البحتري في وصف إيوان كسرى - ملتقى الشفاء الإسلامي ملتقى الشفاء الإسلامي
اخر عشرة مواضيع:          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 28 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859063 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393429 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215731 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         
[حجم الصفحة الأصلي: 126.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.37 كيلو بايت... تم توفير 5.11 كيلو بايت...بمعدل (4.04%)]

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-08-2023, 11:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي البحتري في وصف إيوان كسرى

البحتري في وصف إيوان كسرى
د. إبراهيم عوض


صُنْتُ نفسي عما يُدنِّس نَفْسي
وترفَّعْتُ عن جَدَا كلِّ جِبْسِ
وتَماسكْتُ حين زَعزَعني الدَّهْـ
ـرُ الْتِماسًا منه لِتَعْسِي وَنَكْسِي
بُلَغٌ مِن صُبابةِ العيشِ عندي
طفَّفَتْها الأيامُ تَطفيفَ بَخْسِ
وبعيدٌ ما بينَ واردِ رَفْهٍ
عَلَلٍ شُرْبُه ووَارِدِ خِمْسِ
وكأنَّ الزمانَ أصبحَ مَحْمو
لًا هواهُ مع الأخَسِّ الأخَسِّ
واشترائي العِرَاقَ خُطَّةُ غَبْنٍ
بعدَ بَيْعي الشآمَ بَيعةَ وَكْسِ
لا تَرُزْني مُحاولًا لاخْتِباري
عندَ هذي البَلوى فَتُنْكِرَ مَسِّي
وقديمًا عَهِدْتَني ذَا هَنَاتٍ
آبِياتٍ على الدَّنِيَّاتِ شُمْسِ
ولقد رَابَني نُبُوُّ ابنِ عَمِّي
بَعْدَ لِينٍ مِن جانِبَيه وأُنْسِ
وإذا ما جُفِيتُ كنتُ حَرِيًّا
أَنْ أُرَى غيرَ مُصْبحٍ حَيْثُ أُمْسِي
حَضَرَتْ رَحْلِيَ الهمومُ فوجَّهْـ
ـتُ إلى أبْيضِ المدائنِ عَنْسِي
أتَسلَّى عن الحُظُوظِ وآسَى
لِمَحَلٍّ من آل ساسانَ دَرْسِ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-08-2023, 11:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى


ذَكَّرَتْنِيهمُ الخُطُوبُ التَّوَالي
ولَقَدْ تُذْكِرُ الخطوبُ وتُنْسِي
وهُمُ خَافضونَ في ظِلِّ عالٍ
مُشْرِفٍ يَحْسِرُ العُيونَ ويُخْسِي
مُغْلَقٍ بابُه على جبلِ القَبْـ
ـقِ إلى دَارَتَيْ خِلاطَ ومَكْسِ
حِلَلٌ لَمْ تَكُنْ كأَطْلَالِ سُعْدَى
في قِفَارٍ من البَسابِسِ مُلْسِ
وَمَسَاعٍ لولا المُحاباةُ منِّي
لم تُطِقْها مَسْعَاةُ عَنْسٍ وعَبْسِ
نَقَلَ الدَّهرُ عَهدَهنَّ عنِ الجِدْ
دَةِ حتَّى غَدَوْنَ أَنْضَاءَ لُبْسِ
فكأنَّ الجِرْمَازَ مِنْ عَدَمِ الأُنْـ
ـسِ وإِخْلَالِه بَنِيَّةُ رَمْسِ
لو تَرَاهُ عَلِمْتَ أنَّ الليالي
جَعَلَتْ فيه مَأْتَمًا بَعْدَ عُرْسِ
وَهْوَ يُنْبِيكَ عن عَجائبِ قومٍ
لا يُشَابُ البيانُ فيهمْ بِلَبْسِ
فإذا ما رأيتَ صُورةَ أَنْطَا
كِيَّةَ ارْتَعْتَ بينَ رُومٍ وفُرْسِ
والمنايا مَوَاثِلٌ وأَنُوشِرْ
وَانُ يُزْجي الصفوفَ تحْتَ الدِّرَفْسِ
في اخْضِرارٍ من اللِّبَاسِ على أَصْـ
ـفَرَ يَختالُ في صَبِيغَةِ وَرْسِ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23-08-2023, 11:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى


وعِرَاكُ الرِّجالِ بينَ يَدَيْهِ
في خُفُوتٍ منهم وإِغماضِ جَرْسِ
من مُشِيحٍ يَهْوِي بحاملِ رُمْحٍ
ومُلِيحٍ من السِّنَانِ بِتُرْسِ
تَصِفُ العَيْنُ أنَّهمْ جِدُّ أَحْيا
ءٍ لهمْ بَيْنهمْ إشارةُ خُرْسِ
يَغْتَلِي فيهمُ ارْتِيابيَ حتَّى
تَتَقرَّاهُمُ يَدَايَ بِلَمْسِ
وكأنَّ الإيوانَ من عَجبِ الصَّنْـ
ـعَةِ جَوْبٌ في جَنْبِ أَرْعَنَ جَلْسِ
يُتَظَنَّى من الكآبةِ أنْ يَبْـ
ـدو لِعَيْنَيْ مُصَبِّحٍ أَو مُمَسِّي
مُزْعَجًا بالفِراقِ عن أُنْسِ إِلْفٍ
عَزَّ أو مُرْهَقًا بِتَطْليقِ عِرْسِ
عَكَستْ حظَّهُ الليالي وباتَ الـ
ـمُشْتَرى فيهِ وَهْوَ كوكبُ نَحْسِ
فَهْوَ يُبْدِي تجلُّدًا وعلَيْهِ
كَلْكَلٌ مِنْ كَلاكِلِ الدَّهْرِ مُرْسي
لم يَعِبْهُ أنْ بُزَّ من بُسُطِ الدِّيـ
ـبَاجِ واسْتُلَّ مِنْ سُتُورِ الدِّمَقْسِ
مُشْمَخِرٌّ تَعلو له شُرُفاتٌ
رُفِعتْ في رؤوسِ رَضوى وقُدْسِ
لابِساتٌ من البَيَاضِ فما تُبْـ
ـصِرُ منها إلا غلائلَ بِرْسِ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-08-2023, 11:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى




ليس يُدْرَى أَصُنْعُ إِنْسٍ لِجِنٍّ
سَكَنُوهُ أم صُنْعُ جِنٍّ لإِنْسِ
غير أنِّي أرَاه يَشْهدُ أنْ لَمْ
يَكُ بانيهِ في المُلوكِ بِنِكْسِ
عُمِّرَتْ للسُّرُور دهْرًا فَصَارتْ
للتَّعزِّي رِباعُهُمْ والتَّأَسِّي
فلَها أنْ أُعِينَها بدُموعٍ
مُوقَفَاتٍ على الصَّبَابَةِ حُبْسِ
ذَاكَ عندِي وليْست الدَّارُ دارِي
باقتِرَابٍ منها ولا الجِنْسُ جِنْسِي
غيرَ نُعْمَى لأهلِها عندَ أهلِي
غَرَسُوا مِن زَكائِها خيرَ غَرْسِ
أيَّدُوا مُلْكَنا وشَدُّوا قُوَاهُ
بحُماةٍ تحتَ السَّنَوَّرِ حُمْسِ
وأعَانوا على كَتَائبِ أَرْيَا
طَ بِطَعْنٍ على النُّحُورِ ودَعْسِ
وأَرَاني مِنْ بعدُ أَكْلَفُ بالأَشْـ
ـرَافِ طُرًّا مِنْ كلِّ سِنْخٍ وجِنْسِ

هذه القصيدة هي في الحقيقة تفكُّر في عِبرة الدهر الخالدة، وهي أنْ لا شيءَ يبقى على حال، فالزمن دوَّار، وصروف الحياة تُقلِّب الأوضاعَ، فتجعل العالي سافلًا والسافل عاليًا، إلا أن الكريم يَثبُت أمام ضربات القدر، لا يَهون ولا تَهِنُ عزيمتُه، ويَظَل شامخَ الأنف، عالي الهِمة، متماسك النفس، لا يَضرَع للجُبناء الأَخِسَّاء.

