زاد العقول شرح سلم الوصول - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215336 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61198 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29180 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 09-02-2020, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (2/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(2/ 17)

الشـرح
مقدمة الناظم
قال الناظم:
1- الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِنْعَامِ
بِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلاَمِ

2- أَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبَا
مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ الْمُجْتَبَى

3- مُحَمَّدٍ وَالْآلِ وَالْأَصْحَابِ
حَمَلَةِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ


معاني المفردات:
الإنعام: العطاء.
المجتبى: المختار والمصطفى.

المعنى الإجمالي:
حمد الناظم ربَّه على عطائه المستمر، وأعلاه نعمتا الإيمان والإسلام، ثم حمده حمدًا كثيرًا يليق بذاتِ الله وجلاله، ثم صلى على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي اصطفاه بالرِّسالة، وبكونه سيدَ ولد آدم، وعلى آله ممن تبعه إلى يوم الدين، وقرابته الذين آمنوا به، وخصَّ منهم أصحابَه؛ لأنَّهم حملة الدين، ومبلغوه إلى من خلفهم.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
1- معنى الحمد.
2- معنى الإيمان والإسلام.
3- معنى الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
4- معنى "الآل".
5- تعريف الصحابي.

المبحث الأول:
معنى الحمد:
حَمْد الله هو: الثناء عليه بأسمائه وصفاته الدَّائرة بين العدل والفضل.
وقد أتى به الناظم في أولِ النظم؛ اقتداءً بكتابِ الله الذي استفتح به الفاتحةَ بعد البسملة؛ قال تعالى: ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 1 - 2].
واقتداءً بسنة إمام المرسلين، وقائد الغُرِّ المحجلين؛ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان يستفتح بها خطبةَ الحاجة.
وأولها: ((إنَّ الحمد لله نستعينه ونستغفره...))؛ الحديث.
واللام في "لله" قيل: إنَّها للاستحقاق، فالله هو المستحق للحمد.
لذا "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى ما يُحِبُّ قال: ((الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات))، وإذا رأى ما يكره، قال: ((الحمدُ لله على كل حال))"؛ أخرجه ابن ماجه[1]، من حديث عائشة - رضي الله عنها.
وقيَّد الحمد بنعمتي: "الإيمان"، و"الإسلام"؛ لأنَّهما أصلُ النعم الدنيوية، ولأنَّ النعمة من دونهما استدراج للمُنْعَم عَلَيْه.
قال تعالى: ï´؟ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ï´¾ [الزخرف: 83].
وقال الأشعري - رحمه الله -: "إنَّ الكافِرَ غَيْرُ منعَم عليه؛ لأن مصيره إلى النار"؛ اهـ.

المبحث الثاني:
معنى الإسلام والإيمان:
الإسلام في اللغة: الخضوع والانقياد.
أمَّا في الشرع فهو: الشهادتان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً.
أمَّا الإيمان فهو في اللغة: الإقرار.
وفي الشرع: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

المبحث الثالث:
معنى "الآل":
"الآل" هم أتباع الرجل، وشيعته، وقرابته.
وقال الشاعر:
آلُ النَّبِيِّ هُمُ أَتْبَاعُ مِلَّتِهِ
مِنَ الْأَعَاجِمِ وَالسُّودَانِ وَالْعَرَبِ

لَوْ لَمْ يَكُنْ آلُهُ إِلاَّ أَقَارِبَهُ
صَلَّى الْمُصَلِّي عَلَى الطَّاغِي أَبِي لَهَبِ


المبحث الرابع:
معنى الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الناس الدُّعاء له، ومن الله الثناء عليه.
ولا يصح أنها من الله "الرحمة".
قال تعالى: ï´؟ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ï´¾ [البقرة: 157].
فلو فسرناها على أنَّها "الرحمة"، لصار المعنى: أولئك عليهم رحمات من ربِّهم ورحمة.

المبحث الخامس:
تعريف الصحابي:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "مصطلح الحديث" ص 34:
"الصحابي هو: من اجتمع بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو رآه مُؤمنًا به، ومات على ذلك، ويدخل فيه مَنِ ارتَدَّ ثم رجع للإسلام، كالأشعث بن قيس، فإنه كان ممن ارتد بعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجيء به أسيرًا إلى أبي بكر، فتاب، وقَبِلَ منه أبو بكر - رضي الله عنه - ويخرج منه مَن آمن بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حياته ولم يجتمع به، كالنجاشي، ومَن ارتد ومات على رِدَّتِه، كعبدالله بن خطل قُتِلَ يومَ الفتح، وربيعة بن أمية بن خلف ارتد في زمنِ عمر، ومات على الرِّدَّة"؛ اهـ.

تتمَّات البحث:
التتمة الأولى: زاد الناظم على الأصل الابتداء بالحمد.
حيث إنَّ صاحبَ الأصل لم يأتِ به في مَتنه.
وهذا الأمر مما يحسب للناظم، إلاَّ أنَّه لا يقلل من استفتاحِ صاحب الأصل؛ حيث إنَّه استفتح مَتنه بـ: "البسملة"، وهذا يكفيه، وإنَّما يؤاخذ صاحب الأصل على ترك الحمد، إذا لم يستفتح به أو بالبسملة.
وقد جرت السنة على ذلك.
فالنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يستفتح بالبسملة منفردة أحيانًا، وكان يستفتح بالحمد منفردًا أحيانًا أخرى، والذي يذهب إليه في هذا المقام أنَّ البَدْءَ بالبسملة يناسب المكاتبة؛ لذا كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستفتح بها مكاتباته.[2]
أمَّا البداءة بالحمد، فيناسبها المشافهة؛ لذا كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستفتح به مشافهاته لأصحابه.
فإذا علمت ذلك، لمست صوابَ ما ذهب إليه الجويني - رحمه الله - حيث إنَّه استفتح بما يناسب المقام، فالمكاتبة تناسبها البسملة.
وإن كان هذا لا يُقلل من صنيع الناظم؛ حيث أتى بالبسملة والحمد معًا، وهذا أقوى وأكبر أثرًا في الاستفتاح.

التتمة الثانية:
اكتفى الناظم بحمدِ الله على النعم، فذكر نعمتين من أجلِّ نعم الله على خلقه، ألاَ وهما: الإيمان، والإسلام، واعلم أنَّ حَمْدَ الله يكون على ثلاث:
حمد على الذات.
حمد على الصفات.
حمد على النعم.

ومثال الأول: قوله - تعالى -: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2].
ومثال الثاني: قوله - تعالى -: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ï´¾ [فاطر: 1].
أما مثال الثالث، فقوله - تعالى -: ï´؟ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ï´¾ [الأعراف: 43].
يعنى الذي وفَّقنا لسبيل هذا النعيم.
وقال تعالى - حكايةً عن نبيه إبراهيم - عليه السَّلام -: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ï´¾ [إبراهيم: 39].
واختصَّ الناظم في نظمه نعمتي الإيمان والإسلام؛ لكونهما غايةَ عطاء الله للعبد، فمن أحبه الله، هداه الله إليهما، ومن أبغضه، لَم يوفقه إليهما، فبهما النجاة في الدارين، ومن أجْلهما أرسلت الرسل، وأعذر البشر؛ قال تعالى: ï´؟ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الأنعام: 125].

التتمة الثالثة:
كان يكفي المصنف أنْ يذكر الإيمانَ وَحْدَه أو الإسلام؛ لأَنَّهما إن اجتمعا افترقا، وإن افترقا اجتمعا، بمعنى أنَّهما إذا ذكرا معًا، اختص الإيمان بأعمال القلوب، واختص الإسلام بأعمال الجوارح، وإذا ذكر أيٌّ منهما منفردًا دخل فيه الآخر.
لذا قال تعالى: ï´؟ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ï´¾ [الحجرات: 14].
ففرق البارئ بينهما لما اجتمعا.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بارزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل، فقال: ما الإيمان؟ قال: ((الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وبلقائه، ورُسُله، وتؤمن بالبعث))، قال: ما الإسلام؟، قال: ((الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان...)).
وفيه قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم))"؛ متفق عليه.[3]
ففرَّق بينهما رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما اجتمعا.
لكنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أدخل الإسلامَ في الإيمان لما افترقا.
"عن ابن عباس أنَّ وَفْدَ عبدالقيس أتَوُا النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من القوم أو من الوفد؟))، قالوا: ربيعة، قال: ((مرحبًا بالقوم - أو بالوفد - غيرَ خزايا ولا نَدَامى))، فقالوا: يا رسول الله، إنَّا لا نستطيع أنْ نأتيك إلاَّ في شهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفَّار مُضَر، فمُرنا بأمرٍ فصْل، نخبر به مَن وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة، فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحْدَه، قال: ((أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس...))"؛ الحديث، متفق عليه[4].
فلَمَّا أفرد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الإيمانَ، أدخل فيه الإسلام.
قلت: لعلَّ الناظِمَ لَمَّا أفردهما، أراد التأكيدَ على أعمالِ القلوب بذكر الإيمان، وأعمال الجوارح بذكر الإسلام.
فكأنَّه أراد حَمْد الله على هداية القلب بالإيمان، وحَمْدَ الله على هداية البدن إلى الإذعان وفعل الطاعات.
أو لعلَّه اضطر إلى ذلك؛ لضرورة النظم، والأول أقرب.

التتمة الرابعة:
زاد الناظمُ الصلاة على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث إنَّ الجويني لم يذكر أيَّ مقدمة لمتنه، ومع ذلك فاته ذكرُ السلام عليه.
قال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾[الأحزاب: 56].

التتمة الخامسة:
وزاد الناظم الثناءَ على الآل والأصحاب أيضًا.
وعطف الأصحاب على الآل، وهو جزء منهم، من باب عطف الخاص على العام؛ لأهمية هذا الخاص فيه.
قال تعالى: ï´؟ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 98].
فذكر الملائكةَ أجمعين، وعطف عليهم جبريلَ وميكال؛ لبيان مكانهما في الملائكة.

التتمة السادسة:
لفظ "الآل" إذا ذكر، فله ثلاثةُ أحوال:
إذا ذُكِرَ مفردًا، دخل فيه أتباعُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقرابته.
أمَّا إذا عطف عليه بعضه، كان من باب عطف الخاص على العام، كما أشرت آنفًا.
أمَّا إذا قيد، فينصرف إلى ما قيد به.

قال الناظم:
4- وَبَعْدُ فَالْمَقْصُودُ نَظْمُ شَذَرَاتْ
مِمَّا تَضَمَّنَ كِتَابُ الْوَرَقَاتْ

5- سَمَّيْتُهُ بِ "سُلَّمُ الْوُصُولِ
إِلَى الضَّرُورِيِّ مِنَ الْأُصُولِ"



معاني المفردات:
وبعدُ: كلمة يؤتى بها عند الدُّخول في الموضوع المراد من الكلام بعد الفراغ من مُقدمته.
شَذَرات: جمع شَذَرة، بفتح الشين والذال المعجمتين، وهي قطعة الذهب، وتجمع أيضًا على"شذور".
تضمن: حوى.
الأصول: يقصد "أصول الفقه".

المعنى الإجمالي:
بيَّن الناظم في هذين البيتين مُراده من النظم، فقال: إنَّه قصدَ نظمَ جُمَلٍ مما حوى كتاب "الورقات" في أصول الفقه، وأنه سماه بـ "سلم الوصول إلى الضروري من الأصول".




يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 09-02-2020, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (2/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(2/ 17)




المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
معنى "أما بعد".
التعريف بكتاب"الورقات".
المبحث الأول:
معنى "أما بعد":
سبق بيان معناها في "معاني المفردات"، وقد شاع لها معنى في كثير من الكتب.
قال العلامة/ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الشرح الممتع على زاد المستقنع"، 1/ 14:
"أما بعد: هذه كلمة يؤتى بها عند الدخول في الموضوع الذي يقصد.
وأما قول بعضهم: كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، فهذا غير صحيح؛ لأنه دائمًا ينتقل العلماءُ من أسلوب إلى آخر، ولا يأتون بأمَّا بعد"؛ اهـ.

المبحث الثاني:
التعريف بكتاب "الورقات":
كتاب "الورقات"؛ لأبي المعالي الجويني - رحمه الله - يعد من أفضل المختصرات في علم أصول الفقه؛ لذا قال الشَّرف العِمْريطي:
وَخَيْرُ كُتْبِهِ الصِّغَارِ مَا سُمِي ♦♦♦ بِالْوَرَقَاتِ لِلْإِمَامِ الْحَرَمِي
وسُمِّي بـ "الورقات"؛ لقول أبي المعالي في أوله: "وهذه ورقاتٌ تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه"؛ اهـ.

