استشهاد خاطف الجندي جلعاد شاليط / تيسير أبو سنيمة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7817 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859300 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393631 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215864 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > فلسطين والأقصى الجريح
التسجيل التعليمـــات التقويم

فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة )

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #18  
قديم 20-05-2011, 04:26 PM
الصورة الرمزية شبل المسجد
شبل المسجد شبل المسجد غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
مكان الإقامة: فلسطــــــــ غزة الصمود ــــــــــــــــين
الجنس :
المشاركات: 818
الدولة : Palestine
افتراضي رد: استشهاد خاطف الجندي جلعاد شاليط / تيسير أبو سنيمة


سيرة الشهيد المجاهد
محمد علي صالح عواجة " أبو عبد الله "
باع الحياة رخيصة لله والله اشترى


حرارة انبعثت تداعب الأرض، تلهب القلوب في حماسة ، ونور سطع ناشرا ضياءه نبراسا للفضائل ، شمس برزت إلى العلا وهاجة ، واستقرت وسط السماء فعمت المكان بمكانها ، وصلت الأرض بشعاع ذهبي كلما احترقت أسرت غيرها في رحابها!! فالبريق أصيل لا مخادع ، والنجم الهادي تتبعه كواكب سيارة .
وقفت الأنظار ترقب عساها تختلس نظرة في غيبة الأضواء أو انبهاتها فتدرك المعالم حتى طال انتظارها والوهج زياد ، وإلى أن حان الغروب في ساعة ليل بلا شروق انزوت عن مكانها فبانت ثم ارتقت ، وأشرقت في القلوب عهود الوفاء " قسما يا محمد إنا خلفك سائرون".
وكيف ننساك ؟؟ وذاك الشعاع حفر في جدار القلب أجمل ذكرى !! لن نبرح الأرض إلا شموسا تشرق بلا غروب ، وإن غربنا فشهادة وارتقاء وإشراق .

إشراقة نورانية

انسل النور مرسلا أطياف السعادة يبشر بإطلالة وليد ازدانت قلوب آل عواجة بألوان الفرح لقدومه ، وسعد والده الأستاذ علي بالغ السعادة به فأضاف للضياء ضياء بأن أطلق على ابنه اسم "محمد" تيمنا باسم النبي صلى الله عليه وسلم وتبريكا لأول تشريف وتبيانا لمعالم الطريق أمام ابنه ، فارتسم تاريخ السادس من أكتوبر عام 1982 م بأحرف نورانية بهذا الميلاد المبارك .
وبدأ الطفل يترعرع في حي تل السلطان غربي محافظة رفح بين أحضان عائلته المؤمنة ذات العلاقات الاجتماعية المميزة ، وفي ذات الوقت عاش حياة اللجوء مع عائلته الممتدة جذورها إلى بلدة يبنا في فلسطين المحتلة عام 1948 ، وذلك كحال ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين شردهم الاحتلال الصهيوني عن أرضهم.
طلق الحديث ، سمح الطفولة ، محبوب لدى أقرانه بعض ملامح ميزت محمدا في طفولته ودلت على شخصية قيادية منذ صغرها ، ففي نادرة تدل على تعلقات قلبه الطفولي يروي والده قائلا :" في أحد الأعياد طلب منه الزائرون فك نقود لهم ، فذهب واشترى سلاحا لعبة ، وأعاد لهم الباقي ، مما أثار عجب الحاضرين من فعلته ". وكان يبادر والده فيذكره أن يقوم للصلاة فور سماع الآذان .
طفولة تكشف النقاب عن محمد كشخصية مؤثرة ، ذات سمت قيادي ، تشكلت بعوامل فطرية و أسرية واجتماعية حباه الله بها .

تفوق دراسي

بدت على محمد علامات النجابة والذكاء فخط ذلك أثناء رحلته الدراسية إضافة إلى أدبه الرفيع وأخلاقه العالية فكان محبوبا من معلميه وأصدقائه ، اختتم المرحلة الإبتدائية والإعدادية في مدرسة العمرية لينتقل منها إلى مدرسة كمال عدوان الثانوية ويتخرج بمعدل 76.7 % في الثانوية العامة فرع العلمي .
وبدا على محمد حيرة شديدة حول مستقبله الجامعي وأي تخصص يدرس ، فاستند كعادته إلى أبيه ليشاوره ويأخذ برأيه ، وخلص الأب وابنه إلى اتفاق أن يدرس محمد في كلية العلوم بالجامعة الإسلامية وينتقل فيما بعد إلى كلية الهندسة ، ومضى الفصل الأول لمحمد في كلية العلوم وقبل انتهائه حصل منعطف جديد في حياة محمد لتنقله الأقدار إلى رحلة جديدة تصقل شخصيته على عين الله .

