أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 300 )           »          منيو إفطار يوم 9 رمضان.. أرز بالخلطة ودجاج مشوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ندوة حول تأثير الصيام على الصحة النفسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          التنبيه على ضعف حديث صوموا تصحوا (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 178 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 200 )           »          ما حكم تذكير الصائم الذي يأكل ناسيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          التقوى من مقاصد الصوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حكم صوم رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أحكام العشر الأواخر من رمضان والاعتكاف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-10-2020, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,382
الدولة : Egypt
افتراضي أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس

أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس (1)





د. إيمان بقاعي








مدخل:

يتضمن هذا الباب فصولاً تشتمل على نماذج من أدباء شراكسة شاركوا في النتاج الأدبي العربي شعرًا ونثرًا، وعبروا عن آمالهم وآلامهم ولا سيما أنهم عاشوا ظروفًا مشابهة لظروفِ أشقائهم العرب فتكاتفوا معهم في المسير والمصير، كما دافعوا عن الإسلام والعروبة بأقلامهم وبأرواحهم.

وقد عمدت إلى تقديم بعض هؤلاء الأدباء في نماذج معينة لئلا يطول البحث متّبعةً المنهج الانتقائي، ابتداء مِن عصر سلاطين الشّراكسة حتى اليوم.

الفصل الأول: من عصر سلاطين الشّراكسة.
نموذجًا: ابن إياس - قانصوه الغوري.
أ - ابن إياس:
هو محمد بن إياس. شركسي مِن الأبازة [أو الأباظة][1]، ولد في القاهرة في 6 ربيع الآخر سنة 852هـ. وتوفي سنة 920هـ.

جده الأمير إياس الفخري الظّاهري مِن مماليك السّلطان الظّاهر برقوق أول مماليك دولة الشّراكسة[2]، وله كتب أهمها: عقود الجمان في وقائع الأزمان، مرج الزّهور في وقائع الدهور، نزهة الأمم في العجائب والحكم[3]، وعجائب السّلوك، نشق الأزهار في عجائب الأقطار، منتظم بدء الدُّنيا وتاريخ الأمم[4].

وتكمن أهمية ابن إياس في أنه مؤرخ وأديب وشركسي ويكتب عن عصر يحكم فيه سلاطين الشّراكسة كواحد من الشّعب المصري، لا كواحد من الحكام وإن كان واحدًا من الحكام.

من هنا، كان لا بد من الوقوف مع ابن إياس - المؤرخ قبل الشّاعر وهو الّذي اختص بالتّاريخ حتى اعتبره الصَّادق المغني عن السَّيف إذ قال:
عوِّلْ على كتبِ التّاريخ واعنَ بها
فكم تهزُّ لها الأعطافُ مِن طربِ..[5]




وإذ نال ابن إياس شهرته مِن كتابه التّاريخي الكبير الشَّهير: (بدائع الزّهور في وقائع الدّهور)، نقرأ في الكتاب الأديبَ والمؤرخ ذا الآفاق الواسعة، تلك السّمة الّتي جمعت مؤرخي تلك الفترة كما قال نقولا زيادة[6]، فنقرأ الأديب والمؤرخ حر التّعبير؛ وكانت الحرية تمارسها العامّةُ في النّتاج الشّعبيّ في تلك العصور بينما يمارسها المؤرخون في النّتاج التّاريخي ويمارسها الفقهاء الأحرار في النّتاج الفقهي وإلا ما وصلت إلينا سلبيات هذه العصور[7] الّتي تطرق المؤرخون الحديثون في أحكامهم عليها مِن دون أن ينظروا بموضوعية إلى إيجابيات هذه الفترة الّتي تكمن في الازدهار العلمي والأدبي والفني والّذي بلغ ذروته فيها.

نقرأ ابن إياس الّذي عاش عصرين وشهد أحداث جيلين: أواخر العصر الترّكي المملوكي ومستهل العصر التركي العثماني، فكان كتابه عظيم الفائدة مِن النَّواحي السّياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثّقافية، وكذلك من النّاحية الحربية[8].

وتكمن أهمية ابن إياس _ أيضًا _ في كونه ذكر المصطلحات[9] المستعملة وقتها، وأمدَّنا بالكثير فيما يتعلق باستعمال الأسلحة النَّارية[10].


ولعل ثقافته الواسعة وعلمه الغزير ونشوءه في بيئة قريبة مِن الحكام _ إلى جانب نزعته الأدبية _ هو ما خوّله أن يكون مميزًا، حتى إن مارجليوث في كتابه: (محاضرات حول المؤرخين العرب) وصف أسلوب ابن إياس بقوله:
"إن أسلوبه في الكتابة والتّأليف ونمطه في التَّفكير ينم كل منهما عن فردية واستقلال في الرأي قل أن يقربه فيه معظم المؤرخين"[11].

ابن إياس شاعرًا:

عصر ابن إياس الشّعري عصر اتجه الشّعر فيه إلى العامية، فسلاطين الشّراكسة كانوا أميل إلى الشّعر العامي، إذ لا يجهدهم التَّعرف على معانيه؛ لذا قرّبوا الزَّجالين وشعراء العامية[12] فكثر الأخيرون، وإن ظهرت أسماء لامعة مِن الشّعراء المقتدرين[13] ترسم بالشّعر لوحات رائعة للمواقف العسكرية المشرفة الّتي انتصر فيها السّلاطين على جموع الصّليبيين والتّتار.

وقد اشتهر العصر بقلة "الشّعراء المحترفين، وشيوع النّظم بين كثير مِن طبقات المتعلمين وخاصة الكتاب والقضاة والفقهاء وأصحاب الحرف ممَّن نالوا قسطًا من المعرفة".

