الأحكام الفقهية من القصص القرآنية - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28432 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60058 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 833 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 03-03-2021, 08:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (21)

الأحكام الفقهية من قصة ابني آدم -عليه السلام


د.وليد خالد الربيع





لا نزال مع قصة ابني آدم -عليه السلام-؛ فقد أخبرنا الله -تعالى- عن حال الجاني؛ فقال -سبحانه-: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. من المسائل الفقهية المستفادة من الآية الكريمة وما قبلها (حرمة القتل العمد بغير حق)، قال الشيخ ابن سعدي: «قوله: {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} دل هذا على أن القتل من كبائر الذنوب، وأنه موجب لدخول النار».



القتل نوعان

والقتل كما قال الجرجاني: «فعل يحصل به زهوق الروح»، وهو نوعان:

الأول: قتل بحق

وذلك إذا ارتكب الشخص جريمة عقوبتها القتل، كما جاء عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

قال ابن رجب: «وَفِيهِ تَفْسِيرُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ خِصَالٍ هِيَ حَقُّ الْإِسْلَامِ الَّتِي يُسْتَبَاحُ بِهَا دَمُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْقَتْلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ».

الثاني: قتل بغير حق

وهو الاعتداء على شخص معصوم الدم عدوانا وظلما حتى يموت، وهو من كبائر الذنوب، وعظائم الأمور كما دلت عليه النصوص الشرعية، فمن ذلك قوله -سبحانه-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الأنعام:151)

قال الطبري: «يعني بالنفس التي حرم الله قتلها، نفسَ مؤمن أو مُعاهد، وقوله: (إلا بالحق)، يعني بما أباح قتلها به: من أن تقتل نفسًا فتقتل قَوَدًا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم، أو ترتدَّ عن دينها الحقِّ فتقتل. فذلك «الحق» الذي أباح الله -جل ثناؤه- قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به».

وقال -تعالى-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الإسراء:33)، يقول القرطبي: «وهذه الآية نهي عن قتلِ النفس المحرمة مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها».

العقوبة الشديدة

وبين الله -تعالى- العقوبة الشديدة لمن يعتدي على نفس المؤمن بغير حق فقال -سبحانه-: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(النساء:93)

قال الشيخ ابن سعدي: «ذكر هنا وعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب، وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول، فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار. فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته».

الأحكام الدنيوية

وأما في الأحكام الدنيوية فقد شرع الله -تعالى- القصاص في حالة القتل بغير حق فقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى}(البقرة:178)

قال الشيخ ابن سعدي: «يمتن -تعالى- على عباده المؤمنين بأنه فرض عليهم {الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} أي: المساواة فيه، وأن يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول، إقامة للعدل والقسط بين العباد، وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين فيه دليل على أنه يجب عليهم كلهم، حتى أولياء القاتل حتى القاتل بنفسه إعانة ولي المقتول إذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل، وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد، ويمنعوا الولي من الاقتصاص كما عليه عادة الجاهلية ومن أشبههم من إيواء المحدثين».

لا يقيمه إلا أولو الأمر

قال القرطبي: «لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك؛ لأن الله -سبحانه- خاطب المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود، وليس القصاص بلازم إنما اللازم ألا يتجاوز القصاص وغيره من الحدود إلى الاعتداء، فأما إذا وقع الرضا دون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح».

اجتنبوا السبع الموبقات

ومن السنة المطهرة روى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» متفق عليه.

خطبة الوداع

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟» قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائب، فرب مُبَلَّغٍ أوعى من سامع» متفق عليه، قال النووي: «المراد بهذا كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض، والتحذير من ذلك».

وروى البخاري عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا» أخرجه البخاري، قال ابن الْعَرَبِيِّ: «الْفُسْحَةُ فِي الدِّينِ سَعَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ضَاقَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفِي بِوِزْرِهِ، وَالْفُسْحَةُ فِي الذَّنْبِ: قَبُولُهُ الْغُفْرَانَ بِالتَّوْبَةِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ارْتَفَعَ الْقَبُولُ».

مِنْ وَرَطَاتِ الأمور

ولهذا قال ابن عمر: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله» أخرجه البخاري.

قال ابن حجر: «الورطات: جَمْعُ وَرْطَةٍ وَهِيَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي وَرْطَةٍ أَيْ: فِي شَيْءٍ لَا يَنْجُو مِنْهُ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ: «الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا» قَوْلُهُ: «سَفْكُ الدَّمِ» أَيْ: إِرَاقَتُهُ؛ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ».

وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار».


تعظيم القتْلِ وتَهويلُ أمْرِه


وعن عبدالله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» أخرجه الترمذي، قال في شرح مشكاة المصابيح: «وهذا الكلامُ مَسوقٌ لتعظيمِ القتْلِ وتَهويلِ أمْرِه» ثم بين وجهه فقال: «الدُّنيا عظيمةٌ في نفوسِ الخلْقِ، فزَوالُها يكونُ عندَهم عظيمًا على قدْرِ عَظَمتِها، فإذا قيل: قتل المؤمن أعظم منه، أو الزوال أهون من قتل المؤمن، يفيد الكلام من تعظيم القتل وتهويله وتقبيحه وتشنيعه ما لا يحيطه الوصف».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 03-03-2021, 08:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (22)

الأحكام الفقهية من قصة ابني آدم -عليه السلام

د.وليد خالد الربيع





قال -تعالى-:{ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (سورة المائدة:31)، لا نزال مع الأحكام الفقهية المستفادة من قصة ابني آدم -عليه السلام-، ويستفاد من هذه الآية الكريمة مشروعية دفن الموتى، قال القرطبي: «وظاهر الآية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم؛ ولذلك جهلت سنة المواراة». وقال: «بعث الله الغراب حكمة؛ ليرى ابن آدم كيفية المواراة، فصار فعل الغراب في المواراة سنة باقية في الخلق».
فدفن الموتى إكرام من الله -تعالى- للبشرية كما قال -سبحانه-: {ثم أماته فأقبره} (سورة عبس:21)، قال الشيخ ابن سعدي: «أي: أكرمه بالدفن، ولم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الأرض»، والدفن فرض كفاية بالإجماع كما قال القرطبي: «أصبح فرضا على جميع الناس على الكفاية، من فعله منهم سقط فرضه عن الباقين».
صفة حفر اللحد
وذكر العلماء صفتين لحفر القبر، اللحد والشق: وَمَعْنَى اللَّحْدِ، كما قال ابن قدامة: «أَنَّهُ إذَا بَلَغَ أَرْضَ الْقَبْرِ حَفَرَ فِيهِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ مَكَانًا يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً جَعَلَ لَهُ مِنْ الْحِجَارَةِ شِبْهَ اللَّحْدِ.
وَمَعْنَى الشَّقِّ أَنْ يَحْفِرَ فِي أَرْضِ الْقَبْرِ شَقًّا يَضَعُ الْمَيِّتَ فِيهِ، وَيَسْقُفَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ».
ونقل النووي إجماع العلماء على أن الدفن في اللحد أو الشق جائزان، وذهب الجمهور إلى أن اللحد هو السنة وأنه أفضل من الشق، وقيدوا ذلك بما إذا كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها لقول سعد بن أبي وقاص في مرضه الذي مات فيه: «ألحدوا لي لحدا، وانصبوا عليّ اللبن نصبا كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم -». أخرجه مسلم، قال النووي: «فيه استحباب اللحد ونصب اللبن، وأنه فعل ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتفاق الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد نقلوا أن عدد لبناته تسع».
استحباب إعماق القبر
وذهب الجمهور إلى استحباب إعماق القبر لحديث هشام بن عامر أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ أحُدٍ: «احفُروا، وأَوْسِعُوا، وأَعْمِقُوا، وأَحْسِنُوا، وادفِنوا الاثنينِ والثلاثةَ في قبرٍ واحدٍ، وقدِّموا أكثرَهم قُرْآنًا». أخرجه أصحاب السنن وصححه الألباني. ويستحب توسيع القبر في عرضه وطوله بما يسع من ينزل القبر ومن يدفن الميت، ولا يزيد حتى لا يضيق على الآخرين، وتكون التوسعة من جهة الرأس والقدمين لقوله - صلى الله عليه وسلم - للحافر: «أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين» أخرجه أبو داود.
كراهة الدفن في تابوت
واتفق الفقهاء على كراهة الدفن في تابوت بغير حاجة، قال النووي: «كراهة التابوت مذهبنا ومذهب العلماء كافة، أظنه إجماعا».
الرجال أحق بدفن الرجال
وذهب عامة الفقهاء إلى أن الرجال أحق بدفن الرجال، وأولى الرجال بالتقديم هم أولياء الميت لقوله -تعالى-:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (سورة الأنفال:75)، وقول علي - رضي الله عنه - قال: «غسَّلْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهبتُ أنظر ما يكون من الميت فلم أرَ شيئاً، وكان طيبا - صلى الله عليه وسلم - حياً وميتا، وولي دفنه وإجنانَه (ستره) دون الناس أربعة: علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» رواه الحاكم.
أولى الناس بإدخال المرأة قبرها
وذهب عامة الفقهاء إلى أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها هو محرمها في حياتها إن لم تكن متزوجة، فإن كانت متزوجة فزوجها أولى من محرمها إذا تزاحموا؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: رجع إلىَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا أقول: وارأساه، قال: بل أنا وارأساه. قال: «ما ضرك لو متِّ قبلي فغسلتُكِ وكفنْتكِ ثم صليت عليك ودفنتك» رواه أحمد.
وقت الدفن
أما وقت الدفن: فيجوز الدفن في كل وقت إلا أوقات النهي عن الصلاة، فعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نُصلِّي فيهن، أو أنْ نَقْبُـرَ فِيهِنَّ موتانا: حين تطلع الشمسُ بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمسُ للغروب حتى تغرب». أخرجه مسلم، فدل الحديث على أنه يمنع الدفن في هذه الأوقات الثلاثة، إلا عند الضرورة، فأما إذا كان هناك ضرر، بأن خيف تغيُّر الميت، ونحو ذلك، فلا حرج في دفنه في هذه الأوقات.
المراد بالقَبْر
قال النووي: «قال بعضهم: إن المراد بالقَبْر (يعني المذكور في الحديث) صلاة الجنازة، وهذا القول ضعيف؛ لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع؛ بل الصواب أن معناه تَعمُّد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات، كما يُكره تَعمُّد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذرٍ، وهي صلاة المنافقين؛ كما في الحديث الصحيح: «قام فنقرها أربعًا»، فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تَعمُّد فلا يكره».
الدفن ليلاً
ويجوز الدفن ليلا بلا كراهة؛ لما رواه أبو داود عن جابر - رضي الله عنه - قال: رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، ‏وإذا هو يقول: «ناولني صاحبكم» قال ابن القيم: هذه النار كانت للإضاءة، ولهذا ترجم عليه أبو داود: الدفن بالليل، ‏قال الإمام أحمد: لا بأس بذلك، وقال: أبو بكر دفن ليلاً، وعليّ دفن فاطمة ليلاً، وحديث ‏عائشة: «سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وممن ‏دفن ليلاً: عثمان، وعائشة وابن مسعود، ورخص فيه عقبة بن عامر، وابن المسيب، ‏وعطاء، والثوري، والشافعي، وإسحاق.
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة الدفن ليلاً لحديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلاً ‏من أصحابه قبض، فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلاً، فزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك رواه مسلم.
قال النووي: «وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه - وَجَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ دُفِنُوا لَيْلًا مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَبِحَدِيثِ الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ وَالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَتُوُفِّيَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا وَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ فَقَالُوا: تُوُفِّيَ لَيْلًا فَدَفَنَّاهُ فِي اللَّيْلِ فَقَالَ: أَلَا آذَنْتُمُونِي؟ قَالُوا: كَانَتْ ظُلْمَةٌ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ.
وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّهْيَ كَانَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُجَرَّدِ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنَّمَا نَهَى لِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ لِقِلَّةِ الْمُصَلِّينَ أَوْ عَنْ إِسَاءَةِ الْكَفَنِ أَوْ عَنِ الْمَجْمُوعِ كَمَا سَبَقَ».

وذكر ابن القيم تفصيلا حسنا فقال: «والذي ينبغي أن يقال في ‏ذلك: إنه متى كان الدفن ليلاً لا يفوت به شيء من حقوق الميت، والصلاة ‏عليه، فلا بأس به، وعليه تدل أحاديث الجواز، وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة ‏عليه وتمام القيام عليه، نهي عن ذلك، وعليه يدل الزجر».








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 19-03-2021, 02:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (23)
الأحكام الفقهية من قصة خلق آدم وزوجه -عليهما السلام

د.وليد خالد الربيع




اعتنت الشريعة المطهرة بمكارم الأخلاق، وحسن الآداب، ليكون المسلمون في أنفسهم ومع إخوانهم، وفي حال اجتماعهم وخلواتهم على أكمل حال وأرفع صورة ومآل، ومن ذلك العناية باللباس والزينة، وستر العورات وإخفاء السوءات، لتحقيق أعلى المقاصد وأكرم الصفات، وسد باب الفتنة ومنع ذريعة السيئات، لذا حرص شياطين الجن والإنس على إغواء البشر، ونقلهم من الكرامة الإنسانية التي حباهم الله -تعالى- بها، إلى رتبة البهيمية وما فيها من عدم المبالاة بظهور العورات، وانكشاف السوءات.

وقد قص الله -سبحانه- علينا في سورة الأعراف قصة خلق آدم وزوجه -عليهما السلام-، وإسكانهما الجنة، وما أكرمهما به من النعم واللذات، وبين -تعالى- إغواء الشيطان لهما لمعصية الرب -سبحانه-، وما آل إليه أمرهما من ظهور العورة، وإخراجهما من الجنة، فقال -سبحانه-:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (سورة الأعراف:20-22).

قال ابن سعدي: «{فَدَلَّاهُمَا} أي: نزَّلهما عن رتبتهما العالية، التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث بأوضارها، فأقدما على أكلها، {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} أي: ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة، فصار للعري الباطن من التقوى في هذه الحال أثر في اللباس الظاهر، حتى انخلع فظهرت عوراتهما، ولما ظهرت عوراتهما خَجِلا وجَعَلا يخصفان على عوراتهما من أوراق شجر الجنة، ليستترا بذلك {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} وهما بتلك الحال موبخا ومعاتبا: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} فلم اقترفتما المنهي، وأطعتما عدوَّكُما؟».

وجوب ستر العورة

فمن المسائل المستفادة من الآيات الكريمات وجوب ستر العورة، قال القرطبي: «وفي الآية دليل على قبح كشف العورة، وأن الله أوجب عليهما الستر؛ ولذلك ابتدرا إلى سترها، ولا يمتنع أن يؤمرا بذلك في الجنة كما قيل لهما: ولا تقربا هذه الشجرة. وقد حكى صاحب البيان عن الشافعي أن من لم يجد ما يستر به عورته إلا ورق الشجر لزمه أن يستتر بذلك، لأنه سترة ظاهرة يمكنه التستر بها كما فعل آدم في الجنة».

وتطلق العورة في اللغة على معان منها: الخلل والسوأة والشيء المستقبح وكل ما يحرم كشفه، قال النووي: سميت العورة لقبح ظهورها ولغض الأبصار عنها، مأخوذة من (العور) وهو النقص والعيب والقبح، ومنه عور العين، والكلمة العوراء: القبيحة.

والعورة في الاصطلاح: ما أوجب الشارع ستره من الذكر والأنثى.

أحكام تخص العورة

وللعورة أحكام في باب النظر عموما، وأحكام في باب الصلاة على وجه الخصوص.

أولاً: ستر العورة في باب النظر

دل الكتاب والسنة والإجماع على وجوب ستر العورة عن النظر.

الأدلة من القرآن الكريم

فمن الكتاب الكريم قوله -سبحانه-: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، قال القرطبي: «دلت الآية على وجوب ستر العورة»، فقوله: {خذوا زينتكم}: الزينة ما يتزين به الناس من الملبوس، والمراد به لبس الثوب الذي يستر العورة في الصلاة وخارجها، وهو ما عليه عامة المفسرين؛ لأن الله -تعالى- أمر بأخذ الزينة، والأمر يفيد الوجوب، والقدر الواجب من ذلك ما ستر العورة، ومعلوم أن ما زاد على ذلك ليس بواجب مما يدل أن أخذ الزينة هنا هو ستر العورة .

