شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 68 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854717 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389599 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #671  
قديم 05-07-2022, 10:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

حديث أبي هريرة: (أمرني رسول الله بركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن رجل عن الأسود بن هلال عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بركعتي الضحى، وأن لا أنام إلا على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة، وهو مشتمل على الثلاثة التي جاءت في الصحيحين، يعني: صلاة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن يوتر قبل أن ينام.
قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
وقد مر ذكره.
[حدثنا أبو كامل].
هو فضيل بن حسين الجحدري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة].
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم عن رجل عن الأسود عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث أبي هريرة: (أمرني رسول الله... وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)، من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا أبو النضر: حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن الأسود بن هلال عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنوم على وتر، والغسل يوم الجمعة، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)].ذكر هذه الرواية، وهي مثل الرواية التي قبل الرواية السابقة التي فيها ذكر الغسل بدل الضحى، والمحفوظ أو المعروف أن ركعتي الضحى هي التي جاءت في أكثر الروايات عند النسائي، وعند غيره، بل في الصحيحين جاءت بذكر صلاة الضحى، وليس فيها ذكر الغسل.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أمرني رسول الله... وصيام ثلاثة أيام من كل شهر) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا أبو النضر].
هو هاشم بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو معاوية].
هو شيبان بن عبد الرحمن النحوي، الذي هو التميمي، الذي ينسب إلى بني نحو جماعة من الأزد، وليس منسوباً إلى علم النحو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم عن الأسود عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.


الأسئلة

السبب في منع الحارث بن مسكين للنسائي من حضور مجلسه

السؤال: لماذا منع الحارث بن مسكين الإمام النسائي من حضور مجلسه؟
الجواب: حصل بينهم شيء ما أتذكره الآن، لكنه موجود في المقدمة.

الفرق بين لفظ (يستحب ويشرع وبالخيار)

السؤال: هل هناك فرق بين يشرع، ويستحب، وبالخيار؟

الجواب: يعني: يستحب يدل على الندب؛ لأنه بمعنى الندب، أما كلمة يشرع فهي أوسع، يمكن أن يدخل تحتها المباح.

مدى ورود حديث في إفراد يوم السبت بالصيام

السؤال: هل هناك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في إفراد يوم السبت بالصيام؟

الجواب: نعم، ورد النهي عن إفراد يوم السبت بالصوم، إلا في فرض، والحديث صحيح، لكنه يحمل على ما إذا صيم وحده، أما إذا صيم، ومعه غيره، كالذي يصوم ست شوال وفيها يوم السبت، أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر التي هي البيض، وفيها يوم السبت، أو يصوم أياماً متواصلة، ومعها السبت أيضاً ليس فيه بأس، والدليل على هذا حديث جويرية أم المؤمنين في صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتريدي أن تصومي غداً السبت؟ قالت: لا، قال: فأفطري)، يعني: فدل على أنها لو صامت السبت ليس فيه بأس، فإذاً السبت يصام مع غيره، والنهي يحمل على ما إذا قصد صيامه وحده.

تفسير رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام مقصراً لحيته

السؤال: ما تقول في شخص رأى في منامه شخص النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وهو في أكمل الصفات الخلقية؛ إلا أنه قصر لحيته؟

الجواب: هذا ما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رؤي على الهيئة التي يعرفه أصحابه -فالشيطان لا يتمثل به- فيكون رآه حقاً، أما إذا كان على غير الهيئة التي هو عليها، فهذا ليس رسول الله، ويعتبر هذا ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا ابن عباس كما في الشمائل للترمذي، قال له رجل: إنني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، قال له ابن عباس: صف لنا هذا الذي رأيت، فوصفه، قال له ابن عباس: لو كنت رأيته كما رأيناه ما زدت على هذا الوصف شيئاً، يعني: هو رسول الله، رؤية مطابقة للشيء الذي يعرفه أصحابه.

نصائح لمن أراد أن يحفظ بعض الأحاديث النبوية

السؤال: ما هو رأيكم فيمن أراد أن يحفظ بعض الأحاديث المهمة، بأي شيء تنصحونه؟

الجواب: سبق أن ذكرت أن الإنسان ينبغي له أن يحفظ الأربعين النووية؛ لأن فيها أربعين حديثاً من جوامع الكلم، وقد اعتني بها وشرحت، وأحسن شروحها كتاب ابن رجب الحنبلي، وكذلك إذا أراد أن يحفظ أحاديث أكثر، فيناسب عمدة الأحكام لـعبد الغني المقدسي، تشتمل على أكثر من ثلاثمائة حديث، وهي في الصحيحين، وإذا كان يريد أن يحفظ ما هو أكثر فليحفظ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، ويشتمل على ألف وتسعمائة وستة أحاديث، وكلها متفق عليها، هذا هو الذي يناسب أن الإنسان يفعله.

صلاة المصلي على النبي أثناء صلاته إذا سمع اسمه أو كنيته

السؤال: إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة باسمه، أو بكنيته، أو بالرسالة فهل يصلي عليه من هو داخل الصلاة؟

الجواب: لا، الإنسان الذي في داخل الصلاة ما يتابع من هو خارج الصلاة، ويفعل مثل ما كان يتابعه، يعني: فلا يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن شخصاً ذكره، وإنما يشتغل بصلاته، ولا يسمع لكلام غيره ويتابعه.

الصلاة على النبي عند ذكر اسمه في القراءة في الصلاة

السؤال: إذا كان الإمام مثلاً: يقرأ، ومرت مثلاً: محمد رسول الله، أو يا أيها الذي آمنوا صلوا عليه، فهل يصلي على النبي؟

الجواب: بالنسبة للفرض ليس للإنسان أن يفعل، وأما بالنسبة للنفل فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو، ويتعوذ، ويعظم الله عز وجل، فلو فعل ذلك في النفل فليس فيه بأس، يعني: مثل ما جاء بالنسبة للذكر والسؤال والاستعاذة.

مدى صحة حمل أمر النبي بصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الوجوب

السؤال: في الأحاديث التي مرت معنا وردت بلفظ الأمر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وكذلك في الصحيحين: أوصاني، فهل يحمل على الوجوب؟

الجواب: لا، أبداً، يحمل على الاستحباب المؤكد، وليس على الوجوب؛ لأن ليس فيه صيام.. ولا يجب إلا شهر رمضان.

بيان من أخرج حديث: (من صام الأبد فلا صام)

السؤال: (من صام الأبد فلا صام)، من أخرجه؟
الجواب: الذي عندك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه جماعة ومنهم البخاري في مواضع عديدة، يعني: في التعليق.
نعم، أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي.

مدى صحة نسبة استحباب قراءة القرآن عند الدفن إلى الشافعي

السؤال: جاء في رياض الصالحين: أن الشافعي رحمه الله قال: ويستحب قراءة القرآن عند دفن الميت، وإن ختم فحسن، فهل يصح ذلك؟

الجواب: ما أعتقد أن هذا يصح، كيف يكون عند الميت يقرءون القرآن ويختمونه؟ أبداً، القرآن لا يقرأ في المقابر، والقرآن يقرأ في المساجد، وفي البيوت، وأما المقابر فهي مكان لدفن الموتى وزيارتهم، والدعاء لهم.

مدى وجود علماء قبل الألباني صححوا ما ضعفه أو ضعفوا ما صححه

السؤال: هل الأحاديث التي صححها الشيخ الألباني في صحيحه سبق أن صححت من غيره أو ضعفت من قبل علماء الحديث وهو صححها؟ أي: في السلسلة الصحيحة.

الجواب: والله ما أدري، على كل أقول: كون أن من قبله قد تكلم فيه لا شك، المتكلمون في الأحاديث كثيرون، لكن هل كلها كذلك، لا نستطيع أن نقول هذا، والإنسان عليه أن يبحث، ويقف على الحقيقة بالتتبع، والألباني يعني: له عناية، وله اهتمام، وله جهد عظيم يشكر عليه، وقد وفقه الله عز وجل لخدمة السنة، وفي عنايته، واجتهاده في السنة يعتبر في هذا العصر ما له مثيل من جهة كثرة الاطلاع على الكتب المخطوطة، والمطبوعة، والعناية بها، وجمعها وجمع الطرق، فجزاه الله خيراً، له جهود تشكر، أقول: تشكر، ولا يجحدها إلا مكابر أو حاقد.
مداخلة: الأحاديث التي ضعفها الألباني، هل هناك من العلماء من صححها من قبله؟
الشيخ: الجواب مثل الجواب السابق، وكما هو معلوم قضية التصحيح، والتضعيف قد يصحح الحديث بسبب رجل ظن أنه فلان الفلاني، ثم يتبين بأنه غيره، ضعيف فيختلف التصحيح والتضعيف بسبب الرجال والوهم في الرجال؛ لأنه أحياناً يأتي رجل في الإسناد، فيظن بعض من يدرس الإسناد أنه الشخص الثقة فيصحح، ويأتي من يتتبع، ويجد مثلاً: أنه شخص آخر، وأنه ضعيف، فالتصحيح يكون فيه نظر؛ لأنه بنى على ظن أنه شخص، وتبين له أنه شخص آخر، وهذا موجود عند المحدثين، عندما يصحح أحدهم يقول: وهم، وقال: ظن أنه فلان، وليس فلان، بل هو فلان، ذكره فلان، ونسبه إليه فلان وهكذا، فقضية التصحيح والتضعيف تجدها تنبني على الأشخاص، وقد يصحح الشخص بناء على أنه ظن أن الشخص هذا، ويتبين أنه غيره فيضعفه الثاني.

حكم صلاة من نوى أثناء وضوئه أنه سيعيد الوضوء ولم يفعل


السؤال: شخص توضأ، ولكن نوى في قلبه أنه سيعيد الوضوء، ولكن لم يعده وصلى، فما حكم صلاته؟

الجواب: صلاته صحيحة، حتى ولو نوى أنه يعيد وإلا ما يعيد، أقول: ما دام أنه توضأ وكان من نيته أنه يجدد الوضوء، فوضوءه صحيح قائم ما دام ما نقض.

حكم صيام من نوى الإفطار ولم يجد ما يفطر به

السؤال: شخص نوى أن يفطر ولم يجد شيئاً يفطر به، فهل أفطر؟

الجواب: إذا كان صائماً ونوى الإفطار فهو مفطر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #672  
قديم 11-07-2022, 07:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(391)


كتاب الزكاة

باب وجوب الزكاة

الزكاة ركن من أركان الإسلام، تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، وهي من الأمور المهمة التي يجب على الداعية تبيينها للناس بعد دعوتهم للتوحيد والصلاة.
وجوب الزكاة

شرح حديث: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب ... فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة.أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن المعافى عن زكريا بن إسحاق المكي حدثنا يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمعاذ حين بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك بذلك، فأخبرهم أن الله عز وجل فرض عليهم خمس صلوات في يوم وليلة، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله عز وجل فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك فاتق دعوة المظلوم)].
يقول النسائي رحمه الله: كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، ذكر كتاب الزكاة بعد أن ذكر كتاب الصيام، وقد عرفنا فيما مضى أن هذا الترتيب - الذي هو تقديم الصيام على الزكاة - على خلاف المشهور عند أهل العلم، وذلك أنهم يقدمون الزكاة على الصيام؛ لأن الزكاة هي التي يأتي كثيراً قرنها بالصلاة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه كثيراً ما يأتي ذكر الصلاة ويأتي معها إيتاء الزكاة، فهما متلازمتان، ويأتي ذكرهما كثيراً، لكن النسائي رحمه الله هنا وفي بعض النسخ قدم الصيام على الزكاة، وقد مر بنا كتاب الصيام وهذا هو كتاب الزكاة، وإنما قدمت الزكاة على غيرها بعد الصلاة؛ لأنها كما أشرت أولاً قرينتها في كتاب الله عز وجل، ولتلازمهما في الذكر؛ ولأن الزكاة حق مالي نفعه متعد بخلاف الصيام، فإن نفعه قاصر ولا يتعدى صاحبه، وأما الزكاة ففيها التعدي من الغني إلى الفقير، ومن المحسن إلى المحتاج، ففي ذلك تعدية النفع، فيستفيد من ذلك المعطي والمعطى، المزكي والذي أعطي الزكاة، المتصدق والذي أعطي الصدقة، فلهذا يأتي كثيراً ذكر الزكاة مع الصلاة، وهذا هو الذي درج عليه العلماء من محدثين وفقهاء، أنهم يجعلون الطهارة أولاً، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، هكذا يرتبون في كتب الحديث وفي كتب الفقه، وصنيع النسائي فيه تقديم الصيام على الزكاة، وقد عرفنا فيما مضى أن أول حديث أورده كان فيه تقديم الصيام على الزكاة.
والزكاة هي: حق فرضه الله عز وجل في أموال الأغنياء ليعطى للفقراء، أو ليصرف في المصارف التي بينها الله عز وجل، وهي مأخوذة من النماء، والزكاة فيها تنمية؛ لأنها هي سبب في نماء المال وسبب في زيادته، والصدقة لا تنقص المال بل تزيده، وهي من شكر الله عز وجل على النعمة بالمال، كون الإنسان أعطاه الله المال الزائد على حاجته وعلى كفايته، والذي يدخره ويحول عليه الحول ثم يكون بالغاً نصاباً ولا يحتاج إليه، فهي نعمة أنعم الله بها عليه، وهي زائدة عن حاجته، فمن شكر الله عز وجل على هذه النعمة أنه يعطي الحق الذي فرضه الله عز وجل عليه طيبة به نفسه.
والله عز وجل لما فرض الزكاة أخبر بأن فيها تزكية، وفيها تطهيراً: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] فهي تطهير للمال، وتزكية للنفوس، وتزكية للمال، تطهير للنفوس من الشح، وتزكية للنفوس، وكذلك تزكية للمال وتنمية له؛ فهي من أسباب نماء وكثرة المال، والصدقة لا تنقص المال بل تزيده، وتكون سبباً في زيادته، ثم أيضاً: النفع الذي يحصل كون الإنسان يحصل الأجر، وغيره يحصل الفائدة، ولما فرض الله عز وجل الزكاة فرضها على وجه ينفع الفقير ولا يضر الغني، ينفع الفقير الذي ليس عنده شيء ولا يضر الغني، فلم تفرض على وجه يكون فيه إضرار بالأغنياء، بل فرضت على وجه فيه عدم الإضرار بهم، لأن الذي فرض شيء يسير من مال كثير تفضل الله تعالى وأعطاه الأغنياء، أعطاهم المال الكثير، وفرض عليهم اليسير، وهذا اليسير لا يضرهم إخراجه، وينفع الفقراء وصوله إليهم، لأنهم ما عندهم شيء، فينفعهم أي شيء يحصل لهم.
ثم أيضاً: ما وجبت في كل مال، إنما تجب في المال إذا بلغ نصاباً، وأما إذا لم يبلغ النصاب فما فيه زكاة ولو حال عليه الحول، ولو خرجت الثمرة ولكنها لم تبلغ النصاب فإنه لا زكاة فيها، بل فرضت في الشيء الكثير الذي يمضي عليه عند الإنسان حول وهو نصاب فأكثر، ويمضي عليه حول إذا كان من الأموال المدخرة، أو يكون نصاباً عند الحصاد والجذاذ فيما يتعلق بالحبوب والثمار.
ثم هذا الفرض شيء يسير بالنسبة للخارج من الأرض؛ إذا كان الإنسان ما يتعب عليه ويسقى بماء الأمطار، أو بماء العيون، ولا يتعب على إخراجه وعلى وصوله إليه، فإنه عليه فيه العشر، وإذا كان يستخرج بواسطة المضخات أو بواسطة السواني فإن فيه نصف العشر، إذا كان فيه كلفة يكون فيه نصف العشر، وإذا كان بغير كلفة يكون فيه العشر، وإذا كان من النقدين أو من عروض التجارة فإن فيه ربع العشر، يعني: جزء من أربعين جزءاً، مال كثير فرض الله فيه شيئاً يسيراً لا يضر الغني إخراجه، ويستفيد الفقير من وصوله إلى يده؛ لأنه ما عنده شيء يقتاته وشيء يستفيده، فإذا وصل إليه هذا الذي لا يضر الغني إخراجه، فإنه ينفعه ويقضي حاجته ويسد عوزه.
ثم إن الزكاة هي: أحد أركان الإسلام الخمسة، بل هي الثالث من أركان الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) وجاء في حديث جبريل بيان الإسلام، وأنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، فهي ركن من أركان الإسلام التي انبنى عليها هذا الدين الحنيف.
وهي قرينة الصلاة في كتاب الله سبحانه وتعالى، يقرن الله عز وجل بين الصلاة والزكاة في آيات كثيرة: ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ )[التوبة:5]، ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ )[التوبة:11]، ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )[البينة:5]، ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )[الحج:41] فيأتي في القرآن كثيراً القرن بين الصلاة والزكاة، وفي الحديث: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ) وأحاديث كثيرة فيها القرن والجمع بين الصلاة والزكاة.
ثم إن النسائي رحمه الله أورد في باب وجوب الزكاة حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة بعث معاذ إلى اليمن رضي الله تعالى عنه، وهو حديث عظيم، اعتنى به أهل العلم وقدموه على غيره، فـالبخاري رحمه الله صدر به كتاب الزكاة، وصدر به كتاب التوحيد، فهو أول حديث في كتاب الزكاة عنده، وأول حديث في كتاب التوحيد عنده، وهو أول حديث عند النسائي في كتاب الزكاة، كما فعل البخاري أيضاً فعل النسائي، فجعل هذا الحديث الذي هو حديث بعث معاذ إلى اليمن ورسم الخطة التي يسير عليها في الدعوة إلى الله عز وجل صدر به البخاري كتاب الزكاة وكتاب التوحيد من صحيحه، وصدر به الإمام مسلم، وصدر به الإمام النسائي كتاب الزكاة من سننه، وتبعه جماعة من المؤلفين في الحديث فصدروا به كتبهم، ففعل عبد الغني المقدسي في عمدة الأحكام أن جعل هذا الحديث أول حديث في كتاب الزكاة، وكذلك الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام جعله أول حديث في كتاب الزكاة، وكذلك جعله غيرهم، أي: صدروا به كتب الزكاة من كتبهم، وهذا يدل على ما اشتمل عليه من التدرج في بيان شرائع الإسلام، وأنه يبدأ بالشهادتين أولاً، ثم بالصلاة، ثم بالزكاة، وهي أول شيء يدعى إليه بعد الصلاة، وهذا يوضح أن الزكاة تقدم على الصيام؛ لأن هذا الحديث الذي رسم به النبي صلى الله عليه وسلم الخطة لـمعاذ ذكر فيه الشهادتين، ثم إذا أقروا بها ينقلهم إلى الدعوة إلى الصلاة، فإذا استجابوا ينقلهم إلى الدعوة إلى الزكاة، فيبدأ بالأهم فالأهم، فأهم شيء بعد الصلاة هو الزكاة، ولهذا فتقديم الزكاة على الصيام هذا هو المشهور، وهو الذي تدل عليه الأدلة الكثيرة، وهو الذي يدل عليه هذا الترتيب الذي حصل في هذا الحديث بأنه يبدأ بالأهم فالأهم، فأهم شيء التوحيد والشهادتان ويليه الصلاة ثم يليه الزكاة، فإن هم أجابوا فادعهم إلى كذا فإن هم أجابوا فادعهم إلى كذا، انتقال من أهم إلى مهم، وتدرج مما هو أعلى إلى ما يليه، ومما هو أهم إلى ما يليه في الأهمية، فلهذا اعتنى جماعة من المؤلفين بهذا الحديث فصدروا به كتبهم وفي مقدمتهم الإمام البخاري رحمة الله عليه كما أشرت إلى ذلك.

