أسلوب التدرج في التلقين التربوي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854809 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389696 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-01-2021, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي أسلوب التدرج في التلقين التربوي

أسلوب التدرج في التلقين التربوي

- قراءة تحليلية في وصايا لقمان لابنه في القرآن -


عبدالمنعم نعيمي


أصل هذا المقال ورقةُ بحث كنت أنوي المشاركة بها في المؤتمر العلمي الدولي: "الأسرة المسلمة في ظلِّ التغيُّرات المعاصرة"؛ الذي نظَّمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بالتعاون مع الجامعة الأردنية في عمان الأردنِّ، في الفترة 28 - 30 جمادى الأولى 1434هـ، الموافق 9 - 11 أبريل (نيسان) 2013م، غير أنه لم يُكتب لي ذلك، فأحببت أن أنشر طرَفًا منها؛ لتعمَّ بها الفائدة.

إنه مشهد من المشاهد الأسريَّة التي خلَّدها القرآن الكريم، وهو مشهد محاورة لقمانَ العبدِ الصالح الحكيم لابنه في السورة التي تسمَّت باسمه: "سورة لقمان"؛ هي سورة مكية، عدد آياتها أربع وثلاثون آية، منها سبع آيات (من الآية 13 إلى الآية 19) تضمَّنت ذلك المشهد الأسريَّ البليغ الذي جمع لقمانَ الحكيم مع ابنه.

وقد عُرفت مضامينُ هذا المشهد التربوي عند أكثرِ أهل العلم "بوصايا لقمان"، وإن كنتُ شخصيًّا أرى تسميتَها أيضًا: "مواعظَ لقمان" من غير ترجيحٍ مُلزم، فلا منافاة بين التسميتين؛ لأنَّ المواعظ هي مضامينُ للوصايا، ودليلي قولُ الله تبارك وتعالى في مطلع مواعظ ووصايا لقمان الحكيم عليه السلام: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ [لقمان: 13]، والشاهد في الآية المذكورة قولُه تعالى: ﴿ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾؛ أيْ: ينصحه ويُوصيه.

إذًا هي مواعظُ من جهةِ ورود ما يُشير إليها في النص الصريح للقرآن الكريم، وهو الفعل: "يعظُ" في قوله تعالى المتقدِّم: ﴿ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾، أما من حيث المضامين الرِّسالية لهذه المواعظ، فهي وصايا أيضًا، بل إن لفظة "الوصية" لا تخلو من مدلولٍ عميق؛ من حيث إنها تتضمَّن طابعًا تنفيذيًّا ملزمًا لمتلقِّي الوصية والمُخاطَب بها (المُوصَى)، وكأن الوصايا واجبةُ التنفيذ في حق مُتلقِّيها؛ إنْ في حال حياة صاحب الوصية، أو في حال وفاته.

أمَّا عن صاحب هذه المواعظ والوصايا، فهو لقمانُ العبد الصالح الموصوفُ بالحكيم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ [لقمان: 12].

وعن معنى الحكمة قيل: هي: "الفقهُ في الإسلام، قال قتادةُ: ولم يكن نبيًّا، ولم يُوح إليه"[1]، وقيل في معناها: "الفَهم والعلم والتعبير"[2]، وقال مجاهدٌ وغيره: "الحكمة: الصواب"[3]، وفي قولٍ آخَر عنه: "القرآن"[4]، وفي قولٍ آخر عنه أيضًا: "الأمانة"[5].

ولقمانُ لم يكن نبيًّا يُوحى إليه، بل كان عبدًا صالحًا من غير نبوَّة أو رسالة في أصحِّ قولَي أكثر العلماء، آتاه الله تعالى الحكمة المتقدِّمَ معناها، كما نقل ذلك ابنُ كثير في "تفسيره"[6]، وانظر الخلافَ عند ابنِ جرير[7].

