حلاوة العباد ولذتها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4422 - عددالزوار : 859959 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3954 - عددالزوار : 394303 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216337 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7847 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 70 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 98 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-03-2020, 02:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي حلاوة العباد ولذتها

حلاوة العباد ولذتها-1


فهد بن عبد العزيز الشويرخ



الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فإن السعيد من فتح له باب حلاوة الطاعة والعبادة الشارحة للصدر المزيلة للهم والحزن الموصلة لنعيم الآخرة وهذه الحلاوة قال عنها من ذاقها من سلف هذه الأمة : مساكين أهل الدنيا, خرجوا منها, وما ذاقوا لذيذ العيش فيها, وما ذاقوا أطيب ما فيها, وقال الآخر : إن في الدنيا جنة, من لم يدخلها, لم يدخل جنة الآخرة, وقال ثالث : لو علم الملوك وأبناء الملوك, ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
للعبادة حلاوة, من وجدها أحسَّ بانشراحٍ في صدره, وسعادة في قلبه, أثناء قيامه بأداء العبادات, وبعد الانتهاء منها, وأحسَّ بتعلق قلبه بالعبادة, فهو لا يبرح من أداءها حتى يتشوق لفعلها مرة ثانية, وأحسَّ بسهولة وبحلاوة في أدائها, وهذه الحلاوة تتفاوت من إنسان إلى آخر, ومن وقت لآخر, بحسب قوة الإيمان واليقين وضعفه, وهذه الحلاوة تحصل بحصول أسبابها, وتزول بزوالها, وتضعف بضعفها.
قال القاضي عياض رحمه الله : المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان, سهلت عليه طاعات ربه, ولذت له, ولم يشق عليه معاناتها, وقال الإمام النووي رحمه الله : قال العلماء رحمهم الله : معني حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات, وتحمل المشقات في رضي الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم, وإيثار ذلك على عرض الدنيا, وقال الإمام ابن رجب رحمه الله : إذا ذاق العبد حلاوة الإيمان, ووجد طعمه وحلاوته, ظهر ثمرة ذلك على لسانه وجوارحه, فاستحلى ذكر الله وما والاه, وأسرعت الجوارح إلى طاعة الله
حلاوة محبة الله جل جلاله
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : المحبة..المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون, وإليها شخص العاملون, وإلى علمها شمَّر السابقون, وعليها تنافس المحبّون, وبروح نسيمها تروَّح العابدون, فهي قوت القلوب, وغذاء الأرواح, وقُرَّةُ العيون, وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات, والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات, والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميعُ الأسقام, واللَّذَّةُ التي من لم يظفر بها فعيشه كلُّه هموم وآلام.
وقال رحمه الله : من ذاق حلاوة معرفة الله والقرب والأنس به, لم يكن له أمل في غيره.
وقال رحمه الله : محبة الله سبحانه والأُنس به, والشوق إلى لقائه, والرضا به وعنه, أصل الدين...فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزكية أحلى ولا ألذَ ولا أطيب ولا أسرُّ..من محبته والأنس به والشوق إلى لقائه....والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة, والنعيم الذي يحصل له بذلك أتمّ من كل نعيم, واللذة التي تناله أعلى من كل لذة....فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف, وفيه أرغب, وله أحب, وإليه أقرب, وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه, ولا يُعرفُ إلا بالذوق والوجد, ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبّاً لغيره, ولا أُنساً به, وكلما ازداد له حباً ازداد له عبودية وذلاً وخضوعاً ورقاً له, وحرية عن رقِّ غيره.
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : لا تجد شيئاً ألذّ من محبة الله سبحانه وتعالى
حلاوة الإيمان
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الإيمان إذا باشر القلب, وخالطته بشاشته...له من الحلاوة في القلب, واللذة, والسرور, والبهجة, ما لا يمكن التعبير عنه لمن لم يذقه, والناس متفاوتون في ذوقه, وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : حلاوة الإيمان : ما يجده الإنسان في نفسه وقلبه من الطمأنينة والراحة والانشراح, وليست مُدركة باللعاب والفم...فالإيمان له حلاوة وله طعم لا يدركه إلا من أسبغ الله عليه نعمته بهذه الحلاوة وبهذا الطعم, وقال رحمه الله : الإيمان...له مذاق لا يماثله مذاق, لا مذاق السكر, ولا العسل, ولا غيره, فكلما قوى الإيمان, وجد الإنسان للإيمان طعماً لا يماثله شيء من طُعوم الدنيا أبداً, وقال رحمه الله : طعم الإيمان يبقي مدة طويلة, حتى إن الإنسان أحياناً يفعل عبادة في صفاء وحضور قلب وخشوع لله عز وجل, فتجده يتطعم بتلك العبادة مدة طويلة, فالإيمان له حلاوة وله طعم لا يدركه إلا من أسبغ عليه نعمته بهذه الحلاوة وهذا الطعم.