مكانة الدعوة إلى التوحيد

وحديث بعث معاذ إلى اليمن رضي الله عنه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب ) وهذا تمهيد وتوطئة وتنبيه له، إلى أن يعلم أن أولئك أهل علم وأهل كتاب، يعني: كتاب سابق وهم اليهود، فإن عندهم التوراة وإن كان حصل فيها تحريف وتبديل إلا أنهم ينتسبون إلى كتاب، ويزعمون أنهم يتبعون كتاباً، والكتاب حصل فيه تحريف وتبديل، لكن الذي عنده شيء جاء من الله عز وجل ليس كالجاهل الذي يعبد الأوثان ولا صلة له ولا علاقة له بدين، فإن التمهيد الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبه عليه في أخذ الحيطة والاستعداد، ولهذا فإن الداعية عندما يتجه إلى بلد، أو يريد الدعوة في بلد، يتعرف أحوال البلد وأهل البلد وما عندهم من العلم، وما عندهم من الشبه، وما عندهم من الأمور التي يحتاج إلى علاجها ويحتاج إلى كشفها وتوضحيها وبيان الحق، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب ) يعني: معناه أنه يستعد لهم، ويعلم بأنهم ليسوا مثل الوثنيين الذين لا علاقة لهم بالدين ولا ينتمون إلى دين، ولا تربطهم بالدين رابطة، بل هم عبدة أوثان مشركون وإن كان النصارى واليهود أيضاً هم كفار ومشركون، لكن فرق بين كافر له علاقة بدين سابق وبين كافر لا علاقة له بأي دين، ولهذا صار لأهل الكتاب تميز على غيرهم بأحكام الإسلام تختلف عن أحكام الوثنيين الذين لا ينتمون إلى دين سابق جاء من الله عز وجل وجاء به رسل الله الكرام، فهناك فرق بين هؤلاء وهؤلاء، أهل الكتاب أحل لنا ذبائحهم ولم تحل لنا ذبائح الوثنيين، وأحل لنا نساؤهم ولم تحل لنا نساء الوثنيين، يعني: فهناك أحكام تخصهم ويتميزون بها عن سائر الكفرة الوثنيين الذين لا علاقة لهم بالدين، ولا علاقة لهم بدين جاء من الله عز وجل ونزل من عند الله سبحانه وتعالى، فصار لهم أحكام تخصهم. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب ) فالرسول صلى الله عليه وسلم لما مهد هذا التمهيد أمره بأن يدعو بالتدريج ولا يأتيهم بالأحكام جملة، ويقول: افعلوا كذا وافعلوا كذا وهم ما دخلوا في الدين، وإنما أول شيء يدعوهم إلى المفتاح والمدخل، المدخل إلى الإسلام وهو الشهادتان، الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ادعهم إلى هذا، وهذا فيه أن الدعوة تكون بالأهم، وتكون إلى الأهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد معاذاً أن يدعوهم إلى الشهادتين التي هي الأساس، ولا ينفع أي عمل من الأعمال إذا لم يكن مبنياً على الشهادتين بعد بعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لا ينفع أي إنسان أن يعمل عمل إلا إذا كان مبنياً ومستنداً على شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، إذا كان مستسلماً منقاداً لله عز وجل يخصه بالعبادة ومتبعاً النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعبد الله به، وهو ما سبق أن أشرت إليه أن دين الإسلام مبني على شرطين: الإخلاص والمتابعة، إخلاص العمل لله، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معنى: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله،؛ لأن أشهد أن لا إله إلا الله مقتضاها إخلاص العمل لله، وشهادة أن محمداً رسول الله معناها: تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعبد الله وفقاً لشريعته، ولهذا جاء عن بعض السلف قوله في قول الله عز وجل: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )[الملك:2] قال: العمل الأحسن هو الأخلص الأصوب، ثم قال: الخالص: ما كان لله وحده، والصواب: ما كان على السنة؛ الخالص ما كان لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ملكه، والصواب ما كان على السنة؛ لأنه إذا لم يكن على السنة يكون على البدعة، والعمل المبتدع مردود على صاحبه لا ينفعه عند الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية لـمسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فالعبادة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل لا بد أن تكون خالصة لوجه الله، ولا بد أن تكون مطابقة لشريعة الله التي جاء بها رسول الله، فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، فلا يشرك مع الله في العبادة أحد كائناً من كان، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن تكون الأعمال التي يتقرب إلى الله عز وجل بها مبنية على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به وفيما ينهى عنه، بأن تمتثل الأوامر وينتهى عن النواهي، فهما شرطان أساسيان لا بد منهما، وهما معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، وهما متلازمان، فإخلاص العمل لله عز وجل ولكن العمل على بدعة مردود على صاحبه، والعمل إذا كان على السنة ولكن أشرك مع الله غيره مردود على صاحبه، ولا ينفعه إلا إذا توفر فيه الشرطان: الإخلاص والمتابعة.
والذي قال عنه بعض أهل العلم: توحيدان لا بد منهما: توحيد الرسول وتوحيد المرسل، توحيد الرسول بالمتابعة، وتوحيد المرسل سبحانه وتعالى بإخلاص العمل له سبحانه وتعالى، ولا يعني هذا أن هناك توحيداً اسمه توحيد المتابعة غير توحيد الألوهية، فإن أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية لا بد فيه من شرطين: الإخلاص والمتابعة، وتوحيد الألوهية: هو توحيد الله تعالى بأفعال العباد، ولا بد فيه من شرطين: الإخلاص والمتابعة، إخلاص العمل لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنواع التوحيد ثلاثة بالاستقراء، استقراء نصوص الكتاب والسنة أن أنواع التوحيد ثلاثة، ليست أربعة وإنما هي ثلاثة:
توحيد الربوبية: وهو توحيد الله تعالى بأفعاله؛ الإقرار بأنه الخالق الرازق المحيي المميت، أفعال الله عز وجل، فهو واحد في أفعاله، والمتفرد بالخلق والإيجاد، والإحياء والإماتة، وتدبير الكون لا شريك له في الملك سبحانه وتعالى، هذا توحيد الربوبية.
وتوحيد الألوهية: وهو توحيد الله بأفعال العباد، كالدعاء، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، والتوكل، والإنابة، وغير ذلك من أنواع العبادة التي يفعلها العباد، فإنها تكون لله عز وجل، وهذه الأعمال التي يعملها العباد ويتقربون بها إلى الله عز وجل تكون على وفق السنة، لا تكون مبنية على بدعة أو خرافات أو منكرات، بل تكون على وفق السنة.
إذاً: فأول ما يدعى إليه التوحيد، الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تكفي شهادة أن لا إله إلا الله عن شهادة أن محمداً رسول الله بعد أن بعث الله رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام، بل كل يهودي ونصراني بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينفعه أن يقول: إنه تابع لنبي من الأنبياء قبل محمد عليه الصلاة والسلام، كاليهود الذين يقولون: إنهم يتبعون موسى، والنصارى الذين يقولون: إنهم يتبعون عيسى؛ لأن شرائع موسى وعيسى انتهت ببعثته صلى الله عليه وسلم.
وجميع الشرائع كلها نسخت بشريعته، وختمت بشريعته عليه الصلاة والسلام، فلا ينفع اليهودي أن يقول: إنه تابع لموسى ولا يكون تابعاً لمحمد عليه الصلاة والسلام، ولا ينفع النصراني أن يقول: إنه تابع لعيسى ولا يكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن محمداً إنما هو رسول للعرب خاصة، لا! إذا شهد بأنه رسول فيجب تصديق الرسول فيما يقول، والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر وجاء بالقرآن والسنة أنه رسول إلى الناس كافة، وأنه رسول إلى الثقلين، فيجب تصديقه فيما يقول، وأن أي يهودي أو نصراني لا ينفعه أن يزعم أنه متبع لرسول من رسل الله قبل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأنه بعد أن بعث الله رسوله عليه الصلاة والسلام لا بد من الإيمان به، ولا بد من اتباع شريعته.
ولهذا جاء في الحديث الصحيح: ( والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار ) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، فاليهود والنصارى من أمة دعوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الدعوة موجهة إلى كل إنسي وجني من حين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، هؤلاء هم أمة الدعوة، الدعوة موجهة إليهم، ليست لأحد دون أحد ولا يختص بها أحد دون أحد.
ولهذا جاء في القرآن الكريم: ( وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[يونس:25]، فحذف المفعول في (يدعو) وأظهر المفعول في (يهدي)؛ لأن الدعوة عامة والهداية خاصة، يعني: والله يدعو كل أحد، كل مدعو إلى دار السلام، ما أحد يدعى وآخر لا يدعى، لا أحد يبين له الحق وآخر يستر عنه الحق أو يخفى عنه الحق، لا! الحق مبذول لكل أحد، ( وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ )[يونس:25] يعني: كل أحد مدعو إلى دار السلام، كل مدعو إلى دار السلام، لكن ما كل يهدى إلى الصراط المستقيم؛ لأن الله تعالى شاء أن يكون الناس فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، وما شاء الله كان لا بد أن يوجد ما قدره الله وقضاه، ولهذا قال: ( وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[يونس:25] ما قال: يهدي كل أحد؛ لأنه لو شاء أن يهدي الناس كلهم لهداهم ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا )[السجدة:13]، ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )[الأنعام:149] لكن الله تعالى شاء أن يكون الناس فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، وأرسل الرسل لبيان الطريق إلى الجنة والطريق إلى النار، فمن وفقه الله عز وجل أخذ بأسباب السعادة، ومن لم يوفق أخذ بطريق الشقاوة وطريق الخذلان والعياذ بالله.
وعلى هذا فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمتان: أمة دعوة وأمة إجابة، فأمة الدعوة هم كل إنسي وجني من حين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، ولهذا أثبت الله عز وجل الهداية للرسول عليه الصلاة والسلام في آية ونفاها عنه في آية، والهداية المثبتة غير الهداية المنفية، قال الله عز وجل: ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[الشورى:52] يعني: تدل وترشد كل أحد، ما تدل أحد دون أحد، ونفيت عنه الهداية في قوله: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )[القصص:56] هداية التوفيق هذه لله عز وجل وليست للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن التي للرسول صلى الله عليه وسلم هي هداية الدلالة والإرشاد وقد حصلت.
وقال الإمام الزهري رحمة الله عليه: (من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم)، فالذي من الله عز وجل وهي الرسالة قد حصل؛ الله أرسل الرسل وأنزل الكتب، والذي على الرسل هو البلاغ وقد حصل؛ فقد بلغوا البلاغ المبين، وما تركوا شيئاً أمروا بتبليغه إلا وقد أدوه على التمام والكمال، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله بشريعة خاتمة ومهيمنة وناسخة لشرائعه، وبين للناس ما أمر بتبليغه، فلم يتركهم دون بيان لشيء فيأتي أناس يبتدعون أشياء ويلصقونها بالدين، ويضيفونها إلى الدين، بل الشريعة كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا تحتاج إلى إضافات ولا تحتاج إلى محدثات، بل النبي صلى الله عليه وسلم ترك الناس على محجة بيضاء ليلها كنهارها، ما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا ودل الأمة عليه، ولا ترك أمراً يباعد من الله إلا وحذر الأمة منه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة، وبلغ البلاغ المبين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والسعيد من يوفقه الله لاتباعه، والسير على منواله، والمخذول من يحيد عن منهجه وطريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يدعو إلى التوحيد أولاً: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واليهود الذين يزعمون أنهم متبعون لموسى يدعون إلى أن يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لا بد من هذا وهذا، ومقتضى الشهادة أن يؤخذ بكل ما جاء عنه، تمتثل أوامره وينتهى عن نواهيه، تصدق أخباره، يعبد الله طبقاً لشريعته صلى الله عليه وسلم، هذا هو معنى: أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأول شيء يدعى إليه التوحيد، وقال عليه الصلاة والسلام: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ).

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #673  
قديم 11-07-2022, 07:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

بيان أهمية الصلاة والدعوة إليها

ثم قال: ( فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ) فرض الله عز وجل على عباده خمس صلوات في كل يوم وليلة، هذه الخطوة الثانية، وهذا يدل على أن الصلاة هي أول ما يدعى إليه بعد التوحيد، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام كما بين ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ: ( ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد في سبيل الله ) فأخبر أن عموده الصلاة، وجاء في عظم شأن الصلاة آيات وأحاديث وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأنها أول ما يجيب به من يدخلون سقر عن الذي أوصلهم سقر، وأنهم ما كانوا يصلون، وغير ذلك من النصوص التي تدل على عظم شأن الصلاة، وهي آخر ما يفقد في هذه الحياة، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، وهي الصلة الوثيقة التي يكون الإنسان على صلة بالله؛ لأن الإنسان في اليوم والليلة خمس مرات يصلي، ويذهب إلى المساجد في اليوم والليلة خمس مرات، معناه: صلة وثيقة بالله سبحانه وتعالى، فالذي يحافظ على الصلاة ويتحرى الأوقات ليذهب إلى الصلاة إذا حدثته نفسه بسوء يتذكر الصلاة ولماذا يذهب يصلي؟ لكي تنهاه الصلاة عن الفحشاء والمنكر، ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )[العنكبوت:45]، فالذي يحافظ على الصلاة ويتحراها ويتحرى أوقاتها، وينظر متى يأتي الوقت ومتى يدخل الوقت؛ لأنه يخشى الله عز وجل ويطيع الله عز وجل إذا حدثته نفسه بسوء، فإن الصلاة تكون سبباً في منعه؛ فهو يحافظ على الصلاة رجاء ثواب الله، فهو يبتعد عن المعاصي ويخشى عقاب الله.والله عز وجل فرض الصلوات، وجعل لها أوقاتاً معلومة، فالواجب على كل مسلم أن يحافظ عليها، وأن يأتي بها على الوجه المشروع، وأن يأتي بها في أوقاتها، وبشروطها وأركانها وواجباتها، وما هو مطلوب منه فيها، فيأتي الإنسان بالصلاة ويقيمها كما أمر الله تعالى وكما شرع الله أن يقيمها الإنسان.

أهمية الزكاة للمجتمع المسلم وحرص الداعية على بيانها

ثم قال: ( فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم ) وهذا فيه أن الزكاة تلي الصلاة في الدعوة، الدعوة إلى التوحيد أولاً، ثم إلى الصلاة ثانياً، ثم إلى الزكاة ثالثاً، هكذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه في التدرج في الدعوة، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم.ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين في هذا الحديث أن الصدقة فرضها الله في أموالهم التي أنعم الله عليهم بها، وتفضل عليهم بها، والله تعالى هو الذي أعطى المال وهو الذي ينزع المال، وهو الذي جعل هذا غنياً وهذا فقيراً، فشرع للغني أن يشكر، ومن شكر نعمة الله عليه أن يؤدي الحق الذي فرض الله عليه، وشرع للفقير أن يصبر على ما ابتلاه الله عز وجل من الفقر، والله تعالى يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم، يبتلي بالغنى ويبتلي بالفقر، والله تعالى يبتلي بالخير والشر، فالله يبتلي الأغنياء بالمال، ويبتلي الفقراء بعدم حصول المال لهم، ليشكر من يشكر، ويصبر من يصبر، ومن كان بخلاف ذلك: الغني الذي لا يشكر والفقير الذي لا يصبر، فإنه يضر نفسه ولا يستفيد من ماله الذي أعطاه الله عز وجل إياه إذا لم يحصل منه الشكر على نعمة الله عز وجل بأن يأخذ المال من طريقه ويصرفه في طريقه، ومن أعظم ما يجب فيه أو ما يلزم فيه الزكاة التي فرضها الله عز وجل في أموال الأغنياء.
ثم قال: ( تؤخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم ) يعني: هذه الزكاة تؤخذ من الأغنياء الذين أعطاهم الله المال وتصرف للفقراء، وفي قوله: (تؤخذ) يعني: معناه أن الإنسان إذا امتنع من الزكاة تؤخذ منه قهراً؛ لأنه قال: تؤخذ وعبر بـ(تؤخذ)، حتى يشمل ما إذا أخذت منه بطيب نفسه وبكراهية نفس.
ثم قال: (من أغنيائهم فترد على فقرائهم).
الفقير: قيل: هو الذي لا يجد الكفاية، ويأتي الجمع بين الفقراء والمساكين في بعض النصوص، ويأتي إفراد الفقير عن المسكين والمسكين عن الفقير في بعض النصوص، ويقول عنها العلماء: هذه الألفاظ التي هي الفقير والمسكين هي من الألفاظ التي إذا جمعت في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرد أحدها عن الآخر فإنه يشمل المعنى العام الذي كان موزعاً عند الاجتماع، فالفقير والمسكين إذا جمع بينهما في الذكر يفسر الفقير بأنه الذي لا يجد شيئاً أصلاً، ما عنده شيء أصلاً، والمسكين بأنه الذي عنده شيء لا يكفيه، يعني: بينهم فرق، إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما بالمعنى، فسر الفقير بأنه الذي ما عنده شيء أصلاً والمسكين بأنه الذي عنده شيء لا يكفيه، لكن إذا جاء الفقير فقط مثلما جاء في الحديث الذي معنا هنا يعني: الله فرق بينهما في الذكر في آية قسمة الصدقات ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ )[التوبة:60] فبين أن الفقراء غير المساكين، يعني: أشد حاجة، وإن كان كلهم يجمعهم أن ما عندهم شيء يكفيهم، إلا أن هذا ما عنده شيء يكفيه وهذا ما عنده شيء أصلاً، فالله تعالى جمع بينهما في الذكر فقال: الفقراء والمساكين.
إذاً: الفقراء هم الذين ما عندهم شيء أصلاً، والمساكين الذين ما عندهم شيء يكفيهم، وفي بعض النصوص يأتي ذكر الفقراء فقط ما معهم مساكين، مثل الحديث الذي معنا ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) ما قال : ومساكينهم، أتى بكلمة الفقير وحدها، فالفقراء يدخل تحتها المعنى الذي كان موزعاً عند الاجتماع، يدخل تحت الفقير هنا الذي ما عنده شيء والذي عنده شيء ما يكفيه، يعني: تكون بهذه الطريقة، يعني: منها الفقير والمسكين، ومثل البر والتقوى يأتي الجمع بينهما فيكون البر له معنى والتقوى لها معنى، لكن إذا جاء البر وحده دخل فيه ما يشمل التقوى، وإذا جاءت التقوى وحدها دخل فيها ما يشمل البر، فهي ألفاظ إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرد أحدها عن الآخر اتسع لأن يشمل المعنى الذي كان موزعاً عند الاجتماع.
ومثل هذا لفظ الإيمان والإسلام، فإنه إذا جاء لفظ الإسلام والإيمان مع بعض يفسر الإيمان بالأعمال الباطنة والإسلام بالأعمال الظاهرة، لكن إذا جاء الإسلام وحده شمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا جاء الإيمان وحده شمل الأعمال الظاهرة والباطنة، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ )[آل عمران:19] يعني: يشمل الأمور الاعتقادية والأمور العملية؛ لأن الإسلام جاء وحده، لكن ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ )[الأحزاب:35] يعني: جاء ذكر الإسلام وعطف هؤلاء على هؤلاء، يعني: معناه أنه عندما يجمع بينها في الذكر يفرق بينها في المعنى، فيفسر عند اجتماع الإسلام والإيمان بأن الإيمان يفسر بالأعمال الباطنة، ويفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وإذا جاء الإسلام وحده دخل فيه الباطن والظاهر، وإذا جاء الإيمان دخل فيه الظاهر والباطن، فهي ألفاظ يقال عنها: إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى وإذا انفرد أحدها عن الآخر اتسع لأن يشمل المعنى الذي كان موزعاً عند الاجتماع، فعندنا هنا الفقير والمسكين عند اجتماعهما في آية الصدقات ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ )[التوبة:60] يفسر الفقراء أنهم الذين ما عندهم شيء أصلاً، والمساكين الذين عندهم شيء لا يكفيهم، ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) الحديث الذي معنا الفقراء يراد بهم الذي ما عنده شيء أصلاً والذي عنده شيء لا يكفيه.
ثم أيضاً الحديث في قوله: ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) من العلماء من استدل بالحديث على أن الزكاة لا تخرج من بلد المال؛ لأن قوله: (تؤخذ من أغنيائهم) أي: أغنياء اليمن (فترد على فقرائهم) يعني: فقراء اليمن، فالزكاة تكون في البلد الذي فيه المال وتخرج فيه في البلد الذي فيه المال، ومن العلماء من قال: يجوز إخراجها؛ لأن المقصود المسلمين، تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقراء المسلمين، فيجوز نقلها، فالذين قالوا بجواز النقل قالوا: إن الضمير يراد به المسلمون، وأنه يرجع إلى المسلمين أغنياء وفقراء، والذي يقول بأن زكاة المال تكون في بلد المال يقول: إن الضمير يرجع إلى أهل اليمن، أغنياء أهل اليمن وفقراء أهل اليمن، لكن لا شك أن فقراء البلد إذا كانوا أحوج من غيرهم فهم مقدمون على غيرهم؛ لأن الذين يشاهدون المال ويرون المال هم أحق بزكاة المال، لكن إذا كان هناك أحد أحق منهم وأولى منهم وأشد حاجة منهم فلا بأس من إخراجها، وإذا أخرج بعضها في البلد الذي فيه المال وأخرج بعضها في بلد آخر فإنه لا بأس بذلك.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى الدعوة إلى إخراج الزكاة، ثم إن قوله: (صدقة في أموالهم) دليل على أن الصدقة تطلق على المفروضة، كما أنها تطلق على التطوع، وكثيراً ما يأتي ذكر الصدقة ويراد بها التطوع، والزكاة يراد بها المفروضة، لكن الصدقة تأتي للمفروضة وللتطوع، ولهذا جاء إطلاق الصدقة على الزكاة المفروضة كما هنا: (صدقة في أموالهم)، المقصود به: الزكاة المفروضة، قوله: (خذ من أموالهم صدقة) أي: الزكاة المفروضة، وقوله: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا )[التوبة:60] أي: الصدقات المفروضة، فإن الصدقات تأتي بمعنى: المفروضة وتأتي بمعنى: التطوع، تأتي بما هو فرض وبما هو تطوع، تأتي لهذا ولهذا، بخلاف الزكاة فإنها تأتي فيما هو مفروض، واستعمالها فيما هو مفروض، ولهذا يأتي الجمع بين الصلاة والزكاة فإيتاء الزكاة، يأتي بمعنى المفروضة التي فرضها الله عز وجل، وهي التي قرنت بالصلاة، والتي هي لازمة وواجبة ومتعينة، بخلاف الصدقة، فإنها إحسان وتطوع، والله عز وجل يقول كما في الحديث القدسي: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) الحديث.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد بعد أن يستجيبوا لدفع الزكاة كما جاء، هنا الرواية ليس فيها ذكر الكرائم، لكن فيها اتقاء دعوة المظلوم، وقد جاء في الصحيحين وفي غيرهما ذكر كرائم الأموال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن هم أطاعوك ) أي: بأن استسلموا وانقادوا لإعطاء الزكاة قال: ( إياك وكرائم أموالهم ) يعني: لا تأخذ الزكاة من أنفس أموالهم، بل يؤخذ من المتوسط، لا يؤخذ الجيد ولا الرديء وإنما يؤخذ من أوساط المال، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أرشده إلى أخذ الزكاة قال: ( فإن هم أطاعوك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ) يعني: احذر أن تأخذ منهم الزكاة على وجه لا يجب عليهم، إلا إذا أخرجوه هم طيبة به نفوسهم فلا بأس، إذا دفعوا النفيس أو تقدموا هم بدفع النفيس يؤخذ منهم، أما أن يؤخذ منهم ويلزمون به ونفوسهم لا تسمح بذلك فإن هذا ظلم، ولهذا قال: ( فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم )؛ لأنها إذا أخذت الكرائم بغير طيب أنفسهم فإن ذلك من الظلم لهم؛ لأن الحق الذي فرضه الله الوسط، ليس النفيس وليس الرديء وإنما هو الوسط الذي بين هذا وهذا، فإذا أعطوا النفيس لا بأس، إذا أعطوه وجادت به نفوسهم ولم يؤخذ منهم قهراً وقسراً لا بأس به ويؤخذ منه، أما أن يؤخذ منهم قسراً فإن هذا ظلم، ولهذا قال: (واتق دعوة المظلوم) يعني: معناه إذا فعلت هذا يكون ظلماً، (واتق دعوة المظلوم)؛ لأن الإنسان إذا ظلم فهو يدعو على من ظلمه، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فإنها لا صارف يصرفها، ولا مانع يمنع منها، لكن هذه الدعوة يعني: لا يلزم أن تكون تحصل ويحصل مقتضاها، بل الأمر كما جاء في بعض الأحاديث أن الإنسان إذا دعا دعوة فإنه إما أن يحصل ما أراد، أو يدفع عنه من الشر، أو يدخر له من الخير ومن الثواب ما يدخره الله عز وجل، كما جاء ذلك في حديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