منعطف مفصلي

عرضت على محمد منحة عسكرية إلى الهند فتشجع لها حيث كان شغفا بالسلاح منذ صباه ففي مستهل قدوم السلطة للأراضي الفلسطيني رأى قريبا له يحمل سلاحا فأصر على أن يأخذه منه ويحمله .
وإثر موافقته سافر محمد إلى الهند مودعا أهله ووطنه بشوق ودرس سنة كاملة في الكلية العسكرية وتعرض خلالها لتدريبات قاسية وشاقة إلا أنه أثبت جدارته وانتزع محبة مدربيه فعزم أحدهم تدريبه على القنص لما رأى منه مهارة في ذلك .
وبعد مضي السنة الأولى جاء في زيارة لأهله ولما عزم العودة إلى الهند كان قرار مخابراتيا صهيونيا بمنع محمد من السفر ، إلا أن شغف محمد بالعلوم العسكرية وانسجامه في الهند لم يمنعه أن يكرر ذهابه إلى معبر رفح وتغيير جواز سفره عدة مرات ، بل كان صاحب عزيمة قوية وهمة عالية عندما هدده ضابط المخابرات بالاعتقال إن عاد ثانية إلى المعبر فقال له محمد " اعتقلني" ، وبعد سجالات ومحاولات فشلت جميعها في إكمال محمد لمسيرته العسكرية في بلاد العجائب ( الهند ) فاضطر للعودة إلى مقاعد كلية العلوم في الجامعة الإسلامية ليدرس الفصل الأول من جديد .

صفوف الأمن الوطني

وعقب السنة العسكرية أرسلت السلطة إلى محمد طلبا للالتحاق بقوات الأمن الوطني على أن يكمل دورته العسكرية في القطاع ، ونزولا عند رغبة والده وافق محمد على الطلب وانتقل إلى جامعة القدس المفتوحة ليكمل ويتم فيها دراسة الحاسوب .
وخلال مكوثه في صفوف الأمن الوطني تعرض محمد للمضايقات الشديدة والنقل التعسفي أكثر من مرة لاشتباه السلطة البائدة بانتمائه الإسلامي .
وحاول جاهدا أن يحافظ على سمته الإسلامي فأعفى لحيته ورفض حلقها ، ومورست عليه شتى التهديدات من النقل والإيقاف والخصومات إلا أنه أصر على إعفائها اقتدءا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومفضلا السجن على التنازل ، وأصر على موقفه بأن أحضر تقريرا طبيا يمنعه من حلقها.
ومع ذلك تميزت علاقته بإخوانه الجنود وترك في قلوبهم بصمات حبه وذكرياته العطرة ، فكان كثيرا ما يصطحب معه الحلوى والمأكولات البيتية لهم ، ضاربا في حسن أدبه وتعامله نموذج الشاب المسلم الذي تربى في أحضان بيت متدين ، ونشأ في مساجد الله.

