مع (مناهج النقد الأدبي الحديث: رؤية إسلامية) للدكتور وليد قصاب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-10-2022, 10:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي مع (مناهج النقد الأدبي الحديث: رؤية إسلامية) للدكتور وليد قصاب

مع (مناهج النقد الأدبي الحديث: رؤية إسلامية) للدكتور وليد قصاب
بهجت الرشيد






والكلام عن الحداثة ذو شجون..
أصالة ومعاصرة..قديم وحديث..جدل لف بذراعه الساحة الأدبية والدينية أيضًا، وباتت قضايا الأدب والفن داخل هذا الجدل منفلتة إلى حدٍّ كبيرٍ من توازنها وانضباطها؛ لأن أصحابها الذين رجَوْنا منهم ضبطها وموازنتها وتحريكها من عمق ماضينا بما ينسجم مع ديننا وقيمنا وتراثنا، وبما يلبي حاجاتنا ويعبر عن آمالنا - أصبحوا ببغاوات لا تجيد سوى دخول جُحْر الضبِّ!

ومرةً أخرى نقع فريسة شباك المستورد!
أوهمونا بأن ذلك المستورد أمر حتمي مفروض علينا، وأن طريق إبداعنا وتقدمنا وتطورنا يمر من خلاله فقط، دون الالتفاف والاهتمام بالفرق التاريخي والثقافي والديني بيننا وبين الغرب؛ فأوربا عندما بدأت تتخلص من براثن الكنيسة وقبضة السلطة الثيوقراطية كانت تحيك لنفسها ثوبًا يليق بها ومن مقاسها، فتحركت صوب أهدافها التي تحقق حاجتها وذاتها، ثم بدأت تتطور على هذا النسق..

فما بالنا نحن إذ نحشر في أجسادنا ذلك الثوب الغريب، ونزهد في أناقة الثوب الذي حِيكَ عند خيَّاطنا المسلم العربي!

يقول شيخنا العلامة محمود شاكر رحمه الله، موضحًا معنى التجديد الحقيقي المثمر، لا ذاك المستورد المدمر: ("الجديد" و"التجديد" لا يمكن أن يكون مفهومًا ذا معنى إلا أن ينشأ نشأة طبيعية من داخل ثقافة متكاملة متماسكة حية في أنفس أهلها،ثم لا يأتي التجديد إلا من متمكن النشأة في ثقافته، متمكن في لسانه ولغته، متذوقٍ لِما هو ناشئ فيه من آداب وفنون وتاريخ، مغروس تاريخه في تاريخها وفي عقائدها، في زمان قوتها وضعفها، ومع المتحدر إليه من خيرها وشرها، محسًّا بذلك كله إحساسًا خاليًا من الشوائب،ثم لا يكون "التجديد" تجديدًا إلا من حوارٍ ذكي بين التفاصيل الكثيرة المتشابكة المعقدة التي تنطوي عليها هذه الثقافة، وبين رؤية جديدة نافذة، حين يلُوح للمجدد طريق آخر يمكن سلوكه، من خلاله يستطيع أن يقطع تشابكًا ليصله من ناحية أخرى وصلًا يجعله أكثر استقامة ووضوحًا، وأن يحل عقدةً من طَرَف، ليربطها من طرَفٍ آخرَ ربطًا يزيدها قوةً ومتانة وسلاسة.

فالتجديد إذًا حركة دائبة في داخل ثقافة متكاملة، يتولاها الذين يتحركون في داخلها كاملة حركة دائبة، عمادها الخِبرة والتذوق والإحساس المرهف بالخطر، عند الإقدام على القطع والوصل، وعند التهجم على الحل والربط،فإذا فقد هذا كله، كان القطع والحل سلاحًا قاتلًا مدمرًا للأمة وثقافتها، وينتهي الأمر بأجيالها إلى الحيرة والتفكك والضياع؛ إذ يورث كل جيلٍ منها جيلًا بعده ما يكون به أشد منه حيرةً وتفككًا وضياعًا)[1].

لقد أضرمت أوربا النار؛ فانتقل دُخَانها ورمادها إلينا خانقًا أجواءنا، مضيقًا أنفاسنا، مغشيًا أبصارنا وبصائرنا.

نعم..هذه هي مشكلة الحداثة في عالمنا العربي..إنها حداثة..نعم..ولكنها ليست عربية على أية حال..لم تنشأ في تربتنا، ولم تُسْقَ من مائنا، ولا تنشَّقت هواءنا..

