رأي الإمام الشاطبي في تعريف الاجتهاد وشرحه - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         المسائل الفقهية المتعلقة بالمسبحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          دم الاستحاضة سببه ركضة الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حكم التسميع والتحميد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          فضل الصلاة في الصف الأول والصفوف المقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          جوانب خفية في الخلاف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الوجيز في فقه الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 181 - عددالزوار : 60938 )           »          أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 30 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 25-02-2020, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي رأي الإمام الشاطبي في تعريف الاجتهاد وشرحه

رأي الإمام الشاطبي في تعريف الاجتهاد وشرحه


الشيخ وليد بن فهد الودعان









أوضح الشَّاطبي رأيه في تعريف الاجتهاد، وعرَّفه بأنه: استفراغ الوسع في تحصيل العلم أو الظن بالحكم[1].

شرح التعريف:

قوله: استفراغ الوسع: استفراغ أصلها فرغ، وهو أصل يدل على خلو وسَعة ذرع، ومن ذلك الفراغ خلاف الشغل[2].




والوسع: مثلثة الواو، ووسع كلمة تدل على خلاف الضيق والعسر، يقال: وسع الشيء واتسع، والوسع يطلق على الغنى والجدة والطاقة[3]، ويقال: استفرغت الوسع؛ أي: استقصيت المجهود والطاقة[4].




وقوله: استفراغ الوسع: كالجنس في التعريف[5]، يصلح أن يتعلق بالمقصود المعرف وبغيره[6]، كما يمكن أن يكون ذلك من الفقيه المجتهد وغيره.




وضابط استفراغ الوسع: أن يبذل الباحث جهده، بحيث يُحِسُّ من نفسه العجز عن مزيد طلب حتى لا يقع لوم في التقصير[7].




وفي اللفظ السابق إشارة إلى إخراج اجتهاد المقصر، وهو الذي يقف عن الطلب مع تمكنه من الزيادة على ما فعل من بذل[8].




قوله: في تحصيل: التحصيل افتعال من حصل، ومادة حصل تدل على جمع الشيء، يقال: حصلت الشيء تحصيلًا؛ أي: جمعته، ومنه يقال: حوصلة الطائر؛ لأنه يجمع فيها[9].




قوله: العلم: أصله من علم: وهو أصل يدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره، ومنه العلم، وهو ضد الجهل، ويطلق على اليقين والمعرفة[10].




أما العلم في الاصطلاح فاختلف في تعريفه اختلافًا كثيرًا، حتى قال الرازي: "المختار عندنا أنه غني عن التعريف"[11]، ولكن أحسن ما قيل في تعريفه أنه: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع عن دليل[12].




قوله: أو الظن: أصله من ظن، وهو أصل يدل على معنيين مختلفين: يقين، وشك.

فأما الأول: فهو كقوله تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]، وقوله: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 20].

أما الثاني: فكقوله تعالى: ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ﴾ [فصلت: 23]، وقوله: ﴿ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا ﴾ [الجاثية: 32].

وخص بعضهم الأول بيقين التدبر، أما العيان فلا يقال فيه إلا العلم[13].




والظن في اصطلاح الأصوليين: تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر[14]، وقيل غير ذلك[15]، وقوله: بالعلم أو الظن: يشمل بذل الوسع في تحصيل علم، أو ظن في الذوات، أو الصفات، أو الأفعال، أو الأحكام.

كما يشمل بذل الوسع لتحصيل ما كان سبيله الاعتقاد اليقيني الجازم، أو ما كان سبيله مجرد الظن.




وقوله: أو: أوردها هنا للتفصيل؛ إذ قد تكون نتيجة الاجتهاد إما قطعًا أو ظنًّا.




وقوله: "بالحكم": الحكم أصله حكم، وهو أصل يدل على المنع، وحكم بالأمر إذا قضى به، وحكم فلانًا إذا منعه عما يريده وردَّه، وحكم بينهما إذا فصل[16].

والحكم في العرف العام: إسناد أمر لأمر، أو نفيه عنه[17].

وهو عند الأصوليين - على أشهر تعريفاتهم -: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع[18].

وتقييده بـ: "حكم": يخرج العلم أو الظن بالذوات والصفات والأفعال.