وقد ذكروا له أوصافًا خِلْقيَّة وأخرى خُلُقِيَّةً تُراجَع في مظانِّها[8].

ومع أن مشهدَ المحاوَرة الأسرية بين الوالد لقمان الحكيم وابنه لا يَبدو من ظاهره أن الابن كان محاورًا لأبيه، بقدرِ ما يبدو متأدِّبًا مُربًّى يُحسِن الاستماع والإنصات، فهو بحق كان مُصغيًا ومُستمعًا جيدًا، وفي المقابل كان فيه الوالد متكلِّمًا محنَّكًا، يُحسن الكلام وتخيُّر مضامينه ومواضعه، وأسلوبُه في توجيه الكلام لابنه ينمُّ عن درايةٍ بأصول التربية وأسلوبها الأمثل، إلا أنه في كلِّ الأحوال هو مشهد يشير إلى عدَّة نقاط، من أهمها:
1- أن الأسرة هي المرتَع الخصب والطبيعي، والميدان الأساسي الذي يحتضن الأبناء، ويرعاهم رعايتهم الأولى؛ ما يعني أن الأسرة هي أول موقفٍ تربوي يتلقَّى فيه الأبناءُ المفاتيح الأولى للتربية السليمة، وهذا يحسم جدليَّة التربية التي يثيرها البعض حول من يتحمَّل المسؤولية التربوية وتبِعاتها: الأسرة أم المدرسة أم المجتمع؟ من حيث إن دور الأسرة في التلقين التربويِّ هو الأساس والأصل، أما ما عداه من أدوار تربوية أخرى - دور المدرسة، ودور المجتمع - وإن تعيَّنَت واجبًا ملزمًا، إلا أنَّ دورها يبقى دورًا تكميليًّا.

2- أن الأب - وهو يُشير إلى الأم كذلك - مهندسُ العمليَّة التربوية، والمخطِّط لها، والمتابع الفعليُّ لتنفيذها، والمشرف على تحقيق غاياتها ومقاصدها، وهذا كله يجعل من الوالدينِ ملزَمين برعاية أبنائهما حقَّ الرعاية، مع التزام الأسلوب الأمثل للتربية.

3- أن التربية الإيمانية تأتي في المقام الأول عند بَدء العملية التربوية؛ فإصلاح العقيدة وتجريد التوحيد وتخليصه من نواقض الإيمان: مطلبٌ رئيسي يتعيَّن على المُربِّي مراعاته؛ فتعريف الابن بربِّه تبارك وتعالى وبدينه ونبيِّه، وما يتعيَّن عليه معرفته من أصول الإيمان هو الفِطرة الأولى التي يلزم الأبوين رعايتُها والمحافظة عليها؛ فالولدُ يُولد على هذه الفطرة النقيَّة، فأبواه يُوجِّهانه بعد ذلك وفقَ مقتضيات ومتطلَّبات هذه الفطرة، أو يُوجهانه وفق ما يتعارض مع هذه الفطرة ويُغيِّرها تغييرًا سلبيًّا متعسفًا لا يُرجى معه صلاحٌ في الدنيا، أو فلاح في الآخرة.

وصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ يقول: ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ؛ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ؛ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟!))، ثمَّ يقول أبو هريرة رضي الله عنه: واقْرؤُوا إن شئتم: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30][9].

4- أنَّ مواعظ لقمان ووصاياه تُؤصِّل للقيمة التربويَّة لحوار الآباء مع الأبناء، وقد أثبتَت الأبحاث والدراسات الحديثة أهمية الحوار كأسلوبٍ للتواصل مع الأبناء، وتلقينهم القيمَ التربويَّة عبر مختلِف مراحلهم العمريَّة، من المهمِّ تخصيصُ وقتٍ للأبناء؛ لمحاورتهم ومحادثتهم ومخاطبتهم بما يتناسب وأعمارهم، وقدراتهم على الفهم والاستيعاب والتجاوب.