فيوض قلبية

أسفرت معالم التربية الراقية والتنشئة الإيمانية عن أخلاق هي النور في حنوها وألقها، تلامس شغاف القلوب فتؤبد عليها عهود الحب دونما فكاك ، تتذاكر القلوب محمدا في مرحه وعذوبة روحه وتميزه بمزاح يغير الأجواء ويقلب الأحزان ، لم تنس الأسماع كلماته التي تدق على وتر الإحساس فتنشد إليه الأنظار فوالده وعمه لم يسلما من دعواه أن يقدما على خطوة الزواج بثانية وذلك أمام زوجاتهم ، وأمه تستمع لتعليقاته على الطعام فإن أخذت على خاطرها أقبل يحتضنها ويحنو عليها ويمازحها ، وكذا محمد أينما حل نسمة تطيب في سائر هيئاتها وكلماتها وتطيب القلوب ببراعة .
وفي قصة تكشف عن قلب صادق المشاعر رقيق الإحساس يشير أخوه الأصغر بقوله :" قبل شهرين تضايقت منه وذهبت لأنام وأنا زعلان ، فلما أحس بذلك أرسل لي رسالة اعتذار جميلة ، وبعد صلاة الفجر سلمت على أصدقائي المجتمعين في المسجد وكان واقفا معهم فلما وصلته نظر إلي وضحك وشد على يدي، وبفعلته اللطيفة كأن شيئا لم يكن " .
لا تدركه الحروف في بره لوالديه وما أجملها عبارات الرضا منهما ترنم سمعه دوما ، تذكر والداته إصراره على اصطحابها عندما يخرج لينزه زوجه وأولاده بل ويصر عليها أن تجلس إلى جواره في السيارة .
وفي بيته كان متحملا للأعباء صاحب مسئولية عالية، فتراه ينصح لإخوانه ويدلهم بخبرته وحكمته عما يجيزهم عقبات الحياة ، ويدل على ذلك موقفه من زواج أخيه أحمد موردا والده ما حدث :" جاءني محمد وطرح علي تزويج أحمد والاستعجال في ذلك ، وأخبرني أنه على استعداد أن يساهم بمبلغ من المال لدفع عجلة هذا المشروع ، وفعلا استدان مبلغا مما شجعني لاستكمال الأمر فتم بفضل الله أولا ثم بحرص محمد وإصراره "
بل وكان مكترثا لعائلته وأقاربه وجيرانه محافظا على وصالهم ومحبتهم ، ويسعى بما يتوفر لديه من وقت لحل مشاكلهم والوقوف لجوارهم .
وأثناء حرب الفرقان اتفق وصديقه على أن يجمعوا نقودا من أهل الخير وفقاما بجمع مبلغ 1700 شيقل في ساعة ووزعاها على المحتاجين ، وكان دوما يوصي بالفقراء والمساكين خيرا ويتذكرهم في المساعدات ويذكر بهم.
ومن خصاله الجميلة التفكير بالآخرين ، فعلى مدار حياته عاش محمد لغيره لا لنفسه ، فعن مقتبل شبابه وبدايته الجامعية يقول قريبه وصديقه :" كنا مستأجرين في غزة ، وكان محمد ينتهي مصروفه الأسبوعي قبل انقضاء الثلاث أيام الأولى بشراء حاجيات لنا ، فلما راجعته أخبرني أن المهم الشباب تكون بخير وراحة ".
وكان لا يقصر يده مقرئا لضيفه على ضيق ما في جيبه ، والدنيا في نظره لا تساوي شيئا ولا تستحق تفكيرا زائدا فيها .

فرار الأسد وخير عوض

تزوج محمد قبيل الحصار على قطاع غزة من ابنة خاله وسكن لمدة عامين في غرفة واحدة ، وأثناء هذه الفترة عزم على أن يبني سطحا بالرغم من تراكم ديون عليه يحدوه إصرار عجيب رافق شخصيته طوال حياته فكان يقتحم كل صعب دون أن يهاب .
ومع اشتداد وطأة الحصار فكر أن يقترض من بنك ما يعينه على مشروعه وقبل أن يقدم صاحب الحس الإيماني المتيقظ على هذه الخطوة لجأ إلى شيخ ليسأله عن ذلك فأجابه :" فر من البنك كما تفر من الأسد " ، فانصاع لرأي دينه راضيا مسلما وفر فرار الأسد ، ولما ترك ذلك لله عوضه الله خيرا منه بأن يسر الله له الناس بطريقة لا يعلمها إلا هو سبحانه فأدانوه أموالهم وجهز شقته بشكل كامل ، وعزم على سداد ديونه المتراكمة ملزما نفسه أن تفي بعهدها وأكثر، فلما استدان من خاله على أن يسدد في نهاية كل ثلاثة شهور مبلغ 500 دولار جاءه بعد أول شهر بالمبلغ فأخبره خاله باتفاقهم فأجابه محمد " لكي أتعود " . وكان يقول " أنا إذا سددت الدين بأرتاح " ، وسهل الله أمره ليسدد آخر ديونه قبل استشهاده بفترة قصيرة .
ومما يلفت إلى حكمته أنه وبعد الحسم العسكري وفتح الحدود مع مصر اشترى خمسة طن أسمنت فلما أحضرها للقطاع طلب منه التجار بيعها فرفض أن يتربح منهم مسددا ناظريه نحو هدفه أنه يريد أن يبني .