وإذا كان الشاعر قد تناول في معظم أبيات القصيدة وصفَ إيوان كسرى، فإن هذا الوصف لم يَرِد في الواقع لذاته، بل أتى في سياق أوسع من ذلك، وهو وقوفُ البحتري متعجبًا من تقلُّب الحظوظ، تلك الحظوظ التي أطاحتْ به من حيث كانت حياته آمنةً مستقرة، وارتفعت بالأذِلاء الأَدنياء إلى حيث يظنون أنهم يستطيعون التحكم في رِقاب النُّبلاء أصحاب الشرف والفضل، ونظرة واحدة إلى الأبيات التي ورد فيها وصفُ الإيوان، تُنبيك عن أن البحتري قد قصَد إلى الإشارة لِما لحِق هذا الإيوان من خرابٍ ووَحشةٍ بعد أُنسٍ وعَمارٍ، وحياة موَّارةٍ ملءِ السمع والبصر والفؤاد!

وقد ساق الشاعر هذا كله بحيث يكون مصير الإيوان مرآةً لِما حدث له هو نفسُه، وتستطيع أن تقارن بين قوله عن نفسه:
صُنْتُ نفسي عما يُدنِّس نَفْسي
وترفَّعْتُ عن جَدَا كلِّ جِبْسِ
وتَماسكْتُ حين زَعزَعني الدَّهْ
رُ الْتِماسًا منه لِتَعْسِي وَنَكْسِي
بُلَغٌ مِن صُبابةِ العيشِ عندي
طفَّفتْها الأيامُ تَطفيفَ بَخْسِ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-08-2023, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى


وقوله عن الإيوان:
عَكَستْ حظَّهُ الليالي وباتَ الـ
ـمُشْتَرى فيهِ وَهْوَ كوكبُ نَحْسِ
فَهْوَ يُبْدِي تَجلُّدًا وعلَيْهِ
كَلْكَلٌ مِنْ كَلاكِلِ الدَّهْرِ مُرْسي
لم يَعِبْهُ أنْ بُزَّ من بُسُطِ الدِّيـ
ـبَاجِ واسْتُلَّ مِنْ سُتُورِ الدِّمَقْسِ
مُشْمَخِرٌّ تَعلو له شُرُفاتٌ
رُفِعتْ في رؤوسِ رَضوى وقُدْسِ


ألا ترى أن الأمور واحدة هنا وهناك، وأن الإيوان وما وقَع له مِن نَكبات، إنما يَعكِس ما أصاب الشاعر مِن نَكسات، "وذلك بعد مقتل المتوكل الخليفة العباسي الذي كان يُقرِّب البحتري إليه، فخرَج عليه جماعة مِن جنده الأتراك بتواطُؤ مع ابنه المنتصر، حين خاف أن تَخرُج الخلافة من يده بعد أن تغيَّر قلبُ أبيه عليه، وقتَلوه بمرأى من البحتري"، فالشاعر قد زعَزعه الدهر محاولًا أن يُتعس حياته، وأن يَقلِب حظَّه رأسًا على عَقِبٍ، ولكنه تماسَك أمام هذه الزعازع، وصان نفسَه عما يدنِّسها وينال مِن نُبلها ورِفعتها، ولم يَمُدَّ يدَه للنَّذْل الدنيء، والإيوان قد عكَست حظَّه الليالي، ولكنه تجلَّد أمام مصائب الدهر، وبقِي كما كان مُشْمَخِرَّ البُنيان سامقَ الشُّرفات، يُناطح الجبال رِفعةً وجلالًا.

