العدو الأول! - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854696 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389589 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-09-2022, 01:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي العدو الأول!

العدو الأول! (1-3)


. فايز بن سعيد الزهراني





في خضم التعقيبات القرآنية على غزوة أحد وما حملته تلك التعقيبات من توجيهات وتربية وتحليل وتقويم، التفت القرآن إلى أمر قد يخفى على المسلمين؛ وهو الأثر السلبي للشيطان في الصراع بين أهل الإسلام وعدوهم، وذلك حين قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْـجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] قال ابن عاشور: «استئنافٌ لبيان سبب الهزيمة الخفي، وهي استزلال الشيطان إياهم، واستزلهم بمعنى أزلهم أي جعلهم زالين، والمراد بالزلل الانهزام، وإطلاق الزلل عليه معلوم مشهور كإطلاق ثبات القدم على ضده وهو النصر، والباء في {بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} للسببية، وأريد ببعض ما كسبوا: مفارقة موقفهم، وعصيان أمر الرسول، والتنازع، والتعجيل إلى الغنيمة. والمعنى: أنَّ ما أصابهم كان من آثار الشيطان، رماهم فيه ببعض ما كسبوا من صنيعهم»[1].

فتأمل حضور الشيطان في المواقف المهمة والأحداث الكبرى، وبذلَه كلَّ طاقته ووسعه في استزلال المؤمنين وهزيمتهم وإيقاعهم، ووقوفه الدائم في صف المشركين وأعداء الله تعالى؛ فهو حليفهم ووليهم ومرشدهم. هذا هو دأب الشيطان وبذلُه، وهذه عداوته للذين آمنوا.

ولذلك وجب على المؤمن - وهو مشتغل بتزكية نفسه - أنْ يعرف عدوه إبليس وأنْ يعلم تاريخه ومسالكه وحبائله، قال أبو الدرداء رضي الله عنـه: «إنَّ مِن فقه العبد أنْ يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه»[2].

وقد لاحظ ابن القيم رحمه الله اعتناء المتأخرين من فقهاء التربية بمعالجة مسائل النفس أكثر من اعتنائهم بمعالجة مسائل الشيطان، وسجل هذه الملاحظة في كتابه الفريد (إغاثة اللهفان) فقال في باب علاج مرض القلب بالشيطان: «هذا الباب من أهم أبواب الكتاب وأعظمها نفعاً، والمتأخرون من أرباب السلوك لم يعتنوا به اعتناءهم بذكر النفس وعيوبها وآفاتها، فإنهم توسعوا في ذلك، وقصروا في هذا الباب.

ومَن تأمل القرآن والسنة وجدَ اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس، فإنَّ النفس المذمومة ذكرت في قوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [يوسف: 53]، واللوامة في قوله: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: ٢]، وذكرت النفس المذمومة في قوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40].

وأما الشيطان فذُكر في عدة مواضع، وأفردت له سورة تامة. فتحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس، وهذا هو الذي لا ينبغي غيره، فإنَّ شر النفس وفسادها ينشأ من وسوسته، فهي مَرْكِبه وموضع شرِّه ومحل طاعته، وقد أمر الله سبحانه بالاستعاذة منه عند قراءة القرآن وغير ذلك، وهذا لشدة الحاجة إلى التعوذ منه، ولم يأمر بالاستعاذة من النفس في موضع واحد، وإنما جاءت الاستعاذة من شرِّها في خطبة الحاجة»[3].

إعلان الصراع:

لم تكن عداوة الشيطان بسبب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وليست مما أحدثه الزمان في أواخر عمر الدنيا؛ وإنما هي قَدَر بدأ منذ بدء الخليقة، منذ خَلْق أبينا آدمَ عليه السلام، وبعد أنْ قضى الله تعالى أنْ يكون هو وذريته خلفاء الأرض وبعد أنْ علَّمه الله تعالى الأسماء كلها وأسجد له الملائكة تشريفاً وتكريماً.

لقد كانت تلك الساعة موعداً لإطلاق أكبر حملة عداوة عرفها التاريخ؛ إذ أعلن إبليس عداوته الحقيقية لآدم وذريته جميعاً إلى قيام الساعة، العداوة التي سيُسخِّر فيها كلَّ أدواته وجنوده وذريته، فهو العدو الأول، قال تعالى: {وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِـمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 61 قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 61 - 62]. ومعنى لأحتنكن: لأستوليَن عليهم، ولأستأصلنهم، ولأستميلنهم[4]. وقد ثنَّى القرآن ذكر هذه الحادثة في عدد من السور وعدد من السياقات، للتأكيد على أهمية العلم بعداوة الشيطان لبني آدم وأسبابها ونتائجها، وليكون الناس على بيِّنة من الوظيفة التي اتخذها الشيطان لنفسه وذريته في هذه الدنيا، حتى لا ينخدعوا بألاعيبه ولا ينقادوا لوسواسه ولا يتخذوه ولياً من دون الله تعالى، قال الله عز وجل: {وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْـجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِـمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50].

