القوامة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 38 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 42 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-12-2020, 11:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي القوامة

القوامة
خالد بن عثمان السبت

المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيُّوم السماوات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا بالتذلل لعظمته، ولا غنى إلا بالافتقار إلى رحمته، ولا هدى إلا بالاستهداء بنوره، ولا حياة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في قربه، ولا صلاح للقلب ولا فلاح إلا بالإخلاص له وتوحيده، الذي إذا أُطيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، وإذا دعي أجاب، وسبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الحديث في هذه المحاضرة سيكون -بإذن الله- عن قضية مقررة في الوحي، كما أنها من مقتضيات الفطرة، إضافة إلى أن العقول الصحيحة تثبتها وتقرُّ بها، فكل عاقل ينقاد لمقتضاها ويثبت أنها حق، وأن الحاجة داعية إلى وجودها وثباتها ورسوخها، وهذه القضية يحتاج إليها الرجال والنساء، والصغار والكبار، بل يحتاج إليها المجتمع بأكمله.
هذه القضية هي القوامة، أعني قوامة الرجال على النساء سواء أكانت هذه المرأة بنتاً، أو أماً، أو أختاً، أو زوجة، أو غير ذلك مما يرتبط بالرجل من محارمه.
أسباب الحديث عن هذه القضية:
إن الأسباب التي دعتني إلى الحديث عن هذا الموضوع هي عدة أسباب، ولكن مرجعها إلى سببين رئيسين:
السبب الأول: أنَّ أعداء المرأة وأعداء الإسلام عموماً والملبِّسين على الأمة، والذين يلْبسون مسوح الضأن من الدين يريدون خلخلة هذا المبدأ، ويريدون إخراج المرأة عن قوامة الرجل لتفعل ما يحلو لها، وبذلك يستطيعون الوصول إلى ما يرومون تحقيقه من المرأة، وتحصيل شهواتهم ونزواتهم وتحقيق رغباتهم الدنيئة منها.
وتزداد هذه الهجمة في هذا الوقت الذي توجه فيه الهجمة إلى الإسلام وإلى بلاد المسلمين برُمَّتها، فهي لا تُستهدف بالقوة العسكرية فحسب، بل تستهدف في ثوابتها ومبادئها وفي عقائدها ومقرراتها، ومن ذلك القوامة.
السبب الثاني: ما يقع فيه كثير من الناس من الإخلال بهذه القضية إما من جهة الإفراط، أو من جهة التفريط.
وسيكون الحديث إن شاء الله- منحصراً في خمس نقاط:
الأولى: بيان مفهوم القوامة.
الثانية: لماذا القوامة؟ وما الحاجة إليها؟
الثالثة: نتائج تضييع القوامة.
الرابعة: لماذا كانت القوامة للرجل وليست للمرأة؟
الخامسة: الخاتمة.
أولاً: بيان مفهوم القوامة:
القوامة من القيام على الشيء، والقيام على الشيء هو حفظه ومراعاة مصالحه وتدبيره، والقيِّم هو: السيد والسائس والمدبر، وقيِّم المرأة هو: زوجها أو وليُّها؛ لأنه يقوم بأمرها.
وقوامة الرجال على النساء تعني قيام الرجال بالتدبير والحفظ والصيانة، والنفقة والرعاية على هؤلاء النساء، فالرجل أمين على المرأة يتولى أمرها كما يقوم الوالي على الرعية، ومعلوم أنَّ قيام الولاة على الرعية إنما هو منوط بالمصلحة، فلا يكون ذلك على سبيل التشهي والتحكم والاستعلاء، وإنما يكون ذلك منوطاً بتحقيق المصالح.
وبهذا نعلم أن القوامة إنما هي قوامة تدبير وحفظ ورعاية وذبٍّ عن المرأة، وهي قوامة سعيٍ فيما يصلحها، وذلك بأن يستفرغ الرجل وسعه في تحقيق مصالح النساء والاحتياط لهنَّ.
قال الله -عز وجل-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) [(34) سورة النساء]: أي أن الرجل هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجَّت، فيقدَّم الرجل على المرأة من هذه الحيثية، ويقوم عليها بالتدبير والتأديب والحفظ والصيانة، كما يقوم عليها أيضاً بالحماية والولاية والكفاية بالنفقة والكسوة والمسكن.
كما أن ذلك يعني إلزام المرأة بحقوق الله - عز وجل - والمحافظة على فرائضه مع كفها عن المفاسد والمنكرات والمخالفات.