الأدلة من السنة

ومن السنة ما رواه مسلم عن المسور بن مخرمة قال: أقبلت بحجر ثقيل أحمله وعليّ إزار خفيف ، فانحل إزاري ومعي الحجر، لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه ، فقال رسول الله: «ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة»، وعن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت ألا يرنها أحد فلا ترينها أحدا» قلت: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: «الله أحق أن يستحيا منه من الناس» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.

الإجماع

وأما الإجماع فقد قال النووي: «ستر العورة عن العيون واجب بالإجماع»، وقال ابن قدامة: «سترة العورة عن النظر بما لا يصف البشرة واجب، وقال ابن هبيرة: «أجمعوا على أن ستر العورة عن العيون واجب».

ثانيًا: ستر العورة في باب الصلاة

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن ستر العورة فرض من فروض الصلاة وشرط لصحتها، وأدلتهم في ذلك ما يلي:

(1) قوله -سبحانه-:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال ابن عباس: «المراد بها الثياب في الصلاة»، فقوله -تعالى-:{عند كل مسجد} قيل: المقصود به المسجد الحرام؛ لأن الآية إبطال ما كان يفعله المشركون من الطواف بالبيت عراة؛ فأمروا بستر العورة عند الطواف، ولا طواف إلا بالبيت الحرام، وقيل: بل هو عام في كل مسجد للصلاة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

(2) عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار «أخرجه أبو داود والترمذي، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: «يُرِيدُ بِالْحَائِضِ الْمَرْأَةَ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّتِي هِيَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي بِوَجْهٍ (إِلَّا بِخِمَارٍ) أَيْ مَا يُتَخَمَّرُ بِهِ مِنْ سِتْرِ رَأْسٍ».

(3) عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول الله، إني أكون في الصيد أفأصلي في الثوب الواحد؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «نعم وازرره ولو بشوكة». أخرجه أبو داود، قوله: (وَأَزْرُرْهُ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيِ اشْدُدْهُ (وَلَوْ بِشَوْكَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا إِذَا كَانَ جَيْبُ الْقَمِيصِ وَاسِعًا يَظْهَرُ مِنْهُ عَوْرَتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزِرَّهُ؛ لِئَلَّا يَكْشِفَ عَوْرَتَهُ».


فهذه النصوص وغيرها تدل على أن سترة العورة واجب في الصلاة بالاتفاق، قال ابن عبد البر: «احتجوا بالإجماع على إفساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار»، واتفق الفقهاء على بطلان صلاة من كشف عورته فيها متعمدا سواء طال الزمن أم قصر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 19-03-2021, 02:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (24)


الأحكام الفقهية المستفادة من حوار أهل النار مع أهل الجنة




د.وليد خالد الربيع







قال -تعالى-: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} (سورة الأعراف:50). قال الطبري: «هذا خبر من الله -تعالى ذكره- عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة، عند نـزول عظيم البلاء بهم من شدة العطش والجوع، عقوبةً من الله لهم على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله، وعدم أداء ما كان فرض عليهم في أموالهم تجاه المساكين من الزكاة والصدقة». وذكر بسنده عن ابن عباس قال: «ينادي الرجلُ أخاه أو أباه، فيقول: قد احترقت، أفض عليَّ من الماء، فيقال لهم: أجيبوهم. فيقولون: «إن الله حرمهما على الكافرين».

ويستفاد من هذه الآية الكريمة مسائل منها:

المسألة الأولى:

أفضل الصدقة سقي الماء:

من عجيب الاستدلال، ودقة المأخذ ما استنبطه ابن عباس من هذه الآية الكريمة؛ حيث سئل: أي الصدقة أفضل؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصدقة الماء»، ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}؟

ومن هنا ذكر القرطبي أن هذه الآية: «دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال».

وقد جاءت السنة المطهرة بتأكيد هذا المعنى، فقد أخرج أحمد وأصحاب السنن أن سعدا قال: يا رسول الله، إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: «نعم»، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «سَقْيُ الْمَاء». حسنه الألباني. وفي رواية فحفر بئرا فقال: هذه لأم سعد». أي: أن هذه البئر صدقة لها.

قال في عون المعبود: «إنما كان الماء أفضل لأنه أعم نفعا في الأمور الدينية والدنيوية، ولا سيما في تلك البلاد الحارة، ولذلك منّ الله -تعالى- بقوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}».

قال القرطبي: «فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله -تعالى-، وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء. وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلا مؤمنا موحدا وأحياه؟! روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينا رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش؛ فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج، فإذا كلب يأكل الثرى من العطش؛ فقال: لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي؛ فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب؛ فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ قال: «في كل ذات كبد رطبة أجر».

المسألة الثانية: صاحب الماء

أحق بمائه:

قال القرطبي: «وقد استدل بهذه الآية من قال: إن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، وأن له منعه ممن أراده؛ لأن معنى قول أهل الجنة: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} لا حق لكم فيها، وقد بوب البخاري - رحمه الله - على هذا المعنى: (باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه)، وأدخل في الباب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض». ومعنى لأذودن:لأطردن.

قال ابن حجر: «ومناسبته للترجمة من ذكره - صلى الله عليه وسلم - أن صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه ولم ينكر ذلك؛ فيدل على الجواز».

وذكر البخاري حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا. وأقبل جرهم فقالوا: أتأذنين أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولا حق لكم في الماء. قالوا: نعم».

قال ابن حجر: ومناسبته للترجمة من جهة قولها: «ولا حق لكم في الماء» وقرر النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، قال الخطابي: «فيه أن من أنبط ماء في فلاة من الأرض ملكه، ولا يشاركه فيه غيره إلا برضاه، إلا أنه لا يمنع فضله إلا استغنى عنه».

ومن هنا اتفق الفقهاء على أن الماء المحرز في آنية مملوكة لشخص معين كالصهاريج والأواني ونحوها مملوك لمن أحرزه؛ حيث نقله من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة بالحيازة، فله أن يتصرف فيه بالاستعمال والاستغلال، ولا يجوز لأحد أن ينتفع بهذا الماء المملوك إلا بإذن صاحبه، فإن أخذه شخص بغير إذن صاحبه فعليه ضمان الضرر والتلف إذا وقع.

وقد اتفق الفقهاء على استحباب بذل الفاضل من الماء لمن احتاج إليه وسأله لعموم الأدلة على ذلك، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ» متفق عليه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة» أخرجه أحمد، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل» الحديث أخرجه البخاري.

ويبين ابن حجر أن وجه الدلالة في هذه الأحاديث من جهة أن المعاقبة وقعت على منعه الفضل، فدل على أنه أحق بالأصل.

وجوب بذل الماء

وقد بحث الفقهاء مسألة (وجوب بذل الماء على مالكه) وفرقوا بين صورتين:

- الصورة الأولى: ألا يزيد الماء عن حاجة مالكه؛ ففي هذه الحالة اتفق الفقهاء أنه لا يجب عليه أن يبذله لمن طلبه، قال ابن بطال: «لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بمائه حتى يروي».


- الصورة الثانية: إذا كان الماء زائدا عن حاجة مالكه: فقد اختلف الفقهاء في هذه الصورة، والذي يظهر هو أن الماء المحرز ملك لمن أحرزه، فلا يجوز لأحد أن ينتفع به إلا بإذن مالكه كسائر الأموال الخاصة، فلا يجب على مالكه بذله لأحد بغير عوض، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»، فيجوز لصاحبه أن يمنعه لمن سأله، وأن يبيعه بثمن معقول، وتحمل أحاديث النهي المتقدمة على من منع الماء المضطر الذي لا يجد ماء غيره، فهنا حالة اضطرار تستثنى من الأصل؛ فيجب بذل الماء له بغير عوض؛ لأن في ذلك إنقاذ النفس التي كرمها الله -تعالى-، وقد قال -سبحانه-: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}(سورةالمائدة:32)، قال ابن حجر: «وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح، ومحل النهي ما إذا لم يجد المأمور بالبذل له ماء غيره».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 25-03-2021, 10:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (25)

الأحكام الفقهية من قصة شعيب -عليه السلام


د.وليد خالد الربيع







قال -تعالى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (سورة الأعراف:85).

