اسم الله الرفيق - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213574 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-01-2021, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي اسم الله الرفيق

اسم الله الرفيق


د. محمد ويلالي




سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (32)

اسم الله "الرفيق"




انتهينا في المناسبات الثلاث الماضية مِن الحديث عن اسم الله "السلام"، فوقَفْنا على معناه وفقهه، والآثار التربوية المترتبة على الإيمان به، التي أجملناها في ثلاثة:
ضرورة اعتقاد سلامة الله تعالى من كلِّ عيبٍ ونقصٍ، والعمل على استجلاب سلامة الله في أشد المواطن احتياجًا إليها، والمسارعة إلى ما يُسَلِّمُ العبد يوم الحساب.


وننتقل اليوم إن شاء الله تعالى إلى الحديث عن اسم آخر مِن أسماء الله الجليلة، التي يحتاج العبدُ فيها إلى التعبد لله تعالى، وبخاصة في أصعب الأحوال التي تعترضه، وأشد المواطن التي تكتنفه، حين يجد في صدرِه ضيقًا، وفي نفسه انقِباضًا، وحينما يُبتَلى في دينه، أو ماله، أو أهله وولده، وحينما ينسدُّ الأفق في وجهه، وتوحش الدنيا في عينه، وتظلم الحياة بين يديه، وحينما يرى الخشونة في تصرُّفاته، والشدة في كلامه، والتوتر في علاقاته، والنفور من حوله، فلا يجدُ الملجأ إلا في دعاء الله عز وجل باسمه: "الرفيق" - أن ييسِّر أمره، ويقضي حاجته، ويفرج همه، ويزيل كربه؛ لأنه يعلم أن الله تعالى لم يبتله إلا ليردّه إليه، ولم يمنعه إلا ليعطيه، ولم يشقق عليه إلا ليذكره ويؤوب إليه.
ولرُبَّ نازلةٍ يضيق بها الفتى
ذَرعًا، وعند الله منها المخرَجُ

ضاقت فلمَّا استحكمتْ حَلقاتها
فُرجَتْ وكنتُ أظنُّها لا تُفرجُ



وهو اسم لله ثابت بالسنة النبوية، فقد سَماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ))؛ متفق عليه، قال الإمام النووي رحمه الله: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ))، ففيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه برفيق".


وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "ومِن أسمائه سبحانه: الرفيق، وهو مأخوذٌ مِن الرفق، الذي هو التأنِّي في الأمور والتدرُّج فيها، وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال".


وقال القرطبي رحمه الله: "الرفيق: أي الكثير الرفق، وهو اللين والتسهيل، وضده العنف والتشديد والتصعيب".
وقال الليث: "الرفق: لين الجانب، ولطافة الفعل، وصاحبه رفيق".


واختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم الشريف ليكون من آخر ما دعا الله تعالى به قبل موته، قالت عائشة رضي الله عنها: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهو مستند إِلَيَّ يقول: ((اللهم اغفرْ لِي، وارحمنِي، وألحقني بالرَّفِيقِ الأَعْلَى))"؛ البخاري.


قال ابن القيم في النونية:
وهْوَ الرَّفِيقُ يُحبُّ أهلَ الرِّفْقِ، بَلْ ♦♦♦ يُعطيهمُ بالرِّفقِ فَوْق أمَانِي


والرفق ضِدُّ العُنْفِ، ومن معانيه: إرادة النفع والخير للغير، يقال: أَرْفَقْتُ؛ أي: نَفَعْتُ، يعني: أَوْصَلْتُ له النَّفْعَ، والرَّفِيقُ أيضًا: المُرَافِقُ في السفر، وهو كـ"صديق"، يطلق على الواحد وعلى الجمع؛ كقوله تعالى: ﴿ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].


وتوحيد الله تعالى بهذا الاسم هو العمل على أن يكون للمسلم حظُّه من الرفق، في أقواله، وأفعاله، وعلاقاته، فتنصلح حياته، وتستقيم أحواله، وينقلب الضيق فرَجًا، والحزن فرَحًا.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُحْرَم الرِّفْقَ يُحْرَم الخيرَ))؛ مسلم، وعند الترمذي: ((من أُعْطِيَ حظَّهُ مِن الرِّفْقِ، فقد أُعْطِيَ حظَّهُ مِن الخيرِ، ومَن حُرِمَ حَظَّهُ مِن الرِّفْق، فقد حُرِمَ حَظَّهُ من الخيرِ)).


وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن اللَّهَ رَفِيقٌ يحبُّ الرِّفْقَ، وَيُعطِي عَلَى الرِّفْقِ - أي: من الثواب - ما لا يعطِي على العنفِ، وما لا يعطِي على ما سِوَاهُ))؛ مسلم، وذكر الإمام النووي معنًى آخر مهمًّا فقال: ((وَيُعْطِي على الرِّفْقِ))، معناه: يتأتى به من الأغراض، ويسهل من المطالب ما لا يتأتى بغيره".


وبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الرِّفق خير في الأمور كلها، مهما اشتدَّتْ وطأتها، واستحكمتْ عقدها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن اللَّهَ رَفِيقٌ يحبُّ الرِّفْقَ في الأمرِ كُلِّهِ))؛ متفق عليه.


واعتبر صلى الله عليه وسلم الرفق زينة الأقوال والأعمال، وجمال التصرُّفات والعلاقات؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرِّفْقَ لا يكون في شيءٍ إلا زَانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلا شَانَهُ))؛ مسلم.


وتذكُر لنا عائشة رضي الله عنها سياقًا عجيبًا للرفق في معرض الاعتداء والتجنِّي على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: "استأذن رهطٌ مِن اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم - أي: الموت - فقالت عائشة: ففهمتُها، فقلتُ: وعليكم السام، ولعنكم اللهُ، وغضب اللهُ عليكم، قال: ((مهلًا يا عائشة، عليك بالرِّفْقِ، وإيَّاك والعنف والفُحش))، قالتْ: أولَم تسمع ما قالوا؟ قال: ((أولَم تسمعِي ما قلتُ؟! رددتُ عليهم، فيُستجابُ لي فيهم، ولا يُستجابُ لهم فِيَّ))؛ متفق عليه.


وبيَّن رسولُنا الكريم صلى الله عليه وسلم أنَّ البيتَ الذي فيه الرِّفْقُ، تحلُّ فيه البركة، فتقلُّ مشكلاته، وتضمحل قلاقله، وتسوده السعادة والطمأنينة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أرادَ اللهُ عز وجل بأهل بيتٍ خيرًا، أدخل عليهم الرِّفْقَ))؛ صحيح الجامع، بل جعل اتصاف المسلم بالرفق منَّةً من الله ورحمة، ودليلًا على حبِّ الله له، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ عزَّ وجلَّ لَيُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على الخرقِ، وإذا أحبَّ اللهُ عبدًا أعطاه الرِّفقَ، ما من أهلِ بيتٍ يُحرَمون الرِّفقَ، إلا حُرِموا الخيرَ))؛ صحيح الترغيب.


والله تعالى رفيق في أفعاله، حيث خلق المخلوقات كلَّها بالتدريج شيئًا فشيئًا، بحسب حكمته وإرادته، مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة، وفي لحظة واحدة، ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].


قال الخطابي رحمه الله: "قوله: ((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ)) معناه: ليس بعَجول، وإنما يعجل من يخاف الفوت، فأما من كانت الأشياء في قبضته وملكه، فليس يعجل فيها".


وقال القرطبي - رحمه الله -: "وأما قوله: ((يُحبُّ الرفق))، يعني: يُحب تَرْكَ العَجَلة في الأعمال والأمور"، فالناس يعجلون الأمور؛ لأنهم يخافون أن تفوت عليهم، وتضيع منهم، والله تعالى لا يعتريه فوت، ولا يخشى ضياع شيء؛ لأنه مالك كلِّ شيء.


والله تعالى رفيق في تشريعه، فلم ينزل الأحكام والأوامر والنواهي جملة واحدة، ولو شاء لفعل، بل لو شاء لذهب بنا وأتى بغيرنا: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، فشرع لنا من الشرائع ما نقوى عليه، ومن العبادات ما نطيقه ونقدر عليه، حتى إذا علم منَّا عدم القدرة، أو شدَّة المشقَّة، ترفَّق بنا، فتدرَّج معنا، حتى تألف العبادةَ نفوسُنا، وتأنس بها طباعنا، كما فعل سبحانه في فرضية الصيام، وفي تحريم الخمر والربا وغيرهما، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].


والله تعالى رفيق بالمخالفين الخطَّائين، فلا يعجِّل بعقوبتهم حتى ينذرهم، ويأخذ العهد عليهم ويُمهلهم، لعلهم يرجعون إلى الله بالتوبة، ويندمون على ما فعلوا بالأوبة؛ قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، وقال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((إنَّ الله عز وجلَّ يبسُط يدَه بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوب مُسيء الليل، حتى تطلعَ الشمسُ مِن مغربها))؛ مسلم.