وأكثر المسلمين لم يذوقوا حلاوة الإيمان, قال الله جل جلاله : { قالت الأعراب آمنا قُل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } [الحجرات:14] قال العلامة ابن القيم رحمه الله : فهؤلاء مسلمون, وليسوا بمؤمنين, لأنهم ليسوا ممن باشر الإيمان قلبه, فذاق حلاوته وطعمه, وهذا حال أكثر المنتسبين إلى الإسلام.
ومن الأعمال تنال بها حلاوة الإيمان : غض البصر عن ما حرم الله
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : في غضِّ البصر..منافع...الثاني عشر : حلاوة الإيمان ولذته.
ومنها : أن تكون محبة الله ورسوله أحب إليه مما سواهما,المحبة في الله,أن يكره أن يعود في الكفر.
فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما, وأن يُحبّ المرء لا يُحبهُ إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» [متفق عليه]
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :محبة الله على قسمين فرض وندب,فالفرض المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن معاصيه والرضا بقدره والندب أن يواظب على النوافل ويتجنب الوقوع في الشبهات..وكذلك محبة الرسول على قسمين كما تقدم ويزاد أن لا يتلقي شيئاً من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته ولا يسلك إلا طريقته ويرضي بما شرعه.ويتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والتواضع وغيرها..فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان.
ومنها الرضا بقضاء الله وبشرعة وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.فعن العباس رضي الله عنه أن النبي صلى اله عليه وسلم قال : «ذاق طعم الإيمان, من رضي بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً »[أخرجه مسلم] قال الإمام ابن رجب رحمه الله : الرضا بربوبية الله تتضمن الرضا بعبادته وحده لا شريك له, وبالرضا بتدبيره للعبد واختياره له والرضا بالإسلام ديناً يتضمن اختياره على سائر الأديان, والرضا بمحمد رسولاً يتضمن الرضا بجميع ما جاء به من عند الله وقبول ذلك بالتسليم والانشراح كما قال تعالى : {فلا وربك لا يؤمنون حتَّى يُحكّموك فيما شجر بينهم} [النساء:65]
قال العلامة ابن عثيمين:قوله صلى الله عليه وسلم(من رضي بالله رباً) يشمل رُبوبية الشرع ورُبُوبية القدر فربوبية القدر:أن يرضي بقضاء الله تعالى وقدره, له أو عليه, ورُبُوبية الشرع: أن يرضي بشرع الله تعالى, أمراً كان أو نهياً...وقوله : (وبالإسلام ديناً) يُخرجُ جميع الأديان سوى الإسلام..وقوله وبمُحمدٍ رسولاً ) يعني مُتبعاً
وإذا خالطت حلاوة الإيمان القلب, جعلت صاحب هذا القلب يتمسك بدينه, ولا يرتد عنه, مهما كانت الأسباب, ومهما كثرت المغريات, ومهما تنوعت طرق الإغراء, ومهما تعددت أشكال الإغواء, فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له : سألتك هل يزيدون أم ينقصون, فزعمت أنهم يزيدون, وكذلك الإيمان حتَّي يتم, وسألتك هل يرتد أحد سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فزعمت أن لا, وكذلك الإيمان حينَ تُخالط بشاشتُهُ القُلُوب لا يسخطه أحد.
حلاوة الذكر
لذكر الله حلاوة ولذة, قال مالك بن دينار : ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله"
ومن يكثر من ذكر الله بقلبه ولسانه, يجدُّ لذكره حلاوةً في قلبه, وانشراحاً في صدره, وأُنساً وفرحاً في نفسه, ولذةً لا تماثلها لذة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله : للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء, فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر, والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به, ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة...فليس شيء من الأعمال أخف مؤونة منه, ولا أعظم لذة, ولا أكثر فرحة وابتهاجاً للقلب.
وقد يحرم العبد هذه الحلاوة وهذه اللذة بسبب حبُّ الدنيا, قال مالك بن دينار رحمه الله : وقد روي أن الله سبحانه وتعالى يقول : إن أهون ما أنا بصانع بالعالم إذا أحبَّ الدنيا أن أخرج حلاوة ذكري من قلبه, وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قال بعض الحكماء : الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد, فكما لا يجدُ الجسد لذة الطعام مع السقم فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-03-2020, 02:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حلاوة العباد ولذتها

