حكم استئذان الزوج في الخروج من البيت - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216192 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7838 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859765 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394092 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-08-2022, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي حكم استئذان الزوج في الخروج من البيت

حكم استئذان الزوج في الخروج من البيت
د. علي حسن الروبي

حكم استئذان الزوج في الخروج من البيت


توطئة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فقد تناولنا في المقالة السابقة حكم خروج المرأة من البيت، وأنه لا خلاف في استحباب قرار المرأة في البيت ما لم تكن هناك ضرورة أو حاجة لخروجها، وإنما اختلف الفقهاء في كون ذلك القرار واجبًا أو مستحبًّا فقط.

وإذا كان قرار المرأة في البيت بهذه المنزلة؛ فقرار الزوجة في بيت زوجها أشد تأكدًا في حقها؛ وذلك لتعلق حق الزوج بهذا القرار، واستئذان المرأة لزوجها في الخروج متعلق بحقه عليها.

ونظرًا لذلك سنجعل الكلام عن حكم استئذان في ثلاثة فروع؛ وهي:
1- حق الزوج في منع الزوجة من الخروج.
2- هل تأثم الزوجة إن خرجت بغير إذن زوجها؟
3- حدود إذن الزوج.

الفرع الأول: حق الزوج في المنع
الذي تدل عليه النصوص الشرعية أن للزوج حقًّا في منع زوجته من الخروج من بيته، إلا في حالات الضرورة والحاجة، وذلك في مثل أن يكون خروجها لِما هو مباح أو مستحب.

وقد تكلم الفقهاء عن هذا الحق ونصوا عليه، ومن أقوالهم في ذلك:
قال ابن قدامة: "وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد"[1].
وقال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع"[2].
وقال الشيرازي: "وللزوج منع الزوجة من الخروج إلى المساجد وغيرها"[3].
وقال ابن العربي: "... لكن النكاح يقف الخروج فيه على إذن الزوج"[4].
وعلل البيهقي ذلك بقوله: "حق الزوج في ملازمة المسكن واجب فلا تتركه للفضيلة"[5].

وقال ابن رجب الحنبلي: "ولا نعلم خلافًا بين العلماء: أن المرأة لا تخرج إلى المسجد إلا بإذن زوجها، وهو قول ابن المبارك والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم"[6].

وقد استدل الفقهاء على حق الزوج في منع زوجته من الخروج بالكتاب والسنة والمعقول

أما الكتاب:
1- قوله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق: 6]، فمن أحكام النكاح كما يشير الكاساني (الاحتباس)؛ وهو أن تصير الزوجة ممنوعةً من الخروج والبروز، ودليله على ذلك أن الأمر بالإسكان يقتضي النهي عن الخروج والبروز والإخراج، وتوضيحه أن الأمر بالفعل نهي عن ضده[7].

2- قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34].
فقد دلت الآية على تفضيل الرجل على المرأة في المنزلة، وأنه هو الذي يقوم بتدبيرها وتأديبها، وكل هذا يدل على أن له عليها حق الطاعة في غير معصية، وأن له إمساكها في بيته ومنعها من الخروج، كما أن آخر الآية يدل على وجوب النفقة على الرجل[8].

وأما السنة:
1- عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد، فلا يمنعها))[9].

والشاهد منه أن توجيه النبي صلى الله عليه وسلم الخِطاب إلى الرجل بأن يأذن لامرأته في الخروج إلى الصلاة - يدل على أنه يملك المنع، وإلا لَما كان لحثه على الإذن معنى، ولَخَرَجَتْ سواء أذِن لها أو لم يأذن[10].

كما يدل أيضًا على أن منع الرجال للنساء من الخروج كان مشهورًا ومعتادًا عندهم، والشارع أقرهم عليه، وإنما أرشدهم إلى الإذن لهن في الخروج إلى المساجد[11].

والحديث وإن كان واردًا في الخروج إلى المساجد، إلا أن الفقهاء قاسوا عليه الخروج لعيادة المرضى، وشهود الجنازة، وزيارة الأرحام من الآباء والأمهات، وذوي المحارم من القرابات، أو غير ذلك من الفضائل[12].

ولهذا ترجم البخاري في صحيحه للحديث بقوله: "استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره".

