الأربعــون الوقفيــة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216107 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7830 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 54 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859643 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393981 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-02-2024, 09:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي الأربعــون الوقفيــة

الأربعــون الوقفيــة



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، وأعددت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة عظيمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف والهيئات والمؤسسات برعاية الأصول الوقفية، ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
وسأبدأ بالحديث الأول، وهو الأصل في مشروعية الوقف كما نص على ذلك أهل العلم :
الحديث الأول :
الوقف حبس للأصل وتسبيل لمنفعته
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي [ فقال: أصبت أرضاً، لم أصب قط مالاً أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها». فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء والقربى، وفي سبيل الله، والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمولٍ فيه(1).
وفي رواية أخرى، جاء عمر رضي الله عنه إلى النبي [ يستشيره في أرض خيبر ما يصنع بها : «أشار عليه بحبس أصلها، وجعل غلتها في الفقراء والمساكين، ففعل»(2).
حديث عمر يعده العلماء أصلاً في مشروعية الوقف(3)؛ فبعدما ملك عمر رضي الله عنه أرضاً في خيبر اسمها «ثمغ»، وهي حصته في السهام التي قسمها النبي [ بين من شهد خيبر، وأضاف إليها ما اشتراه بمئة رأس من أرض خيبر من أهلها، وضمهما إلى بعض، فكانت أرضا من أنفس وأجود ما ملك عمر رضي الله عنه. فاستشار رسول الله [ في صفة الصدقة بها. فأشار عليه النبي [: «‏إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها» أي بغلتها وحاصلها من حبوب وثمار، وفي رواية: ‏»‏احبس أصلها وسبّل ثمرتها‏»‏، وفي ورواية أخرى‏:»‏ تصدق بثمره وحبّس أصله‏»‏‏.‏
قال ابن حجر في «الفتح»: قوله : «‏فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث‏» زاد في رواية مسلم من هذا الوجه «‏ولا تبتاع»،‏ زاد الدار قطني من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع: ‏«‏حبيس ما دامت السموات والأرض»(4)‏.
وتلك الشروط رفعها بعض الرواة إلى النبي [، ومنهم من وقفه على عمر لوقوعه منه امتثالا للأمر الواقع منه [، ورجح ابن حجر بأن هذا الشرط من كلام النبي [، ولو كان الشرط من قول عمر فما فعله إلا لما فهمه من النبي [.
وقد خصص عمر ] مصارف ريع تلك الأرض الوقفية ‏في الأصناف الآتية : في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل‏، وفي رواية البخاري: في الفقراء، والقربى، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، على أن يأكل العمال عليها من ريعها، وليس من أصلها، وألا يزيد عماجرت به العادة بلا إفراط ولا تفريط، فليس له سوى ما ينفقه، بلا مجاوزة للمعتاد. قال القرطبي‏:‏ «جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف، حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل منه يستقبح ذلك منه، والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة، وقيل: القدر الذي يدفع به الشهوة، وقيل: المراد أن يأخذ منه بقدر عمله، والأول أولى»(5)‏.‏
واشترط عمر رضي الله عنه لناظر وقفه أن يأكل منه بقدر عمالته؛ ولذلك منعه أن يتخذ لنفسه منه مالا وجزءاً يدعي بعد ذلك أنه ملك له، قد ملكه من زمن أو ورثه أو قد أوصي له به.
ومن هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي أتت صريحة في الوقف والصدقة الجارية، ذهب جمهور العلماء إلى جواز الوقف ولزومه؛ قال الترمذي: «لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين»(6)، ووقف جماعة من الصحابة منهم علي وأبو بكر والزبير وسعيد وعمرو بن العاص وحكيم بن حزام وأنس وزيد ابن ثابت، ووقف عثمان لبئر رومة، روى ذلك كله البيهقي. قال القرطبي: إن المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص والزبير وجابراً كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة(7).
ويعد بعض أهل العلم أن وقف عمر هو أول وقف في الإسلام، جاء في «الفتح»: قال أحمد – بالسند - عن ابن عمر قال: أول صدقة - أي موقوفة - كانت في الإسلام صدقة عمر، وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال: «سألنا عن أول حبس في الإسلام فقال المهاجرون : صدقة عمر ، وقال الأنصار: صدقة رسول الله [«، وفي «مغازي الواقدي» أن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق - بالمعجمة مصغرا - التي أوصى بها إلى النبي [ فوقفها النبي [«(8).
وفي الحديث فوائد جمة: فيه فضل الصدقة الجارية وهي الوقف وأنها من الإحسان المستمر، وأن الوقف من خصائص المسلمين وأنه مخالف لشوائب الجاهلية، وفيه بيان لمعنى الوقف «تحبيس للأصل وتسبيل للمنفعة»، وفيه أنه ينبغي أن يكون الوقف من أطيب المال وأحسنه؛ طمعاً في ثواب الله تعالى، حيث قالَ تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}(9)، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث امتثل وتصدق بأطيب مال مَلكه في حياته، وفيه أن ليس إلزاما على المسلم لقوله [: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها»، وفيه أن لفظ « حبست» من صيغ الوقف، وفيه صحة شروط الواقف واتباعه فيها، وأنه لا يشترط تعيين المصرف لفظاً‏،‏ وفيه أن الوقف لا يكون إلا فيما له أصل يدوم الانتفاع به، وتبقى أعيانُها، فأما الذي يُذْهَبُ بالانتفاع به فهو صدقة, وليس وقفاً، فلا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالطعام ، وفيه مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير، وفيه جواز الوقف على الغني والفقير، وفيه أن مصرف الوقف يكون في وجوه البر العام أو الخاص: كالقرابة، والفقراء، وطُلاب العلم، والمجاهدين، ونحو ذلك، وفيه أنه لا يكفي في الوقف لفظ الصدقة سواء قال‏:‏ تصدقت بكذا أم جعلته صدقة، حتى يضيف إليها شيئا آخر لتردد الصدقة بين أن تكون تمليك الرقبة أو وقف المنفعة، فإذا أضاف إليها ما يميز أحد المحتملين صح، بخلاف ما لو قال: وقفت أو حبست، فإنه صريح في ذلك على الراجح.
وفيه أن للواقف أن يشترط لنفسه جزءا من ريع الموقوف لأن عمر شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف ولم يستثن إن كان هو الناظر أو غيره فدل على صحة الشرط، ويستنبط منه صحة الوقف على النفس، وفيه أن الواقف إذا لم يشترط للناظر قدر عمله جاز له أن يأخذ بقدر عمله، وهذا على أرجح قولي العلماء، وعند البعض أن الواقف إذا شرط للناظر شيئا أخذه وإن لم يشترطه له لم يجز إلا إن دخل في صفة أهل الوقف كالفقراء والمساكين‏، واستدل به على وقف المشاع لأن المئة سهم التي كانت لعمر بخيبر لم تكن منقسمة‏(10).‏
لقد اهتم الصحابة الكرام، وامتثلوا توجيه رسولنا الكريم [ في وقف الأوقاف التي تنوعت أصولها، وتعددت مصارف ريعها؛ ليعم النفع للمجتمع المسلم، فدعوة النبي [ إلى الصدقة الجارية لاقت آذاناً صاغية، من عباد الله المخلصين، ولاسيما الصحابة رضوان الله عليهم، الذين عاصروا التنـزيل وفهموا أسراره وعرفوا ما تهدف إليه الشريعة, فبادروا مستجيبين لنداء الرسول [ فأقفوا الأراضي والحدائق والأسلحة والدروع، ثمَّ تتابعت الأوقاف، واستمر القادرون على الوقف على مدى التاريخ الإسلامي يوقفون أموالهم، أوقافاً تتسم بالضخامة والتنوع؛ حيث صارت هذه الأوقاف من مفاخر المسلمين، لم يدعوا جانباً من الجوانب الخيَّرة إلا أوقفوا فيه من أموالهم، حتى شملت هذه الأوقاف الإنسان والحيوان، وبلغت ما لا يخطر على بال إنسان أن يفعله في شرق ولا غرب.
كان الوقف سنة متبعة في العهود الإسلامية، دعا إليها العلماء، واجتهد في فقهها الفقهاء، وتنافس في إيجادها وتجديدها أهل الهمم والعطاء، فكان لها الدور الأكبر في الحضارة الإسلامية، وفي نماء الخلافة واستمرارها، ووقوفها من بعد كبوة، فقد وعى المسلمون منذ القرون الأولى ما للوقف من مقاصد سامية ومصالح ملموسة في الحفاظ على مكانة الأمة وأمنها.

الهوامش:

1 - أخرجه البخاري في الوصايا، باب: الشروط في الوقف، برقم (2737) ومسلم في الوصية، باب الوقف، برقم (1632) واللفظ لمسلم.
2 - أخرجه البخاري في الوصايا، باب: وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم، برقم (2764) ومسلم في الوصية، باب الوقف، برقم (1632).
3 - قال في الفتح: وحديث عمر هذا أصل في مشروعية الوقف.
4 - فتح الباري (7/16).
5 - فتح الباري (7/16).
6 - انظر نيل الأوطار، كتاب الوقف (4/310).
7 - تفسير القرطبي (6/318).
8 - فتح الباري (7/18).
9 - سورة آل عمران: آية 92.
10 - انظر فتح الباري (7/19 - 21)، وتوضيح الأحكام للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام, والمنهاج في شرح صحيح مسلم، ص 1038، ونيل الأوطار 4/311 - 313.