ونستخلص من هذا المفهوم أموراً عدة منها:
أن القوامة لا تعني القهر والتسلط والتعنت ومصادرة الحقوق وظلم المرأة وسوء عشرتها والتحكم الجائر بها، وهي كذلك لا تعني استعباد الرجال للنساء.
يقول الله -عز وجل-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [(19) سورة النساء]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((خَيركُم خيركُم لأهله))[1].
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكرت في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا كان في بيته يكون في مهنة أهله[2] بمعنى أنه يعينهم - صلى الله عليه وسلم -؛ لكمال خلقه ورأفته ولين جانبه.
وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "كنَّا في الجاهلية لا نعد النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهنَّ الله رأين لهن بذلك علينا حقاً"[3].
وفي بعض الروايات: "والله إن كنَّا في الجاهلية ما نعد النساء أمراً حتى أنزل الله فيهنَّ ما أنزل، وقسم لهن ما قسم[4] بمعنى أنهم في الجاهلية كانوا يحتقرون المرأة، ولا يرون لها حقاً ولا يرونها شيئاً.
وفي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ابتُلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كُنَّ له ستراً من النار))[5].
فلو كانت القوامة تعني التسلط والكبرياء والعجرفة لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو))، وضمَّ أصابعه - عليه الصلاة والسلام -[6].
وفي الحديث المشهور المخرج في الصحيحين: ((استوصوا بالنساء خيراً))[7].
ولما طاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد طاف بآل بيت محمد نساء يشكون أزواجهن، ليس أولائك بخياركم))[8].
وبهذا نعلم أن أولائك الذين يفهمون من القوامة التسلط على المرأة ومصادرة الحقوق وهضم النساء، أن هؤلاء قد أخطئوا الطريق، وظلموا المرأة.
وإن الرجل الذي يأنف من الأكل مع المرأة سواء كانت زوجة أو أختاً أو بنتاً هذا رجل فيه خصلة جاهلية، وفيه كبرياء وعلو في غير محله، والرجل الذي لا ينادي المرأة باسمها الذي سماها به أبوها، وإنما يطلق بعض العبارات التي لا يُدرى من أين جاء بها هذا رجل جِلْفٌ جاف أخلاقه صحراوية، وأفعاله وأقواله تنبئ عن رعونة في الخُلُق.
والرجل الذي يأنف ويستنكف من قبول رأي المرأة واقتراحاتها ومشوراتها هو رجل متعجرف متغطرس لا يفهم حقيقة القوامة، والرجل الذي إذا ذُكِرَت المرأة عقَّب ذلك ببعض العبارات كقول بعضهم: "أكرمكم الله"، وكأنه قال شيئاً مهيناً يحتاج معه إلى هذا التعقيب هذا رجل لم تُهذَّب أخلاقه بالقرآن، ولم تُنزع لوثة الجاهلية من قلبه، فلا زال يعْلق به الكثير منها، فإن الرجل قد يكون مسلماً وفيه خصلة من خصال الجاهلية، والرجل الذي إذا دخل بيته اكفهر وجهه وصار يصيح بأعلى صوته ويسخط ويضرب ويفرغ أمراضه وعلله النفسية في هذه المرأة الضعيفة المسكينة التي لا تملك حولاً ولا طولاً للخلاص من هذا الرجل الذي جاء بهذه الأخلاق الوحشية، فهو رجل لم يُهذَّب بأخلاق الإسلام.
ومما يجب أن يقر ويستقر في مفهوم القوامة هو أن القوامة -بناء على ما ذكرتُ- لا تعني ذوبان أحقية المرأة، وانتهاء هويتها، ومصادرة رأيها، فالمرأة لها كيانها واحترامها، ولها مكانتها التي - حفظها الله - عز وجل - لها، فلا يجوز بحال من الأحوال أن تزوج إلا بإذنها كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن))[9].
وفي الحديث الآخر: ((استأمروا النساء في أبضاعهن))[10].
ولماذا لا تستأمر وذلك الرجل ستكون أسيرة عنده؟، لماذا لا يكون لها رأي واعتبار أن توافق على قبوله زوجاً لها، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن وإذنها صُماتها))[11] ويقول: ((إذا أراد أحدكم أن يزوج ابنته فليستأمرها))[12].
وهذا يدل على أن الرجل لو أراد أن يجبر ابنته على الخطبة وهي ممتنعة فإنها لا تجبر على ذلك إذا كانت لا تريده، وهناك قلة من البنات لا تهتم بدين الرجل وأخلاقه بل تهتم بأشياء أخرى، فعند ذلك يمكن أن تجبر على الزواج إذا رُئي من مصلحتها؛ لأنها سفيهة لا تدرك مصلحتها، أما إن كانت امرأة عاقلة راشدة ولكنها ردت رجلاً من الرجال لاعتبارات معينة كأن ترده نظراً لبيئته أو شكله أو عمله وما إلى ذلك فلها ذلك وهذا من حقها، ولا يجوز لأحد أن يجبرها على الزواج من هذا الإنسان.