إلا أنه أطلق الحكم ولم يقيده، فلا يخلو:

أولًا: أن يريد به الحكم الشرعي المصطلح على تعريفه بأنه: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، فيكون إطلاقه من باب اعتماده على عرف الأصوليين، لا سيما وهو يتكلم في فنهم.

وإذا صح ذلك خرج به الحكم غير الشرعي، كالعقلي والحسي والعرفي.

والعقلي: كقولهم: الواحد نصف الاثنين، والجزء أقل من الكل، والحسي: كقولهم: النار محرقة والشمس طالعة، والعرفي: كقولهم: الفاعل مرفوع - في عُرف النحويين - وكالإنسان لا يطير في الهواء.




ثانيًا: أن يريد ما هو أعم من ذلك، وهو إدراك الثبوت والانتفاء، فيكون شاملًا لما سبق من الأحكام العقلية والحسية والعرفية.

فيكون الحد غير مانع حينئذ؛ لأنه يعرف الاجتهاد بالعرف الشرعي، وهو لا يكون إلا في الأحكام الشرعية، بل وليس الاجتهاد المعرَّف يعم جميع الأحكام الشرعية كما هو معلوم، وإنما يخص الفقه دون غيره، وهذا ما عناه الأصوليون حينما أوردوا تعريف الاجتهاد في مؤلفاتهم.




أما عمن وافق الشَّاطبي في تعريفه للاجتهاد فيقتضي بيان ذلك أن نعرض لكل لفظة من تعريف الشَّاطبي، ثم نقارنها بأبرز تعريفات الأصوليين لنرى من وافقه الشَّاطبي واستفاد منه، أو وافق الشَّاطبي في تعريفه، علمًا أننا لا يمكننا تقصي كل ما ورد من تعريفات للأصوليين ومقارنتها بتعريف الشَّاطبي؛ لأن ذلك يقتضي طولًا فائدته لفظية؛ ولذا كان الأولى الإمساك عن ذلك، وعرض ما يناسب المقام دون إطالة مملة، ثم بعد ذلك نخلص إلى التعريف الذي أراه مناسبًا للاجتهاد في اصطلاح الأصوليين، وفيما يلي نبين من وافق الشَّاطبي في ألفاظ تعريفه:

أولًا: فيما هو كالجنس: قال الشَّاطبي فيما هو كالجنس في التعريف: استفراغ الوسع:

وقد وافق الشَّاطبي على بداية التعريف بهذا اللفظ: الرازي، فقال في تعريف الاجتهاد: استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم مع استفراغ الوسع فيه[19]، وتبعه على هذا التعريف السراج الأرموي[20] والصفي الهندي[21]، واختصره القَرافي موافقًا له في بدايته، فقال: استفراغ الوسع في النظر فيما يلحقه لوم شرعي[22].

واختار هذا الجنس في التعريف: الآمدي، فقال: استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه[23].

وابن الحاجب، فقال: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي[24]، وتبعه التفتازاني[25].

وابن مفلح، فقال: استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم الشرعي[26]، وتبعه المرداوي[27]، وابن النجار[28].

وابن السبكي، فقال: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم[29]، وتبعه البرماوي في ألفيته[30].

وابن جُزَي، فقال: استفراغ الوسع في النظر في الأحكام الشرعية[31].




ومن هؤلاء من وافقه في كلمة استفراغ وخالفه في كلمة الوسع:

كالتاج الأرموي فقال: استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية[32]، وتبعه البيضاوي[33].

وبعض الأصوليين خالف الشَّاطبي في اختيار ما هو كالجنس للتعريف، فاختار كلمة: بذل، وبذل كلمة تطلق ويراد بها ترك صيانة الشيء، يقال: بذل الشيء إذا سمح به وأعطاه غيره، وبذل يمينه؛ أي: ما قدر عليه، والبذل ضد المنع[34].




ومن هؤلاء من خالفه في الكلمة الأولى، وهي قوله: استفراغ، ووافقه في كلمة الوسع:

ومنهم الغزالي، فقال: بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة[35].

والقرافي في تعريفه الآخر، فقال: بذل الوسع في الأحكام الفروعية الكلية ممن حصلت له شرائط الاجتهاد[36].

والزركشي، فقال: بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط[37].

والبرماوي، فقال في شرح ألفيته: بذل الوسع من الفقيه في تحصيل ظن بحكم شرعي[38].




