20-01-2021, 03:49 AM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة :
|
|
شرك وشرك
شرك وشرك
الشيخ أبو الوفاء محمد درويش
أعرض عليك لونين من الشرك لتحكم بينهما بالحق، والظن بك لزوم الإنصاف ومجانبة الاعتساف.
أما أولهما: فشرك فريق من الناس معدودين من أهل التوحيد، إذا أصابهم مكروه أو مسهم ضر أو ضاقت عليهم حلقات الكرب، هتفوا بأسماء معبوديهم من سكان القبور من الأولياء والصالحين، ولم يخطر لهم خالقهم ببال. كأن هذه الأمور لا تحيط بها قدرته، وكأن هؤلاء الذين يدعون أبر بهم وأرحم من الله البر الرحيم. ولعلك صادفت كثيراً من هذا الفريق ولعل بين جيرانك وأولى قرباك من ينتظم في سمطهم، ولست أريد أن أخدعك عن نفسك، فكثير من المسلمين من هذا الطريق، ترى أحدهم إذا نـزلت به كربة أو ألم به مكروه، غفل عن ذكر ربه الغفلة كلها، وجأر إلى هؤلاء المقبورين يسألهم كشف الضر، وكأنهم يرون ذله وضراعته، وكأنهم قادرون على إغاثته وإنقاذه ودفع الضر عنه، وما هم من هذا كله في شيء. فلا يعلم الغيب إلا الله، ولا يجيب المضطر إذا دعاه ولا يكشف السوء إلا الله.
أما ثانيهما: فشرك فريق آخر من الناس يدعون معبوديهم في الرخاء، لا يعبدونهم لأنهم يرونهم أهلاً للعبادة، ولكن لأنهم يزعمون أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، وأنهم شفعاؤهم عند الله. حتى إذا جد الجد ونـزل الكرب وأحاط بهم المكروه، غفلوا عن ذكرهم ونسوا دعاءهم وأعرضوا عنهم، ودعوا الله مخلصين له الدين، أولئك هم مشركو العرب الذين توعدهم الله بالعذاب الأليم، والخلود في غمرات الجحيم.
يشهد لهذا قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً ﴾ [الإسراء: 67].
وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [يونس: 22-23].
وقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 40-41]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ * قُلْ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63-64].
يا قوم ألهمكم الله الرشد، ما لكم لا ترجعون إلى كتاب ربكم لتتدبروا آياته، ولتعتبروا بعظاته، ولتهتدوا بهداه؟
ما قص عليكم أحوال الجاهلية إلا لتعتبروا بها وتنتفعوا بقصصها، وتربأوا بأنفسكم عن التلوث بمثل حمأتها.
أفيليق بكم أن تنحدروا إلى درك أسفل من دركهم وتتورطوا في شرك شر من شركهم، وأنتم تدعون الإسلام، وتنسبون إلى ملة خير الأنام؟
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|