وفي هذه الفقرة مسائل:
1- قوله: "هذه ورقات" من جموع القلة.
واختلف في المراد منها على قولين:
أ- قيل: إنَّ هذه من عادات العلماء؛ أنَّهم لا يَمتدحون أنفسهم ولا ما يكتبون، فكأنه - رحمه الله - أراد أن يُقلِّلها من باب عدم التزكية؛ لذا قال الشَّرف العِمْريطي في نظمه لها:
قَالَ الْفَقِيرُ الشَّرَفُ الْعِمْرِيطِي ♦♦♦ ذُو الْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ وَالتَّفْرِيطِ
وعقب عليها العلامة محمد بن صالح العثيمين في "شرح نظم الورقات" ص 18، فقال: "وقال ذلك - رحمه الله - تواضعًا منه، وإلا فلا نظن أنه على هذا الوصف، ولو ظننا أنه على هذا الوصف، لم ننتفعْ بكتابه، لكن هذا من باب التواضُع"؛ اهـ.
ب- وقيل: إنَّه إنَّما قللها؛ تسهيلاً على القارئ، وتنشيطًا لحفظها وفهمها.
كما قال الله - تعالى - في وصف صوم رمضان -: ï´؟ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ï´¾ [البقرة: 184]؛ لتسهيل الأمر على المكلفين.

2- قوله: "تشتمل على فصول من أصول الفقه".
يستفاد منه عدم استيعاب المصنف - رحمه الله - لكلِّ مباحث أصول الفقه.

تتمَّات البحث:
التتمة الأولى:
معرفة شرط الناظم في نظمه:
قال الناظم: "وبعد فالمقصود نظم شذرات من الأصول".
يعني: جمل مهمة.
فلو حذف شيئًا من كلام الجويني - رحمه الله - ولم يورده - وهذا كثير عنده، كما سيأتي - إن شاء الله - فهذا مما يَجب أن لا يستدرك عليه.
بل سيجد القارئ أشياء كثيرة ليست في المتن الأصلي ضمنها الناظم نظمه، وهذا ما سنراعي تتبُّعه بحول الله وقوته.

قال الناظم:
6- وَفْقَ إِشَارَةٍ مِنَ الْأَحِبَّا
أَجْعَلُهُ ذَخِيرَةً لِلْعُقْبَى

7- وَأَسْأَلُ النَّفْعَ بِهِ كَالْأَصْلِ
فَإِنَّهُ جَلَّ جَزِيلُ الْفَضْلِ



معاني المفردات:
ذخيرة: ما جمع لوقت الحاجة.
العُقبى: اليوم الآخر حال المرجع إلى الله.
جَلّ: علا وارتفع شأنه.
جزيل: عظيم.
الفضل: المزية.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: وقد قُمت بنظمه؛ لطلب بعض الأحبة، الذين لا أستطيع أن أهملَ طلبهم مني ذلك، راجيًا من الله أن يَجعله نافعًا لي يومَ القيامة، يومَ لا ينفع مال ولا بنون، إلاَّ من أتى اللهَ بقلبٍ سليم.
كما أسألُ الله أن ينفعَ به كما نفع بالأصل، الذي علا شأنه، وذاع صيته، وعَظُمَ فضله بين طلبة العلم في كلِّ زمان.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
1- استحبابُ تلبيةِ طلب أهل الفضل فيما فيه خير.
2- أنَّ العلمَ من أفضلِ ما ينتفع به المرء بعد موته.

المبحث الأول:
استحباب تلبية طلبِ أهل الفضل فيما فيه خير:
فإنَّ هذا فيه نفع قاصر، ومُتعدٍّ.

فأمَّا القاصر، فهو انتفاع "الملبي" بـ:
مراجعة ما لديه من علم.
زيادة اطلاع الملبي بالنظر في كتب أهل العلم، ومعرفة مقاصدهم.
تحصيل الأجر والثواب في الدنيا والآخرة.
القَبول بين الناس في الدنيا.

أمَّا النفع المتعدي، فانتفاع سواه بذلك مما يترتب عليه:
حدوث الصلة بين الملبي ومَن طلب منه.
حفظ العلم على الأمة.
بيان مقاصد العلماء في مُؤلفاتهم، وتبسيط العلوم للعوام والمبتدئين من طلبة العلم.
واعلم أنَّ كثيرًا من المصنفين والنظَّام كتبوا المتون، ونظموا المنظومات والأراجيز؛ بناءً على طلب الأحبة، أو أهل الفضل، وطلبة العلم.

قال العمريطي في أول "نظم الورقات":
وَقَدْ سُئِلْتُ مُدَّةً فِي نَظْمِهِ
مُسَهِّلاً لِحِفْظِهِ وَفَهْمِهِ

فَلَمْ أَجِدْ مِمَّا سُئِلْتُ بُدَّا
وَقَدْ شَرَعْتُ فِيهِ مُسْتَمِدَّا

مِنْ رَبِّنَا التَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ
وَالنَّفْعَ فِي الدَّارَيْنِ بِالْكِتَابِ


وقال العلامة/ أحمد بن حافظ حكمي - رحمه الله - عن سبب نظمه لتحفته: "سلم الوصول":
سَأَلَنِي إِيَّاهُ مَنْ لاَ بُدَّ لِي ♦♦♦ مِنِ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ

وهذا شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - صنف العقيدة الواسطية، لَمَّا حضر إليه واحد من قضاة "واسط"، وشكا إليه ما كان الناس يُعْلنونه من المذاهب المنحرفة فيما يتعلق بأسماءِ الله وصفاته، فكتب هذه العقيدة التي انتفع بها الناس من بعده، والتي تُعَدُّ مجمعَ اعتقاد أهل السنة، وحصنهم المنيع، الذي تتكسر عنده مذاهب أهل الأهواء والبدع.
وإلى مثل هذا أشار الحافظ ابن حجر - رحمه الله - لَمَّا طلب منه كتابة متن في "مصطلح الحديث"، فكتب "نخبة الفكر"، ثم أشار عليه بعضهم بكتابةِ شرحٍ يُبيِّن مُجمله، ويفك مغلقه، فصنف "نخبة الفكر" أولاً، ثم شرحه في "نزهة النظر":

قال الحافظ في "نخبة الفكر" ص 13، بهامش "نزهة النظر":
"أما بعد؛ فإنَّ التصانيف في اصطلاح أهلِ الحديث قد كَثُرت، وبسطت واختصرت، فسألني بعضُ الإخوان أنْ ألخصَ لهم المهم من ذلك، فأجبته رجاءَ الاندراج في تلك المسالك"؛ اهـ.
وقال في "نزهة النظر" ص 14:
"فرغب إلَيَّ ثانية أن أضع عليها شرحًا يحل رموزَها، ويفتح كنوزها، ويوضح ما خفي على المبتدئ من ذلك"؛ اهـ.

المبحث الثاني:
أنَّ العلمَ من أفضلِ ما ينتفع به المرء بعد موته:
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا مات الإنسانُ، انقطع عنه عمله إلاَّ من ثلاثة: إلاَّ من صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ أخرجه مسلم.[5]
والله أسأل أن يتم عليَّ نعمه الظاهرة والباطنة، وأنْ يُعينني بَدنِيًّا وماديًّا على مواصلة طلب العلم الشرعي، ويصلح لي أمري في الدُّنيا بصلاح ديني، وزوجتي، وأولادي، ويجعلني وإياهم وجميع المسلمين من ورثة جنة النعيم.

تعريف أصول الفقه:
8- أَمَّا أُصُولُ الْفِقْهِ فَالْإِسْتِدْلاَلْ
بِطُرْقِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالْ

9- ثُمَّ أُصُولُ الْفِقْهِ لَفْظٌ رُكِّبَا
مِنْ مُفْرَدَيْنِ صَارَ بَعْدُ لَقَبَا

10- فَالْأَصْلُ مَا الْفَرْعُ عَلَيْهِ يُبْنَى
وَالْفِقْهُ إِنْ تَكُنْ بِهِ قَدْ تُعْنَى

11- مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ غَايَاتُ اجْتِهَادْ
شَرْعِيَّةٌ وَتِلْكَ سَبْعَةٌ تُرَادْ



الاستدلال: طلب الدليل، والدليل هو: المرشد إلى المطلوب.
الإجمال: جمع المتفرق.
غايات: جمع غاية، وهي النهاية.
تراد: تطلب.

المعنى الإجمالي:
بدأ الناظم في نظم "المتن"، فعرف أصول الفقه بأنَّه طرق الفقه على سبيل الإجمال، وهذا باعتبار أنَّه لقب على علم خاص، وهو في حقيقته: لفظٌ مركب من مُفردين: الأصول ومفردها أصل، والأصل ما عليه غيره بني، والفقه: هو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 09-02-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (2/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(2/ 17)




المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
• المبحث الأول:
تعريف أصول الفقه:
عرفه الناظم، فبدأ بأصولِ الفقه، باعتبار أنَّه لقب على علم خاص، ثم عرفه بعد ذلك باعتبار مفرداته، خلافًا للمصنف - رحمه الله - الذي بدأ بالمفردات، ثُمَّ عقب بعد ذلك بتعريف أصول الفقه باعتبار أنه لقب على علم خاص.
وعرف الناظم أصولَ الفقه تبعًا لصاحب الأصل، فقال: إنَّه علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالي.
وفاته جزء من تعريف الجويني - رحمه الله - في الأصل.

قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 8:
"وعلم أصول الفقه: طرقه على سبيل الإجمال، وكيفية الاستدلال بها"؛ اهـ.
ويقصد الجويني - رحمه الله - بكيفية الاستدلال بها: كيفية الاستفادة منها، وذلك لا يتأتى إلاَّ بِمَعرفة دلالات الألفاظ؛ من عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وناسخ ومنسوخ، ونحو ذلك.

إذًا تعريف أصول الفقه عند الجويني - كما في الورقات - يبحث في:
طرق الفقه.
وكيفية الاستدلال بها.
قلت: وفاتهما معرفةُ حال المستفيد، كمعرفة الاجتهاد، وشروطه، وحكمه.
إذًا التعريف الأمثل: هو علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.
قلت: ولأصول الفقه تعاريف أخرى، اخترت منها التعريفَ المناسب في المقدمة؛ راجع المقدمة "المبحث الأول".

تتمَّات البحث:
التتمة الأولى:
خالف الناظم المصنف في ترتيب الكتاب:
فأورد تعريفَ أصول الفقه، باعتبار أنَّه لقب على علم خاص أولاً، ثم عرفه باعتبار مفرداته بعد ذلك.

وهذا معيب من وجوه:
1- أنَّه مُخالف للمتعارف عليه في الحدود؛ حيث إنَّ تصوُّر المفردات يساعد على فهم المصطلح عند التركيب.
وهذا ما عليه أغلب أهل العلم، يبدؤون بالمفردات أولاً، ثُم باللقب - التركيب - بعد ذلك.
2- أنَّ الجويني - رحمه الله - قصد هذا؛ لفائدةٍ أخرى، وهي ذكر الأحكام أثناء الكلام على الفقه؛ لأَنَّ الفقه عنده هو العلم بأحكام التكليف.

قال الجويني في "البرهان" ص 8:
"فإن قيل: ما الفقه؟ قلنا: هو في اصطلاح علماء الشريعة: العلم بأحكام التكليف"؛ اهـ.
وسيأتي بعد قليل تفصيل ذلك، فلا تنسه.

التتمة الثانية:
فات الناظم تعريف: "الفرع".
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 5:
"والفرع ما يبنى على غيره"؛ اهـ.

ونظمه الشَّرف العِمْريطي في "نظم الورقات"، فقال:
فَالْأَصْلُ مَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ بُنِي ♦♦♦ وَالْفَرْعُ مَا عَلَى سِوَاهُ يَنْبَنِي

تعريف الأحكام السبعة:
قصر الناظمُ الأحكامَ الشرعية على سبعة، تبعًا لصاحبِ الأصل، وهذا فيه نظر؛ لأَنَّ الأحكامَ الشرعية عند الأصوليِّين أكثرُ من ذلك.
والذي تبيَّن لي في هذا المقام أنَّ الجويني - رحمه الله - أراد المتعلق منها بالفقه، فالفعل إمَّا واجب، أو مندوب، أو مباح، أو حرام، أو مكروه.
فإذا استوفى شروطه، صار "صحيحًا"، وإذا لم يستوفِها، أو وجد خلل فيه، صار "باطلاً".
قال العبَّادي - رحمه الله - في "شرح الورقات" ص 17 بـ "هامش إرشاد الفحول": "ولا يصحُّ الاقتصار على هذه السبعة، اللهُمَّ أن يؤول كلامه بأن المرادَ أن هذه السبعة من جملة الأحكام المرادة، ثم رأيت عبارة "البرهان" ظاهرة في منافاة هذا التأويل؛ حيث قال:
"فإن قيل: ما الفقه؟ قلنا: هو في اصطلاح علماء الشريعة العلم بأحكام التكاليف".
وقد يؤول على أنَّ المراد أحكام التكاليف، وما يتبعها من أحكام الوضع.
وقد يكون اصطلاحُ المصنف تَخصيصَ الفقه بأحكام التكليف، فلا إشكالَ، وعلى هذا فالفقه: العلم بالواجب، والمندوب، وهكذا"؛ اهـ.
قلت: ومن الأصوليِّين من يعد الصحةَ والبطلان من الأحكام التكليفية.

