ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858873 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393250 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215622 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-08-2023, 03:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة

ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة
د. إبراهيم عوض


واحرَّ قلباهُ ممَّن قلبُه شَبِمُ
ومَن بجسْمي وحالي عنده سَقَمُ
ما لي أُكتِّمُ حبًّا قد بَرَى جسَدي
وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدولةِ الأُمَمُ
إن كان يَجمَعُنا حبٌّ لِغُرَّتِهِ
فليتَ أنَّا بقَدْرِ الحبِّ نَقتسِمُ
قد زُرْتُه وسيوفُ الهند مُغمَدةٌ
وقد نظَرتُ إليه والسيوفُ دَمُ
فكان أحسنَ خَلقِ الله كلِّهمُ
وكان أحْسنَ ما في الأحسنِ الشِّيَمُ
فَوتُ العدوِّ الذي يَمَّمْتُه ظَفَرٌ
في طيِّه أَسفٌ في طيِّه نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنعَتْ
لك المهابةُ ما لا تَصنعُ البُهَمُ
ألزَمتَ نفسَك شيئًا ليس يَلْزَمُها
ألَّا توارِيَهمْ أَرض ٌولا عَلَمُ
أَكُلَّما رُمتَ جيشًا فانْثَنى هَرَبًا
تَصرَّفَتْ بكَ في آثارِه الهِمَمُ
عليكَ هَزْمُهمُ في كلِّ مُعترَكٍ
وما عليكَ بهمْ عارٌ إذا انهزَموا
أمَا ترى ظَفرًا حُلْوًا سوى ظَفَرٍ
تَصافحَتْ فيه بِيضُ الهندِ واللمَمُ
يا أعدلَ الناسِ إلا في معامَلتي
فيكَ الخصامُ وأنت الخَصْمُ والحَكَمُ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-08-2023, 03:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة


أُعِيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً
أَن تَحْسَبَ الشَّحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ
وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ
إذا استَوَتْ عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ
سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلِسُنا
بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ
أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي
وأسْمعَتْ كلماتي مَن بِهِ صَمَمُ
أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شوارِدِها
ويَسْهَرُ الخلقُ جرَّاها ويَختَصِمُ
وجاهلٍ مدَّه في جهلِه ضَحِكي
حتى أتَتْه يدٌ فرَّاسةٌ وفَمُ
إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً
فلا تَظُنَّنَّ أنَّ الليثَ يبتَسِمُ
ومُهجةٍ مُهجتي مِن هَمِّ صاحبِها
أَدركْتُها بجَوادٍ ظَهرُه حَرَمُ
رِجلاه في الرَّكضِ رِجلٌ واليدانِ يدٌ
وفِعلُه ما تريدُ الكفُّ والقَدَمُ
ومُرهفٍ سِرتُ بين الجَحْفَلينِ بهِ
حتى ضَربتُ وموجُ الموتِ يَلتَطِمُ
فالخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعْرِفُني
والحربُ والضربُ والقِرطاسُ والقَلَمُ
صَحِبتُ في الفَلواتِ الوحشَ مُنفردًا
حتى تعجَّب مني القُورُ والأَكَمُ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-08-2023, 03:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة




يا مَن يَعِزُّ علينا أن نُفارِقَهم
وِجْدانُنا كل شيءٍ بعْدَكُمْ عَدَمُ
ما كان أَخلقَنا منكم بتَكرِمَةٍ
لو أنَّ أمرَكُمُ مِن أمرِنا أَمَمُ
إن كان سرَّكمُ ما قال حاسدُنا
فما لجُرحٍ إذا أرضاكمُ أَلَمُ
وبينَنا لو رعيتُم ذاك مَعرفةٌ
إن المعارفَ في أهلِ النُّهى ذِمَمُ
كم تَطلُبونَ لنا عيبًا فيُعْجِزُكمْ
ويَكرَهُ اللهُ ما تأتون والكَرَمُ
ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ مِن شرفي
أنا الثُّريا وذانِ الشيبُ والهَرَمُ
ليتَ الغمامَ الذي عندي صواعقُهُ
يُزيلُهُنَّ إلى مَن عندَه الدِّيَمُ
أرى النَّوى يَقتضيني كلَّ مرحلةٍ
لا تَستقلُّ بها الوخَّادةُ الرُّسُمُ
لئنْ تَرَكْنَ ضميرًا عن ميامِنِنا
ليَحْدُثَنَّ لِمَنْ ودَّعتُهم نَدَمُ
إذا ترحَّلتَ عن قومٍ وقد قدَروا
ألا تُفارِقَهمْ فالرَّاحلونَ هُمُ
شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ بهِ
وشرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وشرُّ ما قنَّصَتْه راحتِي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزاةِ سواءٌ فيه والرَّخَمُ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-08-2023, 03:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة


بأي لفظٍ تقولُ الشعرَ زِعْنِفَةٌ
تَجوزُ عندَك لا عُرْبٌ ولا عَجَمُ
هذا عتابُكَ إلَّا أنَّه مِقَةٌ
قد ضُمِّنَ الدُّرَّ إلَّا أنَّهُ كَلِمُ

كاتبُ هذه السطورِ يُبغِض شعرَ المديح القائمِ على مجرد الرغبة في التكسُّب، ويستغرِب كيف راجَ إلى هذا الحدِّ المخيف في الدولة الإسلامية؛ حيث كان ينبغي أن يأتي الحاكمُ إلى الحكم بإرادة الأمة وحدَها واختيارِها؛ وحيث المال هو مال الأمة، ينوب عنها هذا الحاكمُ في تصريفه في وجوه الخير والمنفعة العامة، فمثل هذا الحاكم - لو جرت الأمور على ما كان ينبغي أن تَجري عليه - ما كان بحاجةٍ إلى أولئك المنافقين الذين تُطالِعُنا سِحَنُهم الكريهة أيَّما قلَّبنا في ديوان الشِّعر العربي، ومثلُ هذا الحاكم أيضًا - لو أن الأمور مضَتْ على خُطة الإسلام وشريعة العدل والإنصاف - ما كان ليَمُدَّ يدَه إلى مال المسلمين يغترِفُ منه الآلاف المؤلَّفة؛ ليَجزيَ بها هذا الشاعرَ المنافق أو ذاك على شيءٍ لا يعود على الأمة بأي نفعٍ، وكأنه مالُه أو مالُ أبيه!

أما المديح القائم على الإعجاب بالخُلق النبيل، والإنجازات القومية العظيمة - فهو عاطفةٌ إنسانية صادقة وسامية، لا يُمكننا الغضُّ منها، وإلى هذا اللون من المديح تنتمي مثلًا قصيدةُ أبي تمامٍ الخالدة على وجه الدهر في فتح عَمورية، وكذلك مدائحُ المتنبي لسيف الدولة، فقد أحرز ممدوحَا الشاعرينِ للإسلام مجدًا عظيمًا، ارتفعا به إلى أعلى عليِّين في تاريخ العرب والمسلمين.

