حكم خروج المرأة من بيتها لغير ضرورة أو حاجة (للتنزه والتفسح) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-08-2022, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي حكم خروج المرأة من بيتها لغير ضرورة أو حاجة (للتنزه والتفسح)

حكم خروج المرأة من بيتها لغير ضرورة أو حاجة (للتنزه والتفسح)
د. علي حسن الروبي

مسائل فقهية متعلقة بالمرأة (1)

حكم خروج المرأة من بيتها لغير ضرورة أو حاجة (للتنزه والتفسح)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فالناظر في نصوص الشريعة يجد أنها تحضُّ المرأة على البقاء في البيت ما لم تكن هناك مدعاة للخروج من البيت؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]؛ قال ابن العربي في تفسيره: "يعني: اسكنَّ فيها ولا تتحركن، ولا تبرحن منها"[1].


وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي أخبرته أنها تحب الصلاة معه: ((قد علمت، وصلاتكِ في بيتكِ خير لكِ من صلاتكِ في حجرتكِ، وصلاتكِ في حجرتكِ خير لكِ من صلاتكِ في داركِ، وصلاتكِ في داركِ خير لكِ من صلاتكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومكِ خير لكِ من صلاتكِ في مسجد الجماعة))[2].


قال القرطبي: "والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة"[3].


على أنه ينبغي التنبيه والتنويه إلى أن المقصود من أمر النساء بالقرار في البيوت ليس "ملازمة البيوت فلا يبرحْنَها إطلاقًا، إنما هي إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقر، وما عداه استثناء طارئ لا يثقلن فيه ولا يستقررن، إنما هي الحاجة تُقضَى، وبقدرها".


والحاصل أن قرار المرأة في البيت هو الأصل، والفقهاء لم يختلفوا في مشروعية ذلك، كما يراه الناظر في كلامهم، وإنما اختلفوا في الأمر ببقاء المرأة في بيتها هل هو للوجوب أو للاستحباب، وهو ما ستُبنى عليه مسألتنا هذه (خروج المرأة للتنزُّه والتفسُّح)، غير أن ما أردنا الإشارة إليه هنا أن الفقهاء لم تختلف كلمتهم أنه يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للضرورة أو الحاجة، أما من يقول باستحباب القرار، فالأمر بالنسبة إليه واضح، وأما يقول بوجوب القرار في البيت، فإنه مع قوله بالوجوب يستثني الخروج لضرورة أو حاجة[4].


وقد أشار ابن تيمية إلى أن أمر النساء بالقرار في البيوت؛ المأخوذ من قوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33] لا منافاة بينه وبين "الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفر، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سافر بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها، وغيرها"[5].


ومن الأدلة الصريحة على استثناء ما هو ضرورة أو حاجة من الأمر بالقرار في البيوت، ما ورد عن عائشة قالت: ((خرجت سودة بنت زمعة ليلًا فرآها عمر، فَعَرَفَها، فقال: إنكِ والله يا سَوْدة ما تخْفَينَ علينا، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، وهو في حجرتي يتعشَّى، وإن في يده لعَرْقًا، فأُنزل عليه، فرفع عنه، وهو يقول: قد أُذِنَ لكنَّ أن تخرجن لحوائجكن))[6].


قال ابن بطال: "في هذا الحديث دليل على جواز خروج النساء لكل ما أُبيح لهن الخروج فيه من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم والقرابات"[7].


وقال العيني: "... وإذا كان حق عليهن أن يأذنوا فيما هو مطلق لهن الخروج فيه، فالإذن لهن فيما هو فرض عليهن أو يندب الخروج إليه أولى؛ كخروجهن لأداء شهادة له منهن، ولأداء فرض الحج وشبهه من الفرائض، أو لزيارة آبائهن وأمهاتهن وذوي محارمهن"[8].


