ابني...حبيبي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 850999 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 386988 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 225 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60077 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 848 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-07-2019, 04:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي ابني...حبيبي

ابني...حبيبي
بدر عبد الحميد هميسه



أبناؤنا هم هبة الله - تعالى -لنا، وهم العيون التي نرى بها والأفئدة التي نحس بها، والماضي الذي
نعتز به، والحاضر الذي نعيش له، والمستقبل المنشود الذي نتشوق إليه، والدعاء الذي نرجو استجابته، فهم هبة الله - تعالى -ونعمته لنا، قال - سبحانه -: ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)) سورة الشورى.
وهم قرة العين في هذه الحياة، قال - تعالى -: ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (74) سورة الفرقان.
وهم زينة الحياة الدنيا، قال - تعالى -: ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) (46) سورة الكهف، وقال: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (14) سورة آل عمران.
ولقد فطر الله - تعالى -الوالدين على محبة الولد، وجعله ثمرة الفؤاد وقرة العين، وهذه المحبة هي مصدر الأمن والاستواء النفسي للولد، كما أنها القاعدة الصلبة لبناء شخصيته على الاستقامة والصلاح والتفاعل الإيجابي مع المجتمع من حوله.
ولا شك أن جميع الآباء يحبون أبناءهم، وإنما يختلفون في طريقة التعبير عن ذلك الحب، غير أن شعور الأبناء بحب آبائهم لهم عنصر حاسم في بناء الثقة بين الطرفين، ضماناً لنجاح التربية، وتأهيلاً للأبوين؛ ليكونا مرجعين معتمدين من طرف الأبناء، فأساس التربية هو الإقرار بالأهلية، وقد لا ينتبه الآباء إلى رأي الأبناء فيهم والصورة التي تشكلت في وجدانهم عن آبائهم، وثقة المريض في الطبيب حاسمة في تقبله للعلاج.
فنداء الحب للأبناء والتعبير عن حبهم بالإشارة والعبارة لهو أبلغ الأدلة على هذا الحب، ولقد ضرب لنا القرآن الكريم أبلغ الأمثلة على ضرورة تعبير الوالدين عن حبهم لأبنائهم بنداء الحب الخالد.. ولدي.. ابني.. بُني.. فها هو نبي الله نوح - عليه السلام - على الرغم من جحود ابنه وكفره وعناده إلا أنه لم يتخل عن نداء الحب له، قال - تعالى -: ( وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) (42) سورة هود.
وها هو الخليل إبراهيم - عليه السلام - يتواصل مع ولده في أشد مواقف الاختبار والابتلاء غضاضة على النفس حينما أمره الله - تعالى -بذبح ولده الحبيب، قال - سبحانه -: ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (102) سورة الصافات.
ثم يوصي إبراهيم أبناءه بهذا النداء، قال - تعالى -: ( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (132) سورة البقرة.
ثم يأتي يعقوب - عليه السلام - فيكرر النداء مع أبناءه، قال - سبحانه -: ( قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (5) سورة يوسف.
وقال: ( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (67) سورة يوسف.
وقال: ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (87) سورة يوسف.
وفي قصة لقمان يتكرر النداء المحب ممتزجاً بالوصايا الغاليات النافعات، قال - تعالى -: ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)) سورة لقمان.
ورسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - مع مسؤولياته الجسام لم ينس الأطفال، بل اتسع وقته لحملهم ومداعبتهم وملاطفتهم، والتعبير عن حبه لهم، كما اتسع قلبه الرحيم لاحتضانهم وتقبيلهم بحنان بالغ، وحب صادق في أسمى معانيه، عَنِ ابْنِ أَبِى نُعْمٍ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لاِبْنِ عُمَر،َ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ: فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا)) أَخْرَجَهُ أحمد 2/85(5568) و"البُخَارِي" 5/33(3753).
والمعنى: أنهما مما أكرمني الله وحباني به؛ لأن الأولاد يُشمّون ويُقبَّلون، فكأنهم من جملة الرياحين.
وعَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاضِعًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، - رضي الله عنه -، عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ)).
