خطبة كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213355 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-12-2019, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ

خطبة كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ




الشيخ حسين شعبان وهدان









الحمد لله بارئ الأمم وخالق الخلق من العدم، المتفرد بالبقاء والقدم ومنير دروب المؤمنين في غَبَشِ الظُّلَم.

نحمده حمد عبدٍ مُقِرٍ بأفضاله التي لا تُحَدّ ونِعَمِهِ التي لا تُعَدّ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[1].

يا أخا الإسلام:
الناس من جهة التمثيل أكفاءُ
أبوهمُ آدمٌ والأم حواءُ

نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مشاكلةٌ
وأعظمٌ خلقت فيهم وأعضاءُ

فإن يكن لهم من أصلهم نسبٌ
يفاخرون به فالطين والماءُ


وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، سوى بين العباد في الرتبة والقدر ولم يجعل لهم سبيلاً في الرفعة إلا بالتقوى والعمل الصالح.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعــد:
ففي حجة الوداعِ أعلن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أولَ ميثاقٍ متكاملٍ لحقوق الإنسان أينما كان، ينظمُ فيه المعالم الفاصلة بين الحقِّ والواجبِ والمأْمُورِ بِهِ والمنهيِّ عَنْهُ، فمن التزم به وصان أُسُسَهُ وسار على ضيائه فاز بالعزِّةِ والسَّعَادَةِ في العاجل والآجل.

وفي هذا اللقاء الحاشد قد أفاض النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من الحديث حول العلاقات الدولية والاجتماعية وأعاد ضبط ما انفرط من عقد التعقل بسبب الجهل والعصبية واتباع الهوى، خصوصاً في مجال الاحترام والتقدير للناس ووضعهم في مواضعهم الحقيقية بلا إفراطٍ في التمادُحِ ولا تفريطٍ في التجني.

وقد عطبتْ عقولُ كثيرٍ من الناس في زماننا وسلكوا في هذا المضمارِ صِرَاطاً غيرَ مُسْتَقيمٍ، فإذا بهم يرفعون من الخلْقِ ما لم يأذن الله تعالى برفْعِهِ ويخفضون منهم من شاؤا بلا دليلٍ يَرْقَى إلى مرتبة القبول عند أهل التُّقَى، وأضحت الصورة العامة للأفراد والمجتمعات تخبرُ أن كثيراً منهم يرفعون أقدار الناس ليس على مبدأ التقوى كما أمرَ الدين القويم ولهم في ذلك مآربُ وفُنُون.

قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في بيانه الحكيم: (يا أيها الناس: إن ربكم واحد، و إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي و لا عجمي على عربي، و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ألا هل بلغت ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: فيبلغ الشاهد الغائب)[2].

هذا ميزانٌ لا يخطئه العدل إن جردناه في علاقاتنا التي يكتنفها كثيرٌ من التجافي عن النظرة العادلةِ للأفراد والعائلات، فترى البعض يزكي نفسه وعائلته في صورٍ تستفز البغضاء وتحرك دواعيها من تَعَالِيِ الإنسان على أخيه المتماثل معه تماماً في الخلقة الأولى !، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [3].


اختلالُ موازينِ التقديرِ للنَاسِ:
وتبعاً لموازين أهل الدنيا فقد أصبحَ الخَلْطُ والتزْييفُ بالمدح الكاذب تارةً وبإهدار الفضلِ تارةً أُخرى هو المَعْلَمُ المشهور في الحياة، وتناثرت بين الأممِ والشعوبِ خرافاتٌ عنصريةٌ مزعومةٌ منها ما هو في الجانب الاجتماعي الدولي كخرافةِ الجنسِ الآري الذي جعلَ قائداً كهتلر يستبح الدماء ويزيل معالم دولٍ كاملةٍ، ومنها ما هو في الجانب الديني كقول اليهود والنصارى كما حكى القرآن عنهم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [4]، وعلى هذه الشاكلة عاش اليهود ممعنين في العنصرية بلا حدودٍ كزعمهم الكاذب بأن العزير ولد الله ! قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [5]، ومن دعاوى التزكية الكاذبة أيضاً ما حكاه القرآن الكريم عنهم: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [6]، وقد طالت أيادي الغدر منهم لجميع الأمم بالقتل والتعذيب وشتى صنوف الأذى على أساسٍ من العنصرية البغيضة بِهَدْرِ قيمة الفرد وحياته إن لم يكن منهم: ﴿ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [7]، وفي ذلك قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (مَا خَلا يَهُودِيَّانِ بِمُسْلِمٍ إِلا هَمَّا بِقَتْلِهِ)[8].


