اليقين ضد الشك - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60073 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 22-01-2020, 03:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اليقين ضد الشك

اليقين ضد الشك (11)


عبدالفتاح آدم المقدشي

بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه
، ومن تَبِعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.




أما بعد:
فاعلم - أرشدك الله - أنَّ مِن ثِمار التوحيد والاستقامة، واليقين والابتلاء: التمكينَ في الأرض، ولا يمكن أنْ يفوزَ أحدٌ بالتمكين في الأرض، إلا إذا اتَّصف بهذه الصفات، وقد قال - تعالى -: ï´؟ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾ [النور: 55].


وسئل الشافعي - رحمه الله -: هل يُمكَّن قبل أن يُبتلى؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى، ولكن - للأسف الشديد - بعضُ الناس يحبون أنْ يأتي التمكين وهو محمول على طبقٍ من ذهب مع هروبهم من السُّنَن الكونيَّة التي كتب الله على عباده، والتي لا يمكن أنْ تتحولَ أو تتبدَّلَ؛ كتمنِّيهم ألا يكون صراعٌ بين الحقِّ والباطل، وكاستعجال البعض النصرَ على الأعداء، مع قِلَّة التحمُّل للخسائر بالأنفس والأموال وهَلُمَّ جَرًّا، متناسين أو متجاهلين قول الله - تعالى -: ï´؟ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ï´¾ [البقرة : 217].


إذ سرُّ التمكين لا يمكن أنْ يأتي إلا بعد تَفَهُّمِ هذه الآية والتي بعدها، مع العمل بما فيهما؛ إذ الأُولى تُخبر أنَّ الفتنة أشدُّ من القتل؛ كما قال - تعالى - في موضعٍ آخرَ في نفس السورة: ï´؟ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ï´¾ [البقرة : 217]، ولا فتنة أشدُّ وأكبرُ من أن يُفتن المسلمون عن دِينِهم، ولذلك عَلَّمنا الله بأن ندعو: ï´؟ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾ [الممتحنة : 5]، وقال – تعالى -: ï´؟ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ï´¾ [يونس : 85 - 86]، وقال - تعالى -: ï´؟ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة : 250].


ولما طلب جد بن قيس - صاحب الجمل الأحمر، وهو المنافق الوحيد الذي تخلَّف عن بيعة الرضوان تحت الشجرة واختفى وراء جملِه وأخزاه الله - الرخصة عن الجهاد؛ لئلا يُفتن بنساء بني الأصفر، أخبر الله أنَّ ما تركه من الجهاد والخير أعظم فتنة مما تخوَّفه، وهكذا أمرَنا الله أنْ نقاتلَ أعداءَ الله والدين الإسلامي؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كلُّه لله، أما إذا كان نصف الدين قائمًا ومطبَّقًا، ونصفه الآخر تركناه لأجل الكفر؛ إرضاءً لهم، كما هو الحال اليوم - فلا تمكين ولا قرار ولا استقرار، وقد توعَّد الله مَن آمن ببعض الدِّين، وكفر بالبعض الآخر بالخِزي في الحياة الدنيا، وعذاب أكبر في يوم القيامة، وهكذا أخبر الله - سبحانه وتعالى - في الآية التي بعدها أنَّ الذين يفعلون ذلك هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ï´¾ [البقرة : 85 - 86]، وفي الحديث: (يبيع دينَه بعَرَضٍ من الدنيا قليلٍ)، والسبب هو أنهم قالوا: آمنا، بأفواههم، ولم تؤمن قلوبُهم؛ أي: إنهم منافقون، فإذا كانوا مع المسلمين قالوا: آمنَّا، وإذا خَلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم إنَّما نحن مستهزئون، كما في آية سورة البقرة.


فمثل هؤلاء هم الذين أراد الله لهم الفتنة، ومَن أراد الله لهم فتنة، فلن تملِك لهم مِن الله شيئًا؛ لأن الله لم يُردْ أن يطهِّرَ قلوبَهم؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ï´¾ [المائدة : 41].


ولمَّا ابتلانا الله باستمرارية تسلُّط الكفار بالمسلمين إلى يوم القيامة؛ حتى يردّوهم عن دينهم، ولن يستطيعوا ذلك إلا نسبياً، أخبرنا اللهُ في الآية التي بعدها: أن نتمسَّك بثلاثة أمور؛ لنفوز برحمة الله، ونفلح في الدنيا والآخرة:
الأولى: الإيمان المصاحِب للإخلاص واليقين، والمحبة والعلم، والقبول والانقياد، والصدق والاستقامة على الحقِّ، مع نَبْذِ ما سواه من الأباطيل.
الثاني: الهجرة مِن دار الكفر إلى دار الإسلام، ومِن دار الفِسْق والعهر، إلى دار العِفَّة والطُّهر، وإلى أرض العِزَّة والكرامة والحريَّة.
الثالث: الجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ لذا فلا يمكن أنْ يقومَ الإسلام إلا بالجهاد؛ فهو لازمٌ من لوازم الإسلام والإيمان، فأينما وُجِد الجهاد فالإسلام والإيمان في قوة، وأينما فُقِد الجهاد فالإسلام والإيمان في ضَعف.


فالمسلمون خيرُ أُمة أُخْرِجت للناس؛ فهم خيرُ الناس للناس على الإطلاق؛ لما أنعم الله عليهم مِن صفات العدل والإحسان إلى الخَلْق، فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وخير ما يُؤْمَر به بالمعروف، ويُنْهَى به عن المنكر هو الجهاد في سبيل الله، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيميَّة في كتابه "الاستقامة".


قال أبو هريرة: "تأتونهم تقودونهم بالسلاسل، ثم تدخلونهم الجنة".


وما أكثر من أُتِي به بالسلاسل، وهو لا يعرف عن سماحة الإسلام وحُسنه شيئًا، فعَلِمَ بذلك بحُكْم وجوده في أهل الإسلام، فأسلم فحَسُنَ إسلامه، كما حصل مثل ذلك لثمامة بن أثال، وغيرهم من المأسورين في عهد النبوة.


بل لقد أمرنا الله أنْ نطعمَ الأسير الطعام الذي نحبُّه؛ إكرامًا لهم، وجَلْبًا وتأليفًا لهم إلى الإسلام؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ï´¾ [الإنسان: 8].


فسماحة الإسلام وعدالته وإحسانه هو ما شَهِد به الأعداءُ فلا نطيل بتقرير مثل هذا الأمر.


وأخيرًا: أُوصي إخواني المسلمين بما يلي:
1- ألا يكون المسلمون حالهم كحال الكفَّار الذين جعل الله أعمالهَم: ï´؟ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ï´¾ [النور: 39].
2- ألا يتخذوا مِن عند أنفسهم منهجًا معوجًّا غير منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، والسلف الصالح، فإذا فعلوا ذلك أخطؤوا طريقَ التمكين الصحيح، وستكثُر فيهم الاختلافات والانشقاقات، والفتن والاقتتال، والمِحن كما هو مشاهَد ومعلوم؛ ففي الحديث: ((افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترِق هذه الأمة ثلاثًا وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: مَن يا رسول الله؟ قال: هي التي كانت ما أنا عليه وأصحابي))، وفي رواية: ((الجماعة))، وفسَّر ابن مسعود - رضي الله عنه – الجماعة: ما وافقَ الحقَّ ولو كنتَ وحدَك، ولا عِبْرة في كثرة العدد والأغلبية.
فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفْ
وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفْ

3- أن يتمسكَ المسلمون بما أوصانا الله به؛ من الإيمان، والهجرة، والجهاد في كثير من السور كسورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال و الحج والحشر.
4- أن نكونَ أنصارًا ومهاجرين إلى الله، ثم اعلم أنه لا يجوز أبدًا التعصُّب بهذين الاسمين الشريفين المذكورين في القرآن، فكيف بما هو دونهما؟! بل عندما قال أحد الشابين الَّذَيْن اقتتلا: يا للمهاجرين، وقال الآخر: يا للأنصار، اعتبرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك دعوى جاهليَّة، وقال: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!)).