قال ابن القيم: «فتأمل ما تحت هذا الخطاب الذي يسلب الأرواح حلاوة وعقاباً وجلالة وتهديداً، كيف صدَّره بإخبارنا أنه أمر إبليس بالسجود لأبينا، فأبى ذلك، فطرده ولعنه وعاداه من أجل إبائه عن السجود لأبينا، ثم أنتم توالونه من دوني وقد لعنته وطردته إذ لم يسجد لأبيكم، وجعلته عدواً لكم ولأبيكم، فواليتموه وتركتموني؛ أفليس هذا من أعظم الغبن وأشد الحسرة عليكم»[5].

ثم إنَّ آدم عليه السلام بعد أنْ نزل إلى الأرض هو وزوجه حواء نشأت ذريته على توحيد الله وعبادته واتقاء سخطه وحرماته، ولم يتمكن الشيطان من إيقاعهم في حبائل الشرك بالله، لكنه استطاع أنْ يوقعهم في التحريش والقتل، فوقعت حادثة القربان بين ابنَي آدم قابيل وهابيل، فأغرى الشيطان قابيل بقتل أخيه فقتله، فكانت أوَّلَ حادثة قتل في بني آدم، قال الله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْـخَاسِرِينَ} [المائدة: ٠٣]. قال ابن جريج: «ابن آدم الذي قتل صاحبه لم يدرِ كيف يقتله، فتمثل إبليس له في هيئة طير، فأخذ طيراً فقصع رأسه، ثم وضعه بين حجرين فشدخ رأسه، فعلَّمه القتل»[6].

وعاش الناس بعد آدم على توحيد الله بالعبادة عشرة قرون، حتى جاء الشيطان بحيلة ليصرف الناس عن عبادة الله وحده إلى عبادة ما سواه، وقد ذكر لنا القرآن أسماء هذه المعبودات، وهي تماثيل صورت على هيئة عدد من الصلحاء والعُباد، وذكر لنا تواصي القوم بعبادتها والعكوف عليها والدفاع عنها وعدم تركها وذلك حين أرسل إليهم نوحاً عليه السلام ليردهم عنها إلى عبادة الله وحده، فقال تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]. قال محمد بن كعب: «هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فلما ماتوا كان لهـم أتباع يقتدون بهم ويأخـذون بعدهم بأخذهم في العبادة، فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة. ففعلوا، ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: إنَّ الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم. فعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك»[7].

هكذا بدأ الصراع بين الرسل والشيطان، بين ما جاءت به الرسل من الحق وما جاءت به الشياطين من الباطل، واستمر هذا الصراع مخترقاً حُجُب التاريخ ومتخطياً حواجز الزمان والمكان، ولن يقف هذا الصراع إلا حين يقضي الله بين الخلائق يوم القيامة، وحينها تكون للشيطان آخر كلمة يقولها لأتباعه وجنده، كما أخبرنا المولى سبحانه في قوله: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَـمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْـحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ إنَّ الظَّالِـمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: ٢٢].

ثم إنَّ الله تعالى أذن - وهو الحكيم الخبير - أنْ يكون لكل إنسان شيطان يلازمه، ليصده عن دين الله، في سياق العداوة والصراع بين الشيطان وبني آدم، ليتم قَدَر الله كما أراد سبحانه، وليبتلي الله الناس جميعاً بعدوهم الحقيقي؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن» قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: «وإياي، إلا أنَّ الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير»[8]، فالإنسان معرَّض لخطر الشيطان إنْ لم يتنبه ويكن على حذر من عدوه، قال ابن كثير في الوسواس الخناس: «هو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزيِّن له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال، والمعصوم من عصم الله»[9]. فتأمل - أيها المبارك - كيف يسخِّر هذا العدو الملاصق لنا حياته وجهده وقوَّته وذريته في تدمير الإنسان وإيمان هذا الإنسان وحياة هذا الإنسان.

المسالك الشيطانية:

والقرآن الذي جعله الله تعالى هداية لنا في كل شيء بصَّرنا بالطرق والمسالك التي يتخذها إبليس وذريته وجنوده في عداوة الناس، وبيَّنت السنة تفصيل ذلك، واجتهد العلماء في شرح ذلك، ليكون الناس على حذر منه، فإنه عدوهم الأول والأبدي، ومن ذلك:

أولاً: الوسوسة

والوسوسة حديثٌ يلقيه الشيطان في قلب الإنسان[10]. قال ابن عطية: «الوسوسة الحديث في اختفاء همساً وسراراً من الصوت، والوسواس صوت الحلي فشبه الهمس به، وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ السرار وأخفاه؛ هذا حال الشيطان معنا الآن، وأما مع آدم فممكن أنْ تكون وسوسة بمجاورة خفية أو بإلقاء في نفس، ومن ذلك قول رؤبة: وسوس يدعو جاهراً رب الفلق»[11].

