العنصرية في تركيا.. بين الوهم والحقيقة - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858879 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393254 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215626 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > فلسطين والأقصى الجريح

فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-10-2023, 07:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي العنصرية في تركيا.. بين الوهم والحقيقة

العنصرية في تركيا.. بين الوهم والحقيقة


. حسن الرشيدي








«لا يمكننا أن نسمح للعنصرية التي ليس لها مكان في تاريخنا وثقافتنا ومعتقداتنا بالانتشار في مجتمعنا».
كان هذا تصريحًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يهاجم فيه لَهْجة الخطاب والممارسات العنصرية المتصاعدة في تركيا.
وأضاف أردوغان: «تركيا لن تسمح لعددٍ قليلٍ من الجهلاء بتلطيخ السِّجل النظيف لتركيا، التي كانت دائمًا ملجأ للمضطهدين والمظلومين لعدة قرون».
وألقى أردوغان هذا الخطاب، بعد أن شهدت تركيا مؤخرًا، (وفي أعقاب انتهاء الانتخابات التركية بأسابيع قليلة) تصاعُد موجة من الممارسات العنصرية والأعمال العدائية، والتي قام بها قطاع من الأتراك ضد الأجانب بصفة عامة، وضدّ كل ما هو عربي بشكل خاص؛ سواءٌ كان سائحًا أو لاجئًا أو حتى تركيًّا ذا أصول عربية، وامتدت تلك الممارسات إلى إزالة يافطات المحلات في الشوارع المكتوبة باللغة العربية.
وكان أشدّها، اعتداء عشرات الأتراك بشكل وحشيّ على فتًى يمنيّ يبلغ من العمر 15 عامًا في أحد المجمعات السكنية بمنطقة إسنيورت بإسطنبول.
وقام سياسيون محسوبون على المعارضة بالتوجُّه إلى مناطق توجد فيها محلات سورية في ولايات جنوبية؛ لانتقاد ما وصفوه بسيطرة الثقافة العربية، مطالبين الباعة السوريين باستخدام الألفاظ التركية وليس العربية، ونزع بعضهم اللافتات المكتوبة باللغة العربية لبعض المحلات.
وتداولت وسائل الإعلام مقطع فيديو للنائب التركي المعارض جمال إنجينورت، وهو ينتقد إلقاء التحية بـ«السلام عليكم»؛ بحجة أن هذا السلام عربيٌّ وليس تركيًّا.
وغصّت وسائل التواصل الاجتماعي بفيديوهات تحتوي على شجارات وهرج ومرج في الشوارع والمطاعم وسيارات الأجرة، حتى بات من غير المفهوم هل هذه الممارسات حالات فردية أم هي حملات مُمنهَجة؟
فحزب العدالة والتنمية يتَّهم أحزاب المعارضة بالوقوف خلف التحريض، بينما يلقي البعض اللوم على الحكومة لتأخُّرها في اتخاذ إجراءات صارمة ضد العنصريين.
فأين تكمن الحقيقة؟
لمعرفة ذلك، يجب علينا أولًا معرفة إلى أيّ مدًى تتغلغل العنصرية لدى الأتراك؟ وهل هم بطبيعتهم شعب عنصري مثلهم مثل بعض الشعوب الأوروبية يكرهون الآخر؟ وما موقع العنصرية في استراتيجية المعارضة لإزاحة حزب العدالة والتنمية من الحكم؟ وهو الحزب الذي يُدير المشهد السياسي في تركيا منذ أكثر من عشرين عامًا. وهل يُواجه حزب العدالة تلك العنصرية بجدية كافية؟
العنصرية لدى الأتراك
أبسط تعريف للعنصرية أنها فِكْر وسلوك يتولّدان لدى مجموعة من الأفراد، يجعلهم يشعرون بأنهم أسمى من حيث اللون والعِرق والنسب والدم والثقافة عن غيرهم.
والعنصرية والتعصب للعرق أو للون -والذي يجتاح مناطق كثيرة في العالم اليوم، خاصةً في أوروبا وأمريكا- يتضمن ممارستيْن: نظرة استعلائية فوقية للذات، ثم احتقار للآخر.