والحمد لله الذي بنعمتِه تتمُّ الصالحاتُ.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 22-01-2020, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اليقين ضد الشك

اليقين ضد الشك (12)


عبدالفتاح آدم المقدشي




بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشْرف المرْسلين وآلِه وصحْبه ومَن تبِعه بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاعلم - أيّها الأخ الكريم، أرْشدني الله وإيَّاك - أنَّ الأنبياء ضربوا أرْوع الأمثِلة في الابتِلاء، فمنهُم مَن ابتلي بمرضٍ مزمنٍ لازَمَه سبع سنوات فصبر، كأيّوب - عليه السَّلام - ومنهم مَن ابتلي بفقْد أوْلاده حتَّى عمِي من شدَّة الحزْن، كيعقوب، ومنهم مَن ابتُلي بموْتِ أوْلاده وبناتِه في حياتِه، كنبيِّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام - إلاَّ فاطمة - رضِي الله عنْها - الَّتي ماتتْ بعدَه بستَّة أشهُر، ومنهم مَن ابتُلي بالأمر بذبْح ابنِه بعدما رزقه الله به وهو كبير في السّنّ، خصوصًا بعدما بلغ معه السَّعي والخِدمة؛ كما قال تعالى: ï´؟ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ï´¾ [إبراهيم: 39].

ومنهُم مَن ابتلي بالفقْر كنبيِّنا، ولقد خُيّر بين أن يَكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا، ومنهم مَن ابتُلي بالقتْل والذَّبح كيحيى وزكريَّا، ومنهم منم ابتُلي بابتِلاع الحوت له وبالمرض، كيونس - عليه السلام.
ومنهُم مَن ابتلي بعقوق ابنِه، كنوح - عليه السَّلام - ومنهم مَن ابتُلي بعصْيان وخيانة أهلِه، كنوحٍ ولوطٍ - عليهِما السَّلام - ومنهُم مَن ابتُلي بموت أخيه النَّبي، كموسى لمَّا مات هارون في حياتِه.

وكذلك تعرَّضت الأنبياء كلّهم من قِبَل الكفَّار لتهديدات بالغة في النّكاية بهم، كالقتْل والرَّجم والنَّفي والطرْد... إلخ.

ومنهُم مَن ابتلي بالمُلْك والنِّعَم فشكر الله، كداود وسليمان - عليهما السَّلام.
ومنهم مَن ابتلاه الله بطول العناد والمكابرة في دعوتِه، في ألفِ سنة إلاَّ خَمسين عامًا، كنوح - عليه السَّلام.
ومنهم مَن ابتلاه الله بامرأةٍ جميلة وهو غَريب مأْسور عندها، فصبر لله وتغلب على نزغات الشَّيطان والنَّفس الأمَّارة بالسّوء، وهو يوسف - عليه السَّلام - كما ابتلاه الله بالسجْن وطول المكث به، وابتلاه الله بالعبوديَّة وخدمة النَّاس.
ومنهم مَن ابتلاه الله بالجهاد كنبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وموسى وداود - عليهما الصلاة والسَّلام - بل قد أصابت نبيَّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام - الجراحة المعروفة في سبيل الله في معركة أُحُد، واعلم أنَّه لَم يحدث أن آتى اللهُ الملك والحكمة والعلم والنبوَّة لداود - عليْه السَّلام - إلاَّ بعد ما قتل جالوت قائدَ الكفَّار في المعركة.
ومنهم مَن ابتلاه الله بالخروج من الجنَّة والهبوط إلى الدّنيا دار الشَّقاء والابتلاء، كآدَم - عليه السَّلام.
ومنهُم مَن ابتلاه الله بالسِّحْر والسُّمّ، كنبيِّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام.
ومنهم مَن ابتلاه الله بالطُّغاة ومناظرتِهم، فأنجاه الله من شرِّهم، كموسى وإبراهيم.
ومنهُم مَن ابتلاه الله بإلْقائه بالحريق العظيم، فلَم يسأل أحدًا إلاَّ الله، وقال: "حسبُنا الله ونعم الوكيل"، فجعل كيد الكافرين هو الأسْفل والخاسر، وهكذا يحفظ الله عبادَه الموحّدين ويدافع عنهم.
ومنهم مَن ابتَلاه الله بفقْد الذّرّيَّة فسأل الله أن لا يدعَه فردًا، كزكريَّا - عليْه السَّلام.
ومنهم مَن ابتلاه الله برمْي الححارة عليْه حتَّى دمِيَت قدماه لمَّا سلَّطوا سفهاءهم وعبيدهم عليه، فجعل يقولُ: ((اللَّهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون))، وهو نبيّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومنهم مَن ابتلاه الله بإلْقاء السَّلا على رأسِه الشَّريف وهو ساجد لله - عزَّ وجلَّ - فأخذ قومُه يتضاحكون عليه حتَّى مال بعضهم لبعض، وهو نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحديث في صحيح البخاري.
ومنهُم مَن ابتُلي بخنقه بالثَّوب في عنُقه حتَّى أنقذَه الله بأبِي بكْر، وهو نبيُّنا - صلَّى الله عليْه وسلَّم.
ومنهم مَن ابتلاه الله بمواقف مُحْرجة جدًّا من قومه، كلوط - عليه السَّلام - كمثل مجيئِهم إلى ضيوفه الملائكة ليفْعلوا بهم فاحشة اللّواط.
ومنهم مَن تعرَّض للاستِهزاء والسّخرية، بل لقد تعرَّضت الأنبياء كلّهم لهذه الظَّاهرة المزْرية، وسُبَّ الأنبياء ووُصفوا بأوْصافٍ بأغلظ الأوْصاف التي لا تليق بهم، بل وربَّما مدحوه بقصْد الاستِهزاء، كما قالوا لشعيب: ï´؟ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الحَلِيمُ الرَّشِيدُ ï´¾ [هود: 87].
ومنهم... إلخ.

وإذا كان الله ابتَلَى أكرم عبادِه بهذه الأمور الَّتي وصفتُها لك وغيرها، فما على العباد إلاَّ أن يقْتدوا بكلّ حالةٍ من هذه الحالات المتنوّعة، ويصبروا كما صبروا، ويرْجوا كما رجَوا؛ حتَّى ينجحوا بالابتِلاء في هذه الدَّار ويفوزوا في الدّنيا والآخرة، وقد قال تعالى: ï´؟ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ï´¾ [الأنعام: 90]، وقال تعالى: ï´؟ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ... ï´¾[الممتحنة: 4] الآية، وقال تعالى: ï´؟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ï´¾ [الأحزاب: 21].

وانظُر واعتبِر - يا أخي الكريم - على سبيل المثال، لمَّا ابتلى الله يعقوبَ - عليْه السَّلام - بفقْد بنيه كيف صبر حتَّى استحقَّ صبرُه أن يوصف بالصَّبر الجميل، وهو ما اشتمل بالخِصال الآتية:
أوَّلاً: الاستِعانة بالله، فقد قال: ï´؟ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ï´¾ [يوسف: 18]، مع قوَّة الثّقة واليقين أنَّ الله ينصره ويُعينه فيما أراده.
ثانيًا: الرَّجاء وعدم القنوط من رحمة الله؛ قال تعالى: ï´؟ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ï´¾ [يوسف: 83]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ ï´¾ [يوسف: 87].
ثالثًا: عدم الشّكاية لغير الله؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ï´¾ [يوسف: 86].
رابعًا: ترْك الفزَع والتسخُّط على المصيبة، والاكتِفاء في كلّ مرَّة بقوله: ï´؟ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ï´¾ [يوسف: 18، 83].