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-02-2024, 09:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعــون الوقفيــة (2)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، وأعددت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة عظيمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف والهيئات والمؤسسات برعاية الأصول الوقفية، ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث الثاني، حديث مشهور، ويعد دليلا على مشروعية الوقف النافع والحث عليه، وأنه من أفضل الأعمال التي يقدمها الإنسان لنفسه في الآخرة؛ فهو من الصدقة الجارية الباقية بعد الموت.
الحديث الثاني:
الوقف من الصدقة الجارية
عن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
من نعم الله تبارك وتعالى على عباده أن جعل أبواب الخير عديدة، ومنها ما يجري فيها الثواب إلى ما بعد الممات، فتزداد الحسنات في السجلات؛ لأن ثوابها لا ينقطع، بل هو دائم متصل النفع.
قال العلماء : معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة; لكونه كان سببها; فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية ، وهي الوقف.
فالإنسان إذا مات ينقطع عمله الذي يجري عليه بعد الموت، والعمل إنما يكون في الحياة، إلا من هذه الثلاث؛ لأنه السبب فيها، وثوابها يدوم للإنسان بعد موته لدوام أثرها، وأولها: «صدقة جارية» وهي الخير المستمر، كبناء المساجد، أو أرضٍ زراعية يتصدق بما يحصل منها على الفقراء، فإن الفقراء ما داموا ينتفعون بهذا العطاء أو ينتفعون بثمرة هذا البستان فإنه يكتب له، أو عمارة توقف تؤجر ويتصدق بأجرتها، وغيرها من الأوقاف، فتلك صدقة جارية يجري عليه أجرها بعد وفاته، ما دامت ينتفع بها الناس.
«أو علم ينتفع به»، إما كتب علمية صنفها، وانتفع بها الناس، أو اشتراها، ووقفها وانتفع بها الناس، ونشر العلم وتعليمه، وكل من عَلم الناس العلم النافع، وانتفعوا بعلمه بعد موته فإن له أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ لأن الدال على الخير كفاعل الخير، وهذا دليل على بركة العلم وفائدته في الدنيا والآخرة.
فكم من عالم مات من مئات السنين، وعلمه باق ينتفع بما كتبه وصنفه، وتتداوله الأجيال تلو الأجيال من بعده، وكلما ذكره المسلمون دعوا له وترحموا عليه، وكم أنقذ الله بعالم مصلح أجيالاً من الناس من الضلالة، وناله مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة، قال العلماء : والكتب أعظمها أثراً لطول بقائها.
«أو ولد صالح يدعو له» والولد الصالح من ذكر وأنثى وولد الصلب وولد الولد يجري نفعهم لآبائهم بدعواتهم الصالحة المستجابة لآبائهم، فكل من كان له ولد أحسن تربيته وتوجيهه فكان صالحاً، ينفع أباه في حياته ببره، وبعد مماته في دعائه له، وهذا من فضل الله تعالى على عباده أن جعل جريان الحسنات، واستمرارها بعد الممات، ليس مقصوراً على أهل الأموال والعقار الذين أوقفوا من ممتلكاتهم، بل أن ذلك الأجر جعله الله تعالى لمن اجتهد في العلم تأليفاً وتعليماً، وكذلك لمن ترك ولداً صالحاً يدعو لوالده.
والأمور المذكورة في هذا الحديث هي مضمون قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (يس:12)، فما قدموا هو ما باشروا فعله في حياتهم من الأعمال الحسنة والسيئة، وآثارهم: ما يترتب على أعمالهم بعد موتهم من خير أو شر.
والحديث دليل على مشروعية الوقف النافع والحث عليه، وأنه من أفضل الأعمال التي يقدمها الإنسان لنفسه في الآخرة؛ فهو من الصدقة الجارية الباقية بعد الموت، قال النووي في شرحه على مسلم: فيه دليل لصحة أصل الوقف، وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم.
وما يصل إلى العبد من آثار عمله بعد موته ثلاثة أشياء:
الأول: أمور عملها غيره بعد موته بسببه وبدعوته وتوجيهه إليها قبل موته.
الثاني: أمور انتفع بها غيره من مشاريع نافعة أقامها الميت قبل موته أو أوقاف أوقفها في حياته فصارت تغل بعد موته.
الثالث: أمور عملها الحي وأهداها إلى الميت من دعاء وصدقة وغير ذلك من أعمال البر.
قال صاحب «عون المعبود»: وورد في أحاديث أخرى زيادة على الثلاثة تتبعها الحافظ السيوطي ونظمها في قوله:
إذا مات ابن آدم ليس يجري
عليــــه من فعـــــال غيـــر عــشــر
علــوم بثــهـا ودعـــــــاء نجـــل
وغرس النخل والصدقات تجري
وراثـــة مصحــــف ورباط ثــغـــر
وحفــــر البــــئر أو إجـــراء نهــــر
وبيـــت للغــــريب بنــــاه يـــأوي
إليــــه أو بنــــاه محـــل ذكــر
وتعـــليــــم لقـــــرآن كريـــــم
فخــذها من أحاديث بحصر
وسبقه إلى ذلك ابن العماد فعدها ثلاثة عشر وسرد أحاديثها، والكل راجع إلى هذه الثلاث.
من فوائد هذا الحديث:
هو دليل على جواز الوقف، وأن الوقف من الصدقة الجارية الباقية بعد الموت، وفيه أن الصدقة تصل إلى الميت وتجري الحسنات إلى ما بعد الممات، وفي هذا إجماع الأمة، وفيه أن الصدقة الجارية عمل قد أتاحه الله تعالى بفضله لعباده، الأغنياء منهم، والعلماء، وعامة الناس، فكم من مسكين لا يملك مالاً، ولا علماً ، ولكنه ترك ولدا صالحا يدعو له، وبذلك يكون له الأجر المستمر بعد مماته.
وفيه حث على الزواج لطلب الأولاد الصالحين، والحث أيضاً على تربية الأولاد على الصلاح، وتنشئتهم على الدين ليكونوا خلفاً صالحاً لآبائهم يدعون لهم بعد موتهم، ويستمر نفع عملهم بعد انقطاع أعمالهم. وفيه تنبيه للآباء الذين يهتمون بإصلاح أموالهم، ولا يبالون بصلاح أولادهم في حياتهم؛ وفيه أيضاً مشروعية دعاء الأولاد لآبائهم مع دعائهم لأنفسهم في الصلوات وخارجها، وهذا من البر الذي يبقى بعد وفاة الآباء.
وفيه أن العمل الذي يجري للعبد فيه الأجر بعد مماته هو العلم الذي ينتفع به، أما العلم الذي لا نفع فيه، أو العلم الذي فيه مضرة، والعلوم المفسدة للدين والأخلاق فلا تدخل في الحديث.
والوقف من الصدقة الجارية، الذي قال في محاسنه شاه ولي الدهلوي: «... وفيه من المصالح التي لا توجد في سائر الصدقات؛ فإن الإنسان ربما يصرف في سبيل الله مالاً كثيراً ثم يفنى، فيحتاج أولئك الفقراء تارة أخرى، ويجيء أقوام آخرون من الفقراء فيبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون شيء حبساً للفقراء وابن السبيل يصرف عليهم منافعه، ويبقى أصله».
لقد مضى الصحابة - رضوان الله عليهم - على ما سنه النبي [، وعملوا بما حث عليه من الإكثار من الصدقة والإنفاق مما يحبون، وسجلوا أروع الأمثلة في وقف أحب أموالهم إليهم. وإذا كـان المسلم حريصا على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويرجو الثواب في الدنيا والآخرة، فإن الله سبحانه فتح أمامه أبواب الخير العديدة ومنها الصدقة الجارية والوقف، التي يستمر بها الأجر إلى ما شاء الله تعالى، وتزيد بها حسناته بعد وفاته وانقطاع عمله، فالطريق لكل مسلم مفتوح في الصدقة الجارية والوقف لله تعالى.


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-02-2024, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية (3)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياءا لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، وأعددت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة عظيمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف والهيئات والمؤسسات برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث الثالث، حديث فيه الدلالات والفوائد الكثيرة، وهو كذلك أصل عند أهل العلم في أحكام الوقف، واجتهد الفقهاء في بحث بعض المسائل المتعلقة بالوقف الإسلامي اعتماداً على حديث عثمان رضي الله عنه.
الحديث الثالث: الوقف لعامة المسلمين
عن ثمامة بن حزن القشيري قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال: «أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: «من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟»، فاشتريتها من صلب مالي فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين؟»(1).
صلى الله عليه وسلم الحديث قاله عثمان حينما حوصر في داره واجتمع من خرج عليه من الناس وأنكروا فضله، قام فأشرف عليهم، ‏وذكر ما قام به من أعمال خيرية شهد له بها النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى على فعله، وأقر بفضائله من بعده الصحابة رضوان الله عليه .
وللصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه مواقفُ عظيمةٌ، تدلُّ على فضله ونُصرته لهذا الدين، فمن ذلك أنه هاجَرَ الهجرتين: الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة، وجهَّز جيش العُسرة، وحفَرَ بئر رُومَة وتصدَّق بها على المسلمين، كما قام بتوسعة المسجد النبوي، وفي عهده جمع القرآن الكريم، وتوسَّعتْ فتوحات المسلمين، ووصلتْ إلى مشارق الأرض ومغاربها، قال الزهري: جهَّز عثمانُ بن عفانَ جيشَ المسلمين في غزوة تبوك بتسعمائة وأربعين بعيرًا وستين فرسًا، قد اشتهر رضي الله عنه بالكرم والإنفاق في سبيل الله .
صلى الله عليه وسلم وعثمان بن عفان رضي الله عنه اشترى بئر رومة لما حض النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على شرائها، على الشرط الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو : «أن يجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة»، ومعنى هذا الشرط: أن يجعلها وقفاً عاماً للناس كافة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وما بعده من العصور، ما دامت عين البئر قائمة، وأن يشتريها من صلب ماله، ويجعلها مباحة للناس كافة دون تمييز، ولا يمنع الناس من الاستفادة من مائها بعد تملكها.
فاشتراها عثمان رضي الله عنه من صلب ماله، أي من أصل ماله ورأس ماله، لا مما أثمره المال من الزيادة، وأصل المال عند التجار أعز شيء، وهذا يدل على حرص عثمان في انتفاء المال الذي اشترى به هذا الوقف، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : «ما ضرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليوم» مرتين(2)، واستدل الإمام السندي بقول عثمان ] في وقفه: «من صلب مالي» على أنه يستحب للواقف أن يختار الغالي والنفيس ، ويبتعد عن الحقير الخسيس في الوقف والصدقة؛ لأن عثمان- رضي الله عنه- أخبر أن هذا الوقف من صلب ماله، وصلب المال كما فسره العلماء: «أصل المال وخياره».
وفي رواية للبغوي من طريق بشر بن الأسلمي عن أبيه: أنها كانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال: له النبي [: «تبيعنيها بعين في الجنة؟» فقال يا رسول اللّه، ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي [ فقال: أتجعل لي ما جعلت له؟ قال «نعم»، قال: قد جعلتها للمسلمين‏(3)،‏ وللنسائي من طريق الأحنف عن عثمان قال: «اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك»(4).
وبئر رومة من أوائل الأوقاف الخيرية في الإسلام يصل نفعها لعموم المسلمين، ذكر ابن عبد البر أن بئر رومة كانت ركية ليهودي يبيع من مائها للمسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين، يضرب بدلوه في دلائهم، وله بها مشربة في الجنة؟» . فأتى عثمان اليهودي فساومه بها، فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى عثمان نصفها باثنتي عشر ألف درهم فجعلها للمسلمين، فقال له عثمان: إن شئت جعلت على نصيبي قرنين، وإن شئت فلي يوم ولك يوم، فقال: بل لك يوم ولي يوم، فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين، فلما رأى ذلك اليهودي قال: أفسدت عليّ ركيتي، فاشترى النصف الآخر بثمانية آلاف درهم(5).
ومن بركة وقف بئر رومة، أنه لا يزال الماء فيها عذبا رقراقا إلى يومنا هذا، ومعروفة عند أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببئر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهي من أشهر المعالم الوقفية التي بقيت عبر العصور الإسلامية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الحاضر، ويعرفها أهل المدينة جيلاً بعد جيل(6)، ووصفها العديد من العلماء منهم الشيخ العباسي من علماء القرن العاشر بقوله: «قلت: والبئر بجانب مسجد القبلتين، وبقرب البئر بناء يشبه حصنًا منهدمًا، ويقال: إنه كان ديراً لليهود، وفي أطراف هذه البئر آبار أخرى كثيرة، ومزارع، وهي قبلي الجرف وآخر العقيق، وبقربها اجتماع السيول.. وبينها وبين مسجد القبلتين بستان لحاكم المدينة(7) .
وتحدث أهل العلم عن مسألة انتفاع الواقف بوقفه وفصلوا واشترطوا، فقد شرط «ابن قدامة» لانتفاع الواقف بوقفه أن يكون قد اشترط في الوقف أن ينفق منه على نفسه، قال: «إلا أن يشترط أن يأكل منه، فيكون له مقدار ما يشترط»(8)، وأضاف في المغني: «من وقف شيئا وقفا صحيحاً، فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه، وزال عن الواقف ملكه، وملك منافعه؛ فلم يجز أن ينتفع بشيء منها، إلا أن يكون قد وقف شيئا للمسلمين، فيدخل في جملتهم، مثل أن يقف مسجداً، فله أن يصلي فيه، أو مقبرة فله الدفن فيها، أو بئرا للمسلمين، فله أن يستقي منها، أو سقاية، أو شيئاً يعم المسلمين، فيكون كأحدهم، لا نعلم في هذا كله خلافا، وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سبَّل بئر رومة، وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين»(9)، قال ابن خزيمة رحمه الله: «إباحة شرب المحبّس من ماء الآبار التي حبسها»(10) .
ومن فوائد هذا الحديث: فضل عثمان بن عفان رضي الله عنه ومناقبه، وفيه جواز أن يتحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة أو تحصيل منفعة، وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والعجب، وفيه أن الوقف أجر للواقف، ونفع الموقوف عليه في عين الوقف أو غلته، وفيه أن الوقف إذا صح، زال به ملك الواقف عنه، وجواز انتفاع الواقف بوقفه العام‏، وأن يجعل نفسه في وقفه كسائر المسلمين، وفيه أن الوقف الذي جاءت به الشريعة ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه هو الذي يتقرب به إلى الله عز وجل حتى يكون من الصدقة الجارية التي لا ينقطع عن فاعلها ثوابها.
وفيه جواز وقف الماء والتصدق به، وهبته وإباحته للعموم مقسوماً كان أم غير مقسوم، وجواز أن يكون ما أوقف عاماً لجميع المسلمين، وأن يشترط لنفسه أن يكون دلوه ضمن دلاء المسلمين، فهذا شرط صحيح لا يؤثر في صحة الوقف العام، قال ابن بطال: «في حديث عثمان أنه يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه إذا شرط ذلك، قال: فلو حبس بئرا على من يشرب منها فله أن يشرب منها، وإن لم يشترط ذلك لأنه داخل في جملة من يشرب»(11)، وفيه جواز الوقف على أناس لا يحصون كثيري العدد.
وفيه أن بئر رومة كما نص عثمان- رضي الله عنه: «أنه جعلها سقاية للمسلمين»(12)، فتبقى على هذا الشرط ما دامت العين قائمة، وفيه استحباب إثبات الوقف بالوسائل الشرعية المشروعة التي تحفظ عين الوقف من العدوان عليه، فعثمان- رضي الله عنه - أشهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة على وقفه عندما أعلن وقفه لبئر رومة سقاية للمسلمين.
ويستحب لولي الأمر كالملك والسلطان أو نوابهم من مدراء الأوقاف في عصرنا أن يحضوا أهل الغنى على الصدقات الجارية والأوقاف العامة، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا الصحابة القادرين كافة في عصره إلى شراء بئر رومة من اليهودي، وسمع هذه الدعوة جمع غفير من الصحابة.
ويستحب لأصحاب الأموال الذين يريدون الوقف أن يختاروا الأوقاف ذات النفع العام الكثير كالدور والآبار التي تبقى دهوراً طويلة، كما فعل عثمان ] في شرائه لبئر رومة التي بقيت من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الحاضر(13)، فعلى كل مسلم يود الوقف الاقتداء بالصحابة الكرام في حسن اختيار الوقف وعظم منفعته، وكذلك بذل أفضل المال مما تتعلق به النفس ليكون في سبيل الله تعالى.
ولقد تتابع المسلمون جيلاً بعد جيل يوقفون الآبار والأراضي والبساتين والدور وأعمال الخير والبر؛ امتثالا واتباعاً لقوله صلى الله عليه وسلم : «خير الناس أنفعهم للناس»(14)، وقوله صلى الله عليه وسلم : «أفضل الصدقة سقي الماء»(15)، مما ملأ الدولة الإسلامية بالمنشآت والمؤسسات التي بلغت حداً من الكثرة يصعب إحصاؤه والإحاطة به. ومنها وقف زبيدة بنت جعفر المنصور، زوجة هارون الرشيد، التي مهّدت طريقاً للحجاج من بغداد إلى مكة، ورصفته في بعض المواضع الوعرة، وأنشأت في هذا الطريق مرافق ومنافع ظل يفيدُ منها حجاج بيت الله الحرام منذ أيامها إلى وقت قريب، وإليها تنسب «عين زبيدة» في مكة، وتلك الآبار المحفورة بين بغداد ومكة والتي يشهد لها التاريخ، وما زالت آثارها قائمة تحكي قصة وقف خفف معاناة الملايين ممن شد الرحال إلى المسجد الحرام لأداء مناسك الحج والعمرة، فما أروع تلك الأوقاف وما قدمته من خدمات جليلة.
- الهوامش:
1 - صحيح النسائي، للألباني، حديث رقم (3610)، وأصله أخرجه البخاري في الشرب والمساقاة، باب: من رأى صدقة الماء معلقا (6/154)، وفي الوصايا برقم (2778)، ونحوه في جامع الترمذي برقم (3666)، باب: في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه.
2 - صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، برقم (3701).
3 - نيل الأوطار، كتاب الوقف (4/313).
4 - صححه الألباني في صحيح النسائي برقم (3609).
5 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر، ص545، وعنه نقل كل من جاء بعده، وبعض مؤرخي المدينة المنورة، وهذا دون سند، والنصوص الصحيحة لم تذكر فيها قصة اليهودي.
6 - تقع البئر في أسفل وادي العقيق، قريبة من مجتمع الأسيال في براح واسع من الأرض، واليوم نجدها شمال المدينة المنورة وتعرف ببئر عثمان.
7 - عمدة الأخبار ص (265).
8 - انظر المغني (8/191).
9 - المغني، ابن قدامة المقدسي (8/191).
10 - صحيح ابن خزيمة (4/121).
11 - انظر فتح الباري، كتاب المساقاة، باب: من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة (6/155).
12 - من حديث النسائي: أن رسول الله [ قال: «من يبتاع بئر رومة غفر الله له؟»، فأتيت رسول الله [ فقلت: قد ابتعت بئر رومة، قال: «فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك»، سنن النسائي (6/233 - 134)، كتاب وقف المساجد رقم (3606)، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.
13 - انظر بحثا بعنوان: بئر رومة، وقف الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه، د. عبدالله بن محمد الحجيلي، مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، رمضان 1425هـ.
14 - أخرجه السيوطي في الجامع الصغير، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (426).
15 - صحيح الجامع برقم (1113).