روحانية عابد

أشرق الوجه بجنبات القربات والطاعات ، فكان إقباله الروحي تحليقا علوي نحو الرب العلي ، تسارعت خطاه في طريق رضا مولاه تلبية للنداء الرباني "سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض " ، لا تدرك الحروف مسارعته ، وتنطفئ القناديل أمام نبراسه الإيماني في زمن طغيان الدنيا وجثومها على قلوب كثير من العالمين .
يشهد الصف الأول تبكيره للصلاة، وتتحدث الجمعة عن إتيانه الباكر والجلوس مع الأوائل ، وفي رمضان يصارع الزمن ليغدو مفطرا على عجل ويحجز مقعده مع المقبلين على ربهم ، وليال القيام تعرفه أنه لا ينام ، ويومي الاثنين والخميس تذكره في نافلة الصيام ، سطر اسمه مع الطالبين لعلوم القرآن حفظا وتلاوة وتجويدا فألزم نفسه حلقاته بجد واجتهاد .
قلب ألف الطاعة منذ الصغر وورثها عن أبيه وعائلته الملتزمة المؤمنة ، تحدث زوجه عنه قائلة :" كان يطيل السجود بالليل لتصل سجدته الواحدة لما يقارب نصف ساعة وأسمعه يدعو اللهم فتفتني في سبيلك ".
حريص أشد الحرص على الصلاة فعندما أصيب إصابة خطرة قبيل الحسم العسكري كان مع ألمه الشديد يكلف نفسه فوق طاقتها ليتوضأ ويجلس للصلاة ، بل وكان يغمى عليه وهو في الصلاة فيعيدها مرة تلو مرة دون أن يكل أو يمل .
ومما يدلل على ذلك أيضا كان بعد قضائه يوم شاق من العمل والرباط لا يخلد للنوم قبيل صلاة الفجر مخافة ألا يدركها في جماعة ، وفي جواله قائمة أصدقاء يوقظهم لصلاة الفجر وينبههم إلى مصنع الرجال .
وعزز ذلك لدى المجاهدين فقبل استشهاده بأيام كان يشرف على دورة تدريب خاصة بالسرية وفي يوم تطبيقي مضت ساعات التدريب الطويلة والشاقة وانتهت قبيل الفجر فأصر أبو عبد الله أن يصلوا الفجر في المكان ، وأمام طلب الشباب أن يغادروا ليرتاحوا ويجهزوا أنفسهم للصلاة في بيوتهم لم يقرهم إلا بعد أن أخذ منهم موثقا أن يصلوا الفجر في جماعة ويقوموا بالتسليم على بعضهم عقب الصلاة .
من منا ينسى ابتسامته الجميلة!!، وحياءه الراقي!! ، وحبه للصالحين والمجاهدين والاستشهاديين!!، وزهده في الدنيا!! ، وإقباله على الآخرة!! ، اتضحت هذه الروحانية في شخص أبي عبد الله ، ولأن من ذاق ليس كمن سمع ، نصب أبو عبد الله نفسه داعية إلى الله على خطى خير خلق الله من المرسلين والنبيين والمصلحين ، فهي مرات عديدة التي كان يحضر وينسق مع الدعاة لوعظ المجاهدين باستمرار ، وهو في ذلك قدوة مقبل على دروس الوعظ والتعلم نادرا ما يتركها أو يقوم منها .
فاض بالتزامه على الآخرين فعقد منافسة مع أخيه أحمد في تلاوة القرآن ، وعند عودته من دورة التجويد يدارس والدته ما تعلم من أحكام .
كان مستشعرا أن الآية والحديث تعينه هو وتخاطبه لا غيره ، فلما سمع خطبة عن المسئولية وأداء الأمانة وأن ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه عدله أو يوبقه جوره انتفض محمد ولم يقر له قرار ، وعقد اجتماعا مع كل مجموعة عسكرية وأخبرهم بالحديث وطلب ممن لا يحفظ جزء عم إعداد جدول لإتمام حفظه ، وأعد جدولا ليتابع التزام الجميع في صلاة الجماعة ، مؤكدا أن المجاهد لا بد أن يحقق عبوديته لربه حتى يعينه في جهاده .
تحولت روحانية العابد إلى فيوض قلبية عبر أخلاق ومعاملات وزهد في الدنيا وشوق للآخرة ولقاء الله ، حيث أنه استدعي من قبل جمعية تمنح مبلغا للمصابين _بعد إصابته في الحسم _وقاموا بسؤاله عن أحواله وإن كانت الإصابة تعيقه أو وجود سبب ليستمر تقاضيه للمبلغ فأجابهم ألا حاجة له به وكانت تلك فترة ديونه المتراكمة ، ودارت الأقدار ليجزيه ربنا خيرا عن أمانته فصرفت له الجمعية مستحق 2000 دولار كإغلاق لملف إصابته دون أن يخطط أو يدبر أو يسعى لذلك .
هي نورانية دافقة بمعان تشد القلب والعين نحوها ، بل وتوقفها ساعات تأملية ووقفات تعليمية في مدرسة النور الإيماني الذي سطع بقلب محمد.

