أدّب ولدك بالأمثال - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7821 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 48 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859389 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393702 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215917 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-10-2023, 05:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي أدّب ولدك بالأمثال

أدّب ولدك بالأمثال (1)

– من سبل التأديب – تلقين الأبناء الحكم والأمثال المفيدة


  • من وظيفة الوالدين التربية الإسلامية السليمة للأبناء وتنشئتهم التنشئة الدينية القويمة بتدريبهم على العبادات والأخذ بأيدهم إلى مكارم الأخلاق وحسن الصفات
  • التربية هي صناعة الإنسان وهي عملية مستمرة لا تقف عند عمر معين ولا مرحلة محددة
  • الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نُقش ومائل لكل ما يمال به إليه
الأسرة هي المحضن الأول للطفل؛ حيث تتكون فيها شخصيته، وتغرس فيها قيمه ومبادئه؛ لذا اهتم الإسلام بالأسرة اهتماما كبيرا، وحمل الوالدين مسؤوليات خطيرة، فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)
وبيّـن لنا الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- السبيل لوقاية الأسرة من هذا الخطر الجسيم؛ فقال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «علِّموهم، وأدّبوهم»، وقال ابن عباس:» اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر، ينجيكم الله من النار».
المهمة الجليلة
وأكدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المهمة الجليلة فقال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» (متفق عليه)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- أيضا:» إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» أخرجه النسائي.
وظيفة الوالدين
فمن وظيفة الوالدين تربية الأبناء التربية الإسلامية السليمة، وتنشئتهم التنشئة الدينية القويمة، بتعليمهم مبادئ الدين، وتدريبهم على العبادات، والأخذ بأيديهم إلى مكارم الأخلاق وحسن الصفات، وتحذيرهم من الموبقات والسيئات، وتهيئتهم ليعتمدوا على أنفسهم، ويستعدوا لتولي مهام أسرهم في المستقبل، فيحملوا الأمانة والمسؤولية كما حملها آباؤهم من قبل.
صناعة الإنسان
والتربية هي صناعة الإنسان، وهي عملية مستمرة لا تقف عند عمر معين ولا مرحلة محددة؛ فالإنسان عرضة للمؤثرات باستمرار، مما يقتضي أن يكون المرء واعيا لما يعرض له من مغريات وملهيات، وأن يكون قادرا على تقييمها في ضوء مبادئه وقيمه، ليقبل منها ما كان نافعا، ويرد ما كان ضارا.
ترسيخ المعيار الذاتي
فترسيخ المعيار الذاتي لدى الإنسان ليزن به الأقوال والأفعال والأشخاص والمواقف من أهم ما ينعم به والد على ولده، فحياة الوالد مظنونة، ورعايته لأولاده محدودة، ولابد لهم من الاستقلال بحياتهم، والانفراد بشؤونهم؛ لذا فأعظم ما يورثه الوالد لذريته خلق قويم، وأدب رفيع، وتربية سوية. قال ابن عمر -رضي الله عنهما لرجل-: «أدّب ابنك؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟ وإنه مسؤول عن برك وطواعيته لك». أخرجه البيهقي وقيلَ لابن الْمبارك: ما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: «غَرِيْزَةُ عَقْلٍ فِيْهِ» قيل: فإن لم يكن؟ قال: «أَدَبٌ حَسَنٌ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «أَخٌ صَالِحٌ يَسْتَشِيْرُهُ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «صَمْتٌ طَوِيْلٌ» قيل: فإن لم يكن؟ قال: «مَوْتٌ عَاجِلٌ». قال أبو حاتم: «أفضلُ ما ورَّث أبٌ ابنًا ثناء حسن، وأدب نافع».
الصبي أمانة عند والديه