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-02-2024, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية (4)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة عظيمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف والهيئات والمؤسسات برعاية الأصول الوقفية ونمائها، أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وأن ينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا .
والحديث الرابع، فيه أول وثيقة وقفية في الإسلام، وقد استند كل من كتب كتاب وقفه من الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى ما جاء في ذلك الكتاب، وفيه من الفوائد والدلالات الكثير.
الحديث الرابع: كتابة الوقف وتوثيقه
عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث، أن ثمغا وصرمة ابن الأكوع والعبد الذي فيه والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها، ألا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل، والمحروم، وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقا منه»(1).
حديث موقوف(2)، فيه كتاب صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه(3)، التي أوقفها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما ملك أرضاً في خيبر، وكانت من أنفس وأجود ما حاز رضي الله عنه، فاستشار رسول اللهصلى الله عليه وسلم في صفة الصدقة بها. فأشار عليه النبي صلى الله عليه وسلم : «‏إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها» ففعل.
وابتدأ كتابه بالتسمية، ثم بنص الكتاب: «هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين»، الوقف قربة لله تعالى من عباده، إن حدث بعمر ] حدث أي موت، «أن ثمغاً وصرمة ابن الأكوع»: وهما مالان معروفان بالمدينة كانا لعمر بن الخطاب فوقفهما، وثمغ: هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر رضي الله عنه؛ وقيل المراد بالصرمة القطعة الخفيفة من النخل ومن الإبل.
«والعبد الذي فيه»: أي لعمل ثمغ، والمائة سهم التي بخيبر، حيث ثمغ من جملة أراضي خيبر، وأن مقدارها كان مقدار مائة سهم من السهام التي قسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين من شهد خيبر، وهذه المائة سهم غير المائة سهم التي كانت لعمر بن الخطاب بخيبر التي حصلها من جزئه من الغنيمة وغيره، «والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي»، والمراد بالوادي يشبه أن يكون وادي القرى(4).
وأوصى بها عمر إلى حفصة أم المؤمنين ثم إلى الأكابر من آل عمر، وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي غسان المدني قال: «هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند آل عمر فنسختها حرفاً حرفاً: هذا ما كتب عبد الله عمر أمير المؤمنين في ثمغ، أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله، فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها»، وهذا يقتضي أن عمر إنما كتب كتاب وقفه في خلافته؛ لأن معيقيباً كان كاتبه في زمن خلافته، وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين، فيحتمل أن يكون وقفه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ، وتولى هو النظر عليه إلى أن حضرته الوصية فكتب حينئذ الكتاب، وألا يباع، وإن أكل هو: أي ولي الصدقة، أو آكل غيره من صديق وضيف، أو اشترى رقيقا: عبدا منه: أي من محصول ثمغ وما ذكر معه لعمله(5).
وكتاب وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول وثيقة وقفية في الإسلام(6)، وقد استند كل من كتب كتاب وقفه من الصحابة ر-ضوان الله عليهم- إلى ما جاء في كتاب عمر -رضي الله عنه-، وهنالك خلاف في أول وقف عند المسلمين، فبعضهم يرى أن وقف عمر بن الخطاب ] هو أول وقف خيري في الإسلام، وبعضهم الآخر يعد أول وقف هو وقف «الحوائط السبعة»التي أوصى بها «مخيريق»(7)- يهودي قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد - رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لكي «يضعها حيث أراه الله».
والأنصار يرون أن صدقة الرسول صلى الله عليه وسلم هي أول صدقة؛ لأنها جاءت بعد معركة أحد على رأس اثنين وثلاثين شهراً من هجرة الرسول، بينما صدقة عمر جاءت في السنة السابعة للهجرة، بينما كان المهاجرون يرون أن صدقة عمر بن الخطاب أول ما حبس من الأموال، ولعل الخلاف سببه أن «الحوائط السبعة» التي أوصى بها «مخيريق» تدخل ضمن وصايا أو أوقاف غير المسلمين التي اختلف حولها الفقهاء لاحقاً، وتحوطه بعض الأمور التي تجعله يختلف عن الوقف الآخر وقف عمر بن الخطاب، فوقف عمر رضي الله عنه توافرت فيه عناصر عدة أصبحت تمثل مرجعية لما جاء بعده من أوقاف.
وروى الخصاف عن الزهري ما يفيد بوجود مثل هذا الكتاب الأول للوقف حيث قال: «أقرأني سالم ابن عبد الله صدقة عمر بن الخطاب بثمغ»(8)، وروى أيضاً بالسند إلى بشير مولى المازنيين قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: «لما كتب عمر ابن الخطاب صدقته، في خلافته، دعا نفرا من المهاجرين والأنصار فأحضرهم ذلك وأشهدهم عليه فانتشر خبرها»(9).
وروى الخصاف خبراً آخر إلى عامر بن ربيعة أنه شهد أن عمر بن الخطاب بقي يدير وقفه بنفسه أو يقسم ثمرة أرضه بثمغ إلى السنة التي توفي فيها، «ثم صار إلى حفصة». وبالاستناد إلى ذلك ينقل الخصاف عن الفقيه أبي يوسف بعد سماعه لما قاله الواقدي استخلاصه للقاعدة الفقهية المعروفة: «إذا اشترط الذي وقف الوقف أنه في يديه في حياته ثم إذا توفي فهو إلى فلان بن فلان فهو جائز»(10).
والتوثيق معروف عند الفقهاء، فقد دون الفقهاء أحكامه وبينوا أهميته ورسموا الإجراءات اللازمة لإثبات الأوقاف وتوثيقها. وعليه عمل الناس من زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الأجيال المتعاقبة حتى يومنا هذا.كما أن في إثبات الأوقاف وضبط إجراءاتها حفظًا لها من الاندراس والنسيان أو الاعتداء عليها بالظلم والعدوان وضبط جميع الحقوق المتعلقة بها، وهو مقصد معتد به في الشرع(11).
وكان توثيق الأوقاف ورسم الإجراءات اللازمة لإثباتها موضع اهتمام العلماء الذين ألفوا في علم التوثيق، ويسمى- أيضًا: «علم الشروط»، وهو فرع من علم الفقه يبحث في كيفية تدوين العقود والإقرارات والمحاضر والسجلات القضائية طبقًا للأحكام المرعية وعلى وجه يصح الاحتجاج بها(12).
وأشاد العلماء بعلم التوثيق فقال ابن فرحون (ت: 799هـ) بأنه: «صناعة جليلة شريفة، وبضاعة عالية منيفة، تحتوي على ضبط أمور الناس على القوانين الشرعية، وحفظ دماء المسلمين وأموالهم والاطلاع على أسرارهم وأحوالهم..»(13).
وقد قرر الفقهاء أن على القاضي عند توليه قضاء بلد أن يباشر بالنظر في أمر الموقوف والوصايا على الجهات العامة التي لا ناظر عليها(14)؛ لهذا اعتنى القضاء الإسلامي في العهود الإسلامية السابقة بالأوقاف، وكان القضاة يعتنون بها ويتفقدونها، ويجتهدون في إثبات الأوقاف التي في أيدي الناس، وتوثيقها جميعاً، ولم يتركوا منها وقفاً حتى يحكم فيه ويوثق، إما ببينة تثبت عنه، وإما لإقرار أهل الوقف والحبس .
ومن فوائد الحديث: استحباب إثبات الوقف بالوسائل الشرعية التي تحفظ عين الوقف من العدوان عليه، وفيه إثبات الوقف بالكتابة أيضًا؛ لأن الكتابة أبقى من الشهادة؛ لذهاب أعيان المستشهد بهم، ووقف عمر -رضي الله عنه- ثبت بداية بالإشهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتابة الأحاديث النبوية الشريفة الخاصة به وتدوينها، ومع ذلك كتب عمر -رضي الله عنه- وثيقته وأشهد عليها. وفيه استحباب التفصيل في كتب ووثائق الوقف لحفظ الوقف واستمراره، وإزالة اللبس في أعيانه وحدوده وشروطه ومصارفه، ومن يتولاه في النظارة .
وفيه تخصيص حفصة – أم المؤمنين - دون إخوتها وأخواتها في النظارة على وقف عمر رضي الله عنهما، وفيه دلالة على رجاحة عقلها وحسن إدارتها، وفيه أهمية اختيار ناظر الوقف من أهل الرأي والخبرة، لتعم الفائدة ويحصل المقصود، لقوله: «ثم يليه ذو الرأي من أهلها».
وفيه : توثيق الوقف صيانة للحقوق، وقطعا للمنازعة، وديمومة للوقف، وفيه جواز نظارة المرأة على الوقف إذا كان فيها كفاءة للقيام بشؤون النظارة، وتقديمها على من هو من أقرانها من الرجال، وفيه إشهار للوقف وتشجيع للقادرين على الوقف احتباس أنفس ما يملكون وقفاً لله تعالى.
والوقف مجال للتدريب والتطوير وتنمية القدرات البشرية> لذا كان الوقف في العهود الإسلامية مدرسة في الإدارة والأمانة، واستشعار المسؤولية، والتطوير والابتكار والتجديد والإبداع، لمصلحة الوقف والفئات التي تنتفع بريعه أو بعينه.
والحكمة من مشروعية التوثيق للوقف واضحة جلية، قال الشيخ السعدي رحمه الله: «فكم في الوثاق من حفظ حقوق، وانقطاع منازعات»(15)، فتوثيق الأوقاف من أعظم أسباب حفظها واستمرارها، ودفع أيدي المعتدين والطامعين فيها، وهو السبيل الذي يحقق مقاصد الواقفين في بقاء أوقافهم مع تعاقب السنين، والحفاظ عليها من الضياع والاندثار، والتقيد بمصارفها كما نص عليها الواقف، وضبطها من التغيير والأهواء.
ولا شك في أن توثيق الوقف لدى جهة شرعية معتبرة، أو عالم بالوثائق وكيفيتها، سلامة للوقف من الخلل والنقص، وإبعادا له عما يفسده.
- الهوامش:
1 - أخرجه أبو داود في سننه كتاب الوصايا، باب: ما جاء في الرجل يوقف الوقف برقم (1876)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2879)، وفي الحديث كاملاً كتابان لوقف عمر رضي الله عنه، أحدهما هو: «بسم الله الرحمن الرحيم - إلى قوله: وشهد عبدالله ابن الأرقم» وثانيهما هو: «بسم الله الرحمن الرحيم - إلى قوله: أو اشترى رقيقا منه»، وفي الكتاب الثاني بعض زيادات ليست في الأول، وذكر هذين الكتابين عمر بن شبة أيضاً كما قال الحافظ في الفتح، فنسخ عبدالحميد ليحيى بن سعيد كلا الكتابين، وأذكر هنا نص الكتاب الثاني لاشتماله على ما جاء في الكتاب الأول.
2 - الحديث الموقوف هو ما يروى عن الصحابة من أقوالهم أو أفعالهم ونحوها فيوقف عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، ومنه الصحيح والضعيف والموضوع، انظر مقدمة ابن الصلاح.
3 - ويطلق عليها كذلك مسمى: وثيقة وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
4 - انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود (8/59 - 60).
5 0 المرجع السابق (8/61).
6 - الوثيقة الإسلامية صك كتب ليكون حجة في المستقبل لإثبات حق أو التقيد بالتزام، سواء أكان ذلك بين طرفين أم بإرادة منفردة واحدة، كالوصية والوقف، انظر عبدالله بن محمد الحجيلي، دراسة وثائقية وقفية في الإسلام، مجلة أوقاف، العدد3، الكويت 2002م ص101.
7 - مخيريق كان أحد بني ثعلبة بن الغيطون، فلما كان يوم أحد قال: يا معشر يهود, والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما يشاء، وذكر الواقدي أنه قد أسلم، وقال ابن كثير: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «مخيريق خير يهود» (البداية والنهاية 4/38، الإصابة في تمييز الصحابة 6/73)، ذكر ابن حجر في الفتح: أن أول صدقة كانت في الإسلام أراضي مخيريق التي أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقفها النبي صلى الله عليه وسلم .
8 - أحكام الأوقاف، للخصاف ص (7).
9 - أحكام الأوقاف، لأبي بكر أحمد الشيباني المعروف (بالخصاف) ص(6).
10 - أحكام الأوقاف، للخصاف ص(8).
11 - انظر الأصول الإجرائية لإثبات الأوقاف، للشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين، بحث ضمن بحوث ندوة الوقف والقضاء، الرياضي (10 - 12) صفر 1426هـ.
12 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/1045).
13 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (1/282).
14 - دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (3/477)، كشاف القناع عن متن الإقناع (6/325).
15 - تيسير الكريم الرحمن ص (141).