ولهذا التشابه في المصير وجَّه الشاعر دابتَه إلى هذا الإيوان يتملَّى ما أوقعه الدهر به؛ ليتعزَّى عما أصابَه هو:
حَضَرَتْ رَحْلِيَ الهمومُ فوجَّهْـ
ـتُ إلى أبْيضِ المدائنِ عَنْسِي
أتَسلَّى عن الحُظُوظِ وآسَـى
لِمَحَلٍّ من آل ساسانَ دَرْسِ
ذَكَّرَتْنِيهمُ الخُطُوبُ التَّوَالي
ولَقَدْ تُذْكِرُ الخطوبُ وتُنْسِي


وأيَّةُ خطوبٌ؟! لقد كان البحتري في معيَّة الخليفة حين باغتَه الجندُ الأتراك وقتَلوه، وقتلوا وزيره الفتح بن خاقان، وذلك كله بتحريض من المنتصر ولي عهد المتوكل وابنه، ولعل البحتري كان يقصد المنتصر هذا حين قال في مطلع القصيدة:
صُنْتُ نفسي عما يُدنِّس نَفْسي *** وترفَّعْتُ عن جَدَا كلِّ جِبْسِ
فقد قال فيه قبل ذلك في رائعته التي رثَى فيها المتوكل:
أكان وَليُّ العهدِ أضمَرَ غَدْرةً
فَمِنْ عَجَبٍ أن وُلِّيَ العهدَ غادِرُهْ
فلا مُلِّيَ الباقي تراثَ الذي مضى
ولا حَمَلَتْ ذاك الدعاءَ منابرُهْ
ولا وَأَلَ المشكوكُ فيهِ ولا نَجَا
مِن السيفِ ناضِي السيفِ غَدرًا وشاهِرُهْ


فإذا صحَّ هذا الاستنتاجُ، فينبغي ألا تَخدَعَنا لهجةُ العِتاب في البيت التالي:
ولقد رَابَني نُبُوُّ ابنِ عَمِّي *** بَعْدَ لِينٍ مِن جانِبَيه وأُنْسِ

فإن البيت الذي يتلو ذلك مباشرة هو:
وإذا ما جُفِيتُ كنتُ حَرِيًّا *** أَنْ أُرَى غيرَ مُصْبحٍ حَيْثُ أُمْسِي
وليس هذا بالكلام الذي يقال لخليفة يدعوه الشاعر "ابن عمه"، كلُّ ما في الأمر أن الشاعر - إذا صحَّ استنتاجُنا - لم يشأ أن يُعاودَ الحملة العنيفة على "المنتصر" جهارًا نهارًا؛ كما فعل في قصيدته السالفة الذكر، وبخاصة بعد أن هدأتْ ثائرتُه لِما ارتكبَه وليُّ العهد من خيانة وغدرٍ، وبعد أن أصبَح ولي العهد هذا خليفةً، فأطلق القولَ مبهمًا عامًّا وكأنه لا يَقصِد به أحدًا بعينه.

وما دُمنا بسبيل الاستنباط، فإن من الممكن جدًّا أن نرى في الأبيات التالية التي يصوِّر فيها البحتري ما حلَّ بالإيوان - إشارةً إلى ما حلَّ بقصر المتوكل وساكنيه - بعد اغتياله - مِن أحزان ثقيلة على ما كان يَسوده قبلًا مِن بَهجةٍ وأُنسٍ:

لو تَرَاهُ عَلِمْتَ أنَّ الليالي
جَعَلَتْ فيه مَأْتَمًا بَعْدَ عُرْسِ

♦ ♦ ♦

يُتَظَنَّى من الكآبةِ أنْ يَبْ
دو لِعَيْنَيْ مُصَبِّحٍ أَو مُمَسِّي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23-08-2023, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى


مُزْعَجًا بالفِراقِ عن أُنْسِ إِلْفٍ
عَزَّ أو مُرْهَقًا بِتَطْليقِ عِرْسِ

♦ ♦ ♦

عُمِّرَتْ للسُّرُور دهْرًا فَصَارتْ
للتَّعزِّي رِبَاعُهُمْ والتَّأَسِّي
فلَها أنْ أُعِينَها بدُموعٍ
مُوقَفَاتٍ على الصَّبَابَةِ حُبْسِ
ذَاكَ عندِي وليْستِ الدَّارُ دارِي
باقتِرابٍ منها ولا الجِنْسُ جِنْسِي

فإن صحَّ استنباطُنا هذا، يكن هذا البيت الأخير وَخْزةً أخرى مِن وَخزات البحتري، وكأنه يقول: إنه إذا كان هذا هو موقفي من إيوان كسرى الذي أقامه هذا الإمبراطور الفارسي في بلاد لا أَمُتُّ إليها ولا إلى أهلها بأية وشيجةٍ، فكيف يكون موقفي مما حدث للمتوكل وهو الحاكم العربي المسلم، ولقصره المقام في بلد عربي مسلم؟!