وهذا الحديث الشيطاني يلقيه الشيطان في قلوب بني آدم على شكل خاطرة أو فكرة ثم يتحول بعد معالجات نفسية إلى عمل لا يرضي الله تعالى، وقد رصد فقهاء التربية الإسلامية تلك المعالجات ومراحل تطوُّرها، قال ابن القيم: «مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإيرادات، والإيرادات تقتضي وقوع الفعـل، وكثرة تكراره تعطي العادة، فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها»[12]. ولهذا أمرنا الله تعالى بالاستعاذة به من شر هذه الخواطر والأفكار التي يلقيها الشيطان في قلوبنا ويحدِّث بها نفوسنا، قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1 مَلِكِ النَّاسِ 2 إلَهِ النَّاسِ 3 مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْـخَنَّاسِ 4 الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ 5 مِنَ الْـجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: ١ - ٦].

لكن الوسوسة الشيطانية ليست في اتجاهٍ واحد، بل تتعدد اتجاهاتها، وتتنوع أغراضها، وإنَّ على المسلم أنْ يعلمها - كما نبه على ذلك أبو الدرداء رضي الله عنه - ليكون على حذر منها، فمن تلك الوسوسة:

إلقاء الشُّبَه المفضية إلى الكفر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنَّ أحدنا يجد في نفسه، يُعرِّضُ بالشيء لأنْ يكون حُمَمَةً أحب إليه من أنْ يتكلم به. فقال: «الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة»[13]. بل يصل الشيطان في تسلسل هذه الأفكار إلى السؤال عن الخالق سبحانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربَك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته»[14]. قال ابن رجب: «ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبرية التي أمر بالإيمان بها ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب»[15].

إفساد عبادات الناس وأورادهم: كإلهائهم عن الخشوع في الصلاة، فقد أتى عثمان بن أبي العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنَّ الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك شيطان يقال له خِنزَب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً». قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني[16]. قال النووي: «ومعنى يلبسها أي يخلطها ويشككني فيها، ومعنى حال بيني وبينها أي نكدني فيها ومنعني لذَّتها والفراغ للخشوع فيها».

وهذا ليس في الصلاة فقط، بل في جميع العبادات كقراءة القـرآن وذكـر الله تعالى في مختلف مواضع الذكر والدعاء.

إلهاء العبد عن واجباته الشرعية: وذلك بالنسيان أو حثه على ما يشغله عنها أو بما هو أقلُّ منها أجراً، وذلك أنَّ الشيطان يوسوس للإنسان حتى يوقعه في حبائل الدنيا حتى ينسى الله تعالى، قال ابن رجب: «اعلم أنَّ الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله من الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذَّاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويرجِّيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره، فإذا تيقن الموت وأيس من الحياة، أفاق من سكرته بشهوات الدنيا، فندم حينئذٍ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب ويعمل صالحاً، فلا يجاب إلى شيء من ذلك، فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت»[17].

بل إنَّ الشيطان يحاول إفساد عبادة المرء بإشغال فِكره وتلهيته عن روحه، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثُوِّب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه؛ يقول: اذكر كذا، اذكر كذا؛ لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى»[18]. فهو يعلم فضائل الأعمال وأجورها، فلذلك لا يريد للعبد أنْ يتحصل عليها ولا يريد له رفعة في الدرجات، فيقوم بهذه الأدوار الخبيثة لأجل تفويت الأجر على العبد.

فإنْ لم يفلح الشيطان في ذلك فإنه يسعى جاهداً ليصرف الإنسان عن فواضل الأعمال إلى مفضولها، وقد قال ابن القيم: «فإنْ أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظاً لوقته شحيحاً به نقله إلى المرتبة السادسة، وهو أنْ يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسِّنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه، وقلَّ من يتنبه لهذا من الناس! فإنه إذا رأى فيه داعياً قوياً ومحركاً إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة؛ فإنه لا يكاد يقول إنَّ هذا الداعي من الشيطان فإنَّ الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أنَّ هذا خير، فيقول: هذا الداعي من الله. وهو معذور، ولم يصل علمه إلى أنَّ الشيطان يأمر بسبعين باباً من أبواب الخير؛ إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر؛ وإما ليفوت بها خيراً أعظم من تلك السبعين باباً وأجلَّ وأفضل»[19].

دفعه إلى الغلو والتنطع في العبادات: ذكر ابن القيم في مكايد الشيطان ما يفعله كثير من الموسوسين في باب الطهارة والوضوء بعد البول من السلت والفطر والنحنحة والمشي والقفز والحبل والتفقد والجور والحشو والعصابة والدرجة باعتبارها أمثلة على التنطع في العبادات على سبيل التحوط والاهتمام[20] كما يعتقد الموسوسون، بينما هي من خديعة الشيطان، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ أحدكم إذا كان في الصلاة جاء الشيطان، فأَبَسَ به كما يأْبِس الرجل بدابته، فإذا سكن له أضرط بين أليتيه ليفتنه عن صلاته، فإذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك، فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً لا يشك فيه»[21].

تزيين السيئ من الأعمال والأفكار في نظر العبد: وقد أشار القرآن إلى هذا مراراً، قال تعالى: {فَلَوْلا إذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43]. وقال تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 63].