وبالجملة، فخروج المرأة من بيتها إلى ما لا بد لها منه ليس موضع خلاف بين الفقهاء، سواء من أوجبوا القرار في البيت أو من استحبوه.


والآن ندلف إلى مسألتنا الرئيسة؛ وهي:
حكم خروج المرأة من بيتها لغير ضرورة أو حاجة (للتنزه والتفسح).
كما تقدمت الإشارة، فإن الكلام في حكم هذه المسألة ينبني على مسألة حكم قرار المرأة في البيت، وهل هو على سبيل الوجوب أم على سبيل الاستحباب، فإذا كان الأمر بالقرار في البيت واجبًا، كان الخروج لغير ضرورة أو حاجة محرمًا، وإذا كان القرار في البيت مستحبًّا فقط، كان الخروج لغير حاجة جائزًا مكروهًا.


فإلى كلام العلماء في مسألة قرار المرأة في البيت، وهل هو واجب عليها أم مستحب لها؟
أولًا: أدلة القائلين بوجوب قرار المرأة في البيت:
استدل القائلون بوجوب ملازمة المرأة للبيت، وعدم الخروج، إلا لضرورة أو لحاجة على ذلك بالكتاب والسنة.
أما الكتاب:
فقوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].


وهو وإن كان خطابًا لأمهات المؤمنين في الأصل، إلا أن بعض الفقهاء عمَّمه على جميع النساء.


يقول القرطبي: "معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخِطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة"[9].


وقال ابن كثير عند كلامه على آيات سورة الأحزاب التي فيها توجيهات لأمهات المؤمنين: "هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تَبَعٌ لهن في ذلك"[10]، إلى أن قال: "وقوله: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]؛ أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة"[11].


وقال الألوسي بعد أن ذكر القراءات في قوله تعالى ﴿ وَقَرْنَ ﴾: "والمراد على جميع القراءات أمرهن رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من سائر النساء"[12].


وقال الجصاص: "وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج"[13]، وأشار ابن العربي أنه على المرأة "لزوم بيتها والانكفاف عن الخروج منه إلا لضرورة"[14].


وقال ابن الحاج المالكي: "خروج المرأة لا يكون إلا لضرورة شرعية"[15].


وقال شمس الدين الزركشي الحنبلي: "المرأة وإن لم يكن متوفى عنها تمنع من خروجها من بيتها لغير حاجة مطلقًا"[16].


وقال الدكتور بكر أبو زيد: "ومن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة - والله أعلم - مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال سبحانه: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الأحزاب: 34]، وقال عز شأنه: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]"[17].


وقد نوقش الاستدلال بقوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33] على وجوب ملازمة المرأة للبيت بأن الأمر هنا إن كان للإيجاب، فهو في حق أمهات المؤمنين، أما غيرهن من النساء، فهو في حقهن للندب.


ذلك أن الأمر بالقرار في البيوت من خصائص أمهات المؤمنين؛ "توقيرًا لهن، وتقوية في حرمتهن، فقرارهن في بيوتهن عبادة، وأن نزول الوحي فيها وتردد النبي صلى الله عليه وسلم في خلالها يكسبها حرمة، وقد كان المسلمون لما ضاق عليهم المسجد النبوي يصلون الجمعة في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الموطأ، وهذا الحكم وجوب على أمهات المؤمنين، وهو كمال لسائر النساء"[18].


على أنه قد قيل: إن الأمر بالقرار في البيوت ليس واجبًا، حتى في حق أمهات المؤمنين، وإنما مندوب إليه؛ فقد نقل ابن بطال عن المهلب في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((لكن أفضل الجهاد حج مبرور))، يفسر قوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، أنه ليس على الفرض لملازمة البيوت[19].


وأما السنة:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجدَ الله...))[20].


ووجه الاستشهاد منه؛ كما يقرره ابن دقيق العيد أن "مَنْعَ الرجال للنساء من الخروج مشهور معتاد، وقد قرروا عليه، وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز، وإخراجه عن المنع المستمر المعلوم، فيبقى ما عداه على المنع"[21].