- وفي رواية: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ حَامِلاً الْحَسَنَ، فَقَالَ: (( إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ)) أخرجه أحمد 4/283(18695) و"البُخَارِي" 5/33(3749) و"مسلم" 7/130(6338).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ مُتَّكِئًا عَلَى يَدِي، فَطَافَ فِيهَا، ثُمَّ رَجَعَ فَاحْتَبَى فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ: (( أَيْنَ لَكَاعٌ ادْعُوا لِي لَكَاعًا، فَجَاءَ الْحَسَنُ - عليه السلام - فَاشْتَدَّ حَتَّى وَثَبَ فِي حَبْوَتِهِ، فَأَدْخَلَ فَمَهُ فِي فَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ، ثَلاَثًا)) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " مَا رَأَيْتُ الْحَسَنَ إِلاَّ فَاضَتْ عَيْنِي أَوْ دَمَعَتْ عَيْنِي أَوْ بَكَتْ" شَكَّ الْخَيَّاطُ. أخرجه أحمد 2/532(10904) و"البُخاري" في الأدب المفرد (1183).
وعن عبد الله بن شداد، عن أبيه، قال: خرج علينا رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسناً، أو حسنياً، فتقدم لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فوضعه، ثم كبر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهرني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهرني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: (( كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)) أخرجه أحمد 3/493(16129) و"النَّسَائي" 2/229، وفي "الكبرى" 731.
عنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَبْصَرَ الأَقْرَعَُ بْنُ حَابِسٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ، أَوِ الْحُسَيْنَ، - رضي الله عنهما -، فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَطُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّهُ لاَ يُرْحَمُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ)) أخرجه "أحمد" 2/228(7121) و"البُخاري" 5997 و"مسلم" 6097.
عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لاَ، وَاللهِ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)) أخرجه البُخَاري 8/9(5999). ومُسْلم 8/97(7078).
بل حينما مات ولده إبراهيم عبر عن حبه ومشاعره بالدموع قبل الكلام، وعَنْ ثَابِتٍ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ، - عليه السلام -، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ، - رضي الله عنه -: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَقَالَ: (( يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)) أخرجه أحمد 3/194(13045) و"البُخَارِي" 2/105(1303).
ولم يكن تعبير النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مشاعر الحب تجاه أبنائه الذكور فقط، بل ساوى في هذه المشاعر الفياضة بين الذكور والإناث؛ تدليلاً على تكريم الإسلام للمرأة، وعدم امتهانها كما كان الناس يفعلون في الجاهلية، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَأَلَتْنِي أُمِّي: مُنْذُ مَتَى عَهْدُكَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَالَتْ مِنِّي وَسَبَّتْنِي، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: دَعِينِي، فَإِنِّي آتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُصَلِّي مَعَهُ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ لاَ أَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَتَبِعْتُهُ، فَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ، فَنَاجَاهُ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَسَمِعَ صَوْتِي، فَقَالَ: (( مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ، قَالَ: مَالَكَ؟ فَحَدَّثْتُهُ بِالأَمْرِ، فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلأُمِّكَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا رَأَيْتَ الْعَارِضَ الَّذِي عَرَضَ لِي قُبَيْلُ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، لَمْ يَهْبِطِ الأَرْضَ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ، وَيُبَشِّرَنِي أَنَّ الحَسَن وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) - رضي الله عنهم -. أخرجه أحمد 5/391(23718) والتِّرْمِذِيّ" 3781 و"ابن خزيمة" 1194، الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 79 في صحيح الجامع.
وعَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امرأةً، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَانَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: (( مَرْحَبًا بِابْنَتِي فَاجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ اسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةً، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أيْضًا، فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: مَا رَأيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا اقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ: أخَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ؟ وَسَألْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَألْتُهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بالْقُرْانِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلا أُرَانِي إِلاَّ قَدْ حَضَرَ أجَلِي، وَإِنَّكِ أوَّلُ أهْلِي لُحُوقًا بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ لِذَالِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ: ألا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ فَضَحِكْتُ لِذَالِكَ)). أخرجه أحمد 6/282 و"البُخَارِي" 4/247 و"مسلم" 7/142 و143.