ذكر الله -تعالى- في سورة الأعراف أنباء كثير من الأنبياء والمرسلين، لما في قصصهم من المواعظ والفوائد والأحكام الفقهية، ومنهم شعيب -عليه السلام-، حيث دعا قومه إلى أداء حق الله -تعالى- وحقوق العباد، فحق الله -سبحانه- أن يفرد بالعبادة ولا يشرك به شيء، وأن يطاع فلا يعصى -سبحانه-، وأمام حقوق العباد فأمرهم شعيب -عليه السلام- بالعدل في المعاملات بتوفية الكيل والميزان، ونهاهم عن البخس والفساد.



ويوضح الراغب الأصفهاني معنى البخس فيقول: «البَخْسُ: نقص الشيء على سبيل الظلم».

وقال القرطبي: «البخس: النقص، وهو يكون في السلعة بالتعييب والتزهيد فيها، أو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيد في الكيل والنقصان منه. وكل ذلك من أكل المال بالباطل، وذلك منهي عنه في الأمم المتقدمة والسالفة على ألسنة الرسل».

البخس من جهة المشتري

والبخس قد يكون من جهة المشتري بأن يقلل من قيمة ما يريد شراءه ليحظى بثمن أقل من قيمته الحقيقية كما قال ابن عاشور: «وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْبَخْسُ مُتَعَلِّقًا بِالْكَمِّيَّةِ كَمَا يَقُولُ الْمُشْتَرِيَ: هَذَا النِّحْيُ لَا يَزِنُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ يَزِنُ اثْنَيْ عَشَرَ رِطْلًا، أَوْ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى هَذَا النَّخْلِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ قَنَاطِيرَ تَمْرًا فِي حِينِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ عِشْرِينَ قِنْطَارًا.

وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالصِّفَةِ كَمَا يَقُولُ: هَذَا الْبَعِيرُ شَرُودٌ وَهُوَ مِنَ الرَّوَاحِلِ، وَيَكُونُ طَرِيقُ الْبَخْسِ قَوْلًا، كَمَا مَثَّلْنَا، وَفِعْلًا كَمَا يَكُونُ مِنْ بَذْلِ ثَمَنٍ رَخِيصٍ فِي شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَاعَ غَالِيًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْبَخْسِ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَاخِسُ الرَّاغِبُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبْخُوسَةِ بِأَنْ يَصْرِفَ النَّاسَ عَنِ الرَّغْبَةِ فِيهَا فَتَبْقَى كَلًّا عَلَى جَالِبِهَا فَيَضْطَرُّ إِلَى بَيْعِهَا بِثَمَنٍ زَهِيدٍ، وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْهُ إِلْقَاءُ الشَّكِّ فِي نَفْسِ جَالِبِ السِّلْعَةِ بِأَنَّ سِلْعَتَهُ هِيَ دُونَ مَا هُوَ رَائِجٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَدْخُلُهُ الْيَأْسُ مِنْ فَوَائِدِ نِتَاجِهِ فَتَكْسَلُ الْهِمَمُ».

والبخس قد يكون من البائع وهو ما يسميه الفقهاء الغبن، وهو: بيع السلعة بأكثر مما تعارف الناس على التسامح بمثله.

حكم الغبن

وأما حكم الغبن:

فقد قسم الفقهاء الغبن إلى نوعين: يسير وفاحش، ويرجع في تعيين الحد الفارق بينهما إلى العرف أو لأهل الخبرة، لأن ما لم يرد له تقدير في الشرع يرجع فيه إلى العرف.

وأما حكم الغبن: فالغبن الفاحش الكثير وهو الذي لا يتسامح بمثله فحكمه التحريم لما فيه من التغرير بالمشتري والغش المنهي عنه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: «من غشنا فليس منا» أخرجه مسلم.

الغبن اليسير

وأما الغبن اليسير وهو الذي يتسامح الناس بمثله فهو جائز، لأنه لا يمكن التحرز منه وهو مما تعارف الناس على التعامل به دون نكير، قال القاضي ابن العربي: «إن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدين، إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة، لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز منه لأحد فمضى في البيوع، إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا، لأنه لا يخلو منه، والفرق بين القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم».

وأما تأثير الغبن في صحة العقد، فالحكم يختلف بحسب نوع الغبن ومن وقع الغبن عليه:

فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن الغبن اليسير لا تأثير له في صحة العقود، وقد تقدم كلام القاضي ابن العربي في عدم تأثير الغبن اليسير في صحة العقد، وقال ابن هبيرة: «اتفقوا على أن الغبن في البيع بما لا يفحش لا يؤثر في صحته».

الغبن الكثير

أما الغبن الكثير في حق البائع بأن يبيع الشخص ماله بنقص كبير مع علمه ورضاه فهو جائز، لأن ثبوت الملك له على وجه مشروع يعطيه الحق في التصرف بماله استهلاكا واستعمالا واستغلالا في حدود المشروع، فله أن يبيع الشيء الغالي بالثمن البخس كما له أن يهبه بغير عوض ما دام أهلا للتصرفات المالية وهو عالم وراض بهذا البيع.

قال القرطبي: «والجمهور على جواز الغبن في التجارة، مثل أن يبيع رجل ياقوتة بدرهم وهي تساوي مائة فذلك جائز، وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله الكثير بالتافه اليسير، وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة لو وهب».

ومما استدل به قوله -عليه السلام- في حديث الأمة الزانية‏: «إذَا زَنَتْ أمَةُ أحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، ولَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، ولَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا ولو بحَبْلٍ مِن شَعَرٍ». متفق عليه

قال النووي: «فيه جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير، وهذا مجمع عليه إذا كان البائع عالما به».

أما الغبن الكثير إذا وقع على المشتري بأن اشترى شيئا بثمن يفوق قيمته الحقيقية بفارق كبير لا يتسامح بمثله عادة، فقد اختلف الفقهاء في تأثير الغبن الفاحش في صحة العقد، والأظهر أن الغبن إذا صاحبه تغرير فللمغبون إذا علم بذلك الخيار بين إمضاء العقد أو فسخه، وكذلك إذا لم يصحب الغبن تغرير، لأن الحق له ولا يجبر الشخص على فسخ العقد خاصة إذا لم يقع خلل في الأركان والشروط الشرعية، وإنما الخلل قد وقع من جهة اختلال رضا المشتري، حيث غبن بالثمن، والأدلة الشرعية تدل على اشتراط الرضا في صحة التصرفات كقوله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (سورة النساء:29) وقال -عليه السلام-: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» أخرجه أحمد، والمغبون لا يرضى بالغبن إذا علم به ولا تطيب نفسه به، مما يدل على عدم صحة هذا التصرف وثبوت الخيار للمغبون.


وأيضا لأن الغبن إضرار بالمغبون والضرر مرفوع في الشريعة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار» أخرجه ابن ماجه، مما يؤكد أن الغبن مؤثر في صحة العقود ويثبت الخيار للمغبون لمنحه فرصة لرفع الضرر إن أراد ذلك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 25-03-2021, 10:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (26)
- الأحكام الفقهية من قصة شعيب -عليه السلام





د.وليد خالد الربيع




لا نزال مع قوله -تعالى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (سورة الأعراف:85)

فمن المسائل المستفادة من هذه الآية الكريمة حرمة الفساد في الأرض، قال ابن كثير: «ينهى -تعالى- عن الإفساد في الأرض، وما أضره بعد الإصلاح! فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك، كان أضر ما يكون على العباد فنهى الله -تعالى- عن ذلك».

أثر الإفساد في الأرض

وللإفساد أثر سيء على الأفراد والمجتمعات، قال الشيخ ابن سعدي: «{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} بعمل المعاصي {بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} بالطاعات، فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق، كما قال -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة».

اختلال يخرج الشيء عن صلاحه

والفساد اختلال يعتري الشيء فيخرجه عن صلاحه وما هُيِّئَ له، قال ابن الجوزي: «الفساد تغير الشيء عما كان عليه من الصلاح، وقد يقال في الشيء مع قيام ذاته، ويقال فيه مع انتقاضها، ويقال إذا بطل وزال».