وإن كانت العامية مأخذًا سلبيًا على الشّعر، فإن الإيجابية تكمن في اتّصالها مباشرة بالمجتمع وبطبقاته المختلفة وانعكاس صور الحياة على صفحتها، مما جعلها أكثر مسايرة للحياة والنّاس مِن الشّعر التَّقليدي.

مِن هنا نستطيع أن ندرس ابن إياس صاحب اللّغة السّهلة والبسيطة والأقرب إلى "العامية منها إلى الفصحى"[14] والتي استعان بها في التّعبير شعرًا ونثرًا كما استعانَ بنثر وشعر غيره من أصحاب هذه اللّغة "للتعبير عن الانفعالات الّتي كانت تتولد في أعماقه بسبب حالة سياسية أو اجتماعية معينة"[15].

فإذا توقفنا عند كلمة (انفعالات)، وإدخال (الشّعر) للتّعبير عن هذه الانفعالات أو لإيضاحها وإعطائها وهجًا، نجد أن ابن إياس _ الشّاعر، يستنجد بالشّعر إذ يصعب على النّثر التّعبير الحماسي أو العاطفي فيما يتعلق بما يحدث.

وتشير سيدة إسماعيل كاشف في بحثها عن ابن إياس أنه - في تتبعه لحوادث مصر والقاهرة، -كتب عنها حسب مشاهداته و"إحساساته"[16] إلى جانب أنه كان يستقي معلوماته مِن "أوثق المصادر وأكثرها صلة بالأحداث الجارية في مصر وقتذاك"[17]، فكان "أحد المؤرخين القلائل الّذين يتميزون بحسٍّ أدبي شعبيٍّ دفعه إلى أن يتخذ كثيرًا من فنون الشّعر الشّعبي وعاء أدبيًّا للتَّعبير عن رأيه في الأحداث، مشاركًا بذلك، في التّعبير عن الوجدان الشّعبي السّائد آنذاك تجاه هذا السّلطان أو ذاك، ولا سيما في الأحداث الّتي عاصرها"[18]، منفِّذًا نظرية أن الشّعر أو الأدب مسؤول عن "الحروب الخاسرة أو الكاسبة، عن ضروب التَّمرد وأصناف الرّدع، وهو - إذا لم يكن حليفًا للمظلومين - فإنه لن يكون إلا شريكًا للظالمين"[19].

استنجد ابن إياس بالشّعر تعبيرًا عن "انفعالات" لا يقدر النّثر أن يعبر عنها.

استنجد بالشّعر إذ أخذ بعين الاعتبار صوت "إحساساته"، فجعله "وعاء" أدبيًّا معبرًا خير تعبير عن رأيه وآراء الآخرين أيضًا.

مِن هنا، نكتشف أن ابن إياس شاعر يثق بأن الشّعر خير معبر أكثر مِن أن نعتبره نظم شعرًا "مجاراة لعصر أراد نفر كثيرون مِن أهله أن يبرزوا في هذا الميدان"[20]، فكان فريدًا كما قال مارجليوث.

كما كان مزيجًا من مؤرخ وشاعر، يحدِّث في التّاريخ بكثير مِن الحق والصّدق، وبكثير من العاطفة الفياضة والجيشات القلبية الّتي تسبغ على كافة الحوادث روعة وتخلع على ضئيلها جزالة وجلالة.

يحدّث مسجلاً - إلى جانب موضوعيته وجرأته ومعلوماته ومشاهداته: لفتاته النّفسية وهمساته القلبية وتأثراته العاطفية. يكون مؤرخًا عادلاً منصفًا، محققًا، فاحصًا، يسجل الحوادث أولاً[21] واقفًا بين "الرّواية والأخرى للشرَّح والنَّقد"[22].

بجرأة و"فردية واستقلال في الرّأي"[23]، ويحكم عليها برأيه[24] وبانفعالاته وإحساساته وعواطفه وحسه الشّعري القادر على إسكان الوهج في سرد الحوادث، وفي تصوير ما يجري.

لقد طغى التّاريخ على ابن إياس فعُرف به ولم يعرف على نطاق واسع شاعرًا شعبيًّا وهو الّذي كان حسن الشّعر، كتب الشّعرَ وعنه، وسمى "الزَّجل" - وهو أحد الفنون الشّعبية - "الفنَّ الشَّريف"، وترجم "لقيم الزّجل" في الشَّام وقيم الزّجل في مصر، ونقل نصوصًا زجلية كثيرة عنهما في تأريخه - لولاه - لضاعت كما ضاع الكثير منها[25].

ولابن إياس الأديب كتاب سماه: (الدّر المكنون في سبعة فنون)[26] يتحدث فيه عن الفنون الشّعبية، ويحتاج إلى مَن ينفض عنه غبار التّاريخ لاكتشاف الشّاعر والأديب ابن إياس، لعله يكون فذًّا أديبًا كما هو فذ مؤرخًا.

إن الأدب الشّعبي كان أدبًا خفيفًا ساخرًا مرحًا، تناول الأمور بمفارقاتها المضحكة، فلم يستثن الشّاعر الشّعبي حتى نفسه من السّخرية والضَّحك.

ومع دخول مصر عصر المماليك [عصر الملوك] - بعد العصر الأيوبي - نراها تستعيد كثيرًا من بهجتها ومرحها في العصر الفاطمي، فتصبح أهم بلد في العالم الإسلامي بعد أن عم سيل التّتار العراق والشّام وكانت الأندلس على وشك الاحتضار، فصارت مصر كعبة الإسلام وملجأ العروبة[27] ومنبت الازدهار والتَّرف الّذي جعل الشّعراء يتصيدون المفارقات بحريّة ومِن دون خوف، عارفين ما للأدب الشّعبي من اعتراف مِن قبل الصَّفوة السَّياسية والأدبية والعلمية في هذه العصور، وعارفين أن الشّعر الشّعبي عرف طريقه إلى قلوب السّلاطين والنقاد والمؤرخين والكتاب والأدباء والشّعراء[28]، فراحوا ينشدون بحرية ومرح ما يخطر على بالهم مِن دون كبت أو رعب أو خوف عقاب.