وعَنْ عَائِشَةَ بنْت طَلْحَةَ، عَنْ عَائشَةَ أم الْمُؤْمِنِينَ قَالَتََْ: مَا رَأيْتُ أحَدًا أشْبَهَ سَمْتًا وَدَلاًّ وَهَدْيًا بِرَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَقَبَّلَتْهُ وَأجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا، فَلَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَتْ فَاطِمَةُ فَأكَبَّتْ عَلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأسَهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ اكَبَّتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأسَهَا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتُ لأظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أعْقَلِ نِسَائِنَا فَإِذَا هِيَ مِنَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ لَهَا: أرَأيْتِ حِينَ أكْبَبْتِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَفَعَتِ رَاْسَكِ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ أكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَاْسَكِ فَضَحِكْتِ، مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَالِكَ؟ قَالَتْ: إِنِّي إِذًا لَبَدِرَةً أخبرني انَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ ثُمَّ أخبرني أنِّي أسْرَعُ أهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَذَاكَ حِينَ ضَحِكْتُ. أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) (947) و"أبو داود" 5217.
وعَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ؛أَنَّ عَلِيًّا ذَكَرَ بِنْتَ أَبِى جَهْلٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: (( إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّى يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا وَيُنْصِبُنِي مَا أَنْصَبَهَا)) أخرجه أحمد 4/5(16222)، والترمذي (3869)الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 2046 في صحيح الجامع.
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. أخرجه مالك "الموطأ" 123 و"أحمد" 5/295 (22886).
كان أمية بن الأسكر الكناكي من سادات قومه، وكان له ابن اسمه كلاب هاجر إلى المدينة في خلافة عمر بن الخطاب، فأقام بها مدة ثم لقي ذات يوم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام فسألهما: أي الأعمال أفضل في الإسلام؟ فقالا: الجهاد، فسأل عمر فأغزاه في الجند الغازي إلى الفرس، فقام أمية وقال لعمر: يا أمير المؤمنين هذا اليوم من أيامي لولا كبر سني، فقام إليه ابنه كلاب وكان عابدا زاهدا، فقال: لكني يا أمير المؤمنين أبيع الله نفسي وأبيع دنياي بآخرتي فتعلق به أبوه وكان في ظل نخل له وقال: لا تدع أباك وأمك شيخين ضعيفين ربياك صغيرا حتى إذا احتاجا إليك تركتهما، فقال: نعم اتركهما لما هو خير لي فخرج غازياً بعد أن أرضى أباه، فأبطأ في العودة إلى والديه، وكان أبوه يوماً في ظل نخل له وإذا حمامة تدعو فرخها فرآها الشيخ فبكى فرأته العجوز فبكت وأنشأ يقول:
لِمن شَيْخَانِ قد نَشَدَا كِلابَا *** كتابَ الله لو عَقَلَ الكتابَا
أُنادِيهِ فيُعْرِضُ فِي إبَاءٍ*** فلا وأبي كلابٍ ما أصابا
إذا سَجَعَتْ حَمامةُ بَطْن وادٍ*** إلى بيضاتِها أدعو كِلابا
تركتَ أباك مُرْعِشَةً يداه*** وأمّكَ ما تسِيغُ لها شَرابا
فإنك والتماس الأجر بعدي*** كباغي الماء يلتمس الشَّرابا
فسمع عمر بن الخطاب هذه الأبيات من أبي كلاب، فاستدعى كلابًا على الفور، وعندما حضر كلاب وأبوه لا يعلم بحضوره، فسأله عمر: كيف كان برّك بأبيك؟ فقال: إني أحلب له كل يوم وأسقيه اللبن، فقال له عمر: احلب هذه الشاة، واستدعى عمر أبا كلاب وقدّم له اللبن وهو لا يشعر بوجود ابنه عند عمر، فقال الأب: إني لأشم رائحة يدَي كلاب، فبكى عمر وقال لكلاب: جاهد في أبويك. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/115، والوافي بالوفيات للصفدي 9/224.