5- دائمًا في سياق النقطة السابقة: إنَّ مَشاهد الحوار الذي أخذ فيه لقمانُ الحكيم عليه السلام زمامَه، وأشرف على إدارته؛ يُشير إلى أهميَّة الحوار في تنمية حسِّ التواصل لدى الأبناء؛ فالحوار وسيلة من وسائل الاتصال مع الأبناء، ووسيلة مُفيدة لترسيخ هذا الاتصال في شخصيتهم، ولا شك أن العملية التربوية في حاجةٍ إلى هذه الوسيلة الاتصالية لضمان نجاحها، ولقمان قد أوتي الحكمة وأُطْلِعَ على فنون التربية ووسائلها، وهذا شرط مهمٌّ تَحقُّقُه في المشرف على العملية التربوية، من المهم أن يستجمع أوصاف المُربِّي، وأن يُلمَّ بوسائل الاتصال التربوي، وفي مقدمتها الحوار.

وفي هذا الإطار يقول الدكتور سعد رياض: "تحتاج العملية التربوية إلى وسائل عدَّة للاتصال؛ فلا تربية ولا تعليم من غير اتِّصال، ولا اتصال فعَّال من غير حوار، ولا يكون الحوار ناجحًا إلا إذا كان قائمًا على علم تربوي، وفهمٍ لطبيعة من يُحاوَر، وما هي قدراته؟ ولذلك يحتاج الحوار الناجح إلى مَزيج من الخبرة والعلم والمعرفة..."[10].

6- أن الخطاب في مواعظ لقمان الحكيم ليس موجَّهًا إلى ابنه بعينه، وإن كان ظاهرُ النص يُوحي بذلك؛ إلا أن العبرةَ بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب؛ فمواعظ لقمان تَرسُم معالم وملامحَ مدارجِ التلقين التربوي للمُربِّين؛ هو أسلوبُ التدرج في التلقين التربويِّ الذي يحتاجه كلُّ قائم على أيَّة عملية تربوية في أيِّ مكان أو زمان، قال ابن كثير: "هذه وصايا نافعةٌ قد حكاها الله سبحانه عن لقمان الحكيم؛ ليمتثلها الناس ويقتدوا بها..."[11].

إذًا، إن الوصايا التربوية للقمان الحكيم تُساعد في تأصيل أسلوب التدرج التربوي؛ وهو أسلوب قرآني يتدرَّج بالمربي في مدارج المربِّين وفقًا لأسلوب تربويٍّ بديع؛ يتخيَّر فيه المربي المواضيعَ المناسبة، وينتقل من خلاله أُفقيًّا من موضوع إلى موضوع آخر من أول العمليَّة التربوية إلى حين الانتهاء منها.

ومن خلال هذا المقال أودُّ تسليط الضوء على أهم المضامين التربوية للوصايا التي ألقاها لقمانُ المُرَبِّي على مسمع ومرأًى من ابنه المُرَبَّى، مستعرضًا أسلوب التدرج في التلقين التربوي، من خلال تلك المضامين التربوية.




يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-01-2021, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسلوب التدرج في التلقين التربوي

أسلوب التدرج في التلقين التربوي

- قراءة تحليلية في وصايا لقمان لابنه في القرآن -


عبدالمنعم نعيمي

المضامين الكبرى لمواعظ لقمان ووصاياه:

1- ابتدأ لقمانُ الحكيم عليه السلام بقضية الإيمان، وما تتضمَّنه من توحيد الخالق جلَّ وعلا؛ فأوضحَ لابنه مسألةَ التوحيد ولزوم تجريده من شوائب الكفرِ والشرك: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

2- ثمَّ ذكَر الوالدين فأوصاه بهما خيرًا، ونعَت له ما يتعيَّن لهما من بذلِ واجب الشكر والطاعة والمصاحَبة بالمعروف، مع تنبيهه إلى فضل الأم وما عاينَته من آلام الحمل والمخاض، ومشاقِّ الرضاع، والعناية بتربية أولادها: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].