[1] راسم رشدي: مصر والشّراكسة، ص129.

[2] سيدة إسماعيل كاشف، محاضرة بعنوان: مكانة ابن إياس مؤرخي مصر في العصور الوسطى، كتاب: ابن إياس (دراسات وبحوث) بإشراف أحمد عزت عبد الكريم (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977)، ص50 - 53.

[3] نفسه، ص54.

[4] عمر فروخ: تاريخ الأدب العربي من مطلع القرن الخامس الهجري إلى الفتح العثماني 400 - 923هـ/1009م - 1517م (بيروت: دار العلم للملايين، 1972)، ص936 _ 937.

[5] ابن إياس، أبو البركات محمد بن أحمد بن إياس الحنفي 852 - 920هـ: بدائع الزّهور في وقائع الدهور، تحقيق: محمد مصطفى (القاهرة: فرانز ستاينر، 1960 - 1974)، 4: 486.

[6] إذ وصفهم بأنهم كانوا منفتحين وقال: إن كتاباتهم كانت عن الإسلام والبلاد الإسلامية إلا أنهم كانوا قد ارتبطوا بجماعات أخرى في الشّرق والغرب وكونوا معها علاقات وثيقة وتعاملوا معها بشكل واسع، وقد جاءت كتاباتهم مستندة على كتابات الجغرافيين والزَّجالين الّذين درسوا أجزاء العالم وكتبوا عنها. كما دوَّن هؤلاء المؤرخون تاريخ الحروب الصَّليبية أكبر نزاع مسلح بين المسيحية والإسلام، ويخلص زيادة إلى نتيجة مفادها: "كانت آفاقهم أوسع"، [نقولا زيادة، دمشق في عصر المماليك (بيروت _ نيويورك: مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، مكتبة لبنان، 1966)، ص203 - 204)].

[7] محمد رجب النجار، الشّعر الشّعبي السَّاخر في عصور المماليك [الفكاهة والضحك (الكويت: عالم الفكر، اكتوبر _ نوفمبر - ديسمبر، 1982)، ج: 13، ع: 3، ص65].

[8] فاضل عبد اللطيف الخالدي، مقال: ابن إياس المصري، منهجه في البحث التّاريخي، كتاب ابن إياس ص28 _ 31 _ 32.

[9] عبدالمنعم ماجد، كتاب ابن إياس، ص93 - 94 - 95.

[10] عبدالرحمن زكي، مقال: ابن إياس واستخدام الأسلحة النارية الّتي في ضوء ما كتبه في كتاب بدائع الزّهور، ع. س، ص104.

[11] سيدة إسماعيل كاشف، ع. س، ص62.

[12] محمد زغلول سلام: الأدب في العصر المملوكي (2)، ع.س، ص105.

[13] كالشّاعر: إبراهيم الغزي وشهاب الدّين محمود والقاضي مجد الدّين والغزولي والصاحب شرف الدّين الأنصاري والتلعفري والبوصيري وعفيف الدّين التلمساني والشاب الظريف وابن نباته وابن مليك الحموي وعائشة الباعونية وغيرهم. [انظر: محمد زعلول سلام الأدب في العصر المملوكي الدّولة الأولى. كذلك عمر موسى باشا تاريخ الأدب العربي - العصر المملوكي].

[14] محمد زغلول سلام، ع.س، ص110.

[15] فاضل عبد اللطيف الخالدي، ع.س، ص36.

[16] سيد إسماعيل كاشف، ع.س، ص60.

[17] فاضل عبد اللطيف الخالدي، ع.س، ص33.

[18] محمد رجب النجار، ع. س، ص84.

[19] أحمد أبو حاقة: الالتزام في الشّعر العربي (بيروت: دار العلم للملايين، ط1: 1979)، ص43.

[20] عمر فروخ، ع. س، ص395.

[21] محمود رزق سليم: عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي (القاهرة: مكتبة الآداب، 1952)، 4/213 - 214.

[22] سيدة إسماعيل كاشف، ع. س، ص85.

[23] حسب مارجليوث، كتاب ابن إياس، ص62.

[24] محمود رزق سليم، ع. س، ص293.

[25] محمد رجب النجار، ع.س، ص71.

[26] وهي: الشّعر القريض، والموشح، والدوبيت، والزجل، والمواليا، والحماق (القوما)، والكان كان. كما أن الزجل نفسه ينطوي على فنون فرعية مثل: البليق، والمكفر، والقرقي والمزنم، وغيرها. وهذه الفنون، مُعرّبة أو غير مُعرّبة، كانت تعتمد في انتشارها على إلقائها الشفوي والغناء والتلحين والحركة والإشارة حتى يتسنى لسامعيها أن يلتذوا بها [محمد رجب النجار، ع. س، ص71 ، 72].

[27] شوقي ضيف: الشّعر وطوابعه الشّعبية على مر العصور (القاهرة: دار المعارف، 1977)، ط8، ص500.

[28] محمد رجب النجار، ع.س، ص71.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-10-2020, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,382
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس

أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس (2)


د. إيمان بقاعي



ابن إياس والسّلطان قانصوه الغوري:
وصل قانصوه الغوري إلى سدة الحكم والمملكة المصرية في أحرج ساعاتها، "فقد اضطربت أحوالها الدّاخلية وتركز في نفوس أمرائها وجنودها حب العصيان والخيانة، واعتادوا الفتنة والثّورة والتَّأبي على أوامر السّلطان"[1] الّذي اضطرَّ إلى اللّجوء إلى الأموال الموقوفة فأخذ منها جانبًا وفرض الضّرائبَ على الناس حتى أثار غضبهم وذلك إلى جانب مواجهته أمور الدّولة الخارجية[2].

