شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836892 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379405 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191257 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 661 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 947 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1099 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 18-09-2020, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (21)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل













مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"



تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)













[وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة]، هذه العبارة هي عبارة الطحاوي، إلا أن الطحاوي في عقيدته زاد عليه بقوله: "ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"، [وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة]؛ أي: ما لم يقع منه استحلال؛ لأنه إن استحل الذنب ولو لم يفعله، من اعتقد أن الزنا حلال، وهو عالم، أو الربا حلال، وهو عالم، ولو لم يزنِ، ولو لم يرابِ، مجرد اعتقاده كفر، إذا كان عالمًا، أما إذا كان جاهلًا فالجهل يمنع من تكفيره عينًا، الجهل أو التأويل أو الخطأ أو الإكراه، موانع من موانع التكفير؛ ولهذا الكفر له موانع، منها الجهل، هذه اضبطوها، يحتاجها طالب العلم في مباحث التكفير، من موانع التكفير: الجهل، فمن كان جاهلًا ووقع في الكفر على جهل، نقول: الكفر الذي وقع فيه الكفر الأكبر، لكن في عينه لا يكون كافرًا كفرًا أكبر لعذر جهله، وشيخ الإسلام في كشف الشبهات وغيرها قعد قاعدة، الخاتمة الجامعة، قال: فمن عرف التوحيد وتركه، أو عرف الكفر ووقع فيه غير مكره فهو غير معذور، انتبه لها يا طالب العلم، فمن عرف التوحيد وتركه، إذا ترك التوحيد عن جهل أم عن علم؟ عن علم، أو عرف الكفر ووقع فيه، إذا وقع في الكفر عالمًا أم جاهلًا؟ عالمًا، غير مكره فهو غير معذور، المانع الثاني من موانع التكفير: التأول، أن يتأول، يظن أن هذا هو الحق، فهذا يمنع من تكفيره، الذين نفوا علوَّ الله جل وعلا على خلقه، ومنهم أئمة وعلماء، هل يكفرون بهذا؟ نفي علو الله على خلقه كفر، لكن ليس كل من نفاه يكون كافرًا؛ لأن هنا مانع التأويل، التأويل منع من تكفيرهم عينًا؛ لأن التكفير لا بد أن يكون كهذه البيضاء، دون أدنى شبهة، والحد يدرأ في شريعتنا بأدنى شبهة؛ لحديث: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات))، المانع الثالث من موانع التكفير: الإكراه، إذا وقع في كفر أكبر مكرَهًا، كمن سب الله مكرَهًا، أو سب النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مكرَهًا، هذا مانع من موانع التكفير؛ ولهذا لما سبَّ عمارٌ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، هل عذروا أو لم يُعذَروا؟ عذرهم النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وقال: ((إن عادوا، فعودوا))، وأنزل الله في هذا الآية العظيمة، التي هي أصل في هذا الباب، من سورة النحل: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ﴾ [النحل: 106]، المانع الرابع: الخطأ، أن يقع في الكفر مخطئًا، يعرف أن هذا خطأ، وأن هذا كفر، مثل ذلك الرجل الذي لما أضاع دابته، وعليها طعامه وشرابه، في فلاة من الأرض، حتى ظن الهلكة، فلبث في أصل شجرة فنام، فما استيقظ إلا ودابته على رأسه، قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، هذه الكلمة كفر أو ليست كفرًا؟ كفر، ولكنه قالها مخطئًا، فعذر، (أخطأ من شدة الفرح)، فعذره الله جل وعلا، لاحظتم يا إخوان، فهذه الأربع هي أشهر موانع التكفير، ثمت موانع فيها خلاف بين أهل العلم، ليس هذا مقام بسطها، والتكفير في شرائطه وفي موانعه اقرؤوا فيها كتب أحكام المرتد، وتصانيف أئمة الدعوة رحمهم الله أجلت هذه المسألة إجلاءً عظيمًا، وأخصرها رسالة للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين، مفتي الديار النجدية في تكفير المعين، عني فيها بهذا، ضد هذه الموانع هي الشروط، شروط التكفير: أن يكون عالمًا به، أن يكون غير مكره، أن يكون عامدًا، وأن يكون مختارًا، وأن يكون قاصدًا؛ ولهذا قد يصدر من بعض العوام ألفاظ فيها سوء أدب مع الله، لكن لا يؤاخذون بها، في شمال المملكة، في بلدة من البلدان، ذكروا أن شيخًا كبيرًا عمره قريب من التسعين، اسمه عويد، وعويد هذا الناس يحجون، وهو ما حج، فأشغب عليه قومه وأكثروا عليه الكلام، فلما أكثروا عليه حج معهم، فذهب إلى مكة، فوجد الحرم مليئًا بالطائفين في الحج، يذكرون الله ويدعون ويستغفرون، وهو شايب كبير، ما يدري، ينظر إلى الناس، وينظر إلى الكعبة، الناس يدعون، وهو لا يعرف ما يقول، فلما أن رأى هذا المقام وهو يمشي، فالتفت إلى الكعبة، وقال: "يا ربي، شفني، جيتك، لا تقول باكر: عويد ما جاني"، هذا القول لو قاله عالمًا يكون إما استهتارًا أو استهزاءً، أو لا يليق بالله، لكن هذا يعذر، لماذا؟ لأن هذا مبلغ ما عنده، وأنا أثق وأعتقد بالله جل وعلا أن الله لا يؤاخذه، بل يثيبه على قوله؛ لأنه ما قال ذلك إلا حبًّا لله جل وعلا، آخر، رأيته وأنا صغير في المسعى، يسعى، وهو يدعو، ويقول: رب اغفر وارحم، وإن لم ترحم لازم أن ترحم، هذا إلحاح على الله واعتداء بالدعاء، ولكن هذا الذي أدى إليه لسانه، فلا يكون منه والحال هذه سوء أدب مع الله، ولهذا كنت صغيرًا، وأمشي مع والدي، يقول: انظر كيف يلح على الله جل وعلا بطلب الرحمة، والله جل وعلا يعلم من الناس نياتهم ومقاصدهم، فيؤاخذهم عليها، ولهذا في الحديث: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم))، وهذا أمر معتبر جدًّا في مسائل التكفير، تكفير المُعيَّنين.







[وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة]، يعني: إذا ثبت أنه من أهل القبلة، ما المراد بأهل القبلة؟ أهل الصلاة، وهذا معنى أهل القبلة في اصطلاح العلماء، أهل القبلة؛ أي: الذين استقبلوا قبلتنا، فهم أهل صلاة، ما هم مضيعين للصلاة، شهدوا أن لا إله إلا الله، وصلوا صلاتنا، وهذا هو الحد الذي يكون به المسلم منا، وله ما لنا، وعليه ما علينا، لا يكفر بذنب، والذنب هنا ما خلا الشرك، أما إذا أشرك وكفر فهذا يخرج عن هذا الباب، ولعلي أشير ها هنا إلى ثلاثة ضوابط شهيرة في هذا الباب، وإلا فإن الأصول والقواعد والضوابط في الكفر قد بلغت تقريبًا ثلاثة عشر أصلًا وضابطًا، الضابط الأول في هذه المسألة: أن التكفير حكم شرعي محض، ما معنى ذلك؟ معناه أنه حكم شرعي خالص، مرده إلى الله ورسوله فقط، إذًا فمصدر التكفير للمعينين وغير المعينين هو إلى الله ورسوله، لا إلى أهوائنا، أهل البدع شعارهم إذا خالفهم الإنسان كفروه، وعندهم أن التكفير ليس حكمًا شرعيًّا محضًا، وإنما حكم شرعي مرده إلى أهوائهم، أما أهل السنة فعندهم أن التكفير حكم شرعي محض، مرده إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولخصت لكم ذلك بأن قلت لكم، فمن كفره الله ورسوله عينًا نكفره عينًا ولا كرامة، هل يمكن أن يصح أن يقال: إن إبليس أو فرعون مؤمنون؟ أو لا نكفرهم؟ لا، إلا على مذهب المرجئة وغلاة المرجئة، وإلا فهم كفار بتكفير الله لهما، فمن كفره الله ورسوله عينًا بنفسه، فإننا نكفره عينًا ولا كرامة، فرعون هذه الأمة هو أبو جهل، عمرو بن هشام، الثاني: من كفره الله ورسوله جنسًا، فنكفره جنسًا ولا كرامة، الله ورسوله كفَّرَا المشركين، والمجوس، واليهود والنصارى، والكافرين، فجنس هؤلاء كفار، ومعنى جنس؛ أي: غير معينين، لو قال قائل: لا، اليهود إخواننا، والنصارى إخواننا، ما هم بكفار، أو المجوس ليسوا كفارًا، هذا أتى ناقضًا من النواقض؛ ولهذا مر عليكم، إن كنتم تحفظون نواقض الإسلام، ونواقض الإسلام بالمناسبة كثيرة، ليست محصورة في العشرة، ولهذا الأصول الخطية لنواقض الإسلام لما راجعناها فيها هذا المعنى، أن نواقض الإسلام كثيرة "أشهرها عشرة"، شيخ الإسلام رحمه الله ذكر أن الفقهاء ذكروا، الشيخ منصور البهوتي في شرح الإقناع، وغيره ذكروا أن النواقض قد تزيد على أربعمائة ناقض، أشهرها عشرة، الناقض الثالث منها قال الشيخ: "مَن لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم"، هذا أتى ناقضًا؛ لأنه اعترض على حق الله جل وعلا في تكفير هؤلاء جنسًا، الثالث: من كفره الله ورسوله وصفًا، فهذا يكفر إذا قام به الوصف الذي لأجله كفره الله ورسوله، وهذه وظيفة العلماء، والقضاة الشرعيين الفقهاء، الذين يطبقون هذا الوصف على المعينين، من ذلك قول الله تعالى: ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66]، هؤلاء كفروا بهذا الاستهزاء، لما قام بهم وصف الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء)، كفروا به، قبل هذا هم مسلمون بنص الآيتين: ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 66]، أثبت لهم إيمانًا تلاه وأعقبه كفر، وفي الآية بعده قال: ﴿ وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ﴾ [التوبة: 74]، إذًا من قام به وصف الكفر؛ كأن يصدِّق بالسحِّر، أو يرضى به، أو يصدق بالكهان، أو يدعي علم الغيب، أو يسجد لصنم، إذا قام به وصف الكفر، بوصفه المعتبر عند أهل العلم لما ذكر الله أنه كفر أكبر، أو ذكر النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ذلك، فإن هذا يكفر بعينه ولا كرامة له، هذه كلها منبثقة من الأصل الأول؛ أن التكفير حكم شرعي محض، مردُّه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، القاعدة الثانية في هذا: أن الكفر أنواع: فها هنا كفر أكبر، وكفر أصغر يسمى بالكفر العملي، الكفر الأكبر هو المخرج من الملة، والكفر الأصغر لا يخرج من الملة، الكفر الأكبر يوجب الخلود في النار، الكفر الأصغر قد يوجب الدخول في النار، لكن لا يوجب خلودًا فيها، الكفر الأكبر لا يغفره الله جل وعلا، والكفر الأصغر تحت المشيئة، إن شاء الله غفر لصاحبه، وإن شاء عذبه، الكفر الأكبر يحبط العمل ممن كان، حتى لو كان من خلَّص عباد الله؛ ولهذا قال الله جل وعلا في آية الزمر في آخرها: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ ﴾ النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ﴿ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، في سورة الأنعام، لما ذكر سبحانه الأنبياء، ذكر أسماء وأعيان ثمانية عشر نبيًّا ورسولًا، ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ... ﴾ [الأنعام: 83، 84] الآيات، إلى أن قال: ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88]، إذًا الشرك والكفر الأكبر يحبط العمل، مهما بلغ هذا العمل تقًى أو صلاحًا أو زكاةً، فإنه يحبطه، أما الكفر الأصغر، ومنه الشرك الأصغر أيضًا، فلا يحبط جميع العمل، بل نص العلماء أن الشرك الأصغر كالرياء يحبط العمل الذي صاحَبَه فقط، لا جميع العمل، الكفر الأكبر