إياكم والجلوس على الطرقات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 851088 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 387049 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 232 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28478 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60113 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 859 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-04-2020, 02:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي إياكم والجلوس على الطرقات

إياكم والجلوس على الطرقات (1)
سيد حسن الشقرا



عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والجلوسَ في الطُّرقات))، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدٌّ، إنَّما هي مجالسنا نتحدَّث فيها؟ قال: ((فإذا أَبَيْتم إلاَّ المجالس، فأعطوا الطريقَ حقَّها))، قالوا: وما حقُّ الطريق؟ قال: ((غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمرُ بالمعروف والنَّهي عن المنكر))؛ رواه الشيخان.

لمَّا كان الجلوس في الطرقات ذريعةً إلى ارتكاب المحرَّمات، وكان من أصول الإسلام الحكيمة حِياطةُ المؤمن من كلِّ ما عساه أن يفتَح عليه بابًا من الشرِّ، لا جرم نهى أَحكمُ الخَلق صلى الله عليه وسلم عن الجلوس في الطُّرقات العامَّة؛ سدًّا لباب الفسَاد؛ فإنَّ دَرْءَ المفاسِد مقدَّم في الدِّين على جَلْب المصالِح، وما من شك في أنَّ الجلوس على رؤوس الطُّرق، وفي الميادين والأماكن العامَّة مَدعاةٌ إلى الكسلِ وتضيِيع الأوقات والأَعمار فيما لا جدوى فيه، وكثيرًا ما يَفتح على صاحبه أبوابًا من الشرِّ كانت موصَدَة لولا هذا التعرُّض لها بالقعود للنَّاس كلَّ مرصَد، كهؤلاء الذين يَبغونها عِوجًا ويصدُّون عن سبيل الله، من كلِّ عاطلٍ وماجن ومستهتِر تَعِجُّ بهم الأسواقُ العامَّة والمقاهي والطُّرقات كما هو مشاهَد، فحسمًا للمادَّة، وبُعدًا عن الفِتنة ومواطن الرِّيبة، نهى النبيُّ صلوات الله وسلامه عليه أصحابَه أولاً عن الجلوس في الطُّرقات، فقال الصَّحابة: يا رسولَ الله، وإذا لم يكن لنا مَناص من الجلوس في الطرقات وغيرها لنتحدَّث حديثًا مفيدًا أو بريئًا، ونتذاكر في شؤون دنيانا وآخرتنا ممَّا يعود علينا وعلى قومنا بالنَّفع، ونسرِّي عن نفوسنا بعضَ آلام الحياة ونَكباتها، فهل ذلك منهيٌّ عنه أيضًا؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مجيبًا لهم: ((فإذا أبيتُم إلاَّ المجالس، فأعطوا الطريقَ حقَّها))؛ يعني: لستُ أنهاكم عن المجالس لِذَاتِها؛ وإنَّما أنهاكم عن الجلوس في الطرق لأنَّها ذَريعة إلى الشرِّ، فإذا كان ولا بدَّ لكم من الجلوس في الأماكن العامَّة أيضًا، فأعطوا الطريق حقَّها وواجباتها التي تَكْفل لكم البعدَ عن مواقف التُّهَم، ولا تقذف بكم في الشرِّ الذي أخافُه عليكم، فسألوا: وما حقُّ الطريق؟

فذكر لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أهمَّ تلك الحقوق، وهي:
أولا: غضُّ البصَر عمَّا لا يحلُّ النظر إليه؛ ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 30، 31]، فحرام على المؤمنين والمؤمنات سواء كانوا جالسين على المصاطب أو الأرائك، أو سائرين في الطَّريق العامَّة أو في أسواقهم - أن ينظر بعضهم إلى بعضٍ بشهوة من شأنها أن تُثير دواعِي الفحشاء والمنكَر، ويترتَّب عليها انتهاك حرمات الله، ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]، وفي الحديث: ((لتغضُّنَّ أبصارَكم أو ليكسفنَّ الله وجوهكم))، وكم من نظرة زرعَت في القلب شهوة، وشهوة ساعة أورثَت حزنًا طويلاً!

