تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854982 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389846 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 07-08-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (25)
الحلقة (32)




تفسير سورة البقرة (121)


من عقيدة المؤمن الصادق أن يؤمن بعرش الرحمن الذي تحمله الملائكة، وأن هذا العرش فيه الكرسي، وهو في العرش كالحلقة الملقاة في فلاة، ورغم ذلك فهو أوسع من السماوات والأرض، بل إن السماوات السبع لا تتجاوز حجم الدرهم في وسط الترس بالنسبة للكرسي، ومع ذلك فإن الله مطلع على خلقه، محيط علمه بهم، لا تعزب عنه مثقال ذرة في السماوات أو في الأرض، فتبارك الله الملك الحق المبين.

تابع تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليالي ندرس كتاب الله جل جلاله وعظم سلطانه، وها نحن مع آية الكرسي وبعدها آيتان. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:255-256].

عظمة آية الكرسي وفضل قراءتها

معاشر المستمعين! آية الكرسي عرفنا أنها أعظم آية في كتاب الله، ولعلكم تذكرون ذلك السؤال من رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بن كعب ، وكان من حفظة القرآن، فقال له: ( أي آية في كتاب الله أعظم يا أبا المنذر ؟! قال: آية الكرسي، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر ! ). وعرفتم أن آية الكرسي من واظب عليها وحافظ على قراءتها بعد كل صلاة فريضة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أنه ما مات، المانع له الموت، لو جاء لدخل الجنة، وهذا الحديث حسن وعمل به الصالحون، ولن يكون من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا يقول هذا إلا من يوحى إليه ويتلقى العلم من ربه.

أسماء الله تعالى الحسنى وكيفية إدراك الاسم الأعظم

وقوله تعالى في الجملة الأولى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] مقتضى الخبر: أن الله تعالى أخبرنا عن نفسه أنه لا إله إلا هو، وعرفنا أن لفظ الجلالة (الله) علم على ذاته عز وجل، إذ كل ذات يوضع لها اسم تعرف به، ما ذات من الذوات حتى في غير الأحياء إلا ولها اسم، كشجرة الزيتون، لا بد من اسم تعرف به.فالله عز وجل له مائة اسم إلا اسماً واحداً، وأعظمها: (الله)، وقد ورد وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من سأل الله باسمه الأعظم لا ترد له دعوة، وأخفى الله هذا من أجل أن يدعوه عباده بكل أسمائه، إذ لو عرف المسلمون الاسم الأعظم لتركوا الدعاء بكل الأسماء، ولم يأخذوا إلا بالاسم الأعظم.ونظير هذا الساعة التي في يوم الجمعة، لا يوافقها عبد يصلي فيسأل الله تعالى فيها شيئاً إلا أعطاه، هذه الساعة لم تضبط، هل هي بعد العصر، هل هي بعد الظهر، هل هي في الضحى؛ من أجل أن يطلبها الراشدون والراغبون في الخير، يطلبونها في كامل النهار، إذ لو ضبطت أنها بعد العصر بساعة لظفر بها كل الناس، وسيعطلون الوقت الآخر من العبادة.ونظير هذا ليلة القدر، ليلة القدر هذه الليلة خير من ألف شهر، من أقامها من أولها إلى آخرها كأنما عبد الله بثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، عمر كامل، أضاف إلى عمره عمراً آخر، وإذا ظفر بها في كل رمضان صامه فمعناه: أنه أصبحت له أعمار، إذ ورد في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم تقالَّ أعمار أمته من الستين إلى السبعين، والأمم السابقة يعيش أحدهم ثمانمائة سنة، خمسمائة سنة، سبعمائة، فأعطاه الله هذه الليلة، نصوم رمضان ونقوم ليله كل عام فيسجل لنا ثلاث وثمانون سنة، يصبح أحدنا إذ صام أربعين أو خمسين رمضان وشهد ليلة القدر قد صار له آلاف السنين من عمره!

استحقاق الله تعالى العبادة وحده


إذاً: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] هل عرفنا معنى: لا إله إلا هو؟ معناها: لا معبود بحق يستحق أن يعبد إلا الله؛ لماذا؟ هل هذا احتكار، هل هذا تحجير، هل هذا تعصب؟ الجواب: لا؛ إذ لا يوجد من خلقنا وخلق الحياة لنا إلا هو، فلا يعبد إلا هو، فلا معبود بحق إلا هو، وهذا الحق الذي يستحق به العبادة هو أن يكون قد خلقني، وخلق هذا الكون من أجلي، حينئذ إذا كان أحد شارك الله في الخلق والإيجاد فلا بأس أن يشركه في عبادته، لكن بالاستقراء والتتبع والنظر لا تجد من خلق مع الله بعوضة فضلاً عن جمل أو إنسان، فهل من خالق غير الله؟ لا أحد.فلما كان هو الخالق لنا، والرازق لنا بإيجاد الغذاء الذي نعيش عليه، والهواء الذي نستنشقه، والماء، وعناصر الحياة هو خالقها؛ فكيف يعبد معه غيره؟ بأي حق؟! فلهذا ارفع صوتك -ولن تنقض كلمتك- وقل: لا إله إلا الله، ومن ادعى غير ذلك فليتفضل ليأت بأدلة تثبت أن غير الله إله مع الله!فمن ادعى أن عيسى عليه السلام هو الله تعالى؛ قيل له: كان الله ولم يكن عيسى، ثم رفع إلى السماء، فتبقى الحقيقة أنه: لا إله إلا الله. أما قولنا: بحق؛ فلأن الآلهة المعبودة لا حق لها، عبدت الكواكب في السماء، عبدت المياه في الأرض، عبدت البشرية، عبدت حتى الفروج كما قدمنا، لكن معبودات بدون حق، بدون موجب، بدون شرع ولا قانون، تدفن الميت وتبني على قبره وتعبده؟ أنت الذي دفنته، فكيف تناديه وتستغيث به وتسأله حاجتك؟ إذاً: تقرر بقوله: لا إله إلا هو أنه لا ينبغي أن يعبد مع الله أحد، واصرخ بها وصرح: لا إله إلا الله!

حياة الله تعالى الكاملة وقيوميته على خلقه

وقوله: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] سائر أنواع الحياة هو واهبها، حتى حياتي هذه هل أنا أوجدتها؟ من أهدانيها وأعطانيها غيره؟ كل حي بيننا وفينا وفي العوالم العلوية والسفلية من وهبه حياته؟ إنه الله.إذاً: فما دام يهب الحياة ويعطيها فلن يكون إلا حياً، وهل ميت يعطي شيئاً؟ وحياته تختلف عن حياة مخلوقاته، فهو الحي حياة لم يسبقها موت، فنحن قبل مائة سنة ما كان واحد منا موجوداً، حياة الله حياة كاملة تامة، لا تسبق بعدم، ولا يأتي بعدها أو يلحقها موت وانقطاع، هذه هي الحياة الحقة. والقيوم: القائم على كل الأكوان، يديرها ويدبرها، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يرفع ويضع، كل الكون من يديره؟ من يقوم عليه؟ الله. فهل عثرت البشرية على قيوم مع الله يدير كوكباً فقط في السماء؟ فهو تعالى الحي الدائم الحياة، القيوم على كل المخلوقات، لولا قيوميته لارتطمت الحياة وتمزقت من آلاف السنين!

انتفاء السنة والنوم عن الله عز وجل

ثالثاً: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] فلهذا هو تعالى منزه عن صفات المخلوقين، لا تأخذه سنة يعني: نعاس، مقدمة النوم، إذ لو كان ينام لخرب العالم.إذاً: بهذا أصبح الإله الحق، ومن عدا الله ينام وتأخذه السنة، فليس -إذاً- كمخلوقاته.

اختصاص الله تعالى بملك ما في السموات والأرض

رابعاً: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] هذه اللام لام الملك، فهذا المسجد لمن؟ لله، وتلك السواري لمن؟ لله، له ما هو موجود في السماوات والأرض، فهذا البيت الذي تملكه كنت أنت ولم يكن، وسوف تموت وتتركه، فمن مالكه إذاً؟ الله تعالى. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] ومعناه: أيها الطماعون! عليكم بالله، اطمعوا فيما عنده؛ لأنه يملك، أما أن تطمع في مخلوق وتقول: أعطني عمارة، وابن لي داراً؛ فإنه لا يستطيع، لا يملك هذا، ومن هنا يجب على القلوب كلها أن تتجه نحو الله، نقف نسأل بالبلايين من البشر وكلمتنا كلها: اللهم، ما هناك إلا هو؛ لأن له ما في السماوات وما في الأرض من الذرة إلى المجرة، إلى السماوات السبع إلى دار السلام، لا يخرج شيء عن ملك الله سبحانه وتعالى، كل شيء مملوك لله تعالى.فمن أراد شيئاً فليتملق إليه وليتزلفه، يناديه بأسمائه وصفاته، يسجد له بين يديه، يكثر من ذكره، هكذا حتى يسترضيه، أما غير الله فلا يملك شيئاً.له ما في السماوات من كائنات وما في الأرض من نباتات وحيوانات ومياه وجبال، الكل له، فلا تطلبن -بني- شيئاً من غير الله، فإنه لا أحد يملك شيئاً إلا الله.

امتناع الشفاعة يوم القيامة بغير إذن الله تعالى


خامساً: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]؟ الجواب: لا أحد، فهذا الاستفهام بمعنى: النفي، وهنا نكرر الكلام في الشفاعة لنكون منها على علم.الشفاعة بمعنى: الوساطة، فلان يشفع له فلان عند الغني الفلاني أو الحاكم الفلاني ليقضي حاجته، يشفع نفسه بآخر، يصبح شفعاً أو زوجاً.ينفي تعالى أن يكون يوم القيامة من يشفع في أبيه أو أمه أو أخيه أو قريب أو بعيد بدون إذن الله تعالى نفياً كاملاً، والله العظيم! لا يوجد من يشفع يوم القيامة في أي كائن بدون أن يأذن الله له.والعوام يقولون: يا رسول الله! الشفاعة، اشفع لنا يا رسول الله. وهذا السؤال باطل، اسألوا الله: اللهم شفع فينا نبيك، اللهم اجعلنا ممن يشفع فيهم نبيك. أما أن تقول: يا رسول الله! الشفاعة؛ فهو لا يملك هذا.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 07-08-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم

وقد ذكرنا الشفاعة العظمى، وتقرر عندنا أنها لا يستطيعها أحد من الأنبياء والرسل سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد امتنع عنها آدم، وامتنع عنها نوح، وامتنع عنها إبراهيم، وامتنع عنها عيسى، ولما انتهوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا لها! )، فكيف عرف أنه لها؟ لأن الله تعالى أعلمه، جاء من سورة بني إسرائيل أو الإسراء قول الله تعالى له: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] رجاء أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، و(عسى) من الله تفيد التحقيق، فمن هنا فحين تأتي البشرية تطلب إليه أن يشفع لها يقول: ( أنا لها )، لكن كيف شفع؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( فآتي تحت العرش فأخر ساجداً، ويلهمني ربي تعالى محامد لم أكن أعرفها، فيقول لي: يا محمد! ارفع رأسك، واشفع تشفع )، فماذا تسمى هذه الشفاعة؟ تسمى الشفاعة العظمى لفصل القضاء والحساب بين البشرية وهي في صعيد واحد، ثم ورد أن أهل القرآن حفظته العاملين به يشفعون في أقربائهم، يأذن الله لهم، وعرفنا أن شهيد المعركة يشفعه الله فيمن شاء، ويشفع الأنبياء والرسل والصالحين، لكن كيف يشفعهم؟ هل يأتي سيدي عبد القادر يقول: يا رب! هؤلاء مريدي وإخواني، أدخلهم الجنة؟! والله! ما يستطيع أن يتكلم، ومن يقوى على أن يتكلم؟ إذاً: إذا أراد الله عز وجل إكرام عبده قال: يا فلان! اشفع في فلان، وفلان المشفوع له كان قد رضي عنه، وقبله في جواره، وإنما ليرفع من مقدارك ويعلي من قيمتك، فيقول لك: اشفع في فلان، وهو قد رضي به أن يدخل الجنة.والآية التي توضح هذا من سورة النجم: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [النجم:26] أن يشفع وَيَرْضَى [النجم:26] في المشفوع له، هذه القاعدة، لا يستطيع أحد في عرصات القيامة أن يقول: هذا أبي يا رب فأدخله الجنة، أو: هذه والدتي البارة الصالحة أدخلها الجنة، فيقول الله تعالى: نعم. وإنما الله تعالى هو الذي يمن على عبده الصالح، فيقول: أي عبدي! اشفع في فلان وفلان وفلان، أو أخرج أباك من النار، عطاء الله وفضله، إلا أن الشافع هذا له درجة ومنزلة، فلو لم يكن من أولياء الله وصالحي عباده لما يشفع.والشفاعة النبوية المحمدية متعددة: يشفع في أناس دخلوا النار فيخرجون من النار ويدخلون الجنة بإذن الله تعالى، ويشفع في أناس درجتهم هابطة، يشفع فيهم فيرتفعون درجات عالية، فللنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات أكرمه الله تعالى بها، نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء.أما أنت فمن الجائز أن تكون عبداً صالحاً، ويشفعك الله في أمك؛ لأنها كانت مؤمنة بارة صالحة، ونقص ميزانها؛ فيشفعك فيها فتشفع، فتقول: أمي! ادخلي الجنة. أذن الله لك؛ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]؟ الجواب: لا أحد.

معنى قوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء)


ثامناً وتاسعاً: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255] من هم هؤلاء؟ الكائنات كلها يعلم ماضيها ومستقبلها وحاضرها، أنا الآن قد أعرف ما أمامي، لكن ما ورائي لا أعرفه، الآن لا أدري ما ورائي، فعلم الله يحيط بكل الكائنات، ما هناك جانب ما يرى الله فيه أحداً حيث يكون بإمكانك أن تختبئ فيه، يعلم ما بين يدي خلقه وما خلفهم، بمعنى: لا يعزب عنه مثقال ذرة، لا تفكر أنك تختفي عن الله، أو تخفي شيئاً.هذه الجملة فاصلة في هذا الباب، إذاً: فانتبه، ولا تحاول أن تخفي شيئاً من أعمالك عن الله عز وجل، بخلاف الآلهة الأخرى المعبودة، فإن علموا ما في اليوم فإنهم لا يعلمون ما في غد، إن يعلموا ما أمامنا فإنهم لا يعرفون ما وراءنا، فكيف يعبدون مع الله ويؤلهون؟ هذه آية الكرسي: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ [البقرة:255] وإن قل مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255]، نحن الآن نعلم شيئاً كثيراً بإذنه، هو الذي علمنا سورة الفاتحة فحفظناها، علمنا هذه الآية فتلوناها، علمنا كيف نغرس الشجرة، أو كيف نحصد الزرع، فهو عز وجل أحاط بكل شيء علماً، وعباده من الملائكة والإنس والجن لا يحيطون بشيء -وإن قل- من علمه إلا بما شاء هو أن يطلعهم عليه ويعلمهم إياه، أما استقلالاً فلا والله.

