العرب في حرب فلسطين؟ لو كان العرب هم المسلمون بحق، والفلسطينيون يشهدون بأن اليهودية إلى الآن أذل مخلوق، إذ ما يستطيع اليهودي أن يواجه مسلماً واحداً. وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ [آل عمران:111]، ما قال: وإذا قاتلوكم، وإنما قال: إن يقاتلوكم؛ لأن هذا نادر، أي: أن يقاتل اليهود المسلمين، لكن عندما هبطنا هذه الأيام في فلسطين فقط، فليس من المؤمل فيه أن اليهود يقاتلون المسلمين، قال: وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ [آل عمران:111]، من باب الفرض، فلن يضروكم أبداً، بل يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [آل عمران:111]. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا [آل عمران:112]، أي: أينما وجدوا، سواء في الجبال أو في السهول أو في أوروبا أو في أي مكان من العالم، اللهم إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وحبل الله هو الإسلام، فإذا اعتصموا بحبل الله، أي: دخلوا في الإسلام إيماناً وإسلاماً وإحساناً أعزوا وكملوا، وما أصبحوا يهوداً ولا أهل ذلة ولا مسكنة، وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وهذه ما ننساها، إذ إنهم استطاعوا أن يسحروا أوروبا وأن يستولوا على أموالها بعد أن مسخوها، ولو بقيت الصليبية النصرانية كما هي ذات آداب وأخلاق وعطف ورحمة، وتبغض اليهود بغضاً لا حد له ولا نظير له، ما كانوا ليستولوا على أموالهم وتجارتهم ومصانعهم، لكن سحروهم أولاً ثم حولوهم إلى بلاشفة حمر، إذ ثلاثة أرباع المسيحيين في أوروبا لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، أي: أنهم ملاحدة. وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:112]، أي: عادوا مهزومين أذلاء مغضوباً عليهم من الله، وضربت عليهم المسكنة، أي: الفقر والحاجة. ذلك [آل عمران:112]، أي: حصل هذا، وتم هذا، وفعلنا هذا؛ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:112]، فقد قتلوا زكريا، وقتلوا ولده يحيى، وحولوا قتل عيسى، إذ إنهم صلبوا من شبه لهم بعيسى، وكأنهم قتلوا عيسى عليه السلام، وسحروا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، بل وأطعموه السم في خيبر، ومات وأثر السم في لسانه، وكادوا له في بني النضير وأرادوا أن يرموا عليه الصخرة أو الرحى.كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم الواحد، وفي المساء تكون أسواقهم عامرة بالبيع والتجارة والشراء، وكأن الأمر عادي، ومع هذا فباب التوبة مفتوح، فلو يسلم اليهودي يصبح مثلنا أو خيراً منا، إذ العبرة بطهارة النفوس وزكاتها وليس بالأصل، إذ لو نعود إلى الأصل فأصلهم أشرف الأصول، إذ إنهم أبناء الأنبياء، وأحفاد إبراهيم وأولاده. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:112]، أي: في الزمان الأول قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا [آل عمران:112]، أي: لما تمردوا على شرائع الله وخرجوا عن طاعته، وتوغلوا في الاعتداء، فذبحوا الأنبياء، وقتلوا العلماء.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #349  