أرأيتَ إبليسَ اللعين وهو يقول: إنَّ النظرة هي قَوسي القديمة وسهمِي الذي لا أُخطئ به، فما من مرَّة لعب إبليسُ دورَه من طريق النَّظرة إلاَّ وأصاب الهدفَ في القديم والحديث، فهي أمضى سلاح عنده، وما من شك في أنَّ دواعي الهوى والشَّهوة تكون كامِنة في النَّفس، حتى تصوب نظرة إلى امرأة فاتِنة مثلاً فتتنبَّه هذه الدَّواعي وتتيقَّظ كأنَّما كانت نائمة، وبتتابُع النَّظرات يندلع لهيبُها، فما تنطفئ إلاَّ بعد أن تأخذ حظَّها من الاشتعال والإحراق، ومن هنا نهى الشارِعُ الحكيمُ عن قربان الزِّنا فقال جلَّت حكمتُه: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32]؛ أي: لا تفعلوا الأسبابَ التي تقرِّبكم من الزِّنا؛ مثل: النَّظر إلى الأجنبيَّة أو الخلوة بها، أو تعاطي المسكِرات والمخدِّرات ممَّا شأنه أن يُثير كوامِن الشَّهوة ويحرِّكها بعد أن كانت ساكِنة، ويكون النَّهي عن نفس الزِّنا من باب أولى وبطريقٍ أحكم وأَبْلغ، فقد وَصف لنا الحكيمُ العليم العلاجَ الناجع الذي به نَعتصم من زَلَل هذه الفاحشة بالبعدِ عن أسبابها؛ فإنَّ الباب الذي من شأنه أن يلِج منه ثائرُ الرِّيح، إذا ما أُحكم إِغلاقُه، فإنَّ صاحبه يَأمن ويستريح، ((ومن حام حولَ الحِمى يوشك أن يقعَ فيه))، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنَّ مواقف التُّهم، ولقد ترى للشعراء في هذا الباب فنونًا، منها قول شوقي رحمه الله:
نظرةٌ فابتسامة فسلام ♦♦♦ فكلامٌ فموعد فلِقاءُ

فقد كانت حلقة الاتصال الأولى هذه النَّظرة، وليت شِعري ماذا بعد اللقاء سوى إِشباع الشَّهوات الفاسِدة، وانتهاك الأعراض، والخروج على الآداب، والافتنان في الحِيَل والجرائم، ممَّا يهدِّد المجتمعَ بالانحلال والدَّمار.

قد يقول الماجِنون عبَّاد الشهوات: ومن أين حكمتَ بهذه النتيجة؟ ألم تعرف أنَّه الحبُّ الذي يصفِّي النُّفوس ويسمو بها إلى مثَلِها الأعلى؟ هو الحبُّ البريء الطَّاهر، والهوى العَذب الجميل، وكأنَّك حفظت شيئًا وغابَت عنك أشياء، ها هو شوقي الذي تُخرج كلامَه هذا التخريج وتَستشهد ببيته المتقدِّم، يقول في القصيدة بعده:
يوم كنَّا ولا تَسل كيف كنا
نتهادَى من الهوى ما نشاءُ