ومن الأصوليين من خالفه في كلمتي الجنس:

كابن قدامة؛ حيث قال: بذل الجهد في العلم بأحكام الشرع[39].

والتبريزي؛ حيث قال: بذل الجهد في تعريف الأحكام الفروعية التي هي مجاري الظنون[40].

والطُّوفي؛ إذ قال: بذل الجهد في تعرُّف الحكم الشرعي[41].

وابن الهمام، فقال: بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني[42]، وتبعه ابن عبدالشكور[43].




وبتأمل ما هو كالجنس في التعريف: يلحظ ما يلي:

أولًا: أن بعض الأصوليين عبر ببذل الجهد، أو استفراغ الجهد، أو المجهود، وهذا لا ينبغي؛ لأنه تعريف للاجتهاد بما هو من مادته، ويلزم من ذلك الدور.

ثانيًا: أن بقية الألفاظ في التعبير عما هو كالجنس - كقول بعضهم: استفراغ الوسع، أو بذل الوسع، أو بذل الطاقة - متقاربة ومؤدية للغرض، إلا أنني أرشح ما اختاره الشَّاطبي، وهي كلمة استفراغ[44]؛ وذلك لما يلي:

أولًا: أن أكثر المعرفين اختاروا هذا الجنس دون غيره.

ثانيًا: أن كلمة "استفراغ" أصلها مادة فرغ، وهي تدل على الخلو والفراغ خلاف الشغل، وفي ذلك إلماح إلى الحالة التي كان عليها المجتهد قبل طلبه وبحثه عن حكم الواقعة؛ إذ غالبًا ما يكون المجتهد فارغ الذهن عن الحكم الذي يطلبه، وهذا يوافق ما يدل عليه أصل مادة: "فرغ".

ثالثًا: أن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى، ومن المعلوم أن الألف والسين والتاء تدل على الطلب.

رابعًا: أنها أكثر موافقة للحالة التي يكون عليها المجتهد، لا سيما إذا انتهى من طلبه وتوصل إلى الحكم؛ إذ قوله: استفرغ وسعه يدل على عجزه التام عن مزيد طلب؛ فهو قد اجتهد حتى فرغ ما لديه من الجهد، فأصبح فارغ الجهد.




ثانيًا: حذف من يقوم بالاجتهاد: قال الشَّاطبي في تعريفه: استفراغ الوسع، ولم يقيد ذلك بمن يقوم بعملية الاجتهاد.

وقد وافق الشَّاطبيَّ على ذلك جملةٌ من الأصوليين، كما يظهر ذلك من التعريفات السابقة؛ كالرازي، والسراج الأرموي، والتاج الأرموي، وابن قدامة، والآمدي، والتبريزي، والقَرافي، والصفي الهندي، والطوفي، والزركشي، وابن جزي، والبرماوي.

وخالفه آخرون، فقيدوه بمن يقوم لعملية الاجتهاد.

ومنهم من قيده بالمجتهد: كالغزالي.

ومنهم من قيَّده بالفقيه: كابن الحاجب، وابن مفلح، وابن السبكي، والبرماوي، والتفتازاني، والمرداوي، وابن الهمام، وابن النجار، وابن عبدالشكور.




ويمكن أن يلاحظ:

أولًا: أن تقييد التعريف بالمجتهد يلزم منه الدور؛ لأن المجتهد لا يمكن معرفته إلا بمعرفة الاجتهاد[45].

ثانيًا: أن من الأصوليين من قيده بالفقيه، وهو في اصطلاح الأصوليين: المجتهد العالم بأصول الفقه، القادر على استخراج الأحكام من الأدلة، أما إطلاقه على من يحفظ الفروع فليس من اصطلاحهم[46]، وهذا القيد مخرج للعامي، ومن لا يطلق عليه مسمى الفقيه؛ كالرسول صلى الله عليه وسلم[47]، وقد اعترض على هذا القيد من أوجه:

الوجه الأول: أن معرفة الفقه غير مشترط في المجتهد، فكيف يشترط أن يكون فقيهًا، كما أن غير الفقيه لو اجتهد في الأحكام الشرعية، وقد جاء بشروط الاجتهاد، لصح اجتهاده[48].