وتأمل هذا البيت ثانية:
فلَها أنْ أُعِينَها بدُموعٍ *** مُوقَفَاتٍ على الصَّبَابَةِ حُبْسِ
فهل تظن أن البحتري قد بلغ به حبُّ هذا القصر وبانيه، وحزنُه على ما آل إليه أمره بعد هذا الزمن المتطاول - إلى حدِّ أن يَبكيهما بهذه الدموع الحرَّى، هذه الدموع التي يقول: إنه قد وقفها على "الصبابة"، أم هل كان البحتري يقصد قصر المتوكل، ولكنه كنَى عنه بالإيوان؟!

ثم ألا يُمكننا أن نرى في الأبيات الآتية قدحًا في الجند الترك الذين بدل أن يشدوا الملك العربي - كما كان الأَحْرَى بهم أن يفعلوا - قد اغتالوا خليفتهم اغتيالًا خسيسًا، وذلك على عكس الفرس الذين عضدوا ملك العرب مرتين: مرة قبل الإسلام ومرة بعده؟!

ذَاكَ عندِي وليْست الدَّارُ دارِي
باقتِرَابٍ منها ولا الجِنْسُ جِنْسِي
غيرَ نُعْمَى لأهلِها عندَ أهلِي
غَرَسُوا مِن زَكائِها خيرَ غَرْسِ
أيَّدُوا مُلْكَنا وشَدُّوا قُوَاهُ
بحُماةٍ تحتَ السَّنَوَّرِ حُمْسِ
وأعَانوا على كَتَائبِ أَرْيَا
طَ بِطَعْنٍ على النُّحُورِ ودَعْسِ


كذلك أليس البيت الذي يلي هذه الأبيات والذي تختتم به القصيدة وهو:
وأَرَاني مِنْ بعدُ أَكْلَفُ بالأَشْـ *** ـرَافِ طُرًّا منْ كلِّ سِنْخٍ وجِنْسِ
تعريضًا بنَذالة الجند الأتراك وحقارة ما صنعوه بوليِّ نعمتهم، والدَّرْك الذي تسفَّل إليه المنتصر إذ تواطأَ مع مثل هؤلاء الجند على قتل أبيه؛ ليَخلوَ له وجهُ الحُكم والسلطان؟! وتكون القصيدة قد رجعتْ بذلك البيت عودًا على بَدء، ففي أولها يتمدَّح الشاعر بأنه لا يمدُّ يده إلى أي خسيس جبان:
صُنْتُ نفسي عما يُدنِّس نَفْسِي *** وترفَّعْتُ عن جَدَا كلِّ جِبْسِ
وفي نهايتها يَفتخر بأنه يُجِلُّ الأشرافَ ذوي المُروءة والهِمة العالية مهما يكن جنسهم:
وأَرَاني مِنْ بعدُ أَكْلَفُ بالأَشْـ *** ـرَافِ طُرًّا منْ كلِّ سِنْخٍ وجِنْسِ
القصيدة إذًا تعالج موضوعًا واحدًا هو تقلُّب صروف الدهر على الكائنات جميعًا من بشرٍ وحَجَرٍ، ويُخيم عليها جو نفسي واحد هو جو الأسى العميق، الذي تناسبه قافية السين بهمسها ووَسْوَستِها، فهذا سببٌ من أسباب قوة هذه القصيدة وجمالها وتأثيرها، وسببٌ آخر هو ما فيها من حرارة الصدق، فقد كان الشاعر يعيش في دَعة ورفاهية في ظل المتوكل، ثم إذا بهذا الخليفة يُغتالُ أمام عينيه، فيَنظِمُ قصيدة كأن كلماتها مِن ضِرام يَحمِلُ فيها على مَن قتَلوه، ويُعرِّض بولي العهد تعريضًا يَقرُب أن يكون تصريحًا، وعندما يلي وليُّ العهد الخلافةَ، فإن أقل ما يتوقَّع في هذه الحالة أن يتَّجه للشاعر؛ مما يَحمِله على ترك بغداد والرحيل إلى المدائن؛ ليتأسَّى عن مصيره بما أصاب إيوان كسرى الذي كان ملءَ السمع والبصر والألسنة، فإذا به قد هجَره الأنس وبات مَنْعِقًا للبوم، ورَنَّةُ الحزن والأسى واضحةٌ في هذه الأبيات التي يصوِّر فيها الشاعر انقلاب أحواله:
وتَماسكْتُ حين زَعزَعني الدَّهْـ
ـرُ الْتِماسًا منه لِتَعْسِي وَنَكْسِي
بُلَغٌ مِن صُبابةِ العيشِ عندي
طفَّفتْها الأيامُ تَطفيفَ بَخْسِ
وبعيدٌ ما بينَ واردِ رَفْهٍ
عَلَلٍ شُرْبُه ووَارِدِ خِمْسِ
وكأنَّ الزمانَ أصبحَ مَحْمو
لًا هواهُ مع الأخَسِّ الأخَسِّ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23-08-2023, 11:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى


واشترائي العِرَاقَ خُطَّةُ غَبْنٍ
بعدَ بَيْعي الشآمَ بَيعةَ وَكْسِ
لا تَرُزْني مُحاولًا لاخْتِباري
عندَ هذي البَلوى فَتُنْكِرَ مَسِّي

ونظرة سريعة إلى ما تردَّد في هذه الأبيات من ألفاظ: "الزَّعزعة والتَّعس، والنَّكس، وتَطفيف البَخس، والخِسة، وبيع الوَكس والبَلوى" - تُنبيك عن مدى ما يُثقل نفسَ الشاعر مِن شَجَنٍ، وما يُحسُّه من ضيق بالدهر الذي يتخيَّله إنسانًا معاديًا، فهو يُزعزعه بُغيةَ اتْعاسه ونَكسِه، وهو يُطفف - حتى القليل الذي أبقى له عليه - تطفيفَ بَخسٍ، وكأنه وزَّان أو كيَّال مخادعٌ يَستغفله ويُعطيه أقلَّ كثيرًا جدًّا مما يستحقه!

ويتعجب الشاعر من هذا الوضع، فيحاول تفسيره، ويكون أول ما يرد على خاطره أن الزمان ربما كان مائلًا بهواه مع الأخِسَّاء ضد أهل الفضل والكرامة، ويبلغ ضيقُ الشاعر مداه حين يُهيب بنا ألا نُحاول الاقترابَ منه أو الحديثَ إليه، بُغيةَ معرفةِ ما طرَأَ على شخصيته من تغيُّرات نتيجة هذه الأوضاع المعكوسة، فإننا لو فعَلنا ذلك لأنكَرنا منه وُعورةَ نفسيته بعد أن كان ليِّن الجانب سَمْحَ الطبع، ثم تتراكم الهمومُ على نفس الشاعر وتتكاثف، فلا يجد مناصًا من التحول عن بغداد جمعاءَ.

وانظر كيف عبَّر الشاعر عن ذلك بأن صوَّر الهموم وقد حضرت إلى رَحْله، مما جعله يركب دابَّته وينطلق بعيدًا، تاركًا لها المكان بما فيه ومَن فيه، غير مُطيقٍ أن يقع له عليها بصرٌ، وانظر كذلك كيف يَقرُن بين حظه السيئ وبين ما توالَى مِن خُطوب على إيوان آل ساسان، أليس يتسلَّى المنكوبون بلقاء بعضِهم بعضًا يَتشاكون همومَهم، فتُخَفَّف آلامُهم حين يَجدون أنهم ليسوا وحدَهم الذين أحاطتْ بهم المصائبُ، بل لهم في النَّكبات أشباهٌ؟!
حَضَرَتْ رَحْلِيَ الهمومُ فوجَّهْـ
ـتُ إلى أبْيضِ المدائنِ عَنْسِي
أتَسلَّى عن الحُظُوظِ وآسَى
لِمَحَلٍّ من آل ساسانَ دَرْسِ
ذَكَّرَتْنِيهمُ الخُطُوبُ التَّوَالي
ولَقَدْ تُذْكِرُ الخطوبُ وتُنْسِي