وعلينا مِن العفاف رقيبٌ
تعبَت من مراسه الأهواءُ


إلخ ما يتغنَّى به المولعون بالحبِّ الهائمون به، وما عَلِموا أنَّه الشعر، وأنَّ أروع الشِّعر أَكْذبُه، وأنَّ من فنونه هذا التصوير الذين يمرَح فيه الخياليُّون، ويتَّخذه الغاوون مطمحًا لغاياتهم الدَّنيئة، وبخاصَّة الشباب الذي لم يجرِّب الحياةَ ولم يَمرُن على شؤونها وألاعيبِها، وكأنِّي بالشيطان وقد اعترف بأنَّ النظرة هي قوسه القديمة وسَهمه الذي لا يُخطئ به، عرف جانب الخَلَل في طَيش هذا الشباب، فزيَّن له سبيل التردِّي في الهاوية، وغشاه بألوان ممتعة من بهرجِ الخيال، فوَسْوس بالحبِّ، ودعا إلى اللقاء والخلوة البريئة، تحت ظِلال العفَّة والنزاهة، وأَحكَمَ دَوره مرَّة بعد أخرى، حتى أصاب الهدفَ وأسدلَ الستار على الغاية المحتومة، فهتك السِّترَ، وأظهر المكنون، وصدق الله العظيم حيث يقول: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية: 23]، قال ابنُ عباس: الهوى إلهٌ يُعبَد مِن دون الله، وقال عِكرمة في قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [الحديد: 14]؛ يعني: بالشهوات، ﴿ وَتَرَبَّصْتُمْ ﴾؛ يعني: بالتَّوبة، ﴿ وَارْتَبْتُمْ ﴾؛ يعني: في أمر الله، ﴿ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾؛ يعني: الشيطان، وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اقدعوا هذه النُّفوس عن شهواتها؛ فإنَّها طلعة، تَنزِع إلى شرِّ غاية".

فيا عبيد الشهوات، أأنتم أصدق أم الله؟ إنَّ هذا الحبَّ الذي تغشُّون به خبائث نيَّاتكم مصنوعٌ، وكلُّ مصنوع كاذب، فأنتم أَدعياء كذَّابون، ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 224 - 226].

نحن لا نذم الشِّعر كله، ولا نعرض له في هذا البحث، وإنَّما نتحدث عن داءٍ عمَّ، ووباء طَمَّ في زماننا هذا؛ ذلك هو مغازلَة الفتيات المتبرِّجات في الشوارع والأندية، والطُّرقات والمنازِه، والميادين والمراقص، والمماثل والحانات؛ فقد ملَأْنَ الأرضَ وزاحمنَ الرِّجال على الظُّهور على ظهرها في غير حِشمة ولا حياء، وضرَبن بالحجاب عرضَ الحائط، وتمرَّدن على الدِّين، وعَدَدن أمثال هذه الآية من التقاليد العتِيقة التي لم تَعد صالحةَ لمدنيَّة القرن العشرين، وظاهَرَهنَّ على هذا التمرُّد والفسقِ كثيرٌ من الكُتَّاب الملاحِدة، وطفقوا يكتبون ويذيعون في كلِّ مكان بوجوبِ سفور المرأة وتمزيقِ الحجاب، ويتَّهموننا بالرجعيَّة والجمود، وكلَّما رأوا الفتيات يصفِّقن لهم إعجابًا ازدادوا فجورًا وإباحيَّة، فنتج من ذلك هذا التدهور الخُلقي، والانحلال الذَّريع، وأمسَت هذه مشكلة المشاكل، في حين أنَّ علاجها من أَبسط ما بسط الشرع الإسلامي الحكيم في قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ الآية [النور: 30]، وقوله: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ الآية [الأحزاب: 33].

فلا سبيل إلاَّ غضُّ البصر عن النَّظر إليهنَّ ما دام تيَّار الفجور قد غلب، وأصبحنا نجد المرأةَ لا تأخذ زينتَها كاملة ولا تمعن في غَوايتها وإظهار جمالها ومحاسنها إلاَّ إذا كانت خارِج المنزل، أمَّا فيه، فهي والعياذُ بالله تلك الشَّوهاء الدَّميمة.