قال الكرماني: "فإن قلت: الحديث لا يدل على الإذن في الخروج إلى غير المسجد، قلت: لعل البخاري قاسه على المسجد"[13].

واحتج القسطلاني بالرواية المطلقة: ((إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها)) على عدم تقييد الإذن بالمسجد، فقال: "وليس في الحديث التقييد بالمسجد، إنما هو مطلق يشمل مواضع العبادة وغيرها"[14].

وأما المعقول:
فالاستدلال من جانبين:
1- أن قوامة الرجل على المرأة تقتضي أن يقوم بتدبير أمر زوجته وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من الخروج إلا بإذنه، وخروجها من غير إذنه نشوزٌ منها، وخروج عن طاعته التي أوجبها الله عليها، وخروجها بلا إذن منه - لغير ضرورة - لا يخلو من أن يكون مباحًا أو مستحبًّا، ولا يجوز تقديم المستحب أو المباح على الواجب، وهو طاعة الزوج[15]؛ قال البيهقي: "حق الزوج في ملازمة المسكن واجب فلا تتركه للفضيلة"[16].

2- أن في تمكينها من الخروج بلا إذن الزوج إخلالًا بالسكن بين الزوجين، وفتحًا لباب الرِّيبة والإرجاف في النسب، مما قد يحمل الزوج على نفي النسب[17].

تتمة: استئذان المرأة وليَّها:
إذا كانت المرأة ذات زوج، فقد سبق بيان أنه لا بد لها من إذن زوجها، وأما إن لم تكن متزوجة، فقد ذكر العلماء أيضًا أنه لا بد لها من إذن وليها في الخروج، واستدل الفقهاء لذلك ببعض الروايات في حديث ابن عمر المذكور آنفًا؛ وهي: ((إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأْذَنوا لهن))[18].

قال ابن بطال: "ففيه دليل أن المرأة لا تخرج إلى المسجد إلا بإذن زوجها، أو غيره من أوليائها"[19].
وذكر الرملي وابن الملقن مثل ذلك في شرحهما لهذا الحديث[20].

ومما يدل على ذلك أيضًا أن الشارع جعل للأب ولاية على ابنته من جهة وجوب النفقة لها عليه، ومن جهة الولاية عليها في النكاح، وجعل للأب والأم حقًّا على ابنتهما من جهة البر والصلة، فإن خروجها من البيت عن غير إذنهما نوع عقوق لهما، فإذا كان كذلك، فإن تلك الولاية وموجب البر والصلة يقضيان أن يكون خروج الفتاة عند خروجها عن إذن والديها أو مَن له ولاية عليها.

الفرع الثاني: هل تأثم المرأة إن خرجت بدون إذن الزوج؟
تقرير الجواب عن هذه المسألة يقوم على جانبين:
الأول: كون الإذن من حقوق الزوج.
وقد تقدم إثباته وتقديم الأدلة عليه.

الثاني: كون المرأة ملزمة بطاعة الزوج.
وهذا ما سنعرض له الآن، فنقول:
جعلت الشريعة للزوجة حقوقًا على زوجها مثل النفقة والسُّكنى، كما جعلت للزوج حقوقًا على زوجته، ومن ذلك حق الطاعة المأخوذ من قوامته عليها؛ والتي جاءت في قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]، ووجه الدلالة من الآية أن القوَّام: هو المبالغ في القيام، يقال: هذا قيِّم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويحفظها[21].

فمعنى كون الرجال قوامون: "قيامهم عليهن بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة؛ لِما فضل الله به الرجل على المرأة في العقل والرأي، وبما ألزمه الله تعالى من الإنفاق عليها"[22].

فقد دلت الآية على أن الزوج يقوم بتدبير أمر زوجته وتأديبها، وإمساكها في بيتها، ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية؛ لأن ذلك كله من مقتضيات القوامة[23].

واستدل العلماء لوجوب طاعة الزوج أيضًا بقوله تعالى: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ ﴾ [النساء: 34]، قال أهل التفسير: "مطيعات لأزواجهن، قائمات بحقوقهن؛ فإن أصل القنوت دوام الطاعة، وهو عام في طاعة الله، وطاعة الزوج"[24].