قال ابن القيم: «فالبلاء مركَّب من تزيين الشيطان وجهل النفس، فإنه يزين لها السيئات ويريها أنها في صور المنافع واللذات والطيبات، ويُغفلها عن مطالعتها لمضرتها، فتولَد من بين هذا التزيين وهذا الإغفال والإنساء لها إرادة وشهوة، ثم يمدها بأنواع التزيين، فلا يزال يقوى حتى يصير عزماً جازماً يقترن به الفعل، كما زين للأبوين الأكل من الشجرة وأغفلهما عن مطالعة مضرة المعصية»[22].

التحريش بين الناس وزرع الفرقة بينهم: قال الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنسَانِ عَدُوًّا مُّبيِنًا} [الإسراء: 53]. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الشيطان قد أيس أنْ يعبده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»، وفي الحديث الآخر عنه: «إنَّ عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة»[23].

وهذا التحريش يصنع العداوات والخصومات في الأمة المسلمة، فتضعف قوَّتها، ويطمع فيها أعداؤها، وتكون أقرب إلى الضلالة والانحراف منها حين تكون مجتمعة متآلفة، ذلك أنَّ قوة الأمة وتماسكها طريق إلى الاستقامة العامة، وهذا ما يسعى الشيطان إلى ضده.

وسواء كان هذا التحريش بين الدول أم المجتمعات أم العشائر أم بين طلبة العلم والدعاة والمصلحين أم كان بين أهل الصنائع والتجارة أم كان بين أهل البيت من والدين وأبناء وأزواج.

ولذلك فإنَّ مِن أحبِّ أعمال جنود إبليس إليه: التفريق بين الزوجين، لِـمَا له من أثر بالغ في ضعف الأمة، فإنَّ انهيار البيوت الزوجية يفضي إلى الضعف العام في الأمة، إضافة إلى ما يورثه من انخفاض مستوى التدين في الناس، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت. قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه»[24]. وكثير من المشكلات الزوجية تنشأ من صغائر الأمور، فيوقد الشيطان تحتها حتى تنضَج وتتحول إلى فُرقة.

تخويف المؤمنين من تكاليف الإيمان: ومن ذلك الإيعاد بالشرور كما قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]. قال ابن عباس: «يقول: لا تنفق مالك، وأمسكه عليك، فإنك تحتاج إليه»[25].

إنَّ كثيراً من المبررات التي يوردها الناس في سبيل ترك الطاعات واقتراف المآثم هي من إيعاد الشيطان وتخويفه، فتارة يخوف من الفقر وقلة المال فيكفُّ الناس عن البذل والصدقة، وتارة يخوف من القتل فيكفون عن قول الحق وإنكار المنكرات ومجاهدة العدو، وتارة يخوف من تعرض الذرية للمخاطر فيكفُّ الناس عن التفاؤل والإقدام، وغير ذلك من دروب التخويف الشيطانية كالتخويف من فوات دنيا أو ضيـاع منصب أو تشويه سمعة. وقد أخبرنا القرآن عن التخويف من العدو، قال الله تعالى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].

إعانة المرء على التحايل على أحكام الشريعة: قال ابن القيم: «ومن مكايده التي كاد بها الإسلام وأهله: الحيل والمكر والخداع الذي يتضمن تحليل ما حرم الله، وإسقاط ما فرضه، ومضادته في أمره ونهيه، وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمه»[26].

فبالحيل تسقط المجتمعات في ارتكاب المحرمات والانحراف عن دين الله تعالى على إثر فتوى تجيز ذلك، وبها يستسهل الفرد مقارفة الخطايا، وقد كان هذا مذهباً في بني إسرائيل، وتبعهم في هذه الأمة من تبعهم، تحقيقاً لرغبات الشيطان.



[1] التحرير والتنوير: 4/139 (بتصرف).

[2] السنة لأبي بكر الخلال، حـ 1585.

[3] إغاثة اللهفان: 1/90.

[4] تفسير الطبري: 14/ 654.

[5] بدائع الفوائد: 2/ 213.

[6] تفسير الطبري: 8/ 338.

[7] معالم التنزيل: 8/ 232.

[8] أخرجه مسلم، حـ 2814.

[9] تفسير ابن كثير: 8/ 539.

[10] تفسير البغوي: 3/ 219.

[11] المحرر الوجيز: 2/384.

[12] الفوائد، ص173.

[13] أخرجه أبو داود، حـ 5112.

[14] أخرجه البخاري، حـ 3276.

[15] جامع العلوم والحكم: 2/172.

[16] أخرجه مسلم، حـ 2203.

[17] لطائف المعارف، ص338.

[18] أخرجه البخاري، حـ 608.

[19] بدائع الفوائد: 2/261.

[20] إغاثة اللهفان: 1/143.

[21] أخرجه أحمد، حـ 8369، وأصله في الصحيحين.

[22] شفاء العليل: 1/171.

[23] أخرجهما مسلم، حـ 2812 - 2813.

[24] أخرجه مسلم، حـ 2814.

[25] تفسير الطبري: 5/ 5.

[26] إغاثة اللهفان: 1/338.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-09-2022, 01:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العدو الأول!

العدو الأول! (2-3)


. فايز بن سعيد الزهراني




ثانياً: السعي إلى تغيير خلْق الله

وهذا ما أقسم عليه إبليس اللعين أمام الله عز وجل، كما أخبرنا بذلك كتاب الله، قال تعالى: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} [النساء: 199]. فأقسم على أنه سيأمر بعض الناس بتبتيك آذان الأنعام وتغيير خلق الله.