نقول: أما وقد انقلبَت الأوضاعُ، وتبرَّجَت المرأةُ إلى هذا الحدِّ، ولا غِنى لنا عن الجلوس أمام بيوتنا أحيانًا، بل وإن استغنينا عن ذلك فلا بدَّ لنا من المشي في الشوارع والأماكن العامَّة، ولا مناص لنا من رُؤية هذه المناظر - فما علينا إلاَّ أن نتَّخذ دائمًا هذا العلاجَ الحكيم، وهو كفُّ البصَر وعدم التطلُّع إلى هؤلاء المائلات المميلات الكاسيات العاريات، نعم قد تجيء النَّظرة الأولى عفوًا؛ لأنَّ الإنسان لا يمشي مغمض العين وإلاَّ اكتسحَته السياراتُ أو الدرَّاجات أو ما هو أكبر من ذلك وأدهى، فبالضرورة يفتح عينيه ليأخذ حَذره وهو في طريقه، وبالضرورة سيُفجأ بأسرابٍ منهنَّ ووحدان، وستحمل المفاجأة نظرةً أولى غير مقصودة، فهذه لا شيء فيها؛ لأنَّها ليست في مقدور عبدٍ مبصِر أبدًا، ولا يكلِّف الله نفسًا إلاَّ وسعها، فإذا ما أَتبع النَّظرةَ النَّظرة، وكانت هذه الأولى التي لا مُؤاخذة فيها سبيلاً إلى الثَّانية، كان مؤاخذًا على هذه الثانية؛ لأنَّه مختار فيها، وهي مقصودة له؛ إذ كان في مقدوره أن يحوِّل وجهَه إلى جهةٍ أخرى، أو طريقه، أو يقف ويُغمض عينه حتى تمرَّ العاصفة، وما عليه إلاَّ أن يسدَّ على نفسه هذا الباب بأيِّ طريق، ولكنَّه بنظرته الثَّانية قد حرَّك دواعِي الشَّهوة، فإذا توالَت النَّظرات، فقد اشتعلَت مكامنُ الشهوات، وهنا مكان الخطر، ومعظم النَّار من مُستصغر الشَّرَر، فإن جاهد شهوتَه بَعُدَ هذا الاشتعال، وقد قالَت الحكماء: أعزُّ العزِّ الامتناع من تملُّك الهوى، فمَن كبح جماحَ نفسه، وغلب عقلُه شهوتَه، فهو إنسانٌ نبيل مجاهِد، وإن غلبَت شهوتُه عقلَه، فهو حيوان منحطٌّ سافِل:
إذا المرء أعطى نفسَه كلَّ ما اشتهَتْ
ولم ينهها تاقَت إلى كلِّ باطلِ

وساقَت إليه الإثمَ والعارَ بالذي
دعَتْه إليه مِن حلاوةِ عاجلِ


هذه هي الحقيقة المُرَّة، فخُذها بقوَّة، ولا تحفل بكلام هؤلاء المخدوعين في ذات أنفسِهم؛ فقد كان من شرِّ المصائب أن انحلَّت نَخوة الرُّجولة في كثيرٍ من شَبابنا، ورأَينا الكثيرَ منهم يزاحم النساء على النُّعومة والإمعان في الزِّينة والحِلية والأناقة، ولو سألتَه وكان صريحًا: لِم هذا الخروج عن مألوف الرجولة؟ لقال: لِأُعجِب فتاتي، وفي الحقِّ أنَّه ليس له فتاة، وإنَّما طغى عليه شيطانُ الغَواية فأضلَّه عن سواء السبيل، حتى أصبحَت المغازلةُ فنًّا يُدرس في الأندية، ويلقِّنه الصديقُ الصديقَ والخليلُ الخليلَ، وأصبحت الفتاةُ التي لم تغازَل مبتذلَة في نظر أَترابها، وفي نظر نفسها أيضًا (والغواني يَغُرهنَّ الثَّناء)، فطبيعةُ المرأة حبُّ المدحة والإعجاب بجمالِها، وكثيرًا ما تُخدع من هذا السَّبيل، ولا طريق إليه إلاَّ النَّظر، فكان الدَّاء، وكان الحجاب الدَّواء، وصدق الله العظيم، وكذب الفاسقون والفاسقات، وسوف يبدلهم الله بقومٍ غيرهم ثمَّ لا يكونون أمثالَهم.

