علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية" - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60073 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2020, 05:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية"

علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية"



عبدالعظيم بدران




(1)


جمع الشيخُ "علي الطنطاوي" مجموعةً من الخصائص التي يندر أن تتوفر لدى غيره من الفقهاء الأدباء؛ فهو مصريُّ الأصل -فجده من إقليم طنطا المصري- شاميُّ المولد والنشأة، أقام أعوامًا طوالا في دمشق، والعراق، ومصر، ثم استقر به المقامُ في أرض الحجاز بعد أسفار مضنية طوى فيها نصفَ الأرض أو يزيد، وساح فيها سنين عددًا، ليجمع بين جنبيه -نتيجة هذا كله- ثقافةً أدبية وعلمية مصبوغة بكل ألوان البلاد وثقافات العباد، الذين نزل بهم وتفاعل معهم.



ومن النادر أن تجمع شخصيةٌ بين حُزمة من الخصائص والميزات التي تجعلها في مكانة تمزج فيها بين ثقافات بلدان الوطن العربي خاصة، والإسلامي عامة، ثم تخضها خضَّ البخيلة حليبَ ناقتها، لتصنع من هذا المزيج الغني أدبًا خالصًا وسائغًا للقارئين.



ولقد كتب الطنطاوي في معظم الفنون الأدبية: المقالة، والقصة، والمسرحية، والذكريات. ومع أنه لم ينظم الشعر[1] فإن قارئه لا يفتقدُ عنده طلاوةَ التعبير، وعذوبةَ اللفظ، وعمق المعنى، وإحكام النظم، وسلامة التركيب، ورقة الأسلوب وجاذبيته، وسهولته الممتنعة في خصوصيةٍ يتميزُ بها.



ولقد كان العصرُ الذي شهده الطنطاوي مائجًا بتياراتٍ فكرية متباينة، منها ما كان يذهب ذات اليمين، ومنها ما كان يجنح ذات الشمال، وبين هذا وذاك ظهر تيارٌ سمي حينها "الأدب القومي" الذي دعا إلى تسخير الفنون الأدبية كافة لخدمة القضايا العربية والإسلامية الكبرى حينئذ، وعلى رأسها قضايا التحرر من الاحتلال في معظم البلاد العربية.


ويذكر "علي" أن أولَ من جرى اصطلاح (القومي) و(القومية) على قلمه –فيما يعلم– هو خاله "محب الدين الخطيب"، وهو أول (أو من أوائل) من دعا إلى إحياء لغة العرب، وتاريخها وأمجادها، ردًا لفتنة "التتريك" التي جاء بها الاتحاديون[2].


ويقرر الطنطاوي أن الدعوة إلى الأدب القومي بدأ يتولاها (أحمد أمين) في مصر، و(أمين الريحاني) في الشام. ثم قال "علي" بأنه أيضا من دعاتها[3].



وقد اشتبك الطنطاوي مع كثيرين في معارك أدبية وثقافية، وكان حريصًا على ألا يوجه تهمة لخصمه إلا بدليل واضح، وحجة بينة، ومن ثم يشرع في تفنيد خطئها، وبيان تصويبها. وكان -مع ذلك- إذا بدا له في بعض الأحيان خطأ رأيه -حتى ولو بعد نشره في الصحف أو المجلات- فإنه يسارع إلى الاعتراف بخطئه، والإقرار بالحقيقة، والاعتذار مِمَّا بدر منه.



وكان من النادر أن يتكشَّف لعلي خطأُ وجهة نظره في معركة أدبية، أو أن يتحول الشخص المنقود من حال سيئة إلى حال أفضل. ومن ذلك ما حدث مع الشاعر السوري "شفيق جبري" الذي كان من دعاة (الفن للفن)، وعارضه "علي" حين كان الأولُ مديرًا لديوان المعارف، ثم مدحه بعد أن تحول عن موقفه.




وللطنطاوي في منازلة أصحاب مذهب (الفن للفن) صولات وجولات، فقد كان أستاذ الطنطاوي "شفيق جبري" قد ألقى محاضرته الأولى في كلية الآداب[4] وقرر فيها أن الأدب أُلهية من الألاهي، فكتب "علي" يحلل نظريته هذه وينتقدها ويقول: "وهذا مذهب في الأدب. ولكنه اختار أسوأ الأوقات لإعلانه؛ فقد كنا في عهد نضال للاستقلال نحاول أن نسخر له قوى الأمة كلها، فطلع علينا بهذه النظرية يثبط بها الهمم، ويحل العزائم، ذلك لما قال في محاضرته الأولى يوم 9-11-1929م: (فكرت في شيء من الكلام أمهد به السبيل إلى دراسة الأدب، قلت: دراسة الأدب، وكان يجب عليَّ أن أقول: أحاديث الأدب؛ لأن كلمة "الدراسة" تدل على شيء من جهد الذهن وعنت الفكر، وما ينبغي للأدب أن يكون إلا ألهية يتلاهى بها العقل، ولكنها ألهية شريفة لا تشبه غيرها من الألاهي، وما ينبغي للأدب أن يكون إلا لذة الفكر وراحة البال)"[5].