لقد كانت خزائن السّلطان "خاوية"[3] بسبب مواجهاته لكل ما حوله بالإضافة إلى معاناة البلاد من الآثار السَّلبية للحروب الصَّليبية والتترية الّتي تركت أثرًا سلبيًّا على المدى الطّويل"[4] من كل النواحي.

كانت علاقة ابن إياس بقانصوه الغوري _ وهو ابن قومه ووطنه الأم _ علاقة جريئة، فحين خرج السّلطان الأشرف إقطاعات[5] أولاد النّاس، وكان ابن إياس قد خرج إقطاعه لأربعة مِن المماليك، هب مقاتلاً بالشّعر السّلطان وتدابيره، وبلسان جريء، قائلاً بيتين من المواليا:
يا مالك الملك يا مَنْ بالعبادِ ألطفْ
دبِّر عبيدَك وأصلحْ دولةَ الأشرفْ
كم مِن أقاطيع أخرجَها وما أنصفْ
وأطغى المماليكَ ذا يهجمْ وذا يخطفْ[6]

ويشارك ابن إياس العامة شماتتهم بالغوري وقت شاع نبأ مرض أصابه في عينه فأشاع العامة أنه عمي، فيقول:
سلطانُنا الغوري غارت عينُه
لمَّا اشترى ظلمَ العباد بدينِهِ

لا زالَ "ينظر" أخذَ أرزاقِ الورى
حتى أُصيبَ "بآفةٍ في عينِهِ"[7]





وحين أبطأ السّلطان الغوري في نفقة أمرائه، أمر بجباية الأموال مقدمًا وحثَّ على المصادرات وطلب مِن أصحاب الدكاكين والبيوت عشرة أشهر معجلاً، وفم يجد ابن إياس إلا الشّعر متنفسًا فقال:
لما جبوا أملاك مصر والقرى
في عام سبع مضني الأهلاك

الله أكبرُ يا لهُ مِن حادثٍ
قد ضجَّ منه الأرضُ والأملاك[8]





وحدث أن أمر السّلطان الغوري أصحاب الدَّكاكين قاطبة أن يقطعوا الطّرقات مِن الشّوارع قدر ذراع بالكامل، وكانت الطّرقات قد غليت جدًّا، فلما رسم السّلطان بذلك حصل للنّاس الضّرر الشَّامل بسبب التَّكلفة وقد استحث النّاس بسرعة العمل وعز وجود الترّابة، فقال ابن إياس معترضًا:
مِن دولةِ الغوري ومِن جورِهِ
لقد حمَّلنا فوقَ ما لا نطيق

وقد كفى مِن فعلِهِ ما جرى
مِن قلَّةِ الأمرِ و"قطع الطَّريق"[9]




ويحدث أيضًا أن يفك السّلطان الغوري رخام قاعة كان ناظره الخاص قد أفنى عمره على بنائها وسماها "نصف الدنيا"، ليجدد قاعة من قاعات القلعة فيقول:
سلطانُنا الغوري قد جار
والصَّبرُ منَّا أعيا

وصار في ذا الجورِ عمَّالا
حتى خربَ "نصفَ الدُّنيا"[10]




وابن إياس - بنزعته الأدبية الجريئة - يلاحق الأحداث بدقة ويعلق عليها.

ومن الوقائع "المهول" حسب قول ابن إياس: واقعة زنا صمم الغوري على أن يكون فيها "الصَّلب" عقوبة الزّاني والزّانية على الرّغم من إنكار الواقعة ورفض قضاة المذاهب الأربعة وقاضي القضاة النّطق بهذا الحكم الّذي يخالف "الشّرع الحنيف"، فما كان مِن السّلطان إلا أن عزلهم وأمر بتنفيذ العقوبة، فأثار ذلك بعض الشّعراء ومنهم ابن إياس الّذي قال:
لقد صلبَ السّلطانُ مَن كان زانيا
وأظهرَ في أحكامِهِ مسلكًا صعبا

فقلتُ لأربابِ الفسوقِ تأدَّبوا
فحدُّ الزِّنا قد صار في عصرِنا صَلْبا[11]




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31-10-2020, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,382
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس






وإذ يتوجه ابن إياس إلى أرباب الفسوق محذرًا، نرى لهجة السّخرية واضحة مِن هؤلاء أكثر مما نرى الأمر موجهاً إلى السّلطان الغوري رغم أن صعوبة أحكامه كما قال.

لكن الغريب أنّ ابن إياس نفسه في تاريخه يصف الغوري صفات تثير الإعجاب[12].

ويبدو أن السّلطان بخلقه الرّضي - كما وصفه ابن إياس - ولسانه الماسك عن السّب وحبّه المزاح ولين جانبه وعدم تكبره[13]، قد احتوى ابن إياس الشّاعر واستطاع أن يحوِّل ثورته إلى شهادات إيجابية في حقِّه.

وقد قلنا إن ابن إياس كان جريئًا، ولكنه كان موضوعيًّا، فهو يثور حين تدعو الحاجة إلى الثَّورة، ويسجل رضاه حين تدعو الحاجة أيضًا.

