01-10-2022, 04:52 AM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة :
|
|
الحوار لغة
الحوار لغة
د. مصطفى عطية جمعة
يشير التعريف اللغوي للجذر "حَورَ" إلى دلالاتٍ عدة، منها: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، وهي دلالة تقترب من دلالة لفظة "حوار" التي تدل على: التحادث والتجاوب القولي، فالمحاورة: المجاوبة، واستحاره: استنطقه [1]، والمحاورة: حسن الحوار ومنها أيضاً: كلَّمتُه فما ردَّ على محورةٍ (أي كلام)[2]، فهي تعطي في طياتها دلالة خلقية تتعلق بكيفية الحوار وأدبه، وهذا صحيح فالحوار يستلزم طرفين أو أكثر، ولا يتم إلا في جو أدبي يتيح السمع والقول بين المتحاورين. وتتسع دلالة الحوار معجميا فتكون بمعنى: جادله [3]، والجدال يعطي فرصة للقول والمراجعة بين المتحاورين. ومن هنا فإن دلالة الجذر اللغوي "حور" بمعنى الرجوع، تتفق كثيراً مع دلالة الحوار، وإن كانت الأولى أعمّ وأشمل للأشياء والبشر، أما الثانية فهي تقتصر على الحوار بين البشر غالبا، فالرجوع عن الشيء وإلى الشيء، يدخل ضمن معطيات الحوار، فالحوار يعطي الفرصة لتعديل الرأي والرجوع عن مواقف وأمور، وهذا ما أشارت إليه المعاجم اللغوية فـ " حوّر الكلام أي غيّره"([4]) والتغيير يكون تبعا لمستجدات في العقل أو الحياة أو الأشياء وهذا يعني الرجوع أيضاً. وأيضاً " والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة وهم يتحاورون أي يتراجعون الكلام " [5]، وأيضًا " ما أحار جوابا أي ما رجع " [6]، وكذلك: " تحاوروا تراجعوا الكلام بينهم "[7]، وأيضًا ومن معاني الجذر اللغوي " حور " ما يفيد الحيرة من " حار " بدلالة " لم يهتد لسبيله، فهو حيران وحائر وهي حيراء " [8] فهو يعطي دلالة مناقضة فليس كل حوار يأتي بالجديد، فقد يزيد المرء ضلالا. والحوار حقيقة مجتمعية إنسانية، فأينما وجد المجتمع البشري، وجد الحوار، لأن اللغة قاسم مشترك بين البشر، ومن وظائف اللغة التعبير عن حاجات الإنسان، البسيطة المتصلة بحاجاته الإنسانية من طعام وشراب وغيرهما، أو في المستويات العليا من النقاش الفكري والديني والاجتماعي. فالحوار " حديث يدور بين اثنين على الأقل ويتناول شتى الموضوعات... ويفترض فيه الإبانة عن المواقف والكشف عن خبايا النفس "[9]، ومن هنا، انتقل الحوار إلى ما ينتجه العقل البشري من آداب وحكمة ونصوص [10]، ذلك أن الأدب صورة وانعكاس بشكل مباشر أو غير مباشر من النشاط الإنساني العقلي واللغوي والاجتماعي يكاد يكون الحوار قاسما مشتركا بين سائر الأشكال الأدبية مثل: المسرحية والقصة والرواية والمناظرة والمناصحة والحكمة والعظة وأيضا في الشعر فهناك الكثير من القصائد التي تشمل الشكل القصصي الحواري، وهناك حوار شعري يكون بين الشعراء أنفسهم.
[1] لسان العرب، ابن منظور، إعداد: يوسف خياط، نديم مرعشلي، دار صادر، ودار لسان العرب، بيروت، دون طبعة، دون تاريخ، ج1، ص750.
[2] أساس البلاغة، الزمخشري، جار الله أبي القاسم محمود بن عمر، تحقيق: عبد الرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت، دون طبعة، دون تاريخ، ص98.
[3] المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط3، دون تاريخ، ج1، ص212.
[4] السابق، ص212.
[5] لسان العرب، مرجع سابق، ج1، ص750. وجاء في دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي، دار المعرفة، بيروت، ط3، 1971م، مج3، ص647 " تحاور الناس: تراجعوا الكلام وتداولوه ".
[6] أساس البلاغة، مرجع سابق، ص98.
[7] المعجم الوسيط، مرجع سابق، ص212.
[8] القاموس المحيط، الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة، 1416هـ، 1996م، ص488.
[9] المعجم الأدبي، جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، طبعة أولى، 1979م، ص100.
[10]) كذلك يمكن أن يكون الحوار بين الأديب (منشيء النص) ونفسه، أو من ينزله مقام نفسه مثل ملهمه أو شخصية خيالية، وعموما فإن الحوار أسلوب طاغ وشائع في المسرحيات والروايات وغيرها. المرجع السابق، ص100.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|