وكذلك انظر واعتبِر، لمَّا ابتلى الله حبيبَه محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِموت إبراهيم قال: ((إنَّ العين لتدْمع، وإنَّ القلب ليحْزنُ، وإنَّا لفراقِك - يا إبراهيم - لَمحزونون)).

نعم، ما جاوز النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يعبّر عن حُزنِه الجبلِّيّ وحنوِّه لابنِه ورحمته له إلاَّ بالتلفُّظ بهذه الكلمات، وهكذا كان حاله لمَّا أُتِي بابنٍ لبنتِه يحتضَر ونفسُه تقعْقَع، دمعت عيْناه رحمة لابنِ بنته المحتضر، فقال له سعد بن معاذ: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: ((إنَّما يرحم الله من عباده الرّحماء))؛ رواه البخاري.

وتاللهِ، هذا هو الصَّبر الجميل الَّذي علَّمنا الله على لسان نبيِّه، وهو تطْبيق عمليّ، فلا صياحَ ولا ضرْبَ للخدود ولا شقَّ للجيوب، ولا شكايةَ ولا إظهارَ للتأسّف أو الاعتراض على أمر الله كما ترى، وهلمَّ جرًّا.

وانظُر واعتبِر - أخي الكريم - لمَّا ابتلى الله إبراهيمَ - عليْه السَّلام - بذبْح ابنِه، كيف فعل؟
أوَّلاً: بادرَ في تنفيذ الأمْر ولَم يقُل: واللهِ إنَّها مجرَّد رؤيا؛ لأنَّ رؤيا الأنبياء كانت وحْيًا، بِخلاف سائر النَّاس.
ثانيًا: قدَّم محبَّة الله على محبَّته لابنه، وهو ما أراد الله أن يُظهره لما ابتلاه؛ لذلك لمَّا شرع في التَّنفيذ فداه الله بكبشٍ ما دام قد انقادا واستسْلما لأمر الله؛ ولذلك قال تعالى: ï´؟ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ï´¾ [الصافات: 103].
ثالثًا: يُستفاد من القصَّة كثيرٌ من صفات الخير لإبراهيم - عليْه السَّلام - منها: الصَّبر الجميل، تعْظيم أوامر الله وتقْديمها على كلّ شيء، الشَّجاعة وقوَّة العزيمة في تنفيذ الأوامر الخطيرة كما في هذه القصَّة.

وهكذا كان للصَّحابة الكرام - رضوان الله عليْهم - اتِّخاذ القرارات الخطيرة، مثل ما في هذه القصَّة، ككون تقديمهم أوامرَ الله من كلّ شيء إذا اعترضها أحدٌ، حتَّى ولو كان أقرب أقربائِهم، وهذا سعدٌ يقول لأمّه وقد كان يحبُّها جدًّا: "لو كانتْ لك مائةُ نفسٍ فخرجتْ واحدة واحدةً ما أشركْت بالله"، وذلك لمَّا تركت الأكْل ليكفر بالله، وهذا أبو عبيدة بن الجرَّاح يَقتل أباه لمَّا اعترض أوامرَ الله وحارب الله ورسولَه، وإنَّما قتل الشّرك الذي كان في نفْس أبيه، كما فسَّره بذلك بعضُ السَّلف، وهذا أبو بكْر - رضِي الله عنْه - طلب ابنَه عبدالرحمن في القتال ليقتلَه، ولكنَّه لَم يجدْه، وهلمَّ جرًّا.



والله وليّ التَّوفيق.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 22-01-2020, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اليقين ضد الشك

اليقين ضد الشك (13)


عبدالفتاح آدم المقدشي



بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين, والصَّلاة والسَّلام على أشْرف المرسلين، وآله وصحْبِه ومَن تبِعه بإحْسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاعلَم أنَّ حلاوة الإيمان من أهمِّ النِّعَم الَّتي أنعم الله بها على عباده المسلمين؛ لذلك تجد أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ذاق طعمَ الإيمان: مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد نبيًّا))[1].

فالحديث يدلّ على أنَّ مَن لَم يرْضَ بالله ربًّا، ودين الإسلام دينًا، وبمحمَّد نبيًّا، لَم يذُق طعم الإيمان، كما هو ظاهر في سياق الحديث, ولكن اعلم أنَّ كلَّ هذا لا يكون إلاَّ بعد العلم, فمن تذوَّق حلاوة شيء فلا بدَّ أن يتأثَّر به، وبالتَّالي لا بدَّ أن يطلبه ويستَسيغه ويتلذَّذ به[2], وقد قال - تعالى -: ï´؟ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ï´¾ [محمد: 19].

وقد ترْجم البخاري في كتابه الجامع لهذه الآية، فقال: باب العلم قبل القول والعمل.

واعلم أيضًا أنَّ الرِّضا بأصول الدّين هي النِّعْمة الحقيقيَّة التي يتنعَّم بها المسلم، كما قال - تعالى -: ï´؟ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ï´¾ [المائدة: 3]، فإذا أخذْنا بِما رضِي الله لنا، وهو الإسلام، واكتفيْنا بنعمته الَّتي أنعمها الله عليْنا؛ بل وكمَّلها وأتمَّها عليْنا، فإنَّنا سنُرضي الله - سبحانه - كما ينبغي؛ بل وسيَحْدُث مثل ذلك الرّضا في الآخرة - إن شاء الله تعالى - كما قال تعالى: ï´؟ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ï´¾ [البينة: 8].

وعليْنا أن نعرف الخطوات الآتية؛ لنرْتقي إلى الرِّضا المطْلوب منَّا كما يحبُّه الله ورسوله:
الخطوة الأولى: لا بدَّ من العلم والعمَل بالأصول الثَّلاثة: وهي معرفة الله - عزَّ وجلَّ - بأنَّه هو الرَّبّ الخالق الرَّازق، مدبِّر الأمور، مالك الدّنيا والآخِرة, وهذا ما يُعرف بتوْحيد الربوبيَّة, ولا يكْفي هذا النَّوع من التَّوحيد؛ بل ولا يُنجي صاحبَه من النَّار؛ إذ كانت كفَّار قريش تقرُّ به كما ورد في القُرآن في آيات كثيرة تبيِّن ذلك، كقوله - تعالى -: ï´؟ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ï´¾ [يونس: 31].

وأمَّا توْحيد الألوهيَّة، فهو أن تعبد الله بِما استعبدك به من العبادات بالتَّوحيد، وألاَّ تشرك به شيئًا, ومنْه إفْراد الحكم لله وحْده, والدّعاء, والنَّذْر له وحْده، إلى غير ذلك من سائِر العبادات.
وأمَّا توْحيد الأسماء والصِّفات، فهو أن تعتقِد وتعبد الله بالعِلْم والإقرار، بأسْمائه الحُسْنى وصفاته العُلا، من غير تحريف ولا تأويل، ولا تَمثيل ولا تَعطيل، ولا تكْييف ولا تفويضٍ لمعانيها المعلومة.

وكذلك لا بدَّ من معرفة دين الإسلام بالأدلَّة, فدينُنا الإسلامي له مرجِعان أساسيَّان؛ وهما الكتاب والسنَّة، وما يلحقُهما من الإجْماع والقياس الصَّحيح والمصالح المُرْسلة؛ لذلك يطمئنّ قلبك وينشرح وتشْعر بالحلاوة الإيمانيَّة؛ بل وتهتدي بتلك الأدلَّة راضيًا بها.

أمَّا مَن أتاك بآرائه الشَّخصيَّة، أو بالخرافات أو بالخزعبلات، فمن السَّهل أن تضرب بأقواله عرض الحائط إن لم يأْتِ لك بدليل صريح صحيح من الكتاب والسنَّة، أو ما يلحقهما من أصول التَّشريع.