والإفساد كما عرفه الكفوي بأنه: «جعل الشيء فاسدا خارجا عما ينبغي أن يكون عليه وعن كونه منتفعا به، وهو في الحقيقة: إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح».

الفساد معنى كبير

والفساد في الأرض معنى كبير يدخل فيه الشرك بالله -تعالى- وعبادة غيره، ويدخل فيه المعاصي والذنوب كما قال القرطبي: «وهو لفظ يعم دقيق الفساد وجليله».

والفساد يكون في الأديان والأبدان والأعراض والعقول والأموال وغير ذلك من المصالح التي جاءت الشريعة بحفظها والدفاع عنها، ومع الأسف فإن بعض الناس يهمه ضياع الأموال وفساد الذمم، وهو بلا شك من الفساد المنهي عنه، ويتهاون فيما هو أعظم منه، وهو فساد الأديان بعبادة غير الله -تعالى- أو معصية رسوله - صلى الله عليه وسلم .

قال ابن القيم في تفسير قوله -تعالى-: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}: «قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله لها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره، فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا».

تكرر ذكره في القرآن

و(الفساد) من المعاني التي كرر القرآن ذكرها للتحذير منها وبيان عظيم خطرها، وسلك في ذلك مسالك متنوعة، وأساليب متعددة لتقرير هذا فمن ذلك النهي الصريح عن الفساد فقال -سبحانه-: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}، وقال: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}.

وبين -سبحانه- أنه لا يحب الفساد ولا المفسدين فقال -سبحانه-: {والله لا يحب الفساد}، وقال -تعالى-: {إن الله لا يحب المفسدين}، وأعلمنا بأنه لا يصلح عمل المفسدين فقال -عز وجل-: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين}، وحذرنا تعالى من الإفساد في الأرض لأنه من صفات المنافقين فقال -تعالى-:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ}.

وبين أن الإفساد في الأرض من أخلاق الفاسقين العاصين فقال -تعالى-: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

من أبرز سمات اليهود

والإفساد في الأرض من أبرز سمات اليهود كما قال -تعالى-: {وقالت اليهود يد الله مغلولة} إلى أن قال: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين}، والإفساد في الأرض من سمة فرعون وقومه كما قال -تعالى-: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} وقال -تعالى-: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

الفساد مقابل للصلاح

وجعل الله -تعالى- الفساد والإفساد مقابلا للصلاح والإصلاح فقال -تعالى-: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} وقال: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}.

توعد المفسدين في الأرض

وقد توعد الله المفسد في الأرض بالعقاب الأليم فقال -تعالى-:{والله يعلم المفسد من المصلح} وقال: {فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين} وقال: {وربك أعلم بالمفسدين} وهذا العلم ليس فقط هو مجرد الإدراك والإحاطة وإنما يتبعه الحساب والجزاء، وقال -سبحانه-: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}، وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.

النهي عن متابعة المفسدين

ونهانا ربنا -تبارك وتعالى- عن متابعة المفسدين فقال: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} لما في ذلك من عصيان الرب والتعرض لعقوبته الشديدة، وتضييع مصالح العباد والتضييق عليهم بقطع السبل ومنع الخيرات والصد عن سبيل الله.

مدح أهل الصلاح

ومدح الله أهل الصلاح والإصلاح، وبين أنهم لا يتساوون في ميزانه مع أهل الفساد والإفساد فقال -سبحانه-: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِين َ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}.


موقع الإفساد في الشرع المطهر

فهذه النصوص الكثيرة في ذم الفساد في الأرض، والنهي عنه والتحذير منه، وبيان أنه ليس من هدي المؤمنين وإنما هو من عمل الكافرين واليهود والمنافقين والفاسقين، وما أعد الله للمفسدين من العقاب الأليم، تدل بوضوح على موقع الإفساد في الأرض في الشرع المطهر، وأنه مذموم مرذول قبيح مستنكر، وأن الذي يأمر به ويدعو إليه ويقوم به قد جاء بأمر عظيم ومنكر شديد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 25-03-2021, 10:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (27)
- الأحكام الفقهية من قصة شعيب -عليه السلام





د.وليد خالد الربيع



قال -تعالى-: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (الأعراف:86)، ما زال الحديث مستمرًا حول المسائل المستفادة من قصة شعيب -عليه السلام- مع قومه واليوم نتكلم عن مسألة (حق الطريق).

فالطريق يعد من أهم وسائل التواصل القديمة والحديثة، فمن خلاله يصل الناس إلى مقاصدهم، ويحققون منافعهم، وقد اعتنى الإسلام بالطريق عناية كبيرة، فشرع للطرقات أحكاما وآدابا تحفظ بقاءها وسلامتها، وتحقق مصالح السالكين وتدرأ عنهم المفاسد والأضرار.

حق المرور

وحق المرور هو حق الإنسان في الوصول إلى ملكه أو مصالحه من طريق عام أو من طريق مشترك أو من طريق خاص ثبت له فيه حق المرور، واتفق الفقهاء على أن حق المرور في الطريق العام حق لجميع الناس، لكل واحد منهم حق الانتفاع به، وليس لأحد أن يختص بشيء منه، لكن بشرط السلامة والمحافظة عليه، وعدم الإيذاء أو الإضرار للآخرين، فيمنع كل تصرف يؤذي المارة ويضيق عليهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار».

قوم شعيب وإيذاء الناس

فقوم شعيب -عليه السلام- كانوا يؤذون الناس في طرقاتهم كما قال القرطبي: «نهاهم عن القعود بالطرق والصد عن الطريق الذي يؤدي إلى طاعة الله، وكانوا يوعدون العذاب من آمن. واختلف العلماء في معنى قعودهم على الطرق.

فقال ابن عباس وغيره: كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون: إنه كذاب فلا تذهب إليه، كما كانت قريش تفعله مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا ظاهر الآية، وقال أبو هريرة: هذا نهي عن قطع الطريق، وأخذ السلب وكان ذلك من فعلهم».

العقوبة الحازمة

ومن عناية الإسلام بالطريق أن شرع الله -سبحانه- العقوبة الحازمة لمن قطع الطريق وأخاف السبيل في قوله -تعالى-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، قال القرطبي: «نَزَلَتْ الْآيَة فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْطَع السَّبِيل وَيَسْعَى فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ».

حق الطريق في السنة النبوية

وفي السنة ما يؤكد أن للطريق حقا، وليس للمرء أن يخل بذلك الحق، فعن أبي سعيد الخُدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والجلوسَ في الطُّرقات»! قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدٌّ، نتحدَّثُ فيها، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «فإذا أبيتم إلا الجلوس، فأعطُوا الطريق حقَّه»، قالوا: وما حقُّ الطريقِ يا رسولَ الله؟ قال: «غَضُّ البصرِ، وكَفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكَر» مُتَّفق عليه.

قال الشيخ ابن عثيمين: «ففي هذا الحديث يُحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين من الجلوس على الطرقات، فإن كان لابد من ذلك، فإنه يجب أن يعطى الطريق حقَّه».

من الأحاديث الجامعة

قال النووي: «هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث، ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة، وظن السوء، وإحقار بعض المارين، وتضييق الطريق، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون، أو يخافون منهم، ويمتنعون من المرور في أشغالهم بسبب ذلك؛ لكونهم لا يجدون طريقا إلا ذلك الموضع».

مفهوم عظيم

وكف الأذى مفهوم عظيم، ومعنى كبير أكده الإسلام، ومع الأسف أهمله بعض المسلمين جهلا به أو تجاهلا له، وقد بين - صلى الله عليه وسلم - أن إزالة ما يتأذى منه الناس من الحسنات فقال: «عُرِضتْ عليَّ أعمال أمتي، حَسَنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد» أخرجه مسلم

من شعب الإيمان

وإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان العملية كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» أخرجه مسلم.

قال النووي: «قوله: «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» أي: تنحيته وإبعاده. والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر أو مدر أو شوك أو غيره».

وعدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تنحية الأذى من جملة الصدقات التي تنفع العبد يوم القيامة فقال في حديث طويل: «وتميط الأذى عن الطريق صدقة». متفق عليه.