حماسي الانتماء

مضى أبو عبد الله ليلحق بركب الدعاة المخلصين والمجاهدين الصادقين ، فانضم إلى صفوف جماعة الإخوان المسلمين وممثلتها في فلسطين حركة حماس التي أسسها شيخ المجاهدين أحمد ياسين .
أعلى راية الإسلام في قلبه وسعى لتقوم على أرضه فانطوى تحت راية التوحيد يعلنها أن الله غايته والرسول قدوته والقرآن دستوره والجهاد سبيله والموت في سبيل الله أسمى أمانيه.
كان محبا لحماس ويسعى لنصرة دين الله عبرها فسعى بنفسه وماله وجهده لتكون الغلبة للمؤمنين والأمناء على فلسطين فكان يخرج من جيبه مالا لأجل الدعاية الانتخابية في منطقته .
تميز بحرصه على الجلسة الدعوية مربيا نفسه على السمع والطاعة مانحا ثقته لحركته وقيادتها فكان ملتزما بدفع الاشتراك الشهري ، ويخبر عنه مسئوله :" لا أبالغ إن قلت أن محمدا له الفضل بعد الله في تميز جلستنا ، لقد كان حريص على انعقادها ويسعى لتطويرها ، ويقترح مناقشة العلوم الفقهية بمنهجية، ولا يتغيب إلا لطارئ ".
ويحدث صديقه في الجلسة الدعوية قائلا :" في آخر موعد لجلستنا الدعوية قبل استشهاده بأيام رأيته وسألته إن كان سيأتي ؟؟ فبدت عليه علامات الغضب وتضايق لأنه كان مشغولا ولديه عمل عسكري مهم أنساه الموعد".

إنفاق صداق

حب تملك قلب محمد لهذه الحركة الربانية فارتمى في أحضانها واثقا بنصر الله رغم ما حيك ضدها من مؤامرات ويحاك ، ومع اشتداد وطأة الحصار على قطاع غزة بعد فوز حماس في الانتخابات سارع محمد وزوجه لفداء دعوة السماء فقدما مهر الزواج وذهبه إلى رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية وهما حديثا عهد بالزواج ، فلله درك أيها البيت المؤمن !! ، وأي كلمات تصف مثال هذه التضحيات؟!

تمسك يشتد

لم تجد الدنيا في قلبه محلا ، فكان لا يكترث للأسماء ولا يسعى للألقاب ، مدركا أن السبق في الصدق ، كان يقينا في قلبه ترجمه بمواقفه الرجولية عند ولوج الفتن ، وصخب الدنيا ، واستعار الذاتية ، فلم يكترث لرتبة يستحقها لم ينلها وأجاب حينها :" لو جاءتني لرفضتها ، لأني أريد البقاء كما أنا" .
ولم يعش بعيدا عن هموم المسلمين فكان ممن يتابعون أحداث الثورات في البلاد العربية بشدة ، داعيا الله أن يمكن للإسلاميين وينصر الدين ، وبعد سقوط النظام المصري الظالم قال :"أنا اليوم أشد تمسكا بالإخوان المسلمين " .