وكذلك لا بدَّ من معرفة حامل الرِّسالة العظيمة محمَّدٍ النَّبيِّ الأمِّي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الرحمة المهداة، العاقب الذي يحشر النَّاس على عقبه، الماحي الضَّحوك القتَّال، الفارق بين الحقّ والباطل, السِّراج المنير، مُخرِج النَّاس من ظُلمات الظلم والجهل والبغْي والمنكر والفساد، إلى سبُل السَّلام، وإلى نور العدْل والعلم والصَّلاح والإحسان، والخير والكرامة والشَّرف والرّفعة في الدنيا والآخرة.

فهذه الأمور الثلاثة سيُمْتحن بها المرء في قبرِه، فيُقال له: مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ ومن نبيُّك؟


قال البخاري: حدَّثنا عبدالله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عرْوة، عن امرأتِه فاطمةبنتالمنذِر، عن أسماء بنت أبِي بكر - رضِي الله عنْهما - أنَّها قالت: أتيتُ عائشة - رضي اللهعنْها - زوجَ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين خسفت الشَّمس، فإذا النَّاس قيام يصلُّون، وإذاهي قائمة تصلِّي، فقلت: ما للنَّاس؟ فأشارت بيدِها إلى السَّماء، وقالت: سبحان الله! فقلت: آية؟ فأشارت: أي نعم، قالت: فقمت حتَّى تجلاني الغَشْيُ، فجعلت أصبّ فوق رأسي الماء، فلمَّاانصرف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حمِد الله وأثنَى عليه، ثمَّ قال: ((ما مِن شيء كنتُلَم أره إلاَّ قد رأيتُه في مقامي هذا، حتَّى الجنَّة والنَّار، ولقد أوحي إليَّ أنَّكم تُفتنون فيالقبور مثلَ أو قريبًا من فِتْنة الدَّجَّال - لا أدري أيَّتهما قالت أسماء - يؤتى أحدكمفيقال له: ما عِلْمك بهذا الرَّجُل؟ فأمَّا المؤمن، أو الموقِن - لا أدْري أيّ ذلك قالت أسماء - فيقول: محمَّد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاءنا بالبيِّنات والهدى، فأجبْنا وآمنَّاواتَّبعنا، فيقال له: نَم صالحًا، فقد علِمْنا إن كنتَ لموقنًا، وأمَّا المنافق، أو المرتاب - لا أدري أيَّتهما قالت أسماء - فيقول: لا أدري، سمعت النَّاس يقولون شيئًا فقلتُه))[3].


ولاحظ قولَه: "سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتُه"؛ لأنَّه لم يرفع رأسه بالهدى الَّذي جاء به نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم.

الخطوة الثَّانية: شروط التَّوحيد؛ وهي العلم المنافي للجهل, والمحبَّة المنافية للكراهية, والصّدق المنافي للتَّكذيب والنّفاق, والإخلاص المنافي للشّرْك, والقبول المنافي للرَّدّ, والانقياد المنافي للإعراض, واليَقين المنافي للشَّكّ, وهذا اليقين هو أعْظم شرطٍ - في نظَري - الَّذي يمكن أن تحقّق به إيمانَك وتشعر بسبَبِه بحلاوة الإيمان, أمَّا باقي الشروط فهي تبَع لهذا الشَّرط, فمَن أوْصل عِلْمه إلى درجة اليقين، فلا بدَّ أن ينتفع بعلمه، وأن يحبَّ ربَّه، وأن يقبل شرعه، وأن يُصدِّق إيمانه بالاعتقاد والقول والعمل، وأن يخلص في دينه، وأن ينقاد له،، والله أعلم.

الخطوة الثالثة: العلم مع العمل، والدَّعوة إلى الله والصَّبر, وقد اشتملت سورة العصْر على هذه المعاني الجليلة، وحكمتْ على مَن لم يتَّصف بها بالخسران، فتأمَّلها؛ لذلك نقول: لا يُمكن من أخلَّ بشيءٍ من هذه الأربعة في هذه السُّورة أن ينال رضا الله - سبحانه - مع كونِه سيشعر بدلاً من ذلك شعورًا منكدًا لا محالة, أمَّا مَن قام بكلّ ما عليه من الواجبات والحقوق، وصبر في سبيل ذلك على الأذى وتحمَّله، فسيشعر على الأقلِّ أنَّه قد ألقى عن عاتِقه تبعة المسؤولية أو المؤاخذة عليه يوم القيامة.

فوالله الَّذي لا إلهَ إلاَّ هو، ما ذُقْت حلاوة الإيمان إلاَّ بعد ما وقع في يدي كتاب "فتح المجيد"، فعند ذلك فهِمْتُ لبَّ الرّسالة الَّتي يريدها الله - سبحانه - من البَشَر, وكذلك عندما وقع في يدي كتاب "العقيدة الواسطيَّة" عرفت ربي بأسمائِه وصفاته كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه؛ لهذا أوصي كلَّ المسلمين أن يعتنوا بهذيْن الكتابين العظيمين؛ ليذوقوا ما ذقتُه.

من ثَمرات الرِّضا بالدِّين الإسلامي وحلاوة الإيمان:
1- التَّعظيم: أي تعظيم الله في أوامره ونواهيه، وتعظيم دينِه وشعائره ونبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم.


2- الطُّمأْنينة والرَّاحة النفسيَّة: وهذا ما يعرفه ويشعر به كلُّ مَن أنعم الله عليه بنِعْمة الإيمان والإسلام، حتَّى كان يقول أحد السَّلَف: "إنَّنا لفي نعمة، لو كان يعْرِفُها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف"، ويقول آخر: "إنَّ في الدنيا جنَّة، مَن لم يدخُل فيها لا يدخُلها في الآخرة", أمَّا حديث: ((الدنيا سجن المؤمِن، وجنَّة الكافر))، فهو بالنسبة لما ينْتَظر كلاًّ منهما من الجنَّة والعذاب في الآخرة.

3- التَّشمير عن ساعد الجدِّ للواجبات والمستحبَّات: مع كراهية الفسق والعصيان والكفر، كما قال - تعالى -: ï´؟ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ï´¾ [الحجرات: 7]، وهذه مَن أنعَم النِّعَم الَّتي يتنعَّم بها المؤمنون الرَّاشدون؛ لذلك قال - تعالى - بعدها: ï´؟ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [الحجرات: 8]، ومَن فقَد هذا الشعور والإحْساس أو التَّأثير، فليتَّهم نفسَه.

4- المحبَّة الخالصة للمُسلمين جميعًا: كما جاء في "صحيح البخاري":
حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثنَّى، قال: حدَّثَنا عَبْدالوَهَّابالثَّقَفيُّ، قال: حدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ أبي قِلابَةَ، عَنْ أنَسٍ، عَنِالنَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَال:((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدحَلاوَةَ الإيمَان: أنْ يَكُونَ اللَّهُ ورَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّاسِوَاهُما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلاَّ لِلَّهِ، وأنيَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّار))[4].


ومن المحبَّة الخالصة للمسلمين جميعًا أن يسلِّم المرْء على مَن لا يعرف.

والتصدّق عليه وهو لا يعرف، والدّعاء له وهو لا يعرف، والزّيارة له إذا مرض وهو لا يعرف؛ بل للعطف عليه وللمواساة فقط؛ ولذلك هذا هو خير الإسلام كما جاء في حديث عبدالله بن عمرو: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قال: حَدَّثَنااللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَن أبي الخَيْرِ، عنْ عَبْداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنْهُما - أنَّ رَجُلاً، سَأَلَ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّالإسْلامِ خَيْرٌ؟ قَال:((تُطْعِمُ الطَّعامَ، وتَقْرَأُ السَّلامَ علىمَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِفْ))[5].


وأيضًا من ذلك أن يكون المسلم مسالمًا وآمنًا ومحافظًا،كما في الحديث:((المسلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويدِه, والمؤمن من أمِنَه النَّاس على دمائِهم وأموالهم, والمُهاجر مَن هجَرَ ما نَهى الله عنْه)).