ونظر عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - إلى رجل يحمل طِفْلاً على عُنقه، فقال: ما هذا منك؟ قال: ابني يا أميرَ المؤمنين، قالت: أمَا إنه إن عاش فَتَنَك، وإن مات حَزَنك.
وروى أن معاوية دخلته موجدة على ابنه يزيد فأرق لذلك ليلته فلما أصبح بعث إلى الأحنف ابن قيس فأتاه فلما دخل عليه قال له: يا أبا بحر كيف رضاك على ولدك وما تقول في الولد؟ قال: فقلت في نفسي ما سألني أمير المؤمنين عن هذه إلا لموجدة دخلته على يزيد فحضرني كلام لو كنت زوقت فيه سنة لكنت قد أجدت، فقلت: يا أمير المؤمنين هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة وبهم نصول إلى كل جليلة، فإن غضبوا يا أمير المؤمنين فأرضهم وإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، يمنحوك ودهم، ويحبّوك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقيلاً فيتمنّوا موتك ويكرهوا قربك ويملوا حياتك.
قال: لله درك يا أحنف والله لقد بعثت إليك وإني من أشد الناس موجدة على يزيد فلقد سللت سخيمة قلبي يا غلام اذهب إلى يزيد فقل: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام، وقد أمر لك بمائتي ألف ومائتي ثوب فابعث من يقبض ذلك فأتاه الرسول فأخبره، فقال من عند أمير المؤمنين قال: الأحنف فبعث رسولاً يأتيه بالمال ورسولاً يأتيه بالأحنف إذا خرج من عند أمير المؤمنين، فأتاه الأحنف وأتاه المال فقال: يا أبا بحر كيف كان رضي أمير المؤمنين فأعاد عليه الكلام الذي كلم به معاوية فقال لا جرم لأقاسمنك الجائزة فأمر له بمائة ألف ومائة ثوب ". ابن أبي الدنيا: كتاب العيال 309. الدينوري: المجالسة وجواهر العلم 3/484.
ودخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه تفاحة القلب، قال: انبذها عنك فإنهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن، قال: لا تقل هذا يا عمرو فوالله ما مرض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان إلا هن وإنك لواجد خالاً قد نفعه بنو أخته، فقال عمرو: ما أراك يا أمير المؤمنين إلا وقد حببتهن إلى بعد بغضي لهن. الثعالبي: ثمار القلوب 1/341.
وكتب إبراهيم بن داحة إلى أحد أبويه: جعلني الله فداءك، فكتب إليه: لا تكتب بمثل هذا فأنت على يومي أصبر مني على يومك. الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء 1/146.
ورد عن محمد بن المنكدر أنه قوله لولده: والله يا بني إني لأزيد في صلاتي ابتغاء صلاحك.
قال حِطَّانُ بنُ الْمُعَلَّى:
لَوْلاَ بُنيَّاتٌ كَزُغْبِ الْقَطَا *** رُدِدْنَ مِنْ بَعْضٍ إلَى بَعْضِ
لَكانَ لِي مُضْطَرَبٌ وَاسِعٌ *** فِي الأَرْضِ ذاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ
وَإنما أوْلاَدُنَا بَيْنَنا *** أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ *** لاَمْتَنَعَتْ عَيْني مِنَ الْغَمضِ
قال رويم بن أحمد البغدادي لابنه: يا بني اجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً، أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في سلوكك من حيث الكثرة كنسبة الدقيق إلى الملح الذي يوضع فيه، وكثير من الأدب مع قليل من العمل الصالح، خير من كثير من العمل قلة الأدب "المحاسبي: رسالة المسترشدين ص 31.