وماذا لو أرادت إحدى النساء أن تتزوج رجلاً وامتنع وليها من غير مبرر معتبر؟ يجوز للقاضي أن يرغمه على هذا التزويج الذي قبلت به هذه المرأة.
وهكذا يحفظ الإسلام للمرأة كيانها بحيث لا تبقى ألعوبة بيد الرجال يتسلطون عليها ويقهرونها، فإذا زوَّجها أبوها أو وليها رغماً عنها فنكاحه مردود، وقد قال الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه: [باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحهم مردود][13].
وهذا العنوان في أقدس وأصح كتاب عند المسلمين بعد كتاب الله - عز وجل -.
وفي حديث خنساء الأنصارية رضي الله عنها- أن أباها زوَّجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها[14].
وجاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-: أن فتاة دخلت عليها فقالت: "إن أبي زوجني من ابن أخيه؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة"، قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: "يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلمَ النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء"[15].
ومما ينبغي أن يعلم أن القوامة لا تعني إهانة المرأة، والإزراء بها، والانتقاص الذي يعني التحقير والغمط للحقوق، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ((كل نفس من بني آدم سيِّد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها))[16].
كما ينبغي أن يُعلم أن القوامة تعني القيام بوظيفة وتكليف داخل كيان الأسرة لإدارتها، يتحمل الرجل فيه المسئولية الضخمة والتبعة الخاصة، وهذا يعني التعقل والمزيد من التريث والأناة وعدم التسرع في القرار، والسعي في مصالح المرأة، وبذل المال في صداقها وفي النفقة عليها، فالرجل قد وُكلت به هذه المهام، فينبغي أن يكون أهلاً للقيام بهذه الحقوق.
إننا حينما ننظر إلى ما يقع من الظلم على النساء نذكر هذه الأحاديث وهذه التنبيهات، وحينما ننظر إلى الجانب الآخر وهو استرجال بعض النساء، وخروج الكثير من النساء عن قوامة الرجل حتى صار بعض الرجال مقهوراً مغلوباً على أمره قد أرهقته الديون وأثقلت كاهله فصارت المرأة تسرح وتمرح وتروح وتجيء وتفعل ما شاءت وتهاتف من شاءت، وتشتري ما شاءت وتتخلص من أمتعته متى شاءت، وهو دمية في البيت لا حراك له ولا يملك قراراً، فصارت تلك المرأة هي الرَّجُلَة التي تقرر وتفصل وتخطط، وما عليه إلا أن ينفذ حتى إنه وَكَل كثيراً من مهامه إلى السائق، فصار السائق هو الذي يذهب بمحارمه ويجيء، وهو الذي يتخاطبون معه، ويدخل عليهم ويخرج، وهو الذي يخلو بهؤلاء المحارم في السيارة وفي البيت، ويذهب معهم إلى الأسواق ويحضر لهم حاجتهم، وبقي الرجل بنكاً في بيته وظيفته دفع المال، بل إن بعض الرجال قد ألقى عن كاهله هذه المهمة فصارت المرأة هي التي تدفع المال وهي التي تشتري؛ لأنها موظفة، وصارت مهمة هذا الرجل أنه ذكرٌ فقط، بل لربما ناء بعضهم في هذا الأمر أيضاً ولربما عجز عنه، وما أكثر ما تشتكي النساء من تخلي الرجال حتى عن أخص المهمات، فصارت المرأة تعيش كئيبة كسيرة أسيرة عند هذا الرجل.

إن الله - عز وجل - قد أمر بالعدل في آيات كثيرة، والعدل أن يُعطَى كل ذي حق حقه، فيعرف الرجل حقه وقدره، فلا يتعداه فيستغل القوامة في القهر والإذلال، وتعرف المرأة قدرها فلا تتطاول على الرجل وتتسور على قوامته، فتكون هي الرئيس والقيِّم في بيته، فإن هذا لا يصلح بحال من الأحوال.