3- ثم إنَّ لقمان عليه السلام عاد ليؤكِّد لابنِه أهمية العقيدة وضرورة تخليصها من نواقض الإيمان؛ فإنَّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق الواحد الأحد المألوه (المعبود) بحقٍّ، والطاعة لا تكون إلا فيما يُرضي الله جلَّ وعلا.

وإن حضَّك والداك على أن تَعصي الخالق، فلا تُطِعهما أيضًا، مع الحرص على حُسن مصاحبتهما بالمعروف، ولا غَرو (شكَّ) في أنَّ بذل النُّصح لهما هو أيضًا من حُسن المصاحبة؛ قال الله جلَّ وعزَّ: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15].

4- ثم وجَّهه إلى الإنابة ولزوم اتباع سبيل أهلها، وذكَّره بأن الرُّجوع إلى الخالقِ والعرضَ عليه للحساب والجزاء سنَّتُه جلَّ وعزَّ في الخلق، وأن الآخرة هي دار الحساب، وما يقع فيها من بعثٍ ونشرٍ وعرض... ومشاهدَ أخرى من قضايا الإيمان السِّتِّ التي لا يَكتمل الإيمان إلا بها؛ (الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسلِه، واليوم الآخر، والقدَرِ خيره وشرِّه، حلوه ومُرِّه)؛ قال الله جلَّ وعزَّ: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].

5- إن لقمان بحكمته يُعيد في كلِّ مرَّة ربط ابنه بالقضيَّة الكبرى التي فيها صلاحُ العباد: قضيَّة الإيمان ومتطلباته، وقد فعل ذلك مرَّة أخرى في قوله تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾} [لقمان: 16]؛ يُريد الإيمانَ بأن الله تعالى عليمٌ وقد أحاط بكلِّ شيءٍ علمًا، لا يَعزُب عنه مثقالُ أيِّ شيء في السموات السبع والأرَضين، وهذه مسألةٌ من مسائل العقيدة المتعلقة بتوحيد الصِّفات والأسماء.

6- ثم أرشد لقمانُ عليه السلام ابنَه إلى عمادِ (عمودِ) الإسلام وهي الصلاة؛ إذ لا قيمة لأيَّة عملية تربوية للأبناء بعيدًا عن روحانيَّة الصلاة وما تتركُه من آثارٍ على نفس المُرَبَّى وسلوكِه، بل إن من مقاصدها تقويةَ الإيمان وتجديدَ الصِّلة برب الأرباب جلَّ وعلا، وهي القضية الأساسية المرعيَّة من العملية التربويَّة؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [لقمان: 17]، بل إن للصَّلاة قيمةً اجتماعية من حيث إن فيها تجديدًا للعلاقات الاجتماعية؛ لأنها سببٌ لحصول التلاقي بين أفراد المجتمع في الجُمَعِ والجماعات؛ (العيدين، الاستسقاء، الكسوف، التراويح...).

7- إذا تشبَّع الابن بالإيمان وخالطَ شغاف قلبه، ونَما وترعرع وتربَّى على أخلاق هذا الإيمان، وأصلح به قلبَه وروحه، وقوله وفعله؛ كان مَعْنِيًّا بعدها بإصلاح غيره، أَصْلِحْ نفسك ثم أصلح غيرك، الأقرب فالأقرب؛ لذا وجَّه لقمان عليه السلام ابنَه للدعوة إلى الله تعالى، والمساهمة في تهذيب المجتمع وإصلاح أحواله.

الدعوة إلى الله تعالى بتعريف الناس بالمعروف والأمر به، وإنكار المنكر والنهيِ عنه، كما قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [لقمان: 17]، ولخطورة أمر الدعوة؛ فقد أرشد لقمانُ عليه السلام ابنه إلى الصبر، والصبر ليس متعلِّقًا بمجال الدعوة فقط، بل إنَّ العبد أيضًا في حاجة إلى الصبر والجلَد؛ يُواجه بهما نوائب الحياة، وصروفَ الدهر؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].