فبعد أن ثارت ثائرة شاعرنا إذ خرج إقطاعه فطلب مِن "مالك الملك" أن يصلح دولة الأشرف واستجاب الله دعوته إذ أعاد السّلطان الغوري إليه إقطاعه فحصل منه له "غاية الجبر" - كما يقول - راح يمتدحه بقصيدة يقول فيها:
بالأشرف الغوري المُفدَّى
أصبح ثغرُ الزَّمان باسم

يا قانصوهَ العليَّ قدرًا
فقتَ على مَن مضى وقادم

فكل يوم تراه عيدًا
به فأوقاتنا مواسم

تشرَّف الغور باسمه مذ
رفرفَ طيرُ السُّرور حائم


وإذ سبق لابن إياس أن وصف السّلطان بالجور وظلم العباد وعدم الإنصاف نراه يمدحه بقمع أهل الفساد:
اختارَه اللهُ مِن إمام
لقمعِ أهلِ الفسادِ صارمْ


وهذا يقتضي مِن الشّعب، كل الشّعب، الشّكر:
فالشُّكر للهِ مدةَ تولى
على جميعِ الأنامِ لازمْ


وينتقل شاعرنا إلى بيت السّلطان واصفًا إياه بالفرادة حتى يكاد يخلو مِن أي عيب فني أو معماري:
بنى بمصرٍ للهِ بيتًا
رخامُه قائمٌ ونائمْ

فجاءَ في حسنِهِ فريداً
مِن كلِّ عيبٍ يقالُ سالمْ

فليسَ يُبنى له نظيرٌ
في سائرِ المدنِ والأقالمْ


وينتقل ابن إياس ليصف ميدان القلعة الّتي جددها السّلطان وأجرى فيها الماء بطريقة هندسية راقية من خلال سواق يجري فيها ماء النِّيل:
وقلعة السَّعد مذ حواها
جدد بها سائر المعالم

بعزمه الماء جاءَ يجري
بمجرة تحتها دعائم

دارت دواليبها فهامت
لحُسن أصواتها البهائم

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 31-10-2020, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,382
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس

ويتابع الشّاعر وصف ميدان القلعة قائلاً: إنه فاق بناء الملوك، إذ إن المياه الّتي سيقت إليه جعلت المكان أشبه بروض يعبق بجمال الطبيعة الّتي كان السّلطان يهواها ويعتني بهاكما يعتني بكل جميل:
فاقت بناء الملوك طرًّا
فالمدح في وصفها يلائم

تسقي بميدانه رياض
ناحت بأغصانه الحمائم

أشجاره بالنّسيم مالت
وزهرُها فاحَ في الكمائم


ولم ينس شاعرنا أن يستكمل وصف لوحة ميدان القلعة بوصفه البحرة الّتي أنشأها السّلطان وسط ميدان القلعة، وكان طولها نحوًا من أربعين ذراعاً[14]:
وَانْشَاْ به بحرة تحاكي
كالنِّيل أمواجها ملاطم


وبعد رسم اللّوحة بالكلمات، يتقدم شاعرنا إلى السّلطان بالتّهنئة بملك مصر، داعيًا له بالنَّصر المؤيد مِن عند الله:
فعش هنيئًا بملك مصر
في نصرة دائم الدّوائم[15]


ويقول ابن إياس إذ جدد الغوري بناء مصطبة بالحجر الغض وزخرفها بالرّخام الفاخر وألبسها بالذَّهب، فكان يجلس فوقها السّلاطين للمحاكمات عوضًا عن كرسي المملكة:
بنى الأشرف الغوري في الحوش بسطة
ليغني بها عن دكة الحكم بالأمسِ[16]




ومثلما يثور الشّاعر إذ يثقل على الشّعب، نراه يفرح إذ يخف الثّقل عنه، فنراه يصف حال النّاس حين أمر السّلطان بإبطال المشاهرة الّتي كانت على الحسبة، نازلاً إلى الشّارع، واصفًا فرح الجياع ودعاءهم للسّلطان وجبران قلوب الحزانى البؤساء.


ولا ينسى كالعادة أن يدعو للسّلطان ويمدحه بما يستحق:
قد جاء سلطان الورى
بعدله في القاهرة

مذ رخَّصَ الأسعار مع
إبطاله المشاهره[17]

كم جايع مِن فرحةٍ
يدعو له مُجاهره

وكم حزينٍ قلبه
بالكسر أضْحى جابره

وقد عفى غلالَنا
مِن المكوس الجائره

وأصرف اللَّحم الّذي
أرضى به عساكره

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 31-10-2020, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,382
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس

وقد علا تاريخُهُ
فوق النّجوم الزَّاهره[18]




ومن الشّعر الاجتماعي إلى السّياسي المؤيد للسلطان في الحد مِن عبث العربان بالأمن وتهديده، يقف شاعرنا ضد العابثين واصفًا إحدى الوقعات مع عربان غزالة في شوال في يوم عيد الفطر سنة 94 حيث ثاروا على الكاشف بالبحيرة فحاربهم وأخرج إليهم قانصوه البرجي وغيره[19]، وقتل الكثير من المماليك السّلطانية وهرب العرب إلى بلاد الصَّعيد:
ألا قولوا لعرب قد تجروا
على حرب هل يخشوا عقيبه

سهام مليكنا أضحت نفوذًا
ونرجو أن تكون لكم مصيبه[20]





ولم يكتف الشّاعر بتأييد السّلطان في سياسته وحفاظه على الأمن، بل راح يلاحقه بعين الرّضا والحب مُعاينًا إيّاهُ، متفحّصًا مواكبه الملوكية، ناقلاً الصُّورة الزَّاهية الّتي يبدو الشّعب فرحًا بها وراضيًا فنراه وقد نظم قصيدة قال عنها إنها "لم ينسج مثلها على منوال" قالها في "احتفال كبير سار فيه السّلطان قانصوه الغوري في موكب حافل مِن الاسكندرية إلى القاهرة سنة 920 للهجرة"[21]:
وتضاحكَ الميدانُ مذ غنَّتْ به
أطيارُه سحرًا على العيدان