حلاوة العباد ولذتها-2


فهد بن عبد العزيز الشويرخ


حلاوة الصلاة


للصلاة حلاوة يجدها من جاهد نفسه للتنعم بها, قال محمد بن المنكدر رحمه الله : كابدت الصلاة عشرين سنة, وتنعمت بها عشرين سنة.
من رام حلاوة الصلاة, فينبغي له أن يؤديها بخشوع وطمأنينة, بجميع أركانها, وواجباتها, وسننها, وشروطها, وعند ذاك سيجد حلاوة الصلاة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله : الصلاة..من أدى حقها, وأكمل خشوعها, ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه, فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه, وأحس بأثقالٍ قد وضعت عنه, فوجد نشاطاً وراحةً, حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها, لأنها قرةُ عينه, ونعيمُ روحه, وجنة قلبه, ومُستراحُه في الدنيا, فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها, فيستريح بها, لا منها, فالمُحبُّون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا, كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم : ( يا بلالُ أرِحنا بالصلاة ) ولم يقل أرحنا منها, فمن جعلت قرة عينه في الصلاة, فكيف تقر عينه بدونها وكيف يطيق الصبر عنها.؟
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : إذا قمت تصلى وأنت صافي القلب بعيداً من الدنيا, مقبلاً على الله, تجد في هذه الصلاة محبة الله ولذة عظيمة تنسيك الدنيا كلها, لأنك لا تجد شيئاً ألذّ من محبة الله سبحانه وتعالى, وقال : الإنسان إذا أدى الصلاة بخشوع وحضور قلب, فإنه يجد من نفسه وهو ساجد أو يشعر وهو ساجد أنه قريب من الله يدعوه ويناجيه وهو أيضاً يشعر بأن الله تبارك وتعالى فوق كل شيء أنه قريب منه, وأنه فوق كل شيء.