ذكرتُ هذا كمقدمة لقصيدة المتنبي هذه التي يُعاتب فيها سيف الدولة مُدِلًّا بنفسه وسموِّ هِمَّته وعظمة شعرِه، ويَتهدَّده بأنه - إن لم يُغيِّر مِن خُطته ويَثِب إلى سالف عهده معه - مُفارِقُه إلى بلاد بعيدة، فإن هذه القصيدة تضمُّ فيما تضمه أبياتًا يُمجِّد فيها الشاعر جهادَ سيف الدولة في سبيل الله، وانتصاراته المدوِّية على عُلُوج الروم، فسيف الدولة إذًا كان جديرًا بهذا المدح من شاعر العربية الأكبر، ولا شكَّ أن العربي والمسلم يفورُ كِيانه كلما سمِع شيئًا من شعر المتنبي في هذا البطل الصنديد؛ تَحرُّقًا إلى بطلٍ صِنديد مثلِه يَجَأُ أعداء العروبة والإسلام في بطونِهم وأعناقهم، ويُقتِّلهم تقتيلًا يَشفِي به صدورَ قومٍ مؤمنين، ويُذهِب غيظَ قلوبهم، أنصِتْ إلى الشاعر العملاق وهو يقول - مع ملاحظة أن هذه الأبيات ليست هي صُلب القصيدة، فالقصيدة كما سلف القول هي في المعاتبة -:
قد زُرْتُه وسيوفُ الهند مُغمَدةٌ
وقد نظَرتُ إليه والسيوفُ دَمُ
فكان أحسنَ خَلقِ الله كلِّهمُ
وكان أحْسنَ ما في الأحسنِ الشِّيَمُ
فَوتُ العدوِّ الذي يَمَّمْتُه ظَفَرٌ
في طيِّه أَسفٌ في طيِّه نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنعَتْ
لك المهابةُ ما لا تَصنعُ البُهَمُ
ألزَمتَ نفسَك شيئًا ليس يَلْزَمُها
ألَّا توارِيَهمْ أَرض ٌولا عَلَمُ
أَكُلَّما رُمتَ جيشًا فانْثَنى هَرَبًا
تَصرَّفَتْ بكَ في آثارِه الهِمَمُ
عليكَ هَزْمُهمُ في كلِّ مُعترَكٍ
وما عليكَ بهمْ عارٌ إذا انهزَموا
أمَا ترى ظَفرًا حُلْوًا سوى ظَفَرٍ
تَصافحَتْ فيه بِيضُ الهندِ واللمَمُ


لكأنَّ المتنبي يُعرِب عما يَجيش في قلوبنا الكليمةِ مِن آمال، فهو يُصوِّر بطلَه ذا هِمة لا تَرضى إلا الانتصار الساحق المبِين الذي لا يُبقِي على هؤلاء العلوج ولا يَذَر.

وتأمَّل بخاصةٍ البيتَ الأخير، وما يعكس من رغبة الشاعر العارمة - «وإن جعلها رغبةَ سيف الدولة نفسه، ولكن إعجاب الشاعر ببطلِه وبأفعاله المجيدة يَشِي بأنها رغبتُه هو أيضًا» - بأن يرى الصوارمَ البيض تَحتزُّ هذه الرِّقاب النجسة، «وقد عبَّر عن ذلك على طريقته الساخرة بأن السيوف إنما تُصافح الرؤوس»:
أمَا ترى ظَفَرًا حُلْوًا سوى ظَفَرٍ *** تَصافحَتْ فيه بِيضُ الهندِ واللمَمُ

وفضلًا عما يجدُه العربي والمسلم في كل عصر ومصر - «وبخاصة في هذا العصر الذي بلغ فيه المسلمون والعرب من الهوان حدًّا لا يُطاق» - في هذه القصيدة من تصوير بطولة سيف الدولة، الذي يَصلُح أن يكون رمزًا على البطل المرتقَب، فإن ما تَعكِسه هذه الأبيات من نفسية المتنبي الأبيَّة المترفِّعة عن الدنايا، المعتزَّة بكرامتها حتى في وجه الحاكم الذي تُحبه وتتعلق به، وتراه المثال الأعلى للبطولة الماجدة - لَمِمَّا يُضفِي على القصيدة قيمةً فوق قيمتها.

اسمع كيف يَفتخر المتنبي بنفسه وهو يُنشد قصيدتَه على مرأى ومسمع من سيف الدولة ومن حاشيته:
سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلِسُنا
بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ
أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي
وأسْمعَتْ كلماتي مَن بِهِ صَمَمُ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-08-2023, 03:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة


أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شوارِدِها
ويَسْهَرُ الخلقُ جرَّاها ويَختَصِمُ
وجاهلٍ مدَّه في جهلِه ضَحِكي
حتى أتَتْه يدٌ فرَّاسةٌ وفَمُ
إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً
فلا تَظُنَّنَّ أنَّ الليثَ يبتَسِمُ
ومُهجةٍ مُهجتي مِن هَمِّ صاحبِها
أَدركْتُها بجَوادٍ ظَهرُه حَرَمُ
رِجلاه في الرَّكضِ رِجلٌ واليدانِ يدٌ
وفِعلُه ما تريدُ الكفُّ والقَدَمُ
ومُرهفٍ سِرتُ بين الجَحْفَلينِ بهِ
حتى ضَربتُ وموجُ الموتِ يَلتَطِمُ
فالخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعْرِفُني
والحربُ والضربُ والقِرطاسُ والقَلَمُ
صَحِبتُ في الفَلواتِ الوحشَ مُنفردًا
حتى تعجَّب مني القُورُ والأَكَمُ