8- أخيرًا أرشد لقمانُ الحكيم ابنه إلى قيمتين تربويتين غاية في الأهمية؛ تعزِّزان من حسِّ التواصل الاجتماعي عنده؛ أما القيمة التربويَّة الأولى، فهي التواضع، في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]؛ فالتواضع يورث التحابُب والتوادُد بين قلوب أناسيِّ الخلق؛ لأن المتواضع قريب إلى الخلق محبوبٌ لديهم، والله تعالى يقذف في قلوب الناس قَبولاً لعبده المتواضع.

وأما القيمة التربوية الثانية، فهي غضُّ الصوت وتحسينه وتقليل الكلام عند مخاطَبة الغير، في قوله تعالى: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]؛ فالمستمع في أيِّ موقف يتطلَّب الإعلام ويستلزم الاتِّصال؛ هو ميَّالٌ إلى الحرص على الاستماع والإنصات للخطاب والكلام.

بل إن الأمر بغضِّ الصوت وذمِّ قبيحه؛ يُشير إلى أثر الصوت من حيث الحدَّةُ والرِّقَّة والخشونة والرفع والعلوُّ... في استمالةِ أو تنفير قلوب المستمعين والمخاطَبين، إن خَفض الصوت وما يتطلَّبه من تجميل وتحسين وتزيينٍ - من حيث معانيه ومبانيه - أحدُ أهمِّ وسائل الاتصال الذكيَّة عند مخاطبة الجماهير والأفراد، وضمان حصول تواصل إيجابي من جهة المتلقِّي (المتلقِّين)، ووصول المضامين الرِّسالية من خلال الوسيلة الاتصالية الصحيحة.

وتأسيسًا على ما تقدَّم، يتضح أن المُرَبِّي معنيٌّ في بداية العملية التربوية برعاية المُرَبَّى إيمانيًّا، بل إنه معنيٌّ أيضًا بأن يَستصحب معانيَ التربية الإيمانية وقِيَمَها طيلة العملية التربويَّة، وهو ما فعلَه لقمان الحكيم وحرَص عليه.

وهنا يتعيَّن لزاًما على المُرَبِّي أن يرتقي بالمُرَبَّى؛ فيُعرِّفه والدَيه كأهمِّ قيمة اجتماعيَّة يجب عليه رعايتها واحترامها، قبل أيَّة قيمة أخرى من قيم المجتمع التي تتطلَّبها العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، أو حتى بين المجتمعات المختلفة في إطار مُجتمعيٍّ واحد، وإن بعدَت المسافات والمساحات، وفق مُقتضيات ومتطلَّبات العولمة الإعلاميَّة والاتصالية.

بل إنَّ للارتقاء بالتعامل مع الوالدين وتحسينِ الاتصال بهما قيمةً إيمانية تجد لها موقعًا ضمن قضية وجوب طاعة الله تعالى، والتزام أمره بطاعة الوالدين، والإحسان إليهما، حتى في حالة ابتعاد الوالدين واعتسافهما عن طاعة المولى تبارك وتعالى في أمرهما ونهيهما، يتعيَّن لزامًا على الأبناء الإحسانُ إليهما ومُصاحبتهما بالمعروف وبذل النَّصيحة لهما، وحسابهما على الله تعالى.

ثمَّ الاعتناء بأمر العبادة، وفي مقدِّمتها الصلاة، وتعريف أحكامها للأبناء؛ لِما لها من قيمة إيمانيَّة تزكو معها الروحُ وتصفو من رانِ الشهوات ودَرَنِ الشُّبهات، ولما فيها أيضًا من قيمة اجتماعيَّة يرتقي فيها الأبناءُ بسلوكهم الاجتماعي وتحسين أدائهم الاتصاليِّ الاجتماعي والمُجتمعي داخل الأسرة والمجتمع.