ولا شك أن المجتمعات الإسلامية قد تأثرت من جرّاءِ المُبادَلاتِ الثَّقَافِيَّةِ بين الأمم بهذه النزعات المُرْجِفَةِ بين الأكارم وأصحاب الجرائم، أو أنها ميراثُ تربيةٍ على عاداتٍ ألهمتْ نشْأَهَا وشبابها أنهم من أقوامٍ يتمايزون بين الناس ولهم المجد الأسنى والفخر الأكبر، فإذا فتَّشْتَ في دلائل هذه الدعاوى وجدتها بلا دليلٍ مقنعٍ اللهم إلا التماجد الشخصي الذاهب في مهبِّ الريح، مثل أهل العروبة في زمان الجاهلية الذين عَلَّقُوا مع المعَلَّقَاتِ في الكعبة هذا البناء الشعري الرصينَ في ألفاظه لكنَّهُ يقطر فخراً خارجاً عن حدود اللياقة إلى حدٍ بعيدٍ.

قال عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ونحن الحاكمون إذا أطعنا
ونحن العازمون إذا عصينا

ونحن التاركون لما سخطنا
ونحن الآخذون لما رضينا

وأنا المانعون إذاأردنا
وأنا النازلون بحيث شينا

وأن النازلون بكل ثغرٍ
يخاف النازلونبه المنونا

ونشرب إن وردنا الماء صفواً
ويشرب غيرنا كدراً وطيناً

إذابلغ الفطام لنا صبيٌّ
تخر له الجبابِرُ ساجدينا


وعلى ذلك المعنى تشربت نفوسٌ كثيرةٌ معنى الكبر والتسامِي بلا سببٍ يوجِبُ ذلك، وغدا منطق الكثيرين منهم بقولِ من قال: كيف يجرؤ فلانٌ على أن يكلمني بهذه الطريقة؟ أو يعاملني على هذه الشاكلة أفلا يدري من أنا، هل نسيَ أصله ؟!!.


أكْرمُكُمْ أَتْقَاكُمْ:
وهذه الفروق الشكلية إنما هي من صنع الناس، فكما نعلمُ من كتاب ربنا سبحانه أن أصل الخلقة لكل أولاد آدم أصلٌ واحد، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ [9]، وشاءت حكمة الله تعالى أن يخلق أنبياء من سلالةٍ فيها بعض أهل الكفر كما حكى الله تعالى عن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [10]، ويخلق سبحانه من أصلاب الأنبياء من يكفر برسالته كما حكى القرآن أيضاً عن سيدنا نوحٍ عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [11]، فالنسب الحقيقي هو الإيمان، ولا ينفع المرء من أمر الأنساب الدنيوية شئٌ إلا إذا كان على هدي الدين القويم.

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [12]، وقد ذكر الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية قوله: [وقيل: إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وقوله في الرجل الذي لم يتفسح له: ابن فلانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من الذاكر فلانة"؟ قال ثابت:أنا يا رسول الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انظر في وجوه القوم" فنظر، فقال: "ما رأيت"؟ قال رأيت أبيض وأسود وأحمر، فقال: "فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى"] [13].