معنى قوله تعالى: (وسع كرسيه السموات والأرض)

عاشراً: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] من أهل العلم من يقول: وسع علمه السماوات والأرض. ولا داعي إلى هذا التأويل، لو كان النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذا وقال لأصحابه أو لـعلي أو لـفاطمة أو لـعائشة مثلاً: كرسي الله علمه؛ لقلنا: آمنا بالله، لكن ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفسر الكرسي بالعلم فكيف نقول: وسع علمه السماوات والأرض؟ نعم يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255].فالكرسي يقول فيه عبد الله بن عباس تلميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لو أخذنا السماوات السبع ومزقناها وألصقنا قطعة بقطعة والأرضين كذلك وأصبحت رقعة واحدة، ووضعنا الكرسي عليها لما وسعته! آمنا بالله. وأما العرش فسرير الملك، فنسبة الكرسي إلى العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، ولكيلا تندهش أقول: أغمض عينيك وفكر في أنك هابط إلى الأسفل، فبعد مليون سنة إلى أين تصل؟ تقول: لا أشعر، ما أعرف، ولولا أن العرش فوقنا لقلنا: وبعد العرش ما هو أيضاً؟ فحالنا كحال جنين في بطن أمه، فلو تتصل بهذا الجنين وتقول: أيها المسكين! أنت في ظلمة، أنت في ضيق، فلو خرجت من بطن أمك؛ لكان يقول: هاه! ويسخر منك، يقول: أين هذا؟ الدنيا كلها في ذلك الرحم، لا يرى إلا ذلك، فنحن الآن محصورون في هذه الكرة كأننا في رحم، لا نشاهد الانطلاقة الواسعة إلا إذا فاضت أرواحنا.فمن هنا قال تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255]، والكرسي ليس مثل هذا الذي أنا جالس عليه ونسميه كرسياً، هذا ليس المراد بقول الله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ [البقرة:255]، إنما قالت العلماء: قال أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم: الكرسي موضع قدمي الملك، السرير يجلس عليه الملك ويدلي رجليه، فيوضع له كرسي يضع قدميه عليه، فبهذا فسر ابن عباس الكرسي: موضع القدمين، هو على عرشه سرير ملكه، ويضع قدميه على ذلك الجزء المسمى بالكرسي.والعرش: السرير، كما قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقد كان الله ولم يكن شيء، فيا عبد الله! أين يذهب بعقولنا؟! كيف نحصر هذه العوالم وما وراءها؟ عجزت العقول عن التفكير والإدراك، طاقاتنا محدودة، ما نستطيع أن ندرك إلا ما أعطانا الله القدرة عليه، فقد قلت: صوتك أنت كم ميلاً تسمع به؟ بصرك كم ميلاً تبصر به؟ عقلك كذلك يدرك أشياء ويعجز عن غيرها، وهناك أشياء ما نبصرها وهي معنا كالهواء؛ لضعفنا وعدم قدرتنا، إذاً: لا يسعنا إلا أن نقول: آمنا بالله .. آمنا بالله! ونمسك بلحانا إن كان لنا لحى، فيا أيها الحالقون من أبنائنا! أعفوا لحاكم، ائتسوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت لكم أنه لما كان جالساً يعلم أصحابه أوحي إليه ( أن رجلاً من بني إسرائيل كان يركب على بقرة )، والبقرة عندنا نحن الفلاحين ما نركب عليها، نحرث عليها أو نسقي بها الماء، ( فرفعت رأسها إليه وقالت: ما لهذا خلقت! فلما وصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بلحيته فوراً وقال: آمنت به، آمنت به، آمنت به ). بقرة تنطق وتقول لراكبها: ما لهذا خلقت! فقد خلقت للحرث والسقي لا للركوب عليها، وكان أبو بكر وعمر غائبين عن المجلس، فقال: ( وآمن أبو بكر وعمر ) ثقة في إيمانهما، وهو كذلك.


معنى قوله تعالى: (ولا يئوده حفظهما)

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255] ما معنى: ولا يئود الله حفظهما؟ أي: لا يثقله ولا يعجزه حفظ السماوات والأرض، لولا أنه حافظ لهما لتبخرتا من ملايين السنين، هذه الشمس كم لها؟ لم ما تبعثرت وثقلت وهي نار، لم ما احترقت وشاهدنا الدخان يملأ الكون؟! إذاً: ولا يثقله أو يعجزه حفظ السماوات والأرض، الكل محفوظ بحفظه عز وجل، فأبشروا؛ فمن مات منكم ودخل الجنة فسوف يرى وجه الرحمن عز وجل؛ لأن الأبصار يومئذ ليست كهذه المخلوقة خلقاً مؤقتاً لخمسين وسبعين وثمانين سنة وتعمى، بل مخلوقة خلقاً أبدياً، فلهذا: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، وجوه يومئذ مشرقة، إلى ربها ناظرة، يزيل الحجاب عن وجهه، ويسلم عليهم، واقرءوا من سورة يس: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58] ما هو بسلام بالكتاب والواسطة، سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]، ولم يذق أهل الجنة طعاماً ولا شراباً يدخل عليهم سروراً وبهجة كسرور نظرتهم إلى وجه الله عز وجل، يغمرهم فرح لا حد له لرؤية الله عز وجل.

معنى قوله تعالى: (وهو العلي العظيم)

وأخيراً يقول تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] هل هناك من هو أعلى من الله؟ والله! ما كان، هو العلي الأعلى، والخلق كله دونه، وهو العظيم، وكيف تعرفون عظمة الله؟إنه إذا تكلم الله بالكلمة فإن الملائكة يغمى عليهم، مع أن منهم جبريل الذي سد الأفق بأجنحته! واقرءوا قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23] هذه جاءت تعقيباً على آية الشفاعة: وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]. حيث يقول تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [سبأ:22] تفضلوا، اسألوهم المال والولد والحياة الطويلة. لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:22]، والذي لا يملك مثقال وزن ذرة هل تقول له: أعطني ولداً، أو زوجني امرأة، أو رقني في وظيفة؟! لا يملك مثقال ذرة، والله! لا يملكون مثقال ذرة، إذاً: ما الفائدة من دعائهم؟ أنلعب؟ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ [سبأ:22]، وليس لآلهتكم من شرك مع الله لا بالخمس ولا بواحد في المائة ولا بواحد في المليون أبداً، لا يوجد إله من آلهة الباطل يملك بالشركة مع الله ولو بواحد من مليار، إذاً: كيف نطلبهم، من أين يعطوننا؟ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22]، هذه أخرى: لا يوجد من الآلهة المزعومة من هو ظهير لله يستعين الله به أو يعتز به أو يساعده أو يقوم معه فيجوز له حينئذ أن يشفع لنا عنده، وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22] من معين كوزير وما إلى ذلك، فكيف ندعوهم إذاً؟ثم قال تعالى: وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23].

وقفة مع آيات سورة سبأ العائبة على المشركين دعوتهم آلهتهم

هذه الآيات ينبغي أن نعنى بها، هذه من سورة سبأ بين الأحزاب وفاطر اسمعوها وتأملوا، وفيها يقول تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، نحن منهم إن شاء الله، وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ [سبأ:21] ما ساق الناس إلى المقاهي بالعصا، اعلموا أن الشيطان لا يملك قوة يدفعك بها إلى المعصية، والله! ما يستطيع، ما هو إلا الوسوسة والتزيين.ونستطرد معاشر المستمعين والمستمعات فنقول: إبليس عليه لعائن الله في جهنم يخطب خطبة عجيبة، ويوضع له أفخم سرادق ما عرفه الملوك والوزراء، ويجلس عليه ويخطب، وخطبته -والله- بالحرف الواحد عندنا، سبحان الله! من أين أتانا هذا؟ اقرءوا من سورة إبراهيم: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ [إبراهيم:22] وانتهى كل شيء ودخلوا النار، وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم:22]، وهذه الجملة الأولى، وهو والله صادق، إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22] لا قدرة ولا طاقة عندي أبداً، لا عصا ولا شهاب، إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22] قلت تعالوا فجئتم تهرعون، إذاً: فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22]، وأخيراً: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22] فأنا أستغيث وأنتم لا تغيثونني، وتستغيثون وأنا لا أغيثكم، كلنا في هذا العالم الشقي، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22].فهل سمعتم أن خطبة مسجلة لإبليس تستطيع البشرية أن تحضرها وتأتي بها؟ أتصل عقول البشر إلى هذا؟ فقولوا: الحمد لله على كتابه الذي أنزله إلينا. فإبليس يوضع له سرادق في النار وأهل النار بالمليارات يسمعون الخطبة للزعيم اليوم، وقد سمعتموها بالحرف الواحد.وفي هذه السورة الكريمة -سورة سبأ- يقول تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سبأ:20-21].ثم تبدأ آية الشفاعة: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [سبأ:22] الله تعالى يأمر رسوله أن يقول للمشركين: يا معشر المشركين! ادعوا واطلبوا واستغيثوا بمن زعمتم أنهم آلهة من دون الله، ادعوهم.ثم قال لهم: لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:22] كيف ندعو من لا يملك شيئاً؟ أمجنون أنا؟ آتي إلى خربة ما فيها إنسان ولا طعام وأصيح عند الباب: يا أهل البيت! أطعموني؟ فهؤلاء الذين دعوهم يقال لهم: اعلموا أنهم لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:22] فيطعونكم.ثالثاً: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ [سبأ:22]، وليس لآلهتكم شرك في السماوات أو في الأرض ولا واحد من المائة أو المليار، هل يوجد ولي له شرك في الملكوت، له منطقة خاصة به، أو عنده ربع مع الله أو ثمن أو سدس؟ والله! لا وجود لهذا. وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22] وآلهتكم الذين لا يملكون شيئاً لا يوجد إله واحد منهم الله في حاجة إليه اتخذه وزيراً له أو ظهيراً يستنصر به ويعينه، وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22]، إذاً: كيف تدعونهم؟ لو كانوا يملكون لأعطوكم مما يملكون، لو كان منهم الظهراء والوزراء فسيشفعون لكم، فكيف إذاً تدعونهم؟ بأي حق؟ثم ختم هذا بقوله: وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ:23] زال ذلك الرعب، قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]، الملائكة تضرب بأجنحتها تخفق ثم تفيق بعد فترة لا ندري كم هي، يقول بعضهم لبعض: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ [سبأ:23]؟ أجيبونا، قَالُوا الْحَقَّ [سبأ:23] وهو قطعاً لا يقول إلا الحق، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23].وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 07-08-2020, 03:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (26)
الحلقة (33)




تفسير سورة البقرة (122)


لما انتشر الإسلام وقويت شوكته صار المسلمون يخشى جانبهم من قبل اليهود والنصارى ممن هم حولهم في الجزيرة، فأراد نفر من المؤمنين إلزام قرابتهم ممن تهود أو تنصر قبل الإسلام بالدخول في الإسلام كرهاً، فأنزل الله عز وجل أمره لهم بعدم إلزام أحد من الكتابيين بالدخول في الإسلام، مبيناً لهم أن الحق واضح وأن الضلال بيّن، وأنه يكفي المؤمنين ولاية الله عز وجل لهم، وافتقار الكافرين إلى هذه الولاية، واستحقاقهم للنار وغضب الجبار.

قراءة في تفسير آية الكرسي من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء يا ربنا ورب العالمين.وها نحن مع هاتين الآيتين الكريمتين من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:256-257].قبل دراستنا لهاتين الآيتين نقرأ هداية الآية الكريمة التي هي آية الكرسي.

هداية الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية:أولاً: أنها أعظم آية في كتاب الله تعالى ]، ولا تتردد في هذا، فهي أعظم آية في كتاب الله عز وجل، [ وقد اشتملت على ثمانية عشر اسماً لله تعالى ما بين ظاهر ومضمر ]، آية واحدة اشتملت على ثمانية عشر اسماً من أسماء الله تعالى، بعضها مضمر وبعضها ظاهر، [ وكلماتها خمسون كلمة، وجملها عشر جمل كلها ناطقة بربوبيته تعالى وبألوهيته وبأسمائه وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه.ثانياً: تستحب قراءتها بعد الصلاة المكتوبة، وعند النوم، وفي البيوت لطرد الشيطان ].تستحب قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة، وهي الصلوات الخمس، وعند النوم، وفي البيوت، فحين تدخل بيتك اقرأ آية الكرسي فتطرد الشياطين من بيتك، ولن تستطيع بعد قراءتها لطرد الشياطين أن تفتح الفيديو وتشاهد العاهرات يغنين، ما تقوى على هذا، ما تستطيع ما دمت تريد أن تطهر بيتك من الشياطين فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] ترفع صوتك وأنت في بيتك فما يبقى مجال للشياطين أن يدفعوك إلى أن تشاهد عواهر النساء وظلمة الرجال وكفارهم.إذاً: الحمد لله الذي رزقنا هذا النور وجعلنا من أهل آية الكرسي نتلوها دبر الصلوات الخمس، وعند النوم، ونتلوها في البيوت، فالحمد لله.

تفسير قوله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ...)

والآن مع هاتين الآيتين الكريمتين:قال تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] هذا خبر ومعناه: الإنشاء، أي: لا تكرهوا أحداً على الدخول في الدين، كقوله: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233]، خبر ولكن معناه الإنشاء، أي: على الوالدات أن يرضعن أولادهن، جملة خبرية ومعناها إنشائي.

سبب نزول الآية


وسبب نزول هذه الآية: أن سكان المدينة النبوية تنصر أو تهود أفراد منهم، فلما دخل آباؤهم وإخوانهم في الإسلام أرادوا أن يكرهوهم بالعصا على أن يدخلوا في الإسلام، وقد أصبحوا يهوداً من فترة أو نصارى، فنزلت هذه الآية الكريمة تقول: لا تكرهوهم على الدخول في الإسلام، إن دخلوا بإراداتهم واختيارهم ورغبتهم فذاك، وإن أبوا إلا اليهودية أو النصرانية فاتركوهم. لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]؛ إذ أنزل الله كتابه ورسوله ونصر دينه وأولياءه وطلعت الشمس واتضح النهار وعرف الحق، إذاً: فما هناك حاجة إلى الإكراه، فالذي يتأمل أصول هذا الدين وفروعه وشرائعه وما يحويه من الهدى والنور يدخل في الإسلام بدون عصا أو كرباج كما يقولون.

خلاف الفقهاء في شمول الآية الكريمة غير أهل الكتاب

وهنا اختلف أهل العلم: هل هذا عام في اليهود والنصارى وفي غيرهم من المشركين؟الجمهور على أن هذا خاص بأهل الذمة اليهود والنصارى أهل الكتاب، وقد علمتم يقيناً أنه يوجد يهود أو نصارى في بلاد المسلمين ولا يكرهون على الدخول في الإسلام، ولا يؤمرون بصلاة ولا زكاة ولا غسل من جنابة، ولا يسمح لهم بأن يرابطوا في ثغورنا ولا أن يحملوا السلاح معنا؛ لأنهم كالأموات لا قيمة لهم، ميت وتقول له: صل! أين يذهب بعقلك؟ ميت تقول له: زك، لماذا يزكي؟ نفسه خبيثة منتنة بأوضار الشرك والكفر، ما يزكيها شيء ولو أنفق ماله كله.وأما المشركون الكافرون فالجمهور على أنهم يقاتلون حتى يدخلوا في الإسلام، ومالك رحمه الله يرى أنهم لا يلجئون إلى الدخول في الإسلام بالقوة، وقد يؤخذ برأي مالك في بعض الظروف، وهذا خارج الجزيرة، أما قبة الإسلام وبيضته هذه الديار فلا يجتمع فيها دينان ولا يبقى فيها مشرك ولا كافر، وإليكم نص الآية الكريمة التي يفهم منها هذا: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:1-3]، إذاً: أعطاهم فرصة أربعة أشهر: اذهبوا إلى الشرق إلى الغرب أو ادخلوا في الإسلام، فإذا انقضت الأشهر الأربعة وجب قتالكم، أو تدخلون في الإسلام، إذ قال تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]؛ لأن وفاة الرسول أصبحت على الأبواب قريبة جداً، هذه السورة من آخر ما نزل.إذاً: ولا يموت الرسول صلى الله عليه وسلم وفي دار الإسلام كفر وشرك وكافرون ومشركون، أما خارج الجزيرة فالأمر واسع، فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ [التوبة:5]، أعطاهم مدة أربعة أشهر، يلتحق بالأحباش.. يلتحق بفارس.. يلتحق بالروم، يدخل في الإسلام، أما أن يبقى كافراً في دار الإسلام فلا، ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب )؛ لأنها قبة الإسلام وبيضته.