فوائد وحكم من حديث ابتعاث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن

الحاصل: أن هذا حديث عظيم، ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ومن كمال نصحه وفصاحته وبلاغته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وفيه بعث الدعاة إلى الله عز وجل، ورسم الخطة لهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رسم الخطة وقال: افعل كذا وافعل كذا، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم، وأنه يعرف أحوال المدعوين حتى يستعد الداعية لهم، وأنه يبدأ بالتوحيد أولاً، فيبدأ بالأهم فالأهم، ثم أنه ينتقل إلى الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ثم ينتقل إلى الزكاة وهي التي تلي الصلاة، وفيه ما أشرت إليه يعني: من الفوائد.والحاصل: أنه حديث عظيم من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً فيه قبول خبر الواحد والاحتجاج به في العقائد وغير العقائد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى اليمن ليدعوهم إلى التوحيد وإلى الصلاة والزكاة، ومن المعلوم أن الحجة قامت عليهم بتعليم معاذ لهم، وهو أرشده إلى التوحيد أولاً، فخبر الواحد وقبول خبر الواحد هذا أصل ثابت في الكتاب والسنة، وهذا دليل من أدلته؛ لأنه أرسل شخصاً واحداً إلى اليمن يدعوهم إلى الشهادتين، يدعوهم إلى إخلاص العمل لله، وإلى متابعة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
ثم إن الحديث ليس فيه ذكر الصيام ولا ذكر الحج، مع أن بعث معاذ كان متأخراً بعد فرض الصيام وبعد فرض الحج، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ولايته على اليمن رضي الله عنه وأرضاه، فتكلم العلماء في عدم ذكر الصيام والحج، وأجابوا بأجوبة من أحسنها: الجواب الذي ذكره الحافظ ابن حجر في كتاب فتح الباري عن شيخه سراج الدين البلقيني قال: إن الشارع إذا كان بصدد بيان أركان الإسلام فإنه يأتي بها كاملة، ولا يترك شيئاً منها، كما جاء في حديث معاذ وكما جاء في حديث جبريل؛ لأنه المقصود بيان الأركان فهو يأتي بالجميع، أما إذا كان المقصود الدعاء إلى الإسلام فإنه يقتصر على الأمور الثلاثة بالتدرج، فإنه يعني تأتي الأحاديث فيها الاقتصار على التوحيد وعلى الصلاة والزكاة؛ لأنه إذا كان المقصود هو بيان الأركان يأتي بالأركان الخمسة (بني الإسلام على خمس: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله...) كما في حديث جبريل ويأتي بالخمسة، لكن لما كان في الدعوة إلى الوحيد فإنه يذكر الأشياء الثلاثة وغيرها تابع لها، قال: والحكمة في ذلك أن الشهادتين هي الأساس، وهي ثقيلة على الكفار أن يجعلوا الإله واحداً، بل هم يجعلون الآلهة المتعددة والآلهة المختلفة فيثقل عليهم أن يأتوا أو يعبدوا الإله الواحد كما أخبر الله عن الكفار: ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )[ص:5].
وأما الصلاة فلتكررها في اليوم والليلة وهي عبادة بدنية، ثم الزكاة؛ لأن المال عظيم شأنه عند النفوس، والله جبل النفوس على حب المال، فإذا حصل المحافظة على الصلاة وهي تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فالمحافظة على الصيام الذي لا يأتي في السنة إلا مرة واحدة وهو عمل بدني من باب أولى، يمكن من الأسهل؛ لأنه ذكر الأشياء التي إذا فعلت غيرها يكون سهلاً على من أتى بها، والحج بدني مالي، فالذي يحافظ على الصلاة في اليوم والليلة خمس مرات، ويحافظ على الزكاة التي هي عبادة مالية والنفوس جبلت على محبة المال؛ فإن من سهل عليه بذل المال في الزكاة يسهل عليه بذله وإنفاقه في الحج ليؤدي الفرض الذي فرضه الله عز وجل عليه في الحج، وكذلك الذي يحافظ على الصلاة وهي عبادة بدنية تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، يمكن من السهل عليه أن يكلف بدنه سفرة في عمره مرة واحدة يؤدي بها الحج، قالوا: فلم يذكر الصيام والحج وقد كان بعث معاذ إلى اليمن بعد فرضهما؛ لأن الذي يأتي بهذه الأمور الثلاثة التي هي الشهادتان والصلاة والزكاة من السهل عليه أن يأتي بما وراءه من الصيام والحج.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب ... فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ...)

قوله: [ محمد بن عبد الله ].هو محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن المعافى ].
هو ابن عمران الموصلي وهو ثقة أخرج حديثه البخاري، وأبو داود والنسائي.
[ عن زكريا بن إسحاق ].
هو زكريا بن إسحاق المكي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى بن عبد الله بن صيفي ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ عن أبي معبد ].
واسمه نافذ مولى ابن عباس مشهور بكنيته أبي معبد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ].
ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث من مسند ابن عباس ، وقد جاء في صحيح مسلم في بعض الروايات أن ابن عباس يرويه عن معاذ، قال: عن ابن عباس عن معاذ، ولا تنافي بينهما؛ فيمكن أن يكون ابن عباس شهد ذلك أو أنه أخذ ذلك عن معاذ فكان يرويه عنه بواسطة، ويضيفه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن مراسيل الصحابة كما هو معلوم حجة، وإن لم تعرف الواسطة، وهنا قد عرفت الواسطة وهو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، ولكن الحديث هنا عند النسائي وهو من مسند ابن عباس وليس من مسند معاذ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #674  
قديم 11-07-2022, 07:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(392)

- تكملة باب وجوب الزكاة


من الأمور الضرورية التي ينبغي للمسلم معرفتها أن الزكاة واجبة ويكفر منكرها، وإخراجها عن طيب نفس دليل على صحة الإيمان، ولهذا جعل الله تعالى للمتصدقين باباً في الجنة يدخلون منه وهو: باب الصدقة.
تابع وجوب الزكاة

شرح حديث: (... وما آيات الإسلام؟ ... وتؤتي الزكاة)


قال المصنف رحمه الله تعالى تحت ترجمة: [ باب وجوب الزكاةأخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: ( قلت: يا نبي الله! ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن لأصابع يديه، أن لا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت امرأً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله عز وجل ورسوله، وإني أسألك بوحي الله: بم بعثك ربك إلينا؟ قال: بالإسلام، قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول أسلمت وجهي إلى الله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ) ].
فقد أورد النسائي رحمه الله تحت ترجمة: باب وجوب الزكاة، حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وبعثه إلى اليمن، وأمره بأن يدعو إلى التوحيد أولاً، ثم إلى الصلاة ثانياً، ثم إلى الزكاة ثالثاً، ثم أورد النسائي حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله تعالى عنه، الذي فيه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: إنني ما جئتك إلا وقد حلفت عددتهن لأصابع يدي، يعني: أنه حلف عشرة أيمان بعدد أصابع اليدين أن لا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدخل في دينه، يعني أنه كان كارهاً للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام، ثم إن الله تعالى من عليه وهداه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، وأن يبين له الدين الذي بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم به، فقال: الإسلام، فقال: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: أسلمت وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، والمقصود من الحديث الجملة الأخيرة، وهي قوله: وتؤتي الزكاة؛ لأنه أرشده إلى ثلاثة أمور، إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل، والتخلي من عبادة كل من سواه، ثم الصلاة، ثم الزكاة، وهذه هي الأمور الثلاثة التي جاءت في حديث معاذ مرتبة على حسب الأهمية، بأن يبدئ بالدعوة إلى الصلاة، ثم يبدئ بالدعوة إلى الزكاة، فهو أرشده صلى الله عليه وسلم إلى أعظم أمور الإسلام، وآيات الإسلام، والأشياء المطلوبة في الإسلام، وهي الشهادتان التي أشار إليها بقوله: أسلمت وجهي لله وتخليت، والرجل جاء يخاطب النبي ويقول: يا نبي الله! فمعنى ذلك أن أعظم شيء يدعى إليه في دين الإسلام هو الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
وهنا قال: (أسلمت وجهي لله وتخليت)، وهذا يعني: لا إله إلا الله؛ لأن لا إله إلا الله، نفي وإثبات، تنفي العبادة عن كل من سوى الله، وتثبتها لله وحده لا شريك له، فإن قوله: (أسلمت وجهي لله)، هي بمعنى: إلا الله، وتخليت، هي بمعنى: لا إله، ففيها نفي وإثبات، وفيها ترك وإتيان؛ ترك عبادة كل من سوى الله، والإتيان بالعبادة لله وحده لا شريك له.
فلا إله إلا الله متكونة من ركنين: نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها، وهذان الركنان معناهما: أنك تنفي العبادة عن كل من سوى الله في الركن الأول، وتثبت العبادة لله وحده لا شريك له في الركن الثاني؛ لأن الأول نفي عام، والثاني إثبات خاص، نفي العبادة عن كل من سوى الله وهذا النفي العام، وإثبات العبادة لله وحده وهذا هو الإثبات الخاص.
فقوله: (أسلمت وجهي إلى الله)، هي تماثل: إلا الله، (وتخليت) تماثل: لا إله، أي: أنه تخلى من عبادة كل أحد سوى الله سبحانه وتعالى، وأتى بالعبادة لله وحده لا شريك له خالصة له، كما أنه لا شريك له في ملكه فلا شريك له في العبادة، كما أنه رب العالمين، وهو خالق الخلق، فهو الإله الحق الذي يجب أن يفرد بالعبادة، ولا يجوز أن يصرف لغيره شيء من أنواع العبادة، بل العبادة كلها تكون خالصة لوجهه.
ومن المعلوم أن العبادة التي تكون لله خالصة لا بد أن تكون مطابقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما أشرت إليه في الدرس الماضي من أن هذا هو مقتضى أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، أي: تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
فلا ينفع العمل صاحبه إلا إذا كان خالصاً لله لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه، وكذلك أيضاً لا ينفعه العمل مع كونه خالصاً لله إلا إذا كان مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تخلف أحد الاثنين: الإخلاص أو المتابعة فإن العمل لا ينفع صاحبه عند الله، بل لا بد من نفعه وقبوله عند الله أن يكون خالصاً لوجه الله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما إذا كان ليس خالصاً لله فإنه مردود؛ لقول الله عز وجل: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ))[الفرقان:23]، وعائشة رضي الله عنها لما ذكرت ابن جدعان وأنه كان يتصف بكذا وكذا وكذا، يعني: من أعمال الخير والإحسان، والمساعدات والإعانات، قال عليه الصلاة والسلام: ( إنه لم يقل: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين )، يعني: لا ينفعه ذلك؛ لأنه لم يؤمن بالله عز وجل، ويخص الله تعالى بالعبادة، ويكون مؤمناً بالله، عابداً لله وحده، فلم ينفعه ذلك.
وأما إذا كان العمل ليس على السنة فإنه مردود على صاحبه، فيدل على ذلك الحديث المتفق على صحته من حديث عائشة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )، وفي رواية لـمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
فإذاً: من شروط القبول: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الجملة الأولى فيما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل بقوله: (أسلمت وجهي إلى الله وتخليت)، فيه إخلاص العبادة لله عز وجل، ونبذ عبادة كل من سواه، ثم ذكر الإتيان بالصلاة، ثم ذكر إيتاء الزكاة، التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد أرشده إلى هذه الأمور الثلاثة التي هي التوحيد، والصلاة، والزكاة، وغير ذلك تبع له، فمن استسلم وانقاد، وأتى بهذه الأمور الثلاثة يسهل عليه أن يأتي بما سواها.
ثم إن الرجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بشدة عداوته له، وأنه كان كارهاً له ولدينه، وقد حلف عشرة أيمان بعدد أصابع يديه أن لا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتي دينه، ثم إن الله عز وجل قذف في قلبه الإيمان، ووفقه للإيمان، وهداه للإيمان، فتبدلت حاله من السوء إلى الحسن، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً متعلماً، سائلاً النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء التي هي مطلوبة منه، والتي بعثه الله تعالى بها، فبين له عليه الصلاة والسلام أعظم ما هو مطلوب من المسلم إذا أسلم لله عز وجل ودخل في الدين، فإنه أول ما يطالب به: أولاً المفتاح الذي هو الشهادتان، ثم أول شيء بعد ذلك الصلاة، ثم بعد ذلك الزكاة.
ففي هذا بيان ما كان عليه ذلك الرجل من شدة العداوة والبغض، كونه ألزم نفسه بأيمان حتى لا يهون عليه أن يأتي إليه، وتلك الأيمان هي بأصابع يديه، وقوله في الحديث: عددهن لأصابع يديه، يعني: هذا المقصود بالضمير بعددهن، أي: عدد أصابع اليدين، يشير لأصابع يديه، يعني: كأنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وأشار بيديه، وقال: عددهن، يعني: أنه يشير إلى أصابع يديه، ثم إن الله عز وجل هداه ومن عليه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسترشداً وسائلاً عن أمور الدين، فبين له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك وأجابه على ما سأله عنه.
والشاهد أن الزكاة هي أهم شيء يدعى إليه بعد التوحيد والصلاة.


تراجم رجال إسناد حديث: (... وما آيات الإسلام؟ ... وتؤتي الزكاة)


قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[ حدثنا معتمر ].
هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو هنا غير منسوب، لكن لا لبس في عدم النسبة؛ لأنه لا يوجد في الكتب الستة من اسمه معتمر سواه، هو الشخص الوحيد الذي يسمى بهذا الاسم، يعني: معتمر بهذا الاسم ليس معه أحد في هذا، ولهذا سواء نسب أو لم ينسب؛ لأن ما هناك رجل عند النسائي اسمه معتمر إلا هذا الرجل، بل ولا في الكتب الستة كلها رجل يقال له: معتمر إلا هذا الرجل، وهو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده ].
هو بهز بن حكيم بن معاوية القشيري، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
يروي عن أبيه حكيم بن معاوية القشيري، وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
وحكيم يروي عن معاوية الذي هو جد بهز وأبو حكيم ، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري تعليقا،ً ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، أي أن هؤلاء الثلاثة الذين هم: الجد والابن والحفيد كلهم خرج لهم البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة، وحكيم وبهز كل منهما صدوق، وأما معاوية فهو صحابي.
[ وإني كنت امرءاً ما أعقل شيئاً إلا ما علمني الله عز وجل ورسوله ].
إني كنت لا أعقل شيئاً، يعني: ليس عنده شيء من العلم ومن الحق إلا ما يأخذه عن الله وعن رسوله، أي: عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو يبلغ عن الله، يعني: أنه ليس عنده شيء من الدين إلا ما يأخذه من النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبلغه عن الله عز وجل، ولهذا سأله عن الذي بعثه الله تعالى به، وليس معنى ذلك أنه يشير إلى أنه ليس عنده علم؛ لأنه من المعلوم أنه الآن يبحث عن الإسلام والذي هو الأساس، فإذاً هو يسأل عن ما هو مطلوب منه، وما هو لازم له، وليس معنى ذلك أن عنده علماً سابقاً.
وقوله: أسألك بوحي الله، النسائي أورد الحديث في موضعين في هذا الباب، وأورده في باب: السؤال بوجه الله، والحديث جاء فيه بلفظ: أسألك بوجه الله، وفي هذه الرواية: بوحي الله، والرواية التي ذكرها النسائي في باب سيأتي: أسألك بوجه الله، والسؤال بوجه الله سؤال بصفة من صفاته، وكذلك السؤال بوحي الله سؤال بصفة من صفاته؛ لأن الكلام هو وحي الله عز وجل، وحي الله هو كلامه الذي أوحى به إلى رسله الكرام، فسواء كانت وحياً، أو سواء كانت وجهاً، الوحي هو كلام الله، وهو سؤال بصفة من صفات الله، والوجه صفة من صفات الله، وهو سؤال بصفة من صفات الله، فإن كان كل من الروايتين محفوظاً فكل له معنى، وإن كانت واحدة، يعني: مصحفة عن الثانية، وفي بعض النسخ هنا كما أشار في التعليق، فيها: بوجه الله، وعلى هذا تتفق مع الرواية التي ستأتي، ولكن على كون هذه محفوظة، فإن وحي الله هو كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، ووجه الله صفة من صفاته.