وأجمل ما في التعبير عن هذا الحزن أن الشاعر قد عكَسه على الإيوان؛ مما أكسَبه قوةً وحرارة وشدةَ تأثير؛ إذ أصبح وكأن أحزان الإيوان صدًى له يُقوِّيه، ثم يأتي الشاعر بعد ذلك فيَأْسَى بدوره لهذا الإيوان، فنُحس أنه قد أُوتي نفسًا نبيلة، نفسًا لا تعرف الكَزازة والانغلاق على الذات، بل لا تُلهيها آلامُها هي عن آلام الآخرين، والتعاطف معهم، والبكاءِ لهم بكاءً مَبعثُه الحبُّ، بل بكاءً غير معهودٍ إلا لدى أهل الصبابة والوجْد، وهذا كلُّه رغم أن ليست الدار داره، ولا أهلها أهلَه، ولكنهم من أهل الشرف، وهو بأهل الشرف متعلِّق:
عُمِّرَتْ للسُّرُور دهْرًا فَصَارتْ
للتَّعزِّي رِبَاعُهُمْ والتَّأَسِّي
فلَها أنْ أُعِينَها بدُموعٍ
مُوقَفَاتٍ على الصَّبَابَةِ حُبْسِ
ذَاكَ عندِي وليْستِ الدَّارُ دارِي
باقتِرابٍ منها ولا الجِنْسُ جِنْسِي
........................
...............................
وأَرَاني مِنْ بعدُ أَكْلَفُ بالأَشْـ
ـرَافِ طُرًّا منْ كلِّ سِنْخٍ وجِنْسِ


وذلك فضلًا عما للفرس من أيادٍ على العرب والعروبة كما سلف القول، وأحب أن تقف قليلًا عند قوله عن دموعه التي ذرَفها أمام الإيوان إنها: "دموع مُوقفات على الصَّبابة حُبْس"، وكأنها وقفٌ قد حبَسه صاحبه للإنفاق منه في هذا الغرض النبيل!

ومن أسرار جمال القصيدة أيضًا هذه الأبيات التي يصف فيها البحتري ما كان مصورًا على جدران الإيوان من معارك دارت رحاها بين الفرس والروم:
فإذا ما رأيتَ صُورةَ أَنْطَا
كِيَّةَ ارْتَعْتَ بينَ رُومٍ وفُرْسِ
والمنايا مَوَاثِلٌ وأَنُوشِرْ
وَانُ يُزْجي الصفوفَ تحْتَ الدِّرَفْسِ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23-08-2023, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى


في اخْضِرارٍ من اللِّبَاسِ على أَصْـ
ـفَرَ يَختالُ في صَبِيغَةِ وَرْسِ
وعِرَاكُ الرِّجالِ بينَ يَدَيْهِ
في خُفُوتٍ منهم وإِغماضِ جَرْسِ
من مُشِيحٍ يَهْوِي بحاملِ رُمْحٍ
ومُلِيحٍ من السِّنَانِ بِتُرْسِ
تَصِفُ العَيْنُ أنَّهمْ جِدُّ أَحْيا
ءٍ لهمْ بَيْنهمْ إشارةُ خُرْسِ
يَغْتَلِي فيهمُ ارْتِيابيَ حتَّى
تَتَقرَّاهُمُ يَدَايَ بِلَمْسِ