يقول الدكتور عبدالعزيز حمودة: (حاول الحداثيون العرب منذ أوائل السبعينيات مباشرة، أي في السنوات التي تلَتِ النكسة وسقوط الحُلم العربي، تقديم نسخة عربية لحداثة تتعامل مع واقع الحضارة الغربية)[2].

والحداثة التي نريدها هنا ليست هي - كما يتوهم البعض - مدرسة أدبية في الكتابة والشعر والقصة والنقد فحسب، وليست خروجًا عن قوالب أدبية وفنية واستبدالها بأخرى فقط..كلا..إنما هي ذلك الشيء الأعمق والأوغل والأخطر، الذي يريد صياغة حياتنا صياغة غربية غريبة؛ فهي منهج شمولي، ونظرة شمولية لله والكون والإنسان..وما الأدب والفن إلا غطاء يتستر به ذلك المنهج، ويتذرع به للوصول إلى غاياته ومقاصده..

يقول غالي شكري: (مفهوم الحداثة عند شعرائنا الجدد مفهوم حضاري أولًا، هو تصور جديد للكون والإنسان والمجتمع...فلا يكون الشاعر معاصرًا بمجرد أن يصف الصاروخ أو التلفزيون أو عظمة الاشتراكية، مثل هذا الشاعر بالنسبة للمفهوم الحديث للشعر هو رجعي عظيم الرجعية...الشعر الحديث موقف من الكون كله؛ لهذا كان موضوعه الوحيد "وضع الإنسان في هذا الوجود")[3].

ويقول سعيد السريحي: (للحداثة مفهوم شمولي، هو أوسع مما منح لنا ومما ارتضينا لأنفسنا؛ ذلك أن الحداثة نظرة للعالم أوسع من أن تؤطر بقالب للشعر، وآخر للقصة، وثالث للنقد، إنها النظرة التي تمسك الحياة من كتفيها، تهزها هزًّا، وتمنحها هذا البُعد الجديد)[4].

من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي بين أيدينا: (مناهج النقد الأدبي الحديث "رؤية إسلامية") للدكتور وليد قصاب، في معالجة مدارس ومناهج النقد الأدبي الحديث، وكشف خباياها ومقاصدها، والكتاب رافد يصب مع الروافد الأخرى، كثلاثية الدكتور عبدالعزيز حمودة (المرايا المقعرة - المرايا المحدبة - الخروج من التيه)، في مشروع واحدٍ، يكشِف الخطر، ويتبنى بناءَ نقد عربي إسلامي؛ للتخلُّص من القبضة الغربية التي تريد ضرب الثوابت والقيَم..

والدكتور وليد قصاب ناقد ملتزم، ينطلق من هُويته الإسلامية في دراسة تلك المدارس، والحكم عليها قبولًا لِما يمكن أن يقبل، ورفضًا لما يستحق الرفض..يقول: (كل فكر يأتينا، وكل هبَّة ثقافة تهُبُّ علينا، ينبغي أن تدخل في مِصفاة الهُوية، وهي مِصفاة العقيدة؛ فكرًا، وذوقًا، وفنًّا، ولغةً؛ لتفرز لنا ما يؤخذ وما يترك، وما يصطفى وما يُنبَذ).

غَيُور على التراث العربي والإسلامي، دبج كتابه بأسلوبه السهل السلِس الممتع، أسلوب قادر على تقديم التعقيد الذي يكتنف تلك النظريات النقدية بأسلوب بسيط، وأكثر قربًا من فهمِ ووعي المتلقِّي..

أما الكتاب فإنه يعالج بمجموعه (مقدمة وثلاثة أبوابٍ وخاتمة) نوعين من المناهج النقدية الحديثة التي ظهرت ونشأت في الغرب، النوع الأول: هو المناهج النقدية التي ينظر إليها على أنها تقليدية قديمة، والآخر: هو الحداثية وما بعد الحداثية، التي جاءت ثورة على القديمة ونقضًا لها..

المقدمة:
يبدأ المؤلف كتابه بمقدمة وضع فيها تصوُّره ورأيه بشكلٍ عامٍّ عن تلك المناهج النقدية، وأصَّل فيها رؤيته الإسلامية قائلًا بأن: (الكلمة في المنظور الإسلامي - شأنها شأن مخلوقات الله جميعًا - لم تُخلَقْ عبثًا، ولا تكمن قيمة اللفظ في حد ذاته، مهما كان هذا اللفظ جميل الإيقاع، رشيق الجرس، باهرًا مدهشًا، ولكنها تكمن فيه وفي مدلوله أيضًا).

