في طريق الجامعة (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853267 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388444 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213861 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-12-2020, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي في طريق الجامعة (قصة قصيرة)

في طريق الجامعة

(قصة قصيرة)






د. أحمد يحيى علي محمد












دقَّ جرس المنبِّه في سلوكٍ يومي معتاد؛ في الساعة السادسة، يصرُّ رأسي على البقاء في مَكانه، فيصرُّ هو على التَّمادي في القيام بدوره بصوت يزداد علوًّا؛ ليشاركه في مهمَّة إيقاظي مَن حولي؛ إنه أخي الصغير الذي يُزمجر من صوت المنبِّه، ويسخَط من بقاء الحال على ما هو عليه؛ إنه استمرارُ نومي الذي صار يزعجه؛ لأن منبِّهي لم يتوقف عن إزعاجه وإزعاجي!

كان القرار أن أهمَّ بالقيام لأوقف هذا المنفِّر الذي ينشط قبلي ويُناديني في أشهى ساعاتٍ يَخلُد فيه جسدي المتعبُ إلى النوم، بعد دقائقَ معدودة كنت أستعيد نشاطي تدريجيًّا، أرتدي ملابسي، أحزم حقيبة الخروج؛ لأعيش يومًا يتكرَّر دون جديد في الغالب، اللهم إلا في وجوهٍ تلتقطها العينُ في الشارع أو في المترو، أو عند بوابة الجامعة.

كان يومًا فريدًا استثنائيًّا يَبدو أنه أراد أن يَكسر حاجز الملل الذي دائمًا ما يَنتابُني مع نهاية الأسبوع الدراسي؛ إنه منظرٌ لرجل يسيرُ منحنِيًا على جانب الطريق الموازي لسور محطة المترو، ملبسه يَحكي عشرات الحكايات، كأنه يقول للرائي: أنا شخصٌ فقير، مسكين، هدَّته الدنيا بآلامها وأوجاعها، وفي صوته حشرَجة، كأنه يشتكي نيابةً عن صاحبه قائلاً: إني لا أجد من يَسمع؛ لذا كان القرار الاضطِراريُّ التوقفَ عن الارتفاع؛ إنه يكاد يتَلاشى فلا تحسُّ منه الجوارحُ إلا بقايا، بالكاد تُسمِع صاحبَها وحده.

في وجهه قرأتُ عن زمن لم أعِشه، زمنٍ ولَّى.. لما اقتربتُ منه متصنِّعًا أني أحدُ المارَّة الذي قدَّرَت له ظروف السير أن يمشي إلى جواره دون أن يتنبَّه إلى تعمُّدي ذلك، حاولتُ أن أتلصص على ما يتطاير من بين ثناياه الذابلتين من كلمات؛ فإذا بأذني يبلغ منها الجهدُ مبلغَه، تحاول تجميعَ حروفٍ متناثرة في لعبةٍ أشبهَ بالمكعَّبات، لكن هذه المرة ليس كما يشتهي خيالُ طفل صغير وهو يلعبها، يشكِّل منها ما يشاء من أشكال، هذه المرةَ اللعبة تبدو مختلفة؛ إنني أحاول أن أجمع من مكعَّبات الحروف المتطايرة من فمِه كلماتٍ؛ كما ينطقها صاحبها، لا كما أريد أنا!

أول جملة التقطتُها، وأزعم أنها بالفعل كما خرجَت من صاحبها: (الحياة مَشاوير)، يا للعجب! لم أعطِ لحديث نفسي الوقتَ الطويل؛ حتى لا يَشغَلني عن المتابعة، أما الجملة الثانية فقد أدركَتها أذني بعد عناءٍ طويل وسيرٍ مرَّةً إلى جواره، ومرةً خلفه، فكانت بيتًا من الشعر، يا لله! معقول! هذا صاحب الملبس المتهالِك والمنظر البائس الفقير يقول شعرًا! كان البيت الذي أرسله إلى يومي الوليد:

لقد أسمَعتَ لو ناديتَ حيًّا ولكن لا حياةَ لمن تُنادي


زاد إصراري على المتابعة؛ فطول الشارع المجاورِ لسور محطة المترو يَسمح لي بالمناورة؛ أقترب حينًا يسارًا، وحينًا من الأمام، وآخرَ من الخلف؛ لقد شجَّعَتني عبقريةُ ما يُتمتِم به ذاك الرجل - الذي يقول مظهرُه شيئًا ويُنجز لسانه شيئًا آخر - على أن أكون تلميذًا يتعلَّم منه دون أن أُشعِره بذلك؛ ووجدتُني أستحضر على الفور مقولةً لأستاذ لي في المرحلة الثانوية: العالم لا يَدري على وجه اليقين أين يَذهب أثرُه!