وليس بالسهلِ أن ترمي هذا الشعرَ بأنه مجرد كلام، فقد كان المتنبي يَعنيه، وكان يريد به أن يَفهَم أعداؤه مِن حاشية الأمير أنه يَحتقِرُهم ولا يَعُدُّهم أندادًا له، وفيهم مَن يَمُتُّ إلى هذا الأمير بصِلة القربى، بل أَعِدِ النظرَ كرَّةً أخرى إلى البيت الأول من هذه الأبيات، تجِدْ أنه لم يَستثنِ أحدًا ممَّن كانوا في ذلك المجلس ولا سيف الدولة نفسه:
سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلِسُنا *** بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ

صحيحٌ أن الأبيات التي تلي ذلك قد تُوحِي بأنه يعني أعداءَه، لكن يَبقى بعد ذلك أنه حين أطلَق هذه الصيحة لم يتحوَّطْ ولم يَخَفْ، ولم يَستثنِ ولم يعتذِرْ، فهل ثَمَّةَ نفسيةٌ بين شعراء العصر - أو أي عصر آخر - بلغتْ من التماسك والجَراءة والثقة هذا المبلغ؟!

إن الشعور بالكرامة الذاتية مطلوبٌ ومحبوبٌ في كل زمان ومكان، وإن النفوس النبيلةَ لتَستعذِبُه وتَستزيده، وإنها لتُكبِر كلَّ مَن يضع نفسَه عن جدارة واستحقاق في هذا المحل الأرفع، ولا شك أن المتنبي كان ذا همةٍ رفيعة ومواهبَ سامقةٍ تُطاول النجومَ، ومِن ثمة حُقَّ له الإدلالُ بنفسه على هذا النحو الملهم العجيب!

ولا يقلُّ عن ذلك سموًّا معاتبتُه لسيف الدولة وتهديدُه من طرفٍ خفي بلَغ الغاية القصوى في البراعة واللباقة، بأنه سيتركه، فهو يشتدُّ ويَلين، ويُؤلِم ويَأْسو، تأمَّل كيف يتدسَّس إلى نفس ممدوحه على هذا النحو العجيب مِن التودُّد:
يا مَن يَعِزُّ علينا أن نُفارِقَهم *** وِجْدانُنا كل شيءٍ بعْدَكُمْ عَدَمُ

ليَعْقُبَه بهذا العتاب الذي لا يَخلو من شدة:
ما كان أَخلقَنا منكم بتَكرِمَةٍ *** لو أنَّ أمرَكُمُ مِن أمرِنا أَمَمُ

«ولاحِظْ إشارته إلى نفسه في الحالتين بضمير الجمع، مُسوِّيًا في هذا بين نفسه وبين سيف الدولة»، وبعد ذلك يعود فيَلِين متودِّدًا:
إن كان سرَّكمُ ما قال حاسدُنا *** فما لجُرحٍ إذا أرضاكمُ أَلَمُ

ومع هذا لا يَدَعُ الفرصةَ تمرُّ دون أن يَخِزَ ممدوحه وَخزةً خفيفةً أولَ الأمر:
وبيننا لو رعيتُم ذاك مَعْرفةٌ *** عن المعارفِ في أهلِ النُّهى ذِمَمُ

ثم شديدةً بعد ذلك:
كم تَطلُبونَ لنا عيبًا فيُعْجِزُكمْ
ويَكرَهُ اللهُ ما تأتون والكَرَمُ
ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ مِن شرفي
أنا الثُّريا وذانِ الشيبُ والهَرَمُ


ليعودَ فيَلِين ويتمنَّى:
ليتَ الغمامَ الذي عندي صواعقُه *** يُزيلُهنَّ إلى مَن عندَه الدِّيَمُ