وللشاعر عبد قيس بن خفاف البرجمي وصايا رائعة تدل على حبه لولده وحرصه على تربيته تربية سليمة قال:
أجبيلُ إن أباك كاربُ يومهِ *** فإذا دُعيتَ إلى العظَائم فاعجلِ
أوصيكَ إيصاءَ امْرِئٍ لك ناصحٍ *** طَبِنٍ بِرَيْبِ الدهرِ غير مُغفَّلِ
الله فاتَقِهِ وأوفِ بنذرِهِ *** وإذا حلفت مُمارياً فتَحَلَّلِ
والضيفَ أكرمْهُ فإن مَبِيتَهُ *** حقٌّ، ولا تَكُ لُعْنَةً لِلنُّزَّلِ
واعلم بأنَّ الضيفَ مُخْبِرُ أهْلِهِ *** بِمَبيتِ ليلتِهِ وإنْ لم يُسألِ
وصِلِ المواصِلَ ما صفا لك وُدُّهُ *** واحذرْ حِبال الخائنِ المتَبَدِّلِ
واتركْ محل السوءِ لا تَحْلُلْ بهِ*** وإذا نَباَ بِكَ منزِلٌ فَتَحَوَّلِ
وإذا هممت بأمرِ شَرٍّ فاتَّئِدْ *** وإذا هممتَ بأمرِ خيرٍ فافْعَلِ
واستغْنِ ما أغْناكَ ربُّكَ بالغِنى *** وإذا تُصِبك خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
وإذا تَشَاجَرَ في فُؤادِكَ مَرَّةً *** أمران فاعمِد لِلأعَفِّ الأجملِ
وهذا أحد الحكماء يعبر عن حبه لولده بوصايا جامعة رائعة فيقول له:
يا بني: إذا اجْتَمَعَتْ عليك أعمالٌ كثيرة، فابْدَأ بأحبِّهَا، إلى اللّهِ - عز وجل -، وأَحْمَدِها عاقبة.
قال الشاعر:
اعمَلْ وأنتَ من الدُّنيا على حذر *** واعلم بأنك بعد الموتِ مَبْعُوث
واعلَم بأنك ما قدّمتَ من عمَلٍ *** مُحْصى عليك وما خلّفت موروث
يا بني: إذا فعلت معروفا فلا تَمنَّ به، فإن الِمَّنة تهدِم الصنيعة وتُحْبط الأجرَ، وتسْقِط الشكر.
قال الشاعر:
فلا تك منّانا بخيرٍ فعلتَه *** فقد يفسد المعروفَ بالمنِّ صاحبُهْ
يا بني: عليك بالوفاء، فإنه يدعو إلى التُّقَى، واعلم أنه لا يتمُّ كرمُ المرء إلا بحسنَ وفائه.
قال الشاعر:
إن الوفاء بعهد الله عادتُنا *** ولا يفي بعهود الله كذابُ
يا بني: خذ في أمورك بالأناة وحسن التثبت، تسلمْ من عتاب الإخوان.
كما قال الشاعر:
قد يدرك المتأني بعضَ حاجته *** وقد يكون مع المستعجِل الزللُ
يا بني: إذا ائتمنكَ أحدٌ على أمانة فاحفظها حتى تُسَلِّمَهَا مصونةً إلى أهلها.
ففي ذلك قال الشاعر:
وإذا اؤتمنت على الأمانة فَارْعَهَا *** إن الكريمَ عَلىَ الأمانةِ راعَ
يا بني: لا تعب أحداً مما يبدو لك من عيوبه، فإذا هممت بذلك فاذكر عيوب نفسك ففيها ما يَشْغَلُكَ عن عيوب الناس، فإن عبت أحداً بما فيه كان ذلك قبيحاً، وأقبحُ منه أن تعيبه بما فيك.
وفي ذلك قول الشاعر:
إذا ما ذكرت الناس فاترك عيوبَهم *** فلا عيبَ إلاَّ دونَ ما منك يُذْكَرُ
فإن عبتَ قوماً بالذي هو فيهمُ *** فذلك عندَ الله والناس مُنْكَرُ
يا بني: إياك وقرينَ السوء فإنما صلاحُ أخلاق المرء بمقارنة الكرام، وفسادُها بمحادثة اللئام، وإنما
ُعْرَفُ المرء بقرينه.
قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي.