ودعني أهمِس في أذنك أيُّها القارئ الكريم: بأنَّ هناك بعض الأغرار من أشباه المتأدِّبين يزعمون أنَّهم ينظرون في المرأة جمالَها؛ لأنَّه صنعُ الله الذي أَتقن كلَّ شيء! وأنَّهم يحبُّون الجمالَ لذاته وفي كلِّ شيء يتعشَّقونه، فهم فلاسفة يعرفون عظمةَ الله من طريق خلقِه الجميل تبارك الله! إلخ إلخ، وهؤلاء أيضًا خياليُّون مدلِّسون على أنفسهم، فليسوا مجرَّدين من الشَّهوة حتى لا يتأثَّروا بها، وليسوا ملائكة ولا أَنبياء حتى يَعتصموا من تيارها الجهنَّمي، وإن شذَّ من الناس إنسانٌ كامِل يصدق في نظريَّته هذه على ضوء الدِّين وخشية الله تعالى وحبِّه، فلا يصح أن يكون هذا مقياسًا لعموم الأوامر والنواهي الشرعية لأن النادر لا حكم له.

فقل لي بربك بعد هذا: أليس منتهَى الحِكمة أن يتجنَّب المؤمن أسبابَ الفِتنة ويتحاشاها ما أَمكنه؟ فلا يجلس في الطُّرقات العامَّة، ولا يفتح نافذَة بيته لينظر إلى امرأة جارِه، ولا يتعرَّض للجلوس إلاَّ لضرورةٍ قصوى يعطِي فيها الطريقَ حقَّه من جهة غضِّ البصَر، ولعلَّك أدركتَ بعد هذا البيان أنَّ الجلوس في منزلك أو نادِيك الخاص مع أخصَّائك للسَّمَر والحديث والدُّعابة البريئة - لا شيء فيه، كما أنَّ الجلوس على شاطئ نهرٍ ليس ممرًّا للنَّاس، أو بين المزارع النَّضرة أو المتنزهات الواسعة أو الحدائق الغنَّاء، كلُّ ذلك جائزٌ لا شيء فيه، ما دمتَ تتحاشى الوقوعَ في مهاوي النَّظرة، وتقصر الجلوس على حاجتك ومنفعتِك في الدُّنيا والآخرة.

وبعد:
فلعلَّ هذا الاستطراد دعَت إليه الحاجةُ الملِحَّة أو الأمر الواقع، ولعلَّك أدركتَ سرَّ جعل غضِّ البصر أوَّل حقٍّ من حقوق المجالس والطرقات، أما بقيَّتها فإلى العدَد القادِم إن شاء الله تعالى، إنَّه ولي التوفيق.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-04-2020, 02:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إياكم والجلوس على الطرقات

إياكم والجلوس على الطرقات (2)
سيد حسن الشقرا





عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والجلوسَ على الطُّرقات))، فقالوا: يا رسولَ الله، ما لنا بدٌّ، إنَّما هي مجالسنا نتحدَّث فيها؟ قال: ((فإذا أبَيتم إلاَّ المجالس، فأعطوا الطريقَ حقَّها))، قالوا: وما حقُّ الطريق؟ قال: ((غضُّ البصَر، وكفُّ الأذَى، وردُّ السَّلام، والأمرُ بالمعروف والنَّهي عن المنكر))؛ رواه الشيخان.