ثم يُلوِّح بالتهديد بأنه إن لم يتغيَّر موقفُ سيف الدولة منه، فسوف يجد نفسه مضطرًّا إلى التحوُّل عنه:
أرى النَّوى يَقتضيني كلَّ مرحلةٍ
لا تَستقلُّ بها الوخَّادةُ الرُّسُمُ
لئنْ تَرَكْنَ ضميرًا عن ميامِنِنا
ليَحْدُثَنَّ لِمَنْ ودَّعتُهم نَدَمُ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-08-2023, 03:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة


إذا ترحَّلتَ عن قومٍ وقد قدَروا
ألا تُفارِقَهمْ فالرَّاحلونَ هُمُ


فتأمَّل كيف يُحذِّر ويُلقِي المسؤولية على عُنُق الأمير في ثقةٍ بالنفس وإدلال بالصداقة التي كانت تَربِطه به بَلَغَا الغاية القصوى، وتأمَّلِ البيتَ الأخير وما فيه مِن لفتةٍ ذهنية ونفسية لا تَخطِر على هذا النحو، ولا تَسكُن هذه الصياغة إلا في خيالِ شاعر عبقري!

وتمعَّن بعد ذلك في البيت التالي الذي يريد أن يقول فيه: «إنك أيها الأمير، إذا لم تُغيِّر موقفك مني، وتَعُدْ إلى سالف ودادِك وصداقتك معي، فما الذي يا تُرى يُغريني بالبقاء في بلادك؟ إنها حينئذٍ لشرُّ البلاد»، تُرى مَن يَقدِر على هذا الكلام غيرُ المتنبي وأمثاله من ذوي النفوس الكبيرة؟!
شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ بهِ *** وشرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
ثم يَكُرُّ المتنبي مرة أخرى على منافسِيه الذين يَشُون به عند الأمير، فيتهكَّم بهم وبما يَنظِمون من شعرٍ، «ولا بد هنا من أن نذكُرَ أن أبا فراس الحمداني الفارس النبيل والشاعر الملهم، كان أحد هؤلاء الخصوم، على أن ذلك ينبغي ألا يكون سببًا في نَيْلنا من المتنبي أو مِن خَصمِه، فليس الكمال من طبيعة النفس البشرية»:
بأي لفظٍ تقولُ الشعرَ زِعْنِفَةٌ *** تَجوزُ عندَك لا عُرْبٌ ولا عَجَمُ

وفي نهاية القصيدة يعودُ المتنبي من حيث ابتدأ، فيُعاتِب ويشكو ويتودَّد، مضيفًا بذلك النغمةَ الأخيرة في فخرِه بأدبِه وما أُلْهِمَه مِن حكمةٍ:
هذا عتابُكَ إلَّا أنَّه مِقَةٌ *** قد ضُمِّنَ الدُّرَّ إلَّا أنَّهُ كَلِمُ

فمعاتبةُ رجلٍ كسيف الدولة هذا النحو مِن العتاب، هو من الشعر العالي - «وأكاد أن أقول: المُعجِز» - فانظر كيف رقَّ المتنبي واشتدَّ، وتَجَهَّم وتبسَّم، وهدَّد وتودَّد، كلُّ ذلك وهو يَلتَفِتُ مِن حينٍ إلى آخرَ ناحيةَ أعدائه يَكُرُّ عليهم من القول بما هو أنكى وأشدُّ وقعًا مِن عَضْبِ السيوف، وكل ذلك في أثوابٍ مِن التعريض والتلويح ساحرةٍ باهرةٍ.