قال د. عبدالكريم زيدان في "الوجيز" ص 65:
"ذهب بعضُ الأصوليين إلى أنَّ وصف الفعل بالصحة والبطلان من قبيل الحكم التكليفي، مُحتجِّين بأنَّ الصحةَ ترجع إلى إباحةِ الشارع الانتفاعَ بالشيء، والبطلان يرجع إلى حرمة الانتفاع بالشيء"؛ اهـ.
قلت: وهذا على الأرجح ما قصده الجويني - رحمه الله - حيث عرف الصحيح بأنَّه ما يتعلق به النفوذ، وعَرَّف الباطل بأنَّه ما لا يتعلق به النفوذ، ولا يعتد به.
فاعضض على هذا ولا تنسه.

قال الناظم:
12- الْوَاجِبُ الَّذِي تَرَتَّبَ الثَّوَابْ
بِفِعْلِهِ وَتَرْكُهُ بِهِ الْعِقَابْ

13- وَالنَّدْبُ مَا الثَّوَابُ فِيهِ صَاحِ
وَيَنْتَفِي الْأَمْرَانِ فِي الْمُبَاحِ

14- وَوَاجِبٌ بِعَكْسِهِ جَاءَ الْحَرَامْ
وَعَكْسُ مَنْدُوبٍ فَمَكْرُوهٌ يُرَامْ

15- ثُمَّ الصَّحِيحُ مَا بِهِ يُعْتَدُّ
وَبَاطِلٌ بِعَكْسِهِ يُحَدُّ



معاني المفردات:
صاحِ: منادى بحذف حرف النداء؛ أي: يا صاحبي.
يحد: يعرف.

المعنى الإجمالي:
بدء الناظم في سرد الأحكام التكليفية السبعة، كما هو مذهب صاحب الأصل.
فعرف الواجب بأنه: ما يُثاب فاعِلُه، ويعاقب تاركه.
وعرف المندوب بأنه: ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه.
أمَّا المباح، فعرفه بأنه: ما استوى فيه الفعل والترك.
وعرف الحرام بأنه عكس الواجب.
وعرف المكروه بأنه عكس المندوب.
ثم عرف الصحيح بأنه ما يعتد به.
وأخيرًا عرف الباطل بأنه عكسه.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
1- تعريف الواجب.
2- تعريف المندوب.
3- تعريف المباح.
4- تعريف الحرام.
5- تعريف المكروه.
6- تعريف الصحيح.
7- تعريف الباطل.

المبحث الأول:
تعريف الواجب:
قوله في تعريف الواجب: الذي ترتب الثَّواب بفعله.
جاء تبعًا لصاحب الأصل، ولا بد أن يقيد بـ"امتثالاً"؛ فالفاعل لا يثاب على فعل المأمور به، إلاَّ إذا كان مُمتثلاً لأمر من كتاب الله تعالى، أو حديثٍ من سُنَّةِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حَمِيَّة، ويقاتل رياء؛ أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قاتَل لتكونَ كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله))؛ متفق عليه.[6]
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكل امرئ ما نوى))؛ متفق عليه.[7]
وقوله: والترك بالعقاب.
فيه نظر أيضًا، فلا بُدَّ أن يقيد بـ "يتوعد تاركه بالعقاب".
لأنَّ العقاب حكم أخروي، قد يتخلَّف بشيء من مُكفِّرات الذنوب، أو بشفاعةٍ من الشفاعات.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسُق، رجع كيومَ ولدتْه أمه))؛ متفق عليه.[8]
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))؛ أخرجه أحمد، وأبو داود.[9]
إذًا التعريف الأمثل أنْ يقال: "هو ما يثاب فاعله امتثالاً، ويتوعد تاركه بالعقاب".
خلافًا للمعتزلة الذين يقولون بوجوب إنفاذ الوعيد، فهو أصلٌ من أصولهم الخمسة المشؤومة.
قال الجويني - رحمه الله - "في البرهان"1/ 106: "فأمَّا الواجب، فقد قال قائلون: الواجب الشرعي هو الذي يستحق المكلف العقاب على تركه.
وهذا بعيد عن مذهب أهل الحق في الثَّواب والعقاب، فإنَّا لا نرى على الله استحقاقًا، والرب يعذب من يشاء، وينعِّم من يشاء"؛ اهـ.
وقال العلامة/ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" 1/ 266: "الواجب: ما أمر به الشارع على سبيل الإلزام بالفعل.
وحكمه: أنَّ فاعِلَه يُثاب، وتاركه مُتوعد بالعقاب، ولا نقول يعاقب تاركه؛ لأَنَّه يَجوز أن يعفو الله عنه.
قال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ï´¾ [النساء: 48]، وقد استند المعتزلة وأفراخهم إلى أنَّ الخلف صفة ذم، وهذا مُمتنع في حق الله - تبارك وتعالى.
ويُجاب عليهم من وجوه، منها: أنَّ خلف الوعيد منقبة، وخلف الوعد هو المؤاخذ عليه.
فخلف الوعيد فيه كرم وعفو ومغفرة ورحمة، أمَّا خلف الوعد، فيدل على فساد الظاهر والباطن؛ لذا عَدَّه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من النفاق.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذَب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان))؛ متفق عليه.[10]
وهذا من أقوى ما يُرَدُّ به عليهم.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 09-02-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (2/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(2/ 17)



المبحث الثاني:
المندوب:
فيه ما في المكروه من ملاحظات، فقد عرفه الناظم تبعًا لصاحب الأصل بأنه: ما يُثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه.
قلت: ويَجب أن يعرف بأنه: ما يُثاب فاعله امتثالاً، ولا يتوعد تاركه بالعقاب.

المبحث الثالث:
المباح:
عرفه الناظم بأنه: ما انتفى فيه الثواب والعقاب.
قلت: لذاته.
فإن كان وسيلة لشيء واجب، صار واجبًا.
وإن كان مقدمة لشيء محرم، صار محرمًا.
"فالوسائل لها أحكام المقاصد".
كما سيأتي في التتمَّات إن شاء الله.

المبحث الرابع:
الحرام:
عرفه الناظم تبعًا لصاحب الأصل بأنه: "ما يثاب تاركه، ويعاقب فاعله".
قلت: وهذا يقال فيه ما يقال في الواجب، فالتاركُ لا بُدَّ أن يكون ممتثلاً في تركه حتى يثاب.
والعقاب غير مجزوم به، وإنَّما هو متوعد به فقط، حتى تستوفَى الشروط، وتنتفي الموانع.
فيكون التعريف الأمثل: "هو ما يثاب تاركه امتثالاً، ويتوعد فاعله بالعقاب".

فائدة:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في "شرح نظم الورقات"، ص 28: "ليس كل تارك للمحرم يكون مثابًا، تارك المحرم على أقسام يا إخوان:
القسم الأول: أن لا يطرأ على باله إطلاقًا، رجل ما فكر يومًا من الأيام أن يزني، لكنَّه لَم يزنِ، هل يثاب على الترك؟ لا، هذا لا يثاب على الترك؛ لأنَّه لم يهم به حتى يقال: إنَّه يثاب على تركه.
الثاني: رجل همَّ بالمحرم، لكن تذكر عظمة الله وعقابه، فتركه لله، هذا يثاب؛ لأن الله قال في الحديث القدسي: ((إنما تركه من جرائي))؛ أي: من أجلي.
الثالث: رجل تَمنَّى المحرم ولم يفعل أسبابه، تَمنَّاه، لكن لم يَسْعَ في تَحصيله أو في الحصول عليه، يعاقب على النيَّة، والدليل على هذا قِصَّة الرجل الذي قال: ليت لي مثل ما لفلان، فأعمل فيه عمله، وكان فلان يضيع المال ويلعب به؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فهو بنيته، فهما في الوزر سواء)).
فعلى هذا يعاقب الرجل على نيته.
القسم الرابع: رجل همَّ بالمحرم، وسعى في أسبابه، لكن عجز، هذا يعاقب عقوبة الفاعل.
ودليل ذلك في قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا الْتقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار))، فقلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: ((إنَّه كان حريصًا على قتل صاحبه))[11]؛ اهـ.

المبحث الخامس:
المكروه:
عرفه الناظم تبعًا لصاحب الأصل بأنه:
"ما يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله".
قلت: والصواب أنْ يقال:
"هو: ما يثاب تاركه امتثالاً، ولا يتوعد فاعله بالعقاب".

المبحث السادس، المبحث السابع:
وفيهما عرف الناظم الصحيح، والفاسد "الباطل" من جهة تعلقهما بالفقه.

تتمات البحث:
التتمة الأولى:
عرف الجويني - رحمه الله - الأحكامَ كلها بحكمها لا بحقيقتها، وهذا مَعيب عند أهل الأصول؛ لذا قال بعضهم:
وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْدُودِ ♦♦♦ أَنْ تَدْخُلَ الْأَحْكَامُ فِي الْحُدُودِ

وإن كان الأمرُ جائزًا عند الفقهاء، والجويني - رحمه الله - يسلك من أول الكتاب مسلكَ الفقهاء؛ لذا قصر الأحكام الشرعية على سبعة فقط؛ لأنَّ الفقه عنده مَقصور على أحكام التكليف كما بينا آنفًا؛ لذا فاته أنْ يعرف بالحدِّ الاصطلاحي، ولا يُؤخذ على الناظم ذلك؛ لأَنَّه اشترط النظم فقط.
وإن أشعرنا في كثير من الأحيان أنَّ له رؤيةً في موضوع المادة، فيحذف أحيانًا، ويزيد ويتصرف في أحيان أُخَر.
ومن المواضع التي تصرف فيها أبيات الأحكام السبعة التي نحن بصددها.

قال الجويني: رحمه الله - في "الورقات" ص 6:
"فالواجب: ما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه.
والمندوب: ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه.
والمباح: ما لا يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه.
والمحظور: ما يثاب على تركه، ويعاقب على فعله.
والمكروه: ما يثاب على تركه، ولا يعاقب على فعله.
والصحيح: ما يتعلق به النفوذ، ويعتد به.
والباطل: ما لا يتعلق به النفوذ، ولا يعتد به"؛ اهـ.
فتصرف الناظم فيها، فقال في مبحث المحظور: إنَّه عكس الواجب.
وقال في المكروه: إنَّه عكس المندوب.
وقال في الباطل: إنَّه عكس الصحيح.
فعرفهم بالضد، وهذا من حسن تصرف الناظم؛ حيث إنَّ الأصلَ في التعريفات أنْ تصان عن الإسهاب، والإطالة، وصياغتها بأقل عبارة.

قال الشاعر:
... ... ...
وَالضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ

... ... ...
وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ

ولتمام الفائدة أذكر حَدَّ الأحكام السبعة اصطلاحًا.

أولاً:
الواجب:
هو ما أمر به الشارع أمرًا جازمًا.
كقوله - تعالى -: ï´؟ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ï´¾ [البقرة: 43].
ويسمى: الفرض، والحتم، والمكتوب، واللاَّزم.
قد خالف في ذلك الأحناف، فجعلوا الفرضَ: ما ثبت بدليلٍ قطعي الثُّبوت، والواجب: ما ثبت بدليلٍ ظني الثُّبوت.
ورَتَّبوا على ذلك أنَّ الفرض أعلى من الواجب.
وقالوا: إنَّ مُنكر الفرض يكفر، أمَّا منكر الواجب، فيأثم فقط.
قلت: والجمهور على خلاف ذلك، ولا يفرقون بين الفرض والواجب.

والصواب في ذلك مع ما ذهب إليه الجمهور؛ وذلك من وجهين:
1- أن ما احتج به الأحناف منقوض:
فدليلهم في التفريق بين الفرض والواجب دليلٌ لُغوي.
فالفرض عندهم هو اللاَّزم، والواجب هو الساقط.

ويرد على هذا من وجهين:
أ- أنَّه لا فرقَ بين الواجب والفرض من جهة اللغة: فالواجب من مادة: وجب يَجب وجوبًا ووجبة.
والبحث في الوجوب لا الوجبة.
والوجوب هو اللزوم.
ب- أنَّنا نبحث في الشرعيات، والواجب في الشرع هو الفرض، كما سيأتي إن شاء الله.

2- أننا نبحث في الشرعيات، وأدلة الكتاب والسنة لا تفرق بين الفرض والواجب.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((أيُّها الناس، قد فرض الله عليكم الحجَّ فحجوا))، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم))؛ أخرجه مسلم.[12]
فالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أطلق الواجب، وأراد اللازم.