شرح حديث: (... والزكاة برهان ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عيسى بن مساور حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه أخبره عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إسباغ الوضوء شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض، والصلاة نور، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك ) ]. أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه الذي فيه بيان فضائل لعدة خصال وعدة أعمال، اشتمل على فضائل لعدة أعمال، اشتمل على فضل الطهور، والوضوء وإسباغه، واشتمل على فضل التحميد والتسبيح، واشتمل على فضل الصلاة، وعلى فضل الزكاة، وعلى فضل الصبر، وعلى بيان أن القرآن حجة للإنسان أو عليه، فهو مشتمل على فضائل عديدة.
ومقصود النسائي من إيراد الحديث في هذا الباب الذي هو باب وجوب الزكاة، أو ما يتعلق بالزكاة قوله: (والزكاة برهان)، هذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث؛ لأن الحديث يتعلق بالصلاة، ويتعلق بالزكاة، ويتعلق بالصبر، ويتعلق بالوضوء وإسباغه، ويتعلق بذكر الله عز وجل، والثناء عليه، كل هذه فضائل دل عليها هذا الحديث، أو اشتمل عليها هذا الحديث على فضائل أعمال قولية وفعلية، والمقصود من إيراده جملة من جمله وهي: (والزكاة برهان)، وفي بعض الألفاظ: (والصدقة برهان)، وقد ذكرت أن الزكاة أنها تأتي يراد بها الفريضة، وتستعمل للفريضة، وأن الصدقة تأتي للنافلة وللفريضة، وذكرت بعض النصوص التي فيها ذكر الصدقة بمعنى الفريضة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ )[التوبة:60]، وكذلك: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التوبة:103]، وحديث معاذ الذي مر بنا بالأمس: ( أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)، وفي الحديث هنا يقول: ( والصلاة نور، والزكاة برهان ).
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( إسباغ الوضوء شطر الإيمان )، وقد جاء في صحيح مسلم : (الطهور شطر الإيمان)، والمراد بالطهور هو الوضوء، وقيل: إن قوله: إنه شطر الإيمان؛ لأن الوضوء فيه طهارة الظاهر، وفيه نظافة الظاهر، والإيمان فيه نظافة الداخل الباطن؛ لأن الإيمان فيه طهارة الباطن، والوضوء فيه طهارة الظاهر، فصارت الطهارة ظاهرة وباطنة، فالباطنة هي: تتعلق بالقلب وهو الإيمان، وظاهره: تتعلق بالجوارح التي هي نظافتها، فنظافة القلب بالإيمان، ونظافة الجوارح بالطهارة التي هي الوضوء.
وقيل: إن المراد بالإيمان هو الصلاة، والطهور هو شطره، بمعنى أنه لا صلاة إلا بطهور، ليس هناك صلاة إلا بطهور، فهي شرط من شرائط الصلاة، بل من أعظم شرائط الصلاة أن الإنسان يكون على طهارة، ولا ينفع إنسان أن يصلي على غير طهارة، ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلا صلاة إلا بطهور.
فإسباغ الوضوء شطر الإيمان، قالوا: إن الإيمان هنا مراد به الصلاة، ويأتي إطلاق الإيمان على الصلاة، كما قال الله عز وجل: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )[البقرة:143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، يعني: الصلاة الأولى التي صلوها إلى بيت المقدس وماتوا، أو الذين كانوا موجودين، فصلاتهم إلى بيت المقدس في محلها؛ لأنها طاعة لله، وصلاتهم إلى الكعبة أيضاً في محلها؛ لأنها طاعة لله، والذي ذهب لا يضيعه الله، يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس التي كانت قبل النسخ والتحويل، فمن العلماء من قال: إن المراد بالإيمان الصلاة، والإتيان بالصلاة لا يتم إلا بالوضوء.
وكما قلت: في مسلم: ( الطهور شطر الإيمان )، وهنا (إسباغ الوضوء)، وإسباغ الوضوء يكون بالاستيعاب، وكذلك أن يشرع في العضد، وفي الساقين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل المرفقين والكعبين، ويشرع في الساقين والعضدين، معناه: أنه يدخل فيها، لكنه لا يستمر فيها ويطيل، وإنما يشرع فيها أن يتجاوز المرفق، فهذا من إسباغه، يعني: العناية بالاستيعاب، وكون الإنسان يشرع في الغسل الذي فيه النهاية، وهو الكعبان في الرجلين، والمرفقان في اليدين، بحيث يدخل في العضد ويدخل في الساقين، لكن لا يطيل ولا يستمر، وإنما يشرع فيهما، وكذلك أيضاً يكون بالتكرار، يعني: يغسل ثلاث مرات، يغسل مرتين أو ثلاث مرات؛ لأن هذا من الإسباغ، فهو شطر الإيمان، يعني: إكمال الوضوء وإسباغه هو شطر الإيمان.
( والحمد لله تملأ الميزان )، الحمد لله ثناء على الله عز وجل، وكلمة الحمد لله كلمة يقولها الإنسان بلسانه وشأنها عظيم عند الله عز وجل، فقيل في معناها: أن الأعمال التي تكون أعراضاً تكون أجساداً وأجساماً يوم القيامة وتوضع في الميزان، هي وإن كانت عرضاً بمعنى أنها صفة وهي كلام، إلا أن ذلك الكلام يجعله الله عز وجل على صورة جسم وعلى صورة شيء يوضع في الميزان، ولهذا جاء أن الأعمال تكون أعراضاً وتوضع في الميزان، وجاء أيضاً كونها تنفع صاحبها مثل ما جاء في البقرة وآل عمران، يعني: قراءتهما يأتيان يوم القيامة وهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تظل صاحبها يوم القيامة، تكون ظلاً له، يعني: فقراءته التي قرأها لهاتين السورتين يجعلهما الله عز وجل يعني: سحابة، أو غمامة، أو فرقان من طير صواف، يعني: تظلل صاحبها، الأعمال تقلب أعراضاً، ويجعلها الله أعراضاً وتوضع في الميزان، ويستفيد منها صاحبها كالتظلل الذي حصل.
( الحمد لله تملأ الميزان )، يعني: شأنها عظيم عند الله عز وجل، وفيه أيضاً دليل على أن الأعمال توزن، وإثبات الميزان وأن هناك ميزاناً توزن به الأعمال، والمقصود من الوزن هو: إيقاف الإنسان على أعماله، والموازنة بين سيئاته وحسناته، وليس ليعلم الله عز وجل المقدار؛ فالله تعالى عالم به وعالم بكل شيء وزن أو لم يوزن، لكن المقصود من ذلك إظهار وإيقاف الإنسان على حسناته وسيئاته، والموازنة بينها، حتى يقف على ذلك وأنه لا يظلم، وأن الله تعالى يجازيه بالعدل وبالقسط: ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )[الكهف:49]، فهذا هو المقصود من الوزن: إيقاف الناس على أعمالهم والموازنة بينها.
( والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض ).
والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض، وفي لفظ مسلم: ( وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض )، تملآن أو تملأ الواحدة منهما ما بين السماء والأرض، يعني: أن الله تعالى يجعلهما على صفة أجسام وتوضع في الميزان.
( والصلاة نور ).
والصلاة نور، يعني: نور لصاحبها في الدنيا والآخرة، فهي نور وإشراق وضياء في وجهه، علامة على العبادة والطاعة، ثم أيضاً تكون نوراً له يعني: نور معنوي، بمعنى أنه يبصره فيما يعود عليه بالخير وما يعود عليه بالمضرة، ويوضح ذلك قول الله عز وجل: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )[العنكبوت:45]، فهذا من كونها نور، يعني: كونها فيها النهي عن الفحشاء والمنكر، وتنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وتكون سبباً في امتناع صاحبها عن الفحشاء والمنكر، هذا من الضياء ومن النور الذي فيها، يعني: نور معنوي، وكذلك نور يوم القيامة يستضيء به الإنسان ويضيء للإنسان، ويكون نوراً بين يدي الإنسان، فهي نور كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة، هي نور في الدنيا وفي الآخرة، نور في الوجه ونور في الطريق، وكون الإنسان يعرف الحق فيعمل به، وينتهي عن الباطل بسبب الصلاة، ووجه ذلك: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، هذا الفرض من غير النوافل، والإنسان عندما يكون محافظاً على الصلوات، وحريصاً على النوافل، إذا حدثته نفسه بسوء يتذكر: لماذا يصلي ولمن يصلي؟ يصلي يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله، فكيف تحدثه نفسه بأن يقع في المعاصي، فتذكره صلاته ومحافظته على الصلاة، وصلته الوثيقة بالله عز وجل تكون سبباً في كونه يرعوي وينزجر، ويبتعد على أن يقع في المعاصي.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #675  
قديم 11-07-2022, 07:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

معنى أن الزكاة برهان والصبر ضياء

( والزكاة برهان ) هي برهان على إيمان صاحبها، وعلى صدق إيمانه، لماذا؟ لأن المال عزيز على النفوس، والنفوس جبلت على حب المال، فالإنسان الذي يؤدي الحق الذي فرض الله عليه طيبة به نفسه مع ما جبلت عليه النفوس على حب المال، فهذا دليل على إيمان صاحبها، وبرهان وعلامة واضحة على الإيمان؛ لأن الإيمان هو الذي دفعه إلى هذا، وضعف الإيمان هو الذي يجعله يبخل بالزكاة ويبخل بالمال، ولا يصرف المال فيما ينبغي أن يصرف فيه المال، وحرص النفوس على المال هذا أمر معلوم، ولهذا يأتي الإنفاق في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال، ويقدم المال على النفس، كل المواضع التي جاءت في القرآن فيها تقديم المال على النفس، إلا في موضع واحد قدمت النفس على المال، في آية: ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )[التوبة:111]، يعني: قدم المال في الآيات الكثيرة على النفس، وذلك لما جبلت عليه النفوس من محبة المال، ولأن أيضاً الجهاد بالمال يحصل ممن عنده القدرة على الجهاد بالنفس وممن ليس عنده القدرة على الجهاد بالنفس، يعني: عنده مال، ولكن ما عنده قدرة على أن يجاهد بنفسه، ويكون عنده قدرة فيجمع بينهما، فجاء في القرآن كثيراً تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. ( والزكاة برهان، والصبر ضياء ).
والصبر ضياء، الصبر هو ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، صبر على النوائب والمصائب، الإنسان إذا وقعت به مصيبة لا يتسخط، بل يقول: قدر الله وما شاء فعل، إذا حصل له شيء يكرهه، وهو حريص على أن يحصل له ما يريد من الخير ولكن فاته وحصل له شيء لا يريده، فيقول: قدر الله وما شاء فعل، ولا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، كما جاء في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فيصبر الإنسان على طاعة الله، ويصبر عن معاصي الله، ويصبر على أقدار الله المؤلمة التي فيها مصائب وفيها ابتلاء وامتحان، ويصبر على طاعة الله ولو شقت على النفوس؛ لأن العاقبة حميدة على الصبر، ويصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن العاقبة وخيمة؛ لأنها لذة ساعة وبعدها حسرة وندامة وعقوبة من الله عز وجل، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في الحديث الصحيح: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )، أي: الطريق إلى الجنة يحتاج إلى صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، صبر على الطاعات ولو شقت على النفوس، والإنسان من المعلوم أنه إذا كان نائماً في الليل لا سيما في وقت الشتاء وفي شدة البرد، والفراش وفير، وفي فراش دافئ، ثم سمع الأذان وسمع: الصلاة خير من النوم يهب من فراشه ونفسه تميل إلى النوم، وتشتهي النوم والفراش، يعني: هو مرتاح في الفراش، لكن ما يدعى إليه وهو الصلاة خير من هذا الذي هو متلذذ فيه، والذي هو مرتاح إليه ومطمئن إليه وهو النوم، الصلاة خير من النوم، فيقوم ويذهب في البرد، وقد يكون الإنسان أيضاً يتوضأ بماء بارد وما عنده شيء يسخن فيه، ففيه مشقة على النفوس، كذلك الصيام فيه مشقة، والزكاة فيها مشقة، لأن النفوس مجبولة على حب المال، ومع ذلك تجد الإنسان يصبر على الطاعة ولو شقت على النفوس، ويصبر على المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن عاقبة الصبر على الطاعة حميدة، وعاقبة الانسياق وراء النفس الأمارة بالسوء أو الوقوع فيما تشتهيه النفوس مما لا يسوغ عاقبته وخيمة، وهذا هو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )، فالصبر ضياء؛ لأن فيه الصبر على طاعة الله، والصبر عن معاصي الله، والصبر على أقدار الله، فهو ضياء يضيء للإنسان الطريق في الدنيا والآخرة، يضيء للإنسان الطريق في الدنيا؛ لأنه فيه صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وفي الآخرة حصول الثواب له بالنور والضياء والإشراق الذي يكون له بثبوته على طاعة الله وصبره عن معاصي الله عز وجل.
(والقرآن حجة لك أو عليك)، هو حجة لك إن قمت بما يجب عليك نحوه، يعني: عملت بما فيه، امتثلت الأوامر، وانتهيت عن النواهي، وصدقت الأخبار، وعبدت الله طبقاً لما جاء في القرآن والسنة، فإن القرآن يكون حجة للإنسان، حجة له ينفعه عند الله عز وجل، وحجة على الإنسان إذا كان بخلاف ذلك، يعني: كونه يعرف الحق، ولا يعمل به، فيكون حجة عليه لا له، والقرآن إما حجة الإنسان وإما حجة على الإنسان، فإن قام بما يجب عليه نحوه كان حجة له، وإن كان بخلاف ذلك كان حجة عليه.
والحديث في صحيح مسلم وفي النسائي وفي غيره، وقد جاء حديث آخر في صحيح مسلم هو بمعنى هذا الحديث، وهو عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، والحديث أخرجه مسلم، كان له أمير على مكة، فجاء الأمير، فسأله عمر: من أمرت على مكة، يعني: في حال غيبتك، أو من وليت على أهل مكة في حال غيبتك؟ فقال: ابن أبزى ، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من الموالي، قال: وليت عليهم مولى، قال: نعم يا أمير المؤمنين! إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، هذه مسوغات للتعيين والاختيار، والترشيح للعمل، إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، ماذا قال عمر رضي الله عنه وأرضاه؟ تذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين )، فقوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع فيه آخرين )، مثل قوله: حجة لك أو عليك؛ لأن فيه من يرفع، وفيه من يوضع، فيه من يكون حجة له، ومن يكون حجة عليه، فيه من يكون القرآن شاهد له، ومنهم من يكون القرآن شاهد عليه؛ لأنه ما قام بما يجب عليه نحوه، ولهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه لما أخبره بوجه الاختيار وأنه لعلمه بالكتاب، وبمعرفته للفرائض والأحكام، تذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال عند ذلك: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: فيه تنفيذ وتطبيق، أو مطابقة لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الإنسان: صدق الله، أو يقول: صدق رسول الله، مر بنا قريباً الحديث الذي فيه: إذا صام يوماً يكون عن عشرة أيام، ثم قال: صدق الله إذ يقول: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا )[الأنعام:160]، الحديث مر بنا قريباً، أن الإنسان إذا صام يوماً يكون عن عشرة أيام، ثم قال لعله أبو هريرة أو كذا: صدق الله عز وجل إذ يقول: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الأنعام:160]، هنا لما قال له أن هذا الرجل اختاره على غيره وقدمه لأنه عالم بالكتاب، وعارف بالفرائض، تذكر الحديث وقال عنده: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ).

تراجم رجال إسناد حديث: (... والزكاة برهان ...)

قوله: [ أخبرنا عيسى بن مساور ].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا محمد بن شعيب بن شابور ].
صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[ عن معاوية بن سلام ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أخيه ].
هو زيد بن سلام، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ أنه أخبره جده أبي سلام ].
واسمه ممطور ، وهو ثقة، يرسل، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن، يعني: مثل حفيده زيد بن سلام.
[ عن عبد الرحمن بن غنم ].
قيل: إنه معدود في الصحابة، وقيل: إنه تابعي، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
[ أن أبا مالك ].
هو أبو مالك الأشعري، واختلف في اسمه، فقيل: إن اسمه الحارث ، وقيل: عبيد ، وقيل: كعب ، وقيل على ذلك أقوالاً كثيرة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود وابن ماجه.


شرح حديث: (... ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن نعيم المجمر أبي عبد الله أنه قال: أخبرني صهيب أنه سمع من أبي هريرة ومن أبي سعيد يقولان: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ( والذي نفسي بيده، ثلاث مرات، ثم أكب، فأكب كل رجل منا يبكي، لا ندري على ماذا حلف، ثم رفع رأسه في وجهه البشرى، فكانت أحب إلينا من حمر النعم، ثم قال: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة، فقيل له: ادخل بسلام ) ]. ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم، وحلف، ولم يذكر المحلوف، ثم أكب، فأكب الناس يبكون، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشرى، ففرحوا، واعتبروا ذلك خيراً لهم من حمر النعم التي هي أنفس الأموال عندهم، وحمر النعم يأتي في الحديث ذكر الإشارة إليها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لعلي : ( والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )؛ لأنها أنفس الأموال عندهم، فكانت أحب إليهم ومن أنفس ما هو عندهم، يعني: أن هذا الذي حصل أحب إليهم مما هو أنفس شيء عندهم في الحياة الدنيا، وهو هذه النعم الحمر الذي هذا وصفها.
فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة فقيل له: أدخل بسلام ).
يعني: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويؤدي الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له: ادخل بسلام.
في الحديث ذكر الصلاة والمحافظة على الصلوات الخمس، وكذلك فيه ذكر الصيام وذكر الزكاة، والمقصود من إيراد الحديث هنا ذكر الزكاة، وكون الزكاة ذكرت، وكون الإنسان يؤدي الزكاة، ثم مع كونه يفعل هذه الأفعال يجتنب الكبائر السبع وهي الموبقات، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر السبع الموبقات وهي: الشرك بالله، والزنا، وقتل النفس التي حرم الله، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، يعني: هذه وردت في حديث أبي هريرة في الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الجزاء يكون على ترك وعلى فعل، على ترك المحرمات، وترك الكبائر والموبقات، وعلى أيضاً فعل، وهو الإتيان بالصلوات، والإتيان بالصيام، والإتيان بالزكاة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ...)


قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن شعيب ].
هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن الليث ].
هو الليث بن سعد، يعني: أبو شعيب، يعني: شعيب يروي عن أبيه الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا خالد ].
هو ابن يزيد الجمحي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي هلال ].
هو سعيد بن أبي هلال المصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نعيم المجمر ].
هو نعيم بن عبد الله المجمر أبو عبد الله، هو أبوه عبد الله، وكنيته أبو عبد الله، فكنيته توافق اسم أبيه، فهو نعيم بن عبد الله المجمر، وقيل له: المجمر؛ لأنه كان يجمر المسجد، يعني: يأتي بالجمر ويضع عليه العود أو البخور الطيب ويبخر المسجد، فقيل له: المجمر، يعني: لقب بهذا، وقيل: إنه لقب لأبيه وأيضاً هو لقب به، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني صهيب ].
صهيب مولى العتواريين، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده كما في التهذيب.
[ أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد ].
أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أكثر الصحابة حديثاً، وأبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والحديث ذكره الألباني وحكم عليه بالضعف، ولعل حكمه عليه بالضعف بسبب صهيب هذا الذي ذكر أنه مقبول، لعله هذا سبب التضعيف.
وفي التقريب، يقول: صهيب مولى العتواريين، وفي موضع يقول في الهامش في نسخة تهذيب الكمال: العتواري، تفرد نعيم المجمر بالرواية عنه، ووهم من قال غير ذلك، مقبول من الطبقة الرابعة.

شرح حديث: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا أبي عن شعيب عن الزهري قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله! هذا خير لك، وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟! قال: نعم، وإني أرجو أن تكون منهم )، يعني: أبا بكر]. أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة، يقول: يا عبد الله! هذا خير لك، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة؟) و(هل) هنا بمعنى النفي، يعني: ما على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: كون الإنسان يقال له: ادخل الجنة من أي باب، يعني: كاف، فهل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ وهذا سؤال استفهام حقيقي، هل يدعى أحد؟ استفهام حقيقي، أما الأول بمعنى: النفي، مثل قوله: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، يعني: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: ما على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: كون الإنسان يدعى من باب من أبواب الجنة، هذا خير له، المهم أن يدخل الجنة، لكن هل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، وأرجو أن تكون منهم)، يعني: لكونه يعمل هذه الأعمال رضي الله تعالى عنه وأرضاه، كونه يعمل هذه الأعمال التي لها هذه الأبواب للجنة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أنفق زوجين في سبيل الله )، المراد بالزوجين قيل: الصنفان، الزوج هو: الصنف والنوع، يعني: والمراد من ذلك أنه يكرر، أو ينوع الصدقة ويكررها، ينفق نفقة معززة مشفوعة بغيرها، يعني: متكررة، هذا هو المراد بالزوجين، ( من أنفق زوجين في سبيل الله)، ثم إنه قيل له: هذا خير، ثم ذكر الصلاة والصيام والصدقة والجهاد، وفيها ما هو من الأعمال البدنية.
والحديث قيل: ( من أنفق زوجين في سبيل الله )، فقيل: أن المقصود من ذلك: أن كل أعمال البر هي إنفاق، وإن كانت بعض الأعمال ليست مالاً وليست إنفاقاً للمال، إلا أنها إنفاق للجهد وإنفاق للنفس وبذل النفس، ولهذا يقال: أنفق عمره في كذا وكذا، أو صرف عمره في كذا، يعني: فيما يتعلق بالأعمال، ولهذا جاء بعد ذلك إن كان من كذا، فمن أنفق زوجين في سبيل الله دعي، قيل: هذا خير، فيحتمل أن يكون المراد أن ذلك يرجع إلى الصدقة، ويحتمل أن يكون ذلك يرجع إلى الإنفاق العام الذي يشمل الصدقة المالية والصدقة غير المالية التي تكون ببذل النفع وبذل الخير، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تعديد الصدقات، وإطلاق الصدقات على أنواع كثيرة غير البذل، بذل المال، مثل: إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل هذه من أنواع الصدقات؛ لأنها صدقة من الإنسان على نفسه؛ إذ عمل أعمالاً تفيده، وأيضاً تصدق على غيره إذ أحسن إليه بهذه الأنواع، إماطة الأذى عن الطريق؛ لأنه تصدق على الناس إذ أزال الأذى عن طريقهم حتى لا يتعرضوا لأذى، وحتى لا يحصل لهم أذى، والأمر بالمعروف صدقة؛ لأنه دلهم على الخير، والنهي عن المنكر صدقة؛ لأنه حذرهم من الشر، والكلمة الطيبة صدقة؛ لأن الإنسان تكلم بكلام سر الإنسان وأفاده واستفاد منه.
فيكون المراد بالإنفاق: العموم، يعني: ما يشمل المال وغير المال، يعني: الجهد والمال، ثم في الحديث دليل على أن تلك الأعمال لها أبواب في الجنة، الصدقة لها باب يقال له: باب الصدقة، والجهاد باب الجهاد، والصلاة باب الصلاة، والصيام يقال: باب الريان، يعني: يختلف، ما قيل اسمه: باب الصيام، وإنما قيل له: الريان؛ لأنه يشعر بالري، وأن من دخله يشرب ويروى؛ لأنه عطش نفسه في الدنيا، فأخبر بأنه يدخل من هذا الباب الذي يشعر بالري.
ثم قال أبو بكر رضي الله عنه: (هل على من دخل من أي باب من هذه الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم).


تراجم رجال إسناد حديث: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله...)


قوله: [ أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[ حدثنا أبي ].
وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[ عن شعيب ].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، من صغار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني حميد بن عبد الرحمن ].
هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن أبا هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
وهل بقية الأبواب في الجنة معروفة الأسماء؟
فالجواب: الله أعلم، ما ندري، ثم أيضاً لا يلزم أن يقال: إن الأبواب ثمانية بالنسبة لثمانية أعمال؛ لأن أبواب الجنة ثمانية كما هو معلوم، كما جاء ذلك في الأحاديث الكثيرة: ( فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء )، من قال: كذا، ومن فعل كذا، لا يقال: إن كل عمل من الأعمال له باب، فيمكن أن يكون هناك أبواب عامة، وأبواب خاصة داخلة ضمن تلك الأبواب، يعني: تستوعب أعمال الخير، لكن كونها تكون أعمال ثمانية من أعمال الخير لها أبواب والباقي ليس له أبواب هذا ليس بظاهر، فيمكن أن تكون هناك أبواب رئيسية تسمى بهذا، وهناك أبواب جزئية، يعني: الأبواب الرئيسية ثمانية كما جاء في الحديث، لكن هناك أبواب داخلة في هذه الأبواب، وذكر المعلق أن فيه أشياء، يعني: ذكر في الحاشية أن فيه أبواب كذا، وقال: أن هذه سبعة، ويمكن أن يكون الثامن كذا وكذا، وهذا لا يعني أن تكون الأبواب هي بعدد هذه الخصال، بل خصال الخير كثيرة، ويدخل الجنة أصحابها، فيمكن والله أعلم أن الجنة لها ثمانية أبواب كما جاء أبواب الجنة الثمانية، لكن الأبواب تحتها أبواب.
وأبو بكر الصديق هو لا شك منهم؛ لأنه فعل أفعالاً، وقد جاء في الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل قال: ( من أصبح منكم صائماً، من أصبح منكم عائداً مريضاً )، من فعل منكم كذا، وكلها اجتمعت في أبي بكر، وكلها يقول أبو بكر : أنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمعت فيه إلا دخل الجنة، وهذا الرجل كما هو معلوم ما مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين أفضل منه، هو الصديق .