حلاوة قراءة القرآن وتدبره وفهم معانيه
لقد اجتهد سلف الأمة في تلاوة القرآن الكريم, وتدبره, وفهم معانيه , حباً لكلام الله وتلذذاً بتلاوته, فلتلاوة لقرآن الكريم وتدبر معانية حلاوة ولذة, والإكثار من تلاوته وترديده يزيده حلاوة ومحبة, قال الإمام السيوطي رحمه الله في وجوه إعجاز القرآن: منها إن قارئه لا يمله, وسامعه لا يمجه, بل الاكباب على تلاوته يزيده حلاوة, وقال العلامة ابن القيم رحمه الله : فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمه بغير تدبر وتفهم, وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن, وقال الإمام الزركشي رحمه الله : قال الخطابي : وقلتُ في إعجاز القرآن وجهاً آخر, ذهب عنه الناس, فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ في آحادهم, وهو صنيعة في القلوب, وتأثيره في النفوس, فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال, ومن الروعة والمهابة في حال أخرى, ما يخلص منه إليه, قال الله تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً مُتصدعاً من خشية الله } [الحشر:21] وقال تعالى : {الله نزل أحسن الحديث كتاباً مُتشابهاً مثاني تقشعرُّ منه جُلُود الذين يخشون ربهم } [الزمر:23]
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : كان داود الطائي يترنم بالآية في الليل, فيري من سمعه أنَّ جميع نعيم الدنيا جُمِعَ في ترنُّمه, وقال أحمد بن أبي الحواري : إني لأقرأُ القرآن, فأنظر فيه آية آية, فيحار فيها عقلي, وأعجبُ من حفاظ القرآن, كيف يهنيهم النوم, ويسعهم أن يشتغلوا بشيءٍ من الدنيا, وهم يتلون كلام الله !! أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه, وتلذذوا به, واستحلوا المناجاة به, لذهب عنهم النوم فرحاً بما قد رزقوا.
وقال ابن القيم رحمه الله:كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم إذا اجتمعوا واشتاقوا إلى حادٍ يحدُو بهم ليطيب لهم السيرُ, ومُحركٍ يُحرِّك قلوبهم إلى محبوبهم, أمروا واحداً منهم يقرأ والباقون يستمعون, فتطمئن قلوبهم, وتفيض عيونهم ويجدون من حلاوة الإيمان أضعاف ما يجده السماعاتية من حلاوة السماع
وحلاوة القرآن تكون لأصحاب القلوب الطاهرة, قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه : لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله, وقال العلامة ابن القيم رحمه الله : قول الله تعالى : {إنه لقرآن كريم * في كتب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة:97-99] فحقيقة هذا أنه لا يمسُّ محله إلا المطَّهر, وإشارته أنه لا يجد حلاوته ويذوق طعمه ويباشر حقائقه, إلا القلب المطهَّر من الأنجاس والأدناس"
وقد حذر السلف رحمهم الله من أنه سوف يأتي على الناس زمان, يقرأ الناس القرآن, لا يجدون له حلاوة, قال الإمام ابن رجب رحمه الله : عن حذيفة قال : يوشك أن يُدرس الإسلام, كما يدرس وشي الثوب, ويقرأ الناس القرآن لا يجدون له حلاوة, وعن أبي العالية قال : سيأتي على الناس زمان, تخرب فيه صدورهم من القرآن, وتبلى كما تبلى ثيابهم....لا يجدون له حلاوة, ولذاذة"
وقد يحرم العبد لذة وحلاوة القرآن إذا قرأ القرآن بغير تدبر, قال الإمام الزركشي رحمه الله : من لم يكن له علم وفهم وتقوى وتدبر لم يدرك من لذة القرآن شيئاً.
وقد يحرم حلاوة القرآن بسبب سماع الغناء, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : القلب إذا تعود سماع القصائد والأبيات وألتذَّ بها, حصل له نفور من سماع القرآن والآيات, فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن.ويمنع قلوبهم حلاوة القرآن وفهم معانيه وإتباعه.

حلاوة قيام الليل

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : كان أبو سليمان يقولُ : أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم, ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء في الدنيا.
وقال أبو زيد معضد العجلي رحمه الله : لولا ظمأ الهواجر وطول ليل الشتاء ولذاذة التهجد بكتاب الله عز وجل ما باليت أن أكون يعسوباً.
قال ثابت البناني رحمه الله : ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل.
قال الشيخ بدر بن ناصر البدر عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم : قد بلغوا رحمهم الله تعالى, في هذا مبلغاً عظيماً, حين أحبوا قيام الليل للصلاة, وتلاوة القرآن, والدعاء, لما يجدون في ذلك من الأنس ولذة التلاوة, وحلاوة المناجاة, واشتاقوا إلى قدومه حيث يجدون فيه راحتهم وسعادتهم, ويسألون الله تعالى المزيد من فضله, وألا يحرمهم هذا الخير الذي وفقوا له, وأعينوا عليه, وقد حرمه آخرون"
حلاوة الدعاء والمناجاة