2- ما رواه عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من ربها إذا هي في قعر بيتها))[22].


قال المناوي في شرح هذا الحديث: "(المرأة عورة)؛ أي: هي موصوفة بهذه الصفة، ومَن هذه صفته فحقه أن يُستَر، والمعنى: أنه يُستقْبَح تبرزها وظهورها للرجل، والعورة سوأة الإنسان وكل ما يستحي منه، كنى بها عن وجوب الاستتار في حقها"[23].


وقال الطيبي: "يعني: ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس بها، فإذا خرجت طمِع وأطْمَعَ؛ لأنها حبائل الشيطان، فإذا خرجت جعلها مصيدة يزينها في قلوب الرجال ويغريهم عليها فيورطهم في الزنا، كالصائد الذي يضع الشبكة ليصطاد ويغري الصيد إليها بما يوقعه فيها"[24].


ويمكن مناقشته بعدم صلاحيته للاحتجاج؛ إذ في إسناده راوٍ متروك، ذكر ذلك الهيثمي وغيره.


وعلى فرض ثبوته فيمكن حمله على حال إذا ما خافت المرأة الفتنة على نفسها، أو خِيف الافتتنان بها، فيحرم عليها الخروج حينئذٍ وإلا فيكون مكروهًا[25].


ثانيًا: أدلة القائلين بالاستحباب:
استدل القائلون بأن القرار في البيوت مستحب وليس بواجب:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرجت سودة بنت زمعة ليلًا، فرآها عمر، فعرفها، فقال: إنك والله يا سودة ما تخفين علينا، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له وهو في حجرتي يتعشَّى، وإن في يده لعَرْقًا، فأنزل الله عليه - فأنزل عليه - فرُفع عنه وهو يقول: قد أذِنَ الله لكنَّ أن تخرجن لحوائجكن))[26].


قال ابن بطال:
"في هذا الحديث دليل على جواز خروج النساء لكل ما أُبيح لهن الخروج فيه من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم والقرابات، وغير ذلك مما بهن الحاجة إليه، وذلك في حكم خروجهن إلى المساجد"[27].
فيدخل في ذلك الإذن لهن في كل خروج إلى مباح، وبيانه أن الخروج لهن إلى المسجد ليس بواجب عليهن[28].


2- عن عمرة، عن عائشة، قالت: ((لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى النساء اليوم نهاهن عن الخروج أو حرم عليهن الخروج))[29].


والشاهد من الحديث، وإن كان ظاهره أن عائشة ترى المنع من الخروج، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو رأى ما أحدثته النساء لمنعهن، أن النساء في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لم يكنَّ يُمنعن من الخروج، وقد علم الله تعالى أن بعض النساء سيُحْدِثن، ولم يأمر نبيه بنهي جميع النساء عن الخروج، فيكون المنع متوجهًا في حق من قُمْنَ بالإحداث لا عموم النساء[30].


قال الغزالي بعد أن ذكر اعتراض أحد أبناء عبدالله بن عمر على الإذن للنساء بالخروج إلى المساجد، وأن حامله على ذلك هو تغير الزمان: "والخروج الآن مباح للمرأة العفيفة برضا زوجها ولكن القعود أسلم، وينبغي ألَّا تخرج إلا لمهمٍّ، فإن الخروج للنظارات والأمور التي ليست مهمة تقدح في المروءة وربما تفضي إلى الفساد"[31].


قال ابن الجوزي: "خروج النساء مباح، لكن إذا خِيفت الفتنة بهن أو منهن، فالامتناع من الخروج أفضل".
وقد ذكر ابن حجر: "استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال"[32].
وقال الشيخ ابن عثيمين: "وما زالت النساء في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يخرجن إلى الأسواق، ولكنهن يخرجن على وجه ليس فيه تبرج ولا فتنة، فلا تخرج المرأة متطيبة ولا متبرجةً بزينة"[33].


4- عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: ((يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور))[34].
والشاهد منه أن عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين فَهِمْنَ من هذا الترغيب في الحج المذكور في الحديث إباحةَ تكريره لهن، كما يُباح للرجال تكرير الحج؛ ومن ثَمَّ يكون فيه دليل على أن الأمر بالقرار في البيوت المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33] ليس للوجوب، وإنما هو الندب[35].


5- عن عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه))؛ الحديث[36].
قال ابن عبدالبر: "فيه من الفقه خروج النساء في الأسفار مع أزواجهن جهادًا كان السفر أو غيره؛ لأنه إذا جاز خروجهن مع ذوي المحارم والأزواج إلى الجهاد - مع الخوف عليهن وعلى من معهن من الرجال في الإيغال في أرض العدو - فأحرى أن يخرجن إلى غير الجهاد من الحج والعمرة وسائر الأسفار المباحة"[37].


6- عن أنس بن مالك، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم، ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقِين الماء، ويداوِين الجرحى))[38].
ففي هذا الحديث جواز خروج النساء في الغزو والانتفاع بهن فيما فيه خدمة للمجاهدين؛ كمداوة الجرحى، وسقي الماء، ونحو ذلك[39].


7- عن مجاهد: ((أن رجالًا استشهدوا بأحد، فقال نساؤهم: يا رسول الله، إنا نستوحش في بيوتنا فنبيت عند إحدانا، فأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها))[40].


والشاهد منه إذْنُ النبي صلى الله عليه وسلم لأولئك النسوة بالخروج من بيوتهن والاجتماع عند إحداهن للحديث والمؤانسة، ولو كان بقاء المرأة في بيتها واجبًا وخروجها منه محرمًا ما كان أذِن لهن في الخروج للتحدث، كما لم يأذن لهن في المبيت خارج بيوتهن.

الترجيح:
الراجح أن القرار في البيوت مستحب وليس بواجب، وأنه يجوز للمرأة الخروج من البيت للتنزه والتفسح من غير تقييد لخروجها بالضرورة والحاجة، ما دام الذي تخرج لأجله مباحًا وجائزًا، وما دامت تخرج محتشمة غير متبرجة ولا متعطرة، وما دامت تأمن الفتنة على نفسها وعلى غيرها من الافتتنان بها.


بل هناك نصوص لبعض علماء المالكية يجوِّزون فيها للمعتدة الخروج بالنهار ولو لغير حاجة، فإذا كان الأمر كذلك مع تظاهر الأدلة بلزوم المعتدة لبيت زوجها، فمن باب أولى أن يكون خروج غير المعتدة أجوز.


قال الشيخ عليش في شرحه على مختصر خليل: "(و) للمعتدة من طلاق أو وفاة (الخروج) من مسكنها (في) قضاء (حوائجها طرفي) (النهار)... ومفهوم في حوائجها أنه لا يجوز خروجها في الوقتين المذكورين لغير حوائجها، ويجوز خروجها نهارًا ولو لغير حاجة ولو لعرس إن دعيت إن شاءت، ولا تتزين، ولا تبيت إلا ببيتها"[41].


وقال الخرشي في شرحه لمختصر خليل: "... وظاهر كلام المؤلف أنها لا تخرج في غير حوائجها، وظاهر النقل جوازه؛ فإنه قال: تخرج للعرس ولا تبيت إلا في بيتها"[42].


فإذا كان هذا شأن المعتدَّة عندهم، فكيف بغير المعتدة؟!
وجاء في الشرح الممتع في سياق الكلام على أحكام المطلقة الرجعية: "... يلزمها لزوم المسكن، فيجب عليها لزوم المسكن كالمتوفَّى عنها، فلا تخرج إلا للضرورة في الليل، أو الحاجة في النهار، أما الزوجات الأُخَر فلا يجب عليهن لزوم المسكن، فتخرج المرأة لزيارة قريبها، لزيارة صديقتها، وما أشبه ذلك"[43].