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-02-2024, 10:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية (5)






جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية - فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكاما وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكام وفوائد جمة عظيمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث الخامس، فيه حرص صحابة رسول الله [ على حبس ووقف الدور والآبار والبساتين؛ اقتداء بفعل النبي [ وسنته، وامتثالاً لتوجيهه وإرشاده.
أوقاف الصحابة رضوان الله عليهم
قال جابر : “لم يكن أحد من أصحاب النبي ذو مقدرة إلا وقف”(1).
حديث موقوف على الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ]، الذي نص في عبارة جامعة على ما بذله صحابة رسول الله من مالهم في البر والإحسان، والوقف على وجه الخصوص. وأورد ابن قدامة المقدسي في كتابه «المغني» ذلك الحديث بأن جابراً قال: “لم يكن أحد من أصحاب النبي ذو مقدرة إلا وقف، وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف، واشتهر ذلك ولم ينكره أحد، فكان إجماعاً”(2).
وروى الخصاف في «أحكام الأوقاف» عن محمد بن عبد الرحمن عن سعد بن زرارة قال:» ما أعلم أحداً من أصحاب رسول الله [ من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلا وقد وقف من ماله حبساً، لا ُيشترى، ولا يورث ولا يوهب، حتى يرث الله الأرض ومن عليها (3)
وأكد ذلك القرطبي بقوله : “إن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص والزبير وجابراً كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة”(4). واستدل أهل العلم على أوقاف الصحابة بوقف ابن عمر حينما أوقف نصيبه من دار عمر رضي الله عنهما سكنى لذوي الحاجة من آل عبد الله، ‏ووقف أنس‏ بن مالك ‏دارا له بالمدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره، ‏وتصدق الزبير بدوره، وقال للمردودة – أي المطلقة - من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضار بها فإن استغنت بزوج فليس لها حق (5).
وكذلك فاطمة بنت رسول الله [ حينما تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب، وكذلك علي ] تصدق عليهم وادخل معهم غيرهم. وحبس زيد ابن ثابت ] داره التي في البقيع وداره التي عند المسجد.
وقال الحميدي شيخ البخاري: وتصدق أبو بكر الصديق ] بداره بمكة وتصدق عمر بن الخطاب ] بربعه عند المروة وبالثنية على ولده ، وتصدق على بن أبى طالب ] بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بن العوام ] بدراه بمكة وداره بمصر، وأمواله بالمدينة، وتصدق سعد بن أبى وقاص ] عنه بداره بالمدينة وبداره بمصر، وعثمان بن عفان ] برومة، وعمر وبن العاص ] بالوهط من الطائف وداره بمكة على ولده فذلك إلى اليوم وحكيم بن حزام ] بداره بمكة والمدينة (6).
وقد جاء في الحديث والسير أن كل من كان له مال من الصحابة رضي الله عنهم وقف من ماله إما وقفا ذريا خاصا، أو عاما، ومن ذلك: أن أبا بكر الصديق ] وقف داره بمكة على ولده، وعمر ] وقف ربعه عند المروة وبالثنية على ولده، وتصدق بماله الذي بخيبر ووادي القرى وغير ذلك، وعثمان بن عفان ] وقف بئر رومة فهي وقف إلى اليوم، وعلي بن أبي طالب ] وقف أرضه بينبع والمدينة ووادي القرى وفدك، وتصدق سعد بن أبي وقاص ] بدُوره على أولاده من البنين والبنات، وأن للمطلقة من بناته أن تسكن فيها غير مُضِرَّة، ولا مُضَارٍّ بها؛ ووقف الزبير بن العوام ] داره التي  بمكة، وداره التي بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده.
ووقف طلحة بن عبيد الله ] داره بالمدينة، وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجات من آل عمر، وحبس زيد بن ثابت ] داره التي عند البقيع وداره التي عند المسجد، وحبس عمرو بن العاص ] أرضه المسماة (الوَهَط والوُهَيْطِ) في الطائف وداره التي بمكة على ولده.
وحبس خالد بن الوليد ] داره التي بالمدينة، ووقف حكيم بن حزام ] داره الشارعة في البلاط، ووقف أنس ] داراً له بالمدينة، واشترت عائشة رضي الله عنها داراً، وكتبت في شرائها: إني اشتريت داراً، وجعلتها لما اشتريتها له، فمنها مسكن لفلان ولِعَقِبِه ما بقي بعده إنسان، ومسكن لفلان، وليس فيه لعقبه، ثم يرد بعد ذلك إلى آل أبي بكر. ووقفت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دارها صدقة، حبس لا تباع ولا توهب ولا تورث.
ووقفت أم سلمة رضي الله عنها صدقة حبساً لا تباع ولا توهب، ووقفت أم حبيبة، وصفية أمهات المومنين رضي الله عنهن، ووقف جابر بن عبد الله رضي الله عنه بستانه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ووقف سعد بن عبادة وقفا عن أمِّه فيها سقي الماء، ثم حبس عليها مالاً من أمواله، على أصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ووقف عقبة بن عامر ] دارا تصدق بها حبساً؛ لا تباع ولا توهب ولا تورث، على ولده وولد ولده، فإذا انقرضوا فإلى أقرب الناس مني، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وللدلالة على وفرة أوقاف الصحابة قال الشافعي -رحمه اللَّه-: « بلغني أن ثمانين صحابياً من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات «، والشافعي -رحمه اللَّه- يسمي الأوقاف: الصدقات المحرمات7.
وقال ابن حزم -رحمه اللَّه-: « وسائر الصحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس لا يجهلها أحد 8» .
فقد تنافس السلف الصالح - رحمهم الله - من لدن الصّحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم على وقف بعض أملاكهم ابتغاء ما عند الله من الأجر والثّواب؛ ولا شك أن ذلك من باب حفظ ونماء للمال، فقد جاء عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله [: “إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال9».
والوقف من حفظ المال ونمائه، ومن الشّواهد على ذلك ما ذكر ابن بطوطة  من وصف للأوقاف الّتي شاهدها في رحلته إلى دمشق حيث يقول: « والأوقاف بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها، فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج يعطى لمن يحج عن الرّجل منهم كفاية، ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن، وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن، ومنها أوقاف لفكاك الأسرى، ومنها أوقاف لأبناء السبيل، يعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم 10»
وكان ابن جبير – رحمه الله – الذي تقدم ابن بطوطة بأكثر من قرن ونصف القرن، (614 هـ  - 1217 م)  قد زار دمشق، وأدهشه ما عاين فيها من غزارة الأوقاف، حتّى « إنّ البلد تكاد الأوقاف تستغرق جميع ما فيه11».
وازدهرت الأوقاف في العهود الإسلامية ازدهاراً عظيماً، وذلك في مصر والشام ونجد والحجاز والمغرب العربي وغيرها من البلاد المفتوحة، وذلك بسبب كثرة الأموال التي تحصّل عليها المجاهدون من الفتوحات الإسلامية، وكان من ثمار ذلك أن اتسعت مجالات الوقف في ذلك العصر، فلم يعد الوقف مقصورا على جهات الفقراء والمساكين فقط بل تعدى ذلك إلى بناء دور العلم والإنفاق على طلاب العلم، وإنشاء المساجد والدور الخيرية، بل وإلى تأسيس المكتبات والإنفاق عليها، وإنشاء المصحات وكانت مخصصة لعلاج المرضى بالمجان، وكذلك إنشاء الدور لسكن الفقراء والمساكين.
وقد سجَّل التاريخ لكثير من أهل الخير والثراء من المسلمين: أنهم وقفوا - بدافع الرحمة التي قذفها الإيمان في قلوبهم، والرغبة في مثوبة الله لهم، وألاَّ ينقطع عملهم بعد موتهم - أموالهم كلَّها أو بعضها على إطعام الجائع، وسقاية الظمآن، وكسوة العريان، وإعانة المحروم، ومداواة المريض، وإيواء المشرَّد، وكفالة الأرملة واليتيم، وعلى كلِّ غرض إنساني شريف، بل أشركوا في برِّهم الحيوان مع الإنسان12.
ولقول جابر الأنصاري ] فوائد عديدة نستخلص منها الآتي :
الوقف عبادة ظاهرة معلومة عند الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، والسلف الصالح من بعدهم على مر العصور، حرص عليها صحابة رسول الله [؛ وكانوا بذلك قدوة لما بعدهم من المسلمين.
وفيه تنوع أوقاف الصحابة وتلمسهم في حبسها ومصارفها حاجات الأسرة والمجتمع لتوفير الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع المسلم، لتترابط الأسر، وتتواصل الأرحام، وتنتشر المحبة والألفة بينهم، وفيه سعي الصحابة الكرام في أوقافهم الوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين.
وفيه أن وقف الدور من أشهر الأوقاف عند الصحابة، وفيه اتساع الوقف في عهد الخلفاء الراشدين أفضل العصور الإسلامية بعد عصر النبوة، فكثرث المساجد والدور والبساتين والآبار الموقوفة.
والوقف نظام إسلامي أخرج بأحكامه وتطبيقاته مؤسسات إسلامية ساهمت في صناعة الحضارة الإسلامية ونهضة الأمة، بشموله كل مناحي الحياة التعبدية والتعليمية والثقافية والإنسانية والإرشادية والمعيشية والإغاثية، وبذلك حفظ للمسلمين دينهم وعلمهم وهويتهم وقيمهم حتى في أشد الظروف صعوبة، وأكثرها قساوة.
الهوامش
1- أورده ابن قدامة في المغني 8/185 ، والزركشي 4/269 ، ولم أقف عليه مسنداً.
(2) المغني 8/186.
(3)أحكام الأوقاف للخصاف، ص15.
(4) تفسير القرطبي 6/318.
5 - انظر فتح الباري كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين ( 7/24) .
6 - أنظر السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرمات ( 6/161 ) .
7 - مغني المحتاج 2/376 .
8 - المحلى 9/180.
(9) أخرجه البخاري في الرقاق، باب ما يكره من قيل وقال، برقم (6473) ومسلم في الأقضية، باب النهي عن قيل وقال، برقم (593). والوقف من سبل الحفاظ على المال ونمائه .
10 - تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار المعروف بـ»رحلة ابن بطوطة»، ص: 119 – 120.
11 - رحلة ابن جبير، ص: 213.
12 - الوقف الخيري وأثره في تاريخ المسلمين للشيخ يوسف القرضاوي، ww.qaradawi.net