الدعاء إذا كان من قلب مخلص, صادق, منكسر, فله حلاوة ولذة, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قال بعض الشيوخ : إنه ليكون لي إلى الله حاجة فأدعوه فيفتح لي من لذيذ معرفته, وحلاوة مناجاته, ما لا أحبُّ معه أن يعجل قضاء حاجتي, خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك, لأن النفس لا تريد إلا حظها, فإذا قضي انصرفت, وقال ابن القيم رحمه الله : وربما يُفتحُ على قلبه, حال السؤال من معرفة الله ومحبته والذلِّ له, والخضوع, والتملق ما ينسيه حاجته, ويكونُ ما فُتح له من ذلك أحبَّ إليه من حاجته, بحيث أن تدوم له تلك الحال, وتكون آثر عنده من حاجته وفرحه بها أعظم من فرحه بحاجته, لو عُجلت له وفاته ذلك

حلاوة طلب العلم الشرعي

لطلب العلم الشرعي حلاوة ولذة, لا يعرفها إلا من وفقه الكريم إليها, قال الذهبي رحمه الله قال ابن فارس اللغوي سمعت ابن العميد يقول : ما كنتُ أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها, حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي, فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه وكان أبو بكر يغلبه بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه فقال الجعابي عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي فقال: هات فقال: حدثنا أبو خليفة الجمحي حدثنا سليمان بن أيوب وحدث بحديث فقال الطبراني : أخبرنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفه فأسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك, فخجل الجعابي فوددت أن الوزارة لم تكن وكنت أنا الطبراني وفرحت كفرحه, أو كما قال
وقال ابن القيم رحمه الله: السعادة الحقيقية هي سعادة نفسانية روحية قلبية وهي سعادة العلم النافع وثمرته فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال والمُصاحبة للعبد في جميع أسفاره, وفي دوره الثلاثة, أعنى دار الدنيا, ودار البرزخ, ودار القرار, وبها يترقى في معارج الفضل ودرجات الكمال..وهذه السعادة لا يعرف قدرها ويبعث على طلبها إلا العلم بها.وإنما رغب أكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها لوعورة طريقها ومرارة مباديها وتعب تحصيلها وأنها لا تنال إلا على جسر من التعب فإنها لا تحصل إلا بالجدِّ المحض.وهذه السعادة وإن كانت في ابتدائها لا تنفك عن ضرب من المشقة والكره والتأذي, فإنها متى أكرهت النفس عليها, وسيقت طائعة وكارهة إليها, وصبرت على لأوائها وشدَّتها, أفضت منها إلى رياض مؤنقة, ومقاعد صدق ومقام كريم, تجدُ كلَّ لذَّة دونها كلذَّة لعب الصبي بالعصفور بالنسبة إلى لذَّة الملوك.

حلاوة العفو عن الإساءة

للعفو عن الإساءة حلاوة ولذة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله : أن يشهد أنه إذا عفا وأحسن, أورثه ذلك سلامة القلب لإخوانه, ونقائه من الغش, والغل, وطلب الانتقام, وإرادة الشر, وحصل له من حلاوة العفو, ما يزيد لذته ومنفعته عاجلاً أو آجلاً, على المنفعة الحاصلة له بالانتقام أضعاف مضاعفة, ويدخل في قوله تعالى : {والله يحبُّ المُحسنين } [آل عمرن/134] فيصير محبوباً لله ويصير حالًه حال من أُخذ منه درهم فعُوض عليه ألوفاً من الدنانير فحينئذ يفرح بما منَّ الله عيه أعظم فرحاً يكون.

حلاوة العفة

للعفة عن ما حرم الله : لذة وحلاوة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر قصص طائفة عفَّوا عن الحرام : وهذه الطائفة لعفتهم أسباب....لذة الظفر بالعفة, فإن للعفة لذةً أعظم من لذة قضاء الوطر, لكنها لذة يتقدمها ألمُ حبس النفس, ثم تعقبها اللذة"
حلاوة العطاء

بعض من وفقه الله للخير, يجد لذة وحلاوة لإعطاء الآخرين مما أعطاه الله من فضله وجوده, من : صدقة بمال, أو تعليم علم, أو شفاعة بجاه, أو نصحٍ وإرشاد, أو تقديم استشارة, ونحوها, فلا يرتاح إلا إذا بذل وأعطى لله, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله عن أحد السلف أنه قال : إنِّي لأفرح بالعطاء, وألتذُّ به أعظم مما يفرحُ الأخذُ بما يأخذه مني.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.48 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]