خطوات ومراحل قتال المشركين

إذاً: خلاصة ما عرفنا: أن أهل الذمة من اليهود والنصارى لا نكرههم على الدخول في الإسلام؛ لأن الله تعالى قال في هذه السورة من آخرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التوبة:123] لبيك اللهم لبيك. قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، هذا أمر الله للمؤمنين، ناداهم ثم أمرهم: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]، يلون دياركم وبلادكم، قاتلنا الروم في الشام فتصبح حدودنا أوروبا فندخل إليها. ولهذا مثل: بركة أو بحيرة ماء حين تلقي فيها حجراً تنفتح فيها دائرة وتأخذ في الاتساع حتى تصل إلى أطراف ذلك الحوض أو البركة، فهذا النور الإلهي وهذه الرحمة الربانية لا تحرمها البشرية، ومن أجلهم نزلت لأنهم عبيد الله، فلا يصح أبداً أن نتركهم تعبث بهم الشياطين من عقول هابطة وأفكار فاسدة بالظلم والخبث والشر والفساد، ومصيرهم بعد هذا البلاء والشقاء إلى عالم الخلد في عذاب الله أبداً، فرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما جاءت إلا لإنقاذ البشرية.إذاً: كلما دخل إقليم في الإسلام فحدودنا وراءه، سنعسكر سواء غزونا من طريق البر أو البحر، نعسكر ونراسل أهل الإقليم: تدخلون في الإسلام فتنقذون أنفسكم من الشقاء والبلاء والفتن والهون والدون والظلم والخبث والشر والفساد، وتنقذون أنفسكم من عذاب النار يوم القيامة، فإن قالوا: مرحباً وأهلاً وسهلاً؛ دخل رجالنا ووضعوا محاكم وأخذوا يعلمون ويهدون تلك الأمة، وتمر فترة من الزمن وكلهم أولياء الله، لا كذب.. لا خيانة.. لا خمر.. لا زنا.. لا فجور، كالملائكة.فإن رفضوا نقول لهم: لتسمحوا لنا أن ندخل، نحن نتكلم مع الملك أو الحاكم وجيشه، والأمة المسكينة ما ذنبها، فاسمحوا لنا أن ندخل لتعليم هذه البشرية سبيل نجاتها وسلم كمالها ورقيها، فإن قالوا: لا بأس؛ دخلنا وأخذنا نعلم ونربي ونوجه، ما هي إلا أيام -ولا أقول: أعوام- وإذا بالناس يدخلون في رحمة الله أفواجاً؛ لما يشاهدون من الطهر والصفاء والكمال البشري الذي ما كانوا يحلمون به؛ لأن حاملي هذه الرسالة كالملائكة في صفاء أرواحهم وفي تهذيب نفوسهم وزكاة آدابهم، بالنظر إليهم يجذبونك فتقتدي بهم، ما هي إلا فترة وقد دخلوا في الإسلام.فإن رفضوا فالثالثة: القتال حتى يدخلهم الله في رحمته، فتستقبل الجيوش الجيوش كرة وكرتين ويومين وثلاثة شهر حتى ينهزم الكفر والكافرون ويدخل المؤمنون بصلاتهم بأنوارهم بكلامهم الطيب بعدلهم برحمتهم فيتدفق الناس على الإسلام ويدخلون فيه.فلما غزونا أفريقيا والأندلس والشام والعراق هل هناك من أجبر على الإسلام بالعصا؟ والله! لا أحد أبداً، بل كان ينهزم الجيش الكافر فيدخل المسلمون فيشاهد الناس صلاتهم واستقامتهم وابتساماتهم فيدخلون في رحمة الله، فما لهم الآن لا يدخلون؟ لأنهم ما شاهدوا أنوار الإسلام، لو شاهدوا الطهر والصفاء والرحمة والمودة والإخاء في العالم الإسلامي؛ حيث أمرهم واحد على لا إله إلا الله، وغايتهم واحدة؛ لتدفقوا في بلاد الإسلام ودخلوا في رحمة الله، ولكن -مع الأسف- هم الذين مزقونا وفرقونا وشتتونا وأقعدونا عن الكمال ليحرموا هم أيضاً ويدخلوا جهنم، أيديهم هي التي فعلت بالمسلمين هذا حتى يحرموا من رحمة الله ويعيشوا على الخبث والدمار، وفي النهاية إلى مصير العياذ بالله منه.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 07-08-2020, 03:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الموقف من أهل الكتاب والمشركين والمرتدين

إذاً: فنقول: خلاصة القول: أن الجزيرة لا يبقى فيها دين إلا الإسلام، ومن لم يرد الإسلام فليرحل ولييخرج منها، لا يبقى فيها، وأهل الذمة إذا حكمناهم ودخلوا في ظل راية لا إله إلا الله لا يكرهون على الدخول في الدين أبداً، يبقون على مسيحيتهم أو يهوديتهم حتى يشاء الله رحمتهم ودخولهم في الإسلام، والمشركون هل نواصل قتالهم ولا نقبل لهم ذمة ولا يبقون في ذمتنا؟الجمهور على ذلك، ومالك يقول: نعاملهم معاملة أهل الكتاب. وهذا قد يستفاد منه في ظروف خاصة حيث يعجز المسلمون حين تحدث أحداث فيأخذون بهذه الفتيا. فلا إكراه في الدين، ومن ارتد من المسلمين فإنه يستتاب ثلاثة أيام، يقال له: ترجع إلى دين الله أم لا؟ فإن رفض قتل كافراً ولا يحل بقاؤه بيننا أبداً، لا يقاس على اليهودي والنصراني؛ لأنه أسلم وارتد، إذاً: جزاؤه القتل، ولكن يطلب منه الرجوع والندم والعودة ثلاثة أيام متتالية، يحضر في المحكمة ويبقى هناك محبوساً، فإن أصر على ردته وخروجه من الإسلام وتنصر أو تهود أو تبلشف فإنه يقتل بحكم الله عز وجل وقضائه. لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]، الرشد: الهدى والنور بنزول الكتاب وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تبين الغي وعرف الشرك والجهل والظلم والخبث، اتضح هذا وهذا، فلا معنى إذاً للإكراه على الدين.


معنى قوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ...)

ثم قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ [البقرة:256]، ما الطاغوت هذا؟لفظ الطاغوت والطاغية والطاغي من: طغى الشيء: إذا ارتفع، فالصنم يعبد، ارتفع وطغى وأصبح إلهاً يعبد، والرجل يعبد ويقدسه الناس ويعبدونه حيث ارتفع وطغى، أصبح كالإله إذاً، فلهذا كل ما عبد ويعبد من دون الله سمه طاغوتاً من الطغيان، وهو الارتفاع والتكبر والعلو، إذاً: كل ما عبد من دون الله من سائر الألهة والأهواء هو طاغوت.إذاً: عباد الله، أيها الناس! اعلموا أن من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فيقول: لا إله ثم يقول: إلا الله، يقول: (لا إله حق) فيحطم كل الآلهة الباطلة، ثم يقول: (إلا الله)، كفر بالطاغوت ثم آمن بالله؛ ولهذا يقول الحكماء: التخلية تجب قبل التحلية، أنت عليك أوساخ في بدنك من عملك، فلا تأتي وتلبس ثيابك الجميلة وتتضمخ بالطيب وعليك الأوساخ، خطأ هذا ما ينفعك، أولاً: اغسل بدنك بالماء والسدر والصابون، وحين يطهر جسمك وينظف البس الثياب النظيفة وتطيب بالطيب، أما وعليك أوساخ وتلبس فما ينفع.إذاً: تخل أولاً عن الأوساخ والأدناس وتطيب بعد ذلك بالطيب، أولاً: اكفر بكل الآلهة الباطلة وقل: (لا إله) أعترف به أبداً، ثم قل: (إلا الله) فذلك إلهي الحق الذي أذل له وأخضع وأعبده بما أمرني أن أعبد، هذا معنى: التخلية قبل التحلية، تخل عن المسكرات وبعد ذلك خذ الأوراد والأذكار، أما وأنت قائم على المعاصي وتقول: أعطوني ورداً أذكر الله به فما ينفع، فالتخلية قبل التحلية؛ لأن الله تعالى قال وقوله الحق: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ [البقرة:256] أولاً وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة:256] ثانياً؛ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، والعروة معروفة، واستمسك بها: أمسكها، فلن يسقط أبداً في النار.

ذكر رؤيا عبد الله بن سلام في استمساكه بالعروة الوثقى

هذه الآية يفسرها ما روي: أن عبد الله بن سلام حبر اليهود رضي الله عنه وأرضاه رأى رؤيا منامية وأخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه، ماذا رأى؟ رأى أنه تحت دوحة خضراء، وهذه الدوحة الخضراء في وسطها عمود إلى السماء مرتفع، وفي رأسه عروة، وعبد الله بن سلام متمسك بتلك العروة، ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم بأن تلك الدوحة الإسلام، والعروة: لا إله إلا الله، فأنت مبشر بالجنة، فأصبح أهل المدينة إذا مروا بـابن سلام يقولون: هذا من أهل الجنة ولا يشكون.إذاً: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256] التي لا تنحل ولا تسقط يا عبد الله منها، لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ [البقرة:256] لأقوال عباده، عَلِيمٌ [البقرة:256] بأحوالهم وأمورهم، فليخش وليتق، ولنؤمن بهداية الله لمن شاء هدايته، وإضلال الله لمن شاء إضلاله لواسع علمه وقدرته ولسمعه لكل أشياء الكون، فلا يخفى عليه شيء.

ذكر بعض ما اشتملت عليه الآية الكريمة من الأحكام

هذه الآية الأولى عرفنا منها أنه لا يكره أحد على أن يدخل في الإسلام، يؤمر ويوجه وينصح ويدعى، أما ان تخرج المسدس وتقول: قل: لا إله إلا الله وإلا فسأقتلك؛ فهذا لا يجوز أبداً.وأما أهل الديار المشركة التي ليست ديار أهل كتاب فالجمهور على أنهم يدعون إلى الدخول في الإسلام أو يقاتلون حتى يسلموا. وهل عرفتم ما الطاغوت؟ مأخوذ من الطغيان، أما قال تعالى: لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11]؟ أي: ارتفع، فكل ما عبده الخلق من دون الله يقال فيه: طاغوت، والذي يعبد ورضي بأن يعبدوه هو طاغوت، إلا إذا أنكر عليهم ولم يقبل منهم ذلك.إذاً: من يكفر بالطاغوت أولاً فيقول: لا أؤمن بغير الله، لا أعترف بمعبود سوى الله، لا أقر أبداً أحداً على عبادة غير الله، هذا أولاً، ثم يعبد الله، أما أن يقول: أنا لا أعترف بعبادة كائن من كان إلا الله ثم لا يعبد الله؛ فما تمسك بالعروة، ما وصل إليها حتى يحقق معنى: لا إله إلا الله، لا بد أن ينفي وجود إله مع الله يعبد معه، ويعبد الله عز وجل، ولو قال: لا إله إلا الله ولم يعبد الله فهل تنفعه هذه الكلمة؟ ما تنفعه، هو كاذب كاذب كاذب.إذاً: التخلية قبل التحلية، تبرأ من كل معبود سوى الله، لا تعترف بعبادة كائن من كان إلا الله عز وجل فاعبده.

تفسير قوله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ...)

ثم قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] الله جل جلاله ولي الذين آمنوا، الذين آمنوا بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، آمنوا بلقاء الله والوقوف بين يديه للاستنطاق والاستجواب والحساب والجزاء، آمنوا بوحيه وشرعه، هؤلاء المؤمنون الله وليهم، والولاية تتحقق بشيئين: الإيمان والتقوى، وهنا ما ذكرت التقوى؛ لأنها لازمت الإيمان، والله! ما آمن عبد حق الإيمان إلا اتقى الله عز وجل، لا تتصور أن عبداً عرف الله وآمن بجلاله وكماله ثم يعيش على معصيته وعبادة غيره.
أركان الولاية
آية سورة يونس عليه السلام بينت أن ولاية الله تتحقق لمن طلبها بالإيمان والتقوى، أي: بالإيمان والعمل الصالح واجتناب الشرك والمعاصي، إذ الآية هي قوله تعالى من سورة يونس عليه السلام: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وكأن سائلاً يقول: من هم يا رب أولياؤك؟ فأجاب قائلاً: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى في الحياة الدنيا بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له، إما يراها هو قبل أن يموت أو يراها عبد آخر ويقول: رأيت لك كذا وكذا، أما البشرى التي وهو على سرير الموت فهذه البشرى في الآخرة، إذا كان الولي في سكرات الموت وأصبح لا يقوى على أن يخبر ويتكلم بما يشاهد فإنه يأتي الوفد الكريم مع ملك الموت، واسمع كلماتهم بالحرف الواحد: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] أي: قالوا: لا إله إلا الله وعبدوا الله، آمنوا وأطاعوا، قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] على دين الله لا اعوجاج ولا انحراف، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30]، بماذا؟ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، الله اجعلنا منهم.من هؤلاء؟ هل هم بنو هاشم .. بنو تميم .. البيض .. السود؟ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، والاستقامة هي أداء الواجبات والتخلي عن المحرمات، وامش في طريقك إلى دار السلام، وسر هذا معلوم، لأن العبادات تزكي النفوس وتطهرها، والبعد عن مدسيات النفس من الشرك والذنوب والمعاصي يبقي ذلك الصفاء وذلك الطهر للروح البشرية، فإذا جاءت الملائكة تقبضها تجدها طاهرة كأرواحهم، فيعرجون بها إلى الملكوت الأعلى وتفتح لها أبواب السماء، أما إذا كانت مظلمة منتنة متعفنة كأرواح الكافرين والشياطين فهذه الأرواح مستحيل أن تدخل الجنة، واقرءوا آية سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، من يدخل البعير في عين الإبرة؟ مستحيل، كذلك مستحيل على أصحاب الأرواح الخبيثة أن يدخلوا دار السلام الطاهرة، هذا حكم الله.


الولاية والفلاح في زكاة النفس والخسران في تدسيتها

وصدر حكم الله على الإنس والجن بأن من زكى نفسه بالإيمان والعمل الصالح دخل الجنة، ومن أخبثها بالشرك والمعاصي دخل النار، فقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، هذا حكم الله أقسم عليه بأعظم إقسام في كتابه: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8]، كل هذه يمين لله تعالى؛ لعظم هذا الحكم، والبشرية عمياء تقودها الشياطين إلى المصير المحتوم، إلى جهنم، إلى عالم الشقاء، وقد صدر حكم الله: قَدْ أَفْلَحَ [الشمس:9] فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة من زكى نفسه من أبيض أو أسود، في الأولين أو الآخرين؟ زكاها وطيبها وطهرها بمواد خاصة ألا وهي الإيمان والعمل الصالح، وقد خاب وخسر خسراناً أبدياً من دساها، أفرغ عليها أطنان الذنوب والآثام، حتى أصبحت منتنة عفنة كأرواح الشياطين، والله! لا تفتح لها أبواب السماء، يعرجون بها في موكب يناسبها فيستأذنون فلا يؤذن لهم، فيعودون بها إلى القبر ثم إلى المصير المحتوم في الدركات السفلى من الكون في سجين، فكيف لا تعرف البشرية هذا الحكم وقد صدر عليها؟ لأنهم كفروا بالله وكتابه ورسوله.يقول تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257] يخرجهم من ظلمات الكفر والشرك والجهل إلى نور الإيمان والعلم والمعرفة، أيما مؤمن آمن بصدق واتقى الله عز وجل أصبح عالماً ربانياً. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] من الشكوك والأوهام والهواجس والخواطر السيئة والمسالك المنتنة والفكر الهابط، كل هذه يخرجهم منها إلى نور اليقين، نور العلم.

معنى قوله تعالى: (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ...)