وقد حاول الطنطاوي أن يناقش أستاذه في ذلك، وكان -كما يحكي عنه– لا يحب الأسئلة، ويتضجر منها، ويجيب عنها على مضض، فلم يجد علي بُدًا من أن يكتب ما سماه رسالة "الأدب القومي"[6]، وينشرها ردًا على ما دعا إليه أستاذه في هذا الحين.



ويبين الطنطاوي أن الأستاذ (شفيق جبري) يدعو إلى أدب مجرَّدٍ يمارَس ليُدرك به جمالُ الوجود، ويفرَّج به غمّ الحياة وكربها، ويصور من النفس عواطفها وما تميل إليه، ومن الطبيعة جمالها وجلالها، ووحيها وإلهامها، لا يعنيه أخلاق تُقوَّم، ولا عادات تصحَّح، ولا تهمه أمة ولا وطن.. ثم يقول: "كلا يا أستاذ، فنحن في حرب، في نضال للاستقلال، في معركة، وأدباؤنا قوادنا، فماذا تكون حال جيش تَرَكَه قوادُه في المعركة تحت أزيز الرصاص ودوي القنابل، وراحوا يفتشون عن الجمال في ميدان المعركة ليصفوه وينظموا فيه الأشعار، ويتخذوا من أدبهم (أُلهية شريفة) يفرجون بها عن أنفسهم همَّ أنفسهم وغمها"[7].



ويُجمل "علي" خلاصة دعوته فيقول:


"الأديبُ في الأمة لسانُها الناطق بمحاسنها، الذائد عن حماها، وقائدها إلى مواطن الفخر، وذرى مجدها... إن الأدب لا يجدي إن لم يكن أدب الحياة، ولا يكون أدب الحياة حتى يحكم صلته بها، ويداخلها، فيعرف مواطن الخير فيها فيدل عليها، وأماكن الشر فينفر منها"[8].


حول ظهور وتطور مفهوم (الأدب القومي):


تتبع الدكتور "محمد أبو الأنوار" كيف ظهر هذا المصطلح بمفهومه الضيق الذي دعا أول الأمر إلى "الالتفاف حول البيئة الإقليمية في تاريخها القديم والحديث، والارتباط بها وحدها"، وأوضح أن هذه الدعوة كانت –بهذا المفهوم- من نتائج "التأثر بالحملات الاستعمارية حول الإسلام". ثم ذكر الحوار الأدبي الذي تداوله الكثيرُ من الكتاب في ذلك الحين على صفحات الصحف والمجلات الأدبية، ومنهم: عبد الحميد العبادي، والدكتور أحمد ضيف (بعد عودته من البعثة)، والأستاذ أحمد حسن الزيات، والدكتور محمد حسين هيكل، والأستاذ محمد زكي عبد القادر، ومحمد أمين حسونة، والأستاذ العقاد، والأستاذان محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنيس.. إلى أن انتهى هذا السجالُ الأدبي بحسم مجلة الرسالة له، إذ أكدت ضرورة احترام التراث والحرص عليه، وذلك مع التطلع إلى الجديد والإفادة منه. ثم يؤيد ذلك الدكتور أبو الأنوار ويقول: "إنها –يعني مجلة الرسالة– كانت بحق معلمًا بارزًا على متن الطريق السوي لمن اهتدى"[9].

وهكذا يبدو أن الشيخ عليا الطنطاوي -رحمه الله- كان ممن أرسَوْا مبادئ الوسطية ودافعوا عنها خلال مدة طويلة من القرن الماضي.


(2)


الطنطاوي والأدب الرومانسي:

لم يرُقْ للطنطاوي ما غلَّبه الشبابُ الشاميون من نزَعات الرومانسية المفرطة بطريقة تغذي النزعات الفردية والالتفاف حول الذات، بعيدًا عن المجتمع وما يجري فيه. وانتقد عند هؤلاء إفراطَهم في التشاؤم واليأس والانزواء بعيدًا عن الآخرين، والنظرية السوداوية للحياة، يقول في ذلك: "مَن الذي حجب عن عينيك أيها الشاعر ملذاتِ الحياة ومفارحها، ولم يُرك إلا آلامها وأحزانها؟ لماذا ترى سواد الليل ولا ترى بياض الضحى؟ لماذا تصف بكاء السماء بالمطر في الشتاء وتدع ضحك الأرض بالزهر في الربيع؟ لماذا تصور حشود المآتم وتهمل حفلات الولادة؟ الدنيا ليل ونهار، وشتاء وربيع، وموت وولادة، إنها كالقمر؛ له جانب مظلم وجانب مضيء، فمن ملأ قلبه ظلامُ اليأس لم ير إلا الجانب المظلم مع أنه خفي لا يرى".

ولم يقتصر "علي" على هذه التساؤلات الاستنكارية الموجهة لهذه الطائفة من الشعراء، ودعوتهم إلى الانفتاح على الكون والحياة بكل ما فيها من خير وتفاؤل، ولكنه أتبع ذلك أيضا بدعوة صريحة وجَّهها إليهم لتوظيف ملكاتهم الشعرية في خدمة القضايا القومية العامة، بجانب اهتماماتهم الذاتية الداخلية.