الوجه الثاني: ما ذكره التفتازاني من أن الفقيه لا يصير فقيهًا إلا بعد الاجتهاد؛ ولذا فالأولى حذف هذا القيد حتى لا يلزم منه الدور[49].

الوجه الثالث: أنه أخرج اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يسمى في العرف فقيهًا[50].




وأجيب عن ذلك بثلاثة أجوبة:

الجواب الأول: أن القيد في محله؛ لأن استفراغ الوسع جنس قد يقع من الفقيه ومن غيره، ولا يتصور فقيه غير مجتهد، ولا مجتهد غير فقيه، وما شاع من إطلاق الفقيه على غير المجتهد مخالف لعرف الأصوليين واجتهادهم[51].

الجواب الثاني: أن الفقيه يراد به هنا المتهيئ لمعرفة الأحكام، فيكون من باب المجاز الشائع، وهذا ما ذكره التفتازاني بعد إيراده الاعتراض المتقدم؛ حيث قال جوابًا عليه: "اللهم إلا أن يراد بالفقه التهيؤ لمعرفة الأحكام"[52].

ونوقش بأن هذا فيه تكلف، وإنما يُحمَل اللفظ على المجاز عند القرينة، ولا قرينة، والأصل في التعريفات الحقيقة لا المجاز[53].

وقد يقال: القرينة هي العرف السائد المنتشر[54].

الجواب الثالث: أن المراد تعريف اجتهاد الفقيه، لا مطلق الاجتهاد[55].




ثالثًا: مما يلاحظ أن أغلب الأصوليين لم يقيدوا التعريف بمن يقوم بعملية الاجتهاد تمامًا كما فعل الشَّاطبي، ولعلهم فعلوا ذلك؛ لأن المعنى المفهوم من عموم التعريف يدل على ذلك، وغاية ما في تلك اللفظة أنها مخرجة لاجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتهاد العامي، وعلى القول بجواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فهو أول المجتهدين من هذه الأمة، ولا يخرج بإطلاق هذا اللفظ، وبالتالي فلا داعي لإخراجه من التعريف، أما العامي فإن كان المراد بالتعريف عموم الاجتهاد، وليس المراد هو الاجتهاد بالمعنى المصطلح عليه، فلا حاجة لإخراجه من التعريف، وهذا موافق لرأي الشَّاطبي من إطلاق الاجتهاد على تحقيق المناط بأنواعه، أما إن كان المراد هنا الاجتهاد المصطلح عليه، فإنه يتوجه على التعريف خلوه من قيد يخرج العامي، وهو وإن كان قد يفهم ذلك من مفهوم التعريف إلا أن الأولى في التعريف الوضوح، وعدم الاعتماد على المعنى.




ثالثًا: في الكلمة الثالثة في التعريف: قال الشَّاطبي: في تحصيل:

وقد وافق الشَّاطبي على هذه اللفظة: ابن حاجب، وابن السبكي، والتفتازاني، والبرماوي، وابن الهمام، وابن عبدالشكور.

وخالفه بعضهم، فقال: في النظر: كالرازي، والسراج الأرموي، والصفي الهندي، والقَرافي، وابن جُزي.

وبعضهم قال: في طلب: كالغزالي، والآمدي.

وبعضهم قال: لدرك: كالتاج الأرموي، والبيضاوي، وابن مفلح، والمرداوي، وابن النجار.

وبعضهم قال: في تعرُّف: كالتبريزي، والطوفي.

وبعضهم قال: في نيل: كالزركشي.

والكلمات المذكورة كلها مؤدية للغرض وافية بالمطلوب، إلا النظر، فإنه اعترض عليه بأن النظر إما أن يراد به معناه في اللغة، فيكون تعريفًا بالمغاير، أو يراد به المعنى الاصطلاحي، فيكون تعريفًا بالأخفى[56]، والنظر في اللغة بمعنى: تأمل الشيء ومعاينته[57]، والمراد هنا هو الأول، وهو ما يكون بالقلب والفكر، وهو في الاصطلاح: الفكر في حال المنظور فيه[58].

أما الطلب فهو ابتغاء الشيء[59]، والإدراك يطلق على الوصول إلى الشيء[60]، والمجتهد يصل إلى القول الراجح بعد بذل الجهد.

أما المعرفة فتطلق على سكون النفس إلى الشيء والطمأنينة به، أو تتابع الشيء متصلًا بعضه ببعض[61]، والنفس تسكن إلى القول الأرجح عندها، والعلم به قد يتتابع ولا يكون جملة واحدة.