وفي الجانب الآخر قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:257] بمعنى: غطوا وجحدوا، جحدوا عبادة الله فما اعترفوا بها، جحدوا رسالات الله، هؤلاء الكافرون الجاحدون من أولياؤهم؟الطاغوت، والطاغوت هنا هو الأكبر وهو الشيطان، الشيطان هو أعظم طاغوت؛ لأنه هو الذي عبد من دون الله عبادة حقيقية، إذ كل من عبد كوكباً.. شجراً.. حجراً.. فرجاً هو في الحقيقة عابد للشيطان، إذ الشيطان هو الذي سول ذلك وحسنه ودفعه إليه، أما هذا الذي عبد عبد القادر فهل قال له: اعبدوني؟ والذي قال: هذه شاة سيدي عبد القادر هل الشيخ عبد القادر أمرهم بهذا؟ من أمر بهذا؟ الشيطان هو الذي عُبد. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر، من نور العلم إلى ظلمات الجهل؛ لأن الكافر أجهل الخلق، لو كان يعلم لعرف من خلقه، ومن دبر حياته، ومن قاده ويقوده إلى مصيره.والخاتم الأخير: أُوْلَئِكَ [البقرة:257] البعداء، أولئك أولياء الطاغوت أهل الكفر والشرك والجهل أَصْحَابُ النَّارِ [البقرة:257] لا يفارقونها ولا تفارقهم أبداً، وصاحبك هو الذي يلازمك أم لا؟ فمن أصحاب النار الذين لا تفارقهم ولا يفارقونها؟ أهل الشرك والكفر والعياذ بالله، أولياء الشيطان. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ [البقرة:257] لا سواهم فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]، والله! لا نهاية أبداً، خلود أبدي.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

هاتان الآيتان لهما هدايتهما، فتأملوا:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:أولاً: لا يكره أهل الكتابين ومن في حكمهم كالمجوس والصابئة ]، لا يكرهون [ على الدخول في الإسلام إلا باختيارهم، وتقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم.ثانياً: الإسلام كله رشد وما عداه ] كله [ ضلال ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ [البقرة:256] وطلعت شموسه بالكتاب والنبي المرسل والشريعة القائمة، تبين الرشد من الغي، فالإسلام كله رشد، وما عدا الإسلام ضلال من يهودية أو نصرانية أو بوذية أو صابئة، قل ما شئت من الملل الهابطة، فكله -والله- ضلال لا رشد فيه؛ لأنه لا يزكي النفس ولا يعد صاحبه للجنة؛ لأنه لا يطهر الأرواح والقلوب والعقول أبداً، فالكفار هابطون كالحيوانات.[ ثالثاً: التخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل. [ رابعاً: معنى لا إله إلا الله وهي الإيمان بالله والكفر بالطاغوت ]، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، هذا معنى لا إله إلا الله.رابعاً: ولاية الله تعالى تنال ] بماذا؟ هل بالحسب والنسب.. بالبطولات.. بالشجاعات؟ تنال ولاية الله بشيئين: [ بالإيمان والتقوى ].ما هي التقوى يا أبناء الإسلام ورجالاته؟ التقوى: فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، بذلك نتقي غضب الله أولاً ثم عذابه ثانياً، ما هناك حصون ولا أسوار ولا جيوش نتقي بها عذاب الله أبداً، ما يتقى إلا بطاعته.هل يستطيع من تحت السماء أن يتقي الله وهو لا يعرف ما أمر الله به ولا نهى عنه؟ مستحيل، لا يمكنك يا عاقل أن تتقي الله إلا إذا عرفت بم تتقيه.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #45  
قديم 07-08-2020, 03:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (27)
الحلقة (34)




تفسير سورة البقرة (123)


إن من آمن بالله عز وجل واتقاه، وجاء إلى ما أمره به سبحانه فأتاه مخلصاً لله فيه، وجاء لما نهى عنه سبحانه فاجتنبه وتوقاه ابتغاء وجهه سبحانه، فإنه مستحق لمحبة الله تعالى، جدير بولايته سبحانه، ومن تولاه الله أيده ونصره وأدخله جنته، وأما من كفر بالله وأعرض عن داعيه، وارتكب المعاصي والمنكرات، فإنه مستحق لولاية الطواغيت؛ إبليس وأعوانه وأتباعه، جدير به ان يحشر معهم، ويتشارك معهم منازلهم في النار.

تابع تفسير قوله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا المطلوب يا رب العالمين.والآية التي أجملنا القول فيها ولم نفصله هي قول الله عز وجل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257].

ولاية الله تعالى للمؤمنين

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] من وليكم يا عباد الله؟ الله هو الذي يتولى أمركم، هو الذي يسددكم، هو الذي يخرجكم من ظلمات الجهل وظلمات الفسق والشرك والكفر إلى أنوار الإيمان والعمل الصالح. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] بخلاف غيرهم فوليهم الشيطان، وهكذا تقرر ما علمناه من قبل أن البشرية إما أن يوالوا الله ربهم ويواليهم مولاهم، وإما أن يوالوا الشيطان ويواليهم الشيطان عدوهم، ما هناك وسط.

الإيمان والتقوى طريق تحقيق الولاية

وولاية الله عز وجل تتحقق بأمرين، من أراد أن يكون ولياً لله فليحقق أمرين اثنين، فإذا حققهما ثبتت له ولاية الله، وهذان الأمران هما: الإيمان والتقوى، فهل هناك من رغبة في معرفتهما؟ إي والله، ما منا أحد إلا ويريد أن يكون ولياً لله، فالأمران هما: الإيمان والتقوى، الإيمان بالله وبما أمر الله أن نؤمن به من الغيب والشهادة، والإيمان حقيقته: التصديق الجازم الخالي من الغيب والشك بأن الله هو رب العالمين وإله الأولين والآخرين، ونؤمن بلقائه وهو يوم القيامة أو اليوم الآخر، ونؤمن بما أمرنا أن نؤمن به من ملائكته وكتبه ورسله وقضائه وقدره؛ ولهذا أركان الإيمان التي ينبني عليها ستة جاءت في القرآن الكريم في البقرة وغيرها، إلا الركن السادس -وهو القضاء والقدر- فجاء في سورة القمر، إذ قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].وقد عرفنا القدر، فالقدر كتبه الله في كتاب يسمى كتاب المقادير، كتب فيه كل ما أراد أن يخلق ويوجد من ذرات الحياة والدار الآخرة وهو مكتوب، ويسمى باللوح المحفوظ، فوالله الذي لا إله غيره! لا يحدث حدث في السماوات ولا في الأرض إلا وقد سبق أن كتبه الله، ويستحيل أن يوجد حادث غير موجود في كتاب المقادير، هذا مظهر من مظاهر عظمة الله وقدرته، هذا الله رب العالمين، من آمن به وصدق في إيمانه اتقاه، ولا تستطيع أن تأتينا بإنسان أو جني عاقل ويؤمن بالله ولا يتقي عذابه ولا سخطه؛ فلهذا ما ذكر هنا التقوى مع الإيمان، لا يعقل أبداً أن شخصاً يؤمن بالله ويعرف أن مصيره إليه، وأن حياته بين يديه، وأنه مولاه وسيده، وأنه يحبه، ثم يتمرد عليه ويفسق عن أمره ويعصيه، كل من آمن بالله حق الإيمان وجد نفسه مضطراً إلى تقواه. وأضرب مثلاً للعامة: إذا تحققت يا عبد الله أن هذه القارورة أو هذا الكأس فيه سم قاتل، فهل ستقدم على شربه؟ ستتقيه، لو علمت أن لصاً يحمل سلاحاً يريدك وأيقنت، فهل ترضى بأن تواجهه، أو تمشي وراءه، أو تظهر له؟ الجواب: لا. فمن عرف الله عز وجل معرفة الحب والولاء فإنه يستحيل أن يخرج عن طاعته، ومن عرف قدرة الله وعظمته خاف منه ورهبه، ولا يستطيع أن يعصيه ويخرج عن طاعته؛ إذ التقوى لله عز وجل بها يتحقق الإيمان، فلا وجود لمؤمن غير تقي.والآية المبينة لهذه الحقيقة آية سورة يونس، وهي قول ربنا تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، ذكر صفتين هما الإيمان والتقوى، والكافر لن يكون لله ولياً، هذا وليه الشيطان، ولا يوجد مؤمن حق الإيمان يفجر أبداً. إذاً: وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، يتقون ماذا؟ غضب ربهم وسخطه، لا يرضون أن يغضب الجبار عليهم أو يسخط، يتقون عذابه ونكاله في الدنيا والآخرة، هؤلاء هم أولياء الله.


بشرى المتقين من أولياء الله تعالى

لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64] أيضاً، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى في الحياة الدنيا: بأنها الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له، إما أن يراه هو بنفسها، أي: يريه الله عز وجل في منامه ما يبشر به من أنه من أولياء الله، أو يراها عبد صالح ويقصها عليه: لقد رأيتك يا فلان في كذا وكذا.وبين الآخرة والدنيا بشرى عظمى وهي عند سكرات الموت، المريض على سرير الموت كما يقولون وقد انقطعت صلته بالحياة فما أصبح يكلم عواده ولا جيرانه ولا أولاده، انقطع، ثم تنزل الملائكة تحمل البشرى، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، هذا هو الإيمان والتقوى، فالذي قال: ربي الله آمن واستقام واتقى الله فما فجر ولا فسق عن أمره ونهيه، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] بماذا؟ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]. اللهم اجعلنا منهم. هذه عند سكرات الموت، وحسب تلك الروح الطاهرة أن يزفها الملكوت الأعلى وفد من الملائكة الأطهار وتفتح لها أبواب السماء وتصل إلى أن تخر تحت العرش ساجدة، ويسجل اسمها في ديوان عظيم هو عليون: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18]، ومن هم الأبرار؟ المؤمنون المتقون الصادقون في تقواهم لله أولئك الأبرار. ثم يعاد بها إلى القبر إلى حيث الجثة وإن تمزقت وتلاشت، وتستقر فيها الروح ويجري امتحان، وثم تبشر بدار السلام ويكشف لها عن مجلسها وعن مقامها في الجنة وتشاهده في القبر، ثم يرجع بها لتعيش في الملكوت الأعلى بقية هذه الحياة إلى أن تنتهي، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64].إذاً: الإيمان والتقوى، الإيمان عرفناه فصدقنا بوجود الله وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وجلاله وعظمته، حتى أوجد لنا هذا خوفاً في نفوسنا منه وحباً في قلوبنا له.

كيفية التقوى وبيان أن العلم وسيلة تحصيلها

وكيف نتقي؟ هنا تأملوا أيها السامعون وأيتها السامعات ولا تتألموا، اعلموا أنه لا يتأتى لإنسان أن يتقي الله قبل أن يعلم فيم يتقيه، لا يمكنك يا ابن الإسلام أن تتقي الله وأنت لا تعرف في أي شيء تتقيه؟ وبم تتقيه؟ نتقي الله عز وجل بفعل ما يحب وترك ما يكره، والذي لا يعرف محاب الله ولا مكارهه فقولوا لي: كيف يتقي الله؟ بماذا؟ فالذي لا يعرف محاب الله من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات والذوات كيف يحبها وهو ما عرفها؟ والذي ما عرف مكاره الله ومساخطه تعالى من المعتقدات الفاسدة والأقوال الباطلة والأفعال السيئة الفاسدة والصفات الذميمة كيف يتقي الله؟والآن وقفنا عند العقبة الكئود، فماذا نصنع؟ أعلموا الشرق والغرب أنه والله! لا تتم تقوى إنسان ذكر أو أنثى وتتحقق إلا إذا عرف أولاً ما يحب ربه ليفعله ويقدمه له، وعرف ما يكره ربه حتى يتجنبه ويتركه؛ ولهذا فأين ولاية الله؟ لو كنا أولياء الله فهل سيسلط الله علينا اليهود ليهينونا ويذلونا، هل سيسلط علينا الكفار والمشركين فنهون ونذل؟ أين الولاية؟ هل الله يهين أولياءه؟ حاشاه، ما هو السبب إذاً؟ لقد جهلونا، فما علمونا ما هي محاب الله لنفعلها طلباً لحبه ومرضاته، وما هي مساخط الله من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات والذوات حتى نتجنبها ونبتعد عنها فتتم لنا ولاية الله، فهل أنتم شاعرون بما أشعر به أم لا؟ لا يمكنك أن تكون ولي الله إلا إذا عرفت ما يحب وما يكره وفعلت المحبوب في قدرتك وطاقتك وابتعدت عن المكروه الذي يكرهه، والجاهل ما يعرف ما يحب الله حتى الكلمة، فكيف يتقرب إليه، ما يعرف ما يكره الله فينغمس فيه ويعمله وهو لا يدري، فما المخرج يا أبناء الإسلام؟العلم العلم، نعم والله! لهو العلم، وهذا المبين الكريم صلى الله عليه وسلم المبين للناس يقول: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، والله يخفف وييسر ويقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فنحن لا نطلب العلم ولا نسأل العلماء، ومنا من يسخر من العلماء ويستهزئ بهم.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 07-08-2020, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

المسجد موطن العلم المحصل للتقوى

كيف نحصل على العلم؟لا تقل: يا شيخ! أنت ما تدري، أصغر بلد في العالم الإسلامي فيه آلاف المدارس، بل فيه الجامعات والكليات. فأقول: لكن هذا ما يكفي، ولا يداوي جراحاتنا ولا يشفينا، لم؟ لأننا ما بنيناها وجمعنا أبناءنا عليها من أجل أن يعرفوا الله ومحابه ومكارهه، ما بنيت لله، وما طلب العلم فيها في الجملة لله؛ ولهذا ما لاحت الأنوار ولا تجلت في أي بلد ولا في أي قرية من قرى الإسلام، فما هو المخرج؟الجواب وبلغوا إن أهلكم الله للبلاغ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )، رحل جابر بن عبد الله على ناقته إلى حمص بالشام من أجل حديث واحد. فالطريق -معشر المستمعين والمستمعات- هو ما قررناه سنة وزيادة: أهل القرية الإسلامية عرباً كانوا أو عجماً يتعاهدون أنهم إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة يحملون نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم إلى الجامع، ويوسعونه حتى يتسع لهم، وليس شرطاً بالحديد والإسمنت، بل بالخشب والحطب، ويجلسون بعد صلاة المغرب جلوسنا هذا، ويجلس لهم عالم مرب فيتعلمون ليلة آية من كتاب الله يحفظونها وتشرح لهم وتفسر وتبين، فيفهمون مراد الله منها، وإن كانت تحمل عقيدة عقدوها لا تنحل من قلوبهم إلى أن يلقوا ربهم، وإذا كانت تحمل أدباً تأدبوا به على الفور، أو خلقاً تخلقوا به، أو تحمل أمراً نهضوا به، أو تحمل نهياً انتهوا وابتعدوا عنه، أو تدعو إلى معرفة عرفوا، ويعودون مطمئنين بأطفالهم ونسائهم مستبشرين خيراً؛ لأنهم كانوا أين؟ في مسجد ربهم، كانوا في بيت ربهم، يعودون مستبشرين يسأل بعضهم بعضاً: أنا نسيت الآية فذكرني بها، أنا نسيت معنى قوله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] فاشرحه لي يا أبتاه، يتحدثون بتلك الرحمة حتى يناموا، ثم يأتون من الغد فيجلسون بعد صلاة المغرب فيصلون المغرب كما صليناها ويجلس لهم العالم المربي كي يعلمهم حديثاً فقط من أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم، وليكن موافقاً لتلك الآية أمس يؤدي معناها يفسرها ويشرح ما فيها، فيتغنون به ربع ساعة وثلث ساعة، فيحفظوا حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، النساء كالأطفال كالفحول حفظوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، ويشرح لهم المربي: أن المراد من هذا كذا وكذا، إذاً: هيا نطبق هذا الحديث، إن أمرنا بخير فعلناه، وإن نهانا عن شر تركناه، وإن أمرنا بأدب تأدبنا به، أو بخلق تخلقنا به، ويصلون العشاء ويعودون وكلهم ألسن ذاكرة وقلوب شاكرة، هموم الدنيا وأوضارها اختفت عن وجوههم، فما يشاهدونها، يدخلون بيوتهم فيطعمون ما يسر الله طعامه وهم يتساءلون: حديث الليلة عظيم، أنت يا أختي هل تحفظينه؟ قالت: نعم، قال: أسمعينيه، فأسمعته، قال الأب: أبنائي! أنتم على علم بما في هذا الحديث، وهكذا من الغد، وأعمالهم الدنيوية من صلاة الصبح إلى الساعة السادسة مساء ما عدا ربع ساعة للظهر وربع ساعة للعصر، فحولوا التراب إلى جنات.وبين المغرب والعشاء لا تجد رجلاً ولا امرأة ولا طفلاً في الشوارع ولا في الأزقة ولا الحارات، الكل في بيت ربهم يستمطرون رحماته، تمضي عليهم سنة فتتحقق لهم ولاية الله ويصبحون قطعاً أولياء الله، لو رفعوا أكفهم يسألون ربهم أن يزيل الجبل لأزاله، ولا يقدر إنسي ولا جني أن يقربهم أو يزلزل التراب تحت أقدامهم؛ لأنهم أولياء الله، وأهل المدن التي خمت وتعفنت ما نستطيع أن نصفهم.فخطيب أهل الحي من المدينة يقول يوم الجمعة: إخواني! إن البلاء عظم والكرب اشتد ونحن لا ندري مصيرنا، وقد حصل الذي حصل فتحولت بيوتنا إلى صور العواهر وسماع الباطل والشر وألوان الكفار، ونسينا ذكر الله، هيا نرجع إلى الله عز وجل، فمن الليلة لا يتخلف منكم يا أبنائي وآبائي رجل ولا طفل ولا امرأة، الكل يأتون بيت الله، والمرأة إذا كانت حائضاً فإنها تجلس وراء الجدار ونرفع إليها صوتنا بمكبر صوت، ويتعلمون ليلة آية وليلة حديثاً وهم يعلمون ويعملون، ففي أربعين يوماً فقط ستتحقق لهم ولاية الله.سلني عن هذه المدينة والقرية بعد سنة: ما هي نسبة الزنا فيها؟ لا وجود له، ما هي نسبة الخيانة والسرقة؟ والله! لا وجود لهما، فالذي جلس بين يدي ربه يتعلم الكتاب والحكمة ويزكي نفسه عاماً كاملاً وقد عرف وكشف له كل شيء هل يفجر ويخرج عن طاعة الله؟ أنى له ذلك، ما يتأتى له ولا يريده، وهل يبقى حسد؟ هل يبقى بغض؟ هل يبقى كبر وتعال؟ هل يبقى نزاع وصراع على أوساخ الدنيا وأوضارها؟ الجواب: لا؛ لأنهم أولياء الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لا في الدنيا ولا في القبر ولا في الآخرة.