عن محمد بن يحيى بن حبان أن ابن محيريز القرشي ثم الجمحي أخبره، وكان بالشام، وكان قد أدرك معاوية، فأخبره أنَّ المخدجي - رجلاً من بني كنانة - أخبره أنَّ رجلاً من الأنصار كان بالشام يكنى أبا محمد، أخبره أنَّ الوتر واجب، فذكر المخدجي أنه راح إلى عبادة بن الصامت، فذكر له أنَّ أبا محمد يقول: الوتر واجب، فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد، سَمعت من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله - تبارك وتعالى - على العباد، مَن أتى بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن، كان له عند الله - تبارك وتعالى - عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأتِ بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له))؛ أخرجه أصحاب السنن.[13]
فعبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قابل لفظَ الواجب بـ "كتب"، وهي اتِّفاقًا تُفيد الفرض؛ لذا جاء في بعض الرِّوايات: ((فرضهن الله على العباد)).
ويستفاد منه أيضًا أنَّ التابعين كانوا يُطلقون الواجبَ على الفرض وعكسه؛ لذا ثار ابن محيريز لما سَمِعَ أبا محمد يقول بوجوب الوتر - يعني: فرضيته.
أمَّا المندوب، فهو: ما أمر به الشارع أمرًا غَيْرَ جازم بأصلِ الوضع، أو بعد صرفه بدليل.

ومثال الأول: السواك.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لولا أنْ أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))؛ متفق عليه.[14]

ومثال الثاني: صوم عاشوراء.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يأمر بصيامه قبل أن يفرضَ رمضان، فلما فرض رمضان، قال: ((من شاء صام يوم عاشوراء، ومن شاء أفطر))"؛ متفق عليه.[15]
والأصل أن يقال له: المندوب إليه، ثم توسع في استعماله بحذف حرف الجر، فاستكن الضمير.
والمندوب يُطلق عليه أيضًا: المستحب، والنفل، والتطوع، والسنة، والمرغوب فيه.
أما المباح، فهو ما استوى فعله وتركه.
وقد يكون المباح وسيلةً لواجب، فيأخذ حكمه.
فالنكاح مباح، فإذا أفضى تركه إلى الوقوع في محرم، صار فعله واجبًا.

قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - في "الموافقات" 1/ 140.
"وعلى الجملة، فهو على أربعة أقسام:
أحدها: أن يكون خادمًا لأمر مطلوب الفعل.
الثاني: أن يكون خادمًا لأمر متروك الترك.
الثالث: أن يكون خادمًا لمخير فيه.
الرابع: أن لا يكون فيه شيء من ذلك.
فأما الأول فهو المباح بالجزء، المطلوب الفعل بالكل.
وأما الثاني فهو المباح بالجزء، المطلوب الترك بالكل، بمعنى أن المداومة عليه منهي عنه.
أما الثالث والرابع، فراجعان إلى أنه مخير فيه"؛ اهـ.
ويطلق على المباح: الحلال، والجائز.
أمَّا الحرام، فهو: ما نهى عنه الشارع نهيًا جازمًا.

ومثاله:
قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ï´¾ [الإسراء: 32].
قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [المائدة: 90].

والحرام على قسمين:
1- حرام لذاته:
وهو ما نُهِيَ عنه لعينه.
2- حرام لغيره:
وهو ما كان أصله غير محرم، ولما تلبس بوصف صار محرمًا به، لا لذاته، فإذا زال عنه ذلك الوصف، عاد إلى ما كان عليه.

ومثاله:
بيع العنب مباح.
قال تعالى: ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ï´¾ [البقرة: 275].
فإذا بيع إلى "مصنع خمور"؛ ليصنع منه الخمر، صار بيعه حرامًا، فإنْ رجع صاحبه في البيع وباعه إلى مصنع "زبيب"، عاد إلى الإباحة.
ويسمى أيضًا: المحظور، والممنوع.
أمَّا المكروه، فهو: ما نهى عنه الشارع نهيًا غير جازم، بأصل الوضع، أو بدليل مُستقل.

ومثال الأول:
عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله حَرَّم عليكم عقوقَ الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعة المال))؛ متفق عليه.[16]
عن رجل من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - "أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن الحجامة، والمواصلة، ولم يحرمهما؛ إبقاء على أصحابه، فقيل له: يا رسول الله، إنَّك تواصل إلى السحر؟"، فقال: ((إني أواصل إلى السحر، وربي يطعمني ويسقيني))"؛ أخرجه أبو داود.[17]

ومثال الثاني:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي))؛ أخرجه البخاري.[18]
والأصل في النهي التحريم.
عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: ((سَمعت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: إنْ كان في شيء من أدويتكم خير، ففي: شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداءَ، وما أحب أن أكتوي))؛ متفق عليه.[19]
فهذا لفظ صريح في جواز التداوي بهذه الأدوية الثلاثة، مع كراهة الكي.

فائدة:
قَسَّم الأحناف الكراهةَ قسمين:
كراهة تحريم.
كراهة تنزيه.
وجعلوا ما ثبت بدليلٍ قطعِيٍّ "حرامًا"، وما ثبت بدليل ظني حملوه على"كراهة التحريم"، وجعلوا "كراهة التنزيه" مختصة بمعنى المكروه الذي ذكرناه آنفًا.

والجمهور على خلاف ذلك، فطلب التَّرك عندهم على قسمين:
ما كان على سبيل الجزم، فهو "المحرم".
وما نقل عن الجزم بأصل الوضع، أو بعد صرفه بدليل، فيُسَمَّى: "المكروه".
وقول الجمهور هو الصائب؛ حيث إنَّ الأدلة الظنية إذا خلت عن المعارض، لها ما للأدلة القطعية من حجية.
راجع تفاصيلَ ذلك في مَبحث "السنة".

فائدة أخرى:
قال العلامة/ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الشرح الممتع على زاد المستقنع"، 1/ 59: "المكروه عند الفقهاء: ما نهي عنه، لا على سبيل الإلزام بالترك.
وحكمه: أنَّه يُثاب تاركه امتثالاً، ولا يعاقب فاعله بخلاف الحرام، فإنَّ فاعله يستحق العقوبة، وهذا في اصطلاح الفقهاء.
أمَّا في القرآن والسنة، فإنَّ المكروه قد يُطلق على المحرم؛ ولهذا لما عدد الله - تعالى - أشياء محرمة في سورة الإسراء، قال: ï´؟ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ï´¾ [الإسراء: 38].
وقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله حرم عليكم عقوقَ الأمهات، ووأدَ البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))؛ متفق عليه.[20]
والكراهة: حكم شرعي لا تثبت إلاَّ بدليل، فمن أثبتها بغير دليل، فإنَّنا نرد قوله"؛ اهـ.
أمَّا الصحيح، فهو: ما استوفى جميع أركانه وشروطه.
أما الباطل، فهو: ما اختل فيه ركن أو شرط من شروط صحته.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 09-02-2020, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (2/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(2/ 17)




انقسام العلم إلى ضروري ونظري، وتعريف كل، وبيان الشك والظن
قال الناظم:
16- إِنَّ ضَرُورِيَّ الْعُلُومِ مَا اسْتَقَرّْ
بِلاَ دَلِيلٍ وَبِلاَ سَبْقِ نَظَرْ

17- كَحَاصِلٍ بِالْخَمْسَةِ الْحَوَاسِ
أَوْ بِالتَّوَاتُرِ كَكَوْنِ "فَاسِ"





معاني المفردات:
ضروري: ما ليس من معرفته بد.
استقر: ثبت.
دليل: مرشد إلى إثباته.
نظر: تدبر وتفكر.
الخمسة الحواس: النظر، والسمع، والنطق، والشم، والذوق.
التواتُر: التتابع.
الفكر: التأمُّل.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: ينقسم العلم إلى قسمين:
1- علم ضروري: وهو الذي يقع عن غير نظر واستدلال.
كالعلم الواقع بالحواس الخمس، التي هي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس.
أو الذي يقع بالتواتر، كاشتهار وجود مدينة "فاس".
2- علم مكتسب: وهو الموقوف عليه بالنظر والاستدلال.
والنظر هو: الفكر في حال المنظور فيه.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
المبحث الأول
أقسام العلم
سبق بيانه تفصيلاً في الشرح الإجمالي.

تتمَّات البحث:
التتمة الأولى:
فات الناظم أنْ يورد بعضَ ما أورد الجويني - رحمه الله - في هذا المبحث من كتاب "الورقات".

ومما فاته:
1- تعريف العلم:
قال الجويني في "الورقات" ص 7:
"والعلم: معرفة المعلوم على ما هو واقع به في الواقع"؛ اهـ.

ونظم العمريطي ذلك في "نظم الورقات"، فقال:
وَعِلْمُنَا مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ ♦♦♦ إِنْ طَابَقَتْ لِوَصْفِهِ الْمَحْتُومِ
2- تعريف الجهل:
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 7:
"والجهل: تصوُّرُ الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع"؛ اهـ.

وفات الجويني - رحمه الله - بيانُ أقسام الجهل، وهي على قسمين:
1- جهل بسيط.
2- جهل مركب.
والجهلُ البسيط هو: عدم تصور الشيء بالكلية.
أمَّا الجهل المركب، فهو: إدراكُ الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع.

فإذا قلنا: أين تقع حَضْرَ موت؟
فقال قائل: لا أدري.
وقال آخر: في الشام.
وقال ثالث: باليمن.
فالأول يسمى: "جاهلاً بسيطًا"؛ لأنه لا يعلم بالكلية.
والثاني يسمى: "جاهلاً مركبًا"؛ لأنه أدرك الشيء على خلاف ما هو عليه.
والثالث يسمى: "عالمًا" بهذا الشيء؛ لأنَّه أدرك الشيء على حقيقته التي هو عليها.

لذا قال الشاعر:
قَالَ حِمَارُ الْحَكِيمِ تُومَا
لَوْ أَنْصَفَ الدَّهْرُ لَكُنْتُ أَرْكَبُ

لِأَنَّنِي جَاهِلٌ بَسِيطٌ
وَصَاحِبِي جَاهِلٌ مُرَكَّبُ


وقد نظم الشرف العمريطي في "نظم الورقات" ما قاله الجويني في "الورقات" وما فات الناظم، كذا نظم ما فات الجويني - رحمه الله - مما أشرنا إليه آنفًا، فقال:
وَقِيلَ: حَدُّ الْجَهْلِ فَقْدُ الْعِلْمِ
بَسِيطًا اوْ مُرَكَّبًا قَدْ سُمِّي

بَسِيطُهُ فِي كُلِّ مَا تَحْتَ الثَّرَى
تَرْكِيبُهُ فِي كُلِّ مَا تُصُوِّرَا


وفات الناظم ذكر العلاقة بين العلم والفقه:
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 7:
"والفقه أخصُّ من العلم"؛ اهـ.
وقال العمريطي في "نظم الورقات":
وَالْعِلْمُ لَفْظٌ لِلْعُمُومِ لَمْ يُخَصّْ ♦♦♦ لِلْفِقْهِ مَفْهُومًا بَلِ الْفِقْهُ أَخَصّْ

قال شهاب الدين الرملي - رحمه الله - في "غاية المأمول" ص 65:
"(والفقه) بالمعنى الشرعي "أخص من العلم"؛ لصدق العلم بالنحو وغيره، فالفقه نوعٌ من العلم، فكل فقه علم، وليس كلُّ علم فقهًا، وكل فقيه عالم، وليس كل عالم فقيهًا"؛ اهـ.

وفاته ذكر الدليل:
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 7:
"والدليل هو: المرشد إلى المطلوب"؛ اهـ.

وفاته ذكر الاستدلال:
قال الجويني في "الورقات" ص 7:
"والاستدلال: طلب الدليل"؛ اهـ.

وقد جمع العمريطي - رحمه الله - في "نظم الورقات" بين الدليل والاستدلال، فقال:
وَحَدُّ الِاسْتِدْلاَلِ قُلْ مَا يَجْتَلِبْ ♦♦♦ لَنَا دَلِيلاً مُرْشِدًا لِمَا طُلِبْ

وزاد الناظم عند ذكر العلم الضروري أنَّه ما يحصل بالحواس الخمس، أو بالتواتر:
وفيما قال ملاحظتان:
الأولى: أنَّه وإن ذكر الحواسَّ الخمس إجمالاً، لم يسردها تفصيلاً، وقد يكون ذلك إمَّا لاشتهارها، أو لضيق المقام.
الثانية: أنَّه لما ضرب مثالاً للتواتر، كان يلزمه أن يذكر شيئًا متواترًا فعلاً، لا يَخفى على أحد من الناس، وإلاَّ فهناك كثيرون لا يعلمون شيئًا عن "فاس"، وأين تقع؟ فكان يلزمه أن يضرب مثلاً: بـ "المدينة"، أو "بمكة".

قال العمريطي في "نظم الورقات":
وَالْعِلْمُ إِمَّا بِاضْطِرَارٍ يَحْصُلُ
أَوْ بِاكْتِسَابٍ حَاصِلٌ فَالْأَوَّلُ

كَالْمُسْتَفَادِ بِالْحَوَاسِ الْخَمْسِ
بِالشَّمِّ أَوْ بِالذَّوْقِ أَوْ بِاللَّمْسِ

وَالسَّمْعِ وَالْإِبْصَارِ ثُمَّ التَّالِي
مَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى اسْتِدْلاَلِ


ثم قال الناظم:
19- وَالشَّكُّ تَجْوِيزٌ لِأَمْرَيْنِ عَلَى ♦♦♦ حَدٍّ سَوَاءٍ وَلِظَنٍّ مَا عَلاَ

معاني المفردات:
تجويز: احتمال.