حال المرأة في الجاهلية:
إن الرجل الذي يكون فيه ضعف من جهة دينه وخوفه ومراقبته لله - عز وجل - إذا نظر إلى النساء بضعفهن الجِبِليّ وهن أسيرات بين يديه، فربما حمله ذلك على الإمعان في القهر والأذية، فتعيش المرأة جحيماً لا يطاق في بيتها، وهكذا شتى الأمم التي كانت بعيدة عن وحي الله - عز وجل - في الجاهلية، فقد كان الرجال يمارسون هذا التسلط على النساء، وهكذا يكون الحال حينما تغيب القيم والأخلاق والمبادئ التي ينبغي أن تضبط حياة الناس وسلوكياتهم، هكذا تصبح حياة الناس أشبه ما تكون بالغابة، فالقوي يكسر الضعيف، ويبطش به ويحتقره، ويصادر حقوقه.
وقد كانت المرأة عند اليونانيين مهينة، فكانت الأم إذا أنجبت بنتاً قتلوها، ومثلهم الفُرْس إذا أنجبت لهم المرأة بنتاً أصابهم ذلك بلوعة وحسرة؛ لأنها في تصورهم ومفهومهم تذهب إلى رجل يفترشها وتنجب أولاداً يُنسبون إليه فهو الذي يجتني فائدتها، وعند الرومان كانت المرأة تواجه الموت، فإن كانت عند أبيها فمن حقه أن يقتلها دون أن يُساءل عن ذلك.
وأما العرب في الجاهلية فقد كانوا يدفنونها وهي حية، وإن أبقوها على قيد الحياة فإنها تبقى ذليلة مهينة، وقد صور الله حالهم ذلك فقال - تعالى -: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [(8-9) سورة التكوير]، وقال - تعالى -: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ) [(58-59) سورة النحل] أي: يمسكها مهينة أو يدفنها حية.
قال عقيل بن علفة:
إنِّي وإنْ سيق إليَّ المهرُ *** ألفٌ وعُبدانٌ وخورٌ عشرُ
أحَبُّ أصهاري إليّ القبرُ[17]
وقال آخر:
مودةُ تَهوَى عُمْرَ شيخٍ يسرُّه *** لها الموتُ قبل الليلِ لو أنها تدري
يخاف عليها جفوةَ الناس بعدَه *** ولا خَتَنٌ يُرجى أودُّ من القبرِ[18]
وقال إسحاق بن خلف:
- لولا أميمةُ لم أجزعْ من العَدَمِ *** ولم أقاسِ الدُّجى في حِندِسِ الظُّلَمِ
- وزادني رغبةً في العيش معرفتي *** ذلَّ اليتيمة يجفوها ذَوو الرحمِ
- أحاذر الفقر يوماً أن يُلم بها *** فيهتكَ الستر عن لحم على وَضَمِ
- تهوى حياتي وأهوى موتَها شفقاً*** والموتُ أكرم نزّالٍ على الحُرَمِ
- أخشى فظاظةَ عمٍّ أو جفاءَ أخٍ *** وكنت أُبقِي عليها من أذى الكَلِمِ[19].
تلك أبيات ومقالات قالها بعض الجاهليين من العرب يصور الخيار الذي ترجح لديه وهو التخلص من هذه البنت بدفنها وهي حية، أياً كان دافعه في ذلك: خشية العار، أو خشية الفقر، فهو لا يطيق أن يرى رجلاً يتزوج هذه البنت ثم يستمتع بها، وإن أبقاها حية فإنها تبقى ذليلة مهينة لا رأي لها ولا قيمة.
واليهود كانت المرأة في مفهومهم الفاسد ملكاً لأبيها قبل زواجها، تُشترى منه عند نكاحها بالمهر الذي يدفع على أنه ثمن لسلعة تباع، ثم تصير مملوكة للزوج، فإذا مات صارت من جملة الميراث، للوارث أن يبيع هذه المرأة وله أن يبقيها فلا تتزوج ولا تذهب إلى أهلها.
والزوج عند الفرس له الحق أن يقتل المرأة من غير رادع، وهكذا الرومان والهندوس واليونان وأهل الصين، وكان عند بعض العرب الزواج يعني البيع أيضاً، فهذا رجل يقال له: عامر بن الظَّرِب يقول لرجل آخر يقال له: صعصعة بن معاوية لما خطب إليه ابنته عميرة: يا صعصعة إنك تشتري مني كبدي[20].
فالمرأة عندهم هي سلعة تباع وتشترى، فكانوا بهذا الاعتبار يعدونها من جملة التركة، فإذا مات الرجل ألقى عليها الوارث ثوباً بمعنى أنه احتلها، فلا تستطيع بعد ذلك أن تتصرف بنفسها، كما أنها عندهم ممنوعة من الميراث، وإنما يورِّثون الرجال الذين في زعمهم يحمون الذمار وحوزة العشيرة، والحديث حول هذا الموضوع يطول، وليس الحديث عن حقوق المرأة وعن حال المرأة في الجاهلية والإسلام، إنما الحديث عن القوامة.