ركيزة قسامية

همة عالية وأمل كبير صرف قلب أبي عبد الله تجاه سبيل محفوف بالجماجم منشورة بجنباته الأشلاء ومخضبة أرضه بالدماء إنها طريق ذات الشوكة وذروة سنام الإسلام ( الجهاد في سبيل الله ) .
حرب أعلنها على أعداء الله قتلة الأطفال والنساء ومغتصبو الأرض والمقدسات ، خاض غمارها في صفوف كتائب العز القسامية صاحبة الأمجاد التاريخية في قتل الصهاينة وقض مضاجعهم وذلك عام 2004 م .
ونظرا لكفاءته وتميزه وقدراته العسكرية الموروثة من الكلية العسكرية والأمن الوطني تأهل سريعا أبو عبد الله لدورة تأهيل المدربين الأولى في رفح.
وفي الميدان برز أبو عبد الله لينافس على المركز الأول في الدورة ومن ثم أصبح أحد ركائز طاقم التدريب في لواء رفح .
وارتقى بإخلاصه في عمله ، وتضحياته لأجل دعوته ، وجده واجتهاده في صفوف القسام .
وكان محط ثقة لدى قيادة الكتائب فتخصص بداية لدى قوات الدفاع الجوي القسامية ، وانتقل لإبداعه ليكون مسئولا عن تخصص الإسناد في الكتيبة وأشرف خلال هذه الفترة على الخطة الدفاعية في الكتيبة .
وقبيل استشهاده بشهر ونصف أوكلت إليه مسئولية سرية في الكتيبة الغربية فكان نعم القائد الميداني المجاهد ، وهنا نطوف في سيرته الجهادية العطرة تحت أضواء عطائه ونبراس إخلاصه وأنوار عزمه وهمته السامقة.

انتفاضة قائد

وفي ميدان التدريب برز أبو عبد الله كأحد المدربين المخلصين مخرجا المجاهدين من كلية كتائب القسام فكان مثابرا صبورا مقداما .
وأينما حط برحاله أثبت إبداعه وتفوقه فتميز بفكر خططي عسكري وتكتيكه الفذ ، واختص بتدريب المجاهدين على كيفية إدارة المعارك وحرب المدن مشرفا على العديد من الدورات المركزية فيها .
كما أشرف وشارك في تخريج القوات القسامية الخاصة وتدريب النخب المختارة منهم أو ما يعرف بالاستشهاديين ، وكان يوصيهم بقتل المحتلين وكثيرا ما يقول ويردد اقتل ثم اقتل ثم اقتل ، مصطحبا معه صبر عالي وأدب جم وعلاقته الحميمة بالمدربين والمتدربين ، وتميز بقربه من المجاهدين وحرصه على التواصل معهم وحل مشاكلهم وزيارتهم ومد جسور المحبة معهم .
ويشهد له مسئول التدريب في لواء رفح بقوله :" كان يسترق النوم سرقة فيبقى بدون نوم ليوم أو يومين مختلسا دقائق معدودة لينام ، مؤثرا العمل طوال الوقت على الراحة ، كانت همته عالية أذكره كأول من يقف ليشرف على الطابور العسكري ".
ولشغفه بالعلوم العسكرية وجميل تواضعه كان يستمع لكل من يناقشه، ويجلس لتعلم سائر العلوم والتخصصات ويبحث بجد عن الدورات المتقدمة ، وينقل كل ما لديه من خبرة ومهارات وعلم عسكري للمجاهدين ، وخلال إمارته لقوة الإسناد في الكتيبة الغربية أعد منهم المدربين دافعا إياهم للايجابية والانجاز فصاغ منهم أمثاله في الهم والهمة .
وطيلة مسيرته الجهادية حداه عزم وقادته همة عالية منتفضا في نفسه ومسخرا حياته لهذا الطريق ، تراه شعلة من النشاط فمن دورة إلى دورة وخلال أقل من شهرين لتوليه سرية قسامية قام بتغييرات ملموسة وعدة دورات ومهام جهادية متقدمة وترتيب اتصالات خاصة بالسرية وما خفي كان أعظم .