وللسلف في تغيير خلق الله عبارات مختلفة، تصب جميعها في مشْرع واحد، وهي كما يلي:

التغيير في الأجسام: بوشمٍ أو خِصاء ونحو ذلك، وهو قول عكرمة وجماعة من المفسرين كابن عباس وأنس بن مالك والربيع بن أنس[1].

وسواء كان التغيير في الأجسام لغرض دنيوي كالزينة في الوشم وتفليج الأسنان والنمص والوصل، أم كان لغرض تعبدي كتبتيك آذان الأنعام وَفَقْء أعين الحامين؛ فكل ذلك من أمر الشيطان. وقد وردت في ذلك النصوصُ الواضحة، كقوله تعالى: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ}، وكقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103]. وكحديث ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه، قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله. ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله»[2]. قال القرطبي: «ولم يختلفوا أنَّ خِصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز، لأنه مُثْلةٌ وتغييرٌ لخلق الله تعالى، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حدٍّ ولا قَوَد»[3].

وتبتيك آذان الأنعام شقُّها وقطعها بقصد التقرب إلى الله تعالى، وهي عادة تعبدية اخترعتها الجاهلية بوحي من الشيطان، قال الزجاج: «وهذا في البَحيرة، كانت الجاهلية إذا ولدت الناقةُ خمسةَ أبطن؛ فكان الخامس ذكراً شقوا أذن الناقة وامتنعوا من الانتفاع بها، ولم تُطرد عن ماء ولا مرعى، وإذا لقيها المعيي لم يركبها... سوَّلَ لهم إبليس أنَّ في تركها لا يُنْتفَع بها قربة إلى الله»[4]. وهذه البدعة المحدثة ابتدعها الخاصة من المشركين وهم الذين تزعموا القيادة الفكرية والعقدية لعامة المشركين، وهم الذين يفترون على الله الكذب، قال الشوكاني: «وقد فعل الكفار ذلك امتثالاً لأمر الشيطان واتباعاً لرسمه»[5].

ويشير البيضاوي إلى أنَّ التغيير في الأجسام يشمل التغيير في الشكل والتغيير في الصفة[6]، فيدخل في المعنى عنده: اللواط والسحاق، وهو ما يصطلح على تسميته في الحضارة الغربية بالمثلية الجنسية Homosexuality، والذي تسعى اليوم الهيئات والمؤسسات العالمية إلى تطبيعه وتشــريعه بقــوانين مدنيـة، والأعظـم من ذلك - والذي يدلك على مدى استجابة البشر للأمر الشيطاني بتغيير خلق الله - أنْ يصل الإقرار بهذا الشذوذ الجنسي إلى أعلى الدوائر الدينية الكاثوليكية، إذ تناقلت وكالات الأنباء العالمية في أكتوبر 2020م مقطعاً لبابا الفاتيكان فرنسيس وهو يدعو إلى إدراج المثلية في القانون المدني للزواج والأسرة[7]، وعلى حدِّ قوله فإنَّ: «المثليين أبناء الله ولا ينبغي نبذهم وطردهم من الدين! وفي وقت سابق من عام 2013م دعت الأمم المتحدة الدول إلى إلغاء القوانين التي تميز ضد المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية»[8].

وفي حقيقة الأمر فإنَّ خطوات الشيطان سارت بالبشر الذين اتبعوه عبر العصور والقرون من تبتيك آذان الأنعام إلى تغيير الهوية الجنسية، وما يزال الطريق مفسوحاً لمزيد من تغيير الخلقة وتشويه النفس الإنسانية.

تغيير مراد الله من المخلوقات: أي أنَّ الله تعالى خلق الأنعام للركوب والأكل فحرَّموها، وخلق الشمس والقمر والأحجار لمنفعة العباد فعبدوها من دون الله[9]. ولذلك فإنَّ الشيطان يجعل من نفسه قِبلة للمشركين الذين يسجدون للشمس من دون الله، وذلك بأنْ يكون في مطلعها ومغربها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تحيَّنوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان»[10].

تغيير الدين: وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن المسيب والضحاك[11]، ومستندهم في ذلك قول الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِـخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

قال ابن عاشور: «والدين حقيقته في الأصل: الجزاء، ثم صار حقيقةً عرفية يطلق على مجموع عقائد وأعمال يلقِّنها رسولٌ من عند الله، ويَعِدُ العاملين بها بالنعيم والمعرضين عنها بالعقاب. ثم أُطلق على ما يشبه ذلك مما يضعه بعض زعماء الناس من تلقاء عقله فتلتزمه طائفة من الناس»[12]. فالشيطان وعد بتغيير دين الناس الحق وتحويله إلى دين ملفق يصنعه جنوده من أهل الفكر والزعامات، وهذا معنى مختلف عن معنى الوسوسة، أو قل: هو معنى أشمل، لأنه يترتب عليه تشريعات وضعية وتنظيمات حياتيه وقواعد أخلاقية يستبدل بها الناس شريعة الله ودينه.