يقول في ذلك:


"لا تعِشْ لنفسك وحدها، بل عش لها ولأمتك، فكر بعقلها، اشعر بشعورها، وأدِّ ما يجب عليك لها، أما أن تقول: هذا حبي، وهذه عاطفتي، فاشتغلوا بها معي، فلا.. إن أدبك يكون إذن مخدرًا للحس الوطني".


ويجمل الطنطاوي دعوته هذه فيقول:


"حسبُنا بكاءً ويأسًا، ورثاءً للماضي، وفزعًا مما يخبئ لنا المستقبل. كفى تبرمًا بالحياة، وشكوى منها، ودعونا من أدب لامارتين وموسيه"[10].


نقده لـ"نزار قباني" بسبب أحد دواوينه:


في مارس 1946م كتب الطنطاوي بمجلة الرسالة عن نزار قباني بعد أن أصدر ديوانه الأول "قالت لي السمراء"، يقول "علي": "طبع في دمشق كتابٌ صغير زاهي الغلاف ناعمُه، ملفوف بالورق الشفاف الذي تلف به علب (الشيكولاتة) في الأعراس، معقود عليه شريط أحمر كالذي أوجبَ الفرنسيون أولَ العهد باحتلالِهم الشامَ وضعَه في خصور بعضهن ليعرفن به، فيه كلام مطبوع على صفة الشعر، فيه أشطار طولها واحد إذا قستها بالسنتيمترات"!.

وإذ يصف الطنطاوي ويستعرض "شكل" الديوان، ينتقل إلى عرض "مضمونه" ساخرًا من كليهما، كما هو بيِّن في كلمته هذه، يقول: "ويشتمل (ديوان نزار) على وصف ما يكون بين الفاسق القارح والبغي المتمرسة الوقحة وصفًا واقعيًا لا خيال فيه؛ لأن صاحبه ليس بالأديب الواسع الخيال، بل هو مدلل غني، عزيز على أبويه، وهو طالب في مدرسة، وقد قرأ كتابه الطلابُ في مدارسهم والطالبات...".


وعلى قِصَر هذه الكلمة فقد شحنها الطنطاوي بما يدعو به قارئَه لمشاركته التخوفَ من آثار مثل هذه الدواوين. ويكمل "علي" نقدَه الساخر للجانب الفني في الديوان فيقول: "وفي الكتاب مع ذلك تجديد في بحور العروض، يختلط فيه البحر البسيط والبحر الأبيض المتوسط!، وتجديد في قواعد النحو؛ لأن الناس قد ملوا رفع الفاعل ونصب المفعول ومضى عليهم ثلاثة آلاف سنة وهم يقيمون عليه، فلم يكن بد من التجديد"[11]!.



لقد جاءت هذه الكلماتُ في نقد نزار عنيفة وساخرة بدرجة كبيرة، ولعل ذلك كان من سمة النقد والعراك الأدبي في ذلك الحين، إلا أن الطنطاوي تعفف عن هذا الأسلوب فيما بعد، وكف عنه، وصرح بأنه لا يمكنه الاستمرارُ على طريقة نقاد هذا الوقت في معالجتهم لسجالات النقد حينئذ.




وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-10-2020, 05:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية"

علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية"



عبدالعظيم بدران


(3)

الطنطاوي وأدب الحداثة:
إذا كانت الحداثة للتجديد والإحياء فهذا ما يرحب به "علي"، أما إذا اتُّخذت سبيلا لما يسمى حرية وهو في حقيقته فوضى فهذا ما لا يقبله. يقول في "دروس الأدب في بغداد" لدى حديثه عن زيارته لوالد الشاعرة "نازك الملائكة": "وقد نشرت أول العهد بها في الرسالة شعرًا نفيسًا أثار إعجابَنا وتقديرنا، لا هذا الشعر الذي سموه حرًا أو شعر الحداثة، فهل يبقى الحدث حدثا أم يشب ويعقل؟! وسموه حرًا، ومن الحرية ما هو فوضى"!.

وعلى عادته في إجلاء صورته بمهارة التمثيل الأدبي يقول: "فإن رأيت الجند يمشون صفًا واحدًا مرتبًا منظومًا نظم اللآلئ في العقد، فخرج واحدٌ منهم على الصف وعلى نظامه، فمشى على غير مشيتهم، وبسرعة غير سرعتهم.. أليس هو ما يسمونه بشعر التفعيلة، شعرٌ تفعيلاته صحيحة الوزن ولكن لا ارتباط بين أبياته ولا تناسق بينها".

ثم يقرر الحقيقة التي يراها مخالفةً للواقع الذي يتحدث بصدده، فيقول: "وإن الشعر الحق هو الذي يثير الشجون، ويحرك العواطف مع اتساقه في الآذان ومحافظته على الإيقاع".