النهي عن إيذاء المؤمنين

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم - عن إيذاء المؤمنين في طرقهم بالإيذاء الحسي أو المعنوي فقالَ: «اتّقُوا اللَّاعِنَيْنِ: الذي يَتَخَلّى في طريق النّاسِ، أو في ظِلِّهم» رواه مسلم. أي: احذروا الأمرين الجالبين للعن الناس، قال النووي: «قوله: «الذي يتخلى في طريق الناس» فمعناه يتغوط في موضع يمر به الناس وما نهى عنه في الظل والطريق لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره».

تحريم التخلي في الطريق

وفيه تحريم التخلي في الطريق، وتحريم التخلي في الظل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله سببا للعن.

قال الصنعاني: «والمراد بالذي يتخلى في طريق الناس أي: يتغوط فيما يمر به الناس، فإنه يؤذيهم بنتنه واستقذاره ويؤدي إلى لعنه، فإن كان لعنه جائزا فقد تسبب إلى الدعاء عليه بإبعاده عن الرحمة، وإن كان غير جائز فقد تسبب إلى تأثيم غيره بلعنه».

وقال الشيخ ابن عثيمين: «جواز لعن من فعل ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن هذا محذرا من أن تقع اللعنة على الفاعل، ولا يمكن أن تقع اللعنة على الفاعل إلا إذا كان اللاعن محقا، أما غير المحق فلا يمكن أن تقع اللعنة على الملعون، وعلى هذا يجوز أن يلعن الإنسان فاعل ذلك».وقال أيضاً: «من الورع ألا يلعنه بعينه، وإنما يقول: اللهم العن من فعل كذا، لأن لعن المعين حرام»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم». أخرجه الطبراني وحسنه الألباني، قال المناوي مبينا كيفية الإيذاء: «بنحو وضع حجر أو شوك أو تغوط أو تبول».
ومع كل هذه الأدلة التي ترغب في إماطة الأذى، وتحذر من إيذاء المؤمنين، تجد من لا يبالي بذلك ولا يرفع بذلك رأسا، فيقوم بإيذاء المسلمين بما يضعه في طرقاتهم وأسواقهم مما يؤذيهم ويُدنِّس ثيابَهم، أو بما يجرح أبدانهم، ويُعرِّضهم لما يؤلمهم كالأحجار والأخشاب والزجاج والمسامير، أو بما يُضيِّق طرقاتهم كالتراب وحَفْر الحفر بلا ضرورة، أو لضرورة ويتساهل أصحابها في إزالتها، أو بوضع حواجز للحماية منها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 25-03-2021, 10:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (28)

الأحكام الفقهية من قصة موسى -عليه السلام

د.وليد خالد الربيع







قصة موسى -عليه السلام- من القصص التي تكررت كثيرًا في القرآن الكريم، وتناولت جوانب عديدة من حياة ذلك الرسول الكريم -عليه السلام-، ومن تلك الجوانب مرحلة دعوته لفرعون وقومه للإسلام، وما قابلوه به من الكفر والإيذاء، وبعد إقامة الحجج والبراهين وإصرارهم على العناد عذبهم الله -تعالى- بأنواع من العقوبات قبل استئصالهم؛ فقال -تعالى-: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} (سورة الأعراف:133).

قال الشيخ ابن سعدي: «(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ) أي: الماء الكثير الذي أغرق أشجارهم وزروعهم، وأضر بهم ضررًا كثيرًا، (وَالْجَرَادَ) فأكل ثمارهم وزروعهم، ونباتهم (وَالْقُمَّلَ) قيل: إنه الدباء، أي: صغار الجراد، والظاهر أنه القمل المعروف، (وَالضَّفَادِعَ) فملأت أوعيتهم، وأقلقتهم، وآذتهم أذية شديدة، (وَالدَّمَ) إما أن يكون الرعاف، أو كما قال كثير من المفسرين، إن ماءهم الذي يشربون انقلب دما، فكانوا لا يشربون إلا دما، ولا يطبخون إلا بدم، (آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ) أي: أدلة وبينات على أنهم كانوا كاذبين ظالمين، وعلى أن ما جاء به موسى، حق وصدق فَاسْتَكْبَرُوا لما رأوا الآيات، وَكَانُوا في سابق أمرهم قَوْمًا مُجْرِمِينَ؛ فلذلك عاقبهم اللّه -تعالى-، بأن أبقاهم على الغي والضلال».
مسائل فقهية
واستنبط العلماء من هذه الآية الكريمة مسائل فقهية، منها:
المسألة الأولى: حكم أكل الجراد
الجراد بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ حشرة مَعْرُوفة، وَالْوَاحِدَةُ جَرَادَةٌ، قال ابن حجر: «وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ كَالْحَمَامَةِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَرْدِ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا جَرَّدَهُ».
وقد أجمعت الأمة على جواز أكله في الجملة، قال القرطبي: «ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة، وأنه إذا أخذ حيًا وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق، وأن ذلك يتنزل منه منزلة الذكاة فيه»، ودليل الاتفاق على إباحة أكل الجراد الأحاديث الواردة في ذلك ومنها: عن ابن أبي أوفى قال: «غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات أو ستا، كنا نأكل معه الجراد» متفق عليه. قال النووي: «فيه إباحة الجراد، وأجمع المسلمون على إباحته»، وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال» أخرجه ابن ماجه. ولم يفصل بين ما مات حتف أنفه أو بفعل آدمي.
هل تشترط تذكيته؟
واختلف الفقهاء هل يحتاج إلى سبب يموت به إذا صيد أم لا، أي: هل تشترط تذكيته؟ على مذهبين:
- المذهب الأول: يحل مطلقا، فلا يشترط أن يموت بفعل آدمي، وهو مذهب الجمهور، قال القرطبي: «عامتهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك، ويؤكل كيفما مات. وحكمه عندهم حكم الحيتان، وإليه ذهب ابن نافع ومطرف» من المالكية.
ودليل الجمهور حديث ابن عمر المتقدم وهو ظاهر الدلالة على عدم اشتراط التذكية؛ لأنه عده ميتة، وهي ما مات بغير سبب كالسمك، وقد نص على حله فلا يتوقف على شيء آخر.
- المذهب الثاني: لا يحل إلا إذا مات بسبب من الآدمي، بأن يقطع بعضه أو يسلق أو يلقى في النار، فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل؛ لأنه عند مالك من حيوان البر فميتته محرمة، وهو المشهور عن مالك ورواية عن أحمد، قال القرطبي: «وكان الليث يكره أكل ميتة الجراد، إلا ما أخذ حيا ثم مات فإن أخذه ذكاه، وإليه ذهب سعيد بن المسيب».
المذهب الأول أظهر
والمذهب الأول أظهر لقوة أدلتهم وصراحتها، أما دليل المذهب الثاني فقد أجاب عنه ابن قدامة بقوله: «لأنه تباح ميتته فلم يعتبر له سبب كالسمك، ولأنه لو افتقر إلى سبب لافتقر إلى ذبح وذابح وآلة كبهيمة الأنعام».
قال ابن حجر: «وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّ أكل الْجَرَاد، لَكِن فصل ابن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَيْنَ جَرَادِ الْحِجَازِ وَجَرَادِ الْأَنْدَلُسِ فَقَالَ فِي جَرَادِ الْأَنْدَلُسِ: لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ. وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَكْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ سُمِّيَّةٌ تَخُصُّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ جَرَادِ الْبِلَادِ تَعَيَّنَ اسْتِثْنَاؤُهُ».
المسألة الثانية: هل أكله النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
ذهب بعض العلماء إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عافَهُ كما عاف الضب، لما أخرجه أبو داود من حديث سلمان قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجراد؟ فقال: «لا آكله ولا أحرمه».
وأجيب بأن الحديث غير ثابت، قال ابن حجر: والصواب أنه مرسل.
ثم بين احتمال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكله فقال: «وقوله (أي ابن أبي أوفى): «نأكل معه الجراد» يحتمل أن المراد بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد، ويحتمل أنه يريد مع أكله، ويدل على الثاني أنه وقع في رواية أبي نعيم في الطب «ويأكل معنا».
المسألة الثالثة
هل يجوز أن يلقى الجراد في النار حيًا؟
قال ابن قدامة: «سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ السَّمَكِ يُلْقَى فِي النَّارِ؟ فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي، وَالْجَرَادُ أَسْهَلُ، فَإِنَّ هَذَا لَهُ دَمٌ. وَلَمْ يَكْرَهْ أَكْلَ السَّمَكِ إذَا أُلْقِيَ فِي النَّارِ، إنَّمَا كَرِهَ تَعْذِيبَهُ بِالنَّارِ، وَأَمَّا الْجَرَادُ فَسَهَّلَ فِي إلْقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ لَهُ، وَلِأَنَّ السَّمَكَ لَا حَاجَةَ إلَى إلْقَائِهِ فِي النَّارِ، لِإِمْكَانِ تَرْكِهِ حَتَّى يَمُوتَ بِسُرْعَةٍ، وَالْجَرَادُ لَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ، بَلْ يَبْقَى مُدَّةً طَوِيلَةً.
وَفِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ «أَنَّ كَعْبًا كَانَ مُحْرِمًا، فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، فَنَسِيَ، وَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ، فَأَلْقَاهُمَا فِي النَّارِ، وَشَوَاهُمَا، وَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَلَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ تَرْكَهُمَا فِي النَّارِ. وَذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ الْجَرَادُ يُقْلَى لَهُ. فَقَالَ: إنَّمَا يُؤْخَذُ الْجَرَادُ فَتُقْطَعُ أَجْنِحَتُهُ، ثُمَّ يُلْقَى فِي الزَّيْتِ وَهُوَ حَيٌّ».
المسألة الرابعة
هل يقتل الجراد إذا أفسد؟
قال القرطبي: «واختلف العلماء في قتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد:
فقيل: لا يقتل، وقال أهل الفقه كلهم: يقتل.
احتج الأولون بأنه خلق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يجري عليه القلم، وبما روي لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم.

واحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال، وقد رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتال المسلم إذا أراد أخذ ماله؛ فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها، ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب لأنهما يؤذيان الناس؟ فكذلك الجراد».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 01-04-2021, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (29)

الأحكام الفقهية من قصة ذهاب موسى لميقات ربه


د.وليد خالد الربيع



قال -تعالى-: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (سورة الأعراف:142)

قال ابن سعدي: «ولما أتم اللّه نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم، وتمكينهم في الأرض، أراد -تبارك وتعالى- أن يتم نعمته عليهم، بإنزال الكتاب الذي فيه الأحكام الشرعية، والعقائد المرضية، فواعد موسى ثلاثين ليلة، وأتمها بعشر، فصارت أربعين ليلة، ليستعد موسى، ويتهيأ لوعد اللّه، ويكون لنزولها موقع كبير لديهم، وتشوق إلى إنزالها.

ولما ذهب موسى إلى ميقات ربه، قال لهارون موصيا له على بني إسرائيل من حرصه عليهم وشفقته: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} أي: كن خليفتي فيهم، واعمل فيهم بما كنت أعمل، {وَأَصْلِحْ} أي: اتبع طريق الصلاح {وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} وهم الذين يعملون بالمعاصي».

من المسائل الفقهية التي اشتملت عليها الآية الكريمة:

- المسألة الأولى: مشروعية ضرب الأجل

تعريف الأجل في اللغة:

للأجل في اللغة إطلاقات عديدة منها الوقت المحدد كما قال ابن فارس: «الْأَجَلُ غَايَةُ الْوَقْتِ فِي مَحَلِّ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ». وقال الراغب:» الأَجَل: المدّة المضروبة للشيء، قال -تعالى-: {لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى} (سورة غافر: 67}، وقال -تعالى-: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} (سورة القصص: 28). ويقال: دينه مُؤَجَّل، وقد أَجَّلْتُهُ: جعلت له أجلًا. ويقال للمدّة المضروبة لحياة الإنسان (أجل) فيقال: دنا أجله، عبارة عن دنوّ الموت.

وبلوغ الأجل في قوله -تعالى-: {وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} (سورة البقرة: 231) هو المدة المضروبة بين الطلاق وبين انقضاء العدة، وقوله -تعالى-:{فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} سورة البقرة: 232)، إشارة إلى حين انقضاء العدّة».

تعريف الأجل في الاصطلاح:

عرف الفقهاء الأْجَل بأنه الْمُدَّة الْمُسْتَقْبَلَة الَّتِي يُضَافُ إِلَيْهَا أَمْرٌ مِنَ الأْمُورِ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الإْضَافَةُ أَجَلاً لِلْوَفَاءِ بِالْتِزَامٍ، أَم أَجَلاً لإِنْهَاءِ الْتِزَامٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ مُقَرَّرَةً بِالشَّرْعِ، أَوْ بِالْقَضَاءِ، أَم بِإِرَادَةِ الْمُلْتَزِمِ فَرْدًا أَوْ أَكْثَرَ.

أنواع الأجل

قسم الفقهاء الأجل باعتبار مصدره إلى ثلاثة أنواع:

- أَوَّلاً: الأْجَل الشَّرْعِي: وَهُوَ الْمُدَّةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ الَّتِي حَدَّدَهَا الْمُشَرِّعُ الْحَكِيمُ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، كَأجل وجوب الزكاة، وأجل الرضاع، ومدة الْعِدَّة، وأجل الإيلاء، ومدة تعريف اللقطة.

- ثَانِيًا: الأْجَل الْقَضَائِي: وَهُوَ الْمُدَّةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ الَّتِي يُحَدِّدُهَا الْقَضَاءُ أَجَلاً لأِمْرٍ مِنَ الأْمُورِ كَإِحْضَارِ الْخَصْمِ، أَوِ الْبَيِّنَةِ. أو المكفول به.

- ثَالِثًا: الأْجَل الاِتِّفَاقِي: وَهُوَ الْمُدَّةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ الَّتِي يُحَدِّدُهَا الْمُلْتَزِمُ مَوْعِدًا لِلْوَفَاءِ بِالْتِزَامِهِ كقول البائع بعتك على أن تسلمني الثمن في أول الشهر المقبل، أَوْ لإِنْهَاءِ تَنْفِيذِ هَذَا الاِلْتِزَامِ مثل أن ينص في عقد الشركة على أنها تنتهي بعد عشر سنوات، أو تحدد مدة الإجارة بشهر مثلا.

وينقسم الأجل مِنْ حَيْثُ ضَبْطه وَتَحْدِيده إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَجْهُولٍ. والعلم بالأْجَلِ لَهَ أَثَرٌ في صِحَّةِ بعض الْعَقْودِ، لِمَا تُورِثُهُ الْجَهَالَةُ مِنَ الْغَرَرِ، ولذلك تفصيل يطول ذكره.

حكم ضرب الأجل

فمما يستفاد من هذه الآية مشروعية تحديد الأجل في بعض التصرفات بحسب ما يتفق عليه العاقدان كما في الأثمان المؤجلة ومدة الإجارة ومدة القرض والإعارة ونحو ذلك، قال القرطبي: «دلت هذه الآية على أن ضرب الأجل للمواعدة سنة ماضية، ومعنى قديم أسسه الله -تعالى- في القضايا، وحكم به للأمم، وعرفهم به مقادير التأني في الأعمال.

وأول أجل ضربه الله -تعالى- الأيام الستة التي خلق فيها جميع المخلوقات {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب}».

وقد دل على مشروعية تحديد الأجل لبعض التصرفات أدلة شرعية منها قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}، فهذه الآية تدل على جواز الاستدانة إلى أجل، ويشترط أن يكون الأجل معلوما.

قال القرطبي: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ خَاصَّةً. مَعْنَاهُ أَنَّ سَلَمَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ سَبَبَ الْآيَةِ، ثم هي تتناول جميع المدائنات إجماعا».

وعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَامًا مِن يَهُودِيٍّ إلى أجَلٍ، ورَهَنَهُ دِرْعًا مِن حَدِيدٍ. متفق عليه.

قال ابن حجر: «وَجَوَازُ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ»، مما يدل على جواز تأجيل الديون إلى أجل معلوم».

وأنواع الأجال المحددة شرعا في العبادات وغيرها كما تقدم تدل على مشروعية ضرب الأجل في الجملة.