الشرح الإجمالي:
ثم عرف الناظم الشكَّ بأنه ما احتمل أمرين على حد سواء؛ بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر.
فإن ترجَّح أحدُهما على الآخر، سُمِّي "ظَنًّا".
فما علا يسمى: "ظنًّا راجحًا"، والذي لم يترجح يسمى: "ظنًّا مرجوحًا".

المباحث التي يشتمل عليها البيتُ:
1- تعريف الشك.
2- تعريف الظن.
وقد سبق بيان معناهما في الشرح الإجمالي.

تتمَّات البحث:
التتمة الأولى:
عبارة الناظم في تعريف الظن والشك موجزة جدًّا، لم توفِّ بيانَ عبارة الجويني - رحمه الله.
ونظمُ الشرف العمريطي أبينُ لمراد صاحب الأصل.
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 7:
"والظن: تجويز أمرين، أحدهما أظهر من الآخر.
والشك: تجويز أمرين لا مزيةَ لأحدهما على الآخر"؛ اهـ.
وقال الشرف العمريطي في "نظم الورقات":
الظَّنُّ تَجْوِيزُ امْرِئٍ أَمْرَيْنِ
مُرَجِّحًا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ

فَالرَّاجِحُ الْمَذْكُورُ ظَنًّا يُسْمَى
وَالطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ يُسْمَى وَهْمَا

وَالشَّكُّ تَجْوِيزٌ بِلاَ رُجْحَانِ
لِوَاحِدٍ حَيْثُ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ


التتمة الثانية:
قال في "غمز عيون البصائر" 1/ 84:
"المدركات لها خمس مراتب:
1- اليقين، وهو: جزم القلب مع الاستناد إلى الدليل القطعي.
2- الظنُّ الغالب، وهو: ترجيحُ أحَدِ الاحتمالين على الآخر، مع اطمئنانِ القلب إلى الجهة الرَّاجحة.
3- الظن: تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر.
4- الشك: تجويز أمرين لا مزيةَ لأحدهما على الآخر.
5- الوهم: تجويز أمرين أحدهما أضعف من الآخر"؛ اهـ.


[1] في السنن (ح 3803).
وصححه العلامة الألباني - رحمه الله - في "صحيح الجامع"، برقم: 4727.

[2] وقد استفتح بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسالته الشهيرة إلى "هرقل" عظيم الروم؛ أخرجه البخاري في صحيحه: (كتاب بدء الوحي/ باب: 6، ح7).

[3] من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في صحيحه: (كتاب الإيمان/ باب: سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام والإحسان/ ح50)، (كتاب تفسير القرآن/ باب: ï´؟ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ï´¾ [لقمان: 13]).
وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب الإيمان/ باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان/ ح 5، 6، 7).

[4] من حديث ابن عباس: أخرجه البخاري في مواضع كثيرة من صحيحه منها: (كتاب الإيمان/ باب: أداء الخمس من الإيمان/ ح 53).
وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب الإيمان/ باب: الأمر بالإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم/ ح 23، 24، 25).

[5] في صحيحه: (كتاب الوصية/ باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته/ ح 14).

[6] أخرجه البخاري في مواضِعَ متعددة من صحيحه، منها: (كتاب العلم/ باب: من سأل وهو قائم عالِمًا جالسًا/ ح 123).
وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب الإمارة/ باب: من قاتل لتكونَ كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله / ح: 149، 150، 151).

[7] من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.
أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه، منها: (كتاب بدء الوحي/ باب: بدء الوحي/ ح/ 1)، ومسلم في صحيحه: (كتاب الإمارة/ باب: إنما الأعمال بالنيات/ ح 155).

[8] أخرجه البخاري في غير موضع من صحيحه، منها: (كتاب الحج/ باب: فضل الحج المبرور/ ح 1522)، وأخرجه مسلم في صحيحه، (كتاب الحج/ باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة/ ح 438).

[9] أخرجه أبو داود في سننه: (كتاب السنة/ باب: في الشفاعة/ ح 4739)، وأحمد في المسند: (3/ 213)، وصححه العلامة الألباني - رحمه الله - في "صحيح الجامع"، برقم 3714.

[10] أخرجه البخاري في صحيحه في مواضعَ عديدة، منها: (كتاب الإيمان/ باب: علامة المنافق/ ح 33).
وأخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان/ باب: خصال المنافق/ ح 107، 108، 109، 110)، وزاد في بعضها: ((وإن صام وصلى، وزعم أنَّه مسلم)).

[11] متفق عليه، من حديث أبي بكرة.
أخرجه البخاري في صحيحه: (كتاب الإيمان/ باب: ï´؟ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ï´¾ [الحجرات: 9] / ح 31).
وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب الفتن/ باب: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما"/ ح 14، 15، 16).
والحديث الأخير لفظه: ((إذا المسلمان، حمل أحدهما على أخيه السلاح، فهما على جرف جهنم، فإن قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعًا)).

[12] في صحيحه: (كتاب الحج/ باب فرض الحج مرة في العمر/ ح 412).

[13] صحيح.
أخرجه أبو داود في السنن: (كتاب الصلاة/ باب: فيمن لم يوتر/ ح 1420).
وأخرجه النسائي في السنن (كتاب الصلاة/ باب: المحافظة على الصلوات الخمس/ 1 - 230).
وأخرجه أحمد في المسند (5/ 315، 317، 319، 322).
وصححه العلامة الألباني - رحمه الله - في "صحيح الجامع" برقم 3242، 3243.

[14] أخرجه البخاري في غير موضع من صحيحه، منها: (كتاب الجمعة/ باب: السواك يوم الجمعة/ ح 887).
وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب الطهارة/ باب السواك/ ح42).


[15] أخرجه البخاري في صحيحه: (كتاب الصوم/ باب صيام يوم عاشوراء/ ح 2001).
وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب الصيام/ باب: صوم يوم عاشوراء/ ح 115).

[16] أخرجه البخاري في صحيحه: (كتاب الزكاة/ باب: من سأل الناس تكثرًا/ ح 1477).
وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب الزكاة/ باب: النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة/ 10، 11، 12، 13، 14).

[17] أخرجه أبو داود في السنن: (كتاب الصوم/ الرخصة في ذلك/ ح 2374).
وصححه العلامة الألباني - رحمه الله - في "صحيح سنن أبي داود"، برقم 2374.
وأصله في الصحيحين بلفظ: ((لستُ كأحدكم، إنَّما أبيت عند ربي، فيطعمني ويسقيني)).

[18] أخرجه البخاري في صحيحه: (كتاب الطب/ باب: الشفاء في ثلاث/ ح 5680).

[19] أخرجه البخاري في غير موضع من صحيحه، منها: (كتاب الطب/ باب: الدواء بالعسل/ ح 5683).

[20] سبق تخريجه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 09-02-2020, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (3/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(3/ 17)



أقسام الكلام



قال الناظم:
20- إِنَّ الْكَلاَمَ قَالَ مَنْ أَجَادَهْ
مُرَكَّبُ الْإِسْنَادِ وَالْإِفَادَهْ

21- يُحْصَرُ فِي الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ
وَكُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَنْحَاءِ


معاني المفردات:
الكلام: عند النُّحاة: ما تكون من كلمتَيْن فأكثر.
أجادَه: أحسنه.
مركَّب الإسناد: الجملة.
الإفادة: تمام المعنى.

الشرح الإجمالي:
ثم عرَّف الناظِم الكلامَ - يعني: عند النُّحاة - بأنَّه: المركَّب الإسناد، المفيد لمعنى يَحسُن السُّكوت عليه.

المباحث التي يشتمل عليها البيت:
المبحث الأول: تعريف الكلام:
لا بُدَّ أنْ يُقيَّد ما أورَدَه الناظِم بقَيْدين حتى يتمَّ المعنى:
1- بَيان أنَّ هذا التعريف عند النُّحاة.
2- زيادة: بالوضع العربي.

فيكون التعريف الأمثل:
"الكلام عند النُّحاة: هو المركَّب الإسنادي، المفيد، بالوضع العربي".
وقيَّدناه بـ"عند النحاة" لأنَّه يُطلَق عند غيرهم على: الإشارة، والكتابة، ونحو ذلك.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
فاتَ الناظمَ نظْمُ أقل ما يتركَّب منه الكلام.
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 8: "فأقلُّ ما يتركَّب منه الكلام: اسمان، واسم وفعل، أو فعل وحرف، أو اسم وحرف"؛ ا.هـ.
ونظَمَه الشرف العمريطي في "نظم الورقات" فقال:
أَقَلُّ مَا مِنْهُ الْكَلاَمَ رَكَّبُوا
اسْمَانِ أَوْ إِسْمٌ وفِعْلٌ كَارْكَبُوا

كَذَاكَ مِنْ فِعْلٍ وَحَرْفٍ وُجِدَا
وَجَاءَ مِنْ إِسْمٍ وَحَرْفٍ فِي النِّدَا


التتمَّة الثانية:
المركَّب عند النُّحاة على ثلاث صُوَرٍ:
1- مُركَّب إسنادي: وهو الجملة، سواء كانت اسميَّة أو فعليَّة.
2- مُركَّب إضافي: ومثاله: المضاف والمضاف إليه، وشبه الجملة، وهو لا يفيد معنى تامًّا؛ مثل: بيت الله، في الشارع.
3- المُركَّب المزجي: وهو الذي يتركَّب من كلمتين، ثم أطلق بعد ذلك وكأنَّه اسمٌ واحد؛ مثل: بورسعيد، سيبويه.

قال الناظم:
21- يُحْصَرُ فِي الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ
وَكُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَنْحَاءِ


معاني المفردات:
يُحصَر: يعنى الكلام.
أنحاء: أقسام.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: يحصر الكلام في صورتين: إمَّا خبر، أو إنشاء، وكلٌّ منهما تحته أقسام.

المباحث التي يشتمل عليها البيت:
1- الخبر.
2- الإنشاء.
المبحث الأول: الخبر:
الخبر في اللغة: ما يُنقَل أو يُتحدَّث به قولاً أو كتابةً.
وفي الاصطلاح: قول يحتَمِل الصدق أو الكذب.
المبحث الثاني: الإنشاء:
في اللغة: الإيجاد.
وفي الاصطلاح: الكلام الذي لا يحتَمِل الصِّدق أو الكَذِب.
وسيأتي بيانُ الأقسام المندَرِجة تحتَ كلٍّ منهما.

تتمَّات البحث:
التتمة الأولى:
خالَف الناظم صاحب الأصل فجمَع ما أفرَدَه؛ قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 9: "والكلام ينقَسِم إلى: أمر، ونهي، وخبر، واستخبار، وينقَسِم إلى: تمنٍّ، وعرضٍ، وقسم"؛ ا.هـ.

قلتُ: فجمَع الناظم هذه الأقسام السَّبعة تحت قسمين:
1- الخبر.
2- الإنشاء.
وقال: "وكلُّ واحدٍ على أنحاء"؛ يعني: تندرج تحته أقسام.
قال السيوطي في "الإتقان في علوم القرآن" 2/ 121: "اعلَم أنَّ الحُذَّاق من النُّحاة وغيرهم من أهل البَيان قاطبةً على انحِصار الكلام فيهما، وأنَّه ليس له قسم ثالث.
وادَّعَى قومٌ أنَّ أقسام الكلام عشرة: نداء، ومسألة، وأمر، وتشفُّع، وتعجُّب، وقسم، وشرط، ووضع، وشك، واستفهام.
وقيل: تسعة، بإسقاط الاستفهام؛ لدخوله في المسألة.
وقيل: ثمانية، بإسقاط الشك؛ لأنَّه من جنس الخبر.
وقال الأخفش: هي ستة: خبر، واستخبار، وأمر، ونهي، ونداء، وتمن.
وقال بعضهم: هي خمسة: خبر، وأمر، وتصريح، وطلب، ونداء.
وقال كثيرون: خبر، وطلب، وإنشاء.
والمحقِّقون على دخول الطلب في الإنشاء"؛ ا.هـ.
قلت: وهو الراجح؛ حيث إنَّ السَّبعة المذكورة إمَّا خبر أو إنشاء.
فالخبر - كما ذكرنا آنِفًا - هو الكلام المحتمل للصدق أو الكذب، لا لذاته.
إلاَّ إذا اقترنت به قرينةٌ دلَّت على كونه صدقًا فقط أو كذبًا فقط.

فالخبر من حيث المُخبَر به ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- ما لا يمكن أنْ يُوصَف بالكذب؛ ككلام الله - تعالى - وكلام رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال - تعالى -: ï´؟ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ï´¾ [النساء: 87].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ï´¾ [النجم: 3].