قديم 05-12-2020, 05:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات: أولاً: إثبات خيرية أمة الإسلام ]، إذ إن هذه الآيات قد أثبتت -وهي كلام الله- خيرية هذه الأمة، فلن يستطيع على وجه الأرض إنس ولا جن أن ينفي خيرية هذه الأمة وقد أثبتها الله عز وجل، ورسوله يقول: ( كنتم خير الناس للناس )، وما زلنا والله، إذ لو نعود إلى الله تعالى لنفع الله بنا البشرية وأنقذها من الخلود في النار، ومن الهبوط والسقوط والحيوانية التي تعيش عليها، ولكن ذنبهم هو الذي جر لهم هذا، فهم الذين احتالوا على هذه الأمة ومكروا بها وخدعوها وأضاعوها، ففقدوا من يهديهم ومن يصلحهم. قال: [ وفي الحديث النبوي الشريف: ( أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) ] أنتم، أي: أيها المسلمون، تتمون سبعين أمة، أي: تكملون من الأمم البشرية سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله والله العظيم، ويكفي شهادة الله بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وبالتالي لو أراد أو حاول أحدهم أن يهبط بهذه الأمة، أو ينفي عنها كمالها ما يستطيع، إذ الله يخبر في القرآن الكريم بخيرية هذه الأمة فيقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران:110]، والرسول يقرر في السنة النبوية فيقول: ( أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله ) ، فالحمد لله، وأنبهكم إلى أمر وهو ألا تنظروا إلى خيرية أمتكم، بل ليعمل كل واحد منا على أن يحقق ما به الخير، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويؤمن بالله، ولن يمسح منه هذا اللقب أبداً. [ ثانياً: بيان علة خيرية أمة الإسلام، وهي الإيمان بالله، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] أي: أن علة خيرية أمة الإسلام: الإيمان بالله وبكل ما أمر الله أن نؤمن به، والجهاد في سبيل الله لنشر راية التوحيد، لكن لما تركنا الجهاد ما أصبحنا خير أمة؛ لأن الجهاد بذل الجهد والطاقة لهداية البشرية، فنصل إلى بلادها وندعوها إلى الإسلام، كرهت أم أبت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مكان من الأرض، فهذه مهمة هذه الأمة لإنقاذ البشرية جمعاء. [ ثالثاً: قال: وعد الله تعالى لأمة الإسلام ما تمسكت به ]، أي: بالإسلام، فما ضيعت وما فرطت في قاعدة من قواعده ولا في ركن من أركانه، [ وعد الله لأمة الإسلام ما تمسكت به ]، وإلى يوم القيامة، [ بالنصر على اليهود في أي قتال يقع بينهم ].ولهذا صحنا وبكينا أربعين سنة وقلنا: لو أن إخواننا الفلسطينيين -والله شاهد- اجتمعوا وبايعوا إماماً منهم، وتجمعوا في طرف من الأرض وأقاموا الصلاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر سبع سنين فقط، وإذا هم أولياء الله تعالى، وقالوا: الله أكبر، والله لهزموا اليهود، بل والله ما إن يتحرك هذا الجيش الرباني حتى يأخذ اليهود في الرحيل، ثم على شرط أيضاً وهو لا أنهم يخرجون اليهود فقط، بل يواصلون المسيرة إلى أقصى الشرق وإلى أقصى الغرب، فما المانع من هذا كله؟ كأن يتجمعون عندنا في طرف المملكة، أو في طرف لبنان، أو في طرف سيناء مصر، فيتربون نساءً ورجالاً وأطفالاً، فيقومون الليل ويصومون النهار، ويصبح الرجل إذا نظر إلى وجه أخيه يرى النور يلوح من وجهه، ثم يعلنونها: الله أكبر، والله ثلاثة أيام واليهود تشتتوا، ثم يلتفتون إلى جيرانهم فيقولون لهم: يا أهل لبنان تدخلون في رحمة الله؟ قالوا: لا إله إلا الله، يا أهل الأردن تدخلون في رحمة الله؟ يا أهل كذا وكذا.ماذا يكلفنا هذا؟ فقط أن نعبد الله بحق، وأن نسلم إسلاماً حقيقاً فقط، أما الآلام والأتعاب فهاهي معنا، سواء مع الغنى أو الفقر، وما زال الباب مفتوح، فوالله لن يخرج اليهود من أرض فلسطين إلا المسلمون بحق، ولهذا ويلكم أن تقاتلوا اليهود فإنهم يهزمونكم، ولا ننسى قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لتقاتلن اليهود )، يا رسول الله! أين اليهود الذين نقاتلهم؟ إنهم حفنة وثلة وطائفة قليلة، والإسلام قد انتشر في الشرق والغرب؟! ( والله لتقاتلن اليهود )، الله أكبر، تعجب الأصحاب كيف نقاتل اليهود وقد أ جلاهم عمر وطردهم ولم يبق يهودياً منهم، وهم أذلة في بلاد الروم وفي غيرها؟ لكن سيكون لهم شأن، وستكون لهم دولة، وستكون لهم قوة، إذاً ولا بد من قتالهم.( ثم لتسلطن عليهم )، وهذه قد استفدنا منها كلمة سياسية رددناها أربعين سنة في هذا المسجد، فقلت: لو أن العرب أسلموا قلوبهم لله تعالى ودخلوا في رحمته، وخلعوا المعاهدة التي تربط اليهود في أوروبا، وشاء الله أن أمريكا التي تنصرهم تعثر على مؤامرة يهودية تسعى بأن تضر أمريكا، فإنهم يذبحونهم ويقتلونهم، ونظير هذا لما أراد ألله أن يذلهم اكتشف هتلر النازي مؤامرة يهودية لضرب ألمانيا، فوالله قتلهم وتتبعهم وأذلهم في العالم بأسره، فقتل منهم ثلاثين ألفاً، وما بقي يهودي في ألمانيا، فلو أن المسلمين أو العرب أسلموا قلوبهم لله تعالى، فأقل شيء أن تكتشف أوروبا أو أمريكا مؤامرة يهودية لضرب العالم وإفساد البشرية، وعند ذلك سيضربونهم أو يسلطوننا عليهم فنقتلهم، وهذا هو نص الحديث: ( ثم لتسلطن عليهم )، فالله هو الفاعل.( ثم لتسلطن عليهم فتقتلوهم حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه شجر اليهود )، واليهود الآن يحتفون بهذا الشجر وينمونه أكثر من العنب والتفاح! وذلك لأنه ما يخبر عنهم، فإذا جاء المسلم يبحث عن اليهودي فإن هذا الشجر يغطيه ولا يخبر عنه.والشاهد عندنا هل الشجر يكذب؟ هل الحجر يكذب؟ كيف يقول: يا مسلم! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، وهو ليس بمسلم؛ لأنه ما أعطى لله لا قلبه ولا وجهه، فأين الإسلام؟!وسيأتي هذا اليوم لا محالة، لكن هل نحن موجودون؟ الله أعلم، لكن ما زلنا نقول: والله لو نعود إلى الله بالطريقة السليمة الربانية، وذلك بأن يعلنون في بلاد العالم الإسلامي: هيا نعد إلى الله عز وجل، فيجتمعون بنسائهم وأطفالهم ورجالهم في بيوت ربهم كل ليلة من المغرب إلى العشاء، فيتعلمون الكتاب والحكمة، ويبكون ويذرفون الدموع أسفاً وحزناً وألماً، وما هي إلا ساعات وإذا بالباطل يزول والخبث ينتهي والشر ينمحي، وأمة الإسلام كلها ربانية، إذا سألت الله شيئاً أعطاها، ولا نحتاج إلى أن نكون جيلاً يطير في السماء ويغوص في الماء، وإنما نسلك هذا الطريق الذي يعتبر من أيسر الطرق وأسهلها، ولكن مضروب على قلوبنا، مسحورون، واليهود هم الذين سحرونا. [ رابعاً: صدق القرآن في إخباره عن اليهود بلزوم الذلة والمسكنة لهم أينما كانوا ] في الشرق أو الغرب، إلا بأحد الحبلين كما ذكر الله تعالى، وقد عرفناهم في شمال أفريقيا، وذلك لما انتصرت ألمانيا أصبح اليهودي أذل من الشاة في الجزائر أو في تونس، فلا يتكلم ولا ينطق، لكن عزوا وانتصروا وارتفعوا عندما حولوا الصليبيين إلى بلاشفة حمر، ولا ننسى هذه الحقيقة. [ خامساً: بيان جرائم اليهود التي كانت سبباً في ذلتهم ومسكنتهم ].