أثر الأجل في إسقاط المطالبة في الحال

شرع تأجيل الديون والمطالبة ببعض الحقوق للرفق بالمكلفين؛ حيث إن حلول الديون وعدم تأجيلها لا يحقق المطلوب، وقد يشق على المدين، فشرع الأجل رفقا به، فالأجل حق للمدين، فلا يطالب بما في ذمته قبل حلول الأجل.

فمن باع سلعة إلى شهر بثمن مؤجل فليس للبائع مطالبة المشتري بالثمن قبل مضي الشهر وحلول الأجل؛ لأن التأجيل بمنزلة الإسقاط؛ فحق البائع أن يحبس السلعة حتى يستلم الثمن، فلما رضي بالتأجيل مدة معينة أسقط حقه بالمطالبة في الحال، فلا حق له في المطالبة إلا عند حلول الأجل، ومثله تأجيل الزوجة استلام مهرها من زوجها مدة معينة، فلا حق لها في المطالبة بدفع المهر قبل هذه المدة، وليس لها أن تمنع زوجها من قربانها لأنها أسقطت ذلك الحق بالرضا بتأجيل المهر.

وعند حلول الأجل وتعذر الأداء فيشرع إمهال المدين إذا طلب زيادة في الأجل لحديث عبادة بن الصامت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن أنظر معسِرًا، أو وضع عنه، أظلَّه الله في ظلِّه». أخرجه مسلم

عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»، قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ»، قُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ، قَالَ: «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَاه صَدَقَةٌ». أخرجه أحمد وصححه الألباني.
قال ابن العربي: فإذا ضرب الأجل لمعنى يحاول فيه تحصيل المؤجل فجاء الأجل ولم يتيسر زيد فيه تبصرة ومعذرة. وقد بين الله -تعالى- ذلك لموسى -عليه السلام- فضرب له أجلا ثلاثين ثم زاده عشرا تتمة أربعين».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 01-04-2021, 01:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (30)
- من قصة موسى وأخيه هارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام



د.وليد خالد الربيع







لا نزال مع قوله -تعالى-: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (سورة الأعراف:142)

فمن المسائل المستفادة من هذه الآية الكريمة (مشروعية الاستنابة) في قضاء المصالح الدينية والدنيوية، قال القرطبي: «المعنى: وقال موسى حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها لأخيه هارون: كن خليفتي؛ فدل على النيابة».

أولاً: تعريف النيابة:

أصل النيابة في اللغة: الرجوع والاعتياد، ومنه: ناب إلى الله وأناب إليه: الرجوع إليه بالتوبة ولزوم طاعته وفي التنزيل: {فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب}، وقوله -سبحانه-: {وأنيبوا إلى ربكم}، وفي الحديث: «وإليك أنبت».

ومن معاني النيابة: إقامة الشخص مقام غيره قال ابن منظور: «ناب عني فلان ينوب نوبا ومنابا أي قام مقامي».

أما تعريف النيابة في الاصطلاح: فقد عرفها الفقهاء بأنها: قيام شخص عن غيره بفعل أمر تجوز فيه النيابة.

وتتنوع النيابة عن الآخَر بحسب مصدرها إلى نوعين؛ نيابة إرادية، ونيابة غير إرادية.

القسم الأول: النيابة الإرادية:

هي النيابة التي تستند إلى إقامة شخص بإرادته غيره مقامه في تصرف ما، مثل: عقد الوكالة ونحوها من العقود التي تتضمن معنى الوكالة.

القسم الثاني: النيابة غير الإرادية:

وهي النيابة التي لا دخل فيها لإرادة الإنسان، بل تفرض عليه لمصلحة الأصيل أحيانا، ولمصلحة غيره أحيانا أخرى، وقد تكون النيابة دون تدخل أحد كما في الولاية، وقد تكون عن طريق القضاء، وهذا القسم أنواع، منها:

1- نيابة الولي:

الولي يشمل الأب والجد ونحوهما من الأولياء بحسب الترتيب الشرعي، وولاية كل منهما أصلية، أي لم تستمد من شخص آخر بل من الشارع مباشرة، وهي ذاتية لا يصح أن يعفي نفسه منه إلا لأسباب معينة يرجع تقديرها إلى القاضي.

2- نيابة الوصي المختار:

خَوَّلَ الشرع الولي أن يختار وصيا من بعده يقوم برعاية الصغير؛ لأنه أدرى بمصلحته وأشفق عليه من غيره، وتعد تصرفات الوصي المختار نافذة أيضا في حق الموصى عليه إذا كانت وفق قواعد الوصاية، وتعد النيابة هنا شرعية؛ لأن الشارع هو الذي نظمها وأعطى الوصي تلك الصلاحية.

3- النيابة القضائية:

وتثبت للقاضي أو من ينيبه؛ إذ من حق القاضي أن ينوب عن الصغير ونحوه إذا لم يكن له ولي ولا وصي مختار، فهو ولي من لا ولي له لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «السلطان ولي من لا ولي له «أخرجه ابن ماجه.

4- نيابة الفضولي:

الفضولي هو من يتصرف في حق غيره بغير إذن شرعي، وتصرفه عند الجمهور موقوف على إجازة من له الحق، فإن أجازه عدّ تصرفه تصرف الوكيل، ومن ثم يأخذ أحكام الوكالة وهي (نيابة إرادية)، ولكن قد تكون أعمال الفضولي ملزمة للأصيل فتدخل في النيابة غير الإرادية لأنها تفرض عليه، كما لو أدى عن غيره واجبا بغير إذنه ولم يكن متبرعا، كما لو أنفق على زوجة الأصيل عند امتناعه أو غيبته أو أنفق على اللقطة أو أدى دينا عنه فإنه يرجع على الأصيل.

وكذلك تصرف الرفقة في السفر إذا مات أحدهم فباعوا متاعه ليجهزوه بثمنه، ويردوا الباقي للورثة فإن التصرف يلزم الورثة ولا يستطيعون رده.

وفي هذه الآية الكريمة وكل موسى -عليه السلام- هارون -عليه السلام- في القيام على بني إسرائيل، مما يدل على مشروعية الوكالة، قال ابن عطية: «قوله: {واخْلُفْنِي} معناه: كن خليفتي، وهذا استخلاف في حياة كالوكالة التي تنقضي بعزل الموكل أو موته».

فالوكالة من أنواع النيابة الإرادية كما تقدم، وهي كما عرفها الفقهاء: بأنها تفويض شخص ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته.

والوكالة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب فقول الله -تعالى-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (سورة التوبة:60)

قال ابن قدامة: «فجوز العمل عليها، وذلك بحكم النيابة عن المستحقين».

وأيضا قوله -تعالى-: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ} (سورة الكهف:19) قال القرطبي: «في هذه البعثة بالورق دليل على الوكالة وصحتها».

وأما السنة المطهرة: فعن عروة بن أبي الجعد البارقي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه دينارا ليشتري به له شاة، فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. أخرجه البخاري.

وعن جابر قال: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقلت له: إني أردت الخروج إلى خيبر. فقال: «ائت وكيلي، فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإن ابتغى منك آية، فضع يدك على ترقوته». أخرجه أبو داود.

وفي السنة المطهرة أمثلة كثيرة على توكيل النبي - صلى الله عليه وسلم - لكثير من الصحابة في أمور كثيرة، مثل توكيل علي بن أبي طالب في ذبح الهدي، وكذلك توكيل ابن أم مكتوم في الإمامة، وأيضاً وكَّل أبا هريرة على صدقة رمضان، وجاء في الصحيحين أنه قال: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها»، فوكَّل أنيساً في تسجيل الاعتراف وفي إقامة الحد.

وكذلك وكَّل - صلى الله عليه وسلم - أبا رافع في نكاح ميمونة، وكذلك ورد أنه وكَّل عمرو بن أمية الضمري -رضي الله عنهم- جميعاً في نكاح أم حبيبة.


وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ فإنه لا يمكن كل واحد فعل ما يحتاج إليه، فدعت الحاجة إليها، فأجاز له الشرع أن يستنيب غيره في ذلك، فإذا وكل شخص غيره وكالة صحيحة ترتب على ذلك ثبوت ولاية التصرف للوكيل فيما وكل فيه، فيحتاج إلى بيان ما يملكه الوكيل من التصرف بموجب التوكيل بعد صحته وما لا يملكه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 184.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 178.60 كيلو بايت... تم توفير 6.11 كيلو بايت...بمعدل (3.31%)]