حركة الترجمة ومدى تأثيرها في الموروث العربي القديم - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858642 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393067 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215540 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-08-2023, 06:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي حركة الترجمة ومدى تأثيرها في الموروث العربي القديم

حركة الترجمة ومدى تأثيرها في الموروث العربي القديم
أحمد إبراهيم المسودي

(حركة الترجمة ومدى تأثيرها في البيان العربي)


فسنتحدث في هذا المقال عن حركة الترجمة وتأثيرها في البيان العربي بمفهومه الشمولي -إن وجد - هذه القضية التي أحدثت جدلًا واسعًا في أوساط الباحثين، وانقسموا حيالها إلى طرائق عدة، منهم من يرى أن البيان العربي قد تأثر في نشأته تأثرًا مباشرًا بالثقافة الهيلينستية، وفريق آخر يرى عدم تأثر البيان العربي بالمؤثرات الخارجية في مرحلة التأسيس، ولم تحصل المثاقفة والتأثر والتأثير إلا في العصور المتأخرة، وسنقف في هذا المقال على بدايات الترجمة في التراث العربي، وسنركز اهتمامنا على كتابي أرسطو "فن الخطابة" و"فن الشعر" لسبب بسيط، وهو أن هذين الكتابين كانا مثار الجدل والمطارحة بين الفريقين المتصارعين القائلين بالتأثر والقائلين بعدمه، ومنهما انطلق الفريقان، ففريق يثبت هذا التأثر من خلالهما، ويدلل على ذلك، وفريق يفند تلك المزاعم ويدحض.

أولًا: كتاب فن الشعر لأرسطو:
تُرجم "كتاب الشعر" لأرسطو في النصف الأول من القرن الرابع الهجري على يد متَّى بن يونس القناني، ولكن هذه الترجمة لم تكن عن اليونانية إلى العربية، إنما كانت نقلًا عن السريانية إلى العربية، وكانت هذه النسخة السريانية من ترجمة إسحاق بن حنين، أما في العصر الحديث فقد نقله إلى العربية الدكتور عبدالرحمن بدوي، ثم الدكتور شكري عيَّاد.

ومع هذا النقل المبكر لكتاب الشعر لأرسطو إلى العربية، هل يمكن أن نقول أن البيان العربي قد تأثر بهذا الكتاب؟
وإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأن الترجمة العربية القديمة لهذا الكتاب لم توفر لعلماء البيان العربي بمختلف حقولهم المعرفية إلا مفاهيم غريبة، أدركها المترجم متَّى بن يونس بصورة مشوهة، وجاء تعبيره عنها بعبارات مهترئة وركيكة.

فنظرية (المأساة) هي الأساس التي تمحور حولها "كتاب الشعر" لأرسطو، وكانت هذه النظرية تعالج الشعر الدرامي في الثقافة الهيلينستية، ومن المؤكد أن علماء البيان العربي الذين عاشوا في القرن الرابع لم يعرفوا مفهوم (التراجيديالأنهم في الحقيقة لم يطلعوا على أعمال المبدعين الإغريق، لذلك لن يفهموا هذه النظرية بشكل واضح حتى لو نقلت بشكل واضح وأمين، ولهذا فإن هذا الكتاب لا يمكن فَهمه بشكل واضح وعميق إلا إذا عرفت الأصول النظرية والفلسفية له، وهذا الذي لم يتسن لعلماء القرن الرابع.

ومن الصور المشوهة مثلًا في الترجمة العربية القديمة ترجمة مفهوم (التراجيديا) بالمديح، وترجمة مفهوم (الكوميديا) بالهجاء، ولا شك أن ثمة شبهًا بين تلك المفاهيم ومقابلها في الثقافة العربية، لكن أوجه التباعد والتفارق واضحة جلية لكل ذي بصر، ومرد ذلك التفارق والتباعد نظرة كل من الثقافتين لهذه المفاهيم.