تم تسجيل أول ممارسات عنصرية على نطاق الشعوب والأمم تجاه بعضها، عندما عبرت سفن المستكشفين الأوروبيين المحيط، فوجدوا شعوبًا قاموا بتشبيههم بالبهائم، نازعين عنهم صفتهم الإنسانية؛ بغية تبرير قتلهم ونهب ثرواتهم.
وتصاعدت العنصرية البيضاء مع خطف الأفارقة، واستعبادهم في الأرض الجديدة، حتى بلغت حدًّا غير مسبوق في التاريخ.
ولكن هل هذه العنصرية، وممارستها لدى الأوروبيين توجد أيضًا لدى الأتراك؟ حيث يحاول البعض تصوير أن التعصب العرقي ينتمي إلى جينات وأساسيات التكوين النفسي التركي.
المُتتبِّع لتاريخ العالم الإسلامي، يجد أن القومية والتعصُّب لعرقٍ ولونٍ، لم تجد لها أرضًا خصبة لدى المسلمين، وإن تم رَصْد بعضها، فقد كانت حالات فردية، ويعود أصحابها بعدها إلى الجادّة ويعتذرون، فثقافة المسلمين المستمَدَّة من القرآن والسُّنة جعلت معيار اختلاف البشر ليس اللون أو الجنس أو العِرْق، وإنما تقوى الله تعالى وخشيته.
وتنطبق هذه القاعدة على الخلافة الإسلامية في نُسختها الأخيرة، والتي حملت لواءها الدولة العثمانية، والتي حوت في أراضيها ما يقرب من ثلاثين جماعة قومية وعرقية.
يقول المفكر والمؤرخ أمحمد جبرون: «إن الإمبراطورية العثمانية في البداية كانت تُعتَبر خلافة إسلامية في اللاشعور الإسلامي. ومِن ثَمَّ، لم يكن يُنظَر إليها كمحتلّ، وإنما كحاملة للمظلة الشرعية الإسلامية» ا.ه.
ولكن مع نهايات القرن التاسع عشر، حين تسلّط الغرب على المسلمين، وحاول أن يفرض عليهم أفكاره، خاصةً ما يتعلق منها بالفكر القومي؛ حيث بدأت أوروبا تنقسم إلى دول على تلك الخلفية القومية، فضلًا عن تعمُّد المستعمرين الأوروبيين المشبّعين بالروح الصليبية بَذر بذور الخلاف والشقاق بين المسلمين، فوجدوا مبتغاهم في نشر الفكر القومي والتعصب للأجناس والأعراق.
فتزامن ظهور الدعوات إلى القومية العربية، مع دعوات في نفس التوقيت إلى الاعتزاز بالقومية التركية.
وبينما حمل دعوات القومية العربية، مسيحيو الشام رغبةً في التخلص من الحكم العثماني حامل لواء الإسلام في ذك التوقيت؛ كانت جمعية الاتحاد والترقي في إسطنبول ترفع لواء القومية التركية، ليس كرهًا في الإسلام، ولكن كاستراتيجية حركية، إدراكًا منها بضعف الدولة العثمانية وانحدارها إلى الهاوية، فظن أعضاء الاتحاد والترقي أن العودة إلى هضبة الأناضول والتقوقع فيها وترك العالم الإسلامي هو الذي سيحمي الدولة من السقوط.
وتسلَّم الاتحاد والترقي الحكم قبيل الحرب العالمية الأولى، فانهزموا فيها، ودخلت أوروبا تركيا، لتُسقط الدولة والخلافة العثمانية، وتُسَلِّم تركيا إلى مجموعة متطرفة من القوميين العلمانيين، واشترط الغرب عليهم إبعاد الإسلام عن الحكم، فكان هذا ميلاد الدولة التركية الجديدة، والتي تأسست على ركيزتين أساسيتين:
القومية التركية، والتي تضمَّنت إعلاء العِرْق التركي حدًّا بلغ درجة العنصرية، فتم رفع شعارات من قبيل (الجنس التركي أصل البشرية والحضارة بأَسْرها)، و(يا لسعادة من قال أنا تركي!).
أما الركيزة الثانية، والتي تأسَّست عليها الدولة التركية الجديدة فهي علمانية النظام السياسي، والتي تسعى إلى إنهاء حضور الإسلام في مختلف مجالات الحياة وبين مختلف فئات المجتمع.