الشرح والبيان:
انتهينا بالقارئ الكريم في المقال الأوَّل عند قول النبيِّ صلوات الله وسلامه عليه: ((وكفُّ الأذى))، فمِن حقِّ الطَّريق ألاَّ يؤذِي المؤمنُ الناسَ بأيِّ نوعٍ من أنواع الإيذاء؛ بالقولِ أو الفعل أو الإشارة، فلا يمدُّ يدَه إليهم بضربٍ، أو وضع شيء في الطَّريق العام يؤذِي النَّاس في شعورهم، أو يعطِّل حركةَ مرورهم، ولا يسلِّط لسانَه عليهم بهُجْر القول، وفُحش الكلام، ومن ذلك المُغازلة التي بسَطنا لك القولَ فيها في الشرح السَّابق، ولا يشير إلى أحد المارَّة إشارةَ سُخرية أو تهكُّم أو تغامزٍ عليه احتقارًا له كتغامز الفسَّاق والمجرمين على المؤمنين الصادقين الذين ï´؟ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ï´¾ [الفرقان: 63]، ï´؟ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ï´¾ [الفرقان: 72]، ولقد نرى كثيرًا من النَّاس في الأرياف يجلسون على المصاطب ينتقدون عبادَ الله، وهم في شؤون دُنياهم وفي المدن على الأرصِفة والمقاهِي العامَّة يَضحكون على المارَّة، ويشيرون إليهم إشارةَ الاستهزاء، ويتفكَّهون بهذه المناظر، كأنَّهم بهذا الخُلق الدنيء يعيدون عهدَ الجاهليَّة أيام كان المشركون يقعدون للمؤمنين كلَّ مَرصَد، يتغامزون عليهم ويَضحكون، ويشيرون إليهم ويسخرون، فأنزل اللهُ في شأنهم: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ï´¾ [المطففين: 29- 36]، وهكذا قضى جلَّ شأنُه بأن يَقتصَّ لعباده منهم في دار الخلود؛ حيث مكَّنهم وهم في منازلهم العالية في الجنَّة من النَّظر إلى جماعة المستهزئين وهم في درَكات الجحيم يُعذَّبون، يضحكون منهم كما كانوا يَضحكون عليهم في الدُّنيا، ويتغامزون ويسخرون منهم كما كانوا يَسخرون؛ فإنَّ الجزاء من جِنس العمَل، فلينظر هؤلاء الذين جَعلوا حظوَتهم الضَّحك والسُّخرية من الناس كيف يمثِّلون دَور المجرمين في الجاهلية، فإنَّ الآية تجرُّ عليهم، ولن يرضى الإسلامُ عمَّن ينتسب إليه ولم يتأدَّب بآدابه وتعاليمِه القويمة، فـ((المسلِم من سَلِم المسلمون من لسانه ويدِه))، ولعلَّ هؤلاء الذين يَسخرون منهم أعزُّ عند الله مقامًا وأرجى قبولاً، فقد قال جلَّت حِكمتُه: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾ [الحجرات: 11]، وهل بقي بعد الفسوقِ والظُّلم شيء؟! لكنَّه انقلاب الأوضاع في هذا الزَّمن، كاد يجعل الرَّذيلة فضيلة، ولله درُّ من قال:
الناسُ مثل زمانهم
قَدُّ الحِذاء على مثالِهْ