ومن ثم يدعو إلى تبنِّي نقد عربي إسلامي متحرر من الفكر الغربي، يأخذ مِن كل ما هو متاح، من قديم وحديث، ومن عرب وفرنجة، لكن ليس أخذًا لكل هب ودب، وصاح وقب، بل أخذًا واعيًا من غير الوقوع في شباك التقليد الأعمى..

الباب الأول:
يتناول هذا الباب (المناهج النقدية التقليدية)، بتمهيدٍ عرض فيه المؤلف معنى المنهج الأدبي وارتباطه بخلفيات فكرية وأيديولوجية، وبيَّن فيه أن المنهج ينبع في الأساس من تصورات عقدية للكون والحياة والإنسان، وأن المنهج في أصله هو (طريقة في التعامل مع النص تعاملًا يقوم على أسسٍ ذات أبعاد فكرية وفلسفية).

وفي ذلك يقول تيري إيغلتون: (إن تاريخ النظرية الأدبية الحديثة جزء من التاريخ السياسي والأيديولوجي لحقبتنا...والنظرية الأدبية مرتبطة بالقناعات السياسية والقيم والأيديولوجية على نحو لا يقبل الانفصال).

بعد التمهيد يأتي الفصل الأول الذي تناول (المنهج التاريخي في النقد)، والذي يعرفه المؤلف (بأنه المنهج الذي يتخذ من حوادث التاريخ السياسي والاجتماعي وسيلةً لفهم الأدب ودرسِه وتحليل ظواهره المختلفة).

ثم يبسط الكلام في المنطلقات الفكرية لهذا المنهج وملامحه، ثم نقده، وذلك بعرض الجوانب الإيجابية له، ومدى أهميته في فهم النص الأدبي، ثم بعرض المآخذ عليه، من قلة اهتمامه بالنص الأدبي من داخله، وطغيان الجانب التاريخي على الأدبي، وإهماله كثيرًا من الأدباء والعلماء الذين لم يكن لهم حضور اجتماعي وسياسي، أو لم يرتبطوا بالسلاطين ومراكز صُنع القرار.

أما الفصل الثاني فتناول (المنهج الاجتماعي في النقد)، وهو منهج يتداخل مع المنهج التاريخي، حتى إن بعض الدارسين لا يميز بينهما أصلًا، والذين فرقوا بينهما قالوا: إن الدرس الأدبي إذا تناول النصوص القديمة كان تاريخيًّا، وإذا توجَّه إلى درس النصوص الحديثة كان نقدًا اجتماعيًّا.

ثم يبسط الكلام في منطلقات هذا المنهج وملامحه، ثم نقده، وذلك بعرض الجوانب الإيجابية، كون الأدب تعبيرًا عن الحياة والمجتمع والناس، والأديب لسان مجتمعه، والمصوِّر لهمومه ومشكلاته، ووقوف هذا المنهج في وجه تيار (الفن للفن)..ثم عرض المآخذ عليه، منها نفس المآخذ على المنهج التاريخي، إضافة إلى إسراف الماركسيين في أخذهم هذا المنهج، حتى صاروا لا يعتدُّون بأي أدب لا يصدر عن الرؤية الماركسية للأدب، التي عُرِفت بـ: (الواقعية الاشتراكية).

وهنا يُسقط المؤلف أقنعة الكذب والتزييف والتدليس في فصل الأدب عن وعائِه التاريخي والاجتماعي فصلًا تامًّا، وأن الأدب ليس إلا للأدب، والفن ليس إلا للفن، ولا شيء غير ذلك، في تسويغٍ صارخٍ لتلك العبثية والثرثرة الفارغة التي لا طائل تحتها، والتي أدت في أحسن حالاته إلى فوضوية المعنى، وفي أسوء حالاته إلى اللامعنى!

يأتي الفصل الثالث متناولًا (المنهج النفسي في النقد)، وهو أطول فصلٍ في هذا الباب؛ حيث أسهب المؤلف في الحديث عنه، وبيان جوانبه، فتكلَّم عن مجالاته، وعملية الإبداع الفني، ومناطق النفس البشرية (الأنا - الأنا العليا - الهو أو الهي)، وعقد الغريزة الجنسية التي اعتمدها فرويد (عقدة أوديب وعقدة إلكترا)، والنص، وسيرة المؤلف، والنص، والمتلقي، ثم عرض أبرز الآراء النقدية للمنهج النقدي، ثم نقد هذا المنهج من حيث الإيجابيات، والمآخذ التي منها أن بعض آراء علم النفس هي افتراضات لا ترقى إلى مستوى الحقائق، وأن هذا النقد تحوَّل - أو كاد - إلى تحليل نفسي، مما أدى إلى ضَياع الفنية الجمالية في لجة التحليلات النفسية، وغيرها..