ظل الاتجاه العلماني القومي المتطرف متشبثًا بالحكم حتى نهاية القرن العشرين، قامعًا أيّ محاولة رجوع الأتراك إلى استعادة مرجعية الإسلام، وبالتالي الابتعاد عن القومية المتوحشة.
وكان الجيش التركي هو الحامي لتلك القومية العلمانية المتشددة بدعم غربي واضح؛ حيث مارَس بصرامة عَزْل أيّ محاولة لتجاوز العنصرية والعلمانية، بل سعى لجعلها جزءًا من المناهج التعليمية في المدارس التركية، وما نشاهده اليوم في الشارع التركي من عنصرية وتعصُّب عرقي، مصحوب بكُرْه للممارسات الإسلامية لدى شريحة مُهمة من الأتراك، ما هي إلا نتاج تربية وإعلام تم توجيهه بهذه القِيَم: العلمانية والعنصرية.
وفي المقابل، كانت هناك فئة من الأتراك تُواجه التعصب العِرقي والعلماني طوال ما يقرب من مائة عام، وتعرَّضت للقمع والقتل والاعتقال والترهيب في سبيل الحفاظ على الهوية الأصيلة للشعب التركي، المتمثلة في الإسلام وتقبُّل الآخر، ونجحت أخيرًا في الوصول إلى رأس النظام السياسي التركي بعد فوز حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان في الانتخابات عام 2002م.
وبالتدريج نجح حزب العدالة في إحراز تقدُّم لاستعادة هوية الشعب التركي باستراتيجية تقوم على ثلاثة أبعاد:
تحييد الجهة التي كانت تتدخل بالقَسْر لفرض العلمانية والعنصرية، وهي الجيش التركي. أما الاستراتيجية الثانية فهي تقوم على نشر الهوية الإسلامية؛ سواء في المدارس والمؤسسات ذات الصبغة العلمانية كالجيش، أو بالتوسع في إنشاء المدارس الدينية.
أما البُعد الثالث في هذه الاستراتيجية، فيقوم على الفصل بين القوميين الأتراك؛ بين القوميين الذين يكرهون الإسلام، وبين القوميين المتسامحين مع الإسلام، والذين يعتبرونه عنصرًا أساسيًّا في القومية التركية، من هنا تحالف حزب العدالة مع الحركة القومية بزعامة دولت بهشتلي، وهي حركة قومية لا تعادي الإسلام، ولا يصدر عن أفرادها وداعميها ممارسات عنصرية.
ولكن لا يمكن إغفال أن هناك شريحة من الأتراك، ليست لديها أيّ ميول نفسية عنصرية، ولكنها تنظر لقضية الأجانب، وبالذات اللاجئين، كقضية مرتبطة بتراجع الاقتصاد التركي.
فمع تصاعد الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدّلات التضخم، اللذَين ضاعفت من آثارهما جائحة كوفيد - 19، والزلزا`ل المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وغرب سورية في فبراير الماضي؛ تضاعفت المشاعر الكارهة للمهاجرين لدى تلك الشريحة الواسعة من الأتراك، معتقدةً أن الأزمة الاقتصادية نتيجة مترتبة على الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين في بلادهم، ممن يقاسمونهم رغيف الخبز، ويُشكِّلون ضغطًا على البنية التحتية لبلادهم.

المعارضة وورقة العنصرية
ليست القومية في تركيا فكرًا أحاديًّا كما يظن البعض، فثمة اتجاهات عديدة داخل الفكر القومي التركي.
هناك الفكر القومي الكمالي -نسبة إلى كمال أتاتورك مُؤسِّس الجمهورية التركية بعد سقوط الدولة العثمانية-، وهذا الفكر يختلط فيه التعصب للعنصر التركي مع العلمانية المتوحشة، وهذا الفكر يُمثله حزب الشعب الجمهوري بزعامة كليجدار أوغلو، والذي حاول تطوير الفكر القومي العلماني بجعله أكثر تسامحًا ليجذب شرائح أوسع في المجتمع التركي، خاصةً أن شرائح ضخمة في هذا المجتمع قد تأثرت بتوجُّهات حزب العدالة في العشرين سنة الأخيرة.
وقد وجَّه كمال أوغلو علنًا اعتذارًا رسميًّا باسم حزبه للشريحة المُحافِظة وللمحجبات على أخطاء الماضي، طالبًا منهم الصفح والسماح. وهذا التوجُّه سمح له بالتحالف مع الأحزاب المحافظة والمنشقَّة من حزب العدالة كحزب المستقبل الذي أسَّسه رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم الذي أسَّسه نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان.