إن هذا لهو السِّحر بعينه! أرأيت كيف ينقل لك البحتري المنظر من خلال عينه العبقرية؟! فأنت إذا وقفت أمام صورة المعركة على جدران الإيوان، أحسستَ بالخوف، وقد اصطفَّ الجيشان متواجهين، كأنك تراهما حقيقةً بعين البصر لا بعين الخيال؟ لا، بل إنك لَترى المنايا واقفةً هناك تنتظر أن تَجمَعَ حصادَها من أرض المعركة حين يلتحم الجيشان، فتُنْتَضى السيوفُ، وتُصوَّب الرِّماحُ، وتطير الرؤوس، وتَخِرُّ الأبطال صرعى يَتَشَخَّبُ كلٌّ منهم في دماه، ثم أرأيت كيف لم يَفُتِ الشاعر تسجيلُ إشراف أنوشروان على تنظيم جنوده صفوفًا تحت علم الإمبراطورية المُرفرف في السماء، وحثِّهم على اقتحام الهول واكتساح الأعداء، وقد ارتدى شِكَّةَ القيادة الزاهية الألوان من أخضر وأصفر وأحمر، ولا تَنسَ أن تلتفت إلى تشخيصه الصفرةَ وجَعْلها تَختال في صَبيغة وَرْسٍ افتتانًا منها بجمالها؟! أو كيف يصوِّر القتال نفسَه من الهَوِيِّ بالرماح والاتِّقاءِ بالتُّروس؟!

إن الشاعر مبهور بما يرى، وإنه ليتساءل: أليست هذه معركة حقيقية؟! ولكن ما للجُند لا يتكلمون ويكتفون بالإشارات كأنهم خرسٌ قد انعقدتْ ألسنتُهم؟! ويبلغ الشك بالشاعر إلى الحد الذي يدفعه إلى أن يَمُدَّ يديه يَلمِسُ بهما الجنود وقادتهم؛ ليصل إلى برِّ الحقيقة، فتأمَّل كيف لم يَدَعْ تسجيل الحركة أو اللون أو الصوت!

ثم يلتفت الشاعر إلى ما يسود الإيوان من وحشةٍ حتى لـ:
يُتَظَنَّى من الكآبةِ أنْ يَبْـ
ـدو لِعَيْنَيْ مُصَبِّحٍ أَو مُمَسِّي
مُزْعَجًا بالفِراقِ عن أُنْسِ إِلْفٍ
عَزَّ أو مُرْهَقًا بِتَطْليقِ عِرْسِ


فتمعَّنْ كيف لم يجد الشاعر ما يصوِّر به وحشةَ الإيوان، إلا تشبيهَه بحبيبٍ قد أزعَجه هِجران حبيبتِه المُدِلَّة بجمالها غير مبالية بقلبه الذي حطَّمته، أو تَخيُّلَه عروسًا قد أرهقتْه عَروسُه التي كان مُتَدَلِّهًا في حبِّها، فطلَّقها فزادَه التطليقُ إرهاقًا إلى إرهاقٍ، ولا يَفُتْكَ ما في كلمة "العرس" من إيحاء بأن الزواج ما كاد أن يتمَّ حتى وقع الطلاق؛ مما يجعل الفِراقَ أشدَّ وأفظعَ وأبشع إيلامًا، إلا أن القصر مع ذلك يتجلَّد لما أصابَه، ولا يُظهر ضَعفًا، صُنع الإنسان الكريم الذي يَنفِر من التَّضَعْضُعِ أمام ضربات الدهر، ويظَل - رغم تتابُع البلاء - رافعَ الرأس شامخَ الأنف:
فَهْوَ يُبْدِي تجلُّدًا وعلَيْهِ *** كَلْكَلٌ مِنْ كَلاكِلِ الدَّهْرِ مُرْسي
وإذا كان البحتري حين وقف يتملَّى صورة معركة أنطاكية على جدران القصر، قد بلغ به الارتياب حدًّا جعَله يتقرَّى الجنودَ وأسلحتَهم بيده؛ ليعرفَ أهم جنودٌ حقيقيون، أم أن الأمر لا يَعدو مَجرَّدَ بَراعة في التخيل والتصوير؟! فإنه من انبهاره بجمال الإيوان بأجْمعِه وجلاله، قد شمِلتْه الحيرةُ، فلم يَعُدْ يَعرِف مَن بناه لِمَن، أهم الجنُّ قد بنوه للإنس، أم العكس؟!
ليس يُدْرَى أَصُنْعُ إِنْسٍ لِجِنٍّ *** سَكَنُوهُ أم صُنْعُ جِنٍّ لإِنْسِ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 126.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.37 كيلو بايت... تم توفير 5.11 كيلو بايت...بمعدل (4.04%)]