فالمقصود أن الله -عز وجل- قد أكرم المرأة، وجعل قوامتها بيد الرجل ليحفظها ويرعاها، وأعطى المرأة حقوقها جميعاً، وجعلها في الإنسانية كالرجل خلافاً لما كان سائداً في أوروبا أيام ما يسمى بالعصور الوسطى، حيث كانت تقام الاجتماعات والمؤتمرات التي تناقش قضية المرأة، وهل هي إنسان وهل لها روح؟
ثم بعد ذلك يخرجون بنتيجة مخجلة حيث تقول هذه النتيجة: إن المرأة ليست من جنس الإنسان!.
والله يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [(13) سورة الحجرات]، والجميع ملزم بالتكاليف إلا ما اختُص به الرجل، ذلك أن النساء شقائق الرجال، وقد جعل الله -عز وجل- لهن ميراثاً، وكان هذا الميراث بقدر نصف ميراث الرجل؛ لأن الرجل من شأنه أن يدفع الصداق والمرأة تستقبل، ومن شأن الرجل أن عليه النفقة والمرأة لا يجب عليها النفقة ولو كانت غنية، فالرجل دائماً ينتظر النقص والمرأة تنتظر الزيادة، فليس عليها تكاليف وتبعات مادية، وليس من الإنصاف ولا العدل أن يُساوَى من ينتظر النقص بمن ينتظر الزيادة.
ثم إنَّ الله - عز وجل - جعل على ما يتعلق بنكاحها سياجاً، وجعل لها حُرمة عظيمة، وجعل لها حقاً في الموافقة والاختيار لهذا الزوج كما ذكرنا سابقاً.
ثم بعد ذلك بيَّن الله - عز وجل - كيفية التأديب، ونهى الرجال عن البغي فيه، فقال - تعالى -: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [(34) سورة النساء].
وإذا لم تتفق الحياة بين الزوجين فإنَّ الزوج في هذه الحالة له أن يفارقها بإحسان وبمعروف، من غير أذية لها وسلب لحقوقها وإساءة إليها.
وبعد هذا إذا كان هذا هو مفهوم القوامة في دين الله - عز وجل - فهل في ذلك إهانة للمرأة؟ وهل الدعاة إلى الله - عز وجل - الذين يدعون إلى حفظ المرأة وصيانتها، ويأمرون الأولياء برعاية حقوق النساء والقيام على شئونهن، وتوفير ما تحتاج إليه أولائك النساء، وتذكير مَن ظَلَم المرأة بالله - عز وجل - ونقمته، وبما ينتظره عند الله -تبارك وتعالى- من العقاب؛ أهؤلاء هم الذين يظلمون المرأة ويصادرون حقوقها؟! أم أن الظالمين للمرأة هم أولائك الذين يدعون إلى تعطيل حكم الله - عز وجل - في المرأة، ويدعون المرأة إلى أن تخرج لتبحث عن قوتها، وترعى شئونها بنفسها، وتتردد على مجامع الرجال، وتسكن وحدها وتسافر وحدها، فيتعرض لها في هذه الوحدة كل آسر وكاسر، ويطمع فيها كل متجرد من الإنسانية، فلا يقدم لها خدمة إلا بمقابل أن تبذل له أعز ما لديها وهو عرضها؟ فمن الذين أهانوا المرأة، أهم الذين يقولون الحقيقة؟ أم أنهم الذين يخدعون المرأة ويُحملِّونها ما لا تطيق ويجعلونها بمنزلة ومكانة لا تصلح لها؟
انظروا إلى حال المرأة الغربية التي بمجرد أن تتزوج تنسب إلى زوجها، أليس هذا هو الاحتقار للمرأة؟! أليس هؤلاء بحاجة إلى أن يعيدوا النظر في قوانينهم ومفاهيمهم قبل أن يوجهوا سهامهم إلينا؟! أليست المرأة في الغرب قد ضجت مما تلاقيه من الظلم والإهانة؟! أليست المرأة هناك إذا بلغت الثامنة عشرة من عمرها أخرجها أبوها من بيته إلا أن تدفع أجرة؟ ثم بعد ذلك تبحث عن المأوى وعمّن يكنّها، فيتلقفها ذئاب البشر، ولربما اضطرها الخوف إلى أن تبحث عن رجل ليسكن معها على أن تنفق عليه، وتبذل له عرضها كما هو مشاهد!.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.72 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]