ثم هو دين لا يتسق مع الفطرة البشرية التي أودعها الله في الإنسان، والتي روعي في الحفاظ عليها والانسجام معها وتنميتها تشريع الدين الحق، فتنتكس الفطر بالدين الذي يضعه الشيطان على لسان أوليائه وبسلطة جنوده، أو تتلوث أو تتشوه، لذلك وصف الله دينه الحق بالفطرة: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، قال ابن عاشور: «ثم جعل أُسس هذا الدين متباعدةً عن ذميم العوائد في الأمم، حتى الأمة التي ظهر بينها، وموافقةً للحق ولو كان قد سبق إليه أعداؤها، وكانت أصولُه مبنيةً على الفطرة، بمعنى ألا تكون ناظرة إلا إلى ما فيه الصلاح في حكم العقل السليم، غير مأسور للعوائد ولا للمذاهب. ويدخل في الفطرة: الآداب العتيقة التي اصطلح عليها كافة عقلاء البشر وارتاضت نفوسهم بها، إذا كانت تفيدهم كمالاً ولا تفضي إلى فساد»[13].

وإذا نظرت اليوم إلى ما أحدثته القوى العالمية والهيئات الأممية من تشريعات وأنظمة وما أحدثته من أخلاق والتزامات يترتب عليها ثواب وعقاب بحسبه فإنك تجدها تصديقاً لما أخبر الله به عن وعد الشيطان وقسَمه بتغيير الدين، ولا يزال يُحدِث لهذه القوى والهيئات المزيد من البدع والمزيد من الضلال، حتى أوصل جنده إلى فكرة توحيد الأديان في العالم عبر ما يعرف اليوم بـمبادرة الأديان المتحدة URI [14]. وهي مبادرة تهدف إلى طمس صورة الإسلام المبنية على الولاء والبراء، والقبول الوجداني والاعتقادي لكل دين ولكل مذهب ولكل فكرة. وهكذا يسير الشيطان بجنوده وعساكره خطوة خطوة حتى يصلوا إلى الإلحاد والكفر ونبذ الأديان.

واختار الطبري القول الثالث - أعني: تغيير الدين - وقال: «وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك فعل كلِّ ما نهى الله عنه: من خِصَاءِ ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه وَوشْرِه، وغير ذلك من المعاصي، ودخل فيه ترك كلِّ ما أمر الله به»[15].

والبيضاوي يرى الجمع بين هذه المعاني[16]، وكذا البقاعي[17] والسعدي[18] وابن عاشور[19] وغيرهم، قال الشوكاني: «ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملاً شمولياً أو بدلياً»[20]. وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إنَّ ربي أمرني أنْ أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتهم أنْ يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً[21].

وخلاصة القول أنَّ تغيير خلق الله تعالى هو من مسالك الشيطان في عداوته للإنسان وإيقاعه في دروب الشقاء والخطيئة، لذلك فإنك تجد كثيرين من البشر ممن أطاعوه وغيَّروا في خلق الله تعالى ووقعوا في الخسران المبين لأنهم أطاعوه من دون الله، {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}، وقد ذكر ابن عاشور أنَّ التعقيب بهذه الجملة دال على أنَّ ما دعاهم إليه الشيطان: «من تبتيك آذان الأنعام، وتغيير خلق الله، إنما دعاهم إليه لما يقتضيه من الدلالة على استشعارهم بشعاره، والتدين بدعوته، وإلا فإنَّ الشيطان لا ينفعه أنْ يبتك أحد أذن ناقته، أو أنْ يغير شيئاً من خلقته، إلا إذا كان ذلك للتأثر بدعوته»[22].

ثالثاً: إفساد المجتمعات بفتنة النساء

أدرك الشيطان منذ البداية أنَّ في الطباع البشرية والغرائز الإنسانية مدخلاً مهمّاً في تحقيق وعده بإضلال بني آدم، فهو الداعية الأكبر للفاحشة وهو إمام الداعين لها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} [النور: 21].

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الشيطان يصور المرأة في عين الناظر لها على أحسن هيئة وبما يحرك شهوته تجاهها، حتى لو كانت محجبة محتشمة، لأنه لا يألوا جهداً في إيقاع الناس في الفواحش؛ فعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه، فقال: «إنَّ المرأة تُقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأةً فليأتِ أهله؛ فإنَّ ذلك يردُّ ما في نفسه»[23]. وهذا إخبار عن حالة الإبصار من الرجال، لا عن حقيقة المرأة، وفي غرائز الرجال من الطبيعة ما يدفع نحو هذا التصور، قال ابن الجوزي: «أيْ إنَّ الشيطان يزين أمرها ويحث عليها. وإنما يقوى ميل الناظر إليها على قدر قوة شبقه، فإذا جامع أهله قلَّ المحرك وحصل البدل»[24].