2- ما لا يُمكِن أنْ يُوصَف بالصدق؛ ككلام مُدَّعِي النبوَّة بعد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال - تعالى -: ï´؟ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 40].
وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ مَن يكذب في خبر السماء بعد ختم الرِّسالات بمحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يُستَبعَد عليه الكذب في خبر الدنيا.

3- ما يمكن أنْ يُوصَف بالصِّدق أو بالكذب، إمَّا على السواء، أو مع رُجحان أحدهما، وهو المراد هنا.
أمَّا الإنشاء، فهو ما لا يُوصَف بالصِّدق أو الكذب.
وتدخُل تحتَه بقيَّة الأقسام الستَّة التي ذكَرَها الجويني - رحمه الله - وهي:
1- الأمر:
قال - تعالى -: ï´؟ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ï´¾ [المائدة: 49].
2- النهي:
قال - تعالى -: ï´؟ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ï´¾ [النحل: 116].
3- الاستخبار "الاستفهام":
قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمعاذ: ((يا معاذ، أتَدرِي ما حقُّ الله على العباد؟))، ((وما حقُّ العِباد على الله إذا فعلوا ذلك؟))؛ متفق عليه[1].
4- التمني:
قال - تعالى - حكايةً عن نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ï´؟ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ï´¾ [الأعراف: 188].
وقال الشاعر:
أَلاَ لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودَ يَوْمًا ♦♦♦ فَأُخْبِرَهُ بِمَا فَعَلَ المَشِيبُ



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 09-02-2020, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (3/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(3/ 17)




5- العرض:

قال - تعالى - حكايةً عن نبيِّه إبراهيم لَمَّا مرَّت به الملائكة في طَرِيقِهم لقوم لوط: ï´؟ أَلَا تَأْكُلُونَ ï´¾ [الذاريات: 27].

6- القسم:

قال - تعالى - حكايةً عن إبراهيم - عليه السلام -: ï´؟ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ï´¾ [الأنبياء: 57].

أمَّا الخبر، فمن أمثلته:

قال - تعالى -: ï´؟ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ï´¾ [غافر: 46].

وقال - تعالى -: ï´؟ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ï´¾ [طه: 15].



التتمَّة الثانية:

فاتَ الجويني - رحمه الله - وتَبِعَهُ الناظم على ذلك أنْ يَذكُرا أنَّ الخبر قد يأتي ويُراد به الإنشاء، وأنَّ الإنشاء قد يأتي ويُراد به الخبر.

ومثال الكلام الخبري الذي يُراد به الإنشاء:

قال - تعالى -: ï´؟ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ï´¾ [البقرة: 228].

والمراد: يَلزَمهن أنْ يتربَّصن بأنفسهن ثلاثة قُرُوء.

قال العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين - رحمه الله – في "الأصول من علم الأصول" ص 22: "وفائدة ذلك تأكيدُ فعل المأمور، حتى كأنَّه أمرٌ واقعٌ يتحدَّث عنه كصفةٍ من صِفات المأمور"؛ ا.هـ.



ومِثال الكلام الإنشائي الذي يُراد به الخبر:

قال - تعالى -: ï´؟ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ï´¾ [العنكبوت: 12].

ï´؟ ولنَحمِل ï´¾ فعل مضارع أفاد الأمر لاتِّصاله بلام الأمر.

والمعنى: نحمِل عنكم خَطاياكم.

قال العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين - رحمه الله - في "الأصول من علم الأصول" ص 22: "وفائدة ذلك تنزيل الشيء المخبر عنه منزلة المعروض الملزم به"؛ ا.هـ.





الحقيقة والمجاز وأقسامهما



22- وَاقْسِمْهُ لِلْمَجَازِ وَالْحَقِيقَهْ

وَكُلُّ وَاحِدٍ لَهُ حَقِيقَهْ



23- أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَفْظُ مَا انْتَقَلْ

عَنْ وَضْعِهِ ثُمَّ الْمَجَازُ مَا نُقِلْ






معاني المفردات:

واقسمه؛ أي: الكلام.

له حقيقة: ماهية.



الشرح الإجمالي:

ثم انتَقَل الناظم إلى تقسيمٍ آخَر للكلام، فقال: إنَّه ينقسم من وجهٍ آخَر إلى مجازٍ وحقيقةٍ، وكلُّ واحدٍ منهما له حدٌّ خاص به.

فالحقيقة: هي اللفظ الذي لم ينتَقِل عن المعنى الذي وُضِعَ له.

ثم المجاز: وهو نقْل اللفظ عن مَعناه الحقيقي.



المباحث التي تشتَمِل عليها الأبيات:

1- تعريف الحقيقة.

2- تعريف المجاز.

المبحث الأول: تعريف الحقيقة:

سبق بيانُه في الشرح الإجمالي.

المبحث الثاني: تعريف المجاز:

سبَق تعريفُه في الشرح الإجمالي.

قلت: ومعنى النقل فيه أنَّ المعنى الجديد لم يُوضَع له ابتداءً، وإنما تدلُّ عليه القرائن.

إذًا الأصل في الكلام الحقيقة، والنَّقل إلى المجاز يحتاج إلى قرينة.



قال الناظم:



24- أَقْسَامُهَا ثَلاَثَةٌ: شَرْعِيَّهْ

وَلُغَوِيَّةٌ كَذَا عُرْفِيَّهْ






معاني المفردات:

أقسامها؛ أي: الحقيقة.



المباحث التي يشتمل عليها البيت:

المبحث الأول: أقسام الحقيقة:

تنقَسِم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام:

1- حقيقة شرعيَّة:

وهي اللفظ المستَعمَل فيما وُضِعَ له شرعًا؛ كالصلاة للعبادة المخصوصة.

واللفظ الشرعي قد يكون مُساوِيًا لأصل الوضع في اللغة، وهو الغالب؛ مثل لفظ: الرجس؛ حيث إنَّ الأصل في الخِطاب الشرعي أنْ يكون مُساوِيًا للوَضْعِ اللغوي حتى يكون مفهومًا لدى المُخاطَبين به.

قال - تعالى -: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ï´¾ [إبراهيم: 4].

وقد يكون زائدًا عن مَعناه في اللغة؛ مثل لفظ "الصلاة"؛ فإنها في أصل الوضع اللغوي تعني مطلق الدعاء؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ï´¾ [التوبة: 103]؛ يعني: دعاءك.

ولا بُدَّ من دليلٍ على ذلك.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((هل تَدرُون مَن المُفلِس؟))، قالوا: المُفلِس فينا يا رسول الله مَن لا دِرهَم له ولا مَتاع، قال: ((إنَّ المُفلِس من أمَّتي مَن يأتي يومَ القيامة بصِيامٍ وصلاةٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتَم هذا، وقذَف هذا، وأكَل مالَ هذا، فيَقعُد فيقتص هذا من حسَناتِه، وهذا من حسَناتِه، فإنْ فَنِيتْ حسَناتُه قبل أنْ يَقضِي ما عليه من الخَطايا، أُخِذ من خَطاياهم، فطُرِحت عليه، ثم طُرِح في النار))؛ أخرجه مسلم[2].

وقد يقلُّ اللفظ الشرعي عن المعنى الموضوع له في اللغة.

كلفظ "الصيام": فهو في اللغة: مُطلَق الإمساك.

قال - تعالى -: ï´؟ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ï´¾ [مريم: 26].

ويُقال للفرس المُمسِك عن الجري: فرس صيام.

أمَّا في الشَّرع فهو: إمساكٌ مخصوصٌ عن الأكل، والشرب، والجِماع، وكافَّة المُفَطِّرات، من الفجر إلى المغرب.



2- الحقيقة اللغوية:

وهي اللَّفظ المُستَعمَل في مَعناه اللغوي الموضوع له.

كالشمس على النَّجم الساطع الذي يُضِيء الكوكب الأرضي بالنَّهار.



3- الحقيقة العرفية:

وهي على قسمين:

أ- عرف عام: كاستخدام لفظ الدابة لذوات الأربع فقط.

ب- عرف خاص: وهو ما يُسمَّى بالتعريف الاصطِلاحي عند أرباب العلوم والفنون المختلفة.



تتمَّات البحث:

التتمَّة الأولى:

فاتَ الجويني - رحمه الله - تعريفُ أقسام الحقيقة، أو التمثيل لها على أقلِّ الفروض، كما فعَل في المجاز، وتَبِعَه الناظم على ذلك.



التتمَّة الثانية:

تقسيم الحقيقة إلى هذه الأقسام الثلاثة يُستَفاد منه فضُّ النِّزاع عند اشتِباك المعاني، واختِلاط الأفهام.



التتمَّة الثالثة:

قال العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين - رحمه الله - في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" 1/ 255: "القاعدة في أصول الفقه: أنَّ الحقائق تُحمَل على عُرف الناطق بها، فإذا كان الناطق الشَّرع حمل على الحقيقة الشرعيَّة، وإذا كان أهل اللغة حُمِلت على الحقيقة اللغويَّة، وإذا كان العُرف حمل على الحقيقة العرفيَّة"؛ ا.هـ.



قال الناظم:



25- أَقْسَامُهُ: بِالزَّيْدِ وَالنُّقْصَانِ

وَالنَّقْلِ وَاسْتِعَارَةِ الْبَيَانِ






معاني المفردات:

أقسامه؛ يعني: المجاز.

بالزيد: الزيادة.

والنَّقل: عن المعنى الذي وُضِعَ له اللفظ باستِخدامه في معنى غيره.



الشرح الإجمالي:

ذكَر الناظم تبعًا لصاحب الأصل أنَّ المجاز على أربعة أقسام:

1- مجاز بالزيادة.

2- مجاز بالنقص.

3- مجاز بالنقل.

4- الاستعارة.



المباحث التي يشتَمِل عليها البيت:

المبحث الأول: أقسام المجاز:

ذكَر الناظم تبعًا لصاحب الأصل أربعة منها، والصَّواب أنها أكثَرُ من ذلك عند مَن يقولون بالمجاز، كما سيأتي تفصيلاً في التتمَّات.



تتمَّات البحث:

التتمَّة الأولى:

فاتَ الناظم إيرادُ الأمثلة التي ذكَرَها صاحِبُ الأصل على هذه الأقسام.

قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 9: "والمجاز بالزِّيادة؛ مثل: قوله - تعالى -: ï´؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ï´¾ [الشورى: 11].

والمجاز بالنُّقصان؛ مثل: قوله - تعالى -: ï´؟ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ï´¾ [يوسف: 82].

والمجاز بالنَّقل: كالغائط فيما يَخرُج من الإنسان.

والمجاز بالاستِعارة: كقوله - تعالى -: ï´؟ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ï´¾ [الكهف: 77]؛ ا.هـ.



وقد نظَم الشرف العمريطي ذلك في "نظم الورقات" فقال:



ثُمَّ المَجَازُ مَا بِهِ تُجُوِّزَا

فِي اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ تَجَوُّزَا



بِنَقْصٍ اوْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْلِ

أَوْ اسْتِعَارَةٍ كَنَقْصِ أَهْلِ



وَهْوَ المُرَادُ فِي سُؤَالِ القَرْيَهْ

كَمَا أَتَى فِي الذِّكْرِ دُونَ مِرْيَهْ



وَكَازْدِيَادِ الكَافِ فِي كَمِثْلِهِ

وَالغَائِطِ الْمَنْقُولِ عَنْ مَحِلِّهِ



رَابِعُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى

يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ يَعْنِي مَالاَ






التتمة الثانية:

فصل الخطاب في مسألة المجاز:

اختُلِف في القول بالمجاز على أقوالٍ ثلاثة:

القول بوجوده في اللغة والشرع.

القول بوجوده في اللغة دون الشرع.

القول بردِّه مُطلَقًا.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 09-02-2020, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (3/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(3/ 17)




أولاً: مَن قال بوجوده في اللغة والشرع:
قال بذلك أغلَبُ المتأخِّرين من أهل اللغة، والمجاز عندهم على قسمين:
1- المجاز المركَّب.
2- المجاز المفرَد.
أ- المجاز المركب:
ويُسمَّى أيضًا "مجاز الإسناد".
ويُسمَّى أيضًا "المجاز العقلي".
وعلاقته "الملابسة"؛ وذلك أنْ يُسنَد الفِعل وشِبهُه إلى غَيْرِ ما هو له أصالةً.

وهذا النَّوع على أربعة أقسام:
أ- ما كان طَرفاه حقيقيَّين:
قال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ï´¾ [الأنفال: 2].
نسبت الزِّيادة وهي فعْل الله إلى الآيات؛ لكَوْنِها سببًا لها.
قال - تعالى -: ï´؟ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ï´¾ [إبراهيم: 28].
نُسِبَ الإحلال إليهم؛ لتسبُّبهم في كُفرِهم بأمرِهم إيَّاهم به.