ونيل الشيء هو بلوغ المقصود منه[62]، والمجتهد باجتهاده يبلغ المقصود، وهو القول الراجح.

وفي نظري أن أنسب هذه الكلمات - وإن كانت كلها مؤدية للغرض - هي كلمة: "درك"، ولعل مما يرشحها أن الإدراك بمعنى الإحاطة، والإحاطة أشمل من المعرفة؛ ولذا يوصف الله سبحانه بأنه محيط، ولا يوصف بأنه عارف[63]، وهذا موافق لحالة المجتهد؛ إذ عليه أن يحيط بجوانب المسألة التي يطلب الحكم فيها، كما أن هذه الكلمة أوفق من بقية الكلمات للحالة التي عليها المجتهد.




رابعًا: في تقييد نتيجة الاجتهاد بالعلم أو الظن: قال الشَّاطبي في تعريفه: العلم أو الظن:

ولم يوافق أحد - ممن ذكرنا تعريفه - الشَّاطبي في طريقة تعبيره لما ينتج عن الاجتهاد، ولكن كثيرًا من الأصوليين عبر بما يفهم منه تعميم نتيجة الاجتهاد للعلم والظن، فقال بعضهم: لدرك حكم شرعي، وقال بعضهم: في تعرُّف الحكم الشرعي، وقال بعضهم: في نيل حكم شرعي:

ويفهم هذا الرأي من تعريف التاج الأرموي، والقَرافي، والبيضاوي، والطوفي، وابن مفلح، وابن جزي، والزركشي، والمرداوي، وابن النجار، وقد ذكر الأسنوي أن قول البيضاوي: لدرك: يريد به الإدراك العام لما كان على سبيل القطع أو الظن[64]، وبقية الألفاظ مقاربة لذلك.

وخالفه آخرون، فقصروه على الظن: كالآمدي، والتبريزي، وابن الحاجب، وابن السبكي، والتفتازاني، والبرماوي.

أما الرازي فإنه عبر بما يفيد قصره على الظن، فقال: استفراغ الوسع فيما لا يلحقه فيه لوم مع استفراغ الوسع، وتبعه على ذلك السراج الأرموي، والصفي الهندي، واختصره القرافي، فقال: استفراغ الوسع في النظر فيما يلحقه لوم شرعي[65].

بينما الغزالي قصره على العلم، فقال: بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة، وتبعه في لفظة العلم ابن قدامة.




ويلاحظ مما سبق ما يلي:

أولًا: أن الغزالي ومن تبعه قيد التعريف بطلب العلم، وفي هذا إخراج للظن عن حيز الاجتهاد، ولا ريب أنه لا سبيل إلى إخراجه؛ لأن الفقه كما قيل ظنون، فلا يكون الاجتهاد حينئذ متناولًا للفقه[66].




وأجيب عن هذا الاعتراض بأجوبة:

الجواب الأول: أن العلم هنا يراد به الظن مجازًا، وعلاقته المجاورة الذهنية؛ لأن العلم مجاور للظن في الذهن، ويتواردان فيه على التعاقب[67].

وهذا الجواب فيه ضعف؛ لاعتماده على المجاز في التعريف.




الجواب الثاني: أن الفقه قطعي لا ظني، وينسب هذا لأكثر الأصوليين؛ فالحكم مقطوع به والظن في طريقه، فإذا ظن المجتهد حكمًا وجب عليه الفتوى والعمل به قطعًا للدليل القاطع بوجوب ذلك عليه[68]، فالفقه حينئذ هو العلم بوجوب العمل عند قيام الظنون.




الجواب الثالث: أن العلم هنا مطلق الإدراك، فيتناول اليقين والظن؛ كقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ﴾ [الممتحنة: 10][69].