والله تعالى رفيق في تذليل قرآنه وتيسيره، فأنزله سبحانه في ثلاث وعشرين سنة، حتى يستوعبه الرعيلُ الأول، فيعمل بمقتضاه على بصيرة وعلم؛ قال تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].


ثم يسره الله تعالى للقراءة والحفظ، وهيَّأ المسلمَ لأنْ يحفظه بسهولة ويُسر؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].


ثم إن الله تعالى رفيق؛ لأنه يرافقنا، فهو معنا بعلمه سبحانه، يبارك أعمال الصالحين منَّا، ويصلح أحوال الغافلين منا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهما وحيدان في الغار، والمشركون محيطون بهما: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [التوبة: 40].
مَا مَسَّنِي قَدَرٌ بِكُرْهٍ أَوْ رِضًا
إِلَّا اهْتَدَيْتُ بِهِ إليكَ طَريقَا

أَمْضِ القَضَاءَ عَلى الرِّضا مِنِّي بِهِ
إِنِّي وَجَدْتُكَ في البَلاءِ رَفِيقَا



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-01-2021, 03:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اسم الله الرفيق

فقه اسم الله الرفيق (2)
د. محمد ويلالي




سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (33)

فقه اسم الله "الرفيق" (2)

الإعراض عن الرفق يورث العجلة



دار حديثنا في المناسبة الماضية حول اسم الله "الرفيق" في قسمه الأول، ضمن سلسلة شرح أسماء الله الحسنى في جزئها الثاني والثلاثين. فذكرنا بعض أقوال أهل العلم في إثبات هذا الاسم الجليل، مستنيرين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ" متفق عليه. وعرفنا أن الرفق ضد العنف، وأنه يدل على اللين والتسهيل، وعلى إرادة النفع والخير للغير، وأن الرفيق تعني - أيضاً - المرافق في السفر. كما وقفنا على أهمية الرفق في حياة المسلمين، وأن الله - تعالى - "إذا أحبَّ عبدًا أعطاه الرِّفقَ". ثم ختمنا ببعض مظاهر رفق الله ـ تعالى ـ بعباده في أفعاله، وتشريعه، وتيسير قرآنه.



فما هي الدروس الراشدة، والعبر المستفادة، التي تمكن المسلم من فقهه السليم لاسم الله "الرفيق"؟ هي كثيرة، نقتصر منها - في هذا القسم - على عنصر واحد، وهو أن الإعراض عن الرفق يورث العجلة.



إن استشعار رفق الله - تعالى - سبيل للتمهل في الأمور، والتأني في اتخاذ القرارات. فالمسلم لا يعجل في تصرفاته، ولا في أحكامه، بل تراه متأنياً متئداً، يقلب الأمر على وجوهه، ويفحصه من كل جوانبه، ويستشير فيه من هم أعلم به منه، بعد أن يستخير الله ـ تعالى ـ، ويسأله السداد في القول، والثبات في الفعل. قال صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ" البخاري.



وقال بعض أهل العلم: "من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاً: من أعطي الشكر لم يمنع المزيد. ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول. ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخِيَرة. ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب". والاستخارة والمشورة تقتضيان الأناة والصبر، وهما مفتاح الاتصاف بالحلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد قيس: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ" مسلم.



وقد نهى الله - عز وجل - رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عن العجلة فقال: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾. ذلك أن العجلة شعبة من شعب إبليس، يلقيها في قلوب أتباعه، فيعظم تهافتهم، وتَشرَه نفوسهم، ويستعجلون أمورهم. وفي ذلك من المنزلقات ما يورث الندامة، ويرجع على صاحبه بالملامة. قال صلى الله عليه وسلم: "التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ" صحيح الجامع.



ومن مظاهر هذه الخيبة والتعثر، ما ذكره أبو حاتم البستي ـ رحمه الله ـ قال: "إن العَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعدما يحمد. والعجِل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة. وكانت العرب تسميها أم الندامات".





قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ

وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ






ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الصبر على الجاهلين، والتأني في الرد على المتهمين، والتثبت من أقوال المخالفين. من ذلك موقفه من أهل الطائف، الذين التجأ إليهم ماشيا على قدميه الشريفتين ستة وتسعين كيلومترا يعلمهم دين الله، وينقذهم من مغبة الشرك بالله. يتوخى فيهم النصرة، ويأمل فيهم العزة، بعد خذلان قريش وعداوتها، لما حاصروه وقومَه في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، وبعد فقد الظهير المؤازر: عمه أبي طالب، وزوجه خديجة - رضي الله عنها -، فقابله أهلها بالغلظة والقسوة، واستعدوا عليه صبيانهم يسبونه، ويرمونه بالحجارة. وكان يوما أشد عليه مما لقيه في أحد. وفي هذه اللحظة العصيبة، لحظة الانتصار للدين وللنفس، لحظة رد العدوان بمثله، يبعث الله إليه مَلَكَ الجبال، فيقول له: "يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ (الجبلين)؟ فلم يتعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلب الانتقام للنفس، والانتصار للذات، وإنما قال للمَلَك: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" مسلم. وكذلك كان.



ويروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه قصة مشابهة في رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأناته وحلمه، ويقول: قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا. فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، وقيل: هَلَكَتْ دَوْسٌ. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأْتِ بِهِمْ" متفق عليه. فأسلموا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وتأنيه فيه الدعاء عليهم.



فمنا من يستعجل في الحكم على الناس، فيسرع برميهم بالألقاب الجائرة، والأوصاف الذميمة، التي قد ترتقي إلى التكفير، أو التبديع، أو التلقيب بـ"عدو الله"، وما شابه ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ الله وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ (أي: رجعت الدعوة عليه)" مسلم. ونبه كتاب الله إلى أن هذا من العجلة المذمومة فقال – تعالى -: ﴿ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا ﴾.



ومنا من يستعجل بالدعاء - عند الغضب - على الأهل، والمال، والولد، حتى إذا أصيب في شيء من ذلك، ندم ساعة لا ينفع الندم. قال صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ الله سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ" مسلم.



ولعل كثيرًا مما نرى من المصائب، والأمراض، وفساد الأولاد، يكون بسبب الدعاء عليهم، والآباء لا يشعرون بذلك. وإذا سلموا من الإصابة فبفضل من الله ورحمة. قال - تعالى -: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾.



ومنا من يستعجل إجابة الدعاء، ويغضب إن لم يستجب له، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي" متفق عليه.



ومنا من يستعجل الرزق، فإذا تأخر عنه، غضب وجزع، وربما طلبه بمعصية الله، واحتال له من طرق غير مشروعة. قال صلى الله عليه وسلم: "وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعاصِي الله، فَإِنَّ اللهَ لاَ يُدرَْكُ مَا عِنْدَهُ إلاَّ بِطَاعَتِهِ" صحيح الجامع.



ومنا من يستعجل في النطق بالطلاق بعد خصام قد يكون لأمور صغيرة، كان من الممكن أن تعالج بشيء من الصبر، والتعامل بقليل من الرفق. وقد سبق معنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ" صحيح الجامع. حتى إذا افترق الزوجان، وخرب البيت، وتشتت الأسرة، وتجرع الأبناء ويلات البعد من دفء الأبوين، ناح كل طرف باللائمة على نفسه، وعاد بالخسارة على تعجله وتسرعه، ووقع من الهم والغم ما الله به عليم. ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾.





وزِنِ الكلامَ إذا نطقتَ فإنَّما

يُبدي العقولَ أو العيوبَ المنطقُ



لو سار ألفُ مدجَّجٍ في حاجةٍ

لم يقضِها إلا الذي يترفَّقُ






ومن مظاهر الإعراض عن الرفق المتسبب في العجلة، الاستهانة بالاطمئنان الواجب في الصلاة، وعدم إتمام الركوع والسجود. وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: "أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ، وَنَهَانِي عَنْ ثَلاَثٍ. أَمَرَنِي بِرَكْعَتَي الضُّحَى كُلَّ يَوْمٍ، وَالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، وَصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وَنَهَانِي عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ" صحيح الترغيب.



وقال للمسيء صلاته المستعجل: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثلاث مرات، حتى إذا لم يحسن الاطمئنان والتأني، قال له صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ وَتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا" متفق عليه.




ومنها العجلة في سياقة السيارات والدراجات، وما تستتبعه من حوادث مروعة، تكون سببا في إزهاق الأرواح، والإصابة بالأمراض الخطيرة، والعاهات المزمنة المستديمة.





خذِ الأمورَ برفقٍ واتئدْ أبدًا

إياك مِن عجلٍ يدعو إلى وصبِ



الرفقُ أحسنُ ما تُؤتَى الأمورُ به

يصيبُ ذو الرفقِ أو ينجو مِن الع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.75 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]