سهولة تلقي العلم النافع في المساجد دون تعطيل الأعمال الدنيوية

والآن ماذا يكلفهم هذا؟ هل عطلوا مصانعهم.. أوقفوا مزارعهم.. عطلوا وظائفهم؟ الجواب: لا، نحن لسنا كاليهود والنصارى، نحن إذا فرغنا من صلاة الصبح أقبلنا على أعمالنا، ما عندنا ساعة سابعة ولا ثامنة ولا عاشرة، ميزاننا أن نصلي الصبح وننطلق نعبد الله، نعبد الله في المزرعة، نعبد الله في المصنع، إذ كل حركاتنا وسكناتنا هي لله، لا تظن أنني إذا صنعت وأخرجت الصناعة وبعتها أني عملت لغير الله، إذ حياتنا موقوفة كلها على الله، وقف على الله، اقرءوا قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، المسحاة بيده وهو يذكر الله، ويضرب الأرض من أجل الله ليعيش أو يعيل امرأة وأولاداً صغاراً كلفه الله بذلك، كناس يكنس في الشارع وينظفه وتعطيه البلدية قدراً من المال هو كناس لله، نمر برجل يبني بيته لله، ما عندنا غير الله، وآخر يهدم بيتاً آخر، لم؟ لله، أمره بهدمه للضرر الذي فيه، فالله أكبر، هذا هو الإيمان، وهؤلاء هم المؤمنون.فمن منعنا أن نكون هكذا؟ منعنا أعداء الإسلام وخصومه، وتعاونوا مع شياطين الإنس والجن فصرفوا هذه الأمة عن طريق سعادتها وكمالها؛ لتذل وتهون، وتصبح تعيش أسوأ الأحوال، ثم يكتبون ضد هذا الكلام في الصحف ويقولون: هذه خيالات وأوهام.فهيا نستعمل عقولنا: إذا أوقف أهل القرية أو المدينة العمل عند الساعة السادسة عند غروب الشمس فما الذي توقف من أعمالهم؟لا شيء، حملوا أطفالهم ونساءهم وذهبوا إلى بيت ربهم، أي عز أكثر من هذا العز، وأية كرامة أعظم؟ واليهود والنصارى يذهبون إلى دور السينما ودور المراقص واللهو والباطل والعبث، ومناظر السوء، وشرب الخمر والسموم، فهؤلاء ما نتكلم عنهم ولا نقول: هؤلاء خياليون! والذين يذهبون إلى بيت الطهر والصفاء يجلسون بين يدي ربهم يمطرهم برحماته، يتعلمون الكتاب والحكمة، نقول عن فعلهم: هذا خيال! فما الذي يكلفهم؟

جيل الصحابة أنموذج التربية المسجدية

فلا طريق ولا سبيل إلى عودة كمالنا وعليائنا في الملكوت الأعلى إلا من هذا الطريق، إذ هو الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه وأولادهم وأحفادهم، من هذا المسجد تخرّج رجال لم تحلم الدنيا بمثلهم عدلاً، كرماً، شجاعة، طهراً، صفاءً، يضرب بهم المثل، أين درسوا؟ في جامعات بريطانيا؟أكثرهم لا يكتب ولا يقرأ، وإنما امتثلوا قوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، كان أبو القاسم يجلس لهم بأمر الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، فتعلموا، فهذا هو الطريق، لو أن عالماً أخذ هذه الحقيقة وانتقل إلى قرية من القرى وطلب من أهلها بلطف أن يجلسوا؛ ليتعلموا شيئاً فشيئاً، وصبر على دعوتهم؛ فأنوار العلم ستتجلى فيهم، بعد سنة كاملة سيقال: القرية الفلانية أصبحت كتلة من نور، لم تر فيها رجلاً ولا امرأة بعد المغرب في الشارع أبداً، الكل في بيت الله، وما أصبحت تسمع صوت عاهرة تتكلم في تلفاز ولا راديو، والله! لنذهبن لزيارتهم نتبرك بوجودنا بينهم ساعة، ونشاهد أنوار الحقيقة كما هي تلوح.

دعوة إلى إقامة الحلقة التعليمية التربوية في البيوت

قد تقولون: الحكومات ما تسمع لنا والأحزاب تناهضنا؟ فأقول: إذا صليت المغرب عد إلى بيتك واجمع أطفالك الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة وأمك إن كانت إلى جنبك أو أباك واجلس بينهم وتغنّ معهم بآية أو حديث وعلمهم مراد الله منه، وقل لهم: هيا نعمل! هيا نطبق! وصلوا العشاء، واسألهم بعد صلاة العشاء وتناول العشاء: ماذا تعلمنا اليوم؟فسيقول أحمد في عمر سبع سنين: تعلمنا الآية من سورة الأعراف. ما هذه الآية؟ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].فقل: يا زليخا! ما معنى (ربنا)؟ خالقنا ورازقنا ومدبر الحياة، هذا ربنا. ماذا يجب لربنا يا عمر؟ يجب علينا أن نحبه بقلوبنا فنطيعه إذا أمرنا، فإذا قال: اسكتوا سكتنا، وإذا قال: صوموا غداً صمنا.وليلة بعد ليلة وإذا بذلك البيت تلوح أنواره وتطيب نفوس أهله ويتعلمون، وتطرد الشياطين من حولكم ولن تطلبكم بعد ذلك، أفسدتم عليها خططها، وأبعدتم عنها مسالكها، لو فعل أهل كل بيت هذا لانتهينا، يخرجون من البيوت كأنهم ملائكة؛ لا ظلم لا كبر لا حسد لا غش، ولكن رحمة وتطامن وتواضع وتعاون، وهل يتم هذا؟ إي ورب الكعبة، لم لا يتم؟ أليست سنن الله لا تتخلف؟ أما قال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62]، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، أليس الطعام يشبع؟ والماء يروي؟ والنار تحرق؟ والحديد يقطع؟ هل تبدلت هذه السنن؟ لم تتبدل، إذاً: فالكتاب والحكمة من شأنهما أن يوجدا الربانية في قلوب البشر. وبعد هذا ما عندنا مطلب، أبيتم المساجد فقلنا: البيوت، كل مؤمن في بيته، وسوف يتسرب النور والهداية، في سنة واحدة تشعر في القرية أو المدينة أن أهلها تغيروا، كان صاحب دكان يبيع الشيشة والحشيشة فأغلقه بسبب هذا، كان فلان يصيح ويشتم ويسب في الشارع فانتهى وما سمعنا باطلاً أبداً، كان الأولاد يقولون البذاء ويلفظون بالسوء وهم يلعبون، فأصبحت كلماتهم كلها طيبة، ما الذي حصل؟عرفنا سر هذه الحياة الطيبة الطاهرة، لقد تحققت الولاية: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، ظلمات الشرك والكفر والفسق والفجور والجهل، إلى أين؟ إلى أنوار الإيمان والعلم واليقين.


عاقبة الكفرة أولياء الطاغوت

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ [البقرة:257] من؟ الطَّاغُوتُ [البقرة:257] إبليس أبو مرة وأعوانه ورجاله وأتباعه، وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت. يُخْرِجُونَهُمْ [البقرة:257] من أين؟ مِنَ النُّورِ [البقرة:257] نور الفطرة إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، وأخيراً يأتي الختم الأخير: أُوْلَئِكَ [البقرة:257] البعداء أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257].وقد جاءنا كتاب من فرنسا فيه أن طالب علم يقول لهم: هذه الآية دليل على أن الكفار يخرجون من النار! فسألوني قالوا: رد عليه؛ لأن الله ما قال: خالدين فيها أبداً، قال: أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]، فمعناه: أنهم يخرجون! فقلنا لهم: هذه الآية مطلقة وجاءت آيات مقيدة، ويحمل المطلق على المقيد، آيات فيها كلمة (أبداً). وهل تعرفون عن النار شيئاً؟ من خلقها؟ الله. من أوجد مادتها؟ الله.اخرج في الساعة العاشرة نهاراً من بيتك وارفع رأسك إلى السماء وشاهد الشمس، هذا الكوكب الملتهب إذا دنا في أوقات معينة ترتفع الحرارة إلى أربعين وإلى خمسين، هذا الكوكب كله نار، وهو أكبر من الأرض هذه بما فيها من بحارها وأوديتها وجبالها بمليون ونصف مليون مرة، لو أخذنا البشرية كلها ورميناها فيها ما سدت زاوية منها ولا ملأتها، أبعد هذا تسألني عن النار ما هي؟ ادخل أصبعك فقط في جمرة أو في نار لتشعر بالنار، من خلقها؟ أمك أم أبوك أم عمك؟ من أوجدها؟ أما سمعت عنها شيئاً؟ هذا كتاب الله يفصّل لك القول تفصيلاً، ويبين لك البيان الكافي؛ لتعرف النار ما هي: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:1-4].أين العقول؟ اهتزت الأرض وزلزلت، الناس كالفراش المبثوث هنا وهناك، لا يعرف الجائي من جاء، والذاهب أين ذهب ولا الطالع ولا الهابط، كالفراش المبثوث. وَتَكُونُ الْجِبَالُ [القارعة:5] الشامخات الرواسي كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة:5]، الصوف الذي يضرب بالعصا ليتفتت، تتفتت وتكون الجبال كالعهن المنفوش الآن. فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [الحاقة:6-7]، في الجنة دار السلام. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:8-11].

الحث على سماع القرآن الكريم من الآخرين

لم لا يقرأ كتاب الله؟ نحن نقرؤه على الموتى، مضى أكثر من ثمانمائة سنة والقرآن لا يقرأ عندنا إلا على الميت، أما الحي فما يقرأ أبداً، عداوة كاملة، لقد قلت لكم: عشنا عشرات السنين ما عثرت على واحد قال لي: أسمعني شيئاً من كلام الله، إلا مرة واحدة، وأنتم أيها السامعون من منكم قال لأخيه وهو جالس في المسجد أو تحت ظل شجرة أو حين فرغ من العمل: يا أخي! أسمعني شيئاً من كلام ربي؟أنا أقول: أي مؤمن تاقت نفسه إلى ربه وإلى كلامه سيطلب من أخيه أن يسمعه شيئاً من كلام الله ليتأمل ويبكي ويتدبر، ومن ذلك ما يكون في شهر رمضان، فالناس يجيء أغلبهم لسماع القرآن وللتراويح، والحمد لله.أنا أقول: ها هي الصورة الحقة: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عبد الله بن مسعود فقال: ( يا ابن أم عبد ! ) ، دعاه بكنية أمه، ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن. فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! ) تعجب، قال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري )، وقرأ ابن مسعود : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ... [النساء:1] إلى أن انتهى إلى قول الله تعالى بعد أربعين آية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء:41] يشهد عليها وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، قال: ( فالتفت فإذا بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان وهو يقول: حسبك )، أي: يكفي. فإن رأيتم هذه الظاهرة في بلادكم فبشرونا بالخير، هذا هو الطريق، أما أن يقرأ على المقبرة وليلة الموت يهزئون بالقرآن ويسخرون؛ فنعوذ بالله من الجهل وما أصابنا.والله تعالى أسأل أن يجعلنا من أوليائه وصالح عباده نؤمن به وبما يحب أن نؤمن به، ونتقيه بفعل محابه وترك مكارهه.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 07-08-2020, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (28)
الحلقة (35)




تفسير سورة البقرة (124)


إن من ابتلاه الله عز وجل بظلمة القلب وفساد العقل لا يقبل الحق مهما كان واضحاً، ومن ذلك ما فعله النمرود بن كنعان حين ناظره إبراهيم عليه السلام في تفرد الله عز وجل بالخلق وتصريف أمور الكون والمخلوقات، فجادله أولاً في حقيقة أن الله وحده الذي يحيي ويميت، فلما استمر في ضلاله وأذعن في مكابرته وكفرانه سأله إبراهيم أن يأتي بالشمس من المغرب كما أخرجها الله من المشرق، فبهت الكافر ولم يحر جواباً، واندحر ولم يقل خطأ ولا صواباً.

تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) ، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا وولي المؤمنين.وها نحن مع هذه الآية الكريمة من سورة البقرة، وهي قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].

حجاج إبراهيم مع قومه في سورة الأنعام

معاشر المؤمنين والمؤمنات! حجاج إبراهيم لم يكن فقط مع هذا الطاغية النمرود ملك البابليين، بل كان مع والده، وكان مع قومه، ولو أمكن أن نستعرض تلك المواقف من سورة الأنعام التي ذكر تعالى لنا فيها هذه المحاجة.فقد قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام:74]، هذا يواجه به والده آزر، وإذ قال [الأنعام:74]، اذكر يا رسولنا واذكر أيها المؤمن وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ [الأنعام:74-76] ذهب قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:76-79].وهكذا يستدرجهم من النجم إلى القمر إلى الشمس وهم عبدة الكواكب، لما رأى القمر قال: هذا ربي؛ من أجل جذبهم إلى أن يتأملوا؛ لا أنه يعتقد أنه ربه، لما أفل وذهب قال: ما ينبغي هذا ولا يصلح أن يكون إلهاً، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي [الأنعام:77] وهم يسمعون ويشاهدون، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [الأنعام:77] معناه أنه يطلب الهداية من أجلهم حتى يفيقوا ويصحوا من غفلتهم. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ [الأنعام:78] وانتهت وغابت ماذا قال؟ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:78-79].هذا كان مع والده وقومه، قال تعالى: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ [الأنعام:80] في مواقف متعددة، وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا [الأنعام:80] ، قالت العلماء: هذا الاستثناء لو أنه عثر أو أصابته شوكة لقالوا: آلهتنا هي التي أصابته، فاحتاط وقال: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ [الأنعام:80]، ثم قال لهم: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81]، أي الفريقين أحق بالأمن من عذاب الله وعذاب النار؟ وكان الجواب: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، قال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:83].

حجاج إبراهيم مع قومه في سورة الأنبياء

ومن سورة الأنبياء حجاج آخر: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء:51-57]، ونفذ فعلته، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:58-71].


حجاج إبراهيم مع قومه في سورة الصافات

ومن سورة اليقطين؛ إذ قال تعالى: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ [الصافات:83]، أي: من شيعة نوح في الدعوة إلى عبادة الله وحده، وبين نوح وإبراهيم آلاف السنين: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:83-100]، وذهب إلى أرض الشام.

حجاج إبراهيم مع أبيه في سورة مريم

وفي سورة مريم حجاج إبراهيم مع أبيه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا [مريم:41-49]، حجاج طويل، فهذا هو إبراهيم الأب الرحيم السرياني عليه السلام.