الأسئلة

الطواف بالرجل الاصطناعية

السؤال: ما حكم الطواف بالرجل الاصطناعية؟

الجواب: ما فيه بأس، الإنسان إذا كان رجله يعني: كذا، وصنعت له رجل يمشي عليها فيطوف بها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #676  
قديم 11-07-2022, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(393)

- باب عقوبة مانع الزكاة - باب زكاة الإبل

حذر الشرع من ترك الزكاة، ورتب عليه العقوبة في الدنيا والآخرة، وبين مقدار نصاب الزروع والثمار، وأوضحت الأدلة أحكام زكاة الأنعام: الإبل والبقر والغنم ونصاب كل منهما، وحكم الأوقاص فيها.
عقوبة مانع الزكاة

شرح حديث: (ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب عقوبة مانع الزكاة.أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا بهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون لا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجراً فله أجرها ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم منها شيء ) ].
يقول النسائي رحمه الله: باب عقوبة مانع الزكاة، يعني: عقوبته في الدنيا، وأما عقوبته في الآخرة فقد مر في بعض الأحاديث كيفية عقابه، وأنه يعذب بالمال الذي منع زكاته، بحيث إذا كان صاحب إبل يبطح لإبله بقاع قرقر فتمر عليه، وتطؤه بأخفافها إذا مر عليه أخراها رد عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وهذه من عقوبته في الدار الآخرة، وأما عقوبته في الدنيا فهي ما جاءت في هذا الحديث، من أنه تؤخذ منه الزكاة، ويؤخذ أيضاً زيادة عليها عقوبة له، فهي عقوبة دنيوية، والنسائي رحمه الله ترجم لهذه الترجمة، عقوبة مانع الزكاة، إشارة إلى ما جاء فيه من قوله: [( فإن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا )].
والحديث أوله: [( في كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون )] في كل سائمة هي التي ترعى أكثر الحول ولا يتكلف صاحبها علفها والإنفاق عليها، وإنما ترعى من الفلاة، فهذه هي السائمة، أما إذا كان يعلفها أو أكثر الحول وهو يعلفها، فإن هذه لا زكاة فيها، اللهم إلا أن تكون معدة للتجارة والبيع، فإنها تزكى زكاة عروض التجارة، لكنها لا تزكى زكاة السائمة؛ لأن الزكاة في الإبل، أو الغنم، أو البقر، يعني في غير التجارة إنما هي في كونها سائمة، يعني: ترعى أكثر الحول.
وقوله: [(في كل أربعين)] فسره بعض العلماء أنه إذا استقرت الفريضة، بعد المائة والعشرين يكون في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، لكن هذا لا يستقيم؛ لأن استقرار الفريضة فيه أربعون وفيه خمسون، ما تستقر على أربعين فقط، ثم الذي يظهر أن المقصود من ذلك أن كل أربعين فيها بنت لبون، ولا يعني هذا أن ما كان دون الأربعين لا زكاة فيه وما فوق الأربعين إلى الثمانين لا زكاة فيه؛ لأن هذه دلالة مفهوم لكن هناك دلالة منطوق، وهي التي ستأتي في حديث أنس في كتاب أبي بكر الذي فرض فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصدقات وبين مقاديرها، وفيه: أن ما دون الأربعين فيه زكاة من نوع الإبل ومن غير نوع الإبل، وما فوق الأربعين إلى الثمانين أيضاً، فيه زكاة من نوع الإبل، وما بعد الثمانين أيضاً كذلك فيه زكاة فلا يعني أن ما نقص عن الثمانين نقص عن الأربعين وما زاد على الأربعين، أو ما نقص على الثمانين وما زاد على الثمانين أنه لا زكاة فيه، وإنما فيه الدلالة على أن هذا المقدار فيه الزكاة لكن لا مفهوم له، لأن هذا المفهوم معارض بالمنطوق الذي هو أن الخمس من الإبل فيها شاة والعشر فيها شاتان والخمسة عشر فيها ثلاث شياه، والعشرين فيها أربع شياه والخمسة والعشرين فيها بنت مخاض، إلى خمس وثلاثين ففيها بنت لبون، تبدأ من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، هذا فيه بنت لبون، فالأربعون موجودة في الوسط وهي ضمن هذا المقدار، وهو يستقيم على أن في كل أربعين بنت مخاض، لكن يشكل عليه إذا بلغت مائة وعشرين، فإن مقتضى هذا الحديث أن في مائة وعشرين ثلاث بنات لبون، لكن جاء في حديث أنس الذي فيه التفصيل أن العشرين هي داخلة في الوقت، وإذا زادت واحدة على العشرين صارت مائة وواحد وعشرين، فيكون فيها ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين، فيكون فيها بنتا لبون وحقة، فإذا صارت مائة وخمسين صار فيها ثلاث حقاق، مائة وستون فيها أربع بنات لبون، وهكذا.
إذاً: فيشكل على هذا الإطلاق الذي في الحديث رقمه (120) الذي هو المضاعفة الثالثة للأربعين؛ لأن الأربعين فيها بنت لبون، الثمانين فيها بنتا لبون، لأن من ست وسبعين إلى تسعين هذا بنتا لبون، يعني: معناه رقم ثمانين فيه بنتا لبون مطابق لهذا الحديث، لكن رقم مائة وعشرين بمقتضى هذا الحديث يكون فيه ثلاث بنات لبون، لكن حديث أنس الذي فيه التفصيل ذكر أن المائة والعشرين هي تابعة للواحد والتسعين، يعني: فيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة يكون في كل أربعين بنت لبون، وكل خمسين حقة، يعني: إذا زادت واحدة تبدأ ثلاث بنات لبون، أما مائة وأربعون، ومائتان، ومائتان وأربعون، ومائتان وثمانون، وثلاثمائة وعشرون، هذه كلها تمضي على قوله: [في كل أربعين بنت لبون].
أما قوله: [(لا يفرق إبل عن حسابها)] تحتمل شيئين أنها لا يفرق بين الصغير والكبير، والسمين والهزيل، والسليم والمعيب، بل كلها تحسب، ولكن يؤخذ الوسط لا من الجيد ولا من الرديء، تؤخذ الزكاة من الوسط من أوساط المال، لا من أجود المال ولا من أردأ المال ولكن من أوسط المال، فهي لا تفرق إبل عن حسابها، بمعنى على أحد التفسيرين أنه لا يفرق بين السمان والهزال، والصغار والكبار، لكن هذا الكلام فيما يتعلق بالصغار فيما إذا كان النصاب الأول موجود؛ لأن النصاب الأول لابد من وجوده وحولان الحول عليه.
أما النصاب الثاني فلا يلزم أن يحول عليه الحول؛ لأن الفرع تبع للأصل، ونتاج السائمة تابع لأصلها، كما أن ربح التجارة تابع لرأس المال، الربح تابع لرأس المال، يذكر رأس المال والربح مع بعض، لكن المهم أن يحول الحول على أقل نصاب، مثلاً من الإبل خمس، من الغنم أربعين، من البقر ثلاثين، فإذا كان الإنسان عنده تسع وثلاثين من الغنم ما فيها شيء؛ لأن النصاب ما وجد، ولو مضى عليها حول لأنه ما وجد النصاب الذي يحول عليه الحول، لكن لو كان عنده أربعون موجودة وتناسلت وتنامت في خلال العام، وفي أثناء العام حتى بلغت مائة وواحد وعشرين مثلاً من الغنم، في آخر الحول بلغت مائة وواحد وعشرين فيكون فيها شاتان؛ لأن الذي حصل النمو وحصلت الزيادة بسبب النماء هو محسوب تبع الأصل، فلو أن إنساناً عنده مائة وعشرون وقبل أن يحول الحول بيوم ولدت واحدة من المائة والعشرين سخلة فتعد السخلة في المائة والعشرين، ولكن لا تؤخذ السخلة ولا الجيد بل تؤخذ من الوسط، هذا بالنسبة للنصاب الثاني وما وراءه، أما النصاب الأول لا يحسب الحول ولا يبدأ الحول إلا من تمامها أربعين، لو كان عنده تسع وثلاثون، هذه لا زكاة فيها ولو حال عليها أعوام إذا ما تنامت وزادت على أربعين، أو وصلت الأربعين فإنه لا زكاة فيها، لأنه ما وجد النصاب ولا زكاة في المال حتى يبلغ النصاب ولا يكون فيه حتى يحول عليه الحول، هذا معنى.
والمعنى الثاني: [(لا تفرق إبل عن حسابها)] يعني: أنه لا يفرق بين المجتمع خشية الصدقة كما سيأتي في حديث أنس ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، يعني: فيما يتعلق بالخليطين؛ لأن الخلطة تصير المالين كالمال الواحد، ولو كان هذا لشخص وهذا لشخص، والخلطة قد تكون تكثر فيها الزكاة وقد تقل فيها الزكاة مع الخلطة، تكون الزكاة قليلة بسبب الخلطة وتكون كثيرة بسبب الخلطة، فمثلاً: إذا كان واحد عنده أربعون شاة والثاني أربعون شاة والثالث أربعون شاة، وخلطوها وحال عليها الحول ما فيها إلا شاة واحدة، وهي مائة وعشرون؛ لأنه مال واحد، لكن لو كان كل واحد على حدة هذا أربعون وهذا أربعون وهذا أربعون وهذه ترعى على حدة، وهذه ترعى على حدة تصير فيها ثلاث شياه، لأن كل واحد عنده نصاب، وكذلك هذه تنقص بالخلطة تنقص الصدقة، بدل ما يكون فيها ثلاث لو كانت متفرقة يكون فيها واحدة.
وقد يكون العكس بأن يكون واحد عنده عشرون وواحد عنده عشرون، ثم خلطوها وحال عليها الحول فيها شاة، ولو كان كل واحد عشرينه على حدة ما صار فيها زكاة، لأنها ما بلغت النصاب، فالخلطة تصير المالين كالمال الواحد، وقد تكثر معها الزكاة، وقد تقل معها الزكاة، قد يكون الأحظ للفقراء، وقد يكون غير الأحظ للفقراء، يكون الأحظ فيما إذا كان الجمع يفيد الزيادة، ويكون غيره إذا كان الجمع يفيد النقص، مثلما ذكرت في المثال الذي هو مائة وعشرون وكل واحد له أربعون، فإنه لا يكون فيها إلا شاة واحدة، وتؤخذ من واحد، والاثنان الآخران يرجعان بقسطهما، أو يرجع صاحب الشاه على الاثنين بقسطهما الذي عليهما؛ لأنه تقوم الشاة ثلاثة أثلاث قيمتها فيسقط عن الذي أخرجت ثلث ثم يبقى ثلثا القيمة يأخذه من صاحب الثمانين صاحب الأربعين وصاحب الأربعين، يتراجعا بينهما بالسوية كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا.
[(فمن أداها مؤتجراً بها فله الأجر)] يعني: من أداها طالباً الأجر وطيبة بها نفسه فإنه يحصل أجرها، ومن أبى عن أدائها أخذت وشطر ماله إما نصفه، وإما بعضه بالإضافة إلى الزكاة التي تستحق على المال، وهذا هو المقصود من الترجمة للنسائي في قوله: عقوبة مانع الزكاة، أي: عقوبته الدنيوية، أنه يؤاخذ إذا رأى الإمام ذلك بأن يأخذ منه إما النصف، أو يأخذ منه بعض المال زيادة على ذلك.
بعض العلماء يقول: إن الرواية [(شطر ماله)] يعني: يجعل شطرين جيد ورديء، ثم يتخير المصدق من الجيد، وهذا أيضاً فيه عقوبة؛ لأن الحق هو للوسط، فإذا أخذ من الجيد معناه أخذ شيء زائداً عن الحق، إلا أن في هذا يكون العقوبة قليلة، وفي الذي مر تكون العقوبة أشد وأعظم، ثم هذا يدل على أنه لا أجر له؛ لأنه ما نوى، وإنما أخذت قهراً عليه، وما وجدت النية لكن يسقط عنه الفرض، ويسقط عنه الإثم؛ لأنه أدى ما عليه، لكن كونه يحصل الأجر ما يحصل أجر، لأنه ما نوى، قالوا: وتكفي نية الإمام، يعني: كونه أخذ منه الزكاة قهراً، ونوى أنها زكاة وإن لم ينوي ذلك الذي هو ممانع وغير مواقف، فيكون سقط عنه الواجب ويكون حصلت تأدية الواجب لكن بغير طواعية وبغير رضا.
ثم قال في آخر الحديث: [( لا يحل لآل محمد منها شيء )] يعني: لا يحل من هذا الذي أخذ سواء كان الأصل أو الذي أخذ عقوبة لا يحل لآل محمد منها شيء؛ لأن هذا تبع الزكاة، ويضاف إلى الزكاة، والزكاة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد عليه الصلاة والسلام، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها هذا الحديث، لا يحل لآل محمد منها شيء.
وقد ذكر أو المشهور عند العلماء أن هذا المنع لآل محمد لكونهم يعطون من الفيء، وقد ذهب بعض أهل العلم ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه إذا لم يحصل لهم من ذلك الشيء الذي كانوا يعطون منه، فإن لهم أن يأخذوا من الزكاة؛ لأن الذي كان عوضاً عن هذا لا وجود له فيجوز أن يعطوا من الزكاة، هكذا قال بعض أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي] هو الفلاس ، المحدث، الناقد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا يحيى]
هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، ثبت، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، كتلميذه الفلاس ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بهز بن حكيم بن معاوية القشيري]
صدوق خرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري] وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن جده معاوية بن حيدة] صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة، أي: أن هؤلاء الثلاثة الجد والابن والحفيد كلهم خرج لهم البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.


زكاة الإبل

شرح حديث: (... ولا فيما دون خمس ذود صدقة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الإبل.أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عمرو بن يحيى ح وأخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان وشعبة ومالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أواق صدقة ) ].
هذا الحديث باب زكاة الإبل يعني: مقدارها، وهذا الحديث الذي أورده النسائي وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فيه بيان مقادير الأنصبة فيما يتعلق بالإبل، وفيما يتعلق بالفضة، وفيما يتعلق بالحبوب والثمار، الزرع والثمر، ثمر الزرع وتمر النخل مثلاً، هذا الحديث فيه بيان هذه الأنصبة، والذي إذا بلغه زكى، وإذا نقص عنه لا يزكي، قال: [( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )] يعني: زكاة، وهنا إطلاق الصدقة على الزكاة، وقد مر بنا أن الصدقة تأتي للمفروضة، والصدقة تأتي للمفروضة والتطوع، وبعض العلماء يقول: إن الصدقة لا تطلق على المفروضة، لكن هذا مردود لوجود الآيات والأحاديث الدالة على إطلاق الصدقة على الزكاة، وعلى هذا فالصدقة تطلق على الزكاة المفروضة، وعلى الصدقة المستحبة، تطلق على الفرض والتطوع يقال لها: صدقة، وأما الزكاة فهي تطلق على المفروضة.
[(فليس فيما دون الخمسة أوسق)]، والأوسق: جمع وسق، والوسق: ستون صاعاً، فيكون خمسة في ستين بثلاثمائة صاع هذا هو النصاب، فإذا كانت الحبوب أو الثمار عندما أثمرت بلغت هذا المقدار وزيادة، فيه زكاة، أما إذا نقصت عن ثلاثمائة صاع التي هي خمسة أوسق لا زكاة فيها، ولهذا قال: [(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)]، ومعنى هذا الخمسة فما فوقها فيه صدقة، لكن دونها لا زكاة فيه، معناه النصاب ثلاثمائة صاع فإذا بلغه الحب أو التمر فإنه يزكى، وأما مقدار الزكاة سيأتي في أبواب مقدار زكاة الحبوب، لكن هنا الحديث أورده النسائي من أجل الإبل: [( ليس فيما دون خمس ذود صدقة )]؛ لأنه يتعلق بزكاة الإبل، لكنه أيضاً يدل على زكاة الفضة وعلى زكاة الحبوب والثمار أيضاً.
و[( ليس فيما دون خمس ذود صدقة )] الذود المقصود به: خمس من الإبل، سواء كانت ذكوراً خلصاً، أو إناثاً خلصاً، أو ذكوراً وإناثاً، فإنه إذا ملك الإنسان خمساً وحال عليه الحول يكون فيها زكاة، وهذا أقل نصاب، وهو زكاته من غير نوعه التي هي شاة؛ لأن إخراج من نوعه هي مضرة للأغنياء، وكونه ما يجعل فيه زكاة يكون فيه مضرة على الفقراء، فما فرض من نوعها والعدد قليل؛ لأنه يضر الأغنياء، وما أسقط الزكاة نهائياً؛ لأن هذا فيه عدم فائدة للفقراء، فشرعت على وجه ليس فيه مضرة للغني وفيه فائدة للفقير، ومعنى هذا أن ما نقص عن خمس لا زكاة فيه، فلو أن إنسان عنده أربع من الإبل، يملكها ومضى عليها حول ويملكها لا زكاة فيها، لأن النصاب ما وجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: [( ليس فيما دون خمس ذود صدقة )] يعني: معناه: إذا نقص عن الخمس ما فيه زكاة، ولو حال عليه الحول؛ لأنه ما وجد النصاب، لكن إذا وجد النصاب وحال الحول ففيه زكاة والزكاة من غير النوع من نوع آخر من نوع الغنم التي هي أخف من الإبل، وعرفنا الحكمة في فرضها من غير نوعها، مراعاة لمصلحة الفقراء وعدم الإضرار بالأغنياء.
[( وليس فيما دون خمس أواق صدقة )] والمراد بالأواقي وهي: زكاة الفضة، والأوقية أربعون درهماً، يعني: مائتا درهم هذا هو النصاب، وما نقص عنه فإنه لا زكاة فيه، إذا نقص عن مائتي درهم التي هي خمس أواق؛ لأن الأوقية أربعون درهماً، خمسة في أربعين تصير مائتين، فالنصاب هو مائتا درهم، فإذا نقص عن هذا المقدار ليس فيه زكاة؛ لأنه ليس فيما دون خمس أواق صدقة، فإذا بلغت خمس أواق وزادت، صار فيها صدقة إذا حال الحول.
إذاً: عرفنا أن هذا الحديث دل على زكاة الإبل، وما لا زكاة فيه لأنه دون النصاب، وما يبدأ وجوب الزكاة فيه؛ لأنه يبلغ النصاب وهو الخمس، لكن بعد الخمس فيه تفاصيل لمقدار ما يخرج، لكن هنا بيان الحد الأدنى الذي هو النصاب والذي إذا نقص عنه لا زكاة، وإذا بلغه وزاد وجبت الزكاة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا فيما دون خمس ذود صدقة ...)

قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري ، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.
[حدثنا سفيان].
وهو ابن عيينة الهلالي المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمرو بن يحيى بن عمارة المازني المدني الأنصاري] ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ثم أتى بحاء التحويل فقال: ح الدالة على التحول من إسناد إلى إسناد، يعني أن النسائي يذكر إسناداً آخر يبدأ من شيخ آخر له، فقال: [حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار]، محمد بن المثنى العنزي المكنى بـأبي موسى والملقب الزمن وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله محمد بن بشار الملقب بندار، فإنه بصري، وشيخ لأصحاب الكتب الستة، والاثنان ماتا في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات سنة مائتين واثنين وخمسين، ولهذا قال عنهم ابن حجر: وكانا كفرسي رهان يعني: معناه أنهما متقاربان متفقان في الشيوخ والتلاميذ، ومن أهل البصرة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، ولهذا قال: كفرسي رهان، التي كل واحد يريد أن يغلب فيكون متساويين في الغالب بعد أن كل واحد يريد الغلب والسبق، كانا كفرسي رهان يعني: متماثلين.
[عن عبد الرحمن]، فهذان الاثنان محمد بن المثنى ومحمد بن بشار يرويان عن عبد الرحمن وهو ابن مهدي، عبد الرحمن بن مهدي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] هو ابن عيينة الذي مر، وقد مر ذكره، والفرق بين الإسنادين أن الأول أعلى والثاني أنزل؛ لأن الأول بين النسائي وبين عمرو بن يحيى شخصان، وهنا بين النسائي وبين عمرو بن يحيى ثلاثة، طبعاً اثنان في درجة واحدة وهم محمد بن بشار ومحمد بن المثنى لا يحسبون على أساس أنهم طبقات لأنهما من طبقة واحدة، محمد بن المثنى ومحمد بن بشار طبقة وعبد الرحمن بن مهدي شيخهما طبقة، وسفيان بن عيينة طبقة ثالثة، فصار الإسناد الأول أعلى من الإسناد الثاني، فالإسناد الأول عالي بالنسبة للإسناد الثاني؛ لأن بين النسائي وبين عمرو بن يحيى في الإسناد الأول واسطتان، وبين النسائي وبين عمرو بن يحيى في الإسناد الثاني ثلاث وسائط، ثلاثة أشخاص، شخصان منهما في طبقة واحدة.
والإسنادان التقيا عند سفيان، لكن بالنسبة للرواية عن سفيان أيضاً كذلك عالية؛ لأن بين وبينه سفيان واسطتان، وهذا بينه وبينه واسطة واحدة، هو الالتقاء عند سفيان وليس عند عمرو بن يحيى، لكن بين النسائي وبين سفيان شخص في الإسناد الأول، وبين النسائي وبين سفيان في الإسناد الثاني طبقتان، واثنان في طبقة واحدة.
[ سفيان وشعبة ومالك ].
عن سفيان يعني: في الطريق الثاني يعني عبد الرحمن يروي عن ثلاثة في طبقة واحدة هم: سفيان، وشعبة ومالك، وقد عرفنا سفيان، أما شعبة هو ابن الحجاج الواسطي البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأما الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، الذي قال عنه الحافظ ابن حجر: رأس المتقنين وكبير المثبتين أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن يحيى عن أبيه ].
أبوه يحيى بن عمارة المدني الأنصاري المازني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة كابنه.
[ عن أبي سعيد ].
هو أبي سعيد الخدري ، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بنسبته وبكنيته، ويأتي ذكره بالنسبة في الكنية ويأتي بالكنية مع النسبة، لكن كونه يأتي النسبة بدون الكنية حدثني الخدري هذا لا يأتي ولا يستعمل، وإنما أحياناً يقال: أبو سعيد الخدري ، وأحياناً يقال: أبو سعيد فقط، وهو المشهور بهذه الكنية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان هناك صحابة يكنون بأبي سعيد، لكن ما كانوا يشتهرون بكناهم مثل: عبد الرحمن بن سمرة فإن كنيته أبو سعيد، وسعد بن مالك بن سنان كنيته أبو سعيد ، ولكن هذا اشتهر بالكنية وذاك ما اشتهر بها، ولهذا يأتي ذكره بكنيته كثيراً، الذي هو أبو سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حديث: (ليس فيما دون خمسة ذود صدقة ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عيسى بن حماد قال: أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس فيما دون خمسة ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) ].ثم أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما اشتمل عليه الذي قبله، من بيان مقادير الحد الأدنى لنصاب الإبل، ونصاب الفضة، ونصاب الحبوب والثمار.
قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد التجيبي المصري].
ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي ، وأبو داود ، وابن ماجه.
[أخبرنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب.
[ عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ].
وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #677  
قديم 11-07-2022, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث كتاب أبي بكر لعماله بفرائض الصدقة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا المظفر بن مدرك أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن أبا بكر رضي الله عنه كتب لهم: إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التي أمر الله عز وجل بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعط، ومن سئل فوق ذلك فلا يعط فيما دون خمس وعشرين من الإبل، في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين، ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستة وأربعين، ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين، ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين، ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين، ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة، وعنده جذعة، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين إن استيسرتا له، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده بنت لبون وعنده بنت مخاض، فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض، وليس عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين، ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة، ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة، ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة درهم فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)].ثم أورد النسائي حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كتب به إلى أنس بن مالك لما أرسله إلى البحرين لأخذ الصدقات، وكتب له هذا الكتاب الذي هو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مقادير الزكاة من الإبل، والغنم، وكذلك قال فيه: إنه مما أمر الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أن إضافته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مرفوع؛ لأن أبا بكر قال: [(التي فرضها رسول الله)]، وقوله: (التي أمر الله بها رسوله) يدلنا على أن السنة وحي من الله، كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] لأنه هنا قال لما ذكر: [(التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أمر الله بها رسوله)] يعني: أن هذا التفصيل وهذا البيان هو من الله عز وجل، وهذا هو الذي تدل عليه آيات الكتاب، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من عند الله، أوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام.
إذاً: فالله تعالى هو الذي فرض هذه المقادير، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ببيانها وإبلاغها؛ لأنه قال: [(فرضها رسوله، والتي أمر الله تعالى بها رسوله)] يعني: قدرها وبينها وأبلغها، والله تعالى هو الذي أمره بها، فالذي يأتي به صلى الله عليه وسلم من غير القرآن هو من الله سبحانه وتعالى، إلا أن هذا وحي متلو وهذا وحي غير متلو، هذا وحي متلو متعبد بتلاوته والعمل به، وهذا متعبد بالعمل به، أي: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا المقدار مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل فيه أيضاً زيادة إيضاح وبيان، وأن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، أي: بهذا الفرض وبهذا التقسيم، وبهذا التقدير، وبهذا التفصيل الذي جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(من المسلمين)] معناه: الزكاة تؤخذ من المسلمين، والكفار لا تؤخذ منهم الزكاة؛ لأنهم لم يسلموا، لكن لا يعني هذا أنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة، هم مخاطبون بالفروع تبعاً للأصول، وعليهم إثم ترك الفروع، وإثم ترك الأصول، لكن لا ينفع إخراج الزكاة، ولا يطلب منهم الزكاة؛ لأن الزكاة على المسلم وليست على الكافر، الكفار لا زكاة عليهم، بل الزكاة على المسلمين، ولهذا قال: [(فمن سئلها من المسلمين)]، يعني: أن المسلمين هم الذين تطلب منهم الزكاة، وهم الذين تؤخذ منهم، ولا تؤخذ من فقراء المسلمين، وإنما من أغنيائهم وترد على فقراء المسلمين.
[(فمن طلبت منه على وجهها)] يعني: على التقدير الذي جاء في السنة، وعلى التحديد الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فليعطها، ومن طلبت منه على غير وجهها: بأن طلب منه أكثر، أو أعظم سواء في العدد، أو السن فلا يعطي؛ لأنه ظلم وهو لا يعطي إلا المقدار المحدد، فلا يعطي ثنتين بدل واحدة، ولا يعطي سناً أعلى بدل السن الأدنى، وإنما على حسب المقدار الذي عنده من بهيمة الأنعام، والزكاة التي حددت يعطيها وفقاً لما هو مشروع، وإذا طلب منه أكثر من ذلك، سواء من حيث السن، أو من حيث العدد فلا يعطي؛ لأن هذا لا يسوغ إلا أن تطيب نفسه بذلك، فلا بأس، كما سيأتي في الحديث، أنه إذا كان خمس ففيها شاة، وليس في أربع شاة إلا أن يشاء ربها، يعني: إذا كان يريد أن يخرج شيئاً من الذي ما فيه زكاة جزاه الله خيراً، ولا يقال: لا، ما نقبلها منك، بل تقبل، لكن ما يطالب بها؛ لأنها ما بلغت النصاب، فإذا أعطاها تبرعاً أو تطوعاً فإنها تقبل منه، لكن لا يلزم بها، [(فمن طلبت منه على وجهها فليعطها، ومن طلبت منه على غير وجهها فلا يعطي)] وإنما يعطي الشيء الواجب عليه، ولا يلزم بالزائد، أما الواجب عليه فهو مستعد لبذله، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الصدقات معروفة ومقاديرها معروفة يعرفها المصدق والمتصدق، العامل والمزكي، فإذا طلب منه شيئاً في حدود ما هو مشروع يعطيه، وإذا طلب منه أكثر مما هو مشروع ليس له أن يعطيه.

تفصيل زكاة الإبل فيما دون خمس وعشرين

بعدما ذكر أن من طلب الزكاة على وجهها يعط، ومن طلبت منه على غير وجهها لا يعط بدأ بالتفصيل قال: [(فيما دون خمس وعشرين من الإبل في كل خمس ذود شاة)].قوله: [(فيما دون خمس وعشرين من الإبل)] يعني: من أربع وعشرين فما دون؛ لأن خمساً وعشرين التي دونها أربع وعشرون، فأربع وعشرون فما دون خمس وعشرين، معناه: أن الزكاة إذا نقصت عن خمس وعشرين، ففي كل خمس شاة، وهذا فيه أن الزكاة من غير الجنس، لكن إذا كثر المال ووصل إلى خمس وعشرين يبدأ الإخراج من الجنس في كل خمس شاة، فإذا ملك خمساً من الإبل وحال عليها الحول يزكي، فإذا كانت أربعاً لا زكاة فيها، فالنصاب الأدنى الذي تخرج فيه الزكاة هو خمس من الإبل، وإخراج الزكاة من غير النوع ينفع الفقير ولا يضر الغني، ولو أخرج من الخمس واحدة فمعناه: أن خمس المال يخرج زكاة، وهذا فيه مضرة على الأغنياء، فشرعت الزكاة دون الخمس والعشرين على وجه ينفع الفقير ولا يضر الغني.
والزكاة كلها فرضت على هذا النحو؛ لأن الزكاة شيء قليل من شيء كثير، لكن التفريق بين الإخراج من النوع ومن غير النوع، هذا هو المقصود منه.
فإذا بلغت تسعاً فليس فيها إلا شاة واحدة، فإذا صارت عشراً يصير فيها شاتان، إلى أربع عشرة ما فيها إلا شاتان، فإذا بلغت خمس عشرة، ففيها ثلاث شياه إلى عشرين يكون فيها أربع شياه، إلى أربع وعشرين ما فيها إلا أربع شياه.

تفصيل زكاة الإبل في خمس وعشرين فما فوقها

فإذا بلغت خمساً وعشرين يبدأ يخرج من النوع، فيخرج بنت مخاض، وبنت المخاض هي: التي أكملت سنة من عمرها ودخلت في السنة الثانية، وقيل لها: بنت مخاض؛ لأن أمها في ذلك الوقت تحمل فتكون ذات حمل والماخض هي: الحامل، وسواء كانت أمها كذلك، أو ليست كذلك، لكن هذا وجه التسمية، فمن خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين كلها ما فيها إلا بنت مخاض، فإن عدم بنت المخاض يجزئه ابن لبون الذكر، وابن لبون هو: الذي أكمل السنة الثانية، ودخل في الثالثة؛ لأنه أمضى سنتين وبنت مخاض أمضت سنة، فيصير الفرق بين الذكر والأنثى أن الأنثى أحظ؛ لأنها تربى وتنمى وتلد بخلاف الذكر، لكنه يجوز إذا لم يجد بنت مخاض أن يدفع ابن لبون بدل بنت المخاض من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين.فإن زادت واحدة وصارت ستاً وثلاثين يكون فيها بنت لبون، وهي: التي أكملت السنة الثانية، ودخلت في الثالثة فقيل لها: بنت لبون؛ لأن أمها في الغالب تكون قد ولدت وصارت ذات لبن، فيقال لها: بنت لبون.
ثم من ست وثلاثين إذا زادت واحدة عن خمس وثلاثين يكون فيها حقة طروقة الجمل، وهي: التي أكملت السنة الثالثة ودخلت في الرابعة، فصار عندها الأهلية لأن يطرقها الفحل إلى ستين، يعني: من ست وأربعين إلى ستين، وهنا يكون الفرق والوقص أكثر؛ لأن الفرضين السابقين الوقص فيهما إحدى عشرة أو عشر وأما هنا فمن ست وأربعين إلى ستين.
فإذا زادت واحدة فصارت واحداً وستين يصير فيها جذعة، وهي: التي أكملت أربع سنوات ودخلت في السنة الخامسة يقال لها: جذعة.
إلى خمس وسبعين ما فيها إلا جذعة، فإذا زادت واحدة وصارت ستاً وسبعين صار فيها بنتا لبون، ومن ست وسبعين إلى تسعين أيضاً مثل الذي قبله الفرق خمسة عشر، فإذا بلغت إحدى وتسعين يكون فيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت على مائة وعشرين يكون في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، معناه: مائة وعشرون يكون فيها حقتان، وهذا أطول وقص في الإبل، أو في زكاة الإبل من واحد وتسعين إلى مائة وعشرين ثلاثون، والوقص هو: ما بين الفرضين يقال له: وقص، وهو ما لا زكاة فيه؛ لأن زكاته مثل زكاة الحد الذي قبله الأدنى، يعني: من واحد وتسعين يبدأ حقتان إلى مائة وعشرين وفيه حقتان، فإذا زادت عليها واحدة إلى مائة وتسعة وعشرين يكون فيها ثلاث بنات لبون، ثم تستقر الفريضة في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا بلغت مائة وثلاثين تصير أربعين أربعين وخمسين، وفيها بنتا لبون وحقة، فإذا صارت مائة وأربعين يصير فيها حقتان وبنت لبون، خمسون وخمسون وأربعون، كل خمسين فيها حقة، وكل أربعين فيها بنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، كل خمسين فيها حقة إلى مائة وستين فيكون فيها أربع بنات لبون، إلى مائتين، فإذا بلغت مائتين يأتي عند ذلك الذي يمكن أن يدفع أربع حقاق، أو يدفع خمس بنات لبون؛ لأنك إذا ضربت أربعين في خمس تصير مائتين، وإذا ضربت خمسين في أربعة تصير مائتين أيضاً، تتساوى، هذا الذي يسمونه في الحساب المضاعف المشترك البسيط، وهو أقل عدد ينقسم على عددين بدون باقي، يعني: أقل عدد ينقسم على أربعين وخمسين ولا يبقى شيء هو مائتان، إن شاء عمل كذا، وإن شاء عمل كذا، وهكذا بعد ذلك تستمر.
ثم بين عليه الصلاة والسلام إذا تباينت يعني: بأن كان الإنسان وجب عليه جذعة، ولكن ما عنده جذعة بل حقة، وكانت الجذعة هي التي تجب عليه؛ لأن إبله واحد وستون فأكثر، فيدفع الحقة ويدفع معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، وكذلك من وجبت عليه الحقة وليس عنده إلا بنت لبون فإنه يعطي بنت اللبون ومعها شاتان، أو يأخذ منه العامل الحقة ويعطيه الفرق؛ لأنه يجب عليه بنت لبون، أي: يأخذ منه الحد العالي ويعطيه الفرق، أو يأخذ منه الحد الأدنى ويعطي المتصدق الفرق، فإذا كان الواجب عليه بنت لبون وعنده حقة يأخذ الحقة ويعطيها المصدق؛ لأنه أخذ الحد الأعلى، وما عنده الحد الواجب، ولكن عنده الحد الذي دونه، فإنه يأخذ الحد الأدنى ويدفع المصدق للمالك شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، هذا إذا تباينت، أما إذا وجد السن المطلوب، فإنه يدفع بلا زيادة ولا نقصان، وليس معه شيء، وأما بالنسبة لبنت المخاض إذا وجدت فله أن يأخذ ابن لبون ذكراً، وليس معه شيء ولا يدفع شيئاً.
قوله: [(فيما دون خمس وعشرين من الإبل في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين، ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين، ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين، ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة)].
وهذا -كما قلت- هو أعلى وقص في زكاة الإبل، وهو الفرق بين النصابين؛ لأن من واحد وتسعين إلى مائة وعشرين ثلاثين، هذا أعلى شيء؛ لأن الذي مضى خمسة عشر أو عشر، والذي بعد كله على عشر؛ لأن كل خمسين فيها حقة، وكل أربعين فيها بنت لبون، فأعلى وقص هو هذا الوقص الذي يخرج فيه حقتان، وهو الذي يبدأ من واحد وتسعين، وينتهي بمائة وعشرين.
قوله: [فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين إن استيسرتا له، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وكان عنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده بنت لبون وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها].
يعني: هذا يرجع إلى الحد الأدنى؛ لأن الحد الأدنى الذي يجب فيه الزكاة هو خمس، وما نقص عن الخمس ليس فيه زكاة، فالأربع ما فيها زكاة؛ لأنها دون الخمس إلا أن يشاء ربها، كأن يقول: خذوا الزكاة ولو ما وجبت علي، أنا أريد أن أخرج شيئاً لله عز وجل، فهذا تؤخذ منه ولا يقال: لا نأخذ، فما دام أنه أخرج شيئاً غير واجب عليه وتبرع به فيقبل منه، ولو يتبرع بماله كله.

تفصيل زكاة الغنم

قوله: [(وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة)].هنا التنصيص بالسائمة؛ لأن الزكاة تجب في السائمة التي ترعى أكثر الحول، أما إذا كانت تعلف وينفق عليها صاحبها فهذه لا زكاة فيها إلا أن تكون معدة للتجارة، فتزكى زكاة عروض تجارة، فالحد الأدنى أربعون، فمن كان عنده تسع وثلاثون، هذه مثل الأربع من الإبل، فالأربع من الإبل لا زكاة فيها إلا أن يشاء المالك، وتسع وثلاثون ما فيها زكاة إلا أن يشاء المالك؛ لأن هذا دون النصاب، فإذا بلغ أربعين يبدأ يحسب الحول من اليوم الذي بلغت عنده أربعين، فإذا مضى الحول يخرج الزكاة، والزكاة هي شاة من الأربعين شاة، إلى مائة وعشرين ما فيها إلا شاة واحدة وهي ضعف الأربعين مرتين، فالذي عنده مائة وعشرون يؤخذ منه شاة، والذي عنده أربعون يؤخذ منه شاة، والذي عنده ثمانون يؤخذ منه شاة، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن زادت واحدة على مائة وعشرين فصارت مائة وواحدة وعشرين يصير فيها شاتان، تنتقل من شاة إلى شاتين عند مائة وعشرين.
قوله: [(فإذا زادت واحدة، ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة، ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة)].
من مائة وواحد وعشرين إلى مائتين ما فيها إلا شاتان، فإذا زادت واحدة على المائتين انتقل إلى ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة فإذا زادت ففي كل مائة شاة شاة، يعني: أنه من مائتين وواحد إلى أربعمائة؛ لأنها إذا زادت عن هذا المقدار ففي كل مائة شاة، فأربعمائة فيها أربع شياه، وخمسمائة فيها خمس شياه، وألف فيها عشر شياه، وألفان فيها عشرون شاة، وهكذا في كل مائة شاة، فأطول وقص في الغنم هو هذا من مائتين وواحد إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين، ثم يكون في كل مائة شاة، معناه: أربعمائة فيها أربع شياه، فهذا الوقص الطويل، ما قال: فإن زادت واحدة إلى ثلاثمائة ففيها أربع شياه، بل قال: في كل مائة شاة، ومن المعلوم أن العدد الذي يكون فيه أربع شياه هو الأربعمائة؛ لأن كل مائة فيها شاة، فأطول وقص هو من مائتين وواحد إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين، فإذا بلغت أربعمائة يكون فيها أربع شياه، وخمسمائة فيها خمس شياه، وستمائة ست شياه، وسبعمائة سبع شياه وهكذا ألف شاة فيها عشر شياه.

ما لا يؤخذ من الأنعام في الصدقة

قوله: [(ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المتصدق)].يقول: لا يؤخذ هرمة، ولا ذات عوار، لا يؤخذ هرمة وهي الكبيرة، ولا ذات عوار، وهي التي فيها عيب، يمكن أن يؤخذ من هذه إذا كانت كلها معيبة أو كلها هرمات؛ فإنه يؤخذ من جنسها، لكن كونه يؤخذ الرديء مع أن المال فيه جيد ورديء وفيه وسط فإنه لا يؤخذ الرديء، فإذا كانت هرمات أو كانت معيبة، فالزكاة منها، تكون من نفس المال، معيبة من معيبات، وهرمة من هرمات.
قوله: [(ولا تيس الغنم)]، تيس الغنم هو: الفحل الذي يطرقها لحاجة صاحب الغنم إليه.
[(إلا أن يشاء ربها)] أي: إذا أراد أن يخرجه فإنه يؤخذ منه، ولكن بموافقته، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار، ولا عيب، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المتصدق.

الأحكام المترتبة على الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع


قوله: [(ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)]، الاجتماع والافتراق يمكن أن يكون من المصدق ومن المتصدق، المتصدق هو المالك، والمصدق هو العامل، المتصدق يكون الجمع والتفريق منه حتى تقل الزكاة، والمصدق يفرق ويجمع حتى تكثر الزكاة؛ لأن الزكاة تكثر بالتفريق وبالتجميع بالنسبة للمالك والمصدق؛ لأنها تكثر وتقل، فمن جانب المالك قد يريد من وراء التفريق والتجميع أن تقل الصدقة، والعامل يريد من وراء التجميع والتفريق أن تكثر الصدقة، فالملاك إذا كانوا خلطاء مثلاً عندهم عدد من الغنم، كأن يكون شخصان لكل واحد منهما عشرون شاة، ويجمعونها، وترعى الحول راعيها واحد، وموردها واحد، وحضيرتها واحدة، مكان اجتماعها ومبيتها، فإذا جاء المصدق الذي هو العامل عزل كل واحد نصيبه على حده، فيكون لواحد عشرون، والآخر عشرون، ولا يكون هناك زكاة؛ لأنه ما بلغ النصاب، لكن بقاءها على ما هي عليه، وهي أربعون مجتمعة، وحال الحول وهي كذلك، فإنها تزكى زكاة المال الواحد؛ لأن الخلط يصير المالين كالمال الواحد.فهنا يحصل التفريق خشية الصدقة، من المالك أو الملاك، حتى لا تكثر عليهم، كأن يكون لكل واحد مثلاً مائة وواحدة، فيجمعونها، ثم إذا جاء المصدق فرقوها، فصار كل واحد عنده مائة وواحدة، فيكون كل واحد عليه شاة، ولو كانت مجتمعة يكون فيها ثلاث شياه؛ لأن مائتين وواحدة فيها ثلاث شياه، فلما استقل كل واحد بنصيبه وعزل نصيبه، لم يكن عليه إلا شاة واحدة، فهذا تفريق من أجل قلة الصدقة، وذاك تفريق من أجل عدم الصدقة، الذي هو أقل من النصاب؛ لأنها أربعون، كل واحد له عشرون، فليس فيه زكاة، لكن مائة وواحدة، ومائة وواحدة، فيها زكاة ولكنها قلت، بدل ما كان لازمهم ثلاثة شياه، صار يلزم كل واحد شاة؛ لأن المائة وواحدة فيها شاة واحدة، ومائة وواحدة فيها شاة واحدة، فيكون فيها شاتان عليهما جميعاً، فهذا تفريق من أجل قلة الصدقة، وعشرون وعشرون تفريق من أجل عدم الصدقة.
قوله: (لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة)، الجمع بين المتفرق بأن يكون خلطاء، يعني: كل واحد له أربعون، فإذا جمع بينها لم يلزم إلا شاة واحدة، فهم لو كانوا متفرقين يكون على كل واحد شاة، فلما اجتمعوا صارت عليهم شاة واحدة، فهنا جمع بين متفرق من أجل تقليل الصدقة، فهم كل واحد غنمه مستقلة، ثم لما جاء المصدق قالوا: إنهم شركاء خلطاء، فصارت مائة وعشرين لهم جميعاً، فهذا جمع بين متفرق، فيكون عليهم شاة واحدة، بدل ما يكون على كل واحد شاة، هذا تفريق وتجميع من الملاك، إما لأجل ذهاب الصدقة من أصلها، أو من أجل تقليلها، وعدم كثرتها حتى لا تكثر.
وأما العامل فهو يجمع بين متفرق بأن يكون واحد عنده عشرون، وواحد عنده عشرون، فيقول: أنتم خلطاء، ويجمعها ويقول: عليكم شاة، وكل واحد ليس عليه شيء، وغالباً أن التفريق والتجميع إنما هو من الملاك؛ لأنهم هم الذين تحصل منهم الخلطة، بخلاف العامل؛ فإن كونه يجعلهم شركاء، وما هم بشركاء أو العكس، لا يستقيم ولا يتم، لكنه قد يحصل ويكون عن طريق الظلم، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة؛ لأن الخلطة تصير زكاة المالين زكاة مال واحد بخلطهما وجمعهما.
قوله: [(وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)].
يعني: إذا كان مثلاً ثلاثة أشخاص كل واحد عنده أربعون، وصاروا خلطاء، وحال الحول وهم على خلطتهم، وجاء المصدق وأخذ شاة واحدة من غنم واحد منهم، فإن هذا الذي أخذت شاته يرجع إلى شريكيه بثلثي قيمة الشاة؛ لأن ثلث القيمة عليه، والثلثان على شريكيه، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، يعني: أن الزكاة بينهم على قدر مالهم، وقد يكون المال مختلفاً، كأن يكون لواحد ثمانون، وواحد له أربعون، فيكون واحد عليه ثلثا الشاة، وواحد عليه ثلث الشاة.
[(وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)]، سواء اتحد المقدار: مقدار نصيبيهما أو اختلف، فكل نصيبه من الزكاة على قدر نسبة ماله من بهيمة الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم، [(وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)]، يعني: عند أخذ الزكاة من واحد منهم، فهو يرجع إلى شريكه، أو إلى شركاه بمقدار نصيب ذلك الشريك، أو أنصباء أولئك الشركاء.