ومهما ابتغي الإنسان التميز بغير التقوى وحسن التدين فإنه لن يظفر بمبتغاهُ لا عند الخالق الأعلى ولا عند العقلاء والأتقياء من عباد الله، [فقد تزوج رجلٌ من الأنصار امرأةً فطُعِنَ عليها في حسبها، فقال الرجل: إني لم أتزوجها لحسبها إنما تزوجتها لدينها وخلقها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما يضرك ألا تكون من آل حاجب بن زرارة" ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تبارك وتعالى جاء بالإسلام فرفع به الخسيسة وأتم به الناقصة وأذهب به اللوم فلا لوم على مسلم إنما اللوم لوم الجاهلية"، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي" ولذلك كان أكرم البشر على الله تعالى] [14].

ألا إنما التقوى هي العز والكرم
وحبك للدنيا هو الذل والسقم

وليس على عبدٍ تقيٍّ نقيصةٌ إذا
صحح التقوى وإن حاك أو حجم.



فتنةُ الاعْتِمادِ عَلى الأنْسَابِ:
وقد دأبت فصائلُ كثيرةٌ من المجتمع على رفع أقدار الناس بناءً على نسبه وكريم أصله، وهذا له وجاهته وقبوله، فالناسُ معادن، وقد أمرنا الإسلام بحفظ أقدار الخلق، قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (أنزلوا الناس منازلهم)[15]، وليس من المعقول التسوية بين الوزيرِ وحمَّالِ الحطب أو بين المنحدر من سلالة عُبَّادٍ أنقياء وبين من تسلسل من قطاع الطرق، قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشد له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه)[16]، لكنها ليست قاعدةً وقانوناً لازماً في حياة الناس، فلربما يئن هذا المتفاخر بكريم الأصل إلى قبيح الفعال والأقوال والتصرفات فيكون نكالاً وسُحقاً على جميع أسلافه وفروعه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-12-2019, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ


ومن الناس من مسَّهُ طائف المرض بإدمان التماجد بالأنساب يَرُومُ التميز وطلب التقدير مع نسيان ما درج عليه أسلافه من ظُلمٍ أو جهلٍ أو سخائم أخرى، قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب يوم فتح مكة: "يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان رجل بر تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله والناس بنو آدم وخلق الله آدم من التراب قال الله: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ï´¾[17]"[18]، وندد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بهذا الصنيع وتوعد صانعيه بالصغار حين قال: (لينتهين أقوامٌ يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عيبةالجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمنٌ تقيٌّ، أو فاجرٌ شقيٌّ، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من التراب)[19]، وَبَيَّنَ النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - عدم جدوى الإنتساب إلى قومٍ لهم بأسٌ وشكيمةٌ في الفوز بالنجاة في الآخرة من العذاب حين التقصير في العمل فقال: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)[20]، وقال الله تعالى: ï´؟ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ï´¾[21].

بل إن الله عز وجل سيرفع القدر ويعلي الذكر وينجي من العذاب ويورث النعيم يوم القيامة على أساس التقوى مع إغفال شأن النسب، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي: ألا إني جعلت نسباً، وجعلتم نسباً، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم، إلا أن تقولوا: فلانٌ بن فلانٍ خيرٌ من فلانٍ بن فلانٍ، فاليوم أرفعُنسبي وأضعُ نسبكم، أين المتقون)[22].

وإذا كان المرء متفرعاً من عائلةٍ ليس لها في أمجاد الناس على مقاييس الدنيا شئٌ يُذكرُ فما ذنبه ؟ ولماذا يهدر الخلق قدره ؟، فعن عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أنسابكم هذه ليست بسبابٍ على أحد، وإنما أنتم ولد آدم، طفَّ الصاع لم تملؤوه، ليس لأحد فضلٌ على أحد إلا الدين، أو عملٌ صالح"[23].