وقوع الحجاج مع النمرود بعد الحكم بإلقاء إبراهيم في النار

ولما حكموا عليه بالإعدام وسجنوه وذهبوا يشعلون النيران ويجمعون الحطب ويوقدونها، إذ أوقدوا ناراً ما رأتها الدنيا، كان الطائر إذا طار فوقها يحترق، وكان النساء ينذرن للإلهة بحزمة الحطب: يا إلهي! إذا حصل كذا وكذا فأنا أحمل حزمة حطب في نار إبراهيم! والعجب أنه حتى الحيوانات الساقطة أيضاً كانت تساعدهم، فالوزغة الخبيثة كانت تنفخ في نار إبراهيم، وباقي الحيوانات الأخرى ما فعلت، فلهذا أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن من عثر على الوزغة فليقتلها؛ لأنها كانت تنفخ في النار لتتأجج على إبراهيم عليه السلام، والوزغ معروف.إذاً: ولما سجنوه ينتظرون إصدار الحكم عليه وقع هذا الحجاج بينه وبين الملك النمرود ، فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمته: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ [البقرة:258]، أي: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا ما تم ما بين إبراهيم والنمرود ؟

معنى قوله تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ [البقرة:258]، وكيف يحاجون في الله؟ يقولون: لا يعبد وحده بل يعبد معه هذه الآلهة التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا.وعبادة الله عز وجل هي سر الحياة وعلة هذا الوجود، فقد خلق كل شيء من أجل أن يذكر ويشكر، فكيف إذاً يعبد غيره؟! بأي منطق أو قانون أو شرع أو حق؟ أيخلق ويرزق ويدبر الحياة كلها من أجل أن يذكر ويشكر وإذا بالشياطين تجتال الآدميين وتجعلهم يعبدون من لا خلق ولا رزق ولا أعطى ولا منع ولا ضر ولا نفع؟ هذا كيد الشياطين ومكرهم.إذاً: قوله تعالى: أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، المفروض أنه يشكر الله الذي ملّكه وأعطاه وأصبح سلطاناً في تلك الديار، لا أنه يحارب أولياء الله ويصرف عن عبادة الله من أجل أن آتاه الله الملك.واللفظ أيضاً يحتمل معنىً آخر، وهو: أنه لما ملّكه الله وطغى وتجبر وتكبر أعرض عن عبادة الله وحارب أولياءه.وكلا الحالين مذموم، المفروض أن من أعطاه الله يشكر الله ويعبده ويدعو إلى عبادته، لا أن يعرض عن عبادته ويعبد معه غيره، لكن الطغيان ناتج عما أوتي من الملك والسلطان، والآثار والأخبار تدل على أن هذا الطاغية أهلكه الله وجيشه بالبعوض، فسلط عليهم بعوضاً مزق ذلك الجيش بكامله، نقمة الله عز وجل، والنمرود نفسه دخلت بعوضة في أذنه وأصبح لا يطيق النوم ولا الأكل ولا الشرب، وعن يمينه وعن شماله رجلان يضربانه على رأسه بأشياء، إما بخشبة وإما بحذاء؛ حتى يهدأ، حتى هلك على تلك الحالة.

معنى قوله تعالى: (إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ [البقرة:258]، فهو سأله: من ربك يا إبراهيم الذي من أجله فعلت وفعلت وفعلت؟ قال إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، الذي يحيي من شاء ويميت من شاء هو ربي، أو الذي يحيي الأموات ويميت الأحياء، ذلك خالقي وذلك ربي وإلهي ومعبودي وهو حق. فقال الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، فأطلق سراح من كان محكوماً عليهم بالإعدام لجرائمهم وادعى أنه أحياهم فقال: أنا أحييت هؤلاء، وأتى بمن حكم عليهم بالموت فقتلهم، وادعى أنه بهذا يحيي أيضاً ويميت، وهذا مغالطة تشمئز منها العقول، فالإحياء: أن تهب الحياة وتوجدها، والموت: هو أن تميت من تخلق فيه الحياة، فالله تعالى خلق هذا وخلق هذا وحكم بالموت على هذا وأجل هذا، وأنت ما فعلت شيئاً، ما هي قدرتك التي فعلت؟

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 07-08-2020, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فائت بها من المغرب فبهت الذي كفر ...)

قال تعالى: قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].لقد كانت تلك مغالطة عرفها الخليل وعدل عنها، فقال له: إن ربي يأتي بالشمس من المشرق فائت بها أنت من المغرب، الله يأتي بالشمس عند طلوعها من شرق الكرة الأرضية، فعاكسه أنت وائت بها من المغرب، وبذلك تتجلى قدرتك ويعلو سلطانك وتكون المستحق لئن تطاع، فوقف مشدوهاً حيراناً كما أخبر تعالى: فَبُهِتَ [البقرة:258]، انقطع كلامه ولم يقو على أن يتكلم، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة:258]، لولا كفره ما كان يبهت، كان يفتح الله عليه ويجيب، كما مر بنا في آية الأنعام قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [البقرة:258]، ما من مؤمن ذي بصيرة وربانية صادقة ويحاجه ظالم أو كافر إلا غلبه، ولا يستطيع أن يهزمه.

ذكر حادثة في خيبة كل كافر مناظر لمؤمن صادق

وأذكر هنا حادثة تكررت: كان مسيحي مع مسلم على السيارة يتحدثان، فقال المسيحي: يا مسلم! أنتم تعتقدون أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون، فكيف تكون بطونهم هذه؟ لأن معتقد الصليبيين النصارى من القسس وغيرهم أن أهل الجنة لا يأكلون ولا يشربون؛ لأنهم ليسوا أبداناً وإنما هي أرواح فقط كما هي الآن في دار السلام، أرواح المؤمنين الطاهرة إذا مات المؤمن أو المؤمنة تترك في الجنة إلى أن تنتهي هذه الدورة ويخلق الله الأجسام من جديد وتدخل فيها وتعود الحياة كاملة، والسعادة بالروح والبدن معاً؛ فالآن في الدنيا السعادة تحصل للبدن، وفي القبر للروح فقط، ويوم القيامة السعادة للروح والبدن معاً، الآن سعادتنا في أبداننا، وفي القبور والبرزخ للأرواح فقط، وفي يوم القيامة السعادة كاملة، فالروح تسعد والبدن كذلك يسعد.فهذا المسيحي يسخر من الإسلام فيقول: كيف تكون بطونهم مملوءة وهم يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون؟ وحقاً إن تلك الأغذية تتحول إلى عرق أطيب من ريح المسك. فقال له العربي الأمي: هل الجنين في بطن أمه حين يتخلق ويصبح يتغذى من دم أمه وينمو بذلك الغذاء أربعة أشهر -السادس والسابع والثامن والتاسع- هل يبول أو يتغوط؟ والله! ما يبول ولا يتغوط، بمجرد أن يخرج من بطن أمه يبول، إذاً: كيف بطن أمه؟ هل امتلأ بالبول والعذرة؟! فانقطع الصليبي واندهش وذهل. فالولد في بطن أمه تمضي عليه أربعة أشهر وهو يتغذى وعلى الغذاء ينمو، وبمجرد أن يخرج يبول ويتغوط، فلم ما بال أولاً ولا تغوط، لو كان يبول ويتغوط فكيف سيصبح رحم أمه أو بطنها؟! ولكن تقدير وتدبير العزيز العليم.والشاهد عندنا أنه إلى اليوم لا يحاج كافر مؤمناً إلا انهزم، وقد تمت محاجة عظيمة مطبوعة في جامعة الإمام محمد بن سعود ووزعت في مجلد، فهذا صليبي كبير بريطاني حاج مؤمناً عالماً من علماء المسلمين في الهند، واجتمع للحجاج خلق كثير؛ لأنها محاجة ذات قيمة، ونصر الله عز وجل المسلم وانهزم ذلك الصليبي شر هزيمة.والذي يذكر بخير: أن السلطان عبد الحميد العثماني ترجم تلك المناظرة إلى تسع لغات عالمية ووزعها ونشرها بين الناس، وهذه هي الحقيقة؛ لأن الله عز وجل ولي الذين آمنوا يخرجهم من ظلمات الجهل والحيرة إلى نور العلم والبصيرة، ما من مؤمن يقف لله عز وجل إلا وينصره الله ويؤيده، وليس هذا خاصاً بإبراهيم ولا بغيره.


طغيان الإنسان بالملك والغنى

إذاً: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ [البقرة:258]، من هو هذا؟ هذا النمرود ملك البابليين، هذا الذي قال ما تسمعون، أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، تأملوا هذه الجملة: أمن أجل أن آتاه الله الملك يقف هذا الموقف؟ أما ينبغي له أن يستحي من المنعم المتفضل المحسن، كيف يقف يحاج في الله عز وجل يريد أن يبطل عبادته ويصرف الأمة عن ذكره وعبادته، أين العقل؟ أين الفطرة؟وقلنا:إن قوله تعالى: أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، فيه إشارة إلى أن الذي يؤتى السلطان والقدرة إذا لم يعصمه الله، إذا لم يحفظه الله، إذا لم يتوله الله؛ فإنه إن كان مؤمناً يصاب بالطغيان، وقد شاهدتم وسمعتم، ويصاب بالتعالي والتكبر والإفساد في الأرض، إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6]، متى؟ أن رأى نفسه استغنى، كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] ، أي: رأى نفسه استغنى عن الناس، يتكبر ويتعالى عليهم. إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21]، إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].

الوصفة الناجعة لعلاج طغيان الغنى وجزع المصيبة

وهذه القضية معاشر المستمعين ينبغي أن نرددها: إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، ظلوم جهول، ظلوم كفّار، يطغى أن رآه استغنى، هلوع: إذا مسه الخير يمنع، وإذا مسه الشر يجزع، وما العلاج؟ وما الدواء؟توجد وصفة طبية والطبيب هو الرب تعالى، هي ذات ثمانية أرقام، أيما مؤمن يستعملها بإشراف طبيب فإنه يخرج من أصح الخلق وأكملهم، وإن لم يجد الطبيب المشرف عليه واستعان بالله واستعملها شيئاً فشيئاً فإنه يبرأ أيضاً من أسقامه: من الظلم والجهل والكفر والشح والبخل والجزع، لكن قد تطول مدته أو لا يكمل برؤه على الوجه المطلوب، بل لا بد من إشراف طبيب.أين توجد هذه الوصفة الطبية بأرقامها الثمانية؟ توجد في القرآن العظيم، في كتاب الله الذي نقرؤه على الموتى! في سورة المعارج، يقول تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21]، والجزوع: كثير الجزع، والمنوع: كثير المنع، ما قال: إذا مسه الخير جزع وإذا مسه الخير منع، بل جزوع ومنوع.ثم ذكر الأرقام الثمانية: أولاً: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23]، الذي يصلي ويديم صلاته على الوجه المطلوب فهذه الصلاة تبرئ من ذلك الجزع وهذا المنع، وتبرئ من ذلك الظلم والكفر، ومن الطغيان والتعالي.ثانياً: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25]، الذي يؤدي الزكاة كما شرع الله وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينفق على أسرته واليتامى والمساكين ولا يبخل ويعطي للسائل والمحروم فهذا الرقم أيضاً يفعل العجب في النفس، صاحب هذا الرقم والله! لا يكذب ولا يغش ولا يخدع، كيف يصرف هذا المال لوجه الله وهو يسرقه؟! ما هو بمعقول أبداً.ثالثاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، الذي يصدقون بيوم القيامة يوم الجزاء يوم الحساب والجزاء، هذا الرقم أيضاً يفعل في النفس العجب في تزكيتها وتطهيرها، لم؟ هو موقن أنه سيسأل ويحاسب، فكيف إذاً يضن أو يبخل؟ كيف يظلم ويكفر؟ كيف يطغى؟ كيف يجزع؟ هذا يؤثر فيه أعظم تأثير.رابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:27-28] قطعاً، فالذين يعيشون على هذا الإيمان وأنهم يخافون من ربهم أن يعذبهم إذا خالفوا أمره وإذا فسقوا عنه وإذا خرجوا عن طاعته يعيشون ليل نهار مشفقين من عذاب الله؛ لأن عذاب الله من يؤمننا منه؟ فلهذا لا يقتحمون أودية الضلال والشرك والباطل والكفر؛ لخوفهم، فصاحب هذا الرقم أيضاً يتعالج بإذن الله تعالى ويبرأ من الأمراض الستة المذكورة في الآية.خامساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:29-30]، من يلومهم وقد أذن الله لهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم.إذاً: فهذا الذي يحفظ فرجه من الوقوع في الفاحشة يفعل ذلك فيه العجب من تزكية نفسه وتطهيرها.سادساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، الذي يعيش كراعي الغنم يرعى أمانته وعهوده لو تضع تحت يديه ما شئت من المال فوالله! لا ينقصك درهماً واحداً، لو تودع عنده امرأة حتى تعود من جهادك أو سفرك فوالله! لا ينظر إليها ولا يلتفت إليها، تودعه كلمة يصونها ويحفظها، هذا الذي يحافظ على الأمانة وعلى العهد هل يعصي الله فيظلم أو يجزع أو يسخط؟ سابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33]، لا يميل يميناً ولا يساراً، لا مع أخ ولا عم ولا قريب ولا بعيد ولا غني ولا فقير، يؤدي شهادته كما علمها وليكن ما يكون.وأخيراً: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، الإدامة غير المحافظة، يحافظون على أوقاتها وآدابها وشروطها وأركانها حتى تثمر لهم الزكاة في نفوسهم.هذه الوصفة لا يضعها إلا الله، إن طبقتها بإشراف العالم الرباني المزكي نجحت في أقرب وقت، وإذا ما وجدته وأخذت أنت تستعملها فسينفعك الله تعالى بها.إذاً: ظلم الإنسان وكفره وجهله وجزعه وطغيانه؛ هذه الطبائع هذه الغرائز التي تقويها وتذكي نارها الشياطين، إذا لم يعالجها الإنسان من ذكر أو أنثى بهذه الأرقام فإنه لا ينجو منها ولا يسلم أبداً، والحمد لله؛ فهو الذي وضع هذا، خلق الداء والدواء، وأرشد إلى استعمال الدواء للبعد والنجاة من الداء.مرة ثانية: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:19-20]، يجزع، ما تستطيع أن تمشي معه ولا تجالسه من الصراخ والتأمل والتحسر، لا صبر أبداً، ولا يفوض أمره إلى الله أبداً؛ لأنه مريض.وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ [المعارج:21] منع فلا يعطي ولا يبذل ولا ينفق؛ لأنه مريض، فإذا أراد الشفاء فالوصفة الربانية موجودة: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ [المعارج:22-35]، الأعلون السامون فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:35]. اللهم اجعلنا منهم.

انتهاء مناظرة إبراهيم للنمرود بانتصار الموحد وخذلان الكافر والظالم

نعود إلى قصة إبراهيم عليه السلام، حيث يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، الطاغية سأل إبراهيم لما أخرجه من السجن قبل إلقائه في النار، حاجه وسأله، فقال إبراهيم: ربي ومعبودي الحق الذي أعبده هو الذي يحيي ويميت، خالق الحياة والموت، فقال الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة:258] وانقطع.قالت العلماء: في هذه الآية بيان جواز الحجاج في الدين مع المبتدعة مع المعطلين مع الكافرين ولا حرج؛ لتظهر حجة الله عليهم، فهذا إبراهيم يحاج النمرود.قال تعالى: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]، دائماً وأبداً إلى يوم القيامة، والظالمون الخارجون عن عبادة الله عقيدة وقولاً وعملاً، هؤلاء الظلمة.

الشرك أعظم الظلم

وإذا أطلق الظلم في الغالب يطلق على الشرك؛ لأنه أفظع أنواع الظلم، فحين تسلب مال فلان وتقتل فلاناً فذلك ظلم، والذي يسلب الله تعالى حقه كيف يكون موقفه؟ويتحداه ويعطيه لغيره، مع أن الله خلقه ورزقه ودبر حياته وكلأه وحفظه ورعاه وهو عبده ومخلوقه، ويغمض عينيه عن ربه الخالق الرازق المدبر، ويفتحهما في صنم أو كوكب أو فرج أو شهوة أو إنسان أو حيوان، أي ظلم أعظم من هذا؟ويدل لذلك أنه لما نزل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] اندهش المؤمنون فقالوا: يا رسول الله! أينا لم يظلم نفسه؟ إذا كان لا أمن من عذاب النار إلا لمن لم يخلط إيمانه بظلم؛ فأينا ما ظلم؟ هذا ظلم أخاه، وهذا ظلم حيواناً، لا بد أن يقع ذلك، فقال: ليس الأمر كما فهمتم، المراد من الظلم هنا: الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان الحكيم لما كان يعظ ولده بين يديه يربيه ويعلمه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فلا أعظم من ظلم عبد يترك ربه ويعبد غيره، مع أن هذه المخلوقات كلها مربوبة مخلوقة، فيعبد عيسى وهو مخلوق خلقه الله، وتعبد مريم وهي مخلوقة، الله خلقها، ويعبد روح القدس جبريل، أليس جبريل مخلوقاً لله من جملة ملائكته؟ والذين يعبدون العزير كاليهود، والذين يعبدون الأولياء.