اعداد: عيسى القدومي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29-02-2024, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية(6)




جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة عظيمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها, أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث السادس، دليل من الأدلة الخاصة على مشروعية الإشهاد في الوقف والصدقة، وانتفاع الميت بصدقة الحي، وأن الإشهاد هو أحد الطرق الشرعية في توثيق الوقف, وأن من البر بالوالدين بعد موتهما: التصدق عنهما.
الإشهاد في الوقف
عن عبد الله بن عباس، أن سعد بن عبادة رضي الله عنه – أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :«يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال : «نعم». قال : فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقةٌ عليها»(1).
بوّب البخاري لهذا الحديث بقوله: “باب الإشهاد في الوقف والصدقة”، وقد ألحق الوقف بالصدقة، وروى نحوه أبو داود والترمذي والنسائي، بالسند إلى ابن عباس :“ أن رجلا قال: يا رسول الله إن أمي توفيت أفينفعها إن تصدقت عنها؟ فقال: نعم ، قال: فإن لي مخرفا وإني أشهدك أني قد تصدقت به عنها”(2).
قال المنذري : وهذا الرجل هو سعد بن عبادة ](3).
والحديث مفاده: كان لسعد بن عبادة ] حائط (4) مخراف (5): أي بستان، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه إن كان ينفع أمه التصدق ببستانه عنها، وكانت توفيت في غيابه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «نعم» تصدق عنها، فأشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بستانه المخراف صدقة على أمه، ووثق صدقته بالإشهاد عليه، وقوله: «أخا بني ساعدة» أي: واحدا منهم، والغرض أنه أيضا أنصاري ساعدي.
وفي إشهاد سعد، ذكر ابن حجر أن قوله: «أشهدك» يحتمل إرادة الإشهاد المعتبر, ويحتمل أن يكون معناه الإعلام، واستدل المهلب للإشهاد في الوقف بقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} ( سورة البقرة/282)، قال: فإذا أمر بالإشهاد في البيع وله عوض فلأن يشرع في الوقف الذي لا عوض له أولى.
وقال ابن المنير : كأن البخاري أراد دفع التوهم عمن يظن أن الوقف من أعمال البر فيندب إخفاؤه، فبين أنه يشرع إظهاره لأنه بصدد أن ينازع فيه ولا سيما من الورثة”6.
ووقف عمر لأرض خيبر ثبت بداية بالإشهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك كتب عمر ] كتاب وثيقته وأشهد عليه في وصيته التي كتبها في خلافته، ودعا نفرا من المهاجرين والأنصار فأحضرهم ذلك وأشهدهم عليه، فانتشر خبرها.
وعثمان أشهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة على وقفه عندما أعلن وقفه لبئر رومة سقاية للمسلمين، وسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل من حضر من الصحابة، وذلك إثبات بالشهادة، وكرر هذا الإثبات عندما كان خليفة، باستشهاد جمع غفير من الصحابة.
ودل على مشروعية التوثيق بالشهادة: الكتاب، والسنة، والإجماع، وفعل الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد استدل بعض أهل العلم على مشروعية توثيق الوقف بالشهادة بقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم}(7)، ووجّه الاستدلال به بقوله : «فإذا أمر بالإشهاد في البيع وله عوض، فلأن يشرع في الوقف الذي لا عوض له أولى» (8)، ومما يدل لذلك عمل بعض خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في توثيق أوقافهم بالإشهاد عليها، كعمر وعثمان وسعد رضي الله عنهم وأرضاهم.
جاء في الموسوعة الفقهية : “ الشهود على التصرفات وسيلة لتوثيقها، واحتياط للمتعاملين عند التجاحد، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ لأن الحاجة داعية إلى الشهادة لحصول التجاحد بين الناس فوجب الرجوع إليها”(9)، وفي حكم الإشهاد، قال ابن هبيرة: “ واتفقوا على أن الإشهاد مستحب وليس بواجب” (10) ، وهذا يعم الإشهاد على العقود وغيرها، سواء كتبت أم لم تكتب (11).
فالمقرر شرعاً أن الشهادة إحدى طرق إثبات الوقفية، وفي الفقه الإسلامي لم يشترط الإشهاد على الوقف بوصفه شرطاً لصحته، ألا أنه في العهود المتأخرة أدرجت بعض الدول الإسلامية بنودا قانونية لإثبات الوقف كاشتراط صدور إشهاد رسمي ممن يملكه، أمام الجهة المختصة بسماعه، وبناء على هذه النصوص عُدّ الإشهاد شرطا لصحة الوقف، واستثني وقف المسجد فهو لا يزال على حكمه الفقهي الذي اتفق عليه الفقهاء على صحة الوقف على المسجد وتوابعه سواء تم الإشهاد أم لا(12).
وفي بيان الشهادة التي تقبل في الوقف، قال الخصاف: «إن شهد الشهود أن فلاناً أقر عندنا أنه وقف هذه الأرض وقفاً صحيحاً وحددها، وأنه كان مالكها في وقت ما وقفها، قضينا بأنها وقف من قبل الواقف وأخرجناها من يدي الذي هي في يديه»(13).
وذكر الخصاف حكم الوقف إذا انقطع ثبوته فقال: إن الأوقاف التي تقادم أمرها، ومات شهودها، فما كان لها من رسوم في دواوين القضاة، وهي في أيديهم، أجريت على رسومها الموجودة في دواوينهم استحساناً إذا تنازع أهلها فيها، وما لم يكن لها رسوم في دواوين القضاة، فمن أثبت حقاً فيها عند التنازع حكم له به (15).

ومن فوائد الحديث: يشرع إظهار الوقف والإشهاد فيه، حتى يحفظ من الضياع والمنازعة والتعدي عليه ولاسيما من الورثة أو غيرهم، وفيه أن الوقف يطلق عليه مسمى الصدقة؛ فكل وقف صدقة، وكل صدقة ليست وقفاً.
وفيه دليل من الأدلة الخاصة على مشروعية الإشهاد في الوقف والصدقة، وفيه أن الإشهاد في الوقف مع كتابته مستحب عند الفقهاء في توثيق الأوقاف، ويُعد ذلك حجة في صحته. وفيه أن الإشهاد هو أحد الطرق الشرعية في توثيق الوقف، وقد دلت النصوص على مشروعية ثبوت الوقف، إما بالإقرار أو الكتابة أو الشهادة مفردة أو مجتمعة.
وفيه دليل على انتفاع الميت بصدقة الحي، أي انتفاع الأموات بسعي الأحياء، وفيه أن التصدق للوالدين باب من أبواب برهما حتى بعد موتهما وهو من الأعمال التي يصل ثوابها للميت، وفيه أن الصدقة من أعمال الإحياء المالية التي ينتفع بها الميت، وفيه استعجال التصدق والبذل للميت، ولاسيما إن كان أباً أو أماً فهما أولى الناس بالبر والإحسان، وفيه دليل واضح على أن الصدقة تلحق الوالدين بعد موتهما إذا كانا مسلمين، دون وصية منهما.
وهذا من فضل الله تبارك وتعالى الواسع على عباده أنه إذا مات الإنسان وأفضى إلى ما قدم، جعل الله عز وجل له بابين لاستمرار الأجر والثواب: الباب الأول في حياته: وذلك بأن يعمل الإنسان من الأعمال ما يستمر أجره بعد موته، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(15).
وكذلك الأجر الذي يناله الإنسان من هدايته غيره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا يَنقص ذلك مِن أجورهم شيئا» (16).

الهوامش
1 - أخرجه البخاري في الوصايا، باب الإشهاد في الوقف والصدقة ، برقم 2762.
2 - سنن أبي داود، برقم ( 2882)، وسنن الترمذي برقم (669)، وصحيح النسائي برقم ( 3657).
3 - انظر: عون المعبود (8/63).
4 - الحائط: البستان من النخل إذا كان عليه حائط أي جدار، ويجمع على: حوائط.
5 - المخراف : أي البستان، جاء في معجم البلدان للحموي (5/71) : المخراف : وهو من المخارف، واحدها مَخْرَف، وهو جني النخل، وإنما سمي مخرافاً: لأنه يخترف منه.
6 - فتح الباري ( 6/717).
7 - سورة البقرة ، آية 282.
8 - فتح الباري، ( 6/717).
9 - الموسوعة الفقهية، (14/ 139-140).
10 - الإفصاح ( 2/356).
11 - توثيق الوقف ( المعوقات والحلول )، د.عبد الرحمن الطريقي، بحث منشور.
12- نصت المادة الأولى من قانون الوقف المصري رقم (48 لسنة 1952) على اشتراط إشهاد رسمي من الواقف، أمام إحدى المحاكم الشرعية التي بدائرتها أعيان الوقف كلها أو أكثرها؛ سداً للباب أمام الدعاوى الباطلة لإثبات الوقفيات بشهادات الزور، وهذا يتفق مع الحكم القانوني الذي يشترط التسجيل في السجل العقاري لكل تصرف واقع على العقار، أياً كان العقار، وأياً كان التصرف الواقع عليه. انظر : الفقه الإسلامي وأدلته ، د. وهبة الزحيلي، (8/215).
13 - أحكام الأوقاف، للخصاف، ص 210.
14- الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، (8/215).
(15) أخرجه مسلم ، برقم (1631).
16 - أخرجه مسلم، برقم (2674).