وقد حدث في زمان النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - موقفٌ اشتبه فيه الأمر بين المعايرة أو الوصف ولعله لم يكن من السباب في شئ، كان صاحباه أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - وبلال بن رباح - رضي الله عنه - مؤذن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، حين تغاضبا، وفي ثورة الغضب قال أبو ذرٍ لبلال: (يا ابن السوداء فشكاه بلالٌ إلى النبي فقال النبي لأبي ذر:أعَيَّرْتَهُ بأمه إنك امرؤٌ فيك جاهلية)[24]، وفي رواية البخاري رحمه الله تعالى: (رأيت أبا ذر الغفاري - رضي الله عنه -، وعليه حلةٌ، وعلى غلامِهِ حلةٌ، فسألناه عن ذلك، فقال: إني سابَبْتُ رجلاً، فشكاني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعيَّرْتَهُ بأُمِّهِ" ثم قال: "إن إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم")[25].

ونظراً لبريق النسب في عيون الناس فقد حاولوا أن يشفعوا لإمرأةٍ قد سرقت من بني مخزوم - ولهم في الناس سمعةٌ ووجاهةٌ - ولم يجدوا مدخلاً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أسامة بن زيد - رضي الله عنه - لأنه كان حِبّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها: (أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة، حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أتشفع في حدٍّ من حدود الله"؟! . ثم قام فخطب، قال: "يا أيها الناس، إنما ضلَّ من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيفُ فيهم أقاموا عليه الحد، وأيْمُ الله، لو أن فاطمةَ بنتَ محمد سرقتْ لقطع محمدٌ يدها")[26].

وأكرم الناس على الله تعالى قياساً ووصفاً قد حدده النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وذلك من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ( سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أكرم ؟ قال: "أكرمهم عند الله أتقاهم"، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله". قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فعن معادن العرب تسألونني"؟ قالوا: نعم، قال: "فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا")[27].

ومن تَلَطِّفِ الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يجب أن نتعلم تذوق بعض الأدب في معاملة الناس، فقد روى أهل السير أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لما رأى بلال بن رباحٍ - رضي الله عنه - يعذب في رمضاء مكة وَوَهَجَهَا المُسْتَعِرِ جَلَبَ المال واشتراه من أُبيِّ بن خلف، وعندئذ سارت مقولات المنافقين والمرجفين يقولون: ما أعتق أبو بكرٍ بلالاً إلا لمعروفٍ أسداهُ بلالٌ لأبي بكر، فتولى الله الرد من فوق سبع سماوات: ï´؟ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ï´¾[28]، وقد كان منطق عمر - رضي الله عنه - في وصف هذا الموقف يقطر تواضعاً إذ سوَّى بين السيد ومن كان بالأمس في زمرة العبيد بل نعته بالسيادة حين قال: أبو بكرٍ سيدُنَا وأعْتَقَ سيدَنا، وذكر الإمام ابن حجرٍ رحمه الله تعالى في الفتح: [كان عمر - رضي الله عنه - يقولأبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، يعني بلالاً، قال ابن التين:يعني أن بلالاً من السادة، ولم يرد أنه أفضل من عمر، وقال غيره: السيد الأول حقيقة، والثاني قاله تواضعا على سبيل المجاز][29].


ويرحم الله من قال:
عليك بتقوى اللهِ في كل حالةٍ
ولا تتركنَّ التقوى اتِّكَالاً على النسبِ

فَقَدْ رفَعَ الإسلامُ سلمانَ فَارسٍ
وقدْ خَفَضَ الشركُ اللعِينَ أبا لهبِ


ومن حرص النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - على هداية الصناديد والكبراء من قريشٍ فقد حاول لفت انتباههم إلى دعوته الكريمة ولم يلتفت إلى إلحاحِ رجلٍ كان من العامة قبل إسلامه وهو عبد الله بن أم مكتوم - رضي الله عنه - الذي أنزل الله تعالى في شأنه قرآناً يتلى، قال الله تعالى ï´؟ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ï´¾[30]، وحال العظة من الكتاب العزيز يشير إلى أن هذا الدين منصورٌ بكل من يؤمن به ولا بأس أن يكون من الأغنياء أو الفقراء أو السادة أو العبيد أو الوجهاء أو المدفوعين بالأبواب، فكل واحدٍ مهما كان حجمه في المجتمع له دوره وأمانته وبطولته التي من أجلها يرفع الله قدره بين الناس ولا يجوز أن يكون في الجماعة المؤمنة من يعامله الناس معاملة النكرات.