وروى عبدالله بن عمرو في "صحيح البخاري" بلفظ:
حدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أبي إياسٍ، قالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْداللَّهِ بْنِ أبي السَّفَرِ، وإسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَال:((المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِه ويَدِه،والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ))[6].


وكذلك جاء في حديث أبي موسى بلفظ:
حدَّثَنَا سَعِيدُبْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيّ، قال: حدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَنَاأبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْداللَّهِ بْنِ أبي بُرْدَةَ، عَن أبي بُرْدَةَ،عَنْ أبي مُوسَى - رضي الله عنْه - قال: قالُوا: يا رَسُولَ اللَّه، أيُّالإسْلامِ أفْضَلُ؟ قال:((مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهويَدِه))[7].


وأيضًا من ذلك أن يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، كما في "صحيح البخاري":
حدَّثَنامُسَدَّدٌ، قال: حدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ- رضِي الله عنْه - عَنِ النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.


وعَنْ حُسَيْنٍالمُعَلِّمِ، قَال: حدَّثَنا قَتَادَةُ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلَّى اللهعليْه وسلَّم - قَال:((لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيه ما يُحِبُّلِنَفْسِه))[8].


فكلُّ مَن أحبَّ لأخيه ما أحبَّ لنفسه، لا يُمكن أن يحسُده أو يحتقرَه، أو يتكبَّر عليه أو يفتخِر عليه، أو يغْمزه ويسخر منه، أو يبغضه... إلخ؛ لأنَّ كلَّ ذلك من خطوات الشَّيطان ومن أجل الافتنان بالدنيا؛ لذلك لا يُمكن أن تجِد عالمين مُخلصين لله يتحاسدانِ، أو زوجين أحبَّ كلّ منهما الآخر في سبيل الله يتشاجران.

لذلك اعلم - أيُّها الأخ الكريم - أنَّ حبَّ المؤمنين بعضهم لبعض على مرتَبتَين:
المرتبة الأولى: درجة الإيثار؛ وهي أن تحبَّ له الخير أكثر ممَّا تحبّه لنفسِك، ويندُر هذا؛ بل وقلما توجد هذه الصِّفة، ولا يُمكن أن يتحلَّى بها إلاَّ الخلَّص الصبورون.

المرتبة الثَّانية: درجة الحبّ العادل - إن صحَّ التَّعبير - أي: أن تحبَّ لأخيك ما تحبّ لنفسك, أمَّا إذا ضعُفت فيك هذه الصِّفة فلا شكَّ أنَّك ستقع في الظُّلم ولا بدَّ أيضًا أن تتَّصف بالصّفات المذْمومة الآنفة الذِّكْر, ولا يخفى على اللَّبيب ما سينتج عن هذه الصِّفات من الشُّرور - إن عاجِلاً أو آجلاً - من الاختِلاف، وحمل الإحَن والضَّغائن؛ بل والفتن والاقتِتال؛ لذلك أنقذَنا الله بنعمة الإسلام الَّتي جعلتْنا كلّنا إخوة في الله، كما قال - تعالى -: ï´؟ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ï´¾ [آل عمران: 103].

5- أن يعيش المسلم حياة طيِّبة: كما قال - تعالى -: ï´؟ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [النحل: 97]، وقال - تعالى -: ï´؟ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ï´¾ [طه: 123]، وقال - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ï´¾ [محمد: 2]؛ أي: أصلح حالهم.


بل إنَّك تجد في القرآن أنَّ الكافر والمنافق ولو أُعطي أموالاً وفيرة، وبنين شهودًا، فإنَّه سيتعذَّب بهما، كما قال - تعالى -: ï´؟ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ï´¾ [التوبة: 55].

وإنَّك تجد المؤمن المصاب بالفقْر أو بالمرَض المزْمِن، أو بأيّ مصيبة من المصائب صابرًا محتسبًا، ويعيش عيشةً هادئة طيّبة حسنة, عن أبي سعيدٍ سعد بن مالك بن سنان الخُدْري - رضِي الله عنْه - أنَّ ناسًا من الأنصار سألوا رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فأعْطاهم، ثمَّ سألوه فأعْطاهم، حتَّى نفِد ما عنده، فقال لهم حين أنفقَ كلَّ شيءٍ بيده: ((ما يكُن عندي من خيرٍ فلَن أدَّخِرَه عنكم، ومن يستعفِفْ يعفَّه الله، ومن يستغْنِ يغْنِه الله، ومن يتصبَّر يصبِّرْه الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوْسَع من الصَّبر))[9]، وما ذاك كلّه إلاَّ نتيجة الرّضا عن الله - سبحانه - ودينِه ورسوله جملة, ونتيجة الإيمان الَّذي تزوَّدناه من تعاليم دين الإسلام نفسِه، كالرّضا بالقضاء والقدَر، والصَّبر والشُّكر على السَّرَّاء والضَّرَّاء... إلخ.

لذلك من الدّعاء المأْثور عن ابنِ مسعود - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: ((اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك الهُدى والتُّقى والعفاف والغِنَى))[10].

فكُلّ مَن وجد من نفسِه هذه الصفات الَّتي في هذا الدُّعاء، لَم يَفُتْه شيء، ومَن فاته شيءٌ من ذلك فاتَه خيرٌ كثير.

فإذا كان مجرَّد ذِكْرك لله - فضلاً عن عبادته سبحانه وطيب مناجاته - يُطمْئِنُ قلبَك ويشرحُه، وتنزل عليك السَّكينة وتغشاك الرَّحمة؛ بل وتحسُّ أنَّ الله جليسُك ويذكرُك إن ذكرتَه وحدك, وإن ذكرتَه في ملأٍ ذكرَك في ملأٍ خير منه؛ بل ويُباهي بك الملائكة - كما ورد بذلك أحاديث - فما ظنُّك بفضائل الأعمال الأخرى؟


رُوي أنَّ أحد السَّلف زاره صاحبٌ له فقال له: ألا تستوحش؟ فقال له: كيفَ أستوحِش والله - سبحانه وتعالى - هو جليسي؟! لأنَّ في الحديث: ((أنا جليس مَن ذكرني)).

والله أعلم.
ـــــــــــــ
[1] رواه مسلم عن العبَّاس - رضي الله عنْه.
[2] لذلك قد ترى بعض الناس يقرؤون القرآن - للأسف الشديد - بنفسيَّة ضعيفة ميتة، وعندما يفتح الجرائد أو المجلات فإذا به دبَّتْ فيه الحياة وانتعش، وقرأها بمعنويَّات عالية, فسبحان الله! والسر في ذلك هو فقْد طعم الإيمان، والرضا به في قلبِه، وعدم الشعور بقيمة الدّين وأنَّه يحتاج إليه وينفعه في الدنيا والآخرة، والله المستعان، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليّ العظيم.

[3] رواه البخاري برقم (1005).

[4] رواه البخاري برقم (16).

[5] رواه البخاري برقم (12).

[6] رواه البخاري برقم (10).

[7] رواه البخاري برقم (11).


[8] رواه البخاري برقم (13).

[9] متفق عليه.

[10] رواه مسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 22-01-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اليقين ضد الشك

اليقين ضد الشك (14)


عبدالفتاح آدم المقدشي


فضل الله ورحمته


بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشْرف المرسَلين، وآله وصحْبه ومَن تبعه بإحسان إلى يومِ الدِّين.

أما بعد:
فاعلمْ أنَّ رحمة الله وفضله خيرُ ما يظفر به المرءُ في دنياه وأخراه؛ ولذلك قال - تعالى -: ï´؟ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ï´¾ [يونس: 58].

فمَن فقَدَ رحمة الله وتوفيقَه وتيسيره، فقَدْ فقَدَ الخيرَ كلَّه، ومن وجَد ذلك فلا يمكن أن يضرَّه شيء أبدًا، مهما كان، كما قال - تعالى -: ï´؟ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾ [فاطر: 2]، وقال - تعالى -: ï´؟ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ï´¾ [يونس: 107].