ورجالُ دهرك مثل دَهْ
رِك في تقلُّبِه وحالِهْ

وكذا إذا فسد الزَّما
نُ جرى الفسادُ على رجالِهْ



ويدخل في كفِّ الأذى: ألاَّ تخالط الناس إذا كنت مريضًا مرضًا معديًّا أو منفِّرًا؛ حتى لا تضرَّ الناس في صِحَّتهم أو شعورِهم، وإن وجدتَ حَجَرًا أو شَوكًا في الطريق العام فعليك إزالته؛ فإنَّ إماطة الأذى عن الطَّريق صدَقة، وإن وجدتَ أعمى يتخبَّط في مشيته أو ضالاًّ لا يهتدي إلى غايته، فخذ بيده إلى طَلِبَتِه؛ فإنَّ ذلك مِن سماحة المسلِم ونُبلِه، وقد لا يخلو الحال مِن أن تقع هَفوة من أحد المارِّين أو الجالسين معك، فعليك بالصَّفح والتحمُّل؛ فإنَّ ذلك من سجايا المحسنين الذين يَكظمون الغيظَ ويعفون عن النَّاس، أرأيتَ الأحنفَ بن قيس رحمه الله تعالى، وقد سُلِّط عليه سفيه وهو في طريقه إلى منزله، وأخذ يكيل له مِن أنواع الشَّتائم ما لا سبيل إلى احتماله؟ كلُّ ذلك والأحنف سائِر في طريقه لا يَلتفتُ إليه ولا يحسُّه، حتى كان من الحيِّ قابَ قوسين أو أدنى والسَّفيه سادر في غلوائه لا ينفكُّ عن سبِّه وشَتْمه، فالتفتَ إليه الأحنفُ، وقال: إن كان قد بَقي في نفسك شيءٌ فقله؛ كي لا يستمعك أحدٌ من الحيِّ فيؤذِيك، بل هذا الإمام علي رضي الله عنه دعا خادمَه مثنى وثُلاث فلم يردَّ عليه، ولما استبطأه قام إليه فرآه مضطجعًا، فقال له: أما سمعتَ يا غلام؟ قال: قد سمعتُ نداءَك ولكنِّي لم أُجِبك؛ لأنَّني قد عرفتُ حِلمك وأمِنتُ عقوبتَك، فقال له علي رضي الله عنه: اذهب فأنتَ حرٌّ لوجهِ الله تعالى.

وهكذا حثَّ الإسلامُ على منع الأذى واحتمالِه، وجعل ذلك حقًّا من حقوق الطَّريق، فعليك به، وإلاَّ فلْيَسَعْك بيتُك؛ فإنَّ ذلك أَولى وأسلم.
سأُلزِم نفسي الصَّفحَ عن كلِّ مذنب
وإن كثرَت مِنه عليَّ الجرائمُ

فما النَّاسُ إلاَّ واحد من ثلاثةٍ
شريف ومشروف ومِثلٌ مقاومُ

فأمَّا الذي فوقي فأعرِف قدرَه
وأَتبع فيه الحقَّ والحقُّ لازمُ

وأمَّا الذي دوني فأحلم دائبًا
أصون به عِرضي وإن لامَ لائمُ

وأمَّا الذي مثلي فإن زلَّ أو هفَا
تفضَّلتُ إنَّ الفضلَ بالفخر حاكمُ


ومن حقوق الطَّريق (رد السلام)؛ فإنَّ السلام رسولُ الأُلفة، وحلِيف المودَّة، وهو تحيَّة المسلمين وشعارهم الذي يقوِّي أواصِر المحبَّة، ويُحكم روابِط الأخوَّة بين المؤمنين، وسبيل إلى الجنَّة، فقد قال أحكمُ الخَلق صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنَّةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحابَبتُم؟ أفشو السلامَ بينكم))، فلا تسأمنَّ كثرةَ المارِّين عليك، يحيونك بتحيَّة الإسلام، فقد وجب عليك الردُّ والحبُّ والود؛ لأنَّ ذلك حقٌّ مقدَّس عليك ما دمتَ أبيتَ إلاَّ المجلس.

ومِن أقدَس حقوق الطَّريق (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فإذا رأيتَ شابًّا يتعرَّض لفتاة أو يعاكسها، فمُرْه بالاستقامةِ في حِكمةٍ وموعظةٍ حسنة، فإن لم ينتَه فأغلِظ له دِفاعًا عن الشَّرَف وصونًا للأعراض، من غير أن تعرِّض نفسَك لما لا تُحمد عُقباه، وإن رأيتَ بائعًا ينقصُ الكَيلَ والميزان فانصَح له بالعدل، وانهَه عن ذلك في لُطفٍ وكرَم، وإن رأيتَ سارِقًا فأمسك بتلابيبِه حتى يردَّ الحقَّ إلى أهله، أو سلِّمه للشرطيِّ ليقوده إلى الحاكم، وإن رأيتَ ضعيفًا أو مظلومًا أو ملهوفًا، فانصره وخُذ بيده.