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-02-2024, 10:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعــون الوقفيــة (7)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وأحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكام وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
- والحديث السابع، جمع سبعة من الأعمال التي تُعد من الوقف الإسلامي التي تجري فيها الحسنات لصاحبها إلى ما بعد الممات، وتنوع تلك الأعمال لتوسيع دائرة الاختيار، وهذا من فضل الله تعالى على عباده ورحمته بهم أن فتح لهم أبواباً من الخير ما يدوم فيها الأجر والمثوبة .
سبعٌ من الوقف
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله [: «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته»(1).
من نعم الله تبارك وتعالى على عباده المؤمنين أن هيأ لهم أبواباً من البر والخير والإحسان عديدة, يقوم بها العبد الموفق في هذه الحياة, ويجري ثوابها عليه بعد الممات, فأهل القبور في قبورهم مرتهنون, وعن الأعمال منقطعون, وعلى ما قدموا في حياتهم محاسبون ومجزيون, وبينما هذا الموفق في قبره الحسنات عليه متوالية, والأجور والأفضال عليه متتالية, ينتقل من دار العمل, ولا ينقطع عنه الثواب, تزداد درجاته, وتتناما حسناته، وتتضاعف أجوره وهو في قبره, فما أكرمها من حال, وما أجمله وأطيبه من مآلٍ!. وهذا ما أخبرنا به حبيبنا محمد أن أموراً سبعة يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعدما يموت وتفصيلها الآتي:
- أولاً: تعليم العلم ونشره: ذلك العلم النافع الذي يبصر الناس بدينهم ,ويعرفهم بربهم ومعبودهم, ويهديهم إلى صراطه المستقيم, وعندما يموت العالم تبقى علومه بين الناس موروثة, ومؤلفاته وأقواله بينهم متداولة, وهو في قبره تتوالى عليه ويتتابع عليه الثواب، ويبقى جاريا على صاحبه لا ينقطع بموته.
- ثانياً: إجراءُ النهر: من شق الجداول والأنهار، وتسهيل مجاريها، لتوفير الماء لكل من يحتاجه، وتيسير الوصول له، والانتفاع به ليروى منه الناس، وكذلك زروعهم وماشيتهم، فكل في هذا العمل من خير وأجر، ويلحق بإجراء النهر كل ما جرى فيه الماء من سبيل ومد الأنابيب، وتوفير الماء في الطرق وتجمعات الناس، ومن أعظم ما وثق التاريخ في الانتفاع بالماء، الوقف الذي قامت بإنشاءه «زبيدة» بنت جعفر المنصور، زوجة هارون الرشيد، حينما رأت أثناء حجها ما يعانيه الحجاج من نقص المياه، فأمرت بحفر نهر جار يتصل بمساقط مياه المطر, ونفذت وقفها بأن مهّدت طريقاً للحجاج من بغداد إلى مكة، وأنشأت في هذا الطريق مرافق ومنافع وآبار ظل يستفيدُ منها حجاج بيت الله الحرام منذ أيامها إلى وقت قريب.
- ثالثاً: حفر الآبار: حبس الماء في الآبار فيه الأجر من الله تعالى والنفع لكل كبد رطب، جاء عن سعد بن عبادة – ] - أنه قال: «يا رسول الله، إن أُم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: «الماء»؛ فحفر بئراً، وقال: هذه لأم سعد»(3).
وجاء في السنة أن النبي صلى صلى الله عليه وسلم قال: “بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب فشكر الله له، فغفر له، قالوا يا رسول الله! وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال: «في كل كبد رطبة أجر»(4).
فكيف إذاً بمن حفر البئر وتسبب في وجودها حتى ارتوى منها خلقٌ, وانتفع بها كثيرون، وسهلت للناس في حلهم وترحالهم .
- رابعاً: غرس النخل: النخل سيد الأشجار وأفضلها وأنفعها وأكثرها فائدة على الناس, فمن غرس نخلاً وسبل ثمره للمسلمين فإن أجره يستمر كلما طعم من ثمره طاعم, وكلما انتفع بنخله منتفع من إنسان ٍأو حيوان, وهكذا الشأن في غرس كل ما ينفع الناس من الأشجار , وإنما خص النخل هنا بالذكر لفضله وتميز(ه). والغرس صدقة إلى يوم القيامة، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله[: «ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له منه صدقة» (6). وفي غرس النخل والزروع نماء للمجتمع، وتوفير الحاجيات الأساسية، وتحقيق الأمن الغذائي، والإسهام في عملية التنمية الاقتصادية، وزيادة عوامل الإنتاج كمّاً ونوعاً.
- خامساً: بناء المساجد: إعمار وبناؤها المساجد من الصدقة الجارية، وهي أحب البقاع إلى الله، فالأجر لبانيه ما أذن فيه مؤذن، وما أقيمت فيه صلاة، وما ذكر فيه الله تعالى ونشر فيه العلم، وقد ثبت عن النبي[ قال: «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتاً في الجنة»(7).
- سادساً: توريث المصحف: وذلك بنسخ المصاحف كما كان في العهود السابقة، وطباعة المصاحف ونشرها ووقفها في المساجد، والمستشفيات وأماكن الانتظار والتجمعات، ولواقفها أجرٌ عظيم ٌكلما تلا في ذلك المصحف تالٍ, وكلما تدبر فيه متدبر, وكلما عمل بما فيه عامل.
- سابعاً: الولد الصالح: والولد الصالح هو كل مولود من ذكر أو أنثى قائم بحقوق الله تعالى، وحقوق العباد، صالح في نفسه، ومصلح لغيره، والذي اجتهد أبواه في تربيته تربية صالحة، ليكون ابناً باراً بأبويه، فنشأ على طاعة الله تعالى، داعياً لأبويه بالخير، يسأل الله لهم الرحمة والمغفرة، فهذا مما تستمر فيه الحسنات بعد الممات.
وقد ورد في معنى الحديث المتقدم ما رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة ] قال، قال رسول الله [:«إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره , وولداً صالحاً تركه, ومصحفاً ورثه أو مسجداً بناه, أو بيتاً لابن السبيل بناه , أو نهراً أجراه , أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته» 8.
والوقف بشموله وتنوعه جمع خير الدنيا والآخرة، ففي الأولى كان وما زال الوقف داعماً رئيساً للتنمية والحضارة، وفي الآخرة الثواب والأجر المستمر بفضل الله ومنّه على خلقه. فهو وسيلة عظيمة بعد انقضاء الأجل لرفع الدرجات والتكفير عن السيئات، هذا من جانب النفع العائد على الموقف أما المنافع التي تعود على الأحياء وعلى المجتمع بأسره فكثيرة وعظيمة. فعلى كل مسلم الحرص على أن يكون له من الأعمال التي يدوم نفعها في آخرته.
فوائد من الحديث : الحديث دليل على فضل الوقف وأنه من الصدقات الجارية والإحسان المستمر، وفيه دليل على جريان الحسنات للواقف بعد الممات. فينتفع المسلم بآثار ما عمله في حياته وخير الأعمال هي «الوقف»، < وفيه أن الأصل في الوقف أن يكون ذو منفعة دائمة مستمرة، وفيه أن مقصود الوقف التقرب إلى الله تعالى، فلا يحصل ذلك إلا بالأعمال التي فيها طاعة الله وإتباع هدي رسوله [.
- وفيه أن من مقاصد الوقف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين بتنوع الأعمال والمشاريع الوقفية. وفيه أن الوقف باب لتوفير الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع المسلم، < وفيه أن الوقف منبع لإشاعة التراحم والمحبة بين أفراد المجتمع وتقديم الخدمات العامة للمجتمع المسلم.
- وفيه أن الوقف الإسلامي من سماته الشمول فهو إما خيري أو ذري أوكلاهما، وكذلك التنوع فإما أن يكون للحاجات المادية كالمأكل والمشرب والملبس والعلاج، أو لتوفير الحاجات المعنوية كالتعليم والتطوير، أو للحاجات النفسية كإدخال السرور في النفوس، وتوفير الحياة التي تحفظ للإنسان كرامته.
ولا شك أن أفضل الوقف ما كان أكثر نفعاً(9)- ما عم نفعه ودام ظلّه- وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان والحاجة الماسة له، ولذلك ينبغي للواقف أن يستشير من يثق بدينه وعلمه وخبرته وإطلاعه قبل أن يوقف، وأن يعمل على استدامته في حياته وبعد موته ببذل الأسباب التي يدوم فيها الوقف ومنفعته. وقد هيأ الله تبارك وتعالى – في عصرنا - مؤسسات وقفية تنشر ثقافة الوقف وترعى الأوقاف، وتجمع الأسهم الوقفية وتتبنى المشاريع الوقفية، وتيسر للناس سبل الإسهام والمشاركة في المشاريع الوقفية، فالوقف يقاس بانتشاره وحجمه وتنوعه وبثقافة المجتمع وتدينه، وتحمل مسؤولياته، وفيه المؤشرات والدلالات الكثيرة على وعي المجتمع وتدينه وسعيه لتخفيف معاناة أهل الحاجة.
الهوامش
1- حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم :3596./ 3602/
2 - الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، مقال بعنوان: «سبع يجري للعبد أجرهن»www.al-badr.net.
3 - رواه أبو داود، برقم 1678. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1474.
4 - رواه مسلم في صحيحه، برقم 2244.
5 - الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، مقال بعنوان: «سبع يجري للعبد أجرهن»www.al-badr.net.
6- أخرجه البخاري في الأدب، باب: «رحمة الناس والبهائم»، برقم (6012) ومسلم في المساقاة والمزارعة، باب: فضل الغرس والزرع، برقم (1552).
7- مصنف ابن أبي شيبة 1/310.
8- حسنه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه برقم 198.
9- قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتابه منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، باب الوقف: وهو من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم .. وأفضله : أنفعه للمسلمين. أنظر منهاج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، ص 62-63.