الإصابة الحرجة

تصدر أبو عبد الله مواجهة التصدي للأيدي الأمريكيصهيونية التي عبثت بأمن الشعب الفلسطيني وأرادت الانقضاض على خياره المقاوم واختياره لحماس كممثل له ، ومع اشتعال الفتيل في حي تل السلطان في 9 / 6 / 2007 م لم يتردد أبو عبد الله أن يواجه بحقه باطلا تحالف مع الشيطان ضد شعبه وحركته ، ومع حلول ساعات المساء قبل أذان المغرب خرجت رصاصة غادرة لتصيبه في ظهره وتخرج من صدره ويشيع خبر استشهاد ( محمد عواجة ) ، هرع أهله إليه فلما رأى والده طلب منه أن يصلي عليه إن استشهد . وتم نقله إلى مستشفى أبو يوسف النجار ونظرا لحرج الحالة حولت إلى مستشفى ناصر بخانيونس ، يروي والده ما حدث :" خرج الدكتور من غرفة العناية ونظر إلي بإشفاق وأخذ بيدي وقال لي اثبت فقدانا للأمل في حياته ، فتمالكت نفسي وألهمني ربي دعاء اللهم أرني آية في شفائه ، واتجهت للصلاة صليت ركعتين وأخذت أردد في سجودي الدعاء ، فما أن أنهيت صلاتي خرج ذات الدكتور وطمأنني بتوقف النزيف ".
ويكمل والده :" نظرا لصعوبة الأوضاع في مستشفى ناصر اضطررنا لنقله إلى مستشفى النجار ، وسهل الله الأمر رغم صعوبة الطريق وما يكتنفها من خطر لوجود الحواجز في ذاك الوقت ".
وعلى مدار الأيام وأثناء إجراء العمليات الجراحية لمحمد كان الدعاء يرافق والده ويوما بعد يوم تتحسن حالته بفضل من الله ومنة .
وأثناء إصابته كان صبورا على الألم والإصابة ، وذكرنا حرصه على الصلاة والطاعة ، وأيضا تميز بهمته العالية وإصراره العجيب حيث تقدم لامتحانات جامعة القدس المفتوحة بعد إصابته واجتازها بنجاح.
ومما يسطره أبو عبد الله فريدا بين الرجال رجوعه إلى التدريب وتأهيل المجاهدين رغم آلام الإصابة ، وكان يصبر نفسه متجلدا في التدريب وتنفيذ المهارات القتالية واللياقة البدنية رافعا شعار التضحية بالصحة والنفس نظير الثواب والأجر واستثمارا للعمر والوقت خدمة للجهاد والمجاهدين في مشروع حجز مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ولأنه المجاهد القسامي صاحب القلب الكبير تلميذ العفو عند المقدرة لما سأله أحدهم ( اعرفت الي طخك ؟؟) فأجابه ( عرفته ، وأنا مسامحه ) ، يا لله ما أجمله من صفاء قلب !! ونقاء فؤاد ، لم يعرف الغل والحسد إلى قلبه سبيلا ، ذبح وساوس الضغينة ، وابتعد أشد الابتعاد عن الغيبة والنميمة ، ضم صدره معاني الخير والحب للآخرين ، وكثيرا ما سعى وبادر للإصلاح والتوفيق بين إخوانه واللحظات الأخيرة من حياته تشهد بذلك " إنه قلب تربى جيدا في حلقات سورة الحجرات" .

إيحاءات الشهادة

سجدة طويلة يرافقها تذلل وتوسل لله أن يفتت جسده في سبيله ، همة عالية وسعي متواصل وأعمال جهادية متتالية دونما كلل ، واختار لنفسه مكانا متقدما في الخطة الدفاعية التي أعدها كأول استشهادي يلاقي الصهاينة ، ورباطه المتقدم طيلة حرب الفرقان على الخطوط الغربية لرفح ، دلائل واضحات تشير إلى شهيد حي باع نفسه لله .
يذكر أحد أصدقائه المقربين :" جاءني محمد قبل استشهاده بأسبوع وقال لي بالحرف الواحد أنا الأمور مش مطولة معاي ، وأعطاني أمانة وأوصاني أن أوصلها لقيادة الكتائب ".
وخلال الشهرين الأخيرين من حياته اشتد من محمد الإقبال على ربه والاجتهاد في الطاعات ومنها التحاقه بمركز تحفيظ للقرآن الكريم والتزامه في دورة أحكام التلاوة والتجويد ، هو الحب كلما اشتد أوجب اللقاء .