الباب الثاني:
أما الباب الثاني فقد تناول المناهج النقدية الحداثية، بدأه المؤلف بتمهيدٍ عرض فيه ملامح عامة للنقد الحداثي وما بعد الحداثي، ومن تلك الملامح أنه نقد ذو حضورٍ باهرٍ؛ إذ إن كل شيء أصبح في هذا العصر خاضعًا للمراجعة والنقد، يشكك في كل شيء، يزعزع الثوابت واليقينيات، ولا يعتدُّ بالضوابط والقيود بما يشبه الكرنفال الكبير..وهو نقد شديد التطرف، أحادي النظرة، يتوغَّل في الشكلانية والفنية، ويدَّعيها، مع كونه غارقًا في الأيديولوجيات والفلسفات!

جاء الفصل الأول من هذا الباب متناولًا (الشكلية "الشكلانية") في النقد، ويعرفه بأنه (مذهب أدبي نقدي، يذهب إلى أن قيمة كل عمل فني تتمثل في عناصر صياغته وأصالة أسلوبه).

حيث برز هذا المذهب بقوة منذ أوائل القرن العشرين، ومثلت في العصر الحديث مناهج نقدية متعددة، منها: مدرسة الشكليين الروس، ومدرسة النقد الجديد في الغرب والنقد الألسني.

ومن إيجابيات هذا المذهب: أنه أعاد الاعتبار لجوهر الأدب، متمثلًا في بنيته اللغوية، وشكله التعبيري، وداخلية الأدب، بعد طغيان النقد التاريخي والنفسي، والتركيز على خارجية الأدب..بينما تمثلت سلبياته في التطرف والغلو في اهتمامها بالشكل والخارج، وتجريد الأدب من الغاية والوظيفة، وتبنِّيه فكرة موت المؤلف، وتسوية النصوص السماوية المقدسة بالنصوص البشرية..

بينما جاء الفصل الثاني للحديث عن (الشكلانية الروسية والتشيكية)، هذه المدرسة التي بدأت عام 1914 م قبل الثورة الشيوعية في روسيا، وكان من أبرز نقاد (حلقة موسكو اللغوية) رومان جاكبسون، الذي ابتكر مصطلح (البنيوية)، غادر جاكبسون موسكو بعد أن ضيَّقت عليه السلطات الشيوعية الخناق إلى براغ، لينضم إلى (حلقة براغ اللغوية)، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث التقى الأنثروبولوجي المعروف (ليفي شتراوس)، الذي كان له فضل كبير في تطوير البنيوية الحديثة.

ثم عرض المؤلف مبادئ هذه المدرسة، ونقدها..

وجاء الفصل الثالث للحديث عن (البنيوية)، التي ابتكر مصطلحها رومان جاكبسون، فتناول المؤلف صور البنيوية (البنيوية اللغوية والبنيوية الأدبية الشكلية والبنيوية الأدبية التكوينية)، ثم نقدها من حيث الإيجابيات التي تمثلت في اهتمامها بلغة الأدب، والتركيز على فنِّيَّته، والإعلاء من سلطانه، ومحاولتها ضبط نظام النقد الأدبي ليكون أقرب إلى العلمية والمنهجية..أما سلبياتها فتمثَّلت في انحرافاتها الفكرية، كونها نزعة مادية ضد الدِّين، يقول تيري إيغلتون: (البنيوية هي - من بين أشياء أخرى - محاولة أخرى، من سلسلة محاولة مشؤومة قامت بها النظرية الأدبية لإحلال شيء آخرَ أكثر فاعلية محل الدِّين، وهي - في هذه الحالة - دِين العلم الحديث...)، وانحرافات فنية تمثلت في إسرافها في استقلالية الأدب عن كل شيء، وإسقاطها عبقرية الفنان وتميزه، من خلال تبنِّيها لفكرة موت المؤلف والتناص، كما أخذ على هذا المنهج غموضه، وكثرة مصطلحاته، مما حجب وصول هذا النقد حتى إلى المتخصِّصين أنفسهم.

الباب الثالث:
جاء الباب الثالث مسلطًا الضوء على (نقد ما بعد الحداثة)، الذي تمثل في (التفكيكية) التي هي الفصل الأول من هذا الباب، والتي ظهرت في نهاية الستينيات من القرن العشرين، وبلغ الذروة في الثمانينيات، وكان رائدها (جاك دريدا)، والتفكيك: هو هدم الإجماع على دلالة النصوص، وزعزعة الثقة فيها، وفتح المجال أمام لا نهائية المعنى، لتصبح النصوص ساحة تباينات لا اتفاقات، اختلاف لا ائتلاف، حتى بدا التاريخ قد أضاع الاتجاه، وارتدَّ إلى الفوضى والتشويش.