ثم يجمل ما يريد قوله:

"إن علينا أن نقول الحق ولو على أنفسنا، والحق أن معاني الشعر الغربي –الفرنسي والإنجليزي– أوسع مدى وأكثر عمقًا، وأن ميزة شعرنا في النظم، في الموسيقى الشعرية، تلك الميزة التي يحاول هؤلاء أن يحرمونا منها"[12].
والحق أنه لا يمكننا التسليم بصحة رأي الطنطاوي هذا؛ مع أننا نقر بأن من الشعر الغربي ما هو أوسع مدى ‏وأكثر عمقًا، ولكن لا يمكن إطلاقُ هذه العبارة وتعميمها، والاكتفاء بالنظم والموسيقى الشعرية على أنها ‏ميزات الشعر العربي. فإن من الشعر العربي المنظوم، ذي الموسيقى الشعرية الأصيلة والممتعة في ‏جَرْسها والرائقة في إيقاعها ما هو جيد المعنى، عميق الفكرة، جزل الأسلوب، متين البناء، عالي الجودة.. ‏ومنه ما هو دون ذلك. كما أن الشعر الغربي مبني أيضًا على الموسيقى والإيقاع، وشأنه شأن ‏سائر العلوم الإنسانية يعلو أحيانا ويهبط أخرى.
ولو كان الشعر العربي لا يميزه إلا النظم والموسيقى لما تبوأ امرؤ القيس، وزهير، وحسان، وكعب، والمتنبي، وأبو تمام، والبحتري، وبشار، ‏والبارودي، وشوقي، وغيرهم من حكماء الشعراء وعظمائهم، مكانةً سامقة على مر العصور.

• • • •


وفي حديثه عن أدب الحداثة يكتب الطنطاوي بعنوان: "عندكم نابغون فتشوا عنهم بين الطلاب"، فيقول: "جنِّبوا كتبَ المطالعة هذا الأدبَ الذي تسمونه يومًا بأدب الحداثة، ويومًا بالشعر المنثور، ويومًا بالنثر المشعور، كما قال المازني -رحمه الله- مازحًا ساخرًا لما سألوه عنه، ويومًا بقصيدة النثر، وكل ذلك من مظاهر العجز عن نظم الشعر البليغ".


ثم يمثل حال هؤلاء فيقول: "كالثعلب لما لم يصل إلى عنقود العنب، قال: إنه حامض"!.


ثم يقترح الحل الأمثل فيما يرى، فيقول: "واختاروا لهم مما يقوي ملكتهم العربية؛ لأن العربية والإسلام لا يكادان يفترقان".


ويذكر "علي" أنه حاقت بالعربية نَكَباتٌ، واعترضت طريقَها عقباتٌ ونزلت عليها من نوازل الدهر المعضلات، ولكن ما مر بها يوم هو أشد عليها وأنكى أثرًا فيها من هذا "الأدب المزور" الذي أطلق عليه أدب الحداثة. ويسوق أسباب رفضه لهذا اللون من الكتابة فيقول: "إنه ليس انتقالا من مذهب في الشعر إلى مذهب، ولا من أسلوب إلى أسلوب، ولكنه لون من ألوان الكيد للإسلام، بدأ به أعداؤه لما عجزوا عن مس القرآن؛ لأن الله الذي أنزله هو الذي تعهد بحفظه، فداروا علينا دورة وجاءونا من ورائنا".


ويمثل الطنطاوي فعل هؤلاء بفعل الشيطان؛ يأتي الناس من بين أيديهم وعن أيمانهم ومن وراء ظهورهم. ثم يُجمل غرضهم من ذلك فيقول بأنهم عمَدوا إلى إضعاف الإسلام بإضعاف العربية[13].


(4)

الطنطاوي والأدب الرمزي:
هاجم الطنطاوي الرمزيين بعنف، وعدهم ممن لا يمتلك أدوات البيان والفصاحة، ويريدون في الوقت نفسه أن يحشروا أنفسهم في طائفة الأدباء، فراحوا يتحايلون على ذلك ويقولون ما يشاءون مما لا يسيغه عقلٌ ولا تقره قوانينُ اللغة والبيان. من ذلك ما كتبه بعنوان "أنا والإذاعة"، يقول مُجْملاً: "ومَن عجز عن أن يفكر كما يفكر أبناءُ آدم -عليه السلام- ويتكلم كما يتكلمون، ففكر تفكيرًا غير آدمي وتكلم كلامًا ليس بإنساني فهو شاعر رمزي، وإنَّ في الرمزية متسعًا لجميع الأغبياء والأدعياء إذا شكا القراءُ أنهم لا يفهمون هذا الأدب الرمزي فالقراءُ جاهلون رجعيون جامدون"![14].

ويرحب الطنطاوي بالتجديد مع المحافظة على الثوابت:

فمع أنه هاجم العبث في اللغة، وأعلن تمسكه بجيد التراث؛ فقد رحب مع ذلك بتطور الأساليب والتجديد فيها لكن مع الالتزام بقواعد العربية. فهو يظهر إعجابه بـ(ميخائيل نعيمة) وأسلوبه الجديد، ولكنه لا يرتضي تجاوزاته لقواعد اللغة، يقول الطنطاوي: "وتمنيت لو أن مثله يجيء صحيحا بنفَس عربي فيكون نادرة الأساليب ومفخرة الأدب"[15].
ومع ذلك لم ينحَزْ "علي" لكل ما جاء بالتراث لمجرد أنه قديم، ولكنه -مثلا- مع إعجابه بقصيدة أبي فراس الحمداني[16] "أراك عصيَّ الدمع" يرفض قوله: "إذا مت ظمآناً فلا نزل القطرُ"، يقول الطنطاوي: انظروا كم بين قوله هذا وبين قول المعري[17]:
فلا نزلت عليَّ ولا بأرضي سحائبُ ليس تنتظم البلادا


أبو فراس ينحط إلى أدنى دركات الأثرة والأنانية، لا يرتفع درجة فيهتم بأهل ولا ولد، ولا يرتفع درجة أخرى فيهتم ببلد أو وطن، إنه لا يبالي إلا بنفسه، فإذا مات عطشاناً فلينقطع المطر ويحترق الزرع ولتقفر الأرض وليعم القحط وليهلك القريب والبعيد والصديق والعدو، ولا يبقى أحد!.