كما مكَّن التوجه القومي الجديد لكمال كليجدار من التحالف مع قوميات أخرى كالأكراد وحزبهم العلماني (حزب الشعوب الديمقراطي) في مواجهة حزب العدالة.
وهناك أيضًا الفكر القومي غير المعادي للإسلام والمتصالح معه؛ باعتباره مكونًا أساسيًّا من مكونات الهوية القومية التركية، ويمثله الحركة القومية التركية بزعامة دولت بهاشتلي، والذي انشق منه حزب الجيد بزعامة ميرال أكشينار، ويحمل نفس توجُّه الحركة القومية من حيث الفكر القومي المتصالح مع الإسلام.
ولكنَّ أخطر التيارات القومية الحديثة في تركيا، والتي نشأت في السنوات الأخيرة على النهج الأوروبي، هي القومية المعادية للمهاجرين الأجانب وبالذات السوريين، ويمثلها حزب النصر وزعيمه أوميت أوزداغ.
يزعم هذا التيار على لسان رئيسه، أن تركيا أصبحت (رواندا أوروبا)، كما هو الحال مع رواندا التي وقَّعت اتفاقًا مع بريطانيا لاستقبال اللاجئين غير الشرعيين وغير المقبولين.
ويعتقد هذا التيار الذي يمثله أوزداغ، أن الدين عنصر مُهمّ يجب تهميشه؛ لأنه -في نظره- دافع لفكرة تقبُّل اللاجئين، والتي تُمثِّل قضيته الكبرى.
تنبع خطورة أوزداغ من تحريضه الدائم على العنصرية ضد المهاجرين، والتي امتدت إلى السائحين العرب، والذين يضخون أموالًا في الاقتصاد التركي المتهاوي.
وبلغت خطورة أوميت أوزداغ، أنه أصبح يُوجِّه ويعطي تعليمات مباشرة لوسائل إعلام من قنوات ومواقع إنترنت وصفحات تواصل اجتماعي، بنشر موادّ إعلامية عنصرية بحق الأجانب في البلاد.
فقد نشرت وسائل إعلام تركية، ومنها صحيفة (صباح) اعترافات المواطن من أصل إيراني رمين سعيدي، التي أدلى بها لقوى الأمن أثناء التحقيقات التي جرت عقب حملة التوقيفات التي طالت مديري تحرير وإداريي حسابات وسائل تواصل اجتماعي، وكان سعيدي من بينهم، وبحسب أقواله فإن المنشورات التي تتم عبر الحساب كلها تأتي بتعليمات وطلبات من أوزداغ، وبناءً عليه يتم تحرير الفيديوهات بالشكل المطلوب واستشارته بها حسب قول سعيدي الذي كان يقوم بالمهام المكلف بها فقط دون التدخل بصناعة المحتوى فيه وفق أقواله.
ولا شك أن أحزاب المعارضة التركية، سواء العلمانية أو ذات التوجُّه القومي المتطرّف، قد استخدمت ورقة العنصرية واللعب على مقولة تركيا للأتراك فقط وليست لغيرهم، كوسيلة لهزيمة حزب العدالة الحاكم بزعامة رجب طيب أردوغان، الذي اعتبروه راغبًا في إرجاع تركيا إلى النهج القائم على دمج غير الأتراك في دولة عثمانية جامعة جديدة.
وهذا ما يفسِّر تصاعد الممارسات العنصرية في الآونة الأخيرة، والتي تزامنت وأعقبت الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتي سيتصاعد اللعب بهذه الورقة في الفترة القادمة مع معركة انتخابات المحليات خلال الشهور القادمة، ما لم تسارع حكومة حزب العدالة إلى اتخاذ ما يَقضي على هذه الفتنة.

استراتيجية حزب العدالة في مواجهة العنصرية
عند وقوع ثورات ما يُعرَف بالربيع العربي، تبنَّت حكومة أردوغان استراتيجية الوقوف مع الشعوب الثائرة ضد أنظمتها، فلجأ إليها المضطهدون من هذه الأنظمة.