زكاة ما نقص عن النصاب إذا شاء رب المال ذلك

قوله: [(إذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)].[(فإذا كانت سائمة الرجل)]، الرجل هنا لا مفهوم له، فلا يعني أن الأنثى تختلف، ولكن لما كانت الأحكام غالباً تناط بالرجال، أتى التعبير بالرجال، وإلا فإن النساء أحكامهن أحكام الرجال، وهذا يأتي كثيراً في السنة: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)، وكذلك المرأة، (من وجد ماله عند رجل قد أفلس، فهو أحق به من الغرماء)، وكذلك المرأة، فإذا وجد المال عند امرأة قد أفلست فصاحب المال أحق به من الغرماء، فإذا كانت سائمة الرجل أو المرأة تقل عن أربعين شاة فإنه لا زكاة فيها؛ لأنه ما بلغت النصاب؛ لأن النصاب أربعون، فإذا قلت عن الأربعين ولو شاة واحدة، ولو حال عليها الحول، فإنه لا زكاة فيها، لكن من عنده تسعة وثلاثون في اليوم الذي تكمل فيه أربعين، إما بولادة واحدة منها، أو بإضافة واحدة من الخارج إليها، عند ذلك يبدأ يحسب الحول إذا كملت الأربعين، فإذا نقصت عن الأربعين فإنه لا زكاة، هذا بالنسبة للنصاب الأول الذي هو الحد الأدنى، لكن الأنصبة الثانية التي تأتي بعد الأول، هذه لا يشترط أن يحول الحول عليها؛ لأن نتاج السائمة وربح التجارة تبع للأصل، فلو أن واحداً عنده أربعون فحال عليها الحول، وتنامت وصارت مائة وعشرين، ثم قبل أن يأتي المصدق بيوم واحد ولدت واحدة فصارت مائة وواحداً وعشرين، فإنه يؤخذ منه شاتان؛ لأن السخلة تعد ولا تؤخذ، تعد في الأنصبة الثانية، أما النصاب الأول فإنه لا يحسب الحول إلا إذا جاء وإذا وجد، أما الأنصبة الثانية فإنه لا يحول الحول عليها، ما دام أن النصاب الأول موجود -وهو الأساس- فإن الأنصبة الثانية أو المقادير الأخرى التي بعد النصاب الأول لا يشترط أن يحول الحول عليها، بل نتاج السائمة تبع لأصلها، كما أن ربح التجارة تبع لأصله.
الإنسان إذا كان عنده مثلاً عشرة آلاف ريال، ثم لما حال الحول صارت عشرين ألف ريال، يزكي العشرين ألف ريال، يزكي الأصل والربح، رأس المال والربح؛ لأن الربح تبع للأصل، ونتاج السائمة تبع للأصل، فهنا يقول: إذا نقصت عن الأربعين السائمة شاة واحدة فلا زكاة فيها؛ لأنها ما بلغت النصاب.
قوله: [(إلا أن يشاء ربها)].
الذي عنده تسعة وثلاثون لو قال أنا سأخرج، بل لو قال: خذوها كلها فليأخذوها، ما دام أنه متصدق، وما دام أنه محسن، وما دام أنه متبرع وليس متقيداً بالواجب، وإنما يقول: أنا أريد أن أخرج لله، يؤخذ منه، وهو لا يجب عليه، لا يطالب به، مثل ما مر في الأربع من الإبل، فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها؛ لأن الخمس هي الحد الأدنى، فإذا أخرج عن ما دون الخمس بطوعه واختياره يؤخذ منه، والأربعون هي الحد الأدنى من الغنم، فإذا نقصت عن ذلك وأخرج صاحبها شيئاً مما عنده تبرعاً وتطوعاً، وليس أمراً واجباً، فإنه يقبل منه.

زكاة الفضة وإخراج زكاة ما دون النصاب منها إذا أراد المالك

قوله: [(وفي الرقة ربع العشر)].الرقة هي: الفضة، مقدار الزكاة فيها ربع العشر، يؤخذ من المال إذا بلغ نصاباً وأكثر، وحال عليه الحول، هذا مقدار زكاة الورق الذي هو الفضة، فيخرج جزء من أربعين جزءاً، وسهماً من أربعين سهماً.
[(فإن لم تكن إلا تسعين ومائة درهم فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)].
مر في الحديث: [(وليس فيما دون خمس أواق صدقة)]، والخمس أواق هي مائتان، وهنا مقدار بين التسعين والمائتين، هذا داخل تحت عموم قوله: [( ليس فيما دون خمس أوسق صدقة )]، وهذا الحديث يفيد أن مائة وتسعين ليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها، والمقدار الذي بين التسعين والمائتين ليس فيه شيء، فلماذا نص على أنه تسعون ولم يقل: مائة وتسع وتسعون؟ قالوا: لأن هذا هو آخر عقد تحت المائتين، وهي تذكر بالعقود، لكن لا يعني هذا أن ما بين العقدين ليس فيه شيء، ما بين العقدين فيه شيء، بل نص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: [( وليس فيما دون خمس أواق صدقة )]؛ لأن مائة وتسعاً وتسعين هي دون خمس أواق؛ لأن الأواق إذا كملت مائتين صارت خمس أواق، فإذاً ذكر المائة والتسعين لا مفهوم لها من حيث الزيادة، بمعنى: أن ما وراءها فيه زكاة؛ لأن حديث: [( ليس فيما دون خمس أواق صدقة )]، يدل على أن كل ما تحت المائتين لا زكاة فيه، ولكن ذكرت المائة والتسعون؛ لأنها عقد؛ لأن العقود هكذا: مائة وعشرة، مائة وعشرون، مائة وثلاثون، مائة وأربعون، هذه عقود؛ لأن العقد عشرة، فذكر آخر عقد تحت المائتين، وهو المائة والتسعون، فلا يعني أن ما زاد عليه يكون فيه زكاة، أي: بين التسعين والمائتين؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: [(ليس فيما دون خمس أواق صدقة )]، يدل على أنه لا شيء فيه.

تراجم رجال إسناد حديث: كتاب أبي بكر لعماله بفرائض الصدقة

قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[ حدثنا المظفر بن مدرك ].
هو المظفر بن مدرك ، أبو كامل، ثقة متقن، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي ، كذا الترمذي والنسائي.
[ حدثنا حماد بن سلمة ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
وقد ذكر هنا أنه أخذ الكتاب من [ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك]، وجاء في مسند إسحاق بن راهويه أنه قرأه عليه، ومعنى هذا أنه أخذ الكتاب وسمعه منه، وقد جاء في صحيح البخاري من طريق أخرى، ليس من طريق حماد بن سلمة، وإنما من طريق عبد الله بن المثنى الأنصاري عن ثمامة ، فصار له طريق أخرى، غير طريق حماد ، في صحيح البخاري في طريق عبد الله بن المثنى الأنصاري عن ثمامة بن عبد الله بن أنس فهي طريق أخرى، وثمامة صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث يكون من مسند أنس عن أبي بكر؛ لأن أنساً أخذ هذا الكتاب من أبي بكر، وأبو بكر قال: إنها الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فهو من مسند أبي بكر رضي الله عنه، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه هو عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة، ومشهور بكنيته: أبو بكر، وأبوه مشهور بكنيته: أبو قحافة، وهو خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وهو الخليفة الأول الذي قام بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قيام، وعمل على إرجاع المرتدين إلى ما كانوا عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومناقبه كثيرة جمة، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر أمره وفي آخر حياته وقبل أن يموت بخمس: ( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً )، فهي منقبة لا يدانيه فيها أحد، ولا يساويه فيها أحد؛ لأنها لم تكن، ولو كانت لأحد من الناس لكان الأحق بها والأولى بها أبا بكر، فهذا بيان لعظيم منزلته وعظيم شأنه، وأنه المقدم على غيره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #678  
قديم 11-07-2022, 07:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(394)

- (باب مانع زكاة الإبل) إلى (باب مانع زكاة البقر)

الإبل والبقر من الأنعام التي تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب المقرر شرعاً، شرط أن يكون مما يرعى في الفلوات، أما إذا كانت مما يعلف ليشرب لبنها، أو كانت مما يؤجر في نقل الأحمال فهذا لا زكاة فيه، وقد توعد مانع هذه الزكاة بأن تأتي أنعامه تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
مانع زكاة الإبل

شرح حديث: (تأتي الإبل على ربها على خير ما كانت إذا هي لم يعط فيها حقها تطؤها بأخفافها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مانع زكاة الإبلأخبرنا عمران بن بكار حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج، مما ذكر أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يحدث به قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( تأتي الإبل على ربها على خير ما كانت إذا هي لم يعط فيها حقها تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على ربها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، قال: ومن حقها أن تحلب على الماء، ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة ببعير يحمله على رقبته له رغاء، فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت، ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار ، فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت، قال: ويكون كنز أحدهم يوم القيامة شجاعاً أقرع يفر منه صاحبه ويطلبه: أنا كنزك، فلا يزال حتى يلقمه أصبعه ) ].
أورد النسائي: عقوبة مانع زكاة الإبل، يعني: عقوبته في الآخرة، وهي أنه يعذب بالإبل التي منع زكاتها، بحيث تأتي عليه وتطأه بأخفافها، كما جاء مبيناً في بعض الأحاديث التي مرت (إذا مر عليه آخرها رد عليه أولاها ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )[المعارج:4] حتى يقضى بين الناس)، يعني: أنه في الموقف، وفي عرصات القيامة يأتي كذلك ويعذب بها قبل أن يقضى بين الناس، وقبل أن ينتهي الحساب.
وكذلك الغنم الذي لا يؤدي زكاتها تأتي إليه وهي على أحسن حال وأوفر حال وتطأه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، وهذا فيه ذكر عقوبة مانع زكاة الإبل، ومانع زكاة الغنم، وأنه يعذب بها نفسها، حيث تأتي يوم القيامة وتطأه، والغنم تنطحه مع وطئها إياه بأظلافها.
قوله: [(ويكون كنز أحدهم يوم القيامة شجاعاً أقرع يفر منه صاحبه ويطلبه، أنا كنزك، فلا يزال حتى يلقمه أصبعه)].
ويكون كنز أحدهم -يعني: مانع الزكاة- يوم القيامة شجاعاً أقرع يلحقه ويتبعه، فلا يزال به حتى يلقمه أصبعه فيقضمه، ثم يأكله شيئاً فشيئاً كما جاء مبيناً في الروايات الأخرى، وأنه يعذب به يوم القيامة، فيكون شجاعاً أقرع، يعني: حية غليظة كبيرة، يعني: من أشد ما يكون وأغلظ ما يكون.
وذكر في أوله عن الغنم إذا لم يعط فيها حقها قال: (ومن حقها حلبها على الماء)، هذا الحق المندوب، وأما الحق الواجب فهو الذي بين في حديث أنس، وهو منها يعني: شاة، وكذلك الإبل منها أو من جنسٍ آخر.
قوله: [(ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت)]. يعني: كونه ظلم شيئاً، وكان ظلمه أن أخذ بعيراً، بأن يكون مثلاً العامل المصدق أخذ شيئاً لا يستحقه ظلماً، وقد مر في حديث معاذ: (وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، ومثل ذلك فيما إذا أخذه عن طريق سرقة، أو أخذه عن طريق غلول، أو أخذه بأي طريق غير مشروعة، فإنه يأتي به يحمله على ظهره يوم القيامة، أو على رقبته يوم القيامة، يعني: يعذب به، وتكون فضيحة له، وكذلك أيضاً الذي يظلم شيئاً من الأرض، فإنه يطوقه من سبع أراضين كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ظلم شبراً من الأرض طوقه من سبع أراضين )، يعني معناه: أنه يأتي به على رقبته يحمله؛ لأنه ظلمه، فهذا يدل على أن الظالم الذي يظلم بالشيء، فإنه يأتي به يوم القيامة يحمله، وتكون فضيحة له على رءوس الأشهاد، وهذا في الموقف.
قوله: [(ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت)].
وكذلك بالنسبة للغنم، يعني: كونه يأتي بشاة على رقبته لها يعار، يعني: ثغاء، فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيء قد بلغتك، يعني: بلغه أن الظلم ظلمات، وأنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ غير الحق، المصدق ليس له أن يأخذ غير الحق، وكذلك ليس لأحد أن يأخذ مال غيره إلا بطيب نفس منه، فإذا أخذه بغير طيب نفس منه فإنه ظلم يأتي به على رقبته يوم القيامة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا أملك لك شيئاً قد بلغت )، لا يعني هذا أنه لا يشفع لمثل هؤلاء؛ لأن هذا الكلام إنما هو في الموقف، وقبل أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، لكن إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، فإنه يشفع في أهل الكبائر ويخرجون من النار، فلا يعني قوله هنا: (لا أملك لك شيئاً قد بلغت)، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشفع لأهل المعاصي أو لأهل الذنوب وأهل الكبائر، بل هذا الكلام إنما هو في الموقف الذي يفتضح فيه الناس، ويظهر فيه الناس، ثم يكون الناس على هذه الحال حتى يقضى بين الناس، وينصرفون إلى منازلهم وأماكنهم، إما إلى الجنة وإما إلى النار.
ويدخل في هذا الموظف الذي يأخذ من المراجعين شيئاً ولا شك أن هذا ظلم، أقول: هذا ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وأخذ الموظف من المراجعين شيئاً هو من قبيل الرشوة ومن قبيل الظلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (تأتي الإبل على ربها على خير ما كانت إذا هي لم يعط فيها حقها تطؤها بأخفافها)

قوله: [ أخبرنا عمران بن بكار ].هو عمران بن بكار الموصلي الكلاعي الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا علي بن عياش ].
هو علي بن عياش الحمصي أيضاً، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا شعيب بن أبي حمزة الحمصي ].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبو الزناد ].
هو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، اشتهر بهذا اللقب الذي هو على صفة الكنية؛ لأن أبا الزناد هو لقب، وليس كنية له، وإنما لقب به تلقيباً، وكنيته غير هذه، فهو لقب على صورة الكنية، وهو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ مما حدثه عبد الرحمن الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، ولقبه الأعرج ، وقد اشتهر به، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سمع أبا هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلاً لأهلها ولحمولتهم


شرح حديث: (في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلا لأهلها ولحمولتهم.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون، لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا له أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم منها شيء )].
ثم أورد النسائي الترجمة وهي باب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلاً لأهلها أو كانت لحمولتهم، يعني: أن الإبل إذا كانت تستخدم وتستعمل؛ بأن يحملون عليها، ويشتغلون عليها بالحمل، أو بكونهم يسنون عليها، ويستخرجون الماء بواسطتها، فإن هذه لا زكاة فيها، وكذلك إذا كانت عندهم في البيت يعلفونها ويشربون ألبانها فإنه لا زكاة فيها.
أورد النسائي حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه الذي فيه: (في كل إبل سائمة من كل أربعين بنت لبون)، أخذه من مفهوم سائمة؛ لأن السائمة التي ترعى أكثر الحول، والتي لا يحتاج الناس إليها لحمولة، ولا يحتاج الناس إليها أيضاً لكونهم يبقونها عندهم يعلفونها ويشربون ألبانها، بل هي ترعى في الفلاة، فاستنبطه من كلمة سائمة، ومفهوم السائمة: هي التي لا يحتاج إليها للحمل؛ لأنها متروكة ترعى، وكذلك أيضاً تكون في الفلوات، وليست مثل التي تكون عند الناس في البيوت أو المنازل، ويشربون ألبانها، أو يستخدمونها في استنباط الماء واستخراج الماء، أو لحمل البضائع ونقلها من مكان إلى مكان، فإن هذه لا زكاة فيها.

تراجم رجال إسناد حديث: (في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون ...)

قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود في القدر، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[ حدثنا معتمر ].
هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده ].
هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة، ومثله أبوه وجده، يعني: كل هؤلاء الثلاثة أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة، بهز بن حكيم، وحكيم بن معاوية، ومعاوية بن حيدة.


زكاة البقر

شرح حديث: (... ومن البقر ثلاثين تبيعاً أو تبيعة ...)


قال المصنف رحمه الله: [باب زكاة البقرأخبرنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مفضل وهو ابن مهلهل عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن معاذ رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثه إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً، أو عدله معافر، ومن البقر من ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة )].
ثم أورد النسائي زكاة البقر، أي: مقدار زكاة البقر، ومقدار الأنصبة التي تكون للبقر في زكاتها، وأرد فيه حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن (وأمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً)، يعني: جزية؛ لأن اليهود كانوا في اليمن، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الزكاة منهم، أن يأخذ الجزية من كل حالم ديناراً، والحالم هو البالغ الذي بلغ سن البلوغ، سواء احتلم أو لم يحتلم، ما دام وصل إلى سن البلوغ فإنه يؤخذ منه دينار، أو عدله معافر، يعني: ما يماثل أو ما يقابل الدينار معافر، التي هي البرود، وهي لباس يلبس ويصنع ويعمل في اليمن، فيأخذ من كل حالم بالغ ديناراً، أو عدل ذلك الدينار معافر.
قوله: [ومن البقر من ثلاثين تبيعاً أو تبيعة].
ومن البقر من ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، وهذا هو النصاب، يعني: الحد الأدنى للبقر هو ثلاثين، فإذا نقصت عن ثلاثين لا زكاة فيها، فإذا بلغت ثلاثين يبدأ يحسب الحول، ويكون فيها تبيع أو تبيعة، وهو العجل الصغير الذي أكمل سنة واحدة ودخل في السنة الثانية، ويقال له: تبيع أو تبيعة؛ لأنه يتبع أمه، يعني: ما انفرد عنها واستقل عنها، بل هو تابع لها لصغره، سواء في ذلك الذكر أو الأنثى، يؤخذ منه هذا أو هذا، يؤخذ منه تبيع أو تبيعة.
قوله: [ومن كل أربعين مسنة].
ومن كل أربعين مسنة، يعني: إذا بلغت أربعين فإنه يكون فيها مسنة، والمسنة التي أكملت السنة الثانية ودخلت الثالثة، هذه هي المسنة، وتستقر الفريضة بذلك بأن يؤخذ من كل أربعين مسنة، ومن كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، وأطول وقص يكون في زكاة البقر هو من أربعين إلى تسعة وخمسين، يعني: هذا هو أطول وقص في زكاة البقر؛ لأنه بعد ذلك كل ثلاثين فيها تبيع، وكل أربعين فيها مسنة، في السبعين يكون فيها تبيع أو تبيعة ومسنة، والثمانين فيها مسنتان، والتسعين فيها ثلاثة تبابيع، والمائة يكون فيها تبيعان ومسنة وهكذا.
إذاً فأطول وقص في زكاة البقر، هو من أربعين الذي فيه مسنة إلى تسع وخمسين التي فيها مسنة واحدة، فإذا بلغت ستين يكون فيها تبيعان.
وقد عرفنا أن أطول وقت في زكاة الإبل هو من واحد وتسعين إلى مائة وعشرين، وأطول وقصٍ في زكاة الغنم من مائتين وواحد إلى أربعمائة.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #679  
قديم 11-07-2022, 07:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (... ومن البقر ثلاثين تبيعاً أو تبيعة ...)