والمعري يرتفع إلى أعلى درجات الإيثار فلا يرضى أن ينزل المطر عليه ولا على أرضه، لا يرتضي إلا غيثا عامًا يشمل خيره البلاد والعباد"[18].


لكن حكم "الطنطاوي" هنا قد جاء قاسيا على "أبي فراس" حين انتزع شطر بيته هذا من بقية القصيدة التي نظمها، والظروف التي كان يعيشها حينئذ، فقد كان أبو فراس أسيرًا في سجن القسطنطينية، وطال به الأسرُ في قبضة أعدائه، وهو ينتظر افتداء ابن عمه -سيف الدولة أمير حلب حينئذ- له، والأخير ينساه وينشغل عنه، فانطلقت هذه الكلمات آهاتٍ حادة تستصرخ وتنادي بافتدائه.


وإذا أخذنا بالاعتبار أن التعابير الشعرية قد يُقبل فيها من المبالغة ما لا يُقبل في غيرها؛ فإنه يبدو لنا عذر أبي فراس فيما يقول. كما أن الناقد لا يستطيع أن يحكم على سيرة شاعر من شطر بيت قاله، دون النظر إلى عموم أشعاره ومبادئه التي تبناها في مسيرة حياته.


(5)

بعض سخريات الطنطاوي الهادفة:
للطنطاوي كتاب طريف وثري بعنوان "صور وخواطر" ضمنه -في جزء منه- مقالاتٍ نقديةً بأسلوب مبتكر وساخر ومشوق في الوقت نفسه، استطاع من خلاله أن يوصل إلى قارئه ما يريد مع إشاعة روح الفكاهة والمرح في هذا الجو النقدي الأدبي الفريد.

من ذلك مقالته الطريفة "ديوان الأصمعي" التي خلط فيها القدامى بالمعاصرين، وألغى الزمان والمكان، وجاء في مقالته هذه بإشاراتٍ سريعة ولماحة لا يفهمُها إلا من كان ذا خبرة واطلاع على العلوم والآداب، ويعرف الأدباء والعلماء في مختلف العصور[19]، فقد تحدث عن أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والمازني وغيرهم، ومما قاله فيها: "قال الأصمعي[20]: سألت أبا عمرو بن العلاء لم سمي أحمد بالشوقي؟ قال: لقد سألت عن هذا جدي أبا العلاء (يعني المعري) قلت: وهو غير أبي علي المصري. فقال: سمي بذلك لأنه أكثر في شعره من ذكر الشوق. قلت: فلم لقب إبراهيم بالحافظ؟ قال: لكثرة حفظه الحديث!.


قال: وحدثني إبراهيم المازني عن جده أبي عثمان المازني، أنه قال: لقد لقيت من الحفاظ من لا أحصي، فما وجدت مثل الحافظ إبراهيم. قلت: فما بلغ من حفظه؟ قال: إنه كان يحفظ أيام الأسبوع، وشهور السنة، ويعد الخلفاء الراشدين لا يغيب عن ذهنه أحدٌ منهم!.


قال إبراهيم بن عبد القادر المازني: فعجبت من ذلك ورويته في كتابي (قبض الريح في أخبار رواة الصحيح). قال: والمازني لم يكن من بني مازن، ولكنهم ادعوه، وسبب ذلك أنهم سمعوا قصيدته المشهورة:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا[21]



فأعجبهم، فردوا عليه إبله، وأكرهوا بني اللقيطة على تقبيل يده، وسؤاله الدعاء. قلت: وزعم أبو عبيدة أن اللقيطة أمهم. والصحيح أن (اللقيطة) قصة مطبوعة في مصر"[22].

مع توفيق الحكيم:

تعرَّض الطنطاوي بالنقد والتعليق لأعمال الأديب المصري الشهير "توفيق الحكيم"، وقد اختلفت نقداته وتعليقاته حسب المادة الأدبية موضع التعليق.

فعند تعرضه للقصة الشهيرة "عصفور من الشرق" يقول "علي": "الأستاذ توفيق الحكيم من أكبر أدبائنا القصصيين، لا يكاد ينازع في ذلك أحد، ومن أكثر الأدباء إنتاجًا وأخصبهم قريحة، عالج أنواعًا من القصة فوفق فيها، وأتى بالمعجب المطرب، ومن ذلك قصته... عصفور من الشرق... أحسست كأني كنت في جنة سحرية، ثم هبطت إلى الأرض، وتمنيت لو طال نفس الأستاذ فيها حتى ما تنتهي".