فهل أصابهم الله بالذل والمسكنة لعرقهم أو لشيء آخر؟ لا، ولذلك نحن نعرف أن المسلمين أطهر الخلق وأعزهم، لكن لما خبثت نفوسهم ولطخوها بالشرك والمعاصي والجرائم أذلهم الله، فسلط عليهم الكفار فحكموهم وسادوهم.قال: [ وهي الكفر المستمر ] بدون انقطاع [ وقتل الأنبياء بغير حق ] وهل الأنبياء يقتلون بحق؟ قتل إنسان يعتبر فضيعة كبيرة، لكن إذا كان بحق فلا بأس. قال: [ والعصيان ] أي: التمرد على طاعة الله ورسوله [ والاعتداء على حدود الشرع ] وهذه ظاهرة غريبة وهي واضحة. أسألكم بالله! من الذي كون بنوك الربا؟! أجدادنا؟! النصارى؟! والله إنهم اليهود، وذلك حتى نهبط فلا يرفع لنا دعاء، ولا تستجاب لكم كلمة، فهم الذين كونوا هذه البنوك الربوية ونشروها في العالم، بل وإلى الآن يعملون ليل نهار لإفساد البشرية. ستقولون: كيف هذا يا شيخ؟ بينته غير ما مرة فقلت: المفروض فينا نحن المسلمون: أن أهل كل قرية يجمعون ما زاد عن قوتهم وتوفر في صندوق واحد من حديد أو خشب، وينمونه في طرق التنمية كالتجارة أو الزراعة أو الصناعة، وبذلك تجتمع قلوب أهل القرية فيتحابون ويتآلفون؛ لأن مالهم أصبح في يد واحدة، ثم من ذلك الصندوق يسلفون أو يقرضون من أراد أن يستلف، والمؤمن إذا استقرض أو استلف سوف يرد ذلك أو يقدم دمه وقلبه؛ لأنه المؤمن الحق، وهذه الرابطة قضى عليها اليهود بإيجاد البنوك، فلم يبق من يسلف ولا من يقرض ولا من يساعد ولا من يتعاون أبداً، وقد حاول أناس أن يوجدوا شركات مساهمة فما أفلحوا، فهل عرفتم ما فعل اليهود؟ إن هذه ظاهرة واحدة فقط مما ذكرنا، أما العهر والزنا وأندية اللواط -وكل هذا من صنائعهم- فحدث ولا حرج، وكل ذلك من أجل أن يهبطوا بالبشرية ويعلو فوقها، ويوجدوا مملكة بني إسرائيل التي تحكم الشرق والغرب، وليس لأجل الأكل والشرب، وإنما من أجل أن تعود لهم مملكتهم، إذ البشرية كلها عدو لليهود.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #350  
قديم 05-12-2020, 05:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (47)
الحلقة (188)

تفسير سورة آل عمران (52)


إن من كفر بالله وجحد حقه لن تغني عنه أمواله وإن كانت مثل حبات الرمال، ولن يغني عنه أولاده وإن استقوى بهم؛ لأن سبب كفره هو حرصه على هذه الأموال والأولاد، ومهما أنفق الكافر من أموال لإطفاء نور الله وللصد عن دينه فسينفقها ثم ستكون عليه حسرة، وحتى لو أنفق ماله في وجوه الخير في الدنيا فلن ينتفع بها لأن الكافر لا ينتفع بالعمل الصالح.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا، فإنك مولانا ولا مولى لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس ونحن في سورة آل عمران إلى هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:116-117].