وأسهم عامل الجوار في أن يكون التدفق الأكبر للاجئين القادمين من سوريا، بعد ما قابل النظام السوري ثورة شعبه ضده بالقتل والتدمير والكيماوي، حتى وصلت أعدادهم -وفق بعض المصادر- إلى أربعة ملايين لاجئ، وكذلك كان هناك لاجئون سياسيون من دول عربية أخرى، شهدت بلدانهم ما يُطلَق عليه ثورات مضادة، فخوفًا من بطش وتنكيل حكوماتهم لجأوا إلى تركيا.
ولم تقتصر ظاهرة اللاجئين على العرب فقط؛ فقد كان هناك آخرون لجأوا إلى تركيا لأسباب اقتصادية من بلدان آسيوية وإفريقية.
ولا شك أن دوافع حكومة أردوغان لاحتضان اللاجئين، نابعة من خليط من التعاطف الحقيقي باعتبارهم مسلمين ومظلومين، وبين حسابات سياسية تقتضي التعامل مع ذلك الملف لكسب أوراق تخدم الأهداف الاستراتيجية التركية نحو الصعود الإقليمي والدولي.
في البداية رفعت الحكومة التركية بقيادة أردوغان شعار «المهاجرين والأنصار»؛ اقتداء وتذكيرًا بهجرة صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن بمرور الوقت وازدياد وتيرة الأزمة الاقتصادية في تركيا؛ ازداد حَنق بعض الأتراك على المهاجرين؛ لظنّهم أنهم يقاسمونهم في لقمة عيشهم وفي الخدمات الحكومية.
اتَّسم رد الفعل الحكومي في البداية إزاء الممارسات العنصرية بالضعف، وبدا كأنه متهاون معها، ولكن مع اتساع ظاهرة العنف اللفظي والجسدي تجاه الأجانب والعرب، بدت ملامح استراتيجية حكومية تتشكل كان من أبرز ملامحها:
أولاً: صياغة خطاب ضد العنصرية يحتوي عدة مضامين
المضمون الأول: التهديد المباشر الموجَّه للمتعصبين ضد الأجانب.
يقول الرئيس التركي أردوغان في خطاب له: «لن نقبل مطلقًا أن يَطال أيّ شخص سوء، بالقول أو بالفعل، بسبب أنه أجنبي، أو يتحدث لغة مختلفة، أو بسبب الحجاب واللحية، أو أي شيء آخر، وكل من يتورط في الإساءة لأحد سيعاقب».
وتابع «كل شخص في تركيا، سواء كان تركيًّا أم أجنبيًّا، يحق له العيش بسلام والتعبير عن رأيه»، وأضاف إن «تركيا لن تسمح لعدد قليل من الجهلاء بتلطيخ السِّجل النظيف لتركيا، التي كانت ملجأ للمضطهدين والمظلومين لعدة قرون».
المضمون الثاني لخطاب الحزب: إبراز شمولية التعصب، وإبراز أنه ليس موجهًا فقط للأجانب، بل يشمل قطاعًا أيضًا من الأتراك.
في خطاب له عام 2015م، تناول أردوغان ظاهرة العنصرية فقال: «الأتراك البيض يصفونكم ويصفوننا بأننا أتراك سود، وأنا فخور بأني تركي أسود».
ويقول أيضًا: «انقضى منذ زمن عهد المتكبرين الذين يرون هذا البلد مِلْكًا لأقلية صغيرة، وأن هذا الشعب عبيد لها».
وفي تغريدة على منصة (إكس)، كتب أردوغان: إن «البعض يحاولون حَرْف المجالات التي ينبغي أن تُوحِّدنا جميعًا، حول قِيَمنا وأفراحنا، وفخرنا المشترك، مثل الثقافة والفنون والرياضة، إلى أدوات للانهزامية».
المضمون الثالث: ربط تزايد الممارسات العنصرية بخطط الأحزاب القومية والعلمانية ضد حزب العدالة، فيقول في خطاب له: «سأتكلم بصراحة؛ نحن نعرف جيدًا من أنتم، ولأيّ شيء تفعلون هذا، وما هي أهدافكم، وأريد أن أخبركم شيئًا.. لن تنجوا أبدًا بهذا، يبدوا أنكم لم تتعلموا الدرس من صفعة الانتخابات الماضية».