عدتُ سريعًا ملتفِتًا مما قاله أستاذي إلى حكايتي مع هذا الرجل، وكان الموعد في تلك اللحظة مع حكمةٍ أولَ مرة أتعرَّض لها في حياتي: مُداواة العقول بالعلم، والقلوب بالذِّكر يُعين على عافية الأبدان وشِفائها من الأمراض.

يا لله! ما هذا اليوم؟! ومَن هذا الرجل؟! لقد تحوَّل هذا الشارع الذي أعرفه ويعرفني - كأننا صديقانِ من كثرةِ ذَهابي وإيابي فيه - على يد هذا السائر الاستثنائيِّ إلى محرابٍ أتعلم فيه، إلى محاضرة مصغَّرة.

لم يقطع سَكينةَ تأمُّلاتي إلا كائنٌ آدمي مزعِج، صار إلى جواري فجأة، حاملاً تلك الآلة الجامدة فوق أذنيه (الهاتف المحمول) يتحدَّث كأنه في الدنيا وحدَه، قد ملَكها، وهي له دون سواه من البشر، يعلي صوته بطريقة تُسيء إلى كونه منتميًا إلى بني الإنسان! قهقهات تحدث ضجيجًا مدويًا، ألِفْناه في شارعنا المصري وإن كرهَته نفوسنا، ما أشقاك أيها الجافي الذي دهَس فوق إحساسه بهذه الطريقة الجاهلة الغبيَّة في الكلام! لقد نزعتُ عقلي وقلبي رغمًا عنهما من معلِّم، الله وحده يعلم هل يمكنُني أن أراه لأتعلَّم منه مرة أخرى!


رحل صاحب الجلَبة هذا بفضل أقدامِه التي كانت تحمله على عَجَل بعيدًا عني..

عَودٌ أحمدُ إلى مِحرابي؛ إنَّه معلِّمي هذا العجوز بالي الوجه والثياب، مَحنيُّ القامة، الضاربُ بعمره على ما يبدو في أرضِ الزمن، الذي لم يفارِقني بفضل ثقل خطواتِه، وضَعفِ أقدام يكاد يتحرَّك بها كأنه يأمرُها بالحركة فتأبى، لكنَّها في النهاية لا تجد مفرًّا من الاستِسلام لتوسُّلاته فتَمشي به على قدر جهدٍ محدود لا يزال يتوفَّر لها، تسترق أذني الكلمات، تكوِّن الجمل، تطلق لنفسها عِنانَ الصبر حتى تجمع أكبر عدد يمكنها الوصول إليه من هذه الكنوز المتطايرة من عقلٍ حكيم؛ فكانت هذه الفِقرة: العلم رحِمٌ بينَ أهله، والأهمُّ من العلم النية التي تقف خلفَ تلَقِّيه، والنيةُ التي تقف خلف تعليمه للناس؛ فما كان لله دام واتَّصل، وما كان لغيره بُتِر وانقطع؛ وها هو ذا الشافعي يقول شعرًا:
رأيتُ العلمَ صاحبُه كريمٌ ولو ولدَته آباءٌ لِئامُ
وليس يَزال يَرفعُه إلى أن يعظِّمَ أمرَه القومُ الكرام
فلولا العلمُ ما سَعِدَت رجالٌ ولا عُرِف الحلالُ ولا الحرامُ



دخل الرجلُ في شارع آخر، ووالله لودِدتُ أن أبقى خلفَه متبِعًا مقتفيًا متعلِّمًا، لكن وا أسفاه! اليومَ محاضرات مهمة، وامتحان من امتحانات أعمال السنة لا يُمكنني العدول عنها.

سار هو إلى حيثُ يعلم الله، وحان موعد دخولي محطة المترو، الآن أشعر كأنَّ يومي هذا قد ارتدى ثيابًا لم تكن لإخوانه من أيامٍ سبقَت مجيئه؛ رجل غير عاديٍّ، وكلام لأول مرة أتعرَّض لمثله.

بعد أن استقر بي المقام في أول (مترو) يصل إلى المحطَّة قررتُ أن أُخرج سريعًا ورقة وقلمًا؛ لأسجِّل ما حملَته ذاكرتي من دُرر هذا الرجل، حامدًا ربي أن منَحني ذاكرة تستطيع أن تحفظ ما تسمع مدةً من الزمن.

هكذا نحن في شارع الحياة، نَمشي في مناكبها، نتصفَّح بعيوننا ما فيها ومَن فيها، المهم: ما الذي تعلَّمناه؟ وما الذي يمكن أن ينفعَنا مما تعلمنا؟ وما الذي يمكن أن نعلِّمه لغيرنا، راجين من الله القَبول والعفو؛ ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17].

ثم بزَغ في سماء إحدى أوراق مذكِّرته البيضاء هلالُ يوم وُلِد ولم ينتهِ بعد[1]!


[1] هذا المقال من وحي خيال المؤلف الخاص.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.37 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (3.26%)]