قال الواحدي: "وظاهر هذا إخبار، وتأويله الأمر لها بأن تكون طائعة، ولا تكون المرأة صالحة إلا إذا كانت مطيعةً لزوجها؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ ﴾ [النساء: 34]؛ أي: الصالحات من اللواتي يطعن أزواجهن"[25].

ومن السنة:
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبدٌ آبِق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع))[26].

ففي الحديث دليل على المرأة التي تعصي زوجها تكون صلاتها غير مقبولة، ولا تُثاب عليها وإن أجزأتها[27].

2- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت))[28].

والحديث دليل على عظم منزلة طاعة الزوجة لزوجها، ولهذا ينبغي للمرأة المؤمنة التي ترجو لقاء الله أن تجتهد في طاعة زوجها كل الاجتهاد، وتلتمس مرضاته في غير معصية؛ فهو باب لدخولها الجنة[29].

الأدلة الخاصة بالإذن:
وإذا تقرر أن إذن الزوج لا بد منه في خروج المرأة من منزله، وأنه من حقوقه عليها، وأن طاعة المرأة لزوجها واجبة في غير المعصية - فلا جرم أن يدل على أن خروج الزوجة من غير إذن زوجها معصية، وأنها تكون آثمة بذلك، وقد ورد التصريح بإثم المرأة إن خرجت دون إذن زوجها، بل وجعل ذلك من الكبائر:
1- فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على الزوجة؟ قال: لا تخرج من بيته إلا بإذنه، فإن فعلت، لعنتها ملائكة الله، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب حتى تفيء أو ترجع))[30].

بيد أن الحديث الوارد في ذلك ضعيف لا تقوم به الحجة.

2- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره، ولا تخرج وهو كاره))[31].

وقد صرح بعض فقهاء الشافعية والحنابلة بذلك؛ أي: تحريم خروج المرأة من غير إذن زوجها؛ قال الرملي الشافعي عن خروج النساء للمساجد: "ويحرم عليهن بغير إذن ولي أو حليل أو سيد"[32].

وفي أسنى المطالب عن حضور الجماعة: "إذا كان لها زوج ولم يأذن لها فيحرم حضورها مطلقًا"[33].

وأما ابن حجر الهيتمي الشافعي، فعدَّ من الكبائر نشوز المرأة بنحو خروجها من منزلها بغير إذن زوجها ورضاه[34].

وقال الحجاوي الحنبلي: "ويحرم عليها الخروج بلا إذنه، فإن فعلت فلا نفقة لها إذن"[35].

وقال ابن مفلح الحنبلي: "ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة، أو واجب شرعي"[36].

وقال ابن تيمية الحنبلي: "لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه ... وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه، كانت ناشزة عاصية لله ورسوله، مستحقة العقوبة"[37].

وجعل الحنفية من بين الحالات التي يجوز للزوج تأديب زوجته فيها بالضرب الخروج من بيته بغير إذنه[38].

الفرع الثالث: حدود إذن الزوج:
تقدم في المطلب الثاني أن الأصل أن الزوجة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذن زوجها، وقد استثنى الفقهاء من ذلك حالات الضرورة والحاجة؛ حيث للزوجة أن تخرج بإذن الزوج وبغير إذنه.

وأرادوا بالضرورة ما يترتب عليه ضرر على المرأة لعدم خروجها، ومن أمثلة ذلك: خوفها من انهدام المنزل وهي فيه، أو نشوب حريق في المنزل.

وأما الحاجة، فمهنا ما يكون شرعيًّا، ومنها ما يكون غير شرعي، فمن الحاجات الشرعية خروجها للحج الواجب مع وجود مَحْرَمٍ، ومن الحاجات غير الشرعية خروجها للإتيان بمأكل ونحوه إذا لم يكن عندها من يأتيها به، أو لاكتساب النفقة إذا أعسر الزوج، أو كان لها حق على آخر تريد أخذه، أو لرفع شكوى للقاضي، أو نزلت بها نازلة ولم تجد من يستفتي لها، وغير ذلك من حوائجها التي لا بد لها منها، ولم يقم الزوج بتلك الحوائج[39].