تتمة:
شروط الخروج:
حيث ذكرنا أن الراجح جواز المرأة من بيتها، وأن قرارها في بيتها مستحب وليس بواجب، فلا بد أن نذكر أن خروجها لها شروط وإلا صار محرمًا:
1- أن تخرج المرأة إذا خرجت تفلةً غير متطيبة ولا متعطرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما نهى عن منع النساء من الخروج إلى المساجد، قال: ((وليخرجن تفلات))[44].


2- أن تكون غير متبرجة في ملابسها، ولا في هيئة مشيتها، ولا في طريقة كلامها، فإن أي واحدة من هذه الأمور تؤدي إلى الفتنة بها؛ وحيث كان خروجها يؤدي إلى الافتتنان بها، فقد نص الفقهاء على تحريمه، ونقلنا طرفًا من ذلك عنهم.


3- ألَّا تكون في خروجها مخالطة للرجال، فإن مخالطتها للرجال من دواعي الافتتنان بها أو فتنتها، وكذلك ألَّا يؤدي خروجها إلى الخَلوة بالرجال، فإن تحريم الخلوة بالأجانب مما تظاهرت أدلة الشريعة على بيانه.


4- أن يكون خروجها بإذن زوجها إن كانت ذات زوج أو بإذن وليها، إن لم تك متزوجة.

[1] أحكام القرآن لابن العربي (6/ 352).

[2] سيأتي تخريجه عند ذكر أدلة الأقوال.

[3] تفسير القرطبي (14/ 178).

[4] انظر: المفصل في أحكام المرأة (4/ 34).

[5] منهاج السنة النبوية (4/ 317).

[6] أخرجه البخاري في صحيحه، باب خروج النساء لحوائجهن، (7/ 49) ح 5237، ومسلم في صحيحه، باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان (7/ 6) 5796، وأحمد في المسند (40/ 333) ح 24290، وابن حبان في صحيحه، ذكر الأمر بالاستعاذة بالله جل وعلا لمن أراد دخول الخلاء من الخبث والخبائث (4/ 257) ح 1410، وابن خزيمة، باب الرخصة للنساء في الخروج للبراز بالليل إلى الصحارى (1/ 32) ح 54، وأبو يعلى (4/ 269) ح 4433، والبيهقي في السنن الكبرى، باب سبب نزول آية الحجاب (7/ 87) ح 13886.

[7] شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 364).

[8] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (6/ 160).

[9] تفسير القرطبي (14/ 178).

[10] تفسير ابن كثير، ت سلامة (6/ 408).

[11] تفسير ابن كثير، ت سلامة (6/ 409).

[12] تفسير الألوسي = روح المعاني (11/ 187).

[13] أحكام القرآن للجصاص، ت قمحاوي (5/ 229).

[14] أحكام القرآن لابن العربي (6/ 352).

[15] المدخل لابن الحاج (2/ 12).

[16] شرح الزركشي على مختصر الخرقي (5/ 578).

[17] حراسة الفضيلة، د. بكر عبدالله أبو زيد (ص: 127).

[18] التحرير والتنوير (22/ 10).

[19] شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 191).

[20] أخرجه البخاري، باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم (2/ 7) ح 00، ومسلم باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة (2/ 32) ح 1018، وأبو داود، باب: ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (1/ 222) ح 565، وأحمد في المسند (2/ 16) ح 4655، وابن خزيمة في صحيحه، باب الأمر بخروج النساء إلى المساجد تفلات (3/ 90) ح 1679، وأبو يعلى في مسنده (1/ 143) ح 154.

[21] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 198).