تدريب الأبناء وتمرينهم وفقًا للعمليَّة التربوية الإيمانية والاجتماعية والتعليمية كذلك - يفتقر إلى قيمة تربوية أخرى؛ لترسيخ مفاهيم التربية المكتسَبة قبلاً؛ إنه: الصَّبر وما يتطلَّبه من فروق نفسيَّة، وقدرات تُكتسَب بالرعاية الحسنة، والتربية الجادة.

وقد علم لقمانُ الحكيم أن الصبر عامل من عوامل النجاح في حياة الفرد والمجتمع؛ سيَّما في إطار ممارسة العملية الإصلاحية الدَّعَوية وما تتضمَّنه من أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر.

ومنهج لقمان في التربية يُؤصِّل لعملية الإصلاح الذاتي قبل عملية الإصلاح المجتمعيِّ كدائرةٍ أوسع، وضرورةِ بناء القدوة الصحيحة، ومُراعاتها عند الدعوة والإصلاح بمختلِف خطاباته وملامحه، وعناوينه ومضامينه ومواقفه، فيفترض في المُصْلِحِ أن يكون أَصْلَحَ من المُخاطَبِ بعملية الإصلاح؛ حتى يكون له نعم القدوة والأسوة.

إن لقمان الحكيم يدعو من خلال وصاياه ومواعظه إلى إصلاح الفرد قبل الجماعة، إلى إصلاح الأسرة؛ (في إشارةٍ إلى الخطاب الأُسري مع ابنه) قبل المجتمع (في إشارةٍ إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

هذا، وفي آخِر وصاياه، أضاف لنا لقمانُ الحكيم قيمتَين تربويتين لنجاح العملية التربوية، ودعم الارتقاء بشخصية المُربَّى وتحسينها داخل المجتمع: إنها قيمة التواضع، وقيمة تحسين الكلام عند المخاطَبة والمحاورة والمُقاولة؛ فيكون المُربَّى مُتواضعًا، فتعلو منزلته بين الناس، وتزداد قيمته في أعينهم، ويكون مِقوالاً في مُخاطبة الناس ومعاملتهم، بعيدًا عن كلام الغوغاء والسُّوقة، فترتقي علاقات الناس وتعاملاتهم عن سفاسف القول ودونية الفعل.


[1] انظر: أبو الفداء إسماعيل ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر، حققه وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه: د/ أبو آلاء كمال علي علي الجمل، ط 1، 1419هـ - 1998م، 3/ 536، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: جامع البيان، عن تأويل آي القرآن، تحقيق: د/ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجَر، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، بيروت، لبنان، ط 1، 1422هـ - 2000م، 18/ 546.

[2] انظر: ابن كثير: المرجع السابق، 3/ 536.

[3] انظر: ابن جرير الطبري: مرجع سابق، 18/ 546.

[4] انظر: ابن جرير الطبري: المرجع نفسه، 18/ 548.

[5] انظر: ابن جرير الطبري: المرجع نفسه، 18/ 529.

[6] انظر: ابن كثير: مرجع سابق، 3/ 535.

[7] انظر: ابن جرير الطبري: مرجع سابق، 18/ 546-549.

[8] انظر: ابن جرير الطبري: المرجع نفسه، 18/ 546-548، ابن كثير: مرجع سابق، 3/ 535-536.

[9] رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم الحديث 1385، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط 4، 1420 هـ-2000، 1/ 410 ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، رقم الحديث 2658، 2/ 1226-1227 من طريق أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.

[10] انظر: د/ سعد رياض: فن الحوار مع الأبناء، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، ط 1، 1428 هـ - 2007 م، ص 9.

[11] انظر: ابن كثير: المرجع السابق، 3/ 538.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.77 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]