ولذلك - للأسف الشديد - قد ترَى بعضَ الناس يجدُّ ويكْدح في الحياة، وكأنَّ هذا هو السبب الوحيد في نجاحه، وفي هذا مفاسدُ، منها ما يلي:
1- كونُه يعتقد اعتقادَ قارونَ؛ قال - تعالى -: ï´؟ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ï´¾ [القصص: 78]؛ أي: بمعرفتي بوجوه التجارة، أو بعِلم الله أنِّي أستحق بهذا المال.
2- كونه فقَدَ التوكل، وتعلَّق بهذه الأسباب المادية، وقد قال - تعالى -: ï´؟ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ï´¾ [المائدة: 23].
3- كونُه مستدرجًا، ولا يعلم أنَّ عاقبة أمره خسارة، وقد قال - تعالى -: ï´؟ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 182].
4- كونه أمِن مِنْ مَكْر الله، وقد قال - تعالى -: ï´؟ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ï´¾ [الأعراف: 99].
5- كونُه فقَدَ الفَضْل والرحمة؛ أي: البركة، وقد قال - تعالى -: ï´؟ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ï´¾ [يونس: 58].

ولذلك اعلمْ - يا أخي/ ويا أختي الكريمة - أنَّ كل ما تَعْمله في هذه الحياة الدنيا إنْ لم يقارنه فضْلٌ من الله ورحمة، فهو منزوعُ البركة، ولا خير فيه، كما نَفْهم من قوله - تعالى -: ï´؟ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ï´¾ [الزخرف: 32].

وقال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا رَأَوا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ï´¾ [الجمعة: 11].

فقد قرَن الله - سبحانه - التجارة باللهوِّ؛ حيث شغلتِ الناسَ عن سماع الخير؛ لذا فقدْ بيَّن الله في هذا المقام أنَّه هو خيرُ الرازقين.

فعلى سبيل المثال: قد ترَى بعض التجَّار يُفتَن بكثرة الزبون عنده في أوقات الصلوات مثلاً، أو عند أذان الجمعة، فلا شكَّ أنَّه إذا ترَك التجارة لوجْه الله، وأغلق المحل ولم تفتنْه الدنيا، أنَّ الله - سبحانه - سيُعوِّضه خيرًا مما ترك؛ لأنَّ الله هو خير الرازقين، وهو الذي يرزق بغيْرِ حِساب، مع ما في ذلك الأمر مِن فضْل الله ورضوانه، ورحمته الواسعة.

وأيضًا مِن فضل الله ورحمته الواسعة أن يرزقَك اللهُ وأهلَك العافيةَ في الدِّين والدنيا، فكم فُتِن كثيرٌ بجمْع الأموال من الحلال والحرام، فابتلاه الله بمصائبَ أخرى؛ صِحيَّة وغير صحية.

وهكذا، فضْل الله ورحمته يجعل المرءَ موفَّقًا في أمور آخرته، فيؤديها بأحسنِ الوجوه، مع الإخلاص وموافقة السُّنة، كما يجعله الله قريبًا من الملائكة، بعيدًا من الشياطين والكفَّار والفسَّاق.

ومِن ذلك الفَضْل والرحمة: التوبة من الذنوب كلِّها؛ دقِّها وجليلها، وسرِّها وعلانيتها، والتي أكْبَرُها الشِّرْك بالله، فإنه - سبحانه - سيتقبَّلها منك تفضلاً منه، وامتنانًا ورحمة، وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ï´¾ [النور: 10]، وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [النور: 20].

ومِن فضْل الله ورحمته أنْ أرسل إلينا رُسلاً، وأنزل لنا كُتبًا؛ لئلاَّ نتبع الشياطين، وأنَّه - سبحانه - لم يجعلْ للشيطان علينا سلطانًا، كما أنَّه - سبحانه - يحفظنا منهم ومن كلِّ سوء، قال - تعالى -: ï´؟ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ï´¾ [يوسف: 64]، وأنه - سبحانه - غفور رحيم، وأنَّه تواب رحيم لِمَن تاب وأناب إلى الله بعدَ ذنْبه، وأنه - سبحانه - يَأجُر مَن همَّ بحسنةٍ بحسنةٍ مثلِها، وكذا مَن همَّ بسيئة فترَكها لله، يكتب الله له حسنةً، كما يُبدِّل الله سيئاتِه حسناتٍ، إنْ تاب إلى الله وأناب، وعمل عملاً صالحًا.

فالله - سبحانه - كريمٌ لطيف، رحيم بعباده، فلا ييْئَس مؤمِنٌ مبتلًى بمصيبة، من رحمته وفضله، وإنَّما الكافر هو الشقي، بل فليعملْ عملية السلام مع ربِّه، وليقل وليبتهل بقوله - تعالى -: ï´؟ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ï´¾ [يوسف: 86]، وليقل: ï´؟ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ï´¾ [يوسف: 100 - 101]، وليقل: ï´؟ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 23].

وليقل: ï´؟ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [هود: 47]، وليقل: ï´؟ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ï´¾ [القصص: 16]، وليقل إذا كان مريضًا - مثلاً -: ï´؟ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ï´¾ [الأنبياء: 83]، وليقل: ï´؟ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [الأنبياء: 87 - 88]، يا ربِّ نجِّني إنْ كنت من عبادك المؤمنين، وليقل: اللهمَّ أنت القائل ï´؟ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ï´¾ [يونس: 22]، فاستجبتَ دعاء الكفَّار فأنجيتَهم، وأنا أدعوك: إنْ كنت من عبادك المؤمنين الموحدين إلاَّ نجيتني، وأقول لك: ï´؟ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ï´¾ [يونس: 22]، فنجِّني يا رب.

ولكن لا بدَّ ألا تَنسى هذا الوعْد بعد النجاة؛ بل عليك أن تكونَ من العابدين المخلِصين الشاكرين بتوفيق الله - عزَّ وجلَّ - وهذا خيرٌ من النذر.

وليقل كذلك: اللهمَّ أنت القائل: ï´؟ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ï´¾ [النمل: 62]، فاكشف عني ما أنا فيه، وليقل: ï´؟ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 147].

وممَّا يهوِّن عليك - أيُّها المبتلَى -: أنَّ الله لم يصبْك بمصيبة أعظم، وأنَّ الله لم يجعلْها في دِينك، وأنَّ الله وفَّقك للشكر والصبر عليها، وأنَّ الله سيُكفِّر بهذه المصيبة عن ذنوبك، ويرفع لك بها الدَّرجات، وقد قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ï´¾ [الزمر: 10]، وأنَّ الله وعدَك - ووعْدُ الله حقٌّ - بالفرج، فقال: ï´؟ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ï´¾ [الشرح: 5 - 6]، ولن يغلبَ يُسرَيْن عسرٌ - إن شاء الله - كما قالَه أهل العلم، وقال - سبحانه -: ï´؟ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ï´¾ [الطلاق: 7]، وقال: ï´؟ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ï´¾ [الطلاق: 4].

وعليك بكثرة الإنابة، والتوبة الصادقة النصوح، مع البكاء المرِّ والندامة على ما فات، وعليك أن تُكثِرَ من الاستغفار، ومن قول: لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم، وجميع الأذكار، وأعظمُ الأذكار القرآن.

كما عليك أن تُكثِر من التضرُّعِ إلى الله في جميع الأوقات، وقد قال - تعالى -: ï´؟ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [الأنعام: 43]، وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ï´¾ [المؤمنون: 76]، وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ï´¾ [الأنعام: 42].

ومُدَّ يديك إلى السماء متضرِّعًا قائلاً: اللهمَّ إنك تستحيي أن تردَّ يدي عبادك صِفرًا، فلا تردَّ عليَّ يدي صفرًا، وأنت ستِّير، استرني ولا تشمت بي الأعداء، وأنت أكرمُ الكرماء، وأرحم الرحماء، وألطف اللطفاء، أنختُ مطاياي ببابك، وأنت أكرم مِن أن تردَّ مَن طَرَق بابك، وتجعله من الخائبين.