ويتجلى هذا المسلك الشيطاني في أمرين عظيمين، يلتقيان تارة ويفترقان تارة أخرى:

الإيقاع في الزنا: وقد أذن الله تعالى للشيطان إذناً قدرياً أنْ يظفر بذلك، قال تعالى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء: 64] قال ابن عباس: «أولاد الزنا»[25]. والزنا من أعظم الفواحش، قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: ٢٣]، قال الرازي: «أما كونه فاحشة فهو إشارة إلى اشتماله على فساد الأنساب الموجبة لخراب العالم، وإلى اشتماله على التقاتل والتـواثب على الفروج، وهو أيضاً يوجب خراب العالم. وأما المقت فقد ذكرنا أنَّ الزانية تصير ممقوتة مكروهة، وذلك يوجب عدم حصول السكن والازدواج وأنْ لا يعتمد الإنسان عليها في شيء من مهماته ومصالحه. وأما أنه ساء سبيلاً فهو ما ذكرنا أنه لا يبقى فرق بين الإنسان وبين البهائم في عدم اختصاص الذكران بالإناث، وأيضاً يبقى ذل هذا العمل وعيبه وعاره على المرأة من غير أنْ يصير مجبوراً بشيء من المنافع»[26]. وهذا تلخيص من الرازي لما فصله بعبارات أكثر وضوحاً يحسن الرجوع إليها. والمقصود أنَّ الشيطان يفسد المجتمعات بإيقاع أفرادها في فاحشة الزنا لِـمَا يترتب عليها من المفاسد العظيمة؛ فكيف بشيوع الزنا وإباحته في النظم والقوانين تحت مسميات مختلفة يلتبس فيها الحق بالباطل تارة كالحرية ومفهوم الأسرة العالمي، أو بأسماء بديلة عن الأسماء الحقيقية تارة كالحمل خارج إطار الزوجية! وغير ذلك من التلاعب بالألفاظ ونحت المصطلحات التي يضل بها كثير من الناس؛ فكيف بالدعوة إلى حرية الجسد وحرية الجنس التي تتنادى إليها هيئات أممية ولجان عالمية في محافل كبيرة من مؤتمرات وندوات؟ وما مؤتمر السكان المتكرر انعقاده إلا دليل على تسلط الشيطان على بعض بني آدم واعتنائه بهذه المسألة؛ كونها مسلكاً مهمّاً في إفساد المجتمعات وإضلالها وإبعادها عن صراط الله المستقيم.

الإيقاع في العشق: وهو الإفراط في الحب، وهو الذي دفع امرأة العزيز إلى مراودة نبي الله يوسف عليه السلام، قال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْـمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30]. قال البيضاوي: «شقَّ شغافَ قلبها، وهو حجابه، حتى وصل إلى فؤادها حباً»[27].

وبالرغم من أنَّ العاشق لا يكون بالضرورة فاحشاً أو منتهكاً للحرمات، إلا أنَّ الشيطان قد ظفر منه بتعلُّق القلب بغير الله، وبغير ما أحل الله، لذلك فإنَّ العشق نوعُ عبودية يصرفها العاشق للمعشوق، قال ابن القيم: «فإنَّ عشق الصور المحرمة نوع تعبُّد لها، بل هو من أعلى أنواع التعبد، ولا سيما إذا استولى على القلب وتمكن منه صار تتيماً، والتتيم التعبد، فيصير العاشق عابداً لمعشوقه، وكثيراً ما يغلب حبه وذكره والشوق إليه والسعي في مرضاته وإيثار محابه على حب الله وذكره والسعي في مرضاته، فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله عز وجل يقدم رضاه وحبه على رضا الله وحبه، ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله، فيصير آثر عنده من ربه: حباً وخضوعاً وذلاً وسمعاً وطاعة. ولهذا كان العشق والشرك متلازمين؛ وإنما حكى الله سبحانه العشق عن المشركين»[28]. فكيف إذا تجاوز العشق إلى السلوكيات المحرمة كالمواعدة واللقاء والنظر ونحو ذلك مما حرم الله، قال ابن تيمية: «المشهور من لفظ العشق هو محبة النكاح ومقدماته، فالعاشق يريد الاستمتاع بالنظر إلى المعشوق وسماع كلامه، أو مباشرته بالقبلة والحس والمعانقة، أو الوطء»[29].

ولفتنة النساء أبواب ونوافذ يلج منها الشيطان في إغواء الإنسان، غير أنَّ أعظمها ثلاثة أبواب حذَّرت النصوص الكريمة من مآلاتها، وهي:

١ - باب اختلاط الرجال بالنساء:

فإنَّ الطبيعة الخَلقية والنوازع الفطرية فيهم تتأجج في حال الاختلاط، وهذا من أكبر الأسباب التي دفعت امرأة العزيز لحب يوسف عليه السلام ومراودته عن نفسه والكيد له. والخلطة تورث الأُلفة والمودة والاهتمام ورفع الحرج وزوال التحفظ بين الرجل والمرأة، وهنا يجد الشيطان فرصته في الدلالة على المحظور فيزين صورة المرأة في عين الرجل ويزين صورة الرجل في عين المرأة، ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: ٣٣]: «كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، فذلك تبرج الجاهلية»[30]. أما إذا اشتمل هذا الاختلاط على خلوة بينهما فإنَّ الشيطان يكون حينها أقرب إلى كلِّ واحد منهما من الآخر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان»[31]. فيكون الشيطان حاضراً مؤججاً لشهوة كلٍّ منهما ليوقعهما في الفاحشة الكبرى أو مقدماتها من كلام ونظر ومباشرة وملامسة وتقبيل.