المضمون الرابع: التركيز على أن العنصرية لها ثمن سيدفعه الأتراك، وحجم الضرر الذي لحق ببلدهم، حيث ستؤثر على الاقتصاد التركي، وبالتالي معيشة الأتراك ورفاهيتهم، ففي معرض هجومه على الممارسات العنصرية يشدد أردوغان على أن تركيا ترحب بضيوفها الأجانب الذين يسهمون في الاقتصاد التركي.
ويشرح الأكاديمي والمستشار السابق لأردوغان ياسين أقطاي في مقال له في صحيفة (يني شفق) التركية هذا الضرر الناتج عن تصاعد حدة الخطاب العنصري وكراهية الأجانب؛ حيث ذكر أن تلك الممارسات العنصرية ستؤدي إلى تحويل السياحة والاستثمارات العربية بعيدًا عن تركيا؛ إذ تستجيب السياحة بسرعة كبيرة للشعور بانعدام الأمن.
وطبقًا لما يقوله أقطاي؛ فقد أدى الخطاب العنصري المتصاعد ضد العرب إلى إلغاء كثير من الحجوزات والرحلات السياحية خلال الصيف، كما تسبَّب بانتقال العديد من الاستثمارات إلى الخارج ما كلَّف تركيا خسائر لا تقل عن 5 مليارات دولار.
بينما تُفصِّل أستاذة العلوم السياسية، زاهدة توبا كور فتقول: «إن العديد من التُّجّار العرب الذين أسَّسوا شركات في البلاد؛ توقفوا عن القدوم إلى تركيا هذا الصيف، وقالوا: أغلقوا الشركة وحساباتها، لا نريد أن نأتي إلى تركيا ونقوم بأعمال تجارية مرة أخرى».
ثانيًا: الاستعداد لتوجيه ضربة أمنية حاسمة ضد العنصريين الأتراك
بدأت وزارة الداخلية التركية -كما تقول بعض المواقع الإخبارية التركية- تجهيز ملفات للعنصريين وتنظيماتهم، وتُمهِّد الأجواء في الإعلام، ولكنّها ستنتهز الوقت المناسب كنهجها دائمًا، ويبدو أن التوقيت مرتبط بانتهاء الانتخابات المحلية القادمة والمقررة في منتصف العام القادم.
وقد بدأت بالفعل حملة اعتقال مبدئية، فقد أعلن وزير الداخلية التركي في نهاية شهر سبتمبر الماضي، أن 27 شخصًا مشتبهًا فيهم اعتُقِلُوا في عمليات متزامنة نُفِّذت في 14 ولاية شملت مديري الحسابات والمواقع المُتَّهمة ببثّ خطابات الكراهية والعنصرية على منصات التواصل الاجتماعي، وأوضح أن هؤلاء المعتقلين حرَّضُوا الجمهور بشكل علني على الكراهية والعداء.
وقد أسفرت هذه الحملة عن تراجع أوزداغ خوفًا من أن يُعْتَقَل، ففي مؤتمر صحافي عقب حملة الاعتقالات صرح أوزداغ بـ«أن مواقف حزبه ليست ضد الأجانب والسائحين، بل هي ضد اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين، وأنهم يطالبون بإعادة السوريين من منطلق حبّ البلاد، وأنه ليس كارهًا للأجانب».
وكشف أن «الحزب سيلتقي مع الممثليات والبعثات العربية في تركيا لاحقًا؛ لشرح مواقف الحزب بأنهم مُرحِّبون بالسائحين والطلبة ورجال الأعمال، وأنهم ليسوا ضدهم، وفي نفس الوقت لن يسمحوا لتركيا بأن تغرق باللاجئين».
ولا شك أن قرب الانتخابات المحلية في تركيا، والتي تحظى باهتمامٍ وتنافسٍ محمومين، وتُشكِّل جزءًا مهمًّا من النظام السياسي التركي؛ تؤثر على موقف حزب العدالة الحاكم في تركيا، والذي يعتبره البعض غير قويّ في مواجهة العنصرية، ولكن بعد انتهاء شهر مارس القادم 2024م (موعد إجراء الانتخابات المحلية)، ربما يتمّ حَسْم هذا الملف حكوميًّا، خاصةً مع طبيعة طموحات أردوغان، والذي يرغب في صعود تركيا لتلعب أدوارًا رئيسة في لعبة الصراع الدولي، والذي يدرك أهمية انتظام الداخل التركي في أجواء ذلك الصعود.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.15 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]