ب- ما كان طرفاه مجازيين:
قال - تعالى -: ï´؟ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ï´¾ [البقرة: 16]؛ أي: ما ربحوا فيها.
وإطلاق الرِّبح والتجارة هنا مجازيَّان.

ج، د- ما كان أحد طرفيه حقيقيًّا والآخَر مجازيًّا:
قال - تعالى -: ï´؟ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ï´¾ [المعارج: 15 - 17].
فإنَّ الدُّعاء من النار مجازٌ.
وقال - تعالى -: ï´؟ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ï´¾ [محمد: 4].
وقال - تعالى -: ï´؟ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ï´¾ [القارعة: 9].
فاسم الأمِّ الهاوية مجازٌ؛ أي: إنَّ الأمَّ كافلة لولدها، ومَلجَأ له، كذلك النار للكافرين كافلةٌ ومرجعٌ ومأوى.

ثانيًا: المجاز المفرد:
ويسمى "المجاز اللغوي" أيضًا.
وهو استِعمال اللفظ في غير ما وُضِع له.

وأنواعه كثيرة، منها:
1- الزيادة:
ومثَّلوا له بقوله - تعالى -: ï´؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ï´¾ [الشورى: 11].
باعتِبار أنَّ الكاف في "كمثله" زائدة.

2- الحذف:
قال - تعالى -: ï´؟ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ï´¾ [يوسف: 82]؛ يعني: اسأل "أهل القرية"، و"أهل العِير".

3- إطلاق اسم الكل على الجزء:
قال - تعالى -: ï´؟ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ï´¾ [البقرة: 19]؛ أي: أناملهم.
قال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ï´¾ [المنافقون: 4]؛ أي: وجوههم.
وقال - تعالى -: ï´؟ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ï´¾ [البقرة: 185].
أطلَق الشهر وهو اسم ثلاثين ليلة، وأراد جزءًا منه، وهي الليلة الأولى منه.

4- إطلاق الجزء على الكل:
قال - تعالى -: ï´؟ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ï´¾ [البقرة: 144]؛ أي: ذواتكم؛ إذ الاستِقبال بالصدر.
وقال - تعالى -: ï´؟ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ï´¾ [الغاشية: 2 - 3].
عبَّر بالوُجوه عن جميع الأجسام؛ لأنَّ التَّنعِيم والنَّصب حاصلٌ لها جميعًا.
قال - تعالى -: ï´؟ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ï´¾ [الحج: 10]؛ أي: قمتَ به بيدك، ونسب الكسب إلى اليد؛ لأنَّ أكثر الأعمال تُزاوَل بها.
قال - تعالى -: ï´؟ قُمِ اللَّيْلَ ï´¾ [المزمل: 2].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ï´¾ [الإسراء: 78].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ï´¾ [البقرة: 43].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ï´¾ [الإنسان: 26].
أطلَق كلاًّ من: القيام، والقراءة، والركوع، والسجود - وأراد الصلاة.

5- إطلاق اسم الخاص على العام:
قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الشعراء: 16]؛ أي: رُسله.

6- إطلاق اسم العام على الخاص:
قال - تعالى -: ï´؟ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ï´¾ [الشورى: 5].
والمراد: للمؤمنين منهم.

7- إطلاق اسم الملزوم على اللازم.

8- إطلاق اسم اللازم على الملزوم:
قال - تعالى -: ï´؟ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ï´¾ [المائدة: 112]؛ أي: يفعل.
أطلَقَ الاستِطاعة على الفعل؛ لأنها لازمة له.

9- إطلاق المسبب على السبب:
قال - تعالى -: ï´؟ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ï´¾ [غافر: 13]؛ أي: مطرًا يتسبَّب عنه الرِّزق واللباس.
وقال - تعالى -: ï´؟ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ï´¾ [النور: 33]؛ أي: مؤنة؛ من مهرٍ، ونفقة، وما لا بُدَّ للمتزوِّج منه.

10- إطلاق السبب على المسبب:
قال - تعالى -: ï´؟ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ï´¾ [هود: 20]؛ لأنَّه المسبب عن السمع.

11- تسمية الشيء باسم ما كان عليه:
قال - تعالى -: ï´؟ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ï´¾ [النساء: 2]؛ أي: الذين كانوا يتامى.
قال - تعالى -: ï´؟ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ï´¾ [البقرة: 232]؛ أي: الذين كانوا أزواجهن.

12- تسمية الشيء بما يؤول إليه:
قال - تعالى -: ï´؟ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ï´¾ [يوسف: 36]؛ أي: عنبًا يَؤُول إلى الخمريَّة.
قال - تعالى -: ï´؟ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ï´¾ [نوح: 27]؛ أي: صائرًا إلى الفجور والكُفر.
قال - تعالى -: ï´؟ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ï´¾ [البقرة: 230].
سمَّاه زوجًا؛ لأنَّ العقد يَؤُول إلى الزوجيَّة.

13- إطلاق المحلِّ على الحالِّ:
قال - تعالى -: ï´؟ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ï´¾ [العلق: 17]؛ يعني: فليدع أهل ناديه؛ أي: مجلسه.
قال - تعالى -: ï´؟ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ï´¾ [يوسف: 82]؛ يعني: أهل القرية.

14- إطلاق اسم الحالِّ على المحلِّ:
قال - تعالى -: ï´؟ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ï´¾ [آل عمران: 107]؛ أي: في الجنة؛ لأنها محل الرحمة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((تحاجَّت النار والجنَّة، فقالت النار: أُوثِرت بالمتكبِّرين والمتجبِّرين، وقالت الجنَّة: فما لي لا يدخُلني إلا ضُعَفاء الناس وسقطهم وعجزهم، فقال الله للجنة: أنت رحمتي؛ أرحَمُ بك مَن أشاء من عِبادي، وقال للنار: أنت عذابي؛ أعذِّب بك مَن أشاء من عِبادي، ولكلِّ واحدةٍ منكم مِلؤُها؛ فأمَّا النار فلا تمتَلِئ، فيضَع قدمه عليها فتقول: قطْ قطْ، فهنالك تمتَلِئ ويُزوَى بعضها إلى بعض))؛ أخرجه مسلم[3].

15- تسمية الشيء باسم آلته:
قال - تعالى -: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ï´¾ [إبراهيم: 4]؛ أي: بلغة قومه.


16- تسمية الشيء بضده:
قال - تعالى -: ï´؟ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ï´¾ [آل عمران: 21].
والبشارة حقيقة في الخبر السارِّ.

يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 09-02-2020, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (3/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(3/ 17)




17- إضافة الفعل إلى ما يصحُّ منه تشبيهًا:
قال - تعالى -: ï´؟ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ï´¾ [الكهف: 77].
وصَفَه بالإرادة، وهي من صِفات الحيِّ تشبيهًا لِمَيْلِه للوُقُوع بإرادته.

18- إطلاق الفعل والمراد مُشارَفته ومُقارَبته وإرادته:
قال - تعالى -: ï´؟ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ ï´¾ [الطلاق: 2]؛ أي: إذا قارَبنَ بُلوغ الأجل؛ أي: انقِضاء العدَّة.

19- القلب:
وهي إمَّا قلب إسناد؛ قال - تعالى -: ï´؟ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ï´¾ [القصص: 76]؛ أي: لتنوء بها.
وقال - تعالى -: ï´؟ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ï´¾ [الرعد: 38].
أو قلب عطف؛ قال - تعالى -: ï´؟ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ï´¾ [النمل: 28]؛ أي: فانظُر ثم تولَّ عنهم.
قال - تعالى -: ï´؟ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ï´¾ [النجم: 8]؛ أي: تدلَّى فدَنا.

20- إقامة صيغة مقام أخرى:
وهي على أقسامٍ كثيرة؛ منها:
إطلاق المصدر على الفاعل:
قال - تعالى -: ï´؟ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ï´¾ [الشعراء: 77].
والأصل أعداء لي.

إطلاق المصدر على المفعول:
قال - تعالى -: ï´؟ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ï´¾ [البقرة: 255].
أي: معلومه.
قال - تعالى -: ï´؟ وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ï´¾ [يوسف: 18].
أي: مكذوب فيه؛ لأنَّ الكذب من صِفات الأقوال والأجسام.

إطلاق الفاعل والمفعول على المصدر:
قال - تعالى -: ï´؟ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ï´¾ [الواقعة: 2].
أي: تكذيب.

إطلاق الفاعل على المفعول:
قال - تعالى -: ï´؟ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ï´¾ [الطارق: 6].
أي: مدفوق.
قال - تعالى -: ï´؟ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ï´¾ [هود: 43].
أي: لا معصوم اليوم.

إطلاق المفعول على الفاعل:
قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ï´¾ [مريم: 61].
أي: آتيًا.
قال - تعالى -: ï´؟ حِجَابًا مَسْتُورًا ï´¾ [الإسراء: 45].
أي: ساترًا.

ثانيًا: مَن ردَّ وجود المجاز في القرآن وأقرَّ به في اللغة:
وهو قول جماعةٍ من الظاهريَّة، على رأسهم داودُ بن علي وابنه أبو بكر، وابن القاص من الشافعيَّة، وابن خويز منداد من المالكيَّة، وأبو الحسن الخرزي البغدادي الحنبلي، وأبو عبدالله بن حامد، وأبو الفضل التميمي، ومنذر بن سعيد البلوطي.
واستدلُّوا لذلك بأنَّ المجاز أخو الكذب، والقرآن مُنزَّه عنه، وأنَّ المتكلِّم لا يعدل إليه إلاَّ إذا ضاقَتْ به الحقيقة فيستَعِير، وذلك مُحالٌ على الله - تعالى.

ثالثًا: مَن قال بردِّ المجاز مطلقًا:
وخُلاصة قولهم: أنَّ تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز اصطِلاحٌ حادث بعد انقِضاء القرون الثلاثة الأولى المشهود لهم بالخيريَّة، فلم يتكلَّم به أحدٌ من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من المشهود لهم بالعلم من الأئمَّة الأعلام، ومَصابِيح الهدى؛ كمالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وإسحاق بن راهويه، والشافعي، وأحمد، وغيرهم.
ولم يتكلَّم به أحدٌ من أئمَّة اللغة كالخليل بن أحمد الفراهيدي، وسيبويه، وأبي عمرو بن العلاء، وغيرهم.
وإنما هو اصطِلاحٌ حادثٌ بعد انقِضاء القرون الثلاثة الأولى، وأنَّ أوَّل مَن تكلَّم به أبو عُبَيدة معمر بن المثنى، في كتابه "مجاز القرآن"، وأبو عُبَيدة من أهل الاعتِزال كما هو معلومٌ، ولم يكن مقصده فيه صرف اللفظ عن ظاهره، وإنما كان مقصده مجرَّد تفسير الآيات.
ولم يوجد هذا التقسيم في كلام أحدٍ من أهل الفقه، أو الأصول، أو التفسير، أو الحديث، وغيرهم، قبل كلام أبي عُبَيدة به.
فهذا الإمام الشافعي أوَّل مَن جرَّد الكلام في أصول الفقه، لم يُقسِّم هذا التقسيم، ولا تكلَّم بلفظ المجاز، وكذلك محمد بن الحسن له في المسائل المبنيَّة على العربيَّة كلامٌ معروفٌ في: "الجامع الكبير" وغيره، ولم يتكلَّم بلفظ "المجاز".
وكذلك سائر الأئمَّة الأُوَل، ولم يوجد لفظ المجاز في كلام الإمام أحمد إلاَّ وكان مقصده منه ما يجوز في اللغة، كأنْ يقول الواحد العظيم الذي له أعوان: نحن فعلنا كذا، ونفعل كذا، ونحو ذلك.
ولم يَرِدْ عن أحمد - رحمه الله - مُطلقًا أنَّه استَخدَم المجاز في ما استُعمِل من الألفاظ في غير ما وُضِع له.
وخُلاصة القول في هذه المسألة أنَّ الصواب فيها مع أصحاب القول الثالث القائلين بردِّ المجاز مُطلقًا، وممَّن قال به شيخُ الإسلام ابن تيميَّة، الذي انتَصَر له في غير مَوضِع من مجموع فَتاواه، بل وله رسالة مستقلَّة في ذلك اسمها: "الحقيقة والمجاز" تقع ضمن "مجموع الفتاوى" في 20/ 400-497.
وتَبِعَه تلميذُه ابن قيِّم الجوزيَّة الذي استَوفَى هذه المسألة بحثًا في كتبه، ويَكفِي أنَّه ردَّه من أكثر من خمسين وجهًا في كتابه القيِّم: "الصواعق المرسلة".

وقال بذلك غيرُ واحدٍ من عُلَماء زماننا، منهم:
1- العلامة الشنقيطي - رحمه الله -:
وذلك في غير مَوضِعٍ من كتبه، فله أبحاثٌ جيدة في:
"المذكرة في أصول الفقه" ردَّ فيها كلامَ ابن قدامة الذي قال به في كتابه "روضة الناظر".
"أضواء البيان".
وله رسالة مستقلَّة في هذا الموضوع، سماها: "منع جواز المجاز في المنزل للتعبُّد والإعجاز".