وعرَض المؤلِّف مصطلحات التفكيك (الإرجاء "التأجيل" - الانتشار والتشتُّت - فكرة الكتابة - فكرة الغياب والحضور)، وشرَحها بخلاصة واضحة..

ثم كان نقد التفكيك، وبيان انحرافاتها الفكرية التي تؤصل للفوضى والضياع والتشكيك في الثوابت واليقينيات، وتبني فكرة موت المؤلف والإنسان، بل موت اللغة والمفاهيم والأفكار..وخطورتها التي تأتي من الخلفية الدينية لرائدها دريدا اليهودي، الذي كان يوقع بعض مقالاته بعبارة (حاخام)، وكثيرًا ما كان يستخدم مصطلحات لاهوتية توراتية، وليست مصطلحات أدبية أو نقدية..

أما الانحرافات الفنية، فتمثلت في الشك المطلق في اللغة، وبدعة لا نهائية القراءات، حتى أصبحت كل قراءة هي إساءة قراءة..

أما إيجابياتها، فقد حاول بعض الباحثين تلمُّس ذلك، فقالوا: قد يكون من إيجابياتها إفساحُ المجال لتعدُّد الأصوات، وعدم احتكار المعرفة، ونقد الفكر والذات الغربية التي تمركزت حول نفسها، فادَّعَت امتلاك الحقيقة..

ولكن مع ذلك، يبقى التفكيك نتاجَ فكر غربي متعالٍ، وهو إذ ينتقد اتجاهات الثقافة الغربية يدعو إلى ثقافة غربية أخطر وأبلغ في الهدم..

وأما الفصل الثاني فكان لـ: (نظرية التلقي)، التي عُرِفت في ستينيات القرن العشرين، فعرض المؤلف مبادئَ هذه النظرية، التي تتمثل في أن النص لا قيمة له من دون القارئ؛ فالقارئ هو خالق النص، ومانحٌ إياه دلالاته ووجوده، وأن العلاقة بين الدال والمدلول ليست وحيدة الجانب، فيمكن للقارئ أن ينتج الدلالة التي لا تعتمد على النص وحده، فيبدو حينها كل قارئ مؤلفًا جديدًا للنص، كما تستبعد هذه النظرية فكرة الحصول على المعنى من النص الأدبي..

وعرض المؤلف مصطلحات التلقي (أفق الانتظار - التناص - موت المؤلف).

ثم جاء النقد لهذه النظرية، وهو نفس النقد الموجه لنظرية التفكيك؛ إذ هما من مشكاة واحدة..

وختم الكتاب بالتأكيد على تبني نقد عربي إسلامي، والتخلص من براثن الهيمنة الغربية، والإفلات من قبضتها الفكرية والفنية الخطيرة؛ لأن الإنسان العربي منذ أن أعرض عن ذكر الله تعالى، بعد أن زيَّن له فلاسفة الضلال أن الله جل في علاه قد مات - تألَّه وحلَّ محلَّ الخالق المشرع، فراح يحكُمُ بهواه وشهواته، يأمر وينهى، ويحلل ويحرم، وكان ذلك بداية خروجه عن الطريق السوي، وبداية البؤس والضنك والتعاسة.

ودعا إلى أن يستعيد العربي المسلم ملَكةَ القدرة على النقد والتمييز، فيمرر كل قادمٍ إليه من الخارج في مِصفاة دِينه وثوابته التي تشكل هوية الأمة التي ينتمي إليها، فلا يأخذ كل ما هب ودب، وصاح وقب، بل يقبَل ويرُد، وينتقد ويفنِّد..

ورغم أن هذه المهمة غير سهلة، فإنها ليست مستحيلة أيضًا..


[1] رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، الأستاذ محمود شاكر، مطبعة المدني - مصر، 1987، ص157- 158.

[2] المرايا المحدبة "من البنيوية إلى التفكيك، د.عبدالعزيز حمودة، عالم المعرفة، 1998، ص23.

[3] شعرنا الحديث إلى أين؟، غالي شكري، دار الشروق - مصر، ط1، 1991، ص114.

[4] الحداثة في ميزان الإسلام "نظرات إسلامية في أدب الحداثة"، عوض القرني، هجر للطباعة والنشر، ط1، 1988، ص54.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.56 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]