وقال شاعر يعبر عن حبه لولده:
ولدي وأنت على *** الزمان لي السراج النير
أرعاك بالعين التي *** بك تستنير و تبصر
و أقيك عادية الأذى*** مما تخاف و تحذر
لك من حناني ما يضيق *** الوصف عنه و يقصر
و بك المنى صافحتها *** وبلغت ما أتصور
وهذا هو عمر بهاء الأميري يعبر في حب بالغ عن معاني الأبوة الحانية فيقول:
وأنا أب في أضلعي مِزَعٌ *** تسعٌ من الأطفال تهتف بي
هل في حنان الناس منزلةٌ *** أسنى وأرفع من حنان أبِ
وقوله:
يا فتيةً آذَوا أباً *** أفنى ببرِّ بنيه عمرَهْ
وأبوكمُ ما بينكم ضيفٌ *** وفيمن مات عبرَهْ
وقوله في هذه القصيدة الرائعة:
أين الضجيج العذبُ والشغبُ؟ *** أين التدارسُ شابهُ اللعبُ؟
أين الطفولةُ في توقُّدِها؟ *** أين الدُّمى في الأرضِ والكُتُبُ؟
أين التشاكُسُ دونَما غَرَضٍ؟ *** أين التشاكي ما لهُ سَبَبُ؟
أين التباكي والتضاحُكُ، في *** وَقْتٍ معاً، والحُزنُ والطَرَبُ؟
أين التسابُقُ في مُجاورَتي شَغَفَاً*** إذا أكلوا وإنْ شربوا؟
يَتَزاحمونَ على مُجالستِي *** والقُربِ مِنِّي حيثُما انقَلَبوا
يتوَجَّهونَ بسَوقِ فِطْرتِهم *** نَحْوي إذا رَهبوا وإن رَغبوا
فنشيدُهُم "بابا" إذا فَرحوا *** ووعيدُهُم "بابا" إذا غَضِبوا
وهتافُهُم "بابا" إذا ابتَعدُوا *** ونَجِيُّهُم "بابا" إذا اقتَرَبُوا
سُئل أحد الصالحين: أي ولدك أحب إليك؟ قال: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والغائب حتى يعود.
فليعلم الآباء أن الأبناء يقلدونهم في التعبير عن مشاعر الحب، وأن الولد على ما تعود من أبيه، قال الشاعر:
مشى الطاووسُ يوماً باعوجاجٍ *** فقلَّدَ شكلَ مشيتِه بَنوهُ
فقال: علام تختالون؟ قالوا: *** بدأْتَ به ونحن مُقلِّدوهُ
فخالِفْ سيرَك المعْوَجَّ واعدِلْ *** فإنا إنْ عَدَلْتَ مُعدِّلوهُ
أمَا تدري أبانا كلّ فرعِ *** يُجاري بالخُطى مَن علموهُ؟
ويَنشأ ناشئُ الفتيانِ منا *** على ما كان أدبه أبوهُ
ولله در من قال أيضاً:
نُبِّئْتُ أن سليمانَ الزمانِ ومَنْ *** أصبى الطيورَ فناجَتْه وناجاها
أعطى بلابلَه يوماً يؤدبُها *** لحكمةٍ عنده للبُومِ يَرعاها
فاشتاق يوماً من الأيام رؤيتَها *** فأقبلَتْ وهي أعصى الطيرِ أفواها
فنال سيدَها مِنْ دائها غضَبٌ *** وودَّ لو أنه بالذبح داواها
فجاءه الهدهدُ المعهودُ معتذراً *** عنها يقول لمولاه ومولاها
بلابلُ اللهِ لم تَخرَسْ ولا وُلدَتْ *** خُرساً ولكنّ بومَ الشؤمِ رباها
إنّ الإسلام يطالب الأبوين بأن يُشعروا الطّفل بالحنان والعطف لإصلاح نفسه، وإدخال السّرور على قلبه، وانطلاق فكره ونشاطه، وأن يُعبر عن هذا الحب بكل وسائل الاتصال والتواصل بالعبارة وبالإشارة وبالمناغاة وبالمناجاة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.88 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]