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29-02-2024, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية (8)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث الثامن، من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهود والشروط، وأنها من الصفات التي رسخها الإسلام، ومدحها ورتب عليها الجزاء الجزيل والثواب الوفير.
الحديث الثامن شروط الواقف معتبرة في الشريعة
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المسلمون على شروطهم».
بوّب البيهقي لهذا الحديث بقوله: «باب الصدقة على ما شرط الواقف»، وأورده في كتاب الوقف؛ وذلك لقوة اعتبار شروط الواقفين المستمدة من أصل شرعية الوقف، فالواقف لم يرض بحبس ملكه لله تعالى وإخراجه من ملكه إلا بهذه الشروط، ومقتضى ذلك في سائر العقود، أن الشرط إذا لم يتحقق بطل العقد وعاد المعقود عليه إلى صاحبه، ولا سبيل إلى ذلك في الوقف؛ فوجب عدّ شروط الواقف في وقفه. وقد عبَّر ابن القيم عن هذا المعنى بقوله: «الواقف لم يُخرج ماله إلا على وجه معين؛ فلزم اتباع ما عينه في الوقف من ذلك الوجه، وقد اتفق العلماء على أن شروط الواقف - في الجملة - معتبرة في الشريعة، وأن العمل بها واجب».
والحديث من جوامع كلم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، التي أكدت أهمية الوفاء بالعهود والالتزامات، فـ«المسلمون على شروطهم» أي: ثابتون عليها لا يرجعون عنها، فالمسلم يوفي بما عليه من حقوق وواجبات ولا يتهرب منها، ولا يتحايل لإسقاطها والتملص منها؛ بل إن دينه وإيمانه يحمله على أداء الحقوق والوفاء بالالتزامات والشروط: جَمع شرط، والمراد بها الشروط المباحة .
وشروط الواقف يقصد بها تلك الإرادة التي يقوم الواقف بالتعبير عنها في وثيقة وقفه، وهذه الوثيقة تسمى: كتاب الوقف، أو الإشهاد بالوقف، أو حجة الوقف. وهو يعبر عن إرادته تلك في صورة مجموعة من الشروط، التي يحدد بها كيفية إدارة أعيان الوقف، وتقسيم ريعه، وصرفه إلى الجهات التي ينص عليها أيضاً في الوثيقة نفسها.
ويطلق على تلك الشروط في جملتها اصطلاح: (شروط الواقف)، وأهل العلم رفعوها إلى منـزلة النصوص الشرعية من حيث لزومها ووجوب العمل بها، فقالوا: «إن شرط الواقف كنص الشارع»، ولكن هذه الشروط لا تكون بهذه المنـزلة إلا إذا كانت محققة لمصلحة شرعية، أو موافقة للمقاصد العامة للشريعة، وهي المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وأبطلوا كل شرط يؤدي إلى إهدار مصلحة شرعية، أو يخالف مقصداً من تلك المقاصد.
وأوضح ذلك شيخ الإسلام بقوله: «من قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف; لا في وجوب العمل بها أي إن مراد الواقف يستفاد من ألفاظه المشروطة; كما يستفاد مراد الشارع من ألفاظه; فكما يعرف العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتشريك والترتيب في الشرع من ألفاظ الشارع؛ فكذلك تعرف في الوقف من ألفاظ الواقف.. وأما أن تجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها; فهذا كفر باتفاق المسلمين; إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة».
جاء في «غمز عيون البصائر» قوله: «قول العلماء: شرط الواقف كنص الشارع، قيل: أراد به في لزوم العمل، وذلك أيضا بأمر الله تعالى وحكمه؛ فلا يلزم عليه إنكار بعض المحصلين في زماننا؛ حيث قال: هذه كلمة شنيعة غير صحيحة».
- والشروط نوعان: شروط صحيحة، وشروط باطلة، فالشروط الصحيحة لازمة، وأما الشروط الباطلة- التي تضمنت إما تحليل حرام أو تحريم حلال- فهي لاغية، وهذا ما نص عليه شيخ الإسلام: «وقد اتفق المسلمون على أن شروط الواقف تنقسم إلى صحيح وفاسد كالشروط في سائر العقود».
والشروط التي يجب الوفاء بها، هي الشروط التي لا تُخالف كتاب الله وسنَّة رسوله، فإن خالفتهما فتحرم ولا تصح؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم : «فما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟!، ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مئة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق».
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا الحديث الشريف المستفيض الذي اتفق العلماء على تلقيه بالقبول، اتفقوا على أنه عام في الشروط في جميع العقود ليس ذلك مخصوصا عند أحد منهم بالشروط في البيع، بل من اشترط في الوقف أو العتق أو الهبة أو البيع أو النكاح أو الإجارة أو النذر أو غير ذلك شروطا تخالف ما كتبه الله على عباده بحيث تتضمن تلك الشروط الأمر بما نهى الله عنه أو النهي عما أمر به أو تحليل ما حرمه أو تحريم ما حلله، فهذه الشروط باطلة باتفاق المسلمين في جميع العقود: الوقف وغيره».
وأضاف شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا خلا العمل المشروط في العقود كلها عن منفعة في الدين أو في الدنيا، كان باطلاً بالاتفاق في أصول كثيرة؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فيكون باطلاً، ولو كان مائة شرط».. وفي جواب سؤال آخر، قال رحمه الله: «إذا علم شرط الواقف، عدل عنه إلى شرط الله قبل شرط الواقف (إذا كان مخالفاً لشرط الله) ».
ومن شروط الواقفين التي كثر مجيئها في وثائق الأوقاف وقد سميت في الاصطلاح الحديث بالشروط العشرة، وهي من الشروط الصحيحة للواقف أن يشترطها في وقفه، وقد اهتم بها أغلب الواقفين وحرصوا على النص عليها في أوقافهم، تفصيلها الآتي: الإعطاء، والحرمان، والإدخال، والإخراج، والزيادة، والنقصان، والتغيير، والإبدال، والاستبدال، والتبادل.
وهنالك مسوغات لمخالفة شرط الواقف في أحوال قيدها أهل العلم بالآتي:
• إذا أصبح العمل بالشرط في غير مصلحة الوقف، كألا يوجد من يرغب في الوقف إلا على وجه مخالف لشرط الواقف.
• إذا أصبح العمل بالشرط في غير مصلحة الموقوف عليهم كاشتراط العزوبة مثلاً.
• إذا أصبح العمل بالشرط يفوت غرضا للواقف، كأن يشترط الإمامة لشخص معين ويظهر أنه ليس أهلاً لإمامة الصلاة.
• إذا اقتضت ذلك مصلحة أرجح، كما إذا وقف أرضا للزراعة فتعذرت وأمكن الانتفاع بها في البناء، فينبغي العمل بالمصلحة؛ إذ من المعلوم أن الواقف لا يقصد تعطيل وقفه وثوابه - روضة الطالبين 5/388، مغني المحتاج 2/391.
- ومن فوائد الحديث: أن الوفاء بالعهود والالتزام بالشروط من الصفات التي رسخها الإسلام، ومدحها القرآن، ورتب عليها الجزاء الجزيل والثواب الوفير، الوفاء بالعقود وبالعهود، وأداء الالتزامات، للخالق سبحانه وللمخلوقين .
وفيه أن الأصلَ في الشروط الصحة ولزوم الوفاء بها، ما لم تخالف الشريعة، سواء كانت في العبادات أو في المعاملات، وحريٌ بالمسلم أن يفي بالشروط والحقوق، ويحذر من الغدر والخيانة لأنهما من أسباب ورود النار كما قال[: «المكر والخديعة والخيانة في النار».
وفيه أن الأصل في الشروط والعقود هو الحل والإباحة إلا ما قام الدليل على بطلانه، وفيه وجوب الوفاء بالعهود والالتزامات التي يعقدها الإنسان على نفسه سواء مع الله تعالى بمقتضى إسلامه كالقيام بواجب الإيمان والإخلاص ونبذ الشرك والمعاصي، وكأداء العبادات الواجبة، أو ما يعقده الإنسان مع غيره من المسلمين أو غيرهم من معاملات وتبرعات وغيرها من تصرفات لازمة كما قال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
ومن أعظم المسؤوليات نظارة الوقف، والناظر على الوقف هو راع لهذا الوقف ومؤتمن على رعايته وحسن إدارته، وصرف ريعه على الوجه الموافق لشروط الواقف، وكذلك الضوابط الشرعية، جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله[: «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
وللشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – قول نفيس في التزام الناظر بشروط الواقف نصه: «على نظار الوقف أن يلتزموا بشروط الواقف، وأن يرعوا الوقف ويحافظوا عليه، وأن يحذروا التساهل بحفظ أصله وتوزيع ريعه، قال تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّه} (البقرة: 283)؛ والمؤمَّل في النظارِ بذلُ النفيس في تنفِيذ وتحقيق شروطِ الواقف وإقامة ضوابط الوقفِ وتعمير أصوله واستثمارِ محصولِه والسلوك بالمستفيدين ما يوجِب لهم الإكرام والإنعامَ وأخذهم بطرائق الرحمة وسجيحِ الأخلاق وسُبُل الشفقة والإرفاق.
روى البخاري من حديثِ أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الخازن المسلم الأمين أحدُ المتصدِّقين».



اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 01-03-2024, 06:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية (9)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها، أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا .
والحديث التاسع، استدل به العلماء على مشروعية الحبس والوقف خلافا لمن منع ذلك وأبطله، فهو سنة مندوب إليها للقريب والبعيد؛ لقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.
الحديث التاسع: الوقف مال رابح
عن أنس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} (آل عمران: 92)، قال أبو طلحة: أرى ربنا يسألنا من أموالنا، فأشهدك يا رسول الله أني قد جعلت أرضي بيرحاء لله، قال: فقال رسول الله[: «اجعلها في قرابتك» قال: فجعلها في حسان بن ثابت وأبيِّ بن كعب.
وفي رواية أخرى في الصحيحين: «كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب ماله إليه بيرحاء مستقبلة المسجد، وكان النبي[ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس : فلما نزلت: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}(آل عمران:/92)، قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن الله يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله. فقال رسول الله[: «بخ ، ذلك مال رابح، أو رايح - شك ابن سلمة - وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، قال أبو طلحة: أَفْعلُ ذلك يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه.
وقد بوب لهذا الحديث البخاري باباً أسماه: ‏(‏باب إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة‏)‏، وأوضح ابن حجر في الفتح: «أن هذا الجواز محمول على ما إذا كان الموقوف أو المتصَّدق به مشهورا متميزا بحيث يؤمن أن يلتبس بغيره، وإلا فلا بد من التحديد اتفاقا.. ويحتمل أن يكون مراد البخاري أن الوقف يصح بالصيغة التي لا تحديد فيها بالنسبة إلى اعتقاد الواقف وإرادته لشيء معين في نفسه، وإنما يعد التحديد لأجل الإشهاد عليه ليبين حق الآخر» .
وشرح الحديث: أن أبا طلحة كان أكثر الأنصار مالاً من نخل، أي أغنى رجال الأنصار في المدينة، وكانت له مزرعة تسمى «بيرحاء» في أرض ظاهرة منكشفة، وهي مستقبلة مسجد رسول الله[، وكان أبو طلحة يحبها كثيرا؛ ومن جمالها وعذوبة مائها، كان النبي[ يدخلها ويشرب من ماء فيها عذب المذاق، ويستظل فيها، فلما نزلت الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، أي: لن تصيبوا ثواب الله - وقيل: الجنة - حتى تقدموا من أموالكم في سبيل الله ما تتعلق به قلوبكم، وقال عطاء: «لن تنالوا البر أي شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحاء أشحاء»، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يشتري أعدالاً من سكر ويتصدق بها، فقيل له: هلا تصدقت بقيمتها؟ فقال: لأن السكر أحب إلي فأردت أن أنفق مما أحب، وقال الحسن: إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون، ولن تدركوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون.
فقال أبو طلحة مبادراً إلى إنفاق ما يحبه: «وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله»، فقال[ إقراراً بفعله: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح» ‏و(‏بخ‏)‏ معناها تفخيم الأمر والإعجاب بما قاله أبو طلحة؛ وقد وصف[ تلك الصدقة بالمال الرابح. «‏فقسمها أبو طلحة» وجعلها حدائق بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب. ‏
وسارع الصحابي الجليل عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- في الإنفاق مما أحب من ماله حينما سمع الآية الكريمة، فقد أخرج البزار، عن ابن عمر قال: «حضرتني هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، فذكرت ما أعطاني الله عز وجل، فلم أجد شيئا أحب إلي من مرجانة - جارية لي رومية، فقلت: هي حرة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها».
وفوائد هذا الحديث أجمعها بالآتي:
الحديث فيه دلالة على مشروعية الوقف وفضله، وفيه جواز القول: إن الله يقول، كما يقال: إن الله قال، وقال الله، وفيه استحباب الإنفاق مما يحب، ومشاورة أهل العلم والفضل في كيفية الصدقات ووجوه الطاعات وغيرها .
وفيه أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين، وفيه أن القرابة يرعى حقها في صلة الأرحام وإن لم يجتمعوا إلا في أب بعيد؛ لأن النبي[ أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين فجعلها في أبي بن كعب وحسان بن ثابت، وإنما يجتمعان معه في الجد السابع، وفيه تقديم الأقرب من الأقارب على غيرهم.
وفيه أنه لا يشترط في الموقوف عليه أن يكون قريباً من الموقِف أو من نسله، بل لصاحب الوقف أن يعطي القريب والبعيد على درجة سواء، فالوقف يجوز فيه التفاضل، ويجوز فيه تخطي القريب إلى البعيد، وفيه أنه لا يجب الاستيعاب للكل؛ لأن بني حرام الذين اجتمع فيهم أبو طلحة وحسان كانوا بالمدينة كثيراً.
وفيه أن الوقف لا يحتاج في انعقاده قبول الموقوف، وفيه جواز التصدق من الحي في غير مرض الموت بأكثر من ثلث ماله؛ لأن النبي[ لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به وما بقي له من المال والممتلكات.
وفيه اتخاذ الحوائط والبساتين ودخول أهل الفضل والعلم فيها، والاستظلال بظلها والأكل من ثمرها والراحة والتنزه فيها، وقد يكون ذلك مستحبا يترتب عليه الأجر إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها للطاعة، وفيه كسب العقار، وإباحة الشرب من دار الصديق ولو لم يكن حاضرا إذا علم طيب نفسه، وفيه إباحة استعذاب الماء وتفضيل بعضه على بعض.
وفيه جواز حب المال إلى الرجل الصالح الفاضل العالم، ولا نقص عليه في ذلك.
وفيه جواز إشهار الصدقة، وإشهار تخصيصها، وفيه جواز الوقف على الأقارب، وفيه فضيلة لأبي طلحة لأن الآية تضمنت الحث على الإنفاق من المحبوب فترقى هو إلى إنفاق أحب المحبوب، فصوب[ رأيه وشكر عن ربه فعله، ثم أمره أن يخص بها أهله، وكنى عن رضاه بذلك بقوله‏:‏ ‏«‏بخ‏»‏‏.‏
وفي أنواع الوقف وأقسامه باعتبار الموقوف عليهم، لم يكن المتقدمون يفرقون في التسمية بين ما وقف على الذرية، وما وقف على غيرهم من جهات البر، بل الكل يسمى عندهم وقفاً، أو حبساً، أو صدقة، فهذا التقسيم لم يرد في اصطلاحات الفقهاء وإنما جرى به عرف الناس؛ لأن الأصل في الأوقاف كلهما أن تكون منسوبة إلى الخير لأنها من أعمال الإحسان والبر.
إلا أن المتأخرين مالوا إلى التمييز بين ما وقف على الذرية والأهل، وبين ما وقف ابتداءً على جهة من جهات البر، كالفقراء، أو طلبة العلم، أو المشافي، أو دور العلم، فأطلقوا على الأول: وصف الوقف الذري - أو الأهلي - وعلى الثاني: وصف الوقف الخيري، وحقيقة الأمر أن الوقف شامل لكلا المسميين، فالوقف سواء كان على الأهل، أم على سائر جهات البر، فيه معنى الخير، والإحسان، والصدقة، لا فرق .
والصحابة – رضوان الله عليهم - عرفوا نوعَي الوقف؛ العام والذَّري، وهذا واضح من خلال النصوص الوقفية التي كتبوها في وقفياتهم، وأشهدوا الناس عليها؛ فهذا عمر رضي الله عنه يقول: «في الفقراء والقربى، وفي سبيل الله، والضيف وابن السبيل». فهذا وقف خيري عام؛ لأن هؤلاء الأصناف ليسوا بمحصورين، بل هم صنف من الناس يكونون في كل زمان ومكان، وعرفوا كذلك الوقف الذري على الأبناء والأعقاب جيلاً بعد جيل، فهذا الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول في صدقته: «إنها حبس؛ لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، على ولده، وولد ولده، فإذا انقرضوا فإلى أقرب الناس مني حتى يرث الله الأرض ومن عليها»، ومثل هذا كَتَب جمع من الصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم.