عاينته لما بدا في موكبٍ
يزْهو على كسرى أنوشروان

ما زالَ أهل الثَّغر[22] مِن فرح به
بتباشرٍ في السِّرِ والإعلان




وهو يدعو له بألا يُحسد لما نال مِن عطايا يستحقها، كما يدعو له بطول العمر دعاء لا بد وأن يجب السّلطان، دعاء فيه الكثير من جمالات الطبيعة الّتي كان السّلطان مفتونًا بها ومحبًّا لها ومهتمًّا بأن تكون محيطة به:
فالله يكفيه مؤونةَ حاسدٍ
ويطيل أيامًا له بتهان

ما ماس غصنٌ في الرِّياض وكللت
أيدي الغمام شقائق النّعمان[23]






هذا، ولم يبعد الشّاعر نفسَه عن هموم السّلطان الحميمة والخاصة، بل شارك فيها، فتألم معه بالدّرجة نفسها الّتي فرح بها معه، ما يدل على ارتباط ابن إياس بالسّلطان ارتباطًا إنسانيًّا وثيقًا وصادقًا أكبرَ وأعمقَ من ارتباط محكوم بحاكم، وهاهوذا يرثي ابن السّلطان الّذي توفي صغيرًا بقوله:
لهفي على مَن كان ظنِّي أنني
أفني المدائح في الثَّناءِ قوافيا

فمضى وأثكلني، فها أنا ناظمٌ
تلك المعاني الغرّ فيه مراثيا[24]





من الهجاء إلى المدح إلى الرِّثاء، أحب ابن إياس السّلطان، فداعبه حينًا وأعجب به حينًا، وتألم حين وجب الألم.


[1] محمود رزق سليم، عصر سلاطين المماليك 1/58.

[2] من فتن في بلاد الحجاز، واعتداء على حجاج مصر والشّام وشذود بعض أمراء الشّام عن طاعته وعبث عربان البلاد في نواحيها إلى جانب عبث الفرنجة وسلطان الفرس والعثمانيين وقد أدى كشف البرتغاليين لطريق جنوب أفريقيا والعبث بالسفن والشواطئ والمتاجر المصرية في الشّمال والشّرق إلى نقص إيرادات مصر مما جعل البلاد تعاني اقتصادياً. [نفسه، ص59].

[3] نفسه، ص59.

[4] قاسم عبده قاسم، ع.س، ص214.

[5] الإقطاع: مساحة من الأرض تكون مصدر دخل سنوي للأمير بما يعادل رتبته الحربية، ولم تكن قريبة من مسكن صاحبها، بل إنها كثيراً ما كانت بعيدة عنه، وكان على الأمير أن يدفع سنوياً مبلغاً من المال مقابلها إلى ديوان الجيش وكان الإقطاع في عهدهم ينتهي بوفاة صاحبه أو إدانته أو نقله عكس الإقطاع أيام الأيوبيين الّذي يقر بتوريث الإقطاعات [إحسان فخري القاس: الأوضاع الاقتصادية في عصر سلاطين الشّراكسة، (دمشق: النشرة الثّقافية جمعية المقاصد الخيرية الشّركسية، 1992)، ع: 6، ص61].

[6] بدائع الزّهور، 4/136.

[7] محمد رجب النجار، ع.س، ص84.

[8] نفسه، ص118.

[9] نفسه، ص119.

[10] محمد رجب النجار، ع.س، ص119.

[11] نفسه، ص124 _ 125.

[12] يصفه بأنه كان "ملكًا مهيبًا جليلاً في المواكب، ملء العيون في المنظر" ويصف مدرسته الّتي حاز فيها "أشياء غريبة عزيزة الوجوه" وكيف أنشأ القلاع والجسور والترع والسبل ودور اليتامى، وكيف كان برًّا بالفقراء كثير الصدقات شديد المحافظة على الدّين والأخلاق وقد أمر بالمواظبة على الصلوات الخمس في الجوامع [ابن إياس، ع.س، حوادث رجب سنة 915هـ].

[13] نفسه، حوادث رمضان سنة 922هـ.

[14] ابن إياس، ع.س، حوادث جمادى الآخرة، سنة 914هـ.

[15] ابن إياس، ع. س، 4/173 _ 175.

[16] ابن إياس، ع.س، 4/203 - 204.

[17] لم يخل عصر السّلاطين من أزمات اقتصادية ذلك أن انحباس المطر في بلاد الشّام، أو توقف زيادة النيل في مصر، كان يؤدي بشكل حتمي إلى ارتفاع الأسعار، إلى جانب غزو الجراد، كذلك تعرض البلاد لحالة عدم الاستقرار السياسي أو لاضطرابات أمنية. إلا أن السّلاطين الشّراكسة كانوا يمدون يد العون إلى المحتاجين أوقات الأزمات حيث يتم توزيعهم على الأمراء فيتكلفون بهم حتى انتهاء الأزمة كذلك تتكفل الدواوين وكبار التجار بعدد من المحتاجين، ويلزم السّلاطين الأمراء والأغنياء بيع الغلال حسب الأسعار الحكومية المقررة ليحصل النّاس على حاجاتهم وكان هناك جهاز إداري يعتني بقيد أسماء مستحقي الصدقة ويعطيهم رتبًا حسب حاجتهم. (انظر: إحسان فخري القاس، ع.س، ص80 - 81).


[18] النّجوم الزاهرة كتاب تاريخ وضعه المؤرخ الشهير ابن تغري بردي. ابن إياس، 5/18.

[19] ابن إياس، 3/414.

[20] نفسه، 3/415.

[21] عمر فروخ، ع. س، 936.

[22] الثغر: الاسكندرية.

[23] عمر فروخ، ع.س، 3/937.