وقد اختلف الفقهاء في مسألة زيارة الزوجة لوالديها، هل هي من الحاجات الشرعية، فتخرج لزيارتهما وإن لم يأذن لها الزوج، أم لا بد من إذنه لها؟
ونظرًا لأهمية هذه المسألة فسنعرض لبيانها.

هل للزوج منع زوجته من زيارة والديها؟
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: للزوج أن يمنعها من ذلك ويلزمها طاعته، فلا تخرج لزيارتهما إلا بإذنه، لكن لا يمنعها من كلامهما أو زيارتهما إلا أن يخشى من زيارتهما ضررًا.
وهو قول الشافعية والحنابلة.

قال الشافعية: "للزوج أن يمنع زوجته من عيادة أبيها وأمها إذا مرضا، ومن حضور موتهما وتشييعهما إذا ماتا"[40].

وقال الحنابلة:
"وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها، أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمدُ في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها"[41].

أدلة الشافعية والحنابلة:
حديث أم المؤمنين عائشة في قصة الإفك، وقولها للنبي صلى الله عليه وسلم: ((أتأذن لي أن آتي أبوي؟))[42].

قال الحافظ العراقي: "فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها، بخلاف ذهابها لحاجة الإنسان، فلا تحتاج فيه إلى إذنه كما وقع في هذا الحديث"[43].

عن أنس رضي الله عنه: ((أن رجلًا غزا وامرأته في علو وأبوها في السفل وأمرها ألَّا تخرج من بيتها فاشتكى أبوها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته واستأذنته، فأرسل إليها أن: اتقي الله وأطيعي زوجكِ، ثم أن أباها مات، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه وأخبرته فأرسل إليها أن: اتقي الله وأطيعي زوجكِ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى على أبيها، فقال لها: إن الله قد غفر لأبيكِ بطواعيتكِ لزوجكِ))[44].

ودلالة الحديث ظاهرة في وجوب تقديم طاعة الزوج على بر الوالدين.
قال ابن تيمية: "المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب"[45].

كما علل الشافعية والحنابلة مذهبهم بدليل آخر؛ وهو أن طاعة الزوج واجبة، وزيارة الوالدين غير واجبة، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب[46].

لكنهم – أي الشافعية والحنابلة - يقولون مع ذلك أنه ينبغي للزوج ألا يمنع زوجته من زيارة والديها وأن يزوراها؛ لما في المنع من قطيعة للرحم بين الزوجة ووالديها، وإزكاء للعداوة والشحناء بين الزوج والزوجة[47].

القول الثاني: ليس للزوج منع زوجته من الذهاب لزيارة والديها.
وهو قول الحنفية والمالكية.

أما الحنفية، فيرون أن للمرأة أن تذهب لزيارة والديها مرة كل جمعة، وكذلك لزيارة محارمها مرة كل سنة، سواء أذن الزوج لها أم لم يأذن[48].

والمرجح عندهم أن محل ذلك إذا كان الأبوان لا يقدران على إتيانها في منزلها، فإن كانا يقدران على إتيانها لا تذهب كل جمعة، بل يأذن لها زوجها في زيارتهما في المرة بعد الأخرى بحسب العرف؛ فإن كثرة الخروج غير محمودة[49].

ويؤكد الحنفية في تعظيم حق الوالدين وتقديمه على طاعة الزوج في حال ما إذا مرض أحد الوالدين، فيقولون: "ولو كان أبوها زمِنًا مثلًا، وهو يحتاج إلى خدمتها، والزوج يمنعها من تعاهده، فعليها أن تعصيه مسلمًا كان الأب أو كافرًا"[50].

وأما المالكية، فيرون أنه ليس للرجل أن يمنع زوجته من الخروج لزيارة والديها، وأن القاضي يلزمه بالإذن لها بالخروج مرة كل أسبوع[51].

وعندهم في ذلك تفصيل وتفريق بين المرأة الشابة وغير الشابة، والمرأة المأمونة وغير المأمونة:
قال خليل المالكي: "إن كانت متجالة، فلا خلاف أنه يُقضَى لها بالخروج على زيارتهما، وإن كانت شابة وهي غير مأمونة، فلا خلاف أنها لا يُقضَى لها بذلك ولا إلى الحج ... وإن كانت مأمونة، فقولان: أحدهما: أنه يُقضى عليه بذلك، والآخر أنه لا يُقضى حتى يمنعها من الخروج إليهم ويمنعهم من الدخول إليها، فحينئذٍ يُقضى عليه بأحدهما"[52].