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-03-2024, 08:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية (10)




جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث العاشر، بشرى لكل مسلم، لينال الأجر العظيم ويستمر الأجر في الحياة وما بعد الممات، ما دام ينتفع منه الإنسان أو الطير أو البهيمة ، ألا وهو الغرس والزرع.
الحديث العاشر : الغرس صدقة إلى يوم القيامة
عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له منه صدقة» (1).
يبشرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الغرس باب من أبواب البر والخير يسلكه المؤمن رغبة في إعمار الأرض ودوام الأجر والثواب، وأنه ما من مسلم يغرس غرساً، أي: يثبت الشجر في الأرض، أو يزرع الزرع - والغرس غير الزرع - فيأكل من المزروع أو المغروس إنسان أو طير أو بهيمة باختياره أو من غير اختياره، إلا كان له به صدقة إلى يوم القيامة، ما دام يُنتفع من زرعه وغرسه.
وفي رواية مسلم عن جابر: «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق له منه صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة»(2).
وجاء في الحديث: «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته» (3)، وذكر منها: «غرس النخل»، فمن غرس نخلاً وسبّل ثمره للمسلمين فإن أجره يستمر كلما طعم من ثمره طاعم, وكلما انتفع بنخله منتفع من إنسان أو حيوانٍ, وهكذا الشأن في غرس كل ما ينفع الناس من الأشجار، ففي غرس النخل والزروع نماء للمجتمع، وتوفير الحاجيات الأساسية، وتحقيق الأمن الغذائي، والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية، وزيادة عوامل الإنتاج كمّاً ونوعاً.
ومن فضل الإسلام أن جميع أعمال المسلم التي ينتفع بها غيره، يثاب عليها في الآخرة، حتى وإن كان المنتفع حيواناً أو طيراً، ولا يكون ذلك إلا للمسلم؛ ولذلك سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أُم مُبَشِّر الأنصارية قائلاًَ لها: من غرس هذا النخل؟ أمسلم أم كافر؟ فقالت: بل مُسلم، فقال: «لا يغرس مسلم غرساً، ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا دابَّة ولا شيءٌ، إلا كانت لهُ صدقةٌ»(4).
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان لهم أجر في الإحسان إلى البهائم وفي سقيها وإطعامها، فأجابهم بأنه في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ، أي في كل كبد حي أجر. وحرص الصحابة رضوان الله عليهم على وقف البساتين، والزروع والحوائط، قربة إلى الله تعالى، ونفعا للعباد، وكل كبد رطبة، وأشهدوا على ذلك، وبعضهم تولى نظارتها ورعايتها وتوزيع نتاجها في حياته، وأوصى بمن يتولاها من بعده، فعمر رضي الله عنه قد أوقف أرضه بخيبر وهي أنفس ما ملك ، ووقف على بن أبي طالب رضي الله عنه أرضه بينبع، ووقف أبو طلحة رضي الله عنه مزرعته «بيرحاء» وكان فيها أجود نخل المدينة، وأوقف عمرو بن العاص ] أرضه المسماة (الوَهَط أو الوُهَيْطِ) في الطائف، ووقف جابر بن عبد الله رضي الله عنه بستانه على ألا يباع ولا يوهب ولا يورث.
وروى أحمد بالسند عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل» (5).
أي إن قامت القيامة وفي يد أحدكم نخلة صغيرة - الفسيل صغار النخل- فإن استطاع ألا يقوم من محله الذي هو جالس فيه حتى يغرسها فليغرسها ندباً، فالمسلم يستمر على عمل الخير ومنه الغرس، ولو كان قبل القيامة بلحظات، فإنه مأجور على ذلك.
جاء في «فيض القدير»: والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار، وحفر الأنهار؛ لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها، فكما غرس لك غيرك فانتفعت به؛ فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع، وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة (6).
فإن الله عز وجل لم يخلق الخلق عبثاً {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}.. بل خلقهم من أجل غاية حددها لهم وهي : عبادة الرب، وعمارة الأرض، وتزكية الأنفس.
وقد ورد الثناء على من يأكل من كسب يده كما في قوله : عندما سُئل أي الكسب أطيب؟ قال : «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور» (7)، وغرس الزرع حث على الجد، وذم البطالة، وتوجيه العاطلين إلى مصادر الكسب الحلال، قال ابن حجر - رحمه الله -: «ومن فضل العمل باليد الشغلُ بالأمر المباح عن البطالة واللهو وكسر النفس بذلك ، والتعففُ عن ذلة السؤال، والحاجةِ إلى الغير» (8) ، وقال أيضاً: « فيه الحث على عمارة الأرض، وأن أجر ذلك يستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولاً، ولو مات زارعه أو غارسه» (9).
وأوقاف المسلمين في العهود الإسلامية تعدت حاجة الإنسان لتفي بحاجة الحيوان، وقد ثبت في التأريخ أوقاف خاصة لتطبيب الحيوانات المريضة، وأوقاف لرعي الحيوانات المسنة العاجزة كوقف أرض المرج الأخضر بدمشق. وأوقاف خصص ريعها لخدمة الحيوانات والرفق بهم، ومن ذلك أوقاف للخيول المُسِّنة، وأوقاف لطيور الحرم؛ وكان – إلى عهد قريب - وقف خاص لمركب شيخ الأزهر عرف بمسمى «وقف بغلة شيخ الأزهر»، ليوفر الدابة التي يركبها شيخ الأزهر ونفقاتها وعلفها ورعايتها. وفي مدينة فاس خصص وقف على نوع من الطير يأتي في موسم معيَّن، فوقف له بعض الخيِّرين ما يعينه على البقاء، ويسهِّل له العيش في تلك المدَّة من الزمن؛ وكأن هذا الطير المهاجر الغريب له على أهل البلد حقَّ الضيافة والإيواء! وكانت هناك مدارس خاصة لتدريب الخيول على الفروسية، وغيرها الكثير.
وكان من روائع أوقاف الناصر صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- بعدما حرر القدس وفلسطين من أيدي الصليبيين، وأراد أن يعيد الحياة للقدس وليهيئ مرافقها لاستقبال من شد الرحال إلى المسجد الأقصى، وإعادة الطابع الإسلامي والحيوية للمدينة المباركة، أن قام بوقف الكثير من الأراضي والمزارع والقرى لتصرف محاصيلها على المسجد الأقصى ومدينة القدس.
نستخلص من الحديث فوائد منها:
في هذا الحديث ترغيب في أعمال الخير، وأن الغرس والزرع صدقة جارية إذا انتفع به الغير من آدمي أو طير أو دآبة، وأن الغرس نوع من أنواع العبادات التي ينبغي للموسرين ألا يحرموا أنفسهم منها، وأن أجرها باق للإنسان بعد موته.
وفيه فضيلة الغرس وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغراس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة، وفيه أن الثواب والأجر في الآخرة يختص بالمسلمين، وفيه أن الإنسان يثاب على ما سرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر أو نحوهما.
وفيه الحض على عمارة الأرض, واتخاذ الزرع والقيام عليه ورعايته، وفيه أن أجر ذلك الزرع يستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولا منه ولو مات غارسه أو انتقل ملكه إلى غيره فإن له فيه أجرا.
وفيه أن الغرس والزرع جمع خيري الدنيا والآخرة، ففي الأولى كان وما زال الوقف داعماً رئيساً للتنمية والحضارة، وفي الآخرة الثواب والأجر المستمر بفضل الله ومنّه على خلقه. وفيه أن الوقف شمل مختلف جوانب الحياة، والغرس تنمية للموارد الوقفية وبذل للجهود بالوسائل المتاحة لزيادة موارد الوقف وتكثيرها.
وفيه استمرار ثواب الزرع والغرس إلى ما بعد الممات ما دامت باقية يؤكل منها، وفيه فضل مباشرة العمل باليد، وما يترتب عليه من الجهد والكدح والتعب والعناء.
ولا شك أن القيام بمهمة الاستخلاف في الأرض وإعمارها بالزروع، مقصد من مقاصد الوقف الإسلامي، والذي يسهم في تلبية حاجات المسلمين -وغيرهم - الضرورية من الطعام، والغرس والزرع صورة من صور التكافل الاجتماعي، ومظهر من مظاهر اهتمام المسلمين بشؤون مجتمعهم، وضمان مستقبل أجيالهم، لتكتفي الأمة المسلمة بما لديها من موارد اقتصادية بدل أن تستجدي الطعام من غيرها، أو تنتظر إحسان الآخرين عليها، ولقد عاشت الأمة المسلمة قرونًا وعقودًا سابقة لديها الأمن الغذائي، بسبب كثرة الأوقاف وبركتها.

الهوامش
(1) أخرجه البخاري في الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم، برقم (6012) ومسلم في المساقاة والمزارعة، باب: فضل الغرس والزرع، برقم (1552).
2 - أخرجه مسلم في صحيحه، باب فضل الغرس والزرع برقم 1552.
3 - أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/390)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم : 3602.
4 - أخرجه مسلم في صحيحة برقم1553.
5 - رواه أحمد (12512) واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد (1/168)، قال شعيب الأرناؤوط وآخرون: إسناده صحيح على شرط مسلم، انظر مسند الإمام أحمد بن حنبل (20/296) المحقق: شعيب الأرناءوط.
6 - فيض القدير شرح الجامع الصغير (3/30) لعبد الرؤوف المناوي، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط. الأولى (1356هـ).
(7) أخرجه الحاكم، في المستدرك، عن أبي بردة، برقم 2203، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم 607.
(8) فتح الباري ، ابن حجر ، 4 / 384.
(9) المرجع السابق ، 5 / 6.


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 197.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 191.91 كيلو بايت... تم توفير 5.90 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]