وعليك بالإكثارِ مِن الصَّدقات والعِبادات المتنوِّعة، كما عليك أن تتحرَّى ساعاتِ الإجابة، وألاَّ تستعجل وتقول: دعوتُ اللهَ فلم يَستجِب لي، فإنْ زاد عليك البلاءُ فاستزد أنت من الصَّبر، فهو خيرُ زاد للمؤمن، بل هو تطهيرٌ وتصفية، وإظهار لمعدن المؤمن الجيِّد، فكما يُفتَن الذهب بالنار فيَزداد صفاءً ولمعانًا، فكذلك حال المؤمِن؛ يزداد بالمصائب والابتلاءات المتتالية صفاءً ولمعانًا، وثباتًا في دِين الله؛ بل وحبًّا وإرضاءً لله، ممَّا يجعله يُضاعِف أعمالَه وعباداتِه؛ ليُرضيَ ربَّه، كما في الدعاء المشهور: ((إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ، فلا أُبالي))، وإنَّما المصيبة الحقيقية مَن شقي ودخَل النار مع الداخلين.

وعليك - يا أخي الكريم/ ويا أختي الكريمة – المبتلَى/ المبتلاة - تفويض الأمْر إلى الله، فهو نِعمَ الموْلَى ونِعم النصير، وقُل: ï´؟ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ï´¾ [القصص: 70]، وتوسَّل إلى الله إنْ كان لك أعمالٌ صالحة قدَّمتَها لله؛ فإنها من مفاتيح الفرَج ومفاتيح الإجابة، فالمصائب لا تنزل عادةً إلا بسبب ذنوب العِباد، ولا يرفعها الله إلا برجوعهم إليه سبحانه، وما يعفو الله عنه أكثرُ، والدليلُ على ذلك قوله - تعالى -: ï´؟ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ï´¾ [الشورى: 30]، وقال - تعالى -: ï´؟ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ï´¾ [الروم: 41]، وقال - تعالى -: ï´؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ï´¾ [آل عمران: 165].

والله المستعان، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم.

عنِ ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يرويه عن ربِّه - تبارك وتعالى -: أنه قال: ((إنَّ الله كتَب الحسناتِ والسيئاتِ، ثم بيِّن ذلك، فمَن همَّ بحسنة فلم يعملْها، كتَبَها الله عنده حسنةً كاملة، وإنْ همَّ بها فعمِلها، كتبها الله عنده عشرَ حسنات إلى سبعمائة ضِعْف، إلى أضعاف كثيرة، وإنْ همَّ بسيئة فلم يعملْها، كتبَها الله عنده حسنةً كاملة، وإنْ همَّ بها فعمِلها، كتَبها الله سيِّئةً واحدة))؛ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 22-01-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اليقين ضد الشك

اليقين ضد الشك (15)


عبدالفتاح آدم المقدشي





بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين, والصَّلاة والسلام على أشرف المرسلين، وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاعلم - رحمني الله وإياك - أنَّ عَلاقةَ التوكُّل بالصبر وطيدة في القُرآن الكريم؛ لذا قال تعالى: ï´؟ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ï´¾ [مريم: 65]، وقال تعالى: ï´؟ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ï´¾ [المزمل: 9].

ولعلَّك تلاحِظُ أنَّ السموات والأرضَ وما بينهما تدُلُّك على طولِ مُلكِ الله، وبالنِّسْبَة للمشرق والمغرب يدُلاَّنِك على عرض ملك الله، إضافةً إلى ما اكتُشِف في هذا العصر في الفضاء من عِظَمِ المجرات بالنسبة إلى الأرض؛ بحيث يقدّرون الفارقَ بينهما بالملايين، والله أعلم.

إذًا؛ كُلُّ هذا يدعوك إلى أن تصطبرَ لعبادة ربِّك، وأنْ تتخِذَه وحْدَه وكيلاً, واثقًا به وحدَه بأنه سينجز لك مَا اتَّكلت به عليه في أمورِ دينك ودُنياك؛ ولذلك تَجد في القرآن العزيز أنَّ موسى يقول لفرعون لَمَّا سأله عن ربه: ï´؟ قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ï´¾ [الشعراء: 24] إلى أنْ قال مرة أخرى: ï´؟ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ï´¾ [الشعراء: 28]، فأخبرهم بذلك طولُ ملك الله وعرضه؛ ليعرفوا بذلك عظمة الله، وليعظموه، ولكن غباوة فرعون جعلته يدَّعي الألوهية، وفي الوقت نفسه ليس له إلاَّ ملك مصر فقط، ويفتخر بالأنهار التي أجراها الله، وليس له فيها أي يد.

لذلك؛ تَعرَّف أنَّ التوكلَ مع الصبر، كالجسر الذي يُجوِّزك من المحن والابتلاءات في هذه الدُّنيا، كما يَجعلانِك تعبدُ الله وحْدَه حَقَّ عبادته ظاهرًا وباطنًا.

فالصبرُ مثلاً يبعث جوارك للحبس في سبيل الله، كما أنَّ التوكلَ يبعثك على قوةِ التوكل، والوثوق بالله وحده؛ لكي تتحَمَّل الشدائد.

وأيضًا لا بُدَّ أنْ تعلمَ أنَّهما مُتلازمان، فمن ليس له توكُّل، فكيف يصبر على الشدائد؟! ومن ليس له صبر، فكيف يتوكَّل على الله وحدَه؟! فالأول؛ أي: مَن ليس له توكل، فإنَّه ليس له أمل أو رجاء أو ثقة بالله للفرج في مِحنته، إذًا فلا يُمكن أن يصبر إلاَّ قليلاً، والثاني: مَن ليس له صبر، فليس له تَحمُّل، بل عنده ضجر وتبرُّم وجزع، فكيف يتوكل على الله وحْدَه، إذًا فلا يمكن كذلك أن يتوكل على الله إلاَّ قليلاً كالأول.

ولذلك قرن الله - سبحانه - الصبرَ والتوكُّل على الله في غير مَوضع في كتابه العزيز؛ إذ هما كجناحي الطائر، لا يُمكن أنْ يطير الطائر إلاَّ بِهما.

وما من شَكٍّ أنَّ المجاهدين في سبيل الله هُم بأمسِّ الحاجة بأنْ يتحَلَّوا بمثل هاتين الصِّفَتَيْن العَظيمتين؛ لسببين:
أولاً: المجاهدون في سبيل الله قاموا بما جعله اللهُ ذِرْوَة سنام الإسلام، وهو الجهادُ في سبيل الله؛ فلذلك هُم أحقُّ بأن يكونوا أهلاً لهاتين الصفتين.
ثانيًا: لا يتصفُ بهاتين الصِّفَتين إلاَّ مَن بَلَغَ مَبلغًا عظيمًا من قوةِ اليقين والإيمان، وكذلك حالُ المجاهدين؛ إذ مَتَّعَهم الله بقوةِ اليقين والإيمان والصَّبر، ما يَعْجِز اللسانُ والقلمُ عن التعبير عنه أو تصويره.

ولذلك نتج من الصبر والتوكل ثمرات:
أولاً: قوةُ العزيمة في الإقدام على الطاعات، خصوصًا التي فيها إزهاقُ النفوس في سبيل الله، كالجهاد في سبيل الله كما أشرنا آنفًا.
ثانيها: قوة الثبات بعد وقوع المصائب، فلا ندم، ولا شِكاية، ولا وهن، ولا استكانة، ولا ضعف للمجاهد الصابر المتوكل.
فقد جاء في القرآن ذكرُ هاتين الحالتين في القرآن في أمورِ الجهاد وفي غيره؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ ï´¾ [آل عمران: 145] إلى قوله: ï´؟ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [آل عمران: 148]، وفي الآية الأولى علَّمنا الله أنَّه لن تَموتَ نفسٌ إلا بإذن الله, وهذا بطبيعة الحال ما يبعث بالنفوسِ قوةَ التوكُّل على الله، والإقدام في سبيل الله، كما أنَّ الآيةَ التي بعدها علَّمنا الله - تعالى - فيها قوة الصبر في سبيل الله، فلا وهنَ، ولا ضعفَ، ولا استكانة.