يذهب عصمة الدم والمال، والكفر العملي لا يذهب عصمة الدم والمال، وقل مثل هذا القول أيها الأخ المبارك في الشرك الأكبر والشرك الأصغر، وقل مثل هذا في النفاق الاعتقادي والعملي، إذًا الكفر لا بد أن نعلم أنه نوعان، كفر أكبر وكفر أصغر، الذي يعني بالتكفير هو الأكبر، فمن كفر الناس بالكفر الأصغر فهو من الوعيدية، كالخوارج أو المعتزلة الذين عندهم مطلق التكفير بالذنوب والمعاصي والكبائر، وكذلك الشرك شركان، شرك أكبر حكمه حكم الكفر الأكبر، وهناك الشرك الأصغر، وهو كل ما ورد من الذنوب تسميته شركًا ولم يبلغ حد الشرك الأكبر، أو كان وسيلة من وسائل الشرك الأكبر، أيضًا النفاق، هذا المصطلح الثالث الذي جاءت به الشريعة، النفاق نفاق اعتقادي أكبر، وثمة نفاق عملي أصغر لا يخرج من الملة، خصال النفاق الخمسة: ((إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان))، ((وإذا عاهَدَ غدر، وإذا خاصَم فجَر))، كما جاء فيها حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وإذا عرفت أن الكفر على أنواع، فاعلم أنه على مراتب، وهذا على وجه آخر، كما ذكره ابن القيم في كتابه الصلاة، وشيخه، والعلماء، أن الكفر مراتب، منها كفر يخرج من الملة، وهو الكفر الأكبر، ومنها كفر لا يخرج من الملة؛ كقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر))، هل معنى هذا أنه إذا قاتل مسلم مسلمًا نحكم عليه بالردة؟ نحكم عليه بذلك، شيخ الإسلام ذكر لطيفة مهمة في هذا الباب تفيد وتنفع طالب العلم جدًّا، ذكر أن الكفر في الشريعة يأتي على موردين، يأتي معرفًا بأل، ويأتي منكرًا، فإذا جاء الكفر معرفًا بأل فالمراد به بالتتبع الكفر الأكبر، مثاله: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} [البقرة: 108] الكفر هنا معرفة، فالمراد به الأكبر، ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))، الكفر هنا الأكبر، وإذا جاء الكفر في الشريعة في موارده في الوحيين منكرًا، فالأصل أنه الكفر الأصغر، ((سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر))، ((اثنتان في الناس هما بهم كفر، الفخر بالأحساب، والنياحة على الموتى))، القاعدة الثالثة في هذا الباب: أنه يجب التفريق بين ثلاث مراحل في التكفير، وهذه تفيد طالب العلم إذا فهمها وأدركها جيدًا، فعندنا في التكفير ثلاث مراحل، المرحلة الأولى: أن نعين أن هذا الذنب كفر أكبر مخرج من الملة، يتأتى ذلك بالأدلة، بالشريعة؛ لأن التكفير حكم محض لله ورسوله، فنعين بالدليل أن هذا الذنب كفر أكبر، ليس بأهوائنا ومذاهبنا وأقوالنا، بل بمستند شرعي صحيح من الكتاب والسنة، فإذا حددنا أنه كفر أكبر، وتبين بالأدلة أنه أكبر وليس أصغر، ننتقل إلى مرحلة ثانية، وهي أن تجتمع فيمن فعل هذا الكفر الأكبر شروط التكفير المعينة، وتنتفي عنه موانعه المعينة، فبالتالي يستحق لوازم هذا الكفر؛ من إقامة حد الكفر والردة عليه، حد الردة جاء في القرآن، ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة))، وأيضًا اللوازم الأخرى: ألا يصلى عليه، ألا يدفن مع المسلمين، أن تطلَّق منه امرأته إن كانت مسلمة، إن لم تكن على دينه، ألا يورث منه، هذه لوازم أخرى تنبني على تكفيره بعينه، لو ادعى أحد أنه نبي وهو مسلم، ادعاء النبوة حكمه أنه كفر أكبر بموارد الوحيين، هل هو جاهل؟ هل هو مجنون؟ هل هو مكلف؟ هل هو عاقل؟ هذه مسائل اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، ثم هل زوجته على مذهبه أو تخالفه؟ فإن كانت على مذهبه فحكمها حكمه، هذه لوازم ناشئة عن التكفير، يقيم عليه الحدَّ وليُّ الأمر، ما هي بدعوى فوضى، المسلمون أهل نظام، حتى في أدق المسائل، كيف في مسائل الدماء ومسائل قتل النفوس، الذي ينفذ هذا الحد الحاكم، الذي له في أعناق الناس بيعة، قد يصدر القاضي حكمًا بالقتل، لكن ليس للقاضي تنفيذه، إنما تنفيذه لولي الأمر، فإذا نفذه الحكم له، وإذا قصر هو يتحمل ذلك؛ لأن المسلمين ليست دعواهم فوضى، قد يقع الإنسان في كفر، ويتعين كفره، ولا يقام عليه الحد لمصلحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لم يقتل عبدَالله بن أبيٍّ ابنَ سلولَ وهو رأس المنافقين، لمصلحة رآها صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهي ألا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، إذا أقام ولي الأمر عليه الحد، أعلن أن فلانًا ارتد عن دين الله فقتل، هل نحكم بعينه هذا الذي قتل ردة أنه في النار؟ هذه المسألة هي المرحلة الثالثة، أقمنا عليه حد الردة، اجتمعت فيه الشروط، انتفت عنه الموانع، هل نحكم بعينه أنه في النار؟ الجواب: لا، وهذا أمر أجمع عليه أهل السنة في أصولهم، أنهم لا يشهدون، وهذا قول الطحاوي رحمه الله: "ولا نشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له النص الشريف بذلك، ولكن نرجو للمحسنين، ونخاف على المسيء"، وهذه المسألة ما أكثر ما يضل فيها المبتدئون من الطلبة في بداية الطلب، كثيرًا ما يضلون فيها، يعتقد بالتلازم بين إقامة حد الكفر وبين الحكم عليه بأنه في النار، الحكم عليه بالنار ليس إلينا، حتى يأيتنا وحي وعلم غيب نعرف به أنه حكم له بالنار؛ ولهذا نحن نقيم عليه الحد فيما هو بيننا وبينه، يقول أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري: "الناس عندنا مؤمنون وكفار في الظاهر"؛ أي: في أحكام الإسلام الظاهرة، وبواطنهم إلى الله، نعاملهم على ما ظهر؛ لأن هذا هو الذي كلفنا به، هل كلفنا أن نفتش عن القلوب؟ لم نكلف؛ لأنه ليس لنا إليه سبيل، لماذا حكمنا بأن أبا لهب في النار؟ لأن الله جل وعلا جعله في النار، لماذا حكمنا على أمية بن خلف بالنار بعينه؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نعم، وسيدخلك الله النار))، لماذا حكمنا بأن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وسعدًا وسعيدًا والعشرة أنهم في الجنة؟ وعكاشة بن محصن في الجنة؟ لأن هذا عن وحي، إذًا هؤلاء المعينون نحكم لهم، نشهد لهم، نقطع لهم بالجنة أو النار، ومن سواهم نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، هذا الذي أقمنا عليه حد الردة لا نقطع أنه في جهنم خالدًا مخلدًا فيها؛ لأننا لا ندري بالذي بيننا وبين الله، هب أنه تاب بينه وبين الله، ليس إلينا، ولا ينبني عليه علمنا، ولا يحيط به حكمنا، ولهذا نقول: هو إلى ربه، أما في أحكام الدنيا، فلا نصلي عليه، لا نورث منه، نبطل عقد زوجته منه، يقام عليه حد الردة، وهو إزهاق نفسه، وهو أعظم الأمور، هذه مرحلة مهمة أيها الإخوة ينتبه لها طالب العلم، ويترتب عليها حكم بعين الكافر، الكافر المعين، المنتسب لليهودية، النصرانية، المجوسية، إذا مات هو بعينه، لا نقطع له أنه في النار؛ لأن هذا ليس إلينا، لكن قد نخاف، أو يغلب على الظن أنه في النار، أو نقيد على شرط: إن مات على كفر فهو في النار، أما أن نقطع، فليس فيها عندنا بينة، كما نقطع لفرعون وأبي لهب وأبي جهل وقارون بأنهم في النار؛ لأن الحكم على المعين فرع من العلم بالنص الشريف بذلك، ولا سبيل إلى ذلك، في مسألة الحديث، لما مر على المسلمين بجنازة، فشهد لها المسلمون بالجنة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((وجبت))، ثم مرت جنازة، فشهد لها المسلمون بالشر، قالوا: هو من أهل النار، قال: ((وجبت))، هنا شهدنا لها بالنار بشهادة المسلمين أم بإقرار النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؟ بإقراره عليه الصلاة والسلام، إذًا الحكم على هذا ناشئ من حكم النبي عليه الصلاة والسلام، لا من اجتهاد المؤمنين؛ ولهذا كان الصحيح في هذه المسألة والعلماء ذكروا فيها ثلاثة أقوال: منهم من قال: لا يشهد للمعين، إلا للأنبياء فقط، ومنهم من قال: يشهد لمن شهد له المؤمنون بإطلاق، وكلا القولين مجانب للصواب، وهما قولان ضعيفان، الصحيح أنه لا يشهد للمعين بجنة، أو يشهد له بالنار إلا من شهد له النص الشريف بذلك، وهذا القول ذكر شيخ الإسلام أنه استقر عليه قول أهل السنة والجماعة.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 18-09-2020, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (21)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل














مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"



تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)






[وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون، وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدين]، هذه الجملة هي مسألة مستقر الأرواح بعد الموت إلى أين؟ فالأرواح متفاوتة، منها أرواح في عليين، وهي أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومنها أرواح معلقة بحواصل طير خضر، تسرح وتمرح في الجنة، وهي أرواح الشهداء، والشهداء حياتهم كاملة برزخية، لا نعلم كيفيتها ولا حقيقتها، فلهم حياة برزخية عند الله جل وعلا، هذا كما في آية آل عمران: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آل عمران: 169، 170]، وتعلمون أن الآية نزلت لما كلم الله جل وعلا عبدًا من عباده ووليًّا من أوليائه، هو عبدالله بن حرام الأنصاري، والد جابر رضي الله عنهما، لما قتل في أُحد، فقال الله له: ((يا عبد، تمنَّ علي، قال: أتمنى عليك يا ربي أن تعيدني إلى الدنيا فأجاهد فيك فأقتل، ثم تعيدني فأجاهد فيك فأقتل، قال: إني كتبت عليكم ألا تعودوا فيها، قال: يا رب، فأخبر بذلك من وراءنا))، انظر إلى نصح المؤمن وحبه لإخوانه، حتى وهو في هذا المقام يتمنى أن يعرف إخوانه في الدنيا فضل من أقبل مجاهدًا في سبيل الله، لا في غاية عمية، لا في جاهلية، لا ذهب يجاهد ليتخلص من الدنيا، بعض الذين يذهبون يجاهدون يقولون: نريد التخلص من الدنيا، مهموم، مغموم، فقير، مليء بالهم والغم، يروح ليقتل نفسه حتى يتخلص من الدنيا، هذا ما جاهد في سبيل الله، جاهد لينتحر، والنيات يعلمها رب النيات والمقاصد، عبدالله بن حرام جاهد في سبيل الله، ابتغى الجنة، أدرك ريحها، وأرادها وطلبها، فأخبرنا الله جل وعلا عن حالهم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لجابر لما سأله عن أبيه، وجابر لما مات أبوه كان صغيرًا، ويرعى أخواته السبع، قال: أخبرني عن أبي يا رسول الله، قال: ((ما كلم الله أحدًا كفاحًا إلا أباك، فقال: تمنَّ علي يا عبدي))، الحديث، فالشهداء حياتهم في البرزخ حياة عظيمة، أكمل منهم الأنبياء؛ لأن الأنبياء أتقى وأفضل؛ ولهذا هم في عليين، المقام الثالث أرواح أهل السعادة، أهل الجنة، باقية ناعمة إلى يوم يبعثون، وهؤلاء متفاوتون، منهم من أرواحهم في الجنة، ومنهم من أرواحهم في أفنية الجنة، ومنهم من أرواحهم على أبواب الجنة، ومنهم من أرواحهم معلقة؛ كمَن عليه دَين من الشهداء أو غيرهم، تبقى روحه معلقة حتى يوفى له بدينه، كما جاء في هذا أحاديث عديدة، ومن الأرواح أرواح تعذب على قدر معاصيها، فعذاب أهل الكبائر - إن شاء الله أن يعذبهم - أقل من عذاب أهل النار؛ ولهذا اطلع النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على تنور ومعه جبريل، أعلاه ضيق وأسفله واسع، وفيه رجال ونساء عراة، والنار تلفحهم من أسفل منهم، قال: ((من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة، لا يزالون يعذبون إلى أن تقوم الساعة))، الذي يعذب أرواحهم، كذلك في مانع الزكاة بخلًا، إن كان منع زكاة الذهب والفضة، تصفح له صفائح من نار ويكوى بها جبينه وجنبه وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله، إذا منعها بخلًا، لا جحدًا، كذلك صاحب الغنم وصاحب البقر، يأتي ولها رغاء، ولها خوار، هذا في أهل الكبائر والذنوب، كذلك أيضًا أهل النار، وأرواح أهل النار في سجين، ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴾ [المطففين: 7]؛ ولهذا جاء في الآثار عن عبدالله بن عمر وغيره أن سِجِّين هي بئر برهوت، تجمع وتحصر فيه أرواح هؤلاء الكافرين معذبة إلى يوم الدين،بعد يوم الدين يأتي العذاب على الروح والجسد جميعًا، وفي حال البرزخ إما بنعيم متفاوت بحسب أهله، أو بعذاب أيضا متفاوت بحسب أصحابه، ولهذا الدور ثلاثة، دار الدنيا والنعيم والعذاب على الجسد، الجسد كان عدمًا، ثم نشأ صغيرًا، وكبيرًا، ثم يكون فناء بعد ذلك، وقد يلحق الروح من ذلك شيء من الفرح والهم والسرور والغم، وفي دار البرزخ بالعكس، إذ يكون العذاب والنعيم على الروح، وقد يلحق الجسد من ذلك شيء، في الدار الآخرة العذاب والنعيم على الروح والجسد جميعًا، فقوله: [إلى يوم الدين]؛ أي: ينتهي عندئذ العذاب المختص على الروح، ويشترك فيه الروح والجسد عذابًا سرمديًّا، أو نعيمًا أبديًّا، وأهل الكبائر وإن لحقهم من العذاب فإنه لا يكون عليهم سرمديًّا، وإنما ينتقلون بعده إلى الجنة، نسأل الله العظيم من فضله.

[وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون؛ ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]]، هذه مسألة السؤال في القبر والفتنة في القبر، وما يكون في القبر أمر مجمع عليه، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، والعقل الصريح، أدلة الكتاب والسنة على عذاب القبر ونعيمه كثيرة ومشهورة، من أدلة القرآن: قول الله جل وعلا في سورة غافر، سورة مؤمن آل فرعون: ﴿ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 45، 46]، دل على أنهم يعذبون، في آية الأنعام: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾ [الأنعام: 93]، اليوم تجزون عذاب الهوان، ومن ذلك ما أشار إليه الشيخ من آية إبراهيم: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]، تثبيتهم في الدنيا يوم يسألون في قبورهم، والمؤمن صح في حديث البراء بن عازب الطويل عند أهل السنن وفي رواية ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك أنه يسأل أربعة أسئلة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ والسؤال الرابع الذي جاء عند ابن حبان والحاكم: وما علمك؟ فيقول المؤمن: قرأت كتاب الله فعرفته؛ لهذا يثبِّته الله، بإيمانه وبتوحيده، وبإخلاصه، وإن كان من أذكى الناس أو أبلد الناس، لكنه في ذلك المقام يثبَّتُ، الكافر والمنافق والفاجر يسأل ثلاثة الأسئلة، الكافر يقول: هاه، هاه، لا أدري، المنافق يقول: هاه، هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون كذا وكذا؛ لأنه تابعهم في الدنيا، فقلدهم في جوابه، فينادى: لا دريتَ ولا تليت، ولو كان مذاكرًا حافظًا ذكيًّا، ولهذا من العجيب يا إخواني أن أسئلة القبر وأسئلة الآخرة معلومة، ليست سرية، كأسئلة اختبارات الدنيا، والجواب بالتالي عليها معلوم، لكن لن يوفَّق بالجواب ساعتئذ إلا من ثُبِّت، ثبته الله