|
|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الإرادة والواجب
الإرادة والواجب حيدر الحجار قلت في مقالٍ سابق: إن الإدارة هي هوى سيطرتنا على نفوسنا وأخذنا بعنانها، أو أنها تصبح ذلك الهوى حالما تدخل في نطاق التمرين والممارسة، أو حالما تصادف عقبة؛ فهي حينئذ هوى لا يقهر أبداً، إنه هوى سيطرتنا على أنفسنا، إن هذا الذي ندعوه (أنفسنا) يسير مرغماً في الاتجاه الذي قرر أن يتوخاه. قد يفهم أو يتبادر إلى الذهن أننا عندما نريد أن لا نمضي إلا ما قررناه (بعيدين عن كل البواعث التي نعدها عديمة الصلة بنا أو نحسبها خارجة عنا) أن (الواجب) ينحصر في مخالفة المرء نفسه ومنازعته إياها، إن الواجب يقضي بأن نحمل النفس على ما تكره يقضي أن نثقلها بما تمقته وتأباه، حتى قال بعضهم: (إن قضية معرفة الواجب بسيطة جداً، إنه عمل ما نكره!). نعم إن من أبرز صفات (الواجب) أنه صعب على النفس، شاق عليها، فيه عنت، ولكنه لا ينبغي أن يظن (بالمفهوم المخالف) أن كل ما هو صعب، هو (الواجب) بالضرورة، لأن (الواجب) صعب أبداً؛ إذ هنالك انحراف قليل قد يقع الإنسان فيه، وهو مع ذلك طبيعي، بل يكاد يكون ضرورياً للإرادة، ومهما يكن فإن في ذلك الغلو انحرافا يمكن أن ينخدع فيه الإنسان، بل كثيراً ما انخدع فيه، وكثير هم الذين يقعون في هذا الانخداع! وإنه ليس من الحق في شيء أن نسعى لمجرد مران إرادتنا بغير ما سبب، أو أن نعتبر ما هو صعب كأنه (الواجب) نوعاً، حتى تصبح (الحرية) كأنها ترضي نفسها بنفسها طالما نشعر أنها المتحكمة على النفس التي تبعثها وتسيرها. قلت ليس كل (صعب) واجباً حتماً، بل لا بد (إلى جانب ذلك) من صفة يجدر بنا أن نمعن فيها ويحق لنا أن نخصها بكثير من الاهتمام والانتباه. لا جرم أن (الواجب) يمثل مصاعب جمة، ولكنه لا يكفي دائماً أن يكون الشيء صعباً ليكون (الواجب)، فالصعوبة هي غالباً علامة للواجب، ولكنها ليست له مصدراً ولا أصلاً. ولذا فأمام الأمر الصعب، أمام الأمر الذي يشق علينا القيام به، يجب علينا أن نطلب في الأمر صفاته غير (الصعوبة) وخارجاً عنها، يجب أن نقول له: أنت أمر صعب قضاؤك، فلتكن! أنت أمر تنطوي على مسؤوليات عظيمة جداً، ممكن أيضاً! ولكن فوق ذلك وأهم، بل أحق بالعناية وأبدى: هل أنت أمر نافع لقرنائي؟ لبني جلدتي؟ للإنسانية؟ لكل الذين أشعر أني متصل بهم بأواصر متينة وعلاقات وثيقة اجتماعية كانت أو إنسانية؟ حينئذ إذا كان الأمر الصعب نافعاً مع كونه (صعباً) أو يترافق بمسؤوليات خطيرة. فإنه يكون (الواجب) فهو إذن، هو الأمر الذي يجب أن يجري، هو الأمر الذي ينبغي أن يقوم به الإنسان بذاته. فالواجب هو ما تمخض (بمصاعب) وكان القيام به (مجدياً نافعاً) لمن يعيش بينهم، مفيداً كثير البركة على البشرية؛ كلما كانت المنفعة العامة في أمر أجزل، كلما كانت أوسع وأشمل، كلما كان واجب القيام بذلك الأمر آكد وأثبت، كلما كان إبرامه وتنفيذه أجدر. وإذا كان أمر أعم النفع وأسبغ، بل بالغَ فيه وأسرف، إذا كان أمر به سعادة البشر كافة، به إخراجهم من كل ما يشتكون منه، إذا كان أمر يسمو في الإنسانية إلى أكمل المراتب وأرفع الدرجات؛ إذا كان أمر هذه بعض صفاته فيجب الأخذ به حقاً، بل إن واجب القيام به آكد الواجبات.. (يتبع) المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثانية، العدد التاسع، 1356هـ - 1937م
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |