السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191073 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2651 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 658 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 933 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1091 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 853 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 836 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 920 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92801 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 20-11-2019, 12:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(31)

سيرته دليل صدق نبوته ورسالته (2-2)



يقول أحد الباحثين : " وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مملوءة بالعبر ،والعظات ، والدروس، والمبادئ العظيمة ، وإنا نحسب أن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكما عقله وخلقه واستقامة نفسه ، وسلامة ما يدعو إليه ، كل ذلك في نفسه دعوة إلى الإسلام في وسط غياهب الجهالة في الماضي ،وهو لا يزال القوة الداعية إلى الإسلام في عصرنا الحاضر ، وإننا نجد بعض الناس يسلمون إذا علموا السيرة النبوية ، وأدركوا عقله ، وبعده عن الأوهام والخرافات التي تسود العامة ، وتستهوى تفكير السذج " (1).
ويقول ابن القيم : " ومن هنا تعلم اضطرار العبد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، وتصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا على أيدي الرسل ...
وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ويدخل في عداد أتباعه وشيعته وحزبه ، والناس في هذا بين مقل ومستكثر ومحروم ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم(2).
ويقول " لامرتين " شاعر فرنسا مقرراً ذلك بفكره وثقافته ولغته – والفضل ما شهدت به الأعداء -: " إن حياة محمد وقوة تأمله وتفكيره وجهاده ، ووثبته على خرافات أمته ، وجاهلية شعبه ، وخزعبلات قبيلته ، وثباته ثلاثة عشر عاما يدعو بدعوته وسط أعدائه ، وتقبله سخرية الساخرين والهازئين ، وحميته في نشر دينه ، ورباطة جأشه ، وتطلعه إلى إعلاء كلمة الله ، كل ذلك يدل على أنه لم يكن يضمر خداعا أو يعيش على باطل .
لقد كان محمد فيلسوفا ، وخطيبا ، ومشرعا ، وقائدا ، وفاتح فكر، وناشر عقيدة .
أي رجل قيس بجميع المقاييس التي وضعت لوزن العظمة الإنسانية كان أعظم منه؟!.
لو كان مقياس العظمة هو إصلاح شعب متدهور ، فمن ذا يتطاول إلى مكان محمد؟ .
لقد سما بأمة متدهورة ، ورفعها إلى قمة المجد، وجعلها مشعلاً للمدنية، ومورداً للعلم والعرفان .
لو كان مقياس العظمة توحيد البشرية المفككة الأوصال فمن أجدر بهذه العظمة من محمد الذي جمع شمل العرب، وجعلهم أمة عظيمة، وأقام دولة شاسعة .
ولو كان مقياس العظمة إقامة حكم السماء على الأرض فمن ذا الذي ينافس محمداً وقد محا مظاهر الوثنية ليقيم عبادة الخالق وحده .
ولو قسنا العظمة بالنصر والنفوذ والسلطان فمن يدانيه في هذا المضمار ؟ .
لقد كان يتيما لا حول له ولا قوة ، فأصبح مؤسسا لإمبراطورية واسعة دامت ثلاثة عشر قرنا من الزمان .
ولو كان مقياس العظمة هو الأثر الذي يخلده في النفوس على مر الأجيال فها هو محمد تمجده مئات الملايين من الناس في مختلف البقاع ، مع تباين أوطانهم وأنواعهم وطبقاتهم (3).
ورحم الله ابن حزم حيث يقول : ( ... فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم – لمن تدبرها – تقتضي تصديقه ضرورة ، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا ، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته لكفى ) (4) .
(1) الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز ( 2/582 ) ، والدعوة إلى الإسلام لأبي زهرة ص 65.

(2) زاد المعاد ( 1/69-70 ) .
(3) نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي ، مقال للدكتور عز الدين فراج ، نشر بمجلة الوعي الإسلامي ص 38- 39 العدد ( 249) .
(4) الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/ 89 . ط : صبيح .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 27-11-2019, 06:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(32)




دراسة السيرة طمأنينة للقلب وسكينة للفؤاد (1-3)

إن في دراسة السيرة النبوية العطرة طمأنينة للقلب وسكينة للنفس وتثبيتا للفؤاد، قال ربنا سبحانه وتعالى : (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ) [ سورة هود /120 ] .

فإذا كانت أنباء الرسل السابقين تثبت فؤاده صلى الله عليه وسلم فإن أنباءه التي هي سيرته صلى الله عليه وسلم تثبت فؤادنا ، وتورث قلوبنا الطمأنينة .

وتوضيح ذلك : أننا من خلال دراسة السيرة ندرك سنن الله في خلقه، تلك السنن التي لا تتبدل ولا تتحول ، ولا تحابي ، ولا تجامل .

من هذه السنن :


أن الله سبحانه يؤيد الحق وينصر المؤمنين ، وليس الأمر مبنيا على الكثرة العددية، ولا موكولاً إلى قوة العتاد ، وإنما ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) [ سورة آل عمران /126 ] ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ) [ سورة البقرة /249 ] ( وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) [ سورة الروم/ 47 ] ( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ ) [ سورة الصافات 173 ] .

وكم من أناس غرتهم قوتهم ، وسول لهم الشيطان سوء أعمالهم فتجبروا وتكبروا ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ، وأنزل بهم من الذل والهوان الكثير (وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )[ الحج / 18] .

فها هم المشركون جاءوا بجموعهم في بدر يريدون أن يخيفوا العرب جميعا، إذ يقول أبو جهل – بعد أن علم بنجاة قافلتهم التجارية - : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ، فنقيم عليه ثلاثا ، فننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونسقي الخمر ، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا (1).

فكانت النتيجة عكس ما أراد الطاغية ، فلقد انهزموا في المعركة شر هزيمة ، وقتل هذا المغرور ، ورجع المتجبرون بأسوأ حال ، وكتب الله النصر للمسلمين على الرغم من قلة عددهم وعدتهم .

وكيف لا ؟ والمشركون مع شركهم يتكبرون ، والمسلمون مع إسلامهم بالله يستغيثون ؟! .

وعن جابر قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة ، فاخترطه فقال له : تخافني ؟ فقال له : لا . قال : فمن يمنعك مني ؟ قال : الله .. " (2).

وفي رواية ابن إسحاق : " فدفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : من يمنعك أنت مني ؟ قال : لا أحد. " .

وفي رواية " فقال الأعرابي : غير أني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله ، فجاء إلى أصحابه ، فقال : جئتكم من عند خير الناس .. " (3).

قال ابن حجر : " ورد في الجهاد قول الأعرابي : " فقال تخافني ؟ قال : لا ، قال : فمن يمنعك مني .. " ثلاث مرات " وهو استفهام إنكار ، أي لا يمنعك مني أحد ، لأن الأعرابي كان قائما والسيف في يده ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس لا سيف معه ، ويؤخذ من مراجعة الأعرابي له في الكلام أن الله سبحانه وتعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم منه، وإلا فما أحوجه إلى مراجعته مع احتياجه إلى الحظوة عند قومه بقتله ، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه الله الذي يمنعني منك إشارة إلى ذلك ، ولذلك أعادها الأعرابي فلم يزده على ذلك الجواب ، وفي ذلك غاية التهكم به وعدم المبالاة به أصلا .





(1) البداية والنهاية 3/ 291.



(2) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب المغازي ، باب غزوة ذات الرقاع ( 4136 ).

(3)فتح الباري 6/ 492- 493.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 27-11-2019, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(33)




دراسة السيرة طمأنينة للقلب وسكينة للفؤاد (2-3)


كما تورث دراسة السيرة القلب طمأنينة بالرزق، فالرزاق هو الله، ولا يستطيع مخلوق كائنا من كان أن يتحكم أو يؤثر في رزق مخلوق آخر والله تعالى يقول:
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ)[سورة سبأ/ 39].

وكم من جائع أطعمه الله من غير سبب ظاهري، أو احتيال بشري.
فعن جابر قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة بن الجراح نتلقى عيراً لقريش، وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، قلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: كنا نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط(1)ثم نبله بالماء فنأكله، فانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذ هو دابة تدعى العنبر، قال أبو عبيدة ميتة!! ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم،وفي سبيل الله عز وجل، وقد اضطررتم، فكلوا، قال: فأقمنا عليه شهراً، ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال(2) الدهن،ونقتطع منه الغدر كالثور، أو كقدر الثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينيه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامه، ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها، وتزودنا من لحمها وشايق(3)، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: هو رزق أخرجه الله عز وجل لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ فأرسلنا إلى رسول الله منه فأكله"(4).
فهذا الحديث فيه كثير من العظات والعبر لمن أراد أن يتذكر أو يعتبر، فلقد رزق الله الكريم عباده الصادقين، رزقا طيبا حلالاً، غير حالهم من الجوع إلى الشبع، ومن الضعف إلى القوة، فبعد أن كانوا يمصون كل يوم تمرة، بل ونفد التمر،فيأكلون ورق الشجر، إذ بفرج الله يأتيهم فيأكلون الكثير من اللحم، بل ويدهنون، وسبحان الله الرزاق ذي القوة المتين.
فدارس السيرة يعتبر لأنه يجد صوراً واقعية لما في القرآن الكريم من وعد الله لعباده المؤمنين في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [سورة الحج /38]، وفي قوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [ سورة الطلاق / 2-3 ]، والكثير من الآيات القرآنية، مما يدعو كل صاحب عقل إلى الاتعاظ والعبرة.
يقول أحد الباحثين: " من أهم ثمرات دراسة التاريخ – والسيرة جزء منه – التعرف على السنن الربانية في الكون، فإن لله سننا في خلقه أرشدنا إليها، وطلب منا التعامل معها، قال تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [سورة آل عمران / 137].
والتاريخ بما يحوي من الحوادث المتشابهة، والمواقف المتماثلة، يساعد على كشف هذه السنن، التي هي غاية في الدقة والعدل والثبات، وفي إدراكنا للسنن الربانية فوائد عظيمة، حتى لو لم نقدر على تفادي حدوثها، والنجاة منها، حيث يعطينا هذا الإدراك والمعرفة صلابة في الموقف، بخلاف من يجهل مصدر الأحداث، فإن الذي يعلم تكون لديه بصيرة وطمأنينة، أما الذي يجهل فليس لديه إلا الحيرة والخوف والقلق(5).


(1) الخبط – بفتح الخاء والباء – ورق الشجر الساقط من ضرب الشجر بالعصا.
(2) القلال جمع قلة، وهي الجرة الكبيرة التي يحملها الرجل بين يديه.
(3) الوشايق هو اللحم يؤخذ فيغلي إغلاء ولا ينضح ويحمل في الأسفار، واحدها وشيقة.
(4) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر ( 4360 )، ومسلم في صحيحه واللفظ له، كتاب الصيد، باب إباحة ميتات البحر ( 4998 ).
(5) منهج كتابة التاريخ الإسلامي لمحمد بن صامل السلمي ص 54 ط: دار الوفاء.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 27-11-2019, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(34)

في السيرة أصول المعارف الصحيحة (3-3)




إن دراسة السيرة النبوية تعطينا أصول المعارف الصحيحة لأمور كثيرة في حياتنا ربما تختلط فيها المفاهيم ، وتلتبس فيها الرؤى، وتتشتت فيها الأذهان ، منها ما يتعلق بالعقيدة ، ومنها ما يتعلق بالعبادة ، ومنها ما يتعلق بالأخلاق ، ومنها ما يتعلق بالتربية وغير ذلك .
عن زيد بن خالد الجهني قال : " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكوكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب "(1) .
ففي هذا الحديث نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استثمر هذا الحدث من سيرته ، وعلم الأمة من خلاله أنه ما من نعمة إلا من الله سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه ( وما بكم من نعمة فمن الله ) [ سورة النحل / 53 ] وأن النعم إذا اقترنت بسبب فالمؤمن يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يسبب السبب ، وهو الذي جعل النعمة تأتي معه ، فإذا جاء الشفاء مع الدواء فالشافي هو الله سبحانه وتعالى وليس الدواء ، فهو سبحانه الذي خلق الدواء وأعطاه خاصية التأثير ، وهو الذي وفق الشخص الذي صنع الدواء ، والذي وصف الدواء ، ثم هو سبحانه الذي من بالشفاء موافقا للدواء ، وكان يمكن لو أنه سبحانه لا يريد الشفاء ألا يأتي الشفاء مع هذا الدواء فعلى المؤمن أن يجدد إيمانه ، وأن يحرص على عقيدته ، وأن يذكر نفسه أن كل النعم من الله سبحانه وتعالى .
وعن عطاء بن أبي رباح قال : رأيت جابر بن عبدالله ، وجابر بن عمير الأنصاري رضي الله عنهما يرتميان فمل أحدهما فجلس ، فقال له الآخر : كسلت ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو - أو سهو - إلا أربع خصال ، مشي الرجل بين الغرضين ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، وتعليم السباحة(2) .
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله ؟ فقال : " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ،أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشى مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهرا ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام "(3) .
ففي هذين الحديثين توضيح لمفهوم العبادة في الإسلام ، وأنها ليست – كما يظن كثير من الناس – قاصرة على الشعائر التعبدية فقط ، وإنما هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وبر الوالدين وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد للكفار والمنافقين ، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين ، والبهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .. " (4).



(1) - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان – باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء (231) .
(2) - عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد ( 5/269 ) للطبراني في الكبير ، وقال : رجاله رجال الصحيح ، خلا عبدالوهاب بن بخت وهو ثقة ، وقال المنذري في الترغيب ( 1/ 381 ) رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد
(3) -قال المنذري في الترغيب ( 2/ 704 ) رواه الأصبهاني واللفظ له ، ورواه ابن أبي الدنيا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه ، وحسنة الألباني في الصحيحة ( 906 ) .
(4) - العبودية لابن تيمية ص 38 ط : المكتب الإسلامي .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 27-11-2019, 06:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(35)

في السيرة أصول المعارف الصحيحة

وهكذا نجد أن للعبادة أفقا رحبا ودائرة واسعة :
فهي تشمل الفرائض والأركان الشعائرية من الصلاة والصيام والزكاة والحج وهي تشمل ما زاد على الفرائض من ألوان التعبد التطوعي من ذكر ، وتلاوة ، ودعاء، واستغفار ، وتسبيح ، وتهليل ، وتكبير ، وتحميد .
وهي تشمل حسن المعاملة ، والوفاء بحقوق العباد ، كبر الوالدين ، وصلة الأرحام ،والإحسان لليتيم والمسكين وابن السبيل ، والرحمة بالضعفاء ، والرفق بالحيوان .
وهي تشمل الأخلاق والفضائل الإنسانية كلها ، من صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وغير ذلك من مكارم الأخلاق .
ورضي الله عن سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان شمول العبادة أمراً واضحا لديهم لا لبس فيه ولا غموض .
أخرج الطبري في تاريخه من خبر بكر بن عبدالله المزني قال : جاء عمر بن الخطاب إلى باب عبدالرحمن بن عوف فضربه ، فجاءت المرأة ففتحته ... إلى أن قال : وعبدالرحمن بن عوف قائم يصلي ، فقال له – يعني عمر – تجوز أيها الرجل – يعني خفف صلاتك – فسلم عبدالرحمن حينئذ ، ثم أقبل عليه فقال : ما جاء بك هذه الساعة يا أمير المؤمنين ؟ . فقال : رفقة نزلت في ناحية السوق خشيت عليهم سراق المدينة ، فانطلق نحرسهم ... إلخ (1).
ففي هذا الخبر فهم عميق لمجالات العبادة ، وتقديم الأهم على المهم ، فإذا كانت الصلاة عبادة فخدمة المسلمين أيضا عبادة ، وما دامت الصلاة نفلا فإن ما نزل من حاجة المسلمين مقدم على ذلك ، لأن الصلاة عبادة يقتصر نفعها على صاحبها ، وخدمة المسلمين عبادة يتعدى نفعها للمسلمين .
وذكر الإمام البغوي عن الشعبي قال : خرج ناس من أهل الكوفة إلى الجبانة – أي الصحراء- يتعبدون ، واتخذوا مسجدا وبنوا بنيانا ، فأتاهم عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، فقالوا : مرحبا بك يا أبا عبدالرحمن ! لقد سرنا أن تزورنا ، قال : ما أتيتكم زائرا ، ولست بالذي أترك حتى يهدم مسجد الجبان ، إنكم لأهدى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! أرأيتم لو أن الناس صنعوا كما صنعتم ،من كان يجاهد العدو ؟ ومن كان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ؟ ومن كان يقيم الحدود ؟ ارجعوا فتعلموا ممن هو أعلم منكم ، وعلموا من أنتم أعلم منهم ، قال : واسترجع فما برح حتى قلع أبنيتهم وردهم (2).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهرا أو جمعة أو ما شاء الله أحب إلى حجة بعد حجة ، ولطبق بدانق أهديه إلى أخ في الله أحب إلى من دينار أنفقه في سبيل الله عز وجل " (3).
ورحم الله ابن المسيب حين قال له مولاه برد : ما رأيت أحسن ما يصنع هؤلاء ؟ قال سعيد وما يصنعون ؟ قال : يصلي أحدهم الظهر ثم لا يزال صافا رجليه يصلي حتى العصر . فقال سعيد : ويحك يا برد ! أما والله ما هي بالعبادة ، تدري ما العبادة ؟ إنما العبادة التفكر في أمر الله ، والكف عن محارم الله(4).
لقد وقر في حس هذا الجيل أن جميع الأعمال لابد أن تتوجه إلى الله حتى تكون طاعة وعبادة ،حتى إن عمر بن عبدالله قال لامرأته وهي ترضع ابنا لها : ( لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها ، قد عطفت عليه من الرحمة بالرحم ، ولكن أرضعيه تتوخين ابتغاء ثواب الله ، وأن يحيا برضاعك خلق عسى أن يوحد الله ويعبده ) (5).
وهذا ما ينبغي أن يعيه الجيل المعاصر في مفهوم العبادة وأبعادها .
وفي السيرة النبوية أصول النفسيات التي يحتاج إليها الإنسان في تعامله مع الآخرين ، انظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) (6) ويصف هند ابن أبي هاله رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفات هي أساس مراعاة نفسيات الناس إذ يقول : " ... ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ... ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ... وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ، يعطي كل جلسائه بنصيبه ، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ، من جالسه أو فاوضه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس بسطه وخلقه ، فصار لهم أبا ، وصاروا عنده في الحق سواء ... الحديث (7).
أرأيت هذه النفسيات الصادقة والتي خلت عن كل تعقيد ، ولو صدق دارسو النفسيات في أخذ علومهم من سيرته صلى الله عليه وسلم ، لأفادت دراستهم البشرية خيرا كثيرا ً.



(1) - تاريخ الطبري ( 4/205 ) .
(2) -شرح السنة ( 10/54- 55 ) .
(3) -صفة الصفوة ( 1/ 753 ) .
(4) - الطبقات الكبرى 5/ 135، سير أعلام النبلاء ( 4/ 241 ) .
(5) - نصيحة الملوك للماوردي ص 166.
(6) - الحديث أخرجه الترمذي في سننه ، كتاب البر ، باب ما جاء في صنائع المعروف( 1956) ، وقال : حسن غريب .
(7) - الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل رقم 7 ، ص 275 -267.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 27-11-2019, 06:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(36)

تفسير كثير من الآيات الكريمة
إن وقائع السيرة وأحداثها كثيرا ما تلقي لنا الضوء على تفسير بعض الآيات الكريمة ، فالسيرة من أول مهماتها تسجيل الوقائع زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكثيرا ما كان القرآن ينزل تعقيبا على تلك الوقائع ، ومن هنا كانت الصلة وثيقة بين السيرة والقرآن ... فهو كثيرا ما تنزلت آياته بتسجيل أحداث السيرة ... وهي كثيرا ما بينت لنا سبب النزول ....

وأكتفي بمثالين ... فهذا الجانب واضح والأمثلة كثيرة .
1- قال تعالى : ( يسألونك عن الأنفال ، قل الأنفال لله والرسول ، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) . [ سورة الأنفال /1] .
وهناك في القرآن خمس عشرة آية بدأت بقوله تعالى : ( يسألونك ) لا نجد فيها هذه اللهجة القوية التي تأمر بالتقوى وإصلاح ذات بينهم والطاعة ... ونتساءل عن العلاقة بين ختام الآية وبدئها : الأمر الذي يحتاج إلى بيان، فالسؤال يحتاج إلى جواب، ولكن هنا جواب وأوامر تعقيباً عليه تحتاج إلى تنفيذ ..
وتعطينا السيرة الإيضاح الكافي .
فعن عبادة بن الصامت قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون ، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة ، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم ، نحن حويناها فليس لأحد نصيب فيها ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو : لستم بأحق به منا ، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به . فنزلت ( يسألونك ) فقسمها رسول الله بين المسلمين (1).
وهكذا نلاحظ أن تصرف المسلمين إزاء الغنائم احتاج إلى هذا التوجيه والتربية ، فهم ما زالوا في بداية الطريق .
وبهذا كانت السيرة بيانا لهذا الأسلوب في سياق الآية الكريمة . (2)

(1) - رواه أحمد ، كما جاء في تفسير ابن كثير .

(2) - انظر : أضواء على دراسة السيرة ص 21-22.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 06-12-2019, 08:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(37)



تفسير كثير من الآيات الكريمة (2)
المثال الثاني :

قال الله تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ سورة البقرة /207 ] .
فهذه الآية يتضح معناها وينجلي تفسيرها من خلال ما عرضته كتب السيرة، فعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة فلما ذهب لينطلق بكي صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ، فبعث عليهم عبدالله بن جحش مكانه ، وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال : ( لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك ) .
فلما قرأ الكتاب ، استرجع ، وقال : سمعاً وطاعة لله ورسوله ، فخبرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب ، فرجع رجلان ، ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى ، فقال المشركون للمسلمين : قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله عز وجل :( يسألونك عن الشهر الحرام ) الآية ، فقال بعضهم : إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر ، فأنزل الله عز وجل :( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم ) . (1)
لقد اتخذ المشركون من حرمة الشهر الحرام ستاراً يحتمون خلفه ، لتشويه موقف الجماعة المسلمة ، وإظهارها بمظهر المعتدي ، وهم المعتدون ابتداء ، وهم الذين انتهكوا حرمة البيت ابتداء .
إنهم قوم لا يقيمون للمقدسات وزنا ، ولا يتحرجون أمام الحرمات ، يقفون دون الحق ، ويصدون الناس عنه ، ويفتنون المؤمنين ويؤذونهم أشد الإيذاء ، ويخرجونهم من البلد الحرام الذي يأمن فيه كل حي حتى الهوام ، ثم بعد ذلك كله يتسترون وراء الشهر الحرام ، ويقيمون الدنيا ويقعدونها باسم الحرمات والمقدسات، ويرفعون أصواتهم : انظروا ها هو ذا محمد ومن معه ينتهكون حرمة الشهر الحرام !.
إن الإسلام يرعى حرمات من يرعون الحرمات ، ويشدد في هذا المبدأ ويصونه ، ولكنه لا يسمح بأن تتخذ الحرمات متاريس لمن ينتهكون الحرمات ، ويؤذون الطيبين ، ويقتلون الصالحين ، ويفتنون المؤمنين ، ويرتكبون كل منكر ،وهم في منجاة من القصاص تحت ستار الحرمات التي يجب أن تصان .
وهو يمضي في هذا المبدأ على اطراد : إنه يحرم الغيبة ، ولكن لا غيبة لفاسق – فالفاسق الذي يشتهر بفسقه لا حرمة له يعف عنها الذين يكتوون بفسقه ، وهو يحرم الجهر بالسوء من القول ، ولكنه يستثنى ( إلا من ظلم) فله أن يجهر في حق ظالمه بالسوء من القول لأنه حق ، ولأن السكوت عن الجهر به يطمع الظالم في الاحتماء بالمبدأ الكريم الذي لا يستحقه ) .
ومع هذا يبقى الإسلام في مستواه الرفيع لا يتدني إلى مستوى الأشرار البغاة ولا إلى أسلحتهم الخبيثة ، ووسائلهم الخسيسة ، إنه فقط يدفع الجماعة المسلمة إلى الضرب على أيديهم ، وإلى قتالهم وقتلهم ، وإلى تطهير جو الحياة منهم هكذا جهرة في وضح النهار .
وحين تكون القيادة في الأيدي النظيفة الطيبة المستقيمة المؤمنة ، وحين يتطهر وجه الأرض ممن ينتهكون الحرمات ويدوسون المقدسات ، حينئذ تصان للمقدسات حرمتها كاملة كما أرادها الله .
هذا هو الإسلام صريحا واضحا ، قويا دامغاً ، لا يلف ولا يدور ، ولا يدع الفرصة كذلك لمن يريد أن يلف من حوله وأن يدور .
وهذا هو القرآن يوقف المسلمين على أرض صلبة لا تتأرجح فيها أقدامهم ، وهم يمضون في سبيل الله ، لتطهير الأرض من الشر والفساد ، ولا يدع ضمائرهم قلقة متحرجة تأكلها الهواجس ، وتؤذيها الوساوس .. هذا شر وفساد وبغي وباطل ... فلا حرمة له إذن ، ولا يجوز أن يتترس بالحرمات ليضرب من ورائها الحرمات !.
وعلى المسلمين أن يمضوا في طريقهم في يقين وثقة ، في سلام مع ضمائرهم، وفي سلام مع الله (2).
كذلك تفيدنا دراسة السيرة تحديد تاريخ أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ،ومواقع دلالتها أو ما سماه علماء الحديث والمصطلح ( بيان أسباب ورود الحديث الشريف ) وهذا الأمر يحل لنا مشكل كثير من الأحاديث التي يبدو على ظاهرها التعارض والتناقض وهي في واقع الأمر غير ذلك ،لأن كل حديث ورد في موطن خاص ويفيد معنى وتوجيها غير الآخر الذي يبدو أنه معارض له .
وتفيدنا معرفة الناسخ والمنسوخ في الحديث الشريف مما يتوقف عليه كثير من الأحكام الشرعية .
وبهذا تبدو أهمية السيرة وضرورة دراستها .
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ( 9/11-12 ) ، والطبري في التفسير ( 2/349-350 ) ، وأبو يعلى في المسند رقم ( 1534 ) ، والطبراني في الكبير ( 1670 ) ، وقال البيهقي : سنده صحيح إن كان الحضرمي هو ابن لاحق ،وقال الهيثمي في المجمع ( 6/198 ) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، وقال السيوطي في الدر المنثور ( 1/ 250 ) : سنده صحيح .

(2) انظر : في ظلال القرآن ( 1/226-227 ) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 06-12-2019, 08:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(38)



تلبية الفطرة في تعشق البطولة

الموقف الأول

في فطرة الإنسان – صغيرا أو كبيرا – ميل إلى سماع قصص البطولة ، وفي سبيل تلبية هذه الحاجة النفسية نشأ جانب كبير من الأدب العالمي الذي يعتمد في غالب الأحيان على التحليق في عالم الخيال ...

والبطولة – هنا – هي موقف متقدم في ميدان ما من ميادين الحياة ، فهي الشجاعة في ميدان القتال ، وهي الكرم في ميدان العطاء ، وهي السماحة في ميدان الحقوق ، وهي العفو في ميدان القدرة ... وهي وهي ...

إن تلك المواقف الفذة تستهوي النفس الإنسانية فتصغي إلى سماعها ، ويكون لها الأثر الكبير في النفس ، حتى ولو كانت مواقف من نسج الخيال أخذت مكانها في قصة كاتب .

وإذا كان الأمر كذلك فإن السيرة تروي هذا الظمأ ، وتلبي حاجة النفس من واقع بعيد عن الخيال يمتاز بالصدق والواقعية ، وإن كان في كثير من المواطن أكبر من الخيال ، وهذان موقفان يعبران أصدق تعبير عن هذا :

1- كلنا يعلم أمر ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بعد أن يئس من استجابة قريش ، وكانت النتيجة ذلك الرد السيء من أهل الطائف وأمرائها ... فقد أغروا سفهاءهم وصبيانهم بضربه بالحجارة حتى أدميت عقباه واختضبت نعلاه بالدماء .

وجلس بعد أن غادر البلد يدعو ذلك الدعاء المشهور : اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ...

وفي هذا الموطن يأتي جبريل وبصحبته ملك الجبال – كما في الصحيحين – ليقول له : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا به عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ... وقال له ملك الجبال : إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت . قال : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا ... (1)

هذه البطولة في الصبر وتحمل الأذى الجسدي ، ولقد كان الأذى النفسي أكبر منه ، بطولة فريدة لا يستطيع تقديرها حق قدرها إلا من كتب له بعض المعاناة في دعوته إلى الله تعالى .

وبطولة أخرى لا تقل عن الأولى ذلك الحلم الذي تمثل في رده على ملك الجبال .. إن جبريل وصاحبه وصلا إليه في ذروة الأسى والألم، وقد نزلا إليه بأمر الله لينزل العقوبة بأهل مكة الذين كانوا السبب فيما أصابه .. ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم تداعت إلى ذهنه أحداث الماضي خلال سنوات من المشقة والتعب والمعاناة ... إنهم يستحقون العقوبة ... ولولا ذلك لما أنزل الله ملك الجبال ... ومع ذلك لا يقبل أن تنزل بهم العقوبة ويقف حائلا دون ذلك .

إنها بطولة دونها بطولة الميادين – وهو صلى الله عليه وسلم المجلي في كليهما – وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ... (2)

وبطولة ثالثة .. ذلك الأمل الثابت في المستقبل ، واليقين الذي لا يتزعزع بانتصار الدعوة ... بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، إنه يقول هذا وليس هناك أي بارقة أمل ... يقول هذا وهو في موقفه ذاك لا يدري كيف يدخل مكة ثانية بعد أن خرج منها ... إنها البطولة ....




(1)- البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب إذا قال أحدكم أمين والملائكة في السماء ... ( 3231 ) ، ومسلم ، كتاب الجهاد ( 1795 ) .
(2)- البخاري ، كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب ( 6114 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ( 6643 ) .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 06-12-2019, 08:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(39)


تلبية الفطرة في تعشق البطولة



الموقف الثاني

في أعقاب بدر ، جلس في مكة صفوان بن أمية وعمير بن وهب ، وقد قتل والد الأول في هذه المعركة ، وأسر ابن الثاني ، كان الحقد يغلي في نفسيهما، وكان الكره على أشده تجاه محمد صلى الله عليه وسلم .. وكانت بينهما اتفاقية ، عقدها هذا الكره والبغض المشترك ، يقوم عمير بموجبها باغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقوم صفوان بتحمل دينه والنفقة على عياله إن أصابه مكروه .

وذهب عمير لتنفيذ المهمة ، وقد سم سيفه وأعد عدته .. وأناخ بباب المسجد ، ثم دخله ، فلما رآه عمر سارع إليه وأخذ بتلابيبه ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أرسله يا عمر ، ادن يا عمير ، فدنا ثم قال : أنعموا صباحا – وكانت تحية أهل الجاهلية – فقال صلى الله عليه وسلم : قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ، بالسلام ، تحية أهل الجنة ، فقال : أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد ...

محاورة فيها كل العطف والحنان من الرسول الكريم .. ثم سأله : ما جاء بك ؟ قال : جئت لهذا الأسير ، قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال :قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت عنا شيئا ؟ قال : اصدقني ما الذي جئت له ؟ قال : ما جئت إلا لهذا . قال : بل قعدت أنت وصفوان في الحجر ، ثم قلت لولا دين علي ... لخرجت حتى أقتل محمداً ، والله حائل بينك وبين ذلك ... وتشهد عمير شهادة الحق وأطلق له أسيره ، وأصبح واحدا من المسلمين .

إنه موقف إعجاب بالحلم وسعة الصدر ، إعجاب بذلك اللقاء الذي تلقاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يفيض حنانا وعطفا : دعه يا عمر ... ادن يا عمير ... يقول هذا وهو على علم بما جاء له .

وأما صفوان ... فقد كان إسلامه بعد فتح مكة ، وندعه يتحدث كيف أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال صفوان : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الناس إلي ، فما زال يعطيني حتى صار وإنه أحب الناس إلي (1).

بدأ صفوان بالإعجاب بالنبي صلى الله عليه وسلم من زاوية واحدة ، هي زاوية الكرم ، وإذا به أمام صورة من الكرم لم يشهدها في حياته قط ويتحول الإعجاب إلى حب.

ويوضح لنا أنس هذا المعنى حيث يقول : إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنما بين جبلين ، فأتى قومه فقال : يا قوم أسلموا ، فإن محمدا يعطي عطاء رجل لا يخاف الفاقة ، وإن كان الرجل ليجئ إليه ما يريد إلا الدنيا ، فما يمسى حتى يكون دينه أحب إليه من الدنيا بما فيها (2).


إن دراسة السيرة تلبي لنا هذه الحاجة النفسية بواقع صادق ، فتركن النفس فيه إلى إعجاب حق ، بعيد عن الزيف والمبالغة .





(1)- رواه مسلم برقم ( 2313 ) .
(2) - رواه بتمامه، أحمد في المسند ( 3/259 ) وروي مسلم القسم الأول منه برقم ( 2312 ) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 13-12-2019, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(40)

التعرف على الجهد المبذول في إزاحة الجاهلية
إنه مما يعرفنا – إضافة لما سبق – بقدر هذا الرسول الكريم أن نتعرف على ذلك الجهد العظيم الذي بذله -صلى الله عليه وسلم- في إزاحة الجاهلية.
وإزاحة الجاهلية ليست أمراً سهلاً، وهذا الإزاحة متعددة المواقع:
فهناك الإزاحة في ميدان العقيدة .
وهناك الإزاحة في ميدان الفكر .
وهناك الإزاحة العسكرية.
وهناك الإزاحة الاجتماعية.
واختار المثال لهذه الفقرة من النوع الأخير ...
جاء الإسلام والناس طبقات، بل والطبقة الواحدة درجات، وكان من القواعد الأولى في هذا الدين : المساواة بين الناس، وإلغاء هذا التمايز الذي لا يستند إلى أمر منطقي، وأصبح في ظل الإسلام مفهوم آخر للسيادة بين الناس يوضحه قول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: " أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا " -يعني بلالاً-(1)، هذه السيادة التي لا يتمسك بها من يعترف الناس له بها؛ وإنما هي اعتراف لصاحب الفضل بفضله ، وهكذا غير الإسلام المفاهيم.
ولكن هذا التغيير احتاج إلى جهد كبير، فالمسلمون -وإن اعترفوا ظاهراً بالمساواة- إلا أن تحويل هذا الاعتراف إلى واقع لم يكن أمراً ميسوراً، فكان على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يمارس عملية التطبيق بنفسه.
ومن هذا المنطلق بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلغى عملياً الحواجز بين الناس في أمر الزواج، فكان يقترح على العربيات الأصيلات أن يتزوجن من الموالي، ومن ذلك أن خطب -صلى الله عليه وسلم- بنت عمته زينب بنت جحش لمولاه زيد بن حارثة.
وترفعت زينب لشرفها وجمالها، ونزل قوله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ... ) [ الأحزاب /36] وانصاعت زينب لأمر الله وتم الزواج.
ولكن الأمور لم تستقم بين الزوجين، ورغب زيد في طلاقها، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول لزيد : (أمسك عليك زوجك) ، علماً بأن الله تعالى قد أعلمه بأنها ستكون زوجاً له.
وكانت إرادة الله تعالى أن يكون زواج زينب من زيد كَسْرَاً لحاجز كبير يتعارض مع مبادئ الإسلام ، وكانت إرادته تعالى – أيضاً – أن يكون زواج زينب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- كسراً لحاجز آخر أبطله الإسلام – وكان قائما في الجاهلية – وهو الزواج من مطلقة متبناه .
إن هذين الأمرين الاجتماعين كان من السهل أن يأتي بهما التشريع، لكن عملية التطبيق في الواقع كانت بحاجة إلى جهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد كان ذلك ثقيلا على نفس الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لذلك أخفى الخبر بإعلام الله له بالزواج من زينب، لأن زواجه من مطلقة متبناه أمر مستغرب في تلك البيئة، وكانت إرادة الله أن يكون إبطال هذا الأمر عملياً، فكان فيه ما فيه من الجهد النفسي والجهد الاجتماعي .
إن سلطان الأعراف والتقاليد والعادات على الحياة الاجتماعية كبير، ولذا كان على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يلغي منها ما يتعارض مع الإسلام إلغاءً عملياً، حتى يثبت المعنى الإسلامي الجديد مكان العرف الجاهلي الملغي.
بل إن معرفة الجاهلية، ومعرفة الإسلام تبين لنا الجهد المبذول، والمكابدة الكبيرة التي بُذِلَتْ حتى أصبح المعنى الإسلامي هو العرف القائم(2).
يقول العلامة أبو الحسن الندوي موضحا ذلك:
"لقد كان هذا الانقلاب الذي أحدثه -صلى الله عليه وسلم- في نفوس المسلمين وبواسطتهم في المجتمع الإنساني أغرب ما في تاريخ البشر، وقد كان هذا الانقلاب غريباً في كل شيء، كان غريباً في سرعته، وكان غريبا في عمقه، وكان غريبا في سعته وشموله، وكان غريبا في وضوحه وقربه إلى الفهم، فلم يكن غامضاً ككثير من الحوادث الخارقة للعادة، ولم يكن لغزاً من الألغاز، فلندرس هذا الانقلاب عملياً، ولنتعرف على مدى تأثيره في المجتمع الإنساني والتاريخ البشري".


(1) - أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-، باب مناقب بلال ( 3754)
(2) - أضواء على دراسة السيرة ص 22-24.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 164.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 158.16 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.69%)]