[24] نفسه، ص: 937.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 31-10-2020, 04:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,382
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس






أدباء عصر سلاطين الشراكسة:











ابن إياس (3)




د. إيمان بقاعي










مواقف شعرية:



لم يسكت ابن إياس عن الخطأ، بل تحدث عنه وبيّنه وفضحه وشمت بفاعله.







يقول في السّلطان العادل طومان باي الّذي "لما ولي السّلطنة ظهر منه أمور فاحشة وأغرق في سفك الدّماء وقتل الأمراء":






العادل السّلطان لا تعجبْ له

فيما جرى منه بتغيير الدُّول




أعمالُه ردت عليه بما جنى

والدَّهرُ قد جازاه مِن جنسِ العمل[1]












وكان قد قُتل بعد اختفائه[2]. ويظل ابن إياس يراقبُ عقاب الدَّهر لمَن عاقبوا طويلاً وظلموا طويلاً، فها هوذا يتحدث عن موت الأمير طراباي الشّريفي الّذي رجَّت لموته القاهرة وفرح بذلك غالب النّاس، ولا عجب، فقد كان صارمًا عسوفًا شديد البأس زائد القسوة"[3]:






ولما طغى ظلمًا وزادَ تجبُّرا

فعجلَ عزرائيلُ للرُّوح بالقبضِ




وأسكنَه ضيقَ اللُّحودِ معذّبًا

وأخلى المنازلَ منه في طُرفةِ الغمضِ




وقد جاء يسعى للجحيمِ برجلِهِ

وأجزمَ بعدَ الرَّفعِ بالنَّصبِ والخفْضِ












فالشّاعر - بروحه المرحة وخياله الواسع - يتخيل مصير الأمير ويؤكد أنه الجحيم، فإنَّ مَن يظلم النّاس لا بد وأن ينال عقابًا قاسيًا إن لم يكن آجلاً، فبالتأكيد سيكون العقاب عند الموت.







ومن الأمراء إلى الوزراء، نراه يلاحق أحد الوزراء القُساة إلى القبر داعيًا الله تعالى إلى محاسبته على أعماله السَّيئة وعدم مسامحته، بل يطلب من الله أن يودع هذا الوزير في الأغلال ويسوقه ليحاكَم ما دام لم يحاكَم في الحياة الدُّنيا أو ما دام لم يجرؤ أحدٌ على محاكمته أثناء حياته لبطشه وقسوته:






فيا رب قابلْه بما يستحقُّه

وأودعْهُ في الأغلال للبعثِ والعرضِ[4]












ولا يكتفي الشّاعر الدَّقيق الملاحظة الفكِهُ بأن يُشيِّع القساة إلى القبو، ويوصي بهم وصاياه الّتي يستحقونها، بل يلاحق كذلك الوزراء السّوقة في حياتهم، فلا يسلم واحدُهم مِن لسانه السّليط، كالوزير "البباري" الّذي انحطّ منصب الوزارة مذ تولاه، فيصفه بأنه أمُّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ويسخر ابن إياس قائلاً: لكن الله وعده بذلك منذ القدم ويقول فيه:






ومِن أعظمِ البلوى كريم أصابَه

قضاءٌ وأضحى تحتَ ذل لئيم[5]












ويتناول ابن إياس بالهجاء سوقيًّا آخر صار مِن جملة رؤساء مصر وكان أصله مِن الصَّليبية وهو: علي ابن أبي الجود الّذي خلع عليه السّلطان قانصوه الغوري سنة (908ه) وقرره في وكالة بيت المال ونظر الأوقاف وديوان الوزارة وديوان الخاص وغير ذلك مِن الوظائف.







وكان أبوه أصله نجار يقال له: المعلم حسن، ثم تعلق على صنعة الحلوى وسمى نفسه أبا الجود[6].







أما النَّظرة السّاخرة إلى وصول هؤلاء إلى كبرى المناصب فمتأتية مِن أصل شاعرنا الأرستقراطي المنتمي إلى الطّبقة الحاكمة والّتي ترى شذوذًا وغرابة وصول هؤلاء إلى الحكم عن غير كفاءة عِرْقية، فهم لا ينتمون إلى المماليك أصحاب النّفوذ والسّلطان، وكذلك عن غير كفاءة سياسيّة أو فنية، فهم مجرّد طفيليات باعت نفسها للسّلطان والشَّيطان معًا[7].







ويرى ابن إياس أنَّ مصيبة كبرى حلت بوصول ابن أبي الجود إلى منصب عال فلا يتركه يهنأ ويسعد، بل هو يذكره بأصله السّوقي، وبأن ما وصل إليه اليوم إنما هو طارئ وجديد وغريب ومُستهجن وغير مقبول:










بالّذي أركبكَ البغلةَ بعد المشيِ حافي

وكسا جسمَك - بعد العري - خزًّا ونصافي




لا يكنْ خلقَك يومًا يا علاء الدّين جافي[8]











ولا يستثني ابن إياس القضاة[9]، فيقول في "مداعبة لطيفة" لابن النّقيب قاضي القضاة إذ يموت في حادث رفسه به فرس فوقع على فخذه فانكسر فحملوه فمات، وكان قد سعى في حياته إلى عزل قضاة كثر ليتولى المنصب بدلاً منهم:







منصب الحكم في القضا قال لما

كشفَ الله ُما به مِن الهموم




زالَ عني ابنُ النَّقيبِ وإني

كنت معه في قبضة التَّرسيم[10]








يتبع







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 31-10-2020, 04:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,382
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس

لكنه، ورغم سخريته مِن بعض القضاة الّذين تولوا المناصب عن غير استحقاق، نراه يلجأ في شكاواه إليهم، وهاهوذا يرفع شكوى طريفة إلى القاضي بركات بن موسى المحتسب تبنئ عن تذمر مِن ارتفاع سعر حلوى "المشبك" و"المنفوش" سنة 917ه، ويبدو أنه يتحدث باسم الشّعب فيقول ممازحًا:






