لست أعرف أَبنتي مريضة نفسيًّا أم منحرفة سلوكيا؟

[ابوالوليد المسلم]

لست أعرف أَبنتي مريضة نفسيًّا أم منحرفة سلوكيا؟
أ. عائشة الحكمي





السؤال



السلام عليكم ورحمة الله.

هذه استشارة ضرورية، وأريد أن يكون الرَّدُّ عليها سريعًا؛ وذلك للأهمية القصوى، والموضوع خاص بابنتي.






أوَّلاً: ابنتي عندها 18 سنة، وهي بنت وحيدة على 3 أبناء، وهي الثانية؛ ويوجد ولَدٌ أكبر منها، واثنان أصغر.






البنت منذ أنْ كانت في المرحلة الإعدادية تعوَّدَت على الكَذِب والخروج من المدرسة، والهروب؛ لتخرج مع أصحابها، والتَّنَزُّه، والفُسَح، بالإضافة إلى أنها تأخذ فلوس الدُّروس الخصوصية، وتذهب بها إلى (كنتاكي)، و(ماكدونالد)، وغيرهما، وكذلك بدأَتْ في سرقتنا، وأخْذ الذَّهب منِّي، وتكرَّرت المصائب منها، وحاولْنا بكلِّ الطرق إصلاحها دون فائدة، وذهبَتْ للثانوية، ونفس الأشياء تتكرَّر، وطبعًا رسبَتْ في الصف الثاني الثانوي، وأعادت السَّنة دون فائدة، وعملنا لها إعادة مسار، وأدخلناها مدرسة (الصنايع)، مع العلم أننا من بيت متديِّن؛ فأنا منتَقِبة، وكنتُ مرارًا آمُرها بالصَّلاة وقراءة القرآن؛ لعلَّ الله يهديها، وكانت بعض الأحيان تفعل، وأحيانًا تكذب وتقول لي: إنها صلَّت، ولم تصلِّ، نعم، أحيانًا تتحجَّج بالعذر الشرعي، وأنا أعلم جيِّدًا أنها تكذب.






ابنتي كلُّ مَن يجلس معها من قريب أو بعيد لا يلتمس فيها أيَّ شيء غير طبيعي؛ فهي مَرِحة ومتكلِّمة، ولا أحَد يصدِّق تصرُّفاتها، وأخيرًا وجدتُ أنها متعدِّدة العلاقات مع الشَّباب بالرغم من مراقبتها من بعيد.






المشكلة الكبرى أنها الآن كلَّما تَهرب تهرب مثلاً عند إحدى صديقاتها، وتقول لهم الحُجَج والمبرِّرات الكاذبة؛ طبعًا مثل أن أمَّها وأباها منفَصِلان، وكلاًّ منهما متزوِّج، ويُلقي بها للآخَر، فقرَّرَت الهروب، أو أبوها مات وأمها تزوَّجَت، وزوجُ أمِّها يريد أن يغتصبها، فقرَّرَت الهروب.. وهكذا تَخْتَلق القَصَص والحكايات التي ليس لها أساس من الصِّحة، فأنا وأبوها علاقتنا طبيعيَّة جدًّا وكأيِّ أسْرة لا تخلو أحيانًا من بعض المشكلات البسيطة في بعض الأوقات، ولكن البنت دائمًا تريد أن تخرج، تريد أن تتفسَّح، وبدأنا في تنفيذ رغباتها، كنَّا نُخرجها مع إحدى صديقاتها المعروفة بأخلاقها العالية، أو زميلاتها الموثوق فيهن، ولكن كانت تدَّعي فيهنَّ كلَّ العيوب، وتصاحب هي من على هواها من صديقات السوء، ولا يعجبها أننا نخرج كلَّ فترة أو مرَّة في الأسبوع مع بعض.






المهمُّ أنها أتعبَتْنا جدًّا، وفي كلِّ مرة تهرب كانت تَعُود من نفسها بعد عدَّة أيام أو تجعل أحدًا يتَّصل بنا؛ كَيْ نعرف مكانها، وعندما تعود للبيت كنَّا في البداية نضربها ونَحْبسها، ثم بعد ذلك نبدأ في التقرُّب منها؛ لمعرفة السَّبب، وكانت تَعِدني أنها لن تتكرَّر، وأنها ستحكي لي عن كلِّ شيء، وكنت أحيانًا أَدخل عليها أجدها تقرأ القرآن، أو تصلِّي، ثم تُفاجِئنا بهروبها في اليوم التالي، حتى الزَّواج، فكَّرنا أنْ نزوِّجها لو كانت تريد ذلك، بدلاً من علاقاتها، وتقَدَّم لها أحدُ الأقارب، فرفَضْتة بحجَّة أنها صغيرة، هذا غير أنها ممكن لو سمعتنا نتكلَّم في أيِّ شيء تبني القصص والرِّوايات على بعض هذه الكلمات.