معنى الكفر في الآية
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه أخبار إلهية، والمخبر بها هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، فالخبر الأول: يقول تعالى مؤكداً هذا الخبر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:116]، وسواء كانوا من العرب أو العجم، من أهل الكتاب أو من المشركين، من المجوس أو غيرهم، فما معنى: كفروا؟ كفروا بماذا؟ نريد أن نعرف شيئاً عن هذا الكفر؛ لأن الوعيد شديد، والجزاء عظيم، والمفزوع إليه الله أن ينجنا من هذه الفتنة.أولاً: الكفر معناه: الجحود، يقال: كفَر نعمة الله، أي: جحدها، وفلان كفر ما كان بيننا وبينه من الخير والبر والإحسان، أي: جحده، فالكافر جاحد، وهذا الجحود يتناول أولاً -كما هو مذهب البلاشفة الشيوعيين والملاحدة الدهريين-: جحود وجود الخالق عز وجل، وهذا كفر باطل هابط ممزوج مردود، ولا يقول به إلا هؤلاء الذين صنعهم اليهود بأفرادهم، وإلا فالفطرة البشرية تصرخ بوجود خالقها ورازقها ومدبر أمرها، بل مضت قرون على البشرية -آلاف- ما أنكر فيها أحد -عربي أو أعجمي- وجود الله، وما كان إنسان من عهد آدم إلى هذا القرن يوجد من ينكر وجود الله، إذ الفطرة تعد هذا وتقرره، لكن لعبة اليهود التي صنعوها واستطاعوا أن ينجحوا فيها فقد أوجدوا المذهب الشيوعي الدهري البلشفي، فقالوا: لا إله والحياة مادة!وأُطايبكم بتلك اللطيفة: حدثنا أحد إخواننا كان مهاجراً من فرنسا إلى المدينة، يقول: كانت له صديقة فرنسية أيام كان عيشه في فرنسا، هذه الصديقة أُصيبت بالإلحاد؛ لأن المدارس علمانية، ولذلك من أراد أن يدرس الدين فليدرس في المدارس الخاصة، أما مدارس الحكومة فمدارس علمانية، فقد كانوا يعلمونهم الإلحاد، ونظرية داروين انتقلت حتى إلى بلاد العرب ودرسوها في الثانوية والكليات، ولا عجب؛ لأننا تابعون إلا من رحم الله، فهذه الصديقة التي تبلشفت -وهي مسيحية- كلما ذكرها بالخالق، بالرب تعالى تسخر منه، وتقول: أنت متخلف، أنت رجعي، إلى متى وأنت هابط؟ قال محدثنا غفر الله له: وشاء الله أن تتزوج وتحبل، ثم بلغه أنها مريضة في المستشفى، وأن الطلق يهزها لتضع، قال: فدخلت عليها وسمعتها تصرخ: يا رب، يا رب، يا رب، قال: فتعجبت، فأخرجت ألف فرنك أو ألفين وقلت لها: نادي كما كنت تنادي بهذه، لم عجزت الآن؟! وقبل ذلك كان إذا ذكرها بالله تخرج الكيس وتقول: هذا هو الله الذي ينفعنا! لكن لما هزَّها الطلق وشاهدت الموت: الله، الله، يا رباه، يا رباه، قال: فلما أريتها الجنيه وقلت لها: ادع هذا، سخطت علي وغضبت وقالت: اذهب عني.فهذه كانت بلشفية ملحدة، لكن لما دقت ساعة الهلاك وعرفت أيقنت أنه لا ينفع إلا الله، فهي تنادي: يا رباه، يا رباه، وقوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود وقوم إبراهيم، أقوام نتلو قصصها في كتاب الله، فما مر بنا أن قوماً أنكروا وجود الله قط، بل وثقوا فيما تسمعون، فلم يوجد من ينكر وجود الله إلا هذه الطائفة التي كونها اليهود المعروفة بالبلاشفة والشيوعيين فقط، والبشر كانوا يؤمنون بالخالق الرازق، ويؤمنون بالتوسل إليه بالآلهة التي صنعوها وزينها لهم الشيطان، لكن لا ينكرون وجود الله، كذلك العرب كانوا في القمة في الشرك والعياذ بالله، وأنتم تسمعون عنهم في التاريخ أنهم كانوا يحلفون بالله ويؤمنون بالله! ومع هذا كما تسمعون في القرآن أنهم كانوا يسخرون من النبي والقرآن، ويكذبون بالبعث والجزاء.والمراد من هذا: أن كلمة: (كفروا) لا تفهم منها أنهم اليهود فقط، أو النصارى أو العرب، بل يجب أن نعرف ما الكفر حتى نتجنبه، حتى نذهب من ساحته ونبعد من رائحته الكريهة.