أدلة الحنفية والمالكية:
1- أن الله تعالى قد أوجب على الزوجة بر والديها؛ قال تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]، فقد أمر الله تعالى في غير موضع من كتابه، وأوصى بالإحسان إلى الوالدين بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي؛ لأنهما سبب وجود العبد، ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر، بل وأمر بإحسان الصحبة إليهما حتى وإن كانا كافرين[53].

ولا ريب أن امتناع الزوجة عن زيارة والديها يناقض ذلك البر المطلوب، وليس هو من إحسان الصحبة إليهما مع عظيم حقهما عليها، وتأكُّد برهما عليها، وكم يقع على الوالدين من أذًى وضيق إذا امتنع أولادهم عن زيارتهما.

2- أن منع الزوج لزوجته من زيارة والديها فيه إيذاء نفسي لها، وهو يخالف ما أمر الله تعالى به من معاشرتها بالمعروف[54].

3- الغالب أن زيارة الزوجة والديها لا تتعارض مع قيامها بحقوق زوجها، فإنها ترجع إلى بيتها ولا تقيم عند والديها[55].

القول المختار:
الراجح أنه ليس للزوج منع زوجته من زيارة والديها إلا إذا كان يترتب على زيارتها لهما مفسدة شرعية أو دنيوية، وذلك لما للمنع من قطيعة الأرحام والإضرار بالمرأة ووالديها.

[1] المغني لابن قدامة (7/ 295).

[2] الإجماع لابن المنذر (ص: 51).

[3] المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (2/ 480)، المجموع شرح المهذب (16/ 411).

[4] أحكام القرآن لابن العربي (7/ 384).

[5] المجموع شرح المهذب (4/ 199).

[6] فتح الباري لابن رجب (8/ 53).

[7] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 331).

[8] أحكام القرآن للجصاص (3/ 149)، روح المعاني (3/ 24)، تفسير القاسمي = محاسن التأويل (3/ 98).

[9] أخرجه البخاري، باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره (7/ 49) ح 5238، وأحمد في المسند (9/ 177) ح 5211، ومسلم، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة (2/ 33) ح 1019، والنسائي، النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد (2/ 42) ح 706، وفي السنن الكبرى، النهي عن منع النساء عن إتيان المساجد (1/ 391) ح 787، وأبو يعلى في مسنده (9/ 333) ح 5443.

[10] إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 353)، فتح الباري لابن رجب (5/ 317)، فتح الباري لابن حجر (2/ 348)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/ 358).

[11] انظر: إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 198)، وفتح الباري لابن حجر (2/ 348).

[12] الاستذكار (2/ 466)، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (5/ 211)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (6/ 160).

[13] الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (19/ 170).

[14]إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (2/ 154).

[15] انظر: أحكام القرآن، الكيا هراسي (2/ 449)، الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 82)، المجموع شرح المهذب (4/ 199).

[16] المجموع شرح المهذب (4/ 199).

[17] انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 331).

[18] تقدم تخريجه.

[19] شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 471).

[20] طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 316)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/ 358).

[21] التفسير الوسيط للواحدي (2/ 45).

[22] أحكام القرآن للجصاص، ط العلمية (2/ 236).

[23] تفسير القرطبي (5/ 169)، أحكام القرآن، الكيا هراسي (2/ 449).

[24] تفسير الطبري = جامع البيان، ط هجر، (6/ 692)، التفسير البسيط (6/ 487)، تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (10/ 71)، تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (1/ 190).

[25] التفسير البسيط (6/ 487).

[26] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 191) ح 7330، والطبراني في المعجم الأوسط (4/ 67) ح 3628، وفي المعجم الصغير (1/ 289) ح 478، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 362) ح 66، والحديث سكت عنه الذهبي في التلخيص، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 186) ح 1888.

[27] انظر: التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (1/ 358)..