أنا الآن أصبحتُ لا أعرف هل بنتي مريضة نفسيًّا، أم منحرفة السُّلوك؟ أرجو سرعة إفادتي؛ لأنِّي منهارة جدًّا، وأشعر أن ابنتي ضاعت منِّي بالفعل، مع العلم أنِّي أعمل، وكانت بعض الأحيان تقول لي: إنَّ عملي السبب، وعندما أقعد من عملي، وأجلس معها تدخل غرفتها وتغلق على نفسها، وبعد عدَّة أيام أو أسابيع أضطر إلى العودة للعمل؛ لأني أكتشف أنها لا تريدني في البيت، وكلامها عن عملي مجرَّد مبرِّر من المبرِّرات؛ فقد عمِلْتُ كلَّ شيء معها، وأخاف أنْ تَضِيع نهائيًّا ولا تعود إلى البيت ثانية.






أرجو الاهتمام وسرعة الردِّ؛ لإنقاذ أسرة بأكملها


الجواب





وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

"الكذب المرَضي"، و"السَّرقة"، و"الهُروب من المَنْزل" جميعها مؤشِّرات رئيسة لاضطراب السُّلوك "التصرُّف" Conduct Disorder، وهو مجموعة اضطرابات تظهر لدى الأطفال والمراهقين، تتميَّز بنمط متكرِّر من التصرُّف المستهين أو المتحدِّي للمجتمع.



يبدأ عادة في سنِّ الطُّفولة المبكِّرة، وتزيد نسبة حدوثه في الذُّكور أكثر من الإناث.



الأسباب:

لا يُعرف حتَّى الآن ما هو السَّبب الرئيس لظهور هذا الاضطراب، لكن يُعتقد بأنه يحدث نتيجةَ تفاعلِ عدَّة عوامل فرديَّة، وجِينيَّة، ووِرَاثية، وبيولوجية، ومادِّية، وبيئية، منها:



• أشارت بعض الدِّراسات النَّفسية إلى وجود علاقة ارتباطيَّة بين اضطراب السُّلوك وبعض العيوب أو الإصابات في مناطق معيَّنة من الدماغ، خصوصًا في الفصِّ الأمامي من الدماغ؛ أي: المنطقة المسؤولة عن التخطيط السَّليم لتجنُّب الضَّرر، والتعلُّم من الأخطاء.



• وُجِد ارتباط وثيقُ الصِّلة بين اضطراب السُّلوك وبين مجموعة من الاضطرابات العقلية، مثل: اضطراب ضعف الانتباه، واضطرابات التعلُّم، أو اضطرابات القلق والاكتئاب.



• تشير بعض الدِّراسات إلى وجود عامل وراثي قد يسبِّب ظهور هذا الاضطراب.



• تدنِّي المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة.



• الإهمال الوالدي، وسوء المعاملة في الطُّفولة والخبرات المؤْلِمة.



• الخلافات الزَّوجية والمشاكل الأُسَرية.



• مرض أحد الوالِدَين.



• إصابة أحد الوالدين باضطراب الشخصية المُعادِي للمجتمع.



• الضغوط الاجتماعية، كأنْ تُعامَل ابنتك بالرَّفض من قبل إحدى الصديقات على سبيل المثال.



• مزاجية الفرد.



العلاج:

يحتاج علاج هذا الاضطراب إلى فريق متعدِّد التخصُّصات؛ لأنَّه يمثِّل مجموعة من الاضطرابات السُّلوكية الناتجة عن تفاعل عدَّة أسباب مع بعضها البعض؛ ولذلك لا بدَّ من الصَّبر الجميل في علاج هذا النوع من الاضطراب؛ لأنَّ تغيير السُّلوك إلى الأفضل لن يتمَّ بسهولة وبسرعة، بل بصورة تدريجيَّة، وخلال وقت طويل نسبيًّا.



أولاً: العلاج الدَّوائي Pharmacotherapy: ويشمل استخدام أحد أنواع مضادَّات الذهان، ومضادات الاكتئاب، ومضادَّات القلق.



ثانيًا: العلاج الأُسَري Family Therapy: ويَهْدف إلى تحسين العلاقات الأُسَرية، وتعلُّم مهارات الاتِّصال والتفاعلات العائلية.



ثالثًا: خُطَّة لتعديل السلوك Behavior Modification: تتضمَّن تعليم ابنتك طرق التفكير الصحيحة لحلِّ مشكلاتها، وتعلُّم السلوك الملائم في التعامل، ومهارات الاتِّصال والإدارة والسَّيطرة على الاندفاعات ونحو ذلك.



وكلُّ هذا لا يمكن الحصول عليه باستشارة على الإنترنت، بل لا بدَّ من عرض ابنتك على طبيبة نفسيَّة في عيادة نفسية متقدِّمة؛ للحصول على الدَّعم المتكامل والشَّامل، مُتمنِّية لابنتك كلَّ الشِّفاء والهِدَاية والعافية.



أعانكِ الله ووفقكِ، وسامحيني كثيرًا على التَّأخير



دمتِ وابنَتُكِ بألف خير، ولا تنسيني من صالح دعائكِ