ومما يُلاحظ على أسلوب هذه القصيدة - بل على كل قصائد المتنبي عامةً، ويضفي عليها قوةً على قوة - فحولةُ الصياغة وعُنفُ التعبير، تأمَّل مثلًا كيف يُعبِّر عن ألَمِه من فتور سيف الدولة نحوه:
واحرَّ قلباهُ ممَّن قلبُه شَبِمُ
ومَن بجسْمي وحالي عنده سَقَمُ
ما لي أُكتِّمُ حبًّا قد بَرَى جسَدي
وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدولةِ الأُمَمُ


فقد توجَّع متشكيًا مما يَتلظَّى في قلبه من نيرانٍ، ومما صار إليه حاله جمعيه مِن سقمٍ قد برَى جسمه، كما تَبري المُوسَى سنَّ القلم، ولا تتوهَمَنَّ أن هذا نفاقٌ، فقد ظهَر مما استعرضناه من أبيات القصيدة بما لا يَدَعُ مجالًا للارتياب - أن نفسية المتنبي هي أبعد ما تكون من النفاق، وبخاصة مع سيف الدولة؛ إذ لم تكن العلاقةُ بينهما هي علاقة المولى بالتابع، بل علاقة أمير في ميدان السياسة والحكم بأميرٍ في حقل الشعر والحكمة.

وفضلًا عن ذلك أُحِبُّ أن تتنبَّه لِما أجراه مِن مقارنة بين حال قلبِه وحال قلب ممدوحِه، فإذا كان قلبُه يتلظَّى مِن الألم، فقد وصف سيفَ الدولة - «وإن لم يُسمِّه، مكتفيًا بالتلميح الذي لا يمكن أن يُخطِئه أحدٌ» - بأن «قلبه شَبِمُ»؛ أي: بارد، فهل هذا - مهما يُقَلْ في توجيهه - كلامٌ يَصدُر عن منافقٍ؟!

ومِن عنيف تعبيره الصورةُ التي ورَدتْ في نهاية البيت التالي:
قد زُرْتُه وسيوفُ الهند مُغمَدةٌ *** وقد نظَرتُ إليه والسيوفُ دَمُ

فإن قوله: «والسيوف دمُ» قد نقل المعنى مِن كون السيوف مُلطخةً بالدماء - وهو معنى عاديٌّ جدًّا - إلى كونها هي نفسها قد أصبحت دمًا من كثرة ما أَراقَت مِن دماء خضَّبتْها وغطَّتها إلى الحد الذي لا يستطيع أحدٌ معه أن يراها ويتعرَّف عليها.

ومثل هذه الصورة - عنفًا وجمالًا - الصورةُ الأخرى التي يقول فيها عن حصانِه:
رِجلاه في الرَّكضِ رِجلٌ واليدانِ يدٌ *** ................ إلخ

فلقد بلَغ مِن سرعة هذا الحصان الكريم أن أصبحت رِجلاه ويداه كأنها يدٌ واحدة، ورِجلٌ واحدة، فهو بهذا يختصرُ إلى النصف الوقتَ الذي يُنفِقه أيُّ حصان آخر بالغًا ما بلَغت مَقدِرتُه على العَدْوِ.

وانظر كذلك إلى افتخارِه بنفسه في عبارة تكادُ أن تتفجَّر مِن شدة ما تَحمل من معانٍ ومشاعر:
كم تَطلُبونَ لنا عيبًا فيُعْجِزُكمْ
ويَكرَهُ اللهُ ما تأتون والكَرَمُ
ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ مِن شرفي
أنا الثُّريا وذانِ الشيبُ والهَرَمُ


فهو أولًا يتحدَّث عن نفسه؛ كما سبقت الإشارة إلى ذلك بضمير الجمع، واضعًا نفسَه مع ممدوحه على قدمِ المساواة تمامًا، وهو ثانيًا يتحدَّى سيف الدولة أن يذكُرَ له عيبًا واحدًا «أي عيب»، وما أكثر ما حاوَل ذلك، ولكنه عجَز! وهو ثالثًا يلومُ الأمير على موقفِه منه، «وإن صاغ ذلك في عبارة ملفوفة»، ويذكر له أن ذلك يُبغِضه الله، ولا يَرضاه الخُلُق الكريمُ.