الجواب الرابع: أن أكثر الفقه قطعي، ومنه ما هو ظني، وهو أقله، ويؤيد ذلك أن جمهور مسائل الفقه التي يحتاج إليها الناس ثابتة بالنص أو الإجماع، وإنما يقع الظن والنزاع في قليل منها، وكثير من مسائل الخلاف هي في أمور قليلة الوقوع ومقدرة، وأما ما لا بد للناس منه، فهو مقطوع به، وما يعلم من الضرورة جزء من الفقه، وإخراجه منه قول لم يقله أحد من المتقدمين، وجميع الفقهاء يذكرون ذلك في كتب الفقه، كوجوب الصلاة والزكاة والحج واستقبال القِبلة ونحو ذلك[70]، ثم ما يعلم من الدين ضرورة أمر إضافي، فحديث العهد بالإسلام ونحوه قد لا يعلم وجوب الحج مثلًا، فضلًا عن كونه يعلمه بالضرورة، وكثير من العلماء يعلم ضرورة بوجوب سجود السهو ونحوه، والناس لا يعلمون، وأيضًا: أن الفقه لا يكون فقهًا إلا من المجتهد المستدل، وهو قد علم أن هذا الدليل أرجح، وهذا الظن أرجح، فالفقه هو علمه برجحان هذا الدليل، وهذا الظن، وليس الفقه قطعه بوجوب العلم، بل القطع من أصول الفقه وليس من الفقه، والفقيه إذًا علم رجحان هذا الدليل على الآخر، فهذا الرجحان معلوم عنده قطعًا، وهذا الفقه الذي يختص به الفقيه هو علم قطعي لا ظني، ومن لم يعلم كان مقلدًا لا مجتهدًا[71].

وهذا جواب قوي، ولكنه لا يستقيم مع رأي الغزالي، ونحن إنما نريد بيان التعريف على ما يراه الغزالي؛ ولذا فالأظهر والأقرب إلى مراد الغزالي هو الثاني أو الثالث.




ثانيًا: أما تعريف الرازي، وقوله: "فيما لا يلحقه فيه لوم"[72]، فهو يريد بهذا القيد إخراج المسائل الأصولية؛ لأنه يلحق فيها اللوم إذا لم يصادف الحق، ولو مع استفراغ الوسع[73]، وعلى هذا فهو قد أخرج ما سبيله القطع من حيز الاجتهاد، فيكون بذلك موافقًا للقول الثاني ومخالفًا للشاطبي.




ثالثًا: أن من الأصوليين من قيد التعريف بالظن، ويراد من ذلك أمران:

الأمر الأول: أنهم يريدون بذلك قصر نتيجة الاجتهاد على الظن دون اليقين، وعلى هذا فلا يكون الاجتهاد مفضيًا إلى اليقين، وإنما غايته أن يفضي إلى الظن.

وهذا محل نظر، لا سيما وقد سبق القول بأن الفقه قطعي وليس بظني عند كثيرين، أو على الأقل هو شامل للقطع والظن بإطلاق، وقد اعترض القرافي على تعريف الآمدي، بأنه اقتصر على الظن، وهذا لا سبيل إليه؛ لأن المجتهد يطلب أحد أمرين، فأيهما ظفر به أفتى به؛ فتقييده بالظن يقتضي عدم الجمع، فيبطل[74].

ولذا؛ فالأصح شمولية نتيجة الاجتهاد للقطع والظن.

الأمر الثاني: أن بعض من قيده بذلك رأى أن هذا القيد مخرج للأحكام المتعلقة بالعقيدة وأصول الفقه؛ لأنها أحكام قطعية، والأظهر في نظري أن الظن قد يتعلق بالأصول كما قد يتعلق القطع بالفروع؛ ولذا فهذا القيد لا يخرج الأحكام المتعلقة بالعقائد أو أصول الفقه.

وإذا أردنا أن تخرج هذه الأحكام عن حيز الاجتهاد المعرَّف، فلا بد أن نضيف ما يدل على ذلك، كقولنا: الفروعية، فيختص الاجتهاد بالأحكام المتعلقة بالفروع.




رابعًا: مما يلاحظ: أن الشَّاطبي فصل الجملة: فقال: العلم أو الظن، بينما اختصر بعض الأصوليين ذلك بكلمة واحدة تفي بالغرض، مثل قول بعضهم: لدرك، أو لنيل، أو في تعرف، أو نحو ذلك، فهذه الكلمات شاملة للقطع والظن، وطريقتا الاختصار أو التفصيل لكل منهما ما يسوغها، فالاختصار مطلوب في التعريف، كما أن الوضوح والبيان من متطلبات التعريف.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 204.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 202.30 كيلو بايت... تم توفير 1.95 كيلو بايت...بمعدل (0.95%)]