٢ - باب التعري والتبرج:

وقد حرص الشيطان منذ بداية الخليقة على الوصول إلى هذا الباب، لأنه لا يُشرع إلى الخير مطلقاً؛ وإنما يشرع إلى أنواع من الفتن والشرور، فحينما حرض الشيطان آدم على الأكل من الشجرة أراد بذلك إيقاعهما في معصية الله التي تتسبب في تعريهما، قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف: 20]. وهذا على أحد القولين في حرف اللام في قوله: {لِيُبْدِيَ}[32]، وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْـجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف: 27]، وعلى كلٍّ فإنَّ التعري مقصد من مقاصد الشيطان، قال ابن عاشور: «وهذه أول وسوسة صدرت عن الشيطان. وأول تضليل منه للإنسان»[33].

والتبرج هو إظهار المرأة لزينتها وما تستدعي به شهوة الرجل[34]؛ سواء كان في مشيتها أم في ملابسها أم في إظهار حليها أو شيء من جسدها، فإنَّ الشيطان - والحالة هذه - أشد استشرافاً لها وتزييناً في نظر الرجال ليزداد دافع الشهوة وارتكاب المحظور وصرف الهمة عما ينفع في الدنيا والآخرة إلى اللذات العاجلة والمحرمة. ألا ترى أنَّ الله تعالى أخبرنا أنَّ أهل الجاهلية الذين يطوفون بالكعبة عراة من أولياء الشيطان كما في قوله تعالى: {إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ} [الأعراف: 30] وأنَّ تعريهم هذا فاحشة[35] كما في قوله تعالى: {وَإذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28].

٣ - باب الغناء والعزف بآلات الطرب والموسيقا:

قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64]. قال مجاهد: بالغناء والمزامير[36]. ويوضح ابن تيمية كون الغناء باباً إلى الفواحش فيقول: «ومن أقوى ما يهيِّج الفاحشة إنشادُ أشعار الذين في قلوبهم مرض من العشق ومحبة الفواحش ومقدماتها بالأصوات المطربة، فإنَّ المغني إذا غنى بذلك حرك القلوب المريضة إلى محبة الفواحش، فعندها يهيج مرضه ويقوى بلاؤه، وإنْ كان القلب في عافية من ذلك جعل فيه مرضاً كما قال بعض السلف: الغناء رقية الزنا»[37].

فتأمل هذه الأبواب التي يلج منها الشيطان لإيقاع المجتمعات في فتنة النساء، وكيف أطاعه جنوده وأولياؤه حتى استحدثوا لها العديد من المخترعات التي تسهل الولوج منها إلى المعصية والولوغ في أوحالها، وانظر على سبيل المثال: البث الفضائي من خلال القنوات التلفزيونية وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت الافتتان بالنساء والنظر إلى مفاتنهن والحديث معهـن كما روجت للتعري والسفور وجعلت من الغناء أمراً طبيعياً لا يكاد يُنكَر، بل أعلت من شأنه. فنعوذ بالله من الشيطان ونزغاته.



[1] تفسير الطبري: 9/ 215.

[2] أخرجه البخاري، حـ 5943.

[3] الجامع لأحكام القرآن: 5/ 391.

[4] معاني القرآن وإعرابه: 2/ 109.

[5] فتح القدير: 1/ 596.

[6] انظر: أنوار التنزيل: 2/98.

[7] موقع (إرم) الإخباري على الإنترنت:

https://www.eremnews.com/entertainment/society/2289729 .

[8] موقع هيئة الأمم المتحدة على الإنترنت:

https://news.un.org/ar/story/2013/05/178512.

[9] معالم التنزيل: 2/289.

[10] أخرجه البخاري، حـ 3273.

[11] معالم التنزيل: 2/289.

[12] التحرير والتنوير: 3/ 188.

[13] التحرير والتنوير: 3/ 193.

[14] انظر: موقع مبادرة الأديان المتحدة على الإنترنت

www.uri.org.

[15] تفسير الطبري: 9/223.

[16] أنوار التنزيل: 2/98.

[17] نظم الدرر: 5/407.

[18] تيسير الكريم الرحمن: 1/ 203.

[19] التحرير والتنوير: 5/ 205.

[20] فتح القدير: 1/ 596.

[21] أخرجه مسلم، حـ 2865.

[22] التحرير والتنوير: 5/206.

[23] أخرجه مسلم، حـ 2151.

[24] كشف المشكل: 3/ 103.

[25] تفسير الطبري: 14/ 663.

[26] تفسير الرازي: 20/ 332.

[27] أنوار التنزيل 3/161.

[28] إغاثة اللهفان 1/64.

[29] جامع الرسائل 2/241.

[30] تفسير ابن كثير 6/410.

[31] أخرجه الترمذي ح2165.

[32] انظر: تفسير القرطبي 7/178.

[33] التحرير والتنوير: 8/62.

[34] معاني القرآن وإعرابه: 4/225.

[35] تفسير الطبري: 10/137.

[36] تفسير البغوي: 5/105.


[37] مجموع الفتاوى: 15/313.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 109.21 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]