وتضم المكتبة العربية تلخيصين عربيين لكتاب الشعر الأرسطي اعتمادًا على ترجمة متَّى بن يونس، هما تلخيص كتاب الشعر لابن سينا، والآخر لابن رشد، وهذان التلخيصان وإن كانا قد قدما فهما متقدمًا لكتاب أرسطو، وحاولا تكييفه مع الأدب العربي، إلا أنهما لم يستطيعا الإلمام بهذا الكتاب بكماله، وتقريبه والقضاء على غموضه، ومع ذلك الجهد المبذول في التلخيصين، إلا أنهما لم يخلوا من العيوب التي تسربت إليهما من الأصل، كالخلط بين المفاهيم والمصطلحات، ومحاولة تعويض استشهادات أرسطو بسور قرآنية وأشعار عربية.

ونخلص مما مضى إلى أنه من الصعوبة بمكان فَهم كتاب الشعر وفلسفته المعتمدة أصلًا الثقافة اليونانية وفنونها، وهذا ما يجعلنا نجزم بأن هذا الكتاب لم يؤثر في البيان العربي في مرحلة التأصيل والتأسيس، لعدم وضوح مفاهيمه ومصطلحاته وفلسفته، مما يدحض رأي أولئك الذين ذهبوا إلى القول بأن هذا الكتاب قد مارس تأثيرًا واضحًا في مرحلة ولادة وتكون البيان العربي.

ثانيًا: كتاب الخطابة لأرسطو:
لقد أثار كتاب الخطابة الأرسطي جدلًا كبيرًا في أوساط البيانيين الأوائل، حين رأوا أن هذا الكتاب يمكن أن يدخل في سائر حقول المعرفة البيانية العربية، وما يهمنا هنا من هذه الحقول هو حقل البلاغة والنقد، فقد كانت في طور تكونها وتشكلها، من أجلِ ذلك تصدى العلماء المناهضون لذلك، وارتقوا بتفكيرهم إلى مستوى يجعلهم قادرين على التصدي لهذا الخطر الداهم - كتاب الخطابة - فتمخض من ذلك ما سُمي بالعلم البديع الذي تبلور في القرن الثالث الهجري مع ظهور الصَّنعة على يد شعراء هذا القرن كالعتابي ومسلم وأبي تمام، وظهر بعد ذلك الحديث بشكل جاد عن هذا الفن؛ إذ شرع علماء البيان العربي إلى تعريف أشكال البديع والتمييز بين أنواعه، ومن المحاولات الأولى في هذا الصدد كتاب "قواعد الشعر" لثعلب، وكتاب "البديع" لعبدالله بن المعتز، حاولت كل تلك المؤلفات التي تصدت للتنظير لعلم البديع أن تتصدى لهجمة كتاب الخطابة بإثبات أن الوجوه البديعية والبيانية ليست خلقًا جديدًا، بل هي موجودة في الذاكرة الشعرية العربية، كما أن النص القرآني قد تضمن هذه الأشكال، ولهذا فإن البلاغة العربية في طور تشكلها وتكونها لم تقنع ببلاغة أرسطو، وإنما اتجهت إلى نتاجها الشعري القديم لاستجلاء أوجه بلاغته ومعانيه وبيانه وبديعه، وبهذا يكون تأثير بلاغة أرسطو تأثيرًا خارجيًّا؛ بمعنى أن بلاغة أرسطو كانت دافعًا لعلماء البيان العربي إلى العودة إلى قراءة التراث ومساءلته، وإيجاد ما يمكن أن يشكل بذورًا أوليَّة لعلم البديع، وسنعرض في السطور التالية لكتابين مهمين أصلًا لعلم البديع اتَّهم صاحباهما بالتأثر بالثقافة الهيلينستية:
الأول: كتاب "البديع" لعبدالله بن المعتز:
خصص ابن المعتز كتابه هذا لعلم البديع، وهو أول كتاب خاص في علم البديع في الثقافة العربية، ألف في عام 274هـ، ذكر صاحبه أن البديع بمعناه الفني موجود منذ القدم، لكن المصطلح محدث، وحصر ابن المعتز البديع في خمس صور فقط، وسمى ما عدا تلك الصور محاسن الكلام، وشكل هذا الكتاب المنطلق الأساس لجميع الدراسات التالية التي تصدت لعلم البديع وحددت معالمه وعددت أجناسه، ومن هنا نستطيع القول أن هذا الكتاب قد انطلق في دراسته للبديع من التراث العربي وكانت أمثلته مستلة من آي الذكرِ الحكيم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وشواهد الشعر الجاهلي والإسلامي، وأشعار المُحدَثين، مما يدحض فكرة تأثر ابن المعتز بالثقافة الهيلينستية.