ومن حقِّ المجالِس على العموم: تبادُل الاحترام بين الجالسين، وأن يكون حديثهم بريئًا نزيهًا من الخوضِ في أعراض النَّاس والنَّيل منهم، واحذر أندية السوء وأخدان الشَّيطان؛ فإنَّ مجلسهم قوامه الغِيبة والنَّميمة، واعلم أنَّ كثيرًا من أصدقائك لا يعرفونك إلاَّ حيث تُنفق أموالَك عليهم، ولا ينظرون إليك إلاَّ وقتَ إسداء الجميل إليهم، فإذا نزلَتْ بك النَّوازلُ لا تجد أحدًا يوافيك، ولا خِلاًّ إذا طلبتَه يلبِّيك، فالودُّ الآن كله صَنعة وعِلَل وخداع:
ولما صار ودُّ النَّاس خبًّا
جزيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ

وصِرتُ أشك فيمن أَصطفيه
لعِلمي أنَّه بَعضُ الأنامِ


ومن وصايا الإسلام لأهلِ المجلس الواحد أن يفسح بعضُهم لبعض: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ï´¾ [المجادلة: 11]، ولا يقيم الرجلُ الرجلَ مِن مجلسه ثمَّ يجلس فيه كما يفعل بعضُ المتغطرِسين الذين يظنُّون أنَّ لهم فوق الناس درجةً؛ لأنَّهم أكثر مالاً، أو أبهى مظهرًا؛ فإنَّ سماحة الإسلام وهو دِين المساواة تأبى هذا الشُّذوذ الذي تتألَّم مِنه النَّفس وينكسر القلب.

ومن أدب المجالس: ألاَّ يستبدَّ أحدٌ بالكلام وحدَه دون الحاضرين كما نراه من بعض الثُّقلاء المتفيهقين الثَّرثارين، وليجلس كلُّ واحدٍ في المكان اللاَّئق به؛ فإنَّ ذلك أحفظ للكرامة والتَّقدير، وليكن حيثُ انتهى به المجلس؛ فإنَّه سائغٌ وجميل.

ومن الأدب الإسلامي: إذا كنتم ثلاثةً وضمَّكم مجلسٌ واحد، فلا يتسارَّ اثنان ويقتصرا على الحديث ويهمِس كلٌّ في أذن صاحبه دون الثالث؛ فإنَّ ذلك ممَّا لا تحتمله النَّفس الأبيَّة، ولا يلائم الذَّوق الإنساني بحالٍ، من أجل ذلك قال المربِّي الأعظم سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى اثنانِ دون الآخر حتى تختلِطوا بالنَّاس؛ أجل أنَّ ذلك يحزنه))، وأيُّ حُزن ذلك الذي تَنفعل به نفس الحرِّ حينما يُبتلى في مجلسٍ باثنين من أنطاع البشَر، فيومئ كلٌّ منهما للآخر، ويتَّخذانه في مجلسهما هدفًا أو حجرًا؟ إنَّ هذه لإحدى الكُبَر، فإذا كان ولا بدَّ بينهما كلام خاص، فليُمسِكا عنه حتى يختلطوا بالنَّاس؛ فإنَّ ذلك من الذَّوق ومكارِم الأخلاق.

هذه بعض وصايا الإسلام الحكِيمة في آداب المجتمعات والأندِية والطُّرقات، وهي كما ترى دقِيقة المبنى، جزيلة المعنى، توافِق الفِطَر السَّليمة وتأخذ بها إلى المثَل الأعلى من الكمال، فلو أنَّ النَّاس أخذوا أنفسَهم بها لكنَّا اليوم خيرَ أمَّة أُخرجَت للناس، كما هو وضعنا الذي خُلِقنا لأجله، وصدق الله العظيم حيث يقول: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ï´¾ [الرعد: 11]، ورحم الله امرأً سمِع الحكمةَ فوعاها، وحفظها وعمل بها وعلَّمها غيرَه، أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، والسلام على من اتبع الهدى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.83 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]