ويمدح الطنطاوي منهج القصة ومضمونها، فيقول: "... وهذه ميزة كبيرة للقصة ترتفع فيها إلى صف القصص العالمية، التي لم تنشأ لمجرد اللهو، ولإمتاع القارئ بالجمال الفني، وإنما جمعت إلى الجمال الفني نظرة تحليلية إصلاحية عميقة".


ولكنَّ عليا يسجل بعض مآخذه عليها فيقول: "غير أني أخذت على القصة أشياء: منها ما يتصل بالفن، ومنها ما يمس الدين، ومنها ما يعود إلى اللغة، أسأل عنها الأستاذ الحكيم ليوضح منها ما خفي ويفتح ما استغلق". ويسرد الطنطاوي مآخذه على القصة، ثم يثني على كاتبها فيقول: "هذا وإني أهتبل هذه الفرصة لأرفع إلى الأستاذ الحكيم تحياتي وإكباري"[23].


ويبدو أن الطنطاوي لم ترُقْه بعضُ أعمال "الحكيم"، فوجه إليه نقدًا لاذعًا، ولكن بطريقة ساخرة وفكهة، يقول في كلمة له سماها "ديوان الأصمعي": "قال الأصمعي: وكان حمار هذا من كبار الحكماء، ولكن أهل مصر اطرحوه انتصارًا منهم للقفطي، فلم يذكره إلا رجل من أبناء عمومته يقال له توفيق الحكيم.


قال النووي: وتوفيق الحكيم وضَّاع لا يقبل له حديث، ذهب إلى قرى مصر نائبًا في الأرياف فأهمل عملَه وخان أمانته، وصار يفكر في الرقص والغناء، وهو على كرسي النيابة في المحكمة، والقاضي ينتظر مطالعته، والظنين يرقب ما تنفرج عنه شفتاه، فلما أفاق زعم أن نومه معجزة، وأنه كان مع أهل الكهف.

قلت: وكان يكتب في القهوات وعلى أرصفة الشوارع ويزعم في (الرسالة) أنه يكتب من البرج العاجي"[24]. وتنتقد كلمة الطنطاوي هذه كتابي: "حماري قال لي"، و"يوميات نائب في الأرياف"، كما تعيب على الحكيم بعض سلوكياته، وأسلوبه في الكتابة.
وللموضوع تتمة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-10-2020, 05:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية"

علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية"



عبدالعظيم بدران


(6)



الطنطاوي معتزًا بالأدب ومدافعًا عنه:

يرى "علي" أنه لا غنى للإنسانية عن العلوم الأدبية، وخاصة الشعر، ويذكر أن الأدب أسبق من العلم؛ وأن البشرية عاشت قرونًا طويلة بعلوم أولية ومحدودة، ولكن الآداب والفنون كانت وما زالت على طول الدهر محل الاهتمام ومنشأ التأثير. يقول: "فكيف يكون فيها –أي الدنيا– من يكره الشعر وهو جمال القول وفتنة الكلام؟ وهو لغة القلب، فمن لم يفهمه لم يكن من ذوي القلوب، وهو صورة النفس، فمن لم يجد فيه صورته لم يكن إلا جمادًا، وهو حديث الذكريات والآمال، فمن لم يذكر ماضيًا ولم يرج مستقبلا ولم يعرف من نفسه لذة ولا ألمًا فليس بإنسان"[25].


لكن هذا لا يعني أن الطنطاوي قد قبل بكل ما ألقي للساحة الأدبية من أعمال ادَّعى أصحابُها أنها من الأدب، يقول ساخرًا ومتهكمًا: "رحم الله الأستاذ العقاد عندما كان رئيس لجنة الشعر، قدموا إليه بعض هذا الذي يسمونه شعر الحداثة، فأحاله إلى لجنة النثر؛ لأنه أراد أن يدخل مدينة الشعر بجواز سفر مزوَّر فرده إلى موطنه، ولولا أنه رحمه وأشفق عليه لأحاله إلى محكمة الجنايات بتهمة التزوير"![26].



وفي موضع آخر يبين أن عظمة الأدب تستمد من عبقرية المبدع وسحر بيانه وفصيح لسانه، ولا يزيدها كرُّ الزمان إلا رسوخًا وإجلالا، يقول: "من هنا جاءت عظمةُ الأدب وجاء خلوده، إنه ليس كالعلوم، إن قرأ طالبُ الطب في كتاب قبل أربعين سنة سقط في الامتحان، أما طالب الأدب فيقرأ شعرًا من ألف وخمس مئة سنة ولا يزال جيدًا، كأنه قيل اليوم".



ثم يفصل بعد إجمال فيقول: "لا أعني الشعر الذي هو الرنات والأوزان، ولا الألفاظ المنمقة التي لا تحمل معنى، ولكن أعني بالشعر حديثَ النفس ولغةَ القلب، وكل ما يهز ويشجي، ويبعث الذكريات، وينشئ الآمال، ويقيم النهضات، ويحيي الأمم، الشعر الذي يشعرك أنه يحملك إلى عالم غير هذا العالم"[27].