[28] أخرجه أحمد في مسنده (3/ 199) ح 1661، وابن حبان، ذكر إيجاب الجنة للمرأة إذا أطاعت زوجها مع إقامة الفرائض لله جل وعلا (9/ 471) ح4163،والطبراني في المعجم الأوسط (5/ 34) ح 4598، والبزار في المسند (14/ 46) ح 7480، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 353)ح 7632 .
قال الهيثمي: وفيه رواد بن الجراح وثقه أحمد وجماعة وضعفه جماعة، وقال ابن معين: وهم في هذا الحديث. وبقية رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2/ 971) ح 3254 .

[29] الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي (2/ 77)

[30] رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (رقم/17409)، وعبد بن حميد في "المسند" (رقم/813)، وأبو داود الطيالسي في "المسند" (3/456)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/292) جميعهم من طريق ليث بن أبي سليم عن عطاء عن ابن عمر.
وهذا الحديث ضعيف فيه علتان؛ الأولى: أن فيه ليث بن أبي سليم، وقد اتفق النُقَّاد على تضعيفه؛ [انظر: تهذيب التهذيب 8/468]، والثانية: اختلاف ألفاظه، مما يدل على وقوع الاضطراب فيه؛ ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "المطالب العالية" (5/189): "وهذا الاختلاف من ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف"؛ [انتهى،
والحديث ضعَّفه الشيخ الألباني رحمه الله، في "السلسلة الضعيفة" (رقم/3515)].

[31] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 206) برقم 2770، والطبراني في المعجم الكبير (20/ 107) رقم 210، والبيهقي في السنن الكبرى، باب ما جاء في حقه عليها (7/ 293) رقم: 15112، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، محقق (4/ 362) رقم: 7665.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: بل منكر وإسناده منقطع، وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات، وقال الألباني: منكر ضعيف؛ [الترغيب والترهيب (2/ 6) رقم: 1216].

[32] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 140).

[33] أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 270).

[34] الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 72).

[35] الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (3/ 243).

[36] الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 374).

[37] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 153).

[38] مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 612).

[39] شرح فتح القدير (4/ 398)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 58)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 212)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (5/ 271)، الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 374)، المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (1/ 234)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 72).

[40] البيان في مذهب الإمام الشافعي (9/ 500).
وجاء في أسنى المطالب في شرح روض الطالب (3/ 239)، وفي مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/ 427): "وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه".

[41] المغني لابن قدامة (7/ 295).

[42] أخرجه البخاري، باب حديث الإفك (5/ 148) ح 4141، ومسلم، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (8/ 112) ح 7196، والنسائي في السنن الكبرى؛ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 11] (10/ 198) ح 11296، وأحمد في مسنده (42/ 404) ح 25623، وابن حبان، ذكر ما يجب على المرء من الإقراع بين النسوة إذا كن عنده وأراد سفرًا (10/ 13) ح 4212، وإسحاق بن راهويه (2/ 516) ح 1104.

[43] طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 58).

[44] أخرجه ابن أبي أسامة في مسنده، باب في حق الزوج على المرأة (1/ 551) رقم 499، وأبو القاسم الأصبهاني (قوَّام السنة) في الترغيب والترهيب (2/ 248) رقم: 1520، والمقدسي في ذخيرة الحفاظ (2/ 649) رقم: 1133، وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (8/ 481).
والحديث فيه "يوسف بن عطية الصفار"، وقد نقل ابن عدي عن ابن معين قوله فيه: "ليس بشيء"، وعن البخاري: "منكر الحديث"، والحديث ضعَّفه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (7/ 76) رقم 2015).

[45] مجموع الفتاوى (32/ 261).

[46] البيان في مذهب الإمام الشافعي (9/ 501)، المغني لابن قدامة (7/ 295).

[47] البيان في مذهب الإمام الشافعي (9/ 501)، المغني لابن قدامة (7/ 295).

[48] شرح فتح القدير (4/ 398)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 212).

[49] النهر الفائق شرح كنز الدقائق (2/ 515)، الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص: 262).

[50] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 58)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 212).

[51] البيان والتحصيل (9/ 332)، التاج والإكليل لمختصر خليل (5/ 548).

[52] التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (5/ 135).

[53] انظر: أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (5/ 19)، تفسير السعدي (ص: 456).

[54] انظر المفصل في أحكام المرأة (4/296).

[55] انظر المرجع السابق.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.83 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]