فلا عيبَ فيها غير أن محبَّها

يبدد فيها مالَه ويضيَّعُ




فيا قاضيًا بالله محتسبًا عسى

ترخّصْ لنا الحلوى نطيبُ ونرتعُ[11]












لكن الرّجل - كما رأيناه مع الغوري - يعاقب بقلمه حين يجب أن يعاقب، ويكافئ بقلمه حين يجب أن يكافئ، فنراه يرثي بوجع مَن يستحق الرِّثاء وها هو ذا يرثي الزيني أبي بكر بن مزهر كاتب السّر بالدّيار المصرية، وكان عالمًا فاضلاً عارفًا بالفقه بقوله:






صارت مراملُه كمثل أرامل

تبكي بأعينِها دمًا وتتربُ




وكذا الدَّواةُ تسودَتْ أقلامُها

حزنًا عليه وأقسمَتْ لا تكتبُ[12]












وما أروع ما كتب راثيًا دولة السّلاطين الشّراكسة الّتي طالما وقف فيها بقلمه يصطاد الخطأ ويقومه بمحبة غير ناجمةٍ عن عقدة نقصٍ ولا هي تهدف إلى التجريح من أجل التّجريح.







فالسّلاطين يجري دمهم في عروقه، والبلد أصبح بلده كما هو بلدهم، يغار عليه ويريد له الأفضل.







ذلك الشّركسي "نفسًا وعقلاً وعاطفة وثقافة"[13] سجَّل لفتاته النّفسية وهمساته القلبية وتأثراته العاطفية "باعتباره مصريًّا وطنيًّا صحيحًا بإزاء ما يدون مِن الحوادث.







ومن هنا، تشعر تمام الشّعور - وأنت مصري - أن رجلاً مصريًّا على غرارك يحدثك بحوادث بلادك وأخبار آبائك وأجدادك بشيء كثير مِن الحق والصّدق والعاطفة الضَّافية والجيشات القلبية"[14].







قام ابن إياس يرثي - باسم الشّعب - كما كان يثور باسم الشّعب ويفرح باسم الشّعب ويطالب باسم الشّعب، يرثي الدّولة الّتي حملت الازدهار لمصر حتى صارت أمَّ الدّنيا:






نوحوا على مصر لأمرٍ قد جرى

من حادث عمَّت مصيبته الورى




زالتْ عساكِرُها مِن الأتراك في[15]

غمض العيون كأنها سنة الكرى[16]




الله أكبر.. إنَّها لَمصيبةٌ

وقعَتْ بمصر ما لها مثل يُرى




لهفي على عيشٍ بمصر قد خلَتْ

أيَّامه كالحلمِ ولَّى مُدبرا












ما مهمة الأديب؟



أو ليست في النُّزول مِن البرج العاجي للمشاركة؟



هل كان ابن إياس مؤرخاً فذًّا وفريدًا فقط، أم كان شاعرًا فذًّا وفريدًا أيضًا؟







لعله كان الاثنين معًا، تمامًا كما كان المصري والشّركسي معًا.











[1] ابن إياس، 4/11.




[2] "بعد استيلاء العثمانيين على القاهرة، التجأ طومان باي إلى الدلتا، واختبأ عند العربان، فخانوه وسلموه للسلطان سليم، مغلول الأيدي، وقد علا وجهه القنوط لما حل ببلاده من الذل والدمار، وبعد عشرة أيام، أمر السّلطان سليم بقتله، فشنقوه في 19 ربيع الأول سنة 923 (1517م) على باب زويلة، وعلقوا جثته بكلاب من حديد، وبقيت معلقة عدة أيام إلى أن أمر السّلطان سليم بإنزالها وصرح بالدفن [انظر: راسم رشدي، ص105 - 106].




[3] ابن إياس، 4/208.




[4] ابن إياس، 4/209.




[5] محمد رجب النجار، ع.س، ص102 - 103.




[6] نفسه، ص104.




[7] نفسه، ص813 - 814.




[8] ابن إياس، 4/44 - 45.




[9] إن تناول الشّعراء القضاة بالهجاء والسخرية، إنما يعبر عن ضيق المجتمع الشّعبي بالوساطة والرشوة واتباع الهوى في الأحكام ووصول بعض القضاة عن غير كفاءة إلى هذا المنصب، ولكن هذا التناول يكون لفئة قليلة من القضاة إذ إن "الوجه الإيجابي الّذي يعكس نزاهة بعض القضاة، كان أيضًا موضع إعجاب العامة وإطرائها في إبداعهم الفني الجاد، فإن عصرًا يشهد أمجاد ابن تيمية والشيخ العز بن سلام، وابن دقيق العيد، وشمس الدّين الركراكي، وشمس الدّين الديروطي، وشمس الدّين بن عطاء الأذرعي، وأمين الدّين يحيى بن الأقصر، والشيخ أبي السعود، والشيخ حسن الجداوي، والنداوي، وأضرابهم، ليحفل بصفحات مشرقة مضيئة في تاريخ القضاة الرسمي والشّعبي في مصر والشّام في مثل تلك العصور" [انظر: محمد رجب النجار ص18].





[10] نفسه، ص217.




[11] ابن إياس، 4/247.




[12] ابن إياس، 3/255.




[13] محمود رزق سليم: عصر سلاطين الممالك، 4/290.




[14] نفسه، 4/294.




[15] قصد دولة الشّراكسة ورجالها.




[16] شوقي ضيف، الشّعر وطوابعه الشّعبية على مر العصور، ص169 - 170.














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 146.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 142.13 كيلو بايت... تم توفير 4.64 كيلو بايت...بمعدل (3.16%)]