الثاني: كتاب "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر:
يعتبر هذا الكتاب أول مؤلف منهجي عربي في حقل الدراسات النقدية القديمة، تسلح صاحبه بالجمع بين النزعتين المحافظة والمجددة، تجلى ذلك في لغة قدامة إذ يبدو عليها الطابع العربي الأصيل واضحًا وضوحًا تامًّا، وكذا الفهم العميق لتقنيات الشعر العربي ومقوماته الجمالية حين المعالجة، لكن نقد الشعر كما يذهب الدكتور أمجد الطرابلسي في كتاب "نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة"، لا يخلو من مسحة يونانية[1]؛ إذ يظهر هذا التأثر حين يتحدث صاحب نقد الشعر عن غرض المديح، فيستغل ما ذكره أرسطو بشأن الفضائل والرذائل في حديثه عن الخطابة الاستدلالية، ويضيف الطرابلسي أن تأثير أرسطو في كتاب قدامة يظهر واضحًا في الفصول التي عقدها للحديث عن الظواهر البلاغية التي تقترب بشكل أو بآخر من "باب العبارة" في خطابة أرسطو، لكن يؤكد الطرابلسي بأنه لا يجب المبالغة والمغالاة في تأثر قدامة بأرسطو؛ إذ من الثابت أنه لم يكن يعرف اليونانية ولا السريانية، وهذا ما يفسر لنا عدم تشبُّع قدامة بالفكر اليوناني، لعدم وضوح أفكار أرسطو في الترجمات العربية القديمة، وربما سبب اتهام قدامة بهذا التأثر جاء مبنيًّا على اتهام سابق لابن المعتز، والحقيقة أن قدامة ومن جاء بعده قد تأثروا بكتاب البديع لابن المعتز، وهذا ما يفسر أن تهمة التأثر وجهت إلى ابن المعتز بشكل غير دقيق، ثم سرت هذه التهمة إلى أولئك الذين تأثروا بابن المعتز، فكانت الأحكام بعد ذلك قائمة على أساس هش لا يمكن الجزم بناءً عليها بأن البيان العربي قد تأثر في بدايات تشكله، وتكونه بالفكر الأرسطي.

وختامًا: إن الترجمات العربية القديمة لكتابي أرسطو والتلخيصات التي بُنيت عليها لم تحمِل أفكار أرسطو بشكل واضحٍ، وإنما كانت ترجمات مشوهة غير منضبطة، وبالتالي كان فهم القدماء لهذه الأفكار فَهمًا مشوهًا لا يتطابق وفلسفة أرسطو، إضافة إلى أن كتابات أرسطو قد كتبت في ثقافة أخرى وعالجت فنونًا لم تكن معروفة عند العرب، وهذا ما يجعل الفهم لتلك الأفكار أكثر اضطرابًا، وهذا ما يبرئ الدراسات البيانية التأصيلية الأولى من تهمة التأثر، ولم يظهر التأثر بالفكر اليوناني إلا في عصور متأخرة بعد أن استوت البلاغة على عودها واستقرت.


المصادر:
"نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس الهجري"، أمجد الطرابلسي، ترجمة: إدريس بلمليح، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، 1993.

[1] نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس الهجري, أمجد الطرابلسي, ترجمة: إدريس بلمليح، دار توبقال, الدار البيضاء, ط1, 1993, ص87.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.76 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]