وهكذا يأخذ "علي" على عاتقه عبءَ ترسيخ قواعد الوسطية في زمانه، فمع أنه يدفع عن الأدب ويعتز به، فإنه يوجه الأدباء إلى تحمل مسئولياتهم من أجل نهضة الأمة وصلاح المجتمع، مع سمو اللغة والبيان.



(7)


الطنطاوي وأدباء مصر:

ينادي "علي" أدباء مصر فيمدحهم ويهجوهم، ويثني عليهم ويذمهم. وفي مقالة له نشرها سنة 1943م، بعنوان "نداء إلى أدباء مصر"، يقول: "أتممت البارحة قراءة كتاب جبران لمؤلفه (نعيمة)، فأعجبني أسلوبه على ما فيه من مخالفة لقانون اللغة وقواعد العربية".


ويذكر أن إشادته بالكتاب جاءت لما حمل من الصور البيانية والمجازات المستحدثة والتشبيهات التي لا نظير لها، والاستعارات التي لم تتحدث عنها كتب البلاغة؛ لأن علماءها لم يقرءوا مثلها ولأنه أسلوب مستمد من قلب حي وخيال قوي.. ثم يتمنى الطنطاوي لو أن مثله يجيء صحيحا بنفس عربي فيكون نادرة الأساليب ومفخرة الأدب، ولكنه يستبعد ذلك تمامًا[28].



ولكن موضوع الكتاب لم يعجب "عليا"؛ لأنه وجد حياة جبران كما يصفها صديقه المؤلف: "سلسلة آثام". ويستنكر الطنطاوي أن تكون هذه هي وظيفة الأدب، فيقول: "الذي أعرفه أن الفن هو الذي يبحث عن الجمال بحثَ العلم عن الحقيقة، وأنه يدرك بالعاطفة كما يدرك العلم بالعقل، فمن قال إن الجمال لا يكون إلا في الفحشاء والمنكر؟"[29].



ويدفع الطنطاوي عن نفسه تهمة طالما قرأها وسمعها من كثيرين، يقول:


"سيقول قوم: أنت رجل رجعي جامد، هذا هو الفن، يغتفر لصاحبه ما لا يغتفر لغيره. ولئن كنتُ جامدا فهم والله مائعون، والجامد يستقر ويتماسك، أما المائع فيسيل ويضيع. ولئن كنت رجعيًا فالرجعية مشتقة من الرجوع، وهي في الغرب سب؛ لأنها عودة إلى ظلام القرون الوسطى وجهالة الماضي الذميم، وهي عندنا مدح؛ لأنها رجوع إلى مثل ما كان عليه أجدادُنا في عصور العلم والنور"[30].


وهكذا يستخدم الطنطاوي المعجم اللغوي والأحداث التاريخية والقلم الأدبي ببراعة منقطعة النظير في محاورة خصومه والظهور عليهم.



ثم يخلص إلى نداء أدباء مصر فيقول:


"يا أدباء مصر: إن العالم العربي ليسمع منكم ويقتدي بكم، فإن أنتم لم تسلكوا به سبيلَ الإصلاح وتدلُّوه على طريق الخير كان عليكم أكبرُ الوزر"[31].

وكأنه كان يقرأ مستقبل الأيام، فرحمه الله.


وبعد، فلعله يتضح لنا بعد استعراض هذا الموضوع عدة ملاحظات، هي:


- أن الطنطاوي سخَّر إمكاناتِه الأدبية لقضايا أمته الكبرى وحث الأدباء والكتاب على ذلك.

- وأنه شارك في خدمة هذه القضايا بتراث كبير من المقالات والقصص والروايات التاريخية.

- وأنه اختار "الأدب للحياة"، وحمل على أصحاب "الأدب للفن" مستنكرًا عليهم وساخرًا منهم.

- وأنه كشف النقص العميق لدى كل من الرمزيين والرومانسيين والحداثيين من أصحاب شعر التفعيلة والشعر الحر وقصيدة النثر.


لكني مع تقديري لاختيار الطنطاوي لمذهب الأدب للحياة، أجدني منحازًا لرأي الدكتور (محمد رجب البيومي) في تعليقه على ذلك حين قال بأن الاكتفاء بهذا المذهب غير كاف، أو بالأحرى: غير واقعي، في حياتنا الأدبية؛ لأن أحدًا لا يمكنه أن ينكر أن المقطوعة إذا استوفت عناصرها الأدبية صارت أدبًا، ولكن –كما يقول الأستاذ أحمد أمين رحمه الله-: "يجب أن يكون للمصلحين سلطة فوق سلطة الأدباء، فإذا رأى المصلحون أن ضربًا من الأدب يحل الأخلاق، ويفك عرى المجتمع حاربوه بكل قوة، وإذا رأوا أن ضربًا من الأدب في الأمة ضعيف يجب أن يقوى طالبوا بالإكثار منه بشتى الوسائل"[32].



وهكذا يتضح جليًا كيف كان "علي الطنطاوي" ممن رسخوا قواعد الوسطية الأدبية في زمانه، ناهيك بالوسطية الفكرية بصفة عامة.



وللحديث بقية إن شاء الله ...