فخلاصة القول: كل من جحد وجود الله، أو جحد أسماء الله، أو جحد صفات الله، أو جحد عبادة الله، أو جحد نبياً من أنبياء الله فضلاً عنهم جميعاً، أو كذب بخبر من أخبار الله، سواء أطاقه عقله واستطاع أن يفهمه أو لم يفهمه، أو كذب رسول الله في حادثة معينة من أمور الشريعة أو الدار الآخرة فهو كافر، والمؤمن هو الذي صدَّق بوجود الله، وبكل ما أخبر الله به، وآمن بكل ما أمر الله أن نؤمن به، ولو أن عبداً آمن بالقرآن الكريم وكذب فقط بآية واحدة وقال: مثل هذه لا أؤمن بها، فهل يبقى مؤمناً؟ والله لا يبقي مؤمناً، وإنما كفر بالله تعالى، كذلك آمن بكل الرسل إلا أنه قال: إن فلاناً -عيسى- لا أصدق أنه رسول الله، فقد كفر وخرج من ملة الإسلام، إذ إن الكفر: التكذيب والجحود والإنكار لله وبكل ما أمر به من الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والقضاء والقدر، والبعث والجزاء، وأحوال الآخرة وما يقع فيها من شقاء أو سعادة، فذلكم الكافر، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:116] بهذا المعنى.
لطيفة في قوله تعالى: (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً)
يقول تعالى عنهم: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116].وهنا لطيفة: لمَ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116]؟ لأن كفرهم سببه المال والولد، والحفاظ على أموالهم وأولادهم حملهم على أن يكذبوا رسول الله، والاعتماد عليهما -المال والولد- على أن صاحبهما لا يشقى ولا يكرب ولا يحزن ولا يخسر في الدنيا، هذه النظرية باطلة، وذكر تعالى المال والولد لعلمه بخلقه، وأن الكافرين يعتزون بأموالهم وأولادهم، كالاعتزاز أيضاً بالجيوش، والاعتزاز بالوطن، والاعتزاز بالحيل، وبالتالي كل من كفر لا بد وأن لكفره عاملاً وسبباً من الأسباب، وأكثر ما يحمل على الكفر هو الحفاظ على المال والولد، إذ الاستغناء يجعل هذا الغني لا يبالي بما يُطلب إليه من الدين، أو ما يُدعى إليه من الإيمان والعمل الصالح، وصدق الله إذ قال: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:28]، وتأمل واقعنا تجد المؤمنين كغيرهم، إذ إن أكثر الذين يعرضون عن ذكر الله سبب ذلك اعتزازهم واستغناؤهم بأموالهم وأهليهم، فأبطل تعالى هذا بقوله: لَنْ [آل عمران:116] التي تفيد التأبيد، لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116]، فإذا أراد أن يضربهم في الدنيا بوباء من الأوبئة، بأن يسلط عليهم عدواً من أعدائهم، بأن يسلبهم عقولهم، بأن يفني ما لديهم وما عندهم من الأولاد والمال، فهل هناك من يرد عنهم شيئاً؟! تُغني عنهم أموالهم وأولادهم؟! لا؛ لأن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فمن الخير للإنسان أن يفزع إلى الله ويلجأ إليه ويحتمي بحماه، أما أن تغتر نفسه بما لديه من سلطة أو جاه أو مال، ويعرض عن الله معتزاً بما عنده، والله لن يغني عنه من الله شيئاً متى أراده الله؛ لأن كثيراً من كفار العرب -الذين كفروا وحاربوا- كانوا معتزين بأموالهم وأولادهم، فهذا الوليد بن المغيرة كان معتزاً بأولاده وماله، واقرءوا ذلك في سورة المدثر، اليهود كذلك حافظوا على كفرهم وأبوا الإسلام معتزين أيضاً بأموالهم ورجالهم. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، متى أراد أن يُنْزِل بهم نقمه، وأن ينزل بهم عذابه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 247.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 241.49 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]