خطبة غياكم واشاعة الفاحشة
إن من الأمراض الخطيرة،والآفات الكبيرة،التي تَفتك بالأفراد والمجتمعات آفةَ الشائعات،التي هي ترديد ما يذكر ويحكى من الأمور الحرجة التي تتعلق بأخص حياة الناس،من أمر الصحة والأمن،أو الطعام والمال،أو السمعة والأعراض،ونحو ذلكوتأتي خطورة الشائعات لثلاثة أسباب الأول سرعة انتشارها،فإن الإشاعة تحمل في طيها أخبارًا غريبة تخالف الإلف والعادة والإنسان قد جُبل على حب كل ما هو غريب،فينقله سريعاً دون تثبت وتريث.والسبب الثاني قوة خبرها وكثرة الناقلين لها، مما يدعو لتصديقها، مع كونه كذبًا مختلقاً وسرابًا لا حقيقة له.والسبب الثالث العمل والبناء عليها،بسبب ظن أنها الحق الصراح،والحقيقة الثابتة،فينتشر القلق والاضطراب.معاشر المسلمين إن الإشاعة آفة قديمة؛ فقد كانت موجودة في زمن النبي وذلك من قبل المرجفين في المدينة الذين يقولون جاءت الأعداء وجاءت الحروب وهو كذب وافتراء، فتوعدّهم الله لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاًأي لنسلطنك عليهم ومن الإشاعات التي وقعت في زمن النبي ما حصل في غزوة أحد،فبعد أن انقلب نصر المسلمين إلى هزيمة قاسية،وحدث في صفوف المسلمين ارتباك شديد؛إذ بصائح يصيح إن محمداً قد قتل فانهارت الروح المعنوية عند كثير من المسلمين،وتوقف من توقف منهم عن القتال ولاشك أن شائعة كهذه تعتبر الغاية في قوتها وأثرها.. إذا كان في دنيا النبات طفيليات تلتف حول النبتة الصالحة لتفسد نموها؛فإن الشائعات ومروجيها أشد وأنكىلما يقومون به من خلخلة البُنى التحتية للمجتمع،وتقويض أركانه وتصديع بنيانه.فكم تجنّوا على أبرياء،وأشعلوا نار الفتنة بين الأصفياء،كم هدمت الشائعة من وشائج،وتسببت في جرائم وفككت من أواصر وعلاقات،وكم دمرت من أسر وبيوتات،بل لرب شائعة أثارت فتنا وبلايا،ورب مقالة شر أشعلت فتناً،لأن حاقداً ضخمها ونفخ فيها.إن مروج الشائعة لئيم الطبع،دنيء الهمة مريض النفس عديم المروءة،ضعيف الديانة،يتقاطر خسة ودناءة،.فتان فتاك،ساع في الأرض في الفساد،يجر الفتن للبلاد والعباد، تلون كالحرباء،وينفث سمومه كالحية الرقطاء،ديدنه الإفساد والهمز.وسلوكه الشر واللمز،وعادته الخبث والغمز.اعلموا أن ناقل الكذب والمروج له،سواء علم أنه كذب أو أذاعه من دون تثبت ولا تمحيص،هو أحد الكاذبين لأنه معين على الشر والعدوان،ناشر للإثم والظلم،ولذلك قال ربنا ناصحاً لعباده ومحذراً لهم إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ ..وإذا كان هذا هو الواجب في خبر المؤمن الفاسق،فكيف بخبر الكافر المحارب أو الخبر الذي لا يعلم مصدره؟! فليس كل ما يقال صحيحاً،وليس كل ما يعلم يقال،وليس كل ما يُسمع يذاع.ولذلك قال النبي كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع وصح عنه أنه قال بئس مطية الرجل زعموا وأما إن كانت الشائعة صحيحة واقعة،لكن في إذاعتها مفسدة وأذى، فإن ذلك محرم أيضاً،وليس ذنب بعد الشرك أعظم تحريماً،وأسوأ عاقبة،وأعجل عقوبة من أذية المسلم والإضرار به،والاستطالة في عرضه وتتبع عوراته. ويقول الإمام مالك اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع.
الخطبة الثانية
إن الذي ينبغي على المسلم عند سماعه للشائعات والأخبارأن يقدم حسن الظن بأخيه المسلم،وهو طلب الدليل الباطني الوجداني،وأن ينزل أخاه المسلم بمنزلته،وهذه هي وحدة الصف الداخليلولا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خيراأن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره؛فإن المسلمين لو لم يتكلموا بمثل هذه الشائعاتلماتت في مهدها ولم تجد من يحييها إلا مرضى القلوبولولا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا إن الإشاعة آفة خطيرة مصدرها اللسان، فعلى المسلم أن يحفظ لسانه عما لا يعنيه،وعما فيه معصية لله من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" أي اللسان والفرج حفظ اللسان عن القبيح أمانة*يزكوا به الإسلام والإيمان
من كفّ كف الناس عنه ومن أبى*إلا الخنا فكما يدين يدان
|