وهكذا قال الله - تعالى -: ï´؟ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ï´¾ [التوبة: 51]، ففي هذه الآية يُعلِّمنا الله - تعالى - أن نعتقدَ، ونقول: ï´؟ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ï´¾ [التوبة: 51]، فاقتران هذا القول بقوله: ï´؟ هُوَ مَوْلَانَا ï´¾ هو ما يُشجِّع المؤمن المقدامَ الشجاع أنْ يقدم ويتوكل على الله بقِمَّة التوكُّل والصبر، ما دام مولاه هو الله العزيز الرحيم، فنعم المولى ونعم النصير.

ثُمَّ انظر - يا أخي المؤمن ويا أختي المؤمنة - كيف يكون تربُّص المؤمن للكافر بمقارنة تربُّص الكافر للمؤمن؛ قال تعالى: ï´؟ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ï´¾ [التوبة: 52]؛ أي: إمَّا النصر أو الشهادة, أمَّا الهزيمةُ فليس لها مَحل من الإعراب في هذا المقام، ما دام مَولى المؤمنين هو الله - سبحانه - ذو الجلال والإكرام, ومَولى الكافرين الشيطان، لكن قد تحدث في بعض الحالات هَزائم؛ للتَّمحيص ولتصحيح المسار، كما حدثت هزيمةُ أُحُدٍ بسبب معصية, وحدثت هزيمةُ حنين بسبب الإعجاب بالعدد والعُدة، وهما على سبيل المثال، ولْنَعلمْ من خلالهما سُنَّةَ الله في خلقِه التي لا تتبدَّل, ولكن فائدة مثل هذه الهزائم خير من أضْعَاف مُضاعفة مما فقدوا بسببها بهذا الاعتبار؛ لأنَّ الانتصارَ الدائم قد يُسبِّب اختفاءَ المنافقين في صَفِّ المؤمنين، أو مَن ليس منهم، كجواسيس تعمل لحسابِ الكُفَّار، أو قد يفتتن الناسُ بالدُّنيا، ويتكبرون، ولا يتواضعون... إلخ.

ثُمَّ اعلم أنَّ التربصَ بإحدى الحسنيين يَجعل المؤمنَ الجريح أيضًا يتسلى بسببها؛ لِمَا يَجتني من ثَمرات جهادِه في سبيل الله النَّصْر الموعود، الذي يراه قائمًا نُصْبَ عينيه، وما يراه كذلك من عِزَّةِ المسلمين، وعُلُوِّ شأنِهم، وحريتهم في تطبيق شعائرهم وشرائعهم، كما يريده الله منهم.

إذًا؛ كل هذا ما كان إلاَّ بسبب الصبر والتوكل المجتمعينِ في نفوسِ المؤمنين، ولولاهما لم يُقدموا على الأهوال، ولم يثبتوا في الشدائد، كما لم يكونوا يصبرون على المصائب إذا لَحِقَت بهم مثلاً؛ لأنَّ سنة الله جرت أنْ يفوقَ أعداءُ الله بالعَدَدِ والعُدَّة، منذ زمن جهاد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى يومنا هذا، ولكنهم يستعينون بربِّهم، ثُمَّ بقوة توكلهم ويقينهم، كما يستعينون بالله العظيم عند حُلُولِ الشدائد والملمات بالصبر وانتظار الفرج؛ ولذلك وَرَدَ في الحديث: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العُسر يُسرًا)).

وهكذا التوكُّل على الله مع الصبر لا يستغني عنه المهاجِرُ في سبيل الله؛ لأنَّ مفارقة الأهل والمنشأ والمربأ ليس بالأمر الْهَيِّن، بل ولرُبَّما يَخرج بعض المؤمنين عن أموالِهم؛ ابتغاءَ رضوان الله، وفرارًا بدينهم، كما فعل ذلك بعض الصحابة، كصُهَيب الرُّومي - رضي الله عنه - الذي نزل بسببه قولُه - تعالى -: ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ï´¾ [البقرة: 207].

ومع ذلك كلِّه، فإنَّ المهاجرَ في سبيلِ الله يعلم أنَّه يُقبل إلى بلاد غريبة عنه لَمْ يَعْرِف طبيعتَها بعد، ولم تألف إليها نفسُه، ولكنه الصبر والتوكُّل؛ ولذلك يأتي الشيطانُ على طريق المهاجر في سبيل الله يُوسوس له، كما في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والنسائي وابن أبي شيبة وغيرهم، وصححه الإمام ابن حبان في صحيحه من حديث سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ قَالَ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الشيطان قعد لابن آدم بأَطْرُقِه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال له: أتسلم وتذر دينك، ودين آبائك وآباء أبيك؟! فعصاه، فأسلم، فقعد له بطريق الهجرة، فقال له: أتُهاجر وتذر أرضَك، وسَماءَك، وإنَّما مَثَلُ المهاجر، كَمَثَلِ الفرس في الطِّوَلِ؟! فعصاه فهاجر، فقعد له بطريقِ الجهاد، فقال له: أتُجاهد، وإنَّما الجهاد جَهْدُ النَّفس، فتُقْتَلُ، وتُنْكَح امرأتك، ويُقَسَّمُ مالك؟! فعصاه فجاهد، فمَنْ فعل ذلك، كان حقًّا على الله أنْ يُدخِلَه الجنة، وإن قُتِلَ كان حَقًّا على الله أن يُدخِلَه الجنة، وإن غَرِقَ كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، أو وَقَصَتْه دابَّتُه، كان حَقًّا على الله أن يُدخِلَه الجنَّة)).

ولذلك قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ï´¾ [النحل: 41 - 42].
وقال تعالى: ï´؟ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ï´¾ [العنكبوت: 56 - 57].

إذًا؛ بذلك تعلم بالضَّرورة أنَّ الصبرَ والتوكل لا بُدَّ منهما للمؤمن المهاجر في سبيل الله، كالمجاهِدِ في سبيل الله سواء بسواء.

واعلم أيضًا أنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد وَعَدَ المهاجرَ في سبيل الله خيراتٍ كثيرةً وسَعَةً؛ حتى يكونَ له ذلك حافزًا في الخروج في سبيلِ الله، كما وَعَدَ الله له إذا خرج ومات في طريقه أنْ يقعَ أجره على الله؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ï´¾ [النساء: 100].

وهكذا جعل الله الذي يهاجر في سبيل الله، ثم يَموت في الطريق كالشهيد سواء بسواء؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ï´¾ [الحج: 58 - 59].

إذ لا تستويان ميتة في سبيل الله وميتة ليست في سبيل الله؛ ولذلك قال تعالى: ï´؟ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ï´¾ [آل عمران: 158].

وهكذا الصبر والتوكُّل لا يستغني عنه المؤمنُ أبدًا، حتى في غَيْرِ أحوال الجهاد؛ لذلك تَجِدُ في سورة هود بعدما أخبر الله - سبحانه - عن طبيعة الإنسان في حالتي الشدة والرخاء، خَتَم بقوله: ï´؟ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ï´¾ [هود: 10 - 11].

وبذلك تعلم أن الصبر والتوكُّل للمؤمن ضرورة من ضروراتِ إيمانه ويقينه؛ حَتَّى يفوزَ في الدُّنيا بالهداية، وفي الآخرة بالجنة، ويَجعله مع النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولئك رفيقًا.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 150.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 146.72 كيلو بايت... تم توفير 3.81 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]