الغروب المشرق

يوم سطر أروع ملاحم الجد والجهاد موضحا ملامح شخصية قيادية تحملت المسئولية ، مذ بزغ فجر الجمعة 8 / 4 / 2011م انطلق فارسنا بهمة الأبطال لانجاز مهمات جهادية خاصة بالسرية ، صلى الجمعة في مسجد بلال بن رباح وشارك في تشييع جنازة الشهيد مصعب الصوفي ، تبادل التحيات مع كل من قابله وكأنها نظرات الوداع ، كان فرحا بخطبة الجمعة والتي تحدثت عن الجهاد والشهادة ، سعى عصرا لانجاز عمل خاص بالسرية وعمل بأقصى الجهد لإتمام ذلك وانقضت الساعات جدا واجتهادا حتى أتمها وعبر عن سعادته الغامرة قائلا "أنا هيك ارتحت " ، لم يخلد إلى الراحة ومع مطلع ليلة السبت ذهب بنفسه لانجاز صلح بين أخوين فوفقه الله لإتمامه ، وخرج بصحبة صديقه شادي الزطمة على موعد مع رفيق دربه قائد الكتيبة الغربية تيسير أبو سنيمة ، وعند مفترق (أبو الدقة ) وضع محمد يده في يد أبي المجد مسلما فكانت صواريخ الحقد الصهيوني قد انطلقت من طائرة استطلاع لتصيبهم إصابة مباشرة ويرتقي الثلاثة مدرجين بدمائهم، شهداء إلى ربهم، في خبر هز قطاع غزة واتشحت سماؤه بالحزن على فراق الأبطال الأحباب.

صبر المؤمنين

كانت معاتبات الزوجة لزوجها لا لأجل دنيا فانية بل حول من سيرزقه الله الشهادة أولا مؤكدين أن من رضي الله عنه اصطفاه .
كلمات برهنت صدقها مع سماع دوي الانفجار منطلقة كلمات أم عبد الله لربها فورا " اللهم أجرني في مصيبتي خيرا" ، ولما أطلت وسمعت الناس في الشارع يركضون ويقولون عواجة عواجة دعت ربها " اللهم اجعله محمد_زوجها_ لا أحمد ".
وفتحت الزوج المؤمنة التلفاز فلما تأكد الخبر ، ذهبت لإخبار والد محمد وأمه فأيقظتهم في هدوء ونقلت لهم الخبر دونما جزع قائلة " هو كان يتمنى الشهادة " .
وتلقت الوالدين الخبر بالصبر والاحتساب فلم يسمع لآل عواجة صوتا ، وكل من رآهم وجاء لعزائهم رأى فرحا باستشهاد ابنهم وفخرا بهذا الاصطفاء الرباني .
تفاصيل يقف القلب بنبضاته حينما يرويها عن صبر عائلة عواجة وجلدهم ورضاهم بما رضي الله لهم.

عهد الوفاء

غربت شمس محمد لحظة زفاف روحه إلى السماء في عرس الشهادة ، وخرجت رفح لوداعه إلى المقبرة الغربية _التي شيع محمد إليها مصعب_ تبكي القلوب فراق الحبيب والمجاهد المقدام .
ومن على قبره تعاهد الرفاق والمجاهدون ألا يبرحوا طريق أبي عبد الله مشرقا من جديد بمحبته وهمته وتضحياته وجهاده في القلوب، منيرة صورته وروحه في عيونهم ومسمعين الدنيا بأسرها " إنا على العهد باقون ".
رحلت أبا عبد الله إلى بلاد الأشواق تخط بقدميك منازل طالما سألت الله مفازتها .
ترجلت أيها الفارس الهمام مخضبا ثرى فلسطين بدمائك الزكية ، صدقت مع الله فصدقك .
تركت الأنوار خلفك للسائرين تدلهم أن اقتفوا الأثر ، فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح .
رحمك الله يا حبيب قلوبنا ، رحمك الله أبا عبد الله ، وتقبلك مع الشهداء ، وأسكنك في الفردوس الأعلى بجوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . اللهم آمين
__________________


سر على بركة الله شيخنا
لا يضرك أذى المنافقين والمتخاذلين
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 275.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 273.39 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (0.87%)]