[22] أخرجه الترمذي في جامعه، (3/ 476) ح 1173، وابن خزيمة في صحيحه (3/ 93) ح 1685، وابن حبان في صحيحه، ذكر الإخبار عما يجب على المرأة من لزوم قعر بيتها (12/ 412) ح 5598، والطبراني في المعجم الأوسط (3/ 189) ح 2890، وفي المعجم الكبير للطبراني (9/ 295) ح 9481، والبزار في مسنده (1/ 324) ح 2061، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2/ 45) ح 2109.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 303) ح 273.

[23] فيض القدير (6/ 266).

[24] شرح المشكاة للطيبي، الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2272).

[25] انظر: فيض القدير (5/ 379).

[26] تقدم تخريجه.

[27] شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 364).

[28] انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (24/ 281).

[29] رواه أحمد في مسنده (43/ 110) رقم: 25957، وعبدالرزاق في مصنفه، باب: منع النساء من اتباع الجنائز (3/ 455)، 6289، وإسحاق بن راهويه، (2/ 427) رقم: 988.

[30] انظر فتح الباري لابن حجر (2/ 349)، شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (2/ 10).

[31] إحياء علوم الدين (2/ 47).

[32] فتح الباري لابن حجر (9/ 337).

[33] فتاوى نور على الدرب، لابن عثيمين (36).

[34] أخرجه البخاري في صحيحه، باب فضل الحج المبرور (2/ 164) ح 1520، وأبو يعلى في مسنده (8/ 166) ح 4717، والبغوي في شرح السنة، باب حج النساء (7/ 17) ح 1848، والمروزي في السنة (ص: 45) ح 142، والبيهقي في السنن الكبرى، باب من لا يجب عليه الجهاد (9/ 21) ح 18261.

[35] انظر: فتح الباري، ابن حجر، (4/ 75).

[36] أخرجه البخاري، باب التيمم (1/ 91) ح 334، ومسلم، باب التيمم (1/ 191) ح 842، وأحمد في مسنده (42/ 285) ح 25455، والنسائي في السنن الكبرى، بدء التيمم (1/ 189) ح 295، وابن حبان في صحيحه، ذكر الإباحة للمسافر أن ينزل في منزل بسبب من أسباب هذه الدنيا وهو غير واجد الماء (4/ 146) ح 1317، وابن خزيمة في صحيحه، باب الرخصة في النزول في السفر على غير ماء للحاجة تبدو من منافع الدنيا (1/ 131) ح 262.

[37] الاستذكار (1/ 302).

[38] أخرجه مسلم، باب غزوة النساء مع الرجال (5/ 196) ح 4785، والنسائي في السنن الكبرى، غزو النساء (8/ 145) ح 8831، وأبو يعلى في مسنده (3/ 333) ح 3295، والمروزي في السنة (ص: 48) ح 152، والبيهقي في السنن الكبرى، باب شهود من لا فرض عليه القتال (9/ 30) ح 18312.

[39] معالم السنن (2/ 246)، شرح النووي على مسلم (12/ 188).

[40] أخرجه عبدالرزاق، باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها (7/ 36)، 12077، والبيهقي في السنن الكبرى، باب كيفية سكنى المطلقة (7/ 436) رقم: 15914، وأخرجه كذلك في معرفة السنن والآثار للبيهقي (11/ 218) رقم 4895.
قال البيهقي: مرسل، قال ابن الملقن في البدر المنير (8/ 253): "ويقوى هَذَا الْمُرْسل بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: "الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا تخرجان بِالنَّهَارِ وَلَا تبيتان لَيْلَة تَامَّة عَن بيوتهما"، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ: أَنه قَالَ: "الْمُطلقَة ألْبَتَّةَ تزور بِالنَّهَارِ وَلَا (تغيب عَن) بَيتهَا".
وذكره الألباني في السلسة الضعيفة (12/ 206) رقم 5597، لما فيه من إرسال.

[41] منح الجليل شرح مختصر خليل (4/ 335).

[42] شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 159).

[43] الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين (13/ 187).

[44] تقدم تخريجه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.13 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.26%)]