وأخيراً:
ندفع بالحسنى في وجوه المتعالين بالمال والأنساب والأصل والمناصب على حساب الخُلُقِ والدين والتقوى مع كل التقدير

بقول أمير الشعراء شوقي:
لا يقولن امرؤٌ أصلي فما أصله
مسكٌ وأصلُ الناس من طينِ


وإلى المتضعين بأصولهم المتوهمين أن أقدارهم بين الناس مَسَّهَا الانحدار نسوق إليهم بكل الإجلال قول أمير المؤمنين على بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه -:
كن ابن منْ شئتَ واكْتَسِبْ أدباً
يغنيك محمودُهُ عن النسبِ

إِنَّ الفَتى من يقولُ هَا أنا ذَا
ليْسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كَانَ أبي


والله نسأل أن يعلي أقدارنا ويرفع عنا إصرنا ويبصر قلوبنا بهداه.
والحمد لله في بدءٍ وفي ختمٍ.






[1] - النحل:18.

[2] - الألباني في السلسلة الصحيحة 3700 بسندٍ صحيحٍ عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه.

[3] - الحجرات:13.

[4] - المائدة: من الآية18.

[5] - التوبة: من الآية30.

[6] - آل عمران: من الآية181.

[7] - آل عمران: من الآية75.

[8] - السخاوي في المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الحديث من الألسنة 914 عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، ورواه الثعلبي وابن مردويه وابن حِبَّان في الضعفاء، من رواية يحيى بن عبيد اللَّه عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً أيضاً، وفي رواية ابن حبان: يهودي، على الإفراد، وكذا أخرجه الديلمي في مسنده، ولفظه: "ما خلا قط يهودي بمسلم إلا حدث نفسه بقتله".

[9] - السجدة:7.

[10] - الأنعام:74.

[11] - هود42:43.

[12] - الحجرات:13.

[13] - الإمام القرطبي / الجامع لأحكام القرآن ص ج ط2 دار الغد العربي / القاهرة.

[14] - السابق.

[15] - محمد جار الله الصعدي في النوافح العطرة 59 بسندٍ صحيحٍ عن أنسٍ - رضي الله عنه.

[16] - صحيح البخاري 3493 بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة - رضي الله عنه.

[17] - الحجرات:13.

[18] - ابن العربي في عارضة الأحوذي 6/337 بسندٍ صحيحٍ عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه.

[19] - الألباني في صحيح الجامع 5483 بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة - رضي الله عنه.

[20] - الزرقاني في مختصر المقاصد 961 بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة - رضي الله عنه.


[21] المؤمنون:101.

[22] - المنذري في الترغيب والترهيب 4/61 بإسنادٍ صحيحٍ أو حسنٍ أو ما يقاربهما.

[23] - الألباني في صحيح الترغيب 2962 وقال: صحيحٌ لغيره.

[24] - الألباني في غاية المرام 307 بسندٍ صحيحٍ بغير هذا السياق.

[25] - صحيح البخاري 2545 بسندٍ صحيحٍ.

[26] - صحيح البخاري 6788 بسندٍ صحيحٍ.

[27] - صحيح البخاري 4689.

[28] - الليل 19-21.

[29] - الإمام ابن حجر العسقلاني / فتح الباري بشرح صحيح البخاري / كتاب فضائل الصحابة / مناقب بلال - نسخة مدمجة على المكتبة الإسلامية - موقع إسلام ويب.

[30] - عبس 1:6.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 87.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 85.36 كيلو بايت... تم توفير 2.36 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]