------------------------

[1] يذكر "علي" سبب عدم قرضه الشعر، فيقول: "كنت أنظم أبياتًا من الشعر أو أسرقها، كما ينظم كل مبتدئ ويسرق، حتى إذا اجتمع عندي كثير من القطع عرضتها على أستاذ العربية، وكان لسوء الحظ تركيًا يسمى إسماعيل حقي أفندي، يعلمنا النحو العربي باللسان التركي، فلما قرأه سخر مني وسبني وتهكم علي، وجاء من بعدُ أخي أنور العطار فنظم كما كنت أنظم، حتى إذا اجتمع عنده كثير من القطع عرضه على الأستاذ كرد علي، رئيس المجمع العلمي العربي، فأقام له حفلة تكريمية، فكانت النتيجة أني عجزت عن الشعر، حتى لنَقلُ البحر بفمي أهون علي من نظم خمسة أبيات، وأن أخي أنور العطار غدا شاعرَ الشباب السوري، وسيغدو شاعر شباب العرب". فكر ومباحث، ص157-158.

[2] ذكريات، علي الطنطاوي، 2/289.

[3] ذكريات، علي الطنطاوي، 2/290.

[4] وكان علي الطنطاوي قد التحق بهذه الكلية؛ لأن الباب كان مفتوحًا لكل مدرس ومعلم للحصول على شهادة عالية. ذكريات، علي الطنطاوي، 2/201.

[5] ذكريات، علي الطنطاوي، 2/203.

[6] يقول الطنطاوي عن مصطلح "القومي": لم تكن –هذه الكلمة– قد أخذت المعنى الذي نفهمه منها الآن. ذكريات، علي الطنطاوي، 2/203.

[7] ذكريات، علي الطنطاوي، 2/205.

[8] ذكريات، علي الطنطاوي، 2/206.

[9] الحوار الأدبي حول الشعر، د. محمد أبو الأنوار، ص462-465.

[10] ذكريات، علي الطنطاوي، 2/290-291.

[11] نزار قباني، قصته مع الشعر، ص88-89، عن مجلة الأدب الإسلامي، 9/83.

[12] ذكريات، علي الطنطاوي، 3/315.

[13] ذكريات، علي الطنطاوي، 8/335.

[14] صور وخواطر، علي الطنطاوي، ص 177.

[15] مجلة الأدب الإسلامي، 9/83.

[16] أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، (320 هـ-357هـ) وهو صاحب البيت الشهير:



الشعر ديوان العربْ أبدًا وعنوان الأدبْ




شاعر وأمير عربي من الأسرة الحمدانية، واشتهر بقصائده المعروفة بالروميات.

ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، 1/149، و2/51.

[17] أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري، الضرير الشاعر الفيلسوف المؤلف، ‏(363-449هـ =973 -1057م)‏ له شعر كثير ومؤلفات كثيرة، منها: رسالة الغفران، وديوان اللزوميات، وديوان سقط الزند، ورسالة الصاهل والشاحج، ورسالة الملائكة، ورسالة الهناء، ورسالة الفصول والغايات. الأعلام، خير الدين الزركلي، ط7، 1/157.

[18] مقالات في كلمات، علي الطنطاوي، 1/230، ومجلة الأدب الإسلامي، 9/83.

[19] مجلة الأدب الإسلامي، 9/103.

[20] عبد الملك بن قُرَيب، الأصمعي (122-216هـ=740-831م) من باهلة، بصري، راوية وإمام باللغة والشعر والبلدان،الأعلام، 4/162. و"بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة"، لجلال الدين السيوطي، ص313.

[21] البيت لقريط بن أنيف العنبري التميمي، شاعر جاهلي، في حياته غموض، انفرد "معمر بن المثنى" برواية خبر عنه مفاده أن جماعة من بني ذهل بني شيبان أغاروا عليه فأخذوا له ثلاثين بعيراً، فاستنجد قومه فلم ينجدوه. فأتى على بني مازن التميميين فركب معه نفر فاستاقوا من إبل بني ذهل مئة بعير دفعوها إليه، ثم خرجوا معه حتى أوصلوه إلى قومه؛ فمدحهم لصنيعهم هذا، وعير قومه ضعفهم وذلهم، وأنشد قصيدته الشهيرة التي استهلها بهذين البيتين:



لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذاً لقام بنصري معشرٌ خشنٌ عند الحفيظة إنْ ذو لوثة لانا




وهي من عيون الشعر، افتتح "أبو تمام" كتابه "ديوان الحماسة" بمختارات منها، وقال: إنها لبعض بلعنبر (بني عنبر)، ولم يسمه. الأعلام، 5/195.

[22] صور وخواطر، علي الطنطاوي، ص298.

[23] مقالات في كلمات، علي الطنطاوي، 1/189-191.

[24] صور وخواطر، علي الطنطاوي، ص302.

[25] فكر ومباحث، علي الطنطاوي، ص32.

[26] ذكريات، علي الطنطاوي، 8/343.

[27] رجال من التاريخ، علي الطنطاوي، ص167.


[28] صور وخواطر، علي الطنطاوي، ص263.

[29] صور وخواطر، علي الطنطاوي، ص265.

[30] صور وخواطر، علي الطنطاوي، ص265.

[31] صور وخواطر، علي الطنطاوي، ص269.

[32] الرسالة العدد 24.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 97.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 94.68 كيلو بايت... تم توفير 2.85 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]