مقارنة بين شرك الأولين وشرك المعاصرين

هل يوجد في المسلمين من يعبدون الأولياء؟ أي نعم، إلى ما قبل خمسين سنة منذ خمسة قرون، ما تستطيع أبداً أن تجد من لا يقول: يا سيدي فلان إلا نادراً، عند أبواب الأسواق يرفع يديه السائل الفقير يديه: يا سيدي فلان! أعطني لوجه فلان! ولا يذكر الله، بأعيننا رأيناهم.وأعظم من هذا أن المرأة والطلق يهزها وقد ربطوا حبلاً في سارية العمود؛ إذ ما هناك مشاف ولا ممرضات ولا مقبلات وهي تصرخ: يا ألله! يا رسول الله! يا رب! يا سيدي عبد القادر! يا فلان! ولو تموت هذه فكيف ستموت؟يقولون لك إذا أصابتك مصيبة: يا مغربي! استقبل القبلة وناد: يا راعي الحمراء! يا مولى بغداد! فيأتيك ويفرج ما بك.وإن شككتم فهذا تفسير المنار للشيخ: رشيد رضا وبعضه للشيخ: محمد عبده ، يقصان عليكم قصة عملية واقعية، قال: كانت سفينة تحمل الحجاج أيام الدولة العثمانية من طرابلس الغرب إلى طرابلس الشام، ترسو في الموانئ وتحمل حجاج البلاد من طرابلس والإسكندرية ويافا وحيفا واللاذقية، قال: وجاءت عواصف بحرية بأمواج، والسفينة ما هي كما هي الآن بالهيدروجين، إنما كانت بالفحم أو بالشراع، قال: وماجت السفينة واضطربت، فأخذ الحجاج يقولون: يا رسول الله! يا بدوي! يا عبد القادر ! يا مولاي فلان! يا عيدروس ! يا فاطمة ! يا حسين ! وكان يوجد بينهم فحل قوي، فوقف ورفع يديه إلى الله وقال: يا رب! أغرقهم فإنهم ما عرفوك.ورحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، يقول في رسائله: شرك الأولين أخف من شرك الحاضرين، والله! لأخف، وإليكم الصورة: لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ودخلت جيوشه الاثنا عشر ألفاً، فالطغاة هربوا، ما استطاعوا أن ينتظروا، خافوا، وعلى رأسهم عكرمة بن أبي جهل ، وكان كأبيه أبي جهل ، الابن كالأب في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهرب إلى ساحل البحر فوجد سفينة تريد أن تقلع إلى الحبشة أو إلى الهند، المهم ألا يشاهد محمداً صلى الله عليه وسلم في مكة، فلما انطلقت السفينة ومشت كيلو أو كيلوين اضطربت وجاءت الأمواج، فقال الربان أو الملاح: يا جماعة! يا عباد الله! ادعوا ربكم قبل أن تغرقوا. فأخذوا يقولون: يا ألله! يا ألله! يا رب الكعبة! يا رب إبراهيم! وهم مشركون، ما قالوا: يا لات ولا عزى، فقال عكرمة : هذا الذي هربت منه يلحقني حتى وأنا في السفينة، أنا هارب من هذا التوحيد، والله! لترجعن بي إلى الساحل، ولأقبلن يد محمد صلى الله عليه وسلم، وردّه إلى الساحل، وانطلق رأساً إلى مكة واطّرح بين يدي الرسول يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واقرءوا لذلك: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، ونحن الآن بالعكس، ما هناك فرق بين البر ولا البحر، عند المصيبة الكل: يا سيدي فلان، والحمد لله أن أنقذنا الله عز وجل بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي كان يتقزز منها الغافلون والغالطون، وانتشر هذا النور وأصبحت ما تسمع بمؤمن يقول: يا سيدي عبد القادر إلا بعض العوام. وقد خرجنا ذات مرة وكان شخص معنا، وركبنا في السيارة وهو يسوق، فخرجت السيارة عن الطريق فإذا به يقول: يا رسول الله! يا رسول الله! فقلت: وأين الله؟ كيف نسيته؟

الجهل علة الشرك بالله تعالى

إذاً: العلة الجهل، والنجاة بالعلم، فكيف نطلب العلم؟ والله! ما هناك مشقة ولا كلفة أبداً، لا تحمل قرطاساً ولا قلماً، ولا توقف أبداً مصنعك ولا مزرعتك ولا متجرك، إنما إذا مالت الشمس إلى الغروب يأتي المؤمنون بأبنائهم ونسائهم إلى بيت ربهم، ويوسعونه، ويتلقون الكتاب والحكمة بين المغرب والعشاء كل ليلة.اليهود والنصارى والمشركون إذا دقت السادسة وقف العمل وذهبوا إلى المقاهي والملاهي والمراقص والمقاصف؛ إذ هذا دينهم وهذا باطلهم، ونحن إلى أين نذهب؟ إلى بيوت الرب عز وجل، نتلقى الكتاب والحكمة ونزكي أنفسنا، ما تمضي سنة واحدة على أهل القرية إلا وكلهم أولياء الله، فلم ما نفعل هذا؟ أهذا ينغص الحياة؟! أهذا يوقف العمل؟! الجواب: لا. بل هذا الذي يوجد الإخاء والمودة والمحبة، لا سيما إذا وجد صندوق حديد في المحراب وقيل: يا معشر المؤمنين والمؤمنات! من أراد أن يتصدق فليضع في هذا الصندوق، يا معشر المؤمنين والمؤمنات! من زاد على قوته ريال فليضعه في هذا الصندوق، حتى يمتلئ وينمو في تجارة أو مصنع أو مزرعة، وإذا به يدر عليهم اللبن والخير، وفقراء القرية لا يبقى لهم وجود، وتنتهي السرقة والتلصص والبكاء والجزع أبداً، كأسرة واحدة، فلم ما نفعل هذا؟ لأننا ما عرفنا، ما أيقنا بهداية الله. والله تعالى أسأل أن يعود بنا إلى جادة الصواب، وأن ينجينا من محننا؛ إنه رءوف رحيم.معشر المؤمنين والمؤمنات! أحدهم مريض سألنا أن ندعو الله تعالى له، فاللهم يا ولي المؤمنين ويا متولي الصالحين اشف عبدك شفاءً عاجلاً غير آجل، وبارك في صحته وعمله يا رب العالمين، واشف اللهم مرضانا في بيوتنا وبين أيدينا، اللهم اشفنا ظاهراً وباطنا، اللهم اشفنا ظاهراً وباطنا، اللهم زك نفوسنا أنت وليها وأنت مولاها وأنت خير من زكاها، اللهم ارزقنا البصيرة واليقين واجعلنا من عبادك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ربنا علمنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما تعلمنا، واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من الراشدين من أوليائك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #49  
قديم 10-08-2020, 04:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (29)
الحلقة (36)




تفسير سورة البقرة (125)


إن تطلع الإنسان إلى معرفة قدرة الله والنظر في إعجازه مما فطر عليه الإنسان، لكن فرق بين من تطلع إلى ذلك مستبعداً له وشاكاً فيه، وبين من تطلع إليه موقناً به ومؤمناً إيماناً صادقاً، أما مثال الشاك فهو ما وقع من عزير عليه السلام حين مرّ على القرية التي دمرها البابليون فاستبعد عودتها كما كانت، فضرب الله له مثلاً في إماتته ثم إحيائه ونظره إلى حماره والحياة تعود إليه شيئاً فشيئاً حتى آمن وأيقن، ومثال المؤمن المصدق إبراهيم عليه السلام الذي سأل ربه أن يريه مثالاً لإحياء الموتى، فأراه سبحانه قدرته وعظيم صنعه في تلك الطير التي أعاد إليها الروح بعد تقطيعها وتفريقها في الأرض.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم حقق لنا هذا الرجاء يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.وها نحن مع هذه الآية المباركة من سورة البقرة المباركة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259].هذا الكلام من يستطيع أن يأتي به؟ هذا كلام الله رب العالمين، فقولوا: آمنا بالله!ومحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الأمي العربي فرد من أفراد الأميين يقص هذا القصص كأنه حاضر وشاهد الأحداث كما هي، كيف يتم هذا لولا أنه رسول يوحي الله إليه بالأنباء والأخبار التي يستحيل على البشر أن يردوها بمنطق أو حجة أو دليل؟

أثر ولاية الله تعالى لعباده المؤمنين

وهذه الآية كسابقتها دليل على قوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]، من ظلمات الجهل إلى نور العلم.وبالأمس كان الخليل إبراهيم في السجن ويسأله ملكهم النمرود عن ربه: من ربك؟ قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، قال الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، فألهم الله الحجة لإبراهيم صاحب الإيمان والنور فقال: إن ربي يأتي بالشمس من المشرق فائت بها أنت غداً من المغرب! فبهت الذي كفر، انقطع ولم يستطع الجواب أو يتكلم بكلمة، وكيف يرد هذا؟ هل يقول: سنعمل ذلك؟ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]، وهذه الجملة المذيل بها الكلام تزن الدنيا وما فيها، اسمع: إن الله لا يهدي القوم الظالمين إلى ما فيه سعادتهم وكمالهم، إلى ما فيه عزهم وانتصارهم، إلى ما فيه سعادتهم، إلى أي خير؛ لأنهم ظلموا وخرجوا عن الطريق وهم يتقلبون، فمن يهديهم؟ آمنا بالله. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] إلى ما فيه كرامتهم وطهرهم وصفاؤهم وعزهم وسعادتهم ونصرتهم على أعدائهم، ولكن الله هدى إبراهيم للجواب المفحم القاطع الذي بهت به العدو أمامه.

أثر ولاية الله تعالى لإبراهيم الخليل في محاجة النمرود

أعيد تلاوة الآية: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، يكفر ويتعالى ويطغى، وهذه لفتة أيضاً عجيبة: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، وجربنا هذا حتى في إخواننا، ما إن يحصل على قرش أو مركبة حتى يتكبر، كان بهلولاً من الصالحين يكنس المسجد ويمشي مع الناس، ما إن يرتفع حتى يتكبر، ما استعمل تلك الأرقام الثمانية في قوله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] إلى آخر الآيات. كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، والأمة ما تعالج في هذه المستشفيات وما يعرفونها ولا سمعوا بها، فكيف تراهم إذاً؟ الظلم والشر والخبث والفساد والخيانة، مرضى وما عولجوا في مستشفيات النفس، فعلاج النفس في المستشفى الرباني الإلهي، ودعنا من البكاء فإنه لا يجدي، وهيا نتمم الآية تلاوة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]، هذا مظهر من مظاهر ولاية الله لأوليائه ونصرتهم، الطاغية النمرود بكل قواه فشل وما استطاع أن يجيب، فأمر به فألقي في النار، فقال الرب جل وعز خالق كل شيء: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فوالله! لم تأت النار إلا على كتافه في رجليه ويديه، وخرج وجبينه يتصبب عرقاً، وتركهم وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:99-100]، فأول هجرة في الله تعالى عرفتها البشرية هجرة الخليل إبراهيم.فلم المسلمون ما يعرفون هذا؟ لأنهم يقرءون القرآن على الموتى فقط، أما على الأحياء فممنوع، القرآن يقرأ على الموتى، وهناك نقابة، فبالتلفون اتصل: مات عندنا ميت، فيقول: من فئة المائة ليرة أو من فئة خمسمائة، فإذا كان فقيراً فمن فئة المائة، والغني من فئة خمسمائة، وأبناؤنا يقرءون القرآن في الكتاتيب لهذا الغرض، لا ليعرفوا الله وما عنده، أكثر من ثمانمائة سنة ونحن هابطون.فالقرآن حين يقرأ على الموتى فإني أسألكم بالله: هل سيقومون ليعبدون الله؟! والله يقول وقوله الحق: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69]، رد على من قالوا: القرآن شعر، وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:69-70]، أم قال: لتقرأه على الموتى؟ وقال: لينذر من كان حياً أو من كان ميتاً؟ونحن إذا مات فلان قيل لطلبة القرآن: احضروا سبع ليال، وإن كان غنياً فإحدى وعشرون ليلة وهم يقرءون القرآن ويضحكون.


تفسير قوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ...)

ثم قال تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259].

المراد بالقرية والشخص صاحب الحادثة في الآية الكريمة

إذاً: بعد تلك الآية من آيات الله المحققة لوعده بولايته لأوليائه جاءت هذه الآية: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ [البقرة:259]، والقرية في عرف القرآن: المدينة الكبيرة، وفي عرف الجغرافيين المتتلمذين للغربيين: القرية دون المدينة؛ حتى يبعدوا الناس عن القرآن، القرآن هو أول من قرر القرية وأنها المدينة الكبيرة، أما قال: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى [الأنعام:92]، فما هي أم القرى؟ مكة المكرمة.إذاً: مر على قرية، فمن هذا المار؟ ذكر أهل العلم أقوالاً كثيرة: كالخضر، وفلان، وعزير، والراجح أنه عزير عليه السلام.إذاً: مر بقرية وهي مدينة القدس، ولم سميت المدينة قرية؟ لأن هذا مشتق من التقري الذي هو الجمع، قريت الماء في الحوض: أي: جمعته، وسمي القرآن قرآناً لجمع كلماته ونظمها في جمل وآيات، إذاً: القرية هنا ما هي بمدينة صغيرة، هي مدينة القدس. قال تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259]، وخاوية ليس معناها: جائعة بلغة المغرب، يقولون: خوى بطنه: فرغ فهو جائع، فخاوية هنا بمعنى: خالية، وهي كذلك، خوى البطن: فرغ. وخوت المدينة: ما بقي فيها سكانها، لكن قوله تعالى: خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259] لأن السقوف التي كانت تعرّش للظل والوقاية من الحر والبرد وقعت على الأرض فهي خاوية على العروش.

معنى قوله تعالى: (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها)

قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:259].هذه القرية من هدمها؟ هذا الذي هدمها يقال له: بختنصر ، هو الذي غزا المسلمين هناك من بني إسرائيل وانتقم منهم وخرب بيت المقدس، حتى التابوت هو الذي أخذه كما تقدم، والتوراة أخذها، والعزير ألهمه الله إياها فأملاها على بني إسرائيل فقالوا: إذاً: هذا ابن الله، هذا سر اتخاذه ابناً لله من سورة التوبة، لم؟ اندهشوا، التوراة أخذها الطغاة الجبابرة ومزقوها، وهذا قال: تعالوا أمليها عليكم، فأملاها عليهم فقالوا: هذا ابن الله؛ فكفروا.إذاً: العزير عليه السلام مر بهذه المدينة فقال: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:259]؟ أي: كيف يحييها؟ من باب التطلع إلى المعرفة، وفيه معنى الاستبعاد، هذا الأمر بعيد، فما تعود هذه أبداً، كيف تعود كما كانت؟ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:259]؟ ماتت القرية، انقطعت الحركة والكلام، كما يقال: مات الشخص: إذا ما بقي له كلام ولا حراك.

معنى قوله تعالى: (فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم)

فماذا فعل الرب تبارك وتعالى؟ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ [البقرة:259]، وكان على رأسه سلة من العنب وأخرى من التين، فوضعهما وربط الحمار ليستريح في القيلولة، فأغمض عينية فخرجت روحه مائة عام وهو كذلك، وممكن أن يمر الناس به فيقولوا: هذا نائم، أو أنه أعماهم الله ودفعهم فلم يروه، فأصحاب الكهف ماتوا ثلاثمائة سنة! إذاً: فلا عجب، أماته الله تعالى مائة سنة ثُمَّ بَعَثَهُ [البقرة:259] أحياه، لما أحياه قال له: كَمْ لَبِثْتَ [البقرة:259]؟ سأله ربه بالوحي الإلهي أو عن طريق الملك: كم لبثت في نومك هذا؟ قال: يوماً أو بعض يوم؛ لأن الشمس ما غربت ولا يدري أهو نام من الضحى أم من طلوع الشمس، إذاً: حتى لا يكذب قال: يوماً أو بعض يوم حسب علمه؛ لأنه نام واستيقظ، لا آلام في المفاصل ولا غبار في الشعر ولا في الوجه، محفوظ بحفظ الله تعالى.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #50  
قديم 10-08-2020, 04:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ...)

قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ [البقرة:259]، مائة عام، والعام أطول من السنة، وكيف يعرف؟ من يدريني أنني لبثت مائة عام على الأرض ميتاً؟ قال له: إذاً: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ [البقرة:259]، الطعام: عنب وتين، والتين عندنا نحن جربناه، يقولون: التين إذا بات كاليهودي إذا مات، إذا مات يهودي فالماء يسيل من فمه، والرائحة الكريهة، والوسخ، أعوذ بالله! فمن يقدر على أن يشاهده، والتين كذلك إذا بات في غير ثلاجة، ما كان هناك ثلاجات في العالم، فيتعفن ويتغير لونه، ما يؤكل، كالذي رأيته أمس فرميناه اليوم، جاءنا مؤمن من مصر بزنبيل أو سلة تين من هذا النوع، فما قدرنا عليه. إذاً: وشرابه عصير، قال تعالى: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259]، ما معناه؟ لم يتغير بمرور مائة سنة عليه، ما أثرت فيه السنون، مائة سنة والعنب والتين كما هما، والعصير والعنب كما هما، هذه عناية الله عز وجل، هذا حفظ الله عز وجل، يصرف القلوب من الإنس والجن، يصرف الحيوانات، يريهم ما يفزعهم حتى لا يقربوا إليه ولا يدنوا منهم، وهو يقول للشيء: كن فيكون، فاندهش الآن وتأكد أنه نام مائة سنة، كيف؟ إنه فعل الذي قدر على إماتتك مائة سنة وأحياك، انظر إلى العجب الذي هو أكثر منك: تين وشراب ما يتغير على مر عشرات السنين.وأعظم آية هي الأخرى: وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259]، أين الحمار؟ فنظر وإذا بالعظام بيضاء تلوح هنا وهناك، هذا مشاهد، إذا مات الحمار تأتي الحيوانات تأكله وتبقى عظامه بيضاء تلوح في الأرض. وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259]يا عبدنا، وإذا بتلك العظام تتجمع آلياً أوتوماتيكياً العظم إلى العظم، وتناسبت كل الأجزاء، وغشيت باللحم والجلد وإذا بالحمار يقف، فاركب وكل واشرب وامش. وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259]، وقراءة نافع وغيره: (ننشرها)، كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259]، أي: نرفعها، والمعنى كله صحيح. وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259]، وعادت تلك المدينة كما كانت، وأعظم مما تكون، وأخزى الله بختنصر وجيشه ورجاله، آية من آيات الله عجب.


ملخص لما جاء في تفسير الآية

يقول تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ [البقرة:259]، هذه مدينة القدس الطاهرة، وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259]، سقطت مبانيها وسقوفها على الأرض.قال عزير: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ [البقرة:259]، والبرهنة: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259]، الطعام والشراب مر عليهما مائة سنة وما تغيرا؟! عجب هذا، ولا عجب مع قدرة الله عز وجل وعلمه وحكمته. وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259]، وهل تعرفون بعض خبر الحمار؟ إن الذين يقرءون القرآن ويحفظونه ويقرءونه على الموتى ولا يعملون به هؤلاء هم الحمر، واقرءوا قول الله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة:5]، يحفظ القرآن ولا يفهم منه كلمة، ولا يقوم بواجب، ويقرؤه فقط على الموتى، هذه حالنا دهراً طويلاً حتى أنقذنا الله بما شاء أن ينقذنا، كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5].وعندنا لطيفة: أيام كنا ندرس النحو، كان المعلم يضرب المثل دائماً بالحمار، يقول: ضرب زيد الحمار، مررت بحمار، فلماذا الحمار فقط؟ قالوا: لأنه أبلد مخلوق، وتمضي الأعوام، وجاءت السيارات وأصبحنا نركب السيارة، فتمر على الحمار في الطريق فتضرب له جرس السيارة وتنادي ليبتعد فلا يفهم أبداً، يمد رأسه ويمشي، فقلنا: سبحان الله! ألهم الله تعالى النحاة هذه، فقلنا: نعم، وقد يكون فلان أشد بلادة من الحمار.والرسول صلى الله عليه وسلم ركب الحمار، وأذكركم بحمار عبد الله بن عمر ، فـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان قادماً من مكة أو ذاهباً إليها، ثم نزل ليستريح، أو جاء الليل لينام، فنام واستراح وإذا بأعرابي، فنظر إليه ابن عمر فقال له: ابن من أنت؟ قال: أنا ابن فلان، فقام فأخرج عمامة كان يربط بها رأسه في الليل يشده بها، وأعطاه العمامة وأعطاه حماره، فـنافع مولاه رضي الله عنه تعجب: يا مولاي! هذا أعرابي يكفيه حفنة تمر، كيف تعطيه عمامتك وتعطيه حمارك؟ هذا الحمار تروح به على نفسك. أي حين يمل ركوب البعير فيركب الحمار للترويح على النفس.فقال: يا نافع ! أتدري من هذا؟ هذا والده كان صديقاً لـعمر ، وهنا تتجلى حقيقة، وهي بر الوالدين، فأصدقاء أبيك وأمك ينبغي أن يبقوا أصدقاء تزورهم وتكرمهم، وتبجلهم وتحترمهم كاحترامك لأبويك، هذه الروابط والصلات الربانية، أبوه كان صديقاً لـعمر ، فأعطاه حماره وعمامته. وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259]، أي: انظر إلى حمارك لتتأكد من صحة ما سمعت أولاً، وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259]، آية على ماذا؟ على وجود الله رباً وإلهاً، وعلى قدرته على كل شيء، حيث لا يعجزه شيء، وعلى علمه الدقيق الذي أحاط بكل شيء، وعلى حكمته التي لا يخلوا منها شيء، وبهذا استحق بأن يعبد وحده ولا يعبد غيره، واستحق أن يطاع ويطبق شرعه، لما فيه من الإكمال والإسعاد للبشرية، لا أن تطاع الفروج والأهواء والشهوات والضلال والملاحدة والكفار. وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259] دالة على قدرتنا وعلمنا وربوبيتنا وألوهيتنا موجبة لعبادتنا وحدنا؛ فلا إله إلا الله، وهو أيضاً آية من آيات النبوة المحمدية، لو لم يكن رسول الله فكيف يتلقى هذا العلم؟ من أين يأتيه؟ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا [البقرة:259]، أغمض عينيك فقط وشاهد وانظر فتتجلى الحقيقة كما هي.إذاً: لما شاهد قال: أَعْلَمُ [البقرة:259]، وفي قراءة: (اعلم) أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259]، والكل واحد، فهذه آية.

دلالة الآية على ولاية الله تعالى للمؤمنين

وبقيت أخرى إليكموها: هي أن كل هذا لتعلموا أن الله ولي الذين آمنوا، أما مؤمن ويشرب الحشيش، مؤمن ويركل المؤمنين برجليه، مؤمن ولا يشهد الصلاة مع المؤمنين؛ فهذا كذاب، المؤمن: الذي يدفعه إيمانه إلى أن يطيع الله ورسوله، فلا يخرج عن أمرهما ولا يفسق عنهما بحال. ولهذا في آية يونس قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لا في الحياة هذه، ولا في البرزخ ولا يوم القيامة، ومن هم أولياء الله؟ هل سيدي عبد القادر ، مولاي إدريس ، العيدروس ؟ يا رب! بين لنا أولياءك لنعرفهم حتى نمشي وراءهم، ونقتدي بسلوكهم ونتعلم الهدى والعلم منهم، لا نعبدهم بالحلف بهم، والذبح لهم، والنذور لهم، والعكوف على قبورهم. لقد مررنا ببلد ما أيام الدعوة وإذا بالنساء والأطفال والرجال مخيمين، قلنا: ما هذا؟ قالوا: هؤلاء زوار سيدي فلان، سبعة أيام وهم عاكفون يدعون غير الله، ويمر بهم علماء، بل ويشاركونهم أيضاً! فمن أبعدنا عن نور الله؟ الثالوث الأسود: المجوس واليهود والنصارى، فهيا نكرههم ونبغضهم ونتخلى عنهم، لسان حالنا: ما نستطيع، نمشي وراءهم حتى نهلك كما هلكوا، هذه حالة أمة الإسلام، صرفوها عن مادة حياتها وسعادتها.

تفسير قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ...)

ثم قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ [البقرة:126]، من إبراهيم هذا؟ هذا أبو الأنبياء، هذا أبو الضيفان، هذا الخليل هذا جد نبيكم.مداخلة: .. الله.الشيخ: الحمد لله، هذا الأب الرحيم باني الكعبة.إذاً: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ [البقرة:260]، أي: يا رب، لم حذف ياء النداء؟ لا يحتاج إليها؛ لقرب الله تعالى، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، أما الذين يحتاج إلى الياء فهو البعيد: يا فلان، يا فلانة، أما الله تعالى فما يحتاج إلى ذلك، تقول: رب هب لي من لدنك رحمة. قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]، لا تلوموه وهو الخليل، تخلل حب الله خلاياه وثغرات جسمه وقلبه، يعيش مع ربه، رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]، حتى يطمئن قلبي وتهدأ أعصابي ونعرف كيف يتم هذا، أنا مؤمن بأنك تحيي الموتى وأحييت وتحيي، لكن نريد أن نعرف ليرتفع منسوب إيماني ويقيني.وقد ذكرت لكم مثلاً وضحت لكم به القضية: هل فيكم من لا يؤمن بأن الشاشة في التلفاز تنقل حقيقة من هم في المركز، هل هناك من يشك؟ لا أحد، لكن قد تقول: كيف يتم هذا؟ لو وجدت من يبين لك وهم لا يعرفون، وما يستطيعون أن يبينوا لقلت: كيف هذا؟ هو في الشرق وأنا في الغرب، ونشاهده يتكلم أو يرقص! فلا عجب في قول الخليل عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]؛ لأن إحياء الموتى أعظم آية، والله! لو يجتمع العالم بأسره وابدأ بالذين يقولون: لا إله، وهم البلاشفة الحمر، لو اجتمعوا بأطبائهم وكل ما لديهم على أن يردوا الحياة لميت؛ فوالله! ما يستطيعون، والله! ما يقدرون ولا لذبابة، إذاً: قولوا لهم: قولوا: لا إله إلا الله، لم الفرار والهروب حتى لا تعبدوه فتكملوا وتسعدوا؟ فإنكم تخسرون وأنتم لا تشعرون.

معنى قوله تعالى: (قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)


قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]، فقال الله عز وجل له: قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ [البقرة:260]، أتقول ما تقول ولم تؤمن؟ قَالَ بَلَى [البقرة:260]، كيف لا؟ نؤمن بك أنك تحيي الموتى، وأنك على كل شيء قدير، وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، ماذا قال أبو القاسم؟ ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )، لو كان إبراهيم شك فنحن أحق بالشك، ونحن -والله- ما نشك، إذاً: والله! ما شك إبراهيم أبداً.وماذا قال عن يوسف عليه السلام؟ قال: ( ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي )، يوسف عليه السلام لبث سبع سنين في السجن، وجاءه رسول الحكومة، فقال: لا حتى يمتحن هذا الحادث وتظهر الحقيقة، وأنني بريء.إذاً: قال إبراهيم: وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، وتسكن روحي وتهدأ بالمشاهدة، فأجابه الرحمن، وكيف لا وهو وليه؟! اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، من الجهل، الشك، الارتياب، إلى نور اليقين والعلم، وهذا كائن إلى الآن وإلى يوم القيامة، من والى الله ولاية حقه لن يخزيه ولن يذله، ولن يخيفه ولن يحزنه، على شرط أن يوالي الله موالاة حقيقة، ما يفضل عليه كأس اللبن.

معنى قوله تعالى: (قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ...)

إذاً: قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ [البقرة:260]، ولسنا في حاجة أن نقول: غراب، عقاب، وحمامة.. ما هناك حاجة إلى هذا، هذا علم لا ينفع والجهالة به لا تضر، وهذه القاعدة محروم منها المسلمون، وخاصة طلبة العلم، يقضي الساعة والساعات والجدال في شيء ما ينفع، في علم لا ينفع والجهالة به لا تضر، أيما شيء علمك به لا ينفعك اتركه، أو جهالته لا تضرك اتركه، لم تضيع فكرك ووقتك؟ وهذا يلهينا عن طلب الحق وبيانه للناس، ونحن مشغولون بهذه، علم لا ينفع وجهالة لا تضر، فإذا عرفنا العقاب والغراب وسائر الأربع فماذا استفدنا؟ فهل العبرة بها أو بحياتها بعد تمزيقها؟ يا أبناء الإسلام! إذا كانت القضية في الحديث والتفسير، في السياسية، في أي موضوع، وتعلم أن علمك بها ما ينفعك، وأن جهلك بها ما يضرك؛ فاتركها، والقاعدة: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، في كل مجالات الحياة. قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ [البقرة:260]، اجمعهن إليك واذبح ومزق، ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا [البقرة:260]، جاءت الطيور، حصل عليها وجمعها، فذبحها وجزأها واحتفظ برءوسها، وخلط العظام والأفخاذ والظهور والسيقان، ووزعها على أربعة جبال، ما هذه الجبال الأربعة؟ علم لا ينفع وجهالة لا تضر، ممكن أنه لو عرفناها سنمشي لنعبدها أيام كنا ضلالاً ونتبرك بها، فمن الخير ألا تعرفها، علم لا ينفع وجهالة لا تضر، أيام كان الهبوط كان -والله- أكثر علماء المسلمين يشتغلون بهذه، والصراع والجدال فيها؛ لأنهم موقوفون، ما هناك دعوة دافعة إلى أن يعبد الله وحده، إلى أن تستقيم الآداب والأخلاق، هذا ما هو من نصيبهم، جدالهم يدور في هذه المسائل، وإن شئتم حلفت لكم على أنا رأيناهم كذلك.إذاً: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ [البقرة:260]، أي: من الطيور الأربعة جُزْءًا [البقرة:260]، ليس بشرط أن يكون بالمقادير، بل جزء منها. ثُمَّ ادْعُهُنَّ [البقرة:260]، نادهن: يا طيور! تعالي. وما هي إلا لحظات، وقد سبق في الحمار كيف تم خلقه في لحظات، وإذا بالطيور تتكامل في الخلقة، لحم العقاب مع العقاب، ولحم الغراب مع الغراب وعظامه، وتأتي واحداً بعد واحد، وما ظهر منها كاملاً وضع رأسه عليه وانطلق. ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا [البقرة:260]، ليست جريحة تململ.

معنى قوله تعالى: (واعلم أن الله عزيز حكيم)

وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260]، (عَزِيزٌ): غالب لا يقهر، عزيز لا يمانع في شيء أراده أبداً، قادر على أن يذل الأعزاء ويعز الأذلاء.(حَكِيمٌ): يضع كل شيء في موضعه، الشمس وضعها في ذلك المجال، لو تزحف بالزيادة بالنقصان فسيخرب العالم، كل شيء في موضعه، وهذا هو الحكيم، وهذه هي الحكمة، فكيف يعرض عن كتابه وشرعه ودينه؟ كيف تطلب الحكمة من الفساق والفجار ويقتدى بهم ويؤتسى بهم؟ الحكمة أين توجد؟ توجد عند أهل القرآن، أهل الإيمان والتقوى.اسمع هذا البيان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، إعلان عن أعظم جائزة في الدنيا، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، كل واحد عنده جهاز رباني، ينظر إلى الشيء فيعرف خطأه من صوابه، هؤلاء هم الذين يجب أن يسوسوا العالم الإنساني، والعالم الإسلامي أولاً، أما أصحاب الظلمة التي آثارها واضحة في السلوك، الظلمة الناتجة عن الفسق والفجور والكفر بالله ولقائه، والإعراض عن ذكره وكتابه؛ فهولاء كيف يسوسون، إلى أين يسوقون البشرية؟ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، عمر يقول عنه عبد الله ولده: ما قال أبي في شيء: أظنه كذا إلا كان كما ظن! فما سبب هذا؟إنه صفاء الروح، زكاة النفس؛ لأنه أبعد عنها ما يدسيها ويلوثها من الكذب والخيانة، والباطل والشرك والمنكر، فصفت فانكشف أمامه كل شيء، فالمؤمن ينظر بنور الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 310.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 304.29 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]