2- العلاَّمة عبدالرحمن بن ناصر السعدي:
حيث قال في رسالته المسماة: "رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة" ص 17: "والأصل في الكلام الحقيقة، فلا يعدل به إلى المجاز - إن قلنا به - إلاَّ إذا تعذَّرت الحقيقة"؛ ا.هـ.

3- العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين:
الذي ذكَر ذلك في غير موضعٍ من كتبه.
قال في "الأصول من علم الأصول" ص 27: "تقسيم الكلام إلى حقيقةٍ ومجازٍ هو المشهور عند أكثر المتأخِّرين في القرآن وغيره.
وقال بعض أهل العلم: لا مجاز في القرآن.
وقال آخَرون: لا مجاز في القرآن ولا في غيره.
وبه قال أبو إسحاق الإسفراييني، ومن المتأخِّرين محمد الأمين الشنقيطي، وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذُه ابن القيم أنَّه اصطلاحٌ حادث بعد انقِضاء القُرُون الثلاثة المفضَّلة، ونصَرَه بأدلَّة قويَّة كثيرة تُبيِّن لِمَن اطَّلَع عليها أنَّ هذا القول هو الصواب"؛ ا.هـ.
وراجع أيضًا "شرح نظم الورقات" ص 54.
وراجع أيضًا "شرح الأصول من علم الأصول"، ص 118.
ولأصحاب هذا القول ردودٌ قويَّة على مُخالِفيهم، سأذكُر طرفًا منها بحسب ما يَتَّسِع المقام - إنْ شاء الله.

ومن هذه الرُّدود:
1- أنَّه اصطلاحٌ حادِثٌ بعد القرون الثلاثة الأولى، فأمرٌ يَفُوتُ على أهل القرون الخيريَّة في العلم والعمل، ولا يتلفَّظ به أحدٌ منهم كيف يُنسَب إلى الصحَّة؟!
2- أنَّ أوَّل مَن لهج به وتبنَّاه هم المعتزلة وأذيالهم الذين سلَكُوا كلَّ مسلكٍ لتَعطِيل صِفات الله - عزَّ وجلَّ - وممَّا لا يَخفَى أنَّ المجاز أصلٌ في هذا التعطيل.
فإنَّ من المتَّفَق عليه عندهم أنَّ المجاز يجوز نفيُه، فلو قال قائل: رأيت أسدًا يُحارِب في الميدان، جازَ أنْ نقول: لم يرَ أسدًا، وإنما رأى إنسانًا يُحارِب.
وبتَطبِيق هذا المثال على صِفات الله - عزَّ وجلَّ - جازَ تعطيلُها من أوَّلها إلى آخِرها.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ينزل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا حين يَبقَى ثلثُ الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟))؛ متفق عليه[4].
فالنزول عندهم مجازٌ؛ إذًا جاز أنْ ننفيه؛ إذًا لا نُزول على الحقيقة.
3- لازِمُ القول بالمجاز أنَّ الكلام وُضِع أوَّلاً، ثم نقل بعد ذلك إلى معنى آخر، وهذا معناه: أنَّ اللغات اصطلاحيَّة، وهذا الكلام لم يقل به أحدٌ قبل أبي هاشم الجبائي - من رؤوس المعتزلة.
وقد دحَض ذلك كلَّه شيخُ الإسلام ابن تيميَّة، فقال في "مجموع الفتاوى" 7/ 90 (بتصرف): "إنَّ هذا التقسيم يستَلزِم أنْ يكون اللفظ قد وُضِع أولاً لمعنى، ثم بعد ذلك قد يُستَعمَل في موضوعه، وقد لا يُستَعمل في موضوعه، وهذا كلُّه إنما يصحُّ لو ثبَت أنَّ الألفاظ العربيَّة وُضِعتْ أوَّلاً لمعانٍ ثم بعد ذلك استُعمِلت فيها، فيكون لها وضعٌ مُتقدِّم على الاستِعمال، وهذا إنما يصحُّ على القول بأنَّ اللُّغات اصطلاحيَّة، وهذا القول لا نَعرِف أحدًا من المسلمين قالَه قبل أبي هاشم الجبائي.
فإنَّه لا يمكن لأحدٍ النَّقلُ عن العرب أو أمَّة غيرهم أنَّه اجتَمَع جماعةٌ منهم فوضَعُوا جميعَ الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استَعمَلوها بعد هذا الوضع، إلاَّ أنْ يُقال: إنَّ الله يُلهِم الحيوان من الأصوات ما يعرف به بعضها مُراد بعض، وكذلك الآدَميُّون؛ فالمولود يَسمَع مَن يُربِّيه يَنطِق باللفظ ويُشِير إلى المعنى، فصار يَعلَم أنَّ هذا اللفظ يُستَعمَل في ذلك المعنى، وهكذا حتى يعرف لغة القوم الذين نشَأ فيهم دون أنْ يصطَلِحوا على وَضْعٍ مُتقدِّم.
فعلم أنَّ الله ألهَمَ النَّوع الإنساني التعبيرَ عمَّا يُرِيده ويتصوَّره بلفظه، وأنَّ أوَّل مَن علم ذلك آدَم، وأبناؤه علموا كما علم، وإن اختَلفَت اللغات، فهذا الإلهام كافٍ في النُّطق باللُّغات من غير مُواضَعة، وهذا قد يُسمَّى: "توفيقًا"، فمَن ادَّعى وضعًا مُتقدِّمًا فقد قال ما لا علمَ له به، وإنما المعلومُ هو الاستعمال"؛ ا.هـ.

(راجع: "معالم أصول الفقه").


يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 09-02-2020, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (3/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(3/ 17)



4- اضطراب القائلون بالمجاز.
ورصد هذا من وجوه:
أ- اختلافهم في حدِّ المجاز:
بعضُهم يقول: إنَّ الأصل في الكلام المجاز.
قال العلاَّمة: محمد بن صالح العُثَيمين في "شرح نظم الورقات" ص 52: "وهذا التقسيم قد نُوزِع فيه، ولم يكن معروفًا في عهد الصحابة، ولا في عهد التابعين، وإنما برَز في عهد تابِعي التابِعين، ثم انتَشَر وتوسَّع، وصار كلُّ شيء مجازًا، حتى ادَّعى بعض عُلَماء النحو أنَّ جميع اللغة مجازٌ ليس فيها حقيقة!"؛ ا.هـ.
قلتُ: يقصد أبا محمد عبدالله بن متويه، نقَل ذلك عنه الزركشي أيضًا كما في "البحر المحيط".
وهذا من أفسَدِ الأقوال على الإطلاق؛ لذا قال العلامة محمد بن صالح العُثَيمين معقبًا على هذا القول في "شرح نظم الورقات" ص 53: "والآن نَبنِي عقيدَتنا على المجاز، والأحكام كلها على المجاز، وكل أفعالنا على المجاز، لبست الثوبَ مجاز، أكلت الخبزَ مجاز، قرأت الكتابَ مجاز، دخَلت المسجدَ مجاز، صمت اليومَ مجاز، ولا شكَّ أنَّ هذا القول باطل"؛ ا.هـ.
وبعضُهم توسَّع في المجاز حتى أدخَلَ فيه كلَّ عامٍّ خُصَّ.
قال الآمدي في "الأحكام في أصول الأحكام": إنَّ كلَّ عامٍّ خُصَّ ولو بالاستِثناء، فهو من باب المجاز.
وهذا الكلام لا يصحُّ؛ لأنَّ لازم الكلام أن قول: لا إله إلا الله، يتحوَّل إلى أصلٍ في الشرك بدلاً من أنْ يكون شعارًا للموحدين.

فإن قيل: كيف ذلك؟
قلت: المجاز عند مَن يقول به نقل، إذًا هناك معنى قبل النقل وهو: لا إله، لَمَّا دخَل عليه النقل - وهو الاستثناء - صار لها معنى آخَر، فلزم أنْ يكون المعنى قبل النَّقل مُوافِقًا لما كان عليه أهلُ الجاهليَّة وكافَّة المشركين الذين لا ينفون "الربوبية" بحالٍ من الأحوال، وإنما كان نزاعُهم في "الألوهية".
قال - تعالى -: ï´؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ï´¾ [الزخرف: 9].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ï´¾ [الزخرف: 87].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ï´¾ [العنكبوت: 63].
وهذا الكلام ممتنع، الآمدي نفسه لا يقول بذلك.
وقال بعضُهم بِجَوازِه في اللغة دون القُرآن، وقد سبَق الإشارة إلى أصحابِ هذا القول آنفًا، وذَكرتُ حجَّتهم هناك، وخُلاصَته أنَّ المجاز أخو الكذب، وأنَّه لا يعدل عن الحقيقة بالمَجاز إلاَّ إذا ضاقَتْ به الحقيقة فيستَعِير، وهذا محالٌ على الله - تعالى.

قلت: القول به في اللغة يَلزَم منه القول به في القرآن، من وجوه:
أ- أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - تحدَّى العرب بالقُرآن وبلاغته، فلو كان عندهم من الأساليب ما لم يشتَمِل عليه القرآن ما سكَتُوا.
ب- أنَّ بعضَها يمكن حملُه على الحقيقة.
كما في قوله - تعالى -: ï´؟ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ï´¾ [الكهف: 77].
وكقوله - تعالى - حكايةً عن إخوة يوسف لأبيهم: ï´؟ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ï´¾ [يوسف: 82].
عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي لأعرف حجرًا بمكَّة كان يُسلِّم عليَّ قبل أنْ أُبعَث، إنِّي لأعرفه الآن))؛ أخرجه مسلم[5].
قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله - في "المذكرة" ص 71: "وقوله: ï´؟ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ï´¾ [الكهف: 77] لا مجازَ فيه؛ إذ لا مانع من حمْل الإرادة في الآية على حقيقتها؛ لأنَّ للجَمادات إرادات حقيقيَّة يعلَمُها الله - جلَّ وعلا - ونحن لا نعلَمُها، ويُوضِّح ذلك حنينُ الجذع الذي كان يخطب عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما تحوَّل عنه إلى المنبر، وذلك الحنين ناشِئٌ عن إرادةٍ لا يَعلَمها إلاَّ الله - تعالى.
وقد ثبَت في "صحيح مسلم" أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنِّي لأعرف حجرًا كان يُسلِّم عليَّ في مكة))[6].
وسلامُه عليه عن إرادةٍ يعلَمُها الله ونحن لا نعلمها، كما صرَّح - تعالى - بذلك في قوله - جلَّ وعلا -: ï´؟ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ï´¾ [الإسراء: 44].
فصرَّح بأنَّنا لا نفقهه، وأمثال ذلك كثيرةٌ في الكتاب والسنة"؛ ا.هـ.

ولِمَزِيد بَيانٍ في ردِّ المجاز مُطلَقًا، تمتَّع بقراءة:
"الصواعق المرسلة على الجهميَّة والمعطِّلة"؛ لابن قيم الجوزية، أو "مختصره".
"اجتماع الجيوش الإسلامية"؛ لابن قيم الجوزيَّة.
"كتاب الإيمان الكبير"؛ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة.
"رسالة الحقيقة والمجاز"؛ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، ضمن "مجموع الفتاوى" 20/ 400.
مبحث المجاز في "المذكرة"؛ للعلامة محمد الأمين المختار الشنقيطي.
رسالة "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز"؛ للعلامة محمد الأمين المختار الشنقيطي.

التتمَّة الثالثة:
فاتَ الناظِم وصاحب الأصل ذِكْرُ النوع الثاني من المجاز أو التمثيل له، وهذا إنما يُؤخَذ على المصنف دون الناظم؛ فالناظم يَنظم تبعًا لما في المتن.
وهذا الفائِتُ يُشعِر القارئ بأنَّ المجاز مقصورٌ على اللفظ المفرد عند مَن يقول به، فانتَبِه.


[1] أخرجه البخاري في مواضع كثيرة من "صحيحه"؛ منها: (كتاب الجهاد والسير) باب اسم الفرس والحمار/ ح 2856).
وأخرجه مسلم في "صحيحه": (كتاب الإيمان/ باب: الدليل على أنَّ مَن مات على التوحيد دخَل الجنة قطعًا/ ح48، 49، 50، 51).

[2] في "صحيحه": (كتاب البر والصلة/ باب: تحريم الظلم/ ح 59).

[3] في "صحيحه": (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها/ باب: النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء/ ح 34، 35، 36).


[4] أخرجه البخاري في غير موضعٍ من "صحيحه"، منها: (كتاب التهجد/ باب: الدعاء في الصلاة من آخِر الليل / ح1145).
وأخرجه مسلم في "صحيحه": (كتاب صلاة المسافرين/ باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخِر الليل والإجابة فيه).

[5] في "صحيحه": (كتاب الفضائل/ باب: فضل نسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتسليم الحجر عليه قبل النبوة/ ح 2).

[6] سبق تخريجه في الحاشية السابقة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 262.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 256.59 كيلو بايت... تم توفير 5.83 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]