وهو رابعًا لا يكتفي بذلك، بل يضع نفسَه في أعلى عِليِّين، فكيف مِن ثَمَّةَ يجدُ العيبُ أو النقصُ إلى شرفِه سبيلًا؟! هل سمِع أحدٌ أن الثُّريَّا قد شابَت وهَرِمَتْ؟

ولاحظ أنه قال: «ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ مِن شرفي!»، ولم يقل: «مِن خُلُقي»، فكلمة «الخُلُق» هي كلمة محايدة؛ إذ مِن الخلق الطيب والرديء، أما الشرف فلا يكون إلا خُلقًا كريمًا نبيلًا.

ويتَّصِل بهذا العنف في التعبير والفخامة فيه ما يُكلِّل قصائد المتنبي من حِكَم تأتي كلُّ حكمة منها في موضعها، فتُكسِبه ويُكسِبها نارًا وضِرامًا، وتَقتحمُ به ويَقتحم بها القلوبَ اقتحامًا، وهذه بعضُ أمثلة مما ورَد مِن هذه الدررِ في القصيدة التي بين أيدينا، وشاع على ألْسنة الكاتبين والمتكلمين: «فيكَ الخصامُ وأنت الخَصْمُ والحَكَمُ!»، و«لا تَحسَبِ الشَّحْمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ»، و:
إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً *** فلا تَظُنَّنَّ أنَّ الليثَ يبتَسِمُ
و:
إن كان سرَّكمُ ما قال حاسدُنا *** فما لجُرحٍ إذا أرضاكمُ أَلَمُ
.... إلخ، إلخ.

وإذا كان بعض خصومه - على ما يذكر لنا تاريخ الأدب العربي - قد انتقد بعضَ هذه الحِكَم ورمى الشاعرَ بأنه سرَقها مِن هذا الشاعر أو ذاك، ومسَخها، فإن أبسط ردٍّ على هذا اللون من الانتقاد - لو صحَّ - هو أن أحدًا لا يَحفَظُ إلا أبيات المتنبي؛ مما يدل على أن هذه الحِكَم لم تَكتسب قيمتَها وحلاوتها في الآذان، وحُسن موقعها في القلوب، إلا على يد المتنبي الصنَّاع، ومثالانِ اثنان لا غير خيرُ كفيلٍ بتبيانِ ما أقول:
قال مَعقل العجلي:
إذا لم أُميِّز بين نورٍ وظُلمةٍ *** بعيني فالعينانِ زُورٌ وباطِلُ

وقال المتنبي:
وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظرِهِ *** إذا اسْتوَتْ عنده الأنوارُ والظُّلَمُ

وقال ابن الرومي:
إذا ما الفجائعُ أكسَبْنَني *** رِضاك فما الدهرُ بالفاجعِ

وقال المتنبي:
إن كان سرَّكمُ ما قال حاسدُنا *** فما لجُرحٍ إذا أرضاكمُ أَلَمُ

كذلك فإنه لو صحَّ أنه اقتَبَس هذه الحِكَم من كتب الفلاسفة، فالعِبرة بجمال الصياغة وقوة التعبير التي يَخلعها الشاعرُ على شِعرِه مِن حرارة قلبه.

ويتَّصِل بعنف التعبير كثرةُ المدَّات في هذه القصيدة؛ مما يَجعَلُ إيقاعَ الكلام فخمًا رنَّانًا يُناسِب الموضوع والجوَّ الشعوري، وذلك إلى جانب الميم الممدودة التي ينتهي بها كلُّ بيت، وكأنها عصفُ الريح.

كلمة أخيرة أحبُّ أن أقولها في هذه القصيدة العصماء، فإنها متماسكة الأبيات كأنها قطعة واحدة من الصخر لا تستطيع أن تُفتِّتَها، أو حتى تَكسِرَها، فأنت تأخُذُها إذا أخذتَها كتلةً واحدة أو تدَعُها، لقد تصرَّف المتنبي كما رأينا في تحليلنا للقصيدة في معاتبة سيف الدولة في فنونِ القول بما سحَر وبهَر، ولكنه لم يَخرُج قطُّ عن خُطة سَيْره، وكلُّ ذلك في اعتزاز بالنفس، وإدلالٍ بالمكانة، وافتخارٍ رجولي كريم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 108.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 104.55 كيلو بايت... تم توفير 3.95 كيلو بايت...بمعدل (3.64%)]