وأيده، وربط على قلبه وعلى إيمانه؛ ولهذا لو أن الناس بذلوا اهتمامًا وحرصًا في اختبارات وأسئلة القبر والآخرة كاهتمامهم وحرصهم في أسئلة الدنيا، والله لحسن حالهم، أسئلة الدنيا في الدراسة في العمل في الوظائف في الترقيات مجهولة، والجواب عليها بالتالي مجهول، لو أنهم بذلوا اهتمامًا وحرصًا كما يبذلون لأسئلة الدنيا تصلح أحوالهم، وأسئلة القبر الثلاثة هي التي بنى عليها شيخ الإسلام رسالته: "ثلاثة الأصول"؛ لهذا كان علماؤنا يقولون: "ثلاثة الأصول، من اعتقد موجبها دخل الجنة"؛ لأنها هي الأسئلة التي يسأل عنها الإنسان في قبره، وتسمى هذه فتنة القبر، والفتان من القبر، جاءت أحاديث وأسباب يعصم بها بإذن الله من فتان القبر، من ذلك: الثبات على الإيمان، وعلى العقيدة، لا يساوم ولا يجامل ولا يزايد عليها، يستمسك بها حتى عند الفتن، قد يزايد على ماله، قد يزايد على عمله، لكن دينه لا يزايد عليه، هذا معنى الاستمساك بالدين، في آخر الزمان يرق الدين جدًّا حتى يكون كالثوب الخَلَقِ، يمسي الرجل مؤمنًا ويصبح كافرًا، يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا؛ قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((يبيع دِينه بعرَضٍ مِن الدنيا))، من أسباب العصمة من فتنة الفتان: من مات يوم الجمعة أو ليلتها، وهو مؤمن، وهذا فيه حديث رواه الإمام أحمد بإسناد لا بأس به، بإسناد حسن عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال: ((من مات يوم الجمعة أو ليلتها، عُصِم من الفتان))، ومن ذلك أيضًا: ((من صلى أربعين يومًا لا تفوته تكبيرة الإحرام، كتبت له براءتان، من الفتان، ومن النفاق))، نسأل الله تعالى أن يبرئنا وإياكم منها.

[وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون]، ليس له مفهوم أن الكافرين ليسوا كذلك، بل الفتنة للجميع، لكن المؤمنون يثبتون، والكفار لا يثبتون.


[وأن على العباد حفظةً يكتبون أعمالهم]، هذه المسألة لها تعلق بمبحثين من مباحث الإيمان، الإيمان بالملائكة، والإيمان بالقضاء والقدر، والحفظة هم من الملائكة، ولقبوا بالحفظ؛ لأنهم يحفظون أعمالهم، فلا يغادر عملًا يعمله الإنسان، من قول أو اعتقاد أو عمل الجوارح، إلا ويثبت، والأصل فيه قول الله جل وعلا: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، رقيب يرقب عليه، وعتيد يعد عليه، وأيضًا كما جاء في الحديث: ((يتعاقب عليكم أربعة ملائكة في النهار وأربعة في الليل، واحد عن يمينه، وآخر عن يساره، ومن أمامه بين يديه، ومن وراء ظهره، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر))؛ قال تعالى: ﴿ كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 11، 12]؛ ولهذا يقول الله تعالى يوم تعرض الصحائف: ((أظلمتك ملائكتي الكتبة؟))، كتبت عليك أمرًا لم تفعله؟ فالمعاند يكابر، ثم يفضح، والمؤمن وغير المكابر يقر.

[ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم]، أحصاه الله جل وعلا علمًا وإدراكًا، وإحاطة وكتابة، فلا يغيب ذلك عن الله؛ ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه لهؤلاء العادِّين الذين يسبحون ويهللون ويكبرون بالحصا: إني ضمين لكم على الله ألا يفوت من حسناتكم عليه شيء، فعدوا سيئاتكم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 20-05-2021, 06:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

لا اله الا الله
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 90.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.45 كيلو بايت... تم توفير 2.84 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]