قوله: [ أخبرنا محمد بن رافع ].هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وهو شيخ مسلم وقد أكثر من الرواية عنه، ومسلم مثله في النسب والبلد، فـمسلم قشيري نيسابوري، ومحمد بن رافع شيخه قشيري نيسابوري نسباً وبلداً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ حدثنا يحيى بن آدم ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا مفضل وهو ابن مهلهل ].
ثقة، أخرج له مسلم والنسائي وابن ماجه.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب له، وهو مشهور بهذا اللقب.
[ عن شقيق ].
هو شقيق بن سلمة الكوفي، كنيته أبو وائل، مشهور بكنيته ومشهور باسمه، يأتي أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته، وهو ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسروق ].
هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن معاذ ].
هو معاذ بن جبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد كبار الصحابة، وقد توفي سنة 18هـ في طاعون عمواس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (من كل أربعين بقرة ثنية ...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يعلى وهو ابن عبيد قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن مسروق والأعمش عن إبراهيم قالا: قال معاذ رضي الله عنه: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة ثنية، ومن كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر )].أورد النسائي حديث معاذ رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو أنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يأخذ من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين ثنية، والثنية هي: المسنة التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة، وهي التي تجزئ في الأضحية؛ لأن الذي يخرج زكاة في البقر الثنية هي أعلى شيء يخرج، وتجزئ في الأضحية، بخلاف الذي يخرج في الإبل، فإنه كله لا يجزئ في الأضحية؛ لأن الذي يجزئ ما تم خمس سنين، وكل الأنواع التي تخرج في الزكاة لا تصل إلى حد الثنية، الثنية التي أكملت سنتين ودخلت في الثالثة، وبنت المخاض التي أكملت سنة واحدة، واللبونة أكملت سنتين، والحقة أكملت ثلاثاً، والجذعة أكملت أربعاً، وكلها لا تجزئ في الأضحية، كلها أسنان دون ما يجزئ في الأضحية، لكن بالنسبة للبقر الذي يخرج منها الذي هو المسنة، الثنية، فتجزئ في الأضحية.
(ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر).
ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر، وقد مر.

تراجم رجال إسناد حديث: (... من كل أربعين بقرة ثنية ...) من طريق ثانية

قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان ].هو أحمد بن سليمان الرهاوي ، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا يعلى وهو ابن عبيد ].
يعلى هو ابن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو ابن عبيد الذي زادها النسائي أو من دون النسائي وليس التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى هذا، بل ينسب شيخه كما يريد.
[ حدثنا الأعمش عن شقيق عن مسروق والأعمش عن إبراهيم ].
عن الأعمش عن شقيق عن مسروق والأعمش عن إبراهيم، هؤلاء مروا في الإسناد الذي قبل هذا إلا إبراهيم، وهو ابن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا مما أرسله، وهذا يعتبر مما أرسله، ولكن الواسطة معروف أنه مسروق ؛ لأنه سيأتي أنه يروي الحديث نفسه عن مسروق ، فهذا من إرساله؛ لأن معاذ توفي سنة 18هـ، وهو لم يدرك معاذاً، فهو من قبيل المرسل، لكن عرفت الواسطة.
[ عن معاذ ].
وقد مر ذكره.

حديث: (من كل ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعة ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها


قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: ( لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر ) ].ثم أورد النسائي حديث معاذ من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [ أخبرنا أحمد بن حرب ].
صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا أبز معاوية ].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ ].
وقد مر ذكرهم، وهذا فيه بيان الواسطة بين إبراهيم وبين معاذ، وهو مسروق.

حديث: (... أن لا آخذ من البقر شيئاً حتى تبلغ ثلاثين ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسنادها


قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني سليمان الأعمش عن أبي وائل بن سلمة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئاً حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة ) ].ثم أورد النسائي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيه تفصيلاً وتفريقاً فيما يتعلق فيما دون الثلاثين، وأنه لا يأخذ منها شيئاً حتى تبلغ الثلاثين، يعني: لو كانت تسعة وعشرين فإنه لا يكون فيها زكاة، وهو مثلما تقدم في الطرق السابقة: يخرج تبيعاً أو تبيعة، وفي الأربعين مسنة.
قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور الطوسي ].
ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
[ حدثنا يعقوب ].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
هو إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة أيضاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ حدثني سليمان الأعمش ].
هنا ذكره باسمه ولقبه.
[ أبي وائل بن سلمة ].
يعني: ذكره هنا بكنيته ونسبته، وهو شقيق بن سلمة ، وقد مر ذكره.
[ عن معاذ بن جبل ].
وقد مر ذكره.


مانع زكاة البقر

شرح حديث: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها ...)

قال المصنف رحمه الله: [ باب مانع زكاة البقر أخبرنا واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا وقف لها يوم القيامة بقاع قرقر، تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها، وتنطحه ذات القرون بقرونها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن، قلنا: يا رسول الله! وماذا حقها؟ قال: إطراق فحلها، وإعارة دلوها، وحمل عليها في سبيل الله، ولا صاحب مال لا يؤدي حقه، إلا يخيل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه صاحبه وهو يتبعه، يقول له: هذا كنزك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لا بد له منه أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل)].
أورد النسائي عقوبة مانع زكاة البقر، أي: عقوبته في الآخرة، وقد أورد فيه حديث جابر رضي الله عنه (أنه ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة وقف لها بقاع قرقر تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها، وتنطحه ذات القرون بقرونها، ليس فيها يومئذٍ جماء ولا مكسورة القرن).
ليس فيها جماء، وهي التي لا قرون لها، ولا مكسورة القرن.
(قلنا: يا رسول الله! وماذا حقها؟ قال: إطراق فحلها).
إطراق فحلها، يعني: كون فحلها إذا احتيج إليه، فإنه يمكن من احتاج إليه من أجل أن يطرق دابته، وأن ينزو عليها. (وإعارة دلوها)، يعني: عندما يأتي الورد، يعني: إعارة الدلو لمن يحتاج إلى أن يخرج الماء لبقره أو غنمه أو إبله.
(وحمل عليها في سبيل الله).
وهذه الحقوق مستحبة، وأما الحق الواجب وفريضة الزكاة فهي المقادير التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي مرت بنا، سواء كان ذلك بالنسبة للإبل، أو بالنسبة للبقر، أو بالنسبة للغنم.
ثم قال: (ولا صاحب مال لا يؤدي حقه إلا يخيل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه صاحبه وهو يتبعه، يقول له: هذا كنزك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لا بد له منه أدخل يده في فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل).
ثم بين أنه ليس هناك صاحب مال لا يؤدي حقه إلا يخيل له، يعني: يمثل ويجعل على صورة خبيثة موحشة مخيفة، على صورة شجاع أقرع يتبعه، فإذا رأى أنه لا مفر فإنه يعطيه يده فيقضمها كما يقضم الفحل، الفحل يعني: هو الذكر، يعني: قوي الأسنان، فإنه يقضم الشيء الذي يصل إلى فمه.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها ...)

قوله: [ أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ]. ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن ابن فضيل ].
هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي جاء عنه الكلمة المشهورة وهو قوله: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان؛ لأنه قيل عنه: إنه تشيع، وهذا يدل على سلامته من التشيع؛ لأن كونه يدعو لـعثمان ويترحم على عثمان ويدعو على من لم يترحم عليه ليس هذا شأن الرافضة وشأن الشيعة الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذمونهم ويعيبونهم، فالذي يقول هذا الكلام بريء من هذه البدعة، وبريء من هذا السوء.
[ عن عبد الملك بن أبي سليمان ].
صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبي الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم.


الأسئلة

حكم زواج رجل مسلم بكتابية في بلاد كافرة

السؤال: رجل يعيش في دولة كافرة، هل يجوز له التزوج من نساء أهل الكتاب؟

الجواب: الزواج من نساء أهل الكتاب سائغ كما جاء به القرآن، لكن المسلمة أولى بأن يتزوج بها.

مقدار نصاب النقدين بالعملة الحالية

السؤال: مائتين درهم كم تساوي من الريال الموجود؟

الجواب: المائتا درهم التي هي النصاب هي تقدر بالريالات السعودية الفضة ستة وخمسون ريالاً من الفضة، وأما من الورق فقيمتها من الورق، يعني: ينظر قيمتها في السوق، يعني: قيمة الريال من الفضة من الورق، وسيكون ما يقابل ستة وخمسين هو النصاب من الورق، ومن الفضة كما قلت هو ستة وخمسين ريالاً سعودياً فضياً.

زكاة السائمة التي ترعى صباحاً ويضاف لها طعام وماء في المساء

السؤال: إذا كانت الماشية ترعى في الصباح حتى المساء، ولكنها إذا عادت في المساء أضع لها شعيراً وماء، فهل تعتبر سائمة فيها الزكاة؟

الجواب: والله إذا كان أن الغالب عليها الرعي، وكونهم يعطونها شيء، يعني: طبعاً هي كونها تذهب من الصباح إلى المساء أنها ترعى، فطبعاً فيها زكاة، أما إذا كانت الأرض مجدبة، وهي ليس فيها شيء، وإنما يخرجونها وتعود ويعلفونها، والعمدة على العلف، فإذا كان العمدة على العلف فليس فيها زكاة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #680  
قديم 11-07-2022, 07:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(395)

- (باب زكاة الغنم) إلى (باب إذا جاوز في الصدقة)


بين الشرع زكاة الغنم ومقدارها ورتب العقوبة على مانعها، وينبغي على آخذ الزكاة ألا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفرق، وينبغي على المزكي أن يزكي بأنعام سليمة ليس فيها عيب، وللإمام أن يدعو لصاحب الصدقة، وللمتصدق أن يزيد على صدقته برضاه.
زكاة الغنم

حديث كتاب أبي بكر في فرائض الصدقة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الغنمأخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي حدثنا شريح بن النعمان حدثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه، فيما دون خمس وعشرين من الإبل في خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستة وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمسة وسبعين، فإذا بلغت ستة وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده بنت لبون وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليست عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربعة من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا زادت واحدة ففي كل مائة شاة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيه شيء إلا أن يشاء ربها)].
يقول النسائي رحمه الله: باب زكاة الغنم، ومراده بذلك بيان التفصيل الذي جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد فيه حديث أبي بكر الصديق من طريق أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما الذي فيه كتابة فرائض الصدقة في الإبل والغنم، وكذلك في الرقة التي هي الفضة، وفي هذا الحديث تفصيل ما يتعلق بزكاة الإبل، وما يتعلق بزكاة الغنم، وقد مر هذا الحديث بطوله وبما فيه من التفصيل في باب زكاة الإبل من نفس الطريق إلا أنه من حديث أنس عن أبي بكر ، إلا أنه جاء من طريق أخرى عن الإمام النسائي رحمه الله.
وقد عرفنا ما يتعلق بهذا الحديث هناك عند الكلام على زكاة الإبل، ونذكر ما يتعلق بالإسناد الذي لم يأت من قبل.
قوله: [أخبرنا عبيد الله بن فضالة ].
هو عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا سريج بن النعمان ].
ثقة، يهم قليلاً، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا حماد بن سلمة ].
ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ].
صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[إن أبا بكر رضي الله عنه]
أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الصحابة على الإطلاق، وهو خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وهو صاحب الفضائل الجمة والمناقب الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


باب مانع زكاة الغنم

شرح حديث: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى زكاتها ...)


قال المصنف رحمه الله: [ باب مانع زكاة الغنمأخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها، إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها، كلما نفدت أخراها أعادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب مانع زكاة الغنم، أي: عقوبته في الآخرة، وقد أورد النسائي حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي فيه: (أنه ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم إلا إذا جاء يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، فتطؤه ذات القرون بقرونها، وذات الظلف بأظلافها، وتطؤه ذات الخف بأخفافها، حتى يقضى بين الناس)، ومعنى هذا أنه يعذب بها يوم القيامة، وقد مر الحديث وغيره فيما تقدم في بيان عقوبة مانع الزكاة من الإبل والبقر والغنم، وأنه يعذب بالشيء الذي كان يبخل به، أي: المال الذي كان يبخل بزكاته، يأتي ذلك المال على أوفر حال وأحسن حال، وعلى أسمن ما تكون تلك البهائم التي هي بهيمة الأنعام، فتطؤه ذات الأخفاف بأخفافها التي هي الإبل، وتطؤه ذات الظلف بأظلافها التي هي البقر والغنم، وتطؤه ذات القرون بقرونها التي هي البقر والغنم.


تراجم رجال إسناد حديث: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها ...)


قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[ عن وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب له اشتهر به.
[ عن المعرور بن سويد ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت في درس مضى أن مما ذكر في ترجمته: أنه كان عمره مائة وعشرين سنة، وكان أسود شعر الرأس واللحية.
[ عن أبي ذر ].
هو أبو ذر جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع

شرح حديث: (... ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع أخبرنا
هناد بن السري عن هشيم عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة أنه قال: ( أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته، فجلست إليه فسمعته يقول: إن في عهدي أن لا نأخذ راضع لبن، ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع، فأتاه رجل بناقة كوماء فقال: خذها، فأبى ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الجمع بين المتفرق والتفريق بين مجتمع، وقد أورد فيه حديث مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله لجباية الصدقات؛ لأنه هنا سويد بن غفلة هو ليس صحابياً، وإنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم إلى المدينة في اليوم الذي توفي فيه رسول الله بعد دفنه، بعدما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل إلى المدينة في ذلك اليوم، فلم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، وهو الذي يصلح أن يقال فيه: كاد أن يكون صحابياً.
وقد ذكر في ترجمة الصنابحي أنه قدم من اليمن يريد أن يلقى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشرف لصحبته، فلما كان في الجحفة وإذا ركب قدم من المدينة فالتقوا به، فأخبروه بأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن البارحة، أي: أنه كاد أن يصل، أو كاد أن يكون صحابياً؛ لأنه جاء ليكون صحابياً، فلما وصل إلى الجحفة وهي المكان الذي يقال له: رابغ، وقريباً من رابغ، جاءهم ركب من المدينة يخبرونهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي، وقالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، وسويد بن غفلة كذلك جاء في اليوم الذي دفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما دفن، فهو كاد أن يكون صحابياً، والحديث عن المصدق، يعني: صاحب الحديث، أو الذي يسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسويد بن غفلة لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدركه ولم يره، أدرك زمانه وكان مسلماً في حياته، ولكنه لم يلقه.
فهذا المصدق سمع سويد بن غفلة بعد أن جاء لأخذ الزكاة أنه يقول: إن في عهدي، يعني: العهد الذي عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم به، هذا العهد الذي عهد إليه به، والذي عهد إليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا يأخذ راضعاً، وفسر الراضع بأنه الذي يرضع، وهذا لصغره، وأخذه يكون فيه مضرة أو عدم فائدة للمساكين والفقراء؛ لأنه كونه يؤخذ الصغير الذي يرضع، يعني: معناه أنه يكون فيه نقص، وضرر في حق المساكين والضعفاء الذين لهم الزكاة، وفسر بأن راضع لبن، أي: ذات راضع، أي: التي هي ذات لبن يرضع أو ترضع، وهذا فيه إضرار بأصحاب الأموال من جهة أنهم يحتاجون إلى لبنها، ويحتاجون أيضاً إلى إرضاع ولدها، فأخذها يكون فيه إضرار بأصحاب الأموال، ففسر راضع لبن بأنه الذي يرضع، وفسر بأنه ذات راضع، وهي الدابة التي ترضع، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم، وفسر أيضاً بتفسير ثالث، وهو أن المراد به أنه لا يؤخذ زكاة المال الذي خصص للبن والذي يعلف من أجل دره ومن أجل لبنه، فيكون عند أهله يعلفونه ويشربون أو يقتاتون من لبنه، يعني: أنه لا زكاة في الذي يحتاج إليه أهله للبنه أو لحمولته أو ما إلى ذلك ويعلفونه، وكذلك إذا كان صغيراً لا يؤخذ زكاة؛ لأن فيه مضرة للفقراء ونقصاً في حق الفقراء، وإذا كانت ذات لبن فإن ذلك فيه مضرة لأصحاب الأموال؛ لأنه يفوت عليهم اللبن لأنفسهم ولأولاد البهائم.
قوله: (ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع)، هذا فيه: أن التفريق والتجميع يكون من المصدق، كما يكون أيضاً من المالك كما سبق أن عرفنا في حديث أنس الطويل، حديث أنس عن أبي بكر الذي مر في باب زكاة الإبل وفي باب زكاة الغنم، وفي آخره: ( ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية )، فذاك دال على هذه الترجمة التي عقدها المصنف هنا، ولكنه أتى هنا بهذا الحديث الذي فيه التنصيص على ذلك من العامل، وفيه أن العامل لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، يعني: من أجل الصدقة، بأن يجد أناساً مجتمعين، يعني: مشتركين خلطاء، ولكل واحد مثلاً، عشرين من الغنم، وعشرين من الغنم، فيجمع بينها من أجل أن يكون فيها شاة، أو يكون شخصان لكل واحد منهم مائة وواحد، فيكون على كل واحد شاة، فيجمع بينها فيكون فيها ثلاث شياه، يعني: لا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع.
قوله: [ فأتاه رجل بناقة كوماء وقال: خذها فأبى ].
يعني: أنها كوماء، يعني: أن الشحم عليها، وسنامها مرتفع، يعني: لسمنها، فأبى، ولعله امتنع أن يأخذها؛ لأنها زائدة على الحق، ومن المعلوم أن ذلك سائغ؛ لأنه جاء في الحديث: ( إلا أن يشاء )، إذا شاء الإنسان أن يعطي شيئاً أكثر مما يجب عليه لا بأس، بل من لا تجب عليه الزكاة أصلاً، إذا أخرج شيئاً من تلقاء نفسه، فإنه يؤخذ منه كما مر في الحديث، ومن كان عنده أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، ومن كان عنده تسع وثلاثون، ومن كان عنده أقل من أربعين شاة واحدة، أي: تسع وثلاثين فليس فيها زكاة إلا أن يشاء ربها، فإذا أعطى بطيبة نفس منه، فإنه يؤخذ منه، وهذا الصحابي الذي هو مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل هذه الناقة الكوماء، ولعله امتنع من ذلك لكونه ما عنده العلم لكونه إذا كان أعطى أكثر مما يستحق أو مما يجب عليه فإنه لا بأس بذلك، كما جاء موضحاً في حديث أنس، أو أنه امتنع من ذلك تورعاً وتعففاً من أن يأخذ شيئاً أكثر من المال أو من الحق الذي هو واجب.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع ...)

قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].هو هناد بن السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وقد عرفنا فيما مضى أن التدليس هو رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، أما الإرسال فهو رواية الراوي عن من لم يلقه، وسواء كان مدركاً عصره أو غير مدرك عصره وإذا كان غير مدرك عصره، فهو مرسل جلي، وإذا كان مدركاً عصره فهو المرسل الخفي.
والفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، وقيل له: خفي لأنه ممكن؛ لأنه معاصر له، لكن الواقع أنه ما حصل، لكن إذا كان لم يدرك عصره هذا جلي واضح؛ لأنه مثلاً هذا ولد بعد أن مات هذا، أو بينه وبينه مسافة طويلة، فهذا مرسل جلي، فـهشيم بن بشير الواسطي ثقة كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن هلال بن خباب ].
صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة:

استدراك على ما تم ترجمته لمظفر بن مدرك فيما سبق

وبالمناسبة؛ الشخص الذي مر بنا في الدرس الماضي وهو مظفر بن مدرك ، أبو كامل ، الذي في تهذيب الكمال: روى عنه أبو داود في التفرد حديثاً، يعني: حديثاً واحداً، والنسائي روى له حديثاً، ومعناه: أنه مقل، يعني: ليس له في كتب السنن إلا هذا الحديث الواحد عند النسائي، وليس له في كتاب التفرد لـأبي داود إلا حديثاً واحداً، وتهذيب التهذيب، والتقريب، يعني: الترمذي والنسائي، وفي خلاصة تهذيب الكمال: أبو داود والنسائي، لكن التفصيل والإيضاح والبيان هو في تهذيب الكمال، حيث نص على أن أبا داود روى له حديثاً في كتاب التفرد، والنسائي روى له حديثاً، ومعنى هذا أنه مقل، يعني معناه: أن المظفر ما يأتي لنا في سنن النسائي مرة أخرى، اللهم إلا أن يكون المزي قد وهم، يعني: وإلا فإنه جاء مرة واحدة، يعني: ما جاء قبلها، ولا يجيء بعدها، وإن كان قد جاء أو يجيء فإن ذلك يعتبر وهم؛ لأنه نص على أن أبا داود روى له حديثاً في التفرد، والنسائي روى له حديثاً.أبو عبد الله يقول: إنه في تهذيب الكمال هلال بن خباب نص على أنه أخرج له الأربعة، وهذه النسخة الباكستانية في تقريب التهذيب كذلك فيه الأربعة، هلال بن خباب الأربعة.
إذا كان المزي نص على الأربعة فهو المعتمد؛ لأنه ينص بالحروف، ويذكر بالأسماء لا بالحروف، يعني: ينص عليها بالأسماء فلان وفلان، أو الأربعة أو الجماعة، بخلاف هؤلاء فإنهم يرمزون، والرموز للأربعة والجماعة، بينها شيء من التشابه في الرسم.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 308.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 302.32 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]