ويقول الغزالي: «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عّود الخير وعلّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزرُ في رقبة القيِّم عليه، والوالي له، وقد قال الله -عز وجل-: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً} (التحريم:6)».
مَن أهمل أولاده أضاعهم
قال ابن القيم:» «فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغاراً» إلى أن قال: «وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفَوَّت على ولده حظه في الدنيا والآخرة». فالتأديب والأدب هو رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي، قال المناوي: «الأدب رياضة النفوس ومحاسن الأخلاق»، قال الأحنف بن قيس: «الأدب نور العقل كما أن النار نور البصر». وغرس الفضائل في نفوس الصغار أحرى لاستقرارها في ضمائرهم، وثباتها في عقولهم، فيسهل عليهم في مستقبل زمانهم تمييز الصواب من الخطأ، وقبول الحق ورد الباطل. قال أبو حاتم:» ومن استفاد الأدب في حداثتِه، انتفع به في كِبَره؛ لأن مَن غرس فَسِيلاً يوشك أن يأكل رُطَبها».
من سبل التأديب وطرائق التهذيب
ومن سبل التأديب، وطرائق التهذيب تلقين الأبناء الحكم والأمثال المفيدة؛ لما لها من أبلغ الأثر في ترسيخ المعاني الجميلة والآداب الرفيعة، والمفاهيم العالية والأخلاق السامية بألفاظ موجزة يسيرة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعجبه القول الطيب الموافق للشرع المطهر، فعن أبيّ بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من الشعر حكمة» أخرجه البخاري، قال ابن حجر: «هي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس».
استحسان النبي - صلى الله عليه وسلم- للشعر
وعن الشريد بن سويد الثقفي قال:» رَدِفْتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقالَ: هلْ معكَ مِن شِعْرِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيءٌ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: هِيهْ، فأنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقالَ: هِيهْ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقالَ: هِيهْ، حتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. أخرجه مسلم. قال النووي: «ومقصود الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحسن شعر أمية، واستزاد من إنشاده؛ لما فيه من الإقرار بالوحدانية والبعث»، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:» أصْدَقُ كَلِمَةٍ قالَها الشَّاعِرُ، كَلِمَةُ لَبِيدٍ: «أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلٌ». متفق عليه وفي البيان والتبيين قال: كتب عمر بن الخطاب إلى ساكني الأمصار: «أما بعد فعلموا أولادكم العوم والفروسة، وروّوهم ما سار من المثل، وحسن من الشعر». وقال ابن المقفع:» إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنَقَ للسمع، وأَوْسَعَ لشُعُوب الحديث».
الحاجة إِلَى الشَّاهِد والمثل
قال أبو هلال العسكري في كتابه جمهرة الأمثال:» ثمَّ إِنِّي مَا رَأَيْت حَاجَة الشريف إِلَى شَيْء من أدب اللِّسَان بعد سَلَامَته من اللّحن كحاجته إِلَى الشَّاهِد والمثل والشذرة والكلمة السائرة؛ فَإِن ذَلِك يزِيد الْمنطق تفخيما، ويكسبه قبولاً، وَيجْعَل لَهُ قدرا فِي النُّفُوس، وحلاوةً فِي الصُّدُور، وَيَدْعُو الْقُلُوب إِلَى وعيه، ويبعثها على حفظه، ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة، والاستظهار بِهِ أَوَان المجادلة فِي ميادين المجادلة، والمصاولة فِي حلبات المقاولة». ومن أهم مراجع الأمثال العربية والإسلامية كتاب (مَجْمَعُ الأَمْثَالِ) لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني، ويعد مرجعاً في الأمثال العربية القديمة، اشتمل على ثلاثين بابا، مليئة بأشعار العرب وأمثالها في الجاهلية وفي الإسلام.

اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-10-2023, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

أدّب ولدك بالأمثال (2 )

إن من فقهك رفقك في معيشتك


  • غنى النفس يحصل بغنى القلب بأن يفتقر العبد إلى ربه في جميع أموره فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه
  • الفرق بين القناعة والقصد أن القصد ترك الإسراف والتقتير جميعا والقناعة الاقتصار على القليل
  • إنما تنال مكارم الأخلاق وأشرف العادات بالعلم ثم العمل وقبل ذلك صدق الاستعانة بالله تعالى
يشكو بعض الناس من غلاء الأسعار، وارتفاع كلفة المعيشة، وقلة الرواتب، مما له أثر سلبي على حياتهم الأسرية وتلبية طلبات أفرادها، وهو أمر واقع، وحقيقة لا جدل فيها، ومن الأمور التي ينصح بها هو الاقتصاد في المصروفات، والاستغناء عن بعض الكماليات إن أمكن.
فمراجعة أولية لبعض موارد بعض الناس ومصروفاتهم، تجد أنه يمكن توفير بعض الأموال للمهمات إذا تنازلنا عن بعض الكماليات، فصرف الأموال على شراء الدخان مثلا، وبذل النقود لشراء الهواتف الجديدة، أو الاستغراق في مكالمات زائدة تستهلك رصيد الإنسان في أمور قليلة الأهمية، ونحو ذلك مما يخيل للمرء أهميته، وعند التأمل تجده قابلا للاستغناء عنه وتوفير قيمته لما هو أهم.
القناعة كنز لا ينفد
أخرج الإمام أحمد في الزهد عن يونس بن عبيد قال: «كان يقال: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف العلم، والاقتصاد في المعيشة يلقي عنك نصف المئونة». وعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَنَّ رَجُلًا رَقَى إِلَي أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ يَلْتَقِطُ حَبًّا، فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَا فَقَالَ لَهُ: «ارْتَقِ أَوِ اصْعَدْ، إِنَّ مِنْ فِقْهِكَ رِفْقَكَ فِي مَعِيشَتِكَ»، قوله: «رفقك في معيشتك»: أي: تخفيفك في أسباب المعيشة، والاكتفاء بأقل ما تيسر منها. فالقناعة كنز لا ينفد، قال ابن الأثير: «لأن الإنفاق منها لا ينقطع، كلما تعذر شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي».
القناعة صفة حميدة
والقناعة صفة حميدة وخلق مرغوب؛ لأنها تدل على الرضى، يقال: قنع فلان بما قسم له: إذا رضي به واكتفى به. قال الجرجاني: «القناعة في اللغة: الرضا بالقسمة»، وقال الراغب: «القناعة: الرضا بما دون الكفاية». وقال العسكري في الفروق اللغوية: «الفرق بين القناعة والقصد، أن القصد ترك الإسراف والتقتير جميعا، والقناعة الاقتصار على القليل، ألا ترى أنه لا يقال: هو قنوع إلا إذا استعمل دون ما يحتاج إليه، ومقتصد: لمن لا يتجاوز الحاجة ولا يقصر دونها. وقيل: الاقتصاد من أعمال الجوارح؛ لأنه نقيض الإسراف وهو من أعمال الجوارح، والقناعة من أعمال القلوب».
حث الشرع على القناعة والرضى
وقد حث الشرع المطهر على القناعة والرضى، فمن ذلك دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحياة الطيبة لمن حقق التوحيد ولزم القناعة، فعن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «طُوبى لمَنْ هُدي إلى الإسلام، وكان عيشُه كفافًا وقنِع». أخرجه الترمذي وصححه الألباني. قال المناوي: «طوبى: تأنيث أطيب، أي: راحة وطيب عيش حاصل»، وقوله: «وكان عيشه كفافا» أي: بقدر كفايته لا يشغله ولا يطغيه».
سبيل للفلاح والظفر بالمطلوب
وبينّ أن الاتصاف بالقناعة سبيل للفلاح والظفر بالمطلوب، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه». أخرجه مسلم. قال المباركفوري:» قولهقد أفلح) أي: فاز وظفر بالمقصود، (من أسلم) أي: انقاد لربه (ورزق) أي: من الحلال (كفافا) أي: ما يكف من الحاجات ويدفع الضرورات (وقنعه الله) أي: جعله قانعا بما آتاه». ويوضح النووي معنى الكفاف بأنه: الكفاية بلا زيادة ولا نقص، قال: «وفيه فضيلة هذه الأوصاف».
وصية النبي - صلى الله عليه وسلم
وأوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بوصايا عظيمة النفع منها القناعة، فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:» يا أبا هريرةَ كن ورعًا تكن أعبدَ الناسِ، وكن قنعًا تكن أشكرَ الناسِ، وأحبَّ للناسِ ما تحبُّ لنفسِك تكن مؤمنًا، وأحسِنْ جوارَ من جاورَك تكن مسلمًا، وأقِلَّ الضحكَ فإنَّ كثرةَ الضحكِ تميتُ القلبَ». أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
المفهوم الحقيقي للغنى والفقر
ويصحح النبي - صلى الله عليه وسلم - مفهوم الغنى والفقر الحقيقي المتبادر لأذهان الناس فقال:» يا أبا ذَرٍّ أَتَرَى أنَّ كثرةَ المالِ هو الغِنَى؟ إنما الغِنَى غِنَى القلبِ، والفقرُ فقرُ القلبِ، مَن كان الغِنَى في قلبِه، فلا يَضُرُّه ما لَقِيَ من الدنيا، ومَن كان الفقرُ في قلبِه، فلا يُغْنِيهِ ما أُكْثِرَ له في الدنيا، وإنما يَضُرُّ نَفْسَه شُحُّها» أخرجه النسائي وصححه الألباني. وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:» ليسَ الغنى عن كثرةِ العَرَضِ ولَكنَّ الغِنى غنى النَّفسِ» متفق عليه. قال النووي:» العَرَض: متاع الدنيا، ومعنى الحديث: «الغني المحمود غنى النفس، وشبعها، وقلة حرصها، لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة؛ لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه، فليس له غنى». ويحمل ابن بطال الحديث على من طلب الزيادة بغض النظر عن مصدرها فقال: «معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال؛ لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي؛ فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه؛ فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به ورضي، ولم يحرص على الازدياد، ولا ألح في الطلب، فكأنه غني».
الغنى النافع والممدوح
ويوجه القرطبي الحديث إلى معنى آخر، وهو إنَّ الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، فقال:» وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفَّت عن المطامع، فعزَّت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة، والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأمور، وخسائس الأفعال؛ لدناءة همته وبخله، ويكثر من يذمه من الناس، ويصغر قدره عندهم، فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل».
سبب القناعة
ويوضح ابن حجر أن سبب القناعة هو تصحيح الإيمان وقوة اليقين فقال:» غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله -تعالى-، والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى فهو معرض عن الحرص والطلب». وقال: «وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره، فيتحقق أنه المعطي المانع، فيرضى بقضائه، ويشكره على نعمائه، ويفزع إليه في كشف ضرائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غيره». وإنما تنال مكارم الأخلاق وأشرف العادات بالعلم ثم العمل، وقبل ذلك صدق الاستعانة بالله -تعالى-، ولهذا كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ».أخرجه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر. ومن كلام شيخ الإسلام:
وجدت القناعة ثوب الغنى
فصرت بأذيالها أمتسك
فألبسني جاهها حلــــــــة
يمر الزمان ولم تنتهك
فصرت غنيا بلا درهــم
أمر عزيزا كأني ملك


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-11-2023, 12:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

أدّب ولدك بالأمثال (3)

النَّفْسُ عَزُوفٌ أَلُوفٌ


  • على المسلم أن يتحرى الخير ويستكثر منه ويعود نفسه عليه حتى يصبح له عادة وتصبح نفسه له مطواعة
  • الإنسان خلق من طين أرضي وروح سماوية ولكل طبيعة حاجاتها ومطالبها والموفق من وازن بينهما وأعطى كل ذي حق حقه
  • الإنسان في الدنيا لا يخلو من عوائق ومؤثرات تصده عن سبيل الخير ولا سيما نفسه الأمارة بالسوء فهو بحاجة إلى توفيق من الله -تعالى- وإعانته
هذا المثل ذكره الميداني في مجمع الأمثال، وهو يوضح حقيقة النفس الإنسانية، وما جبلت عليه من الانقياد لما تعوّد عليه من الخير أو الشر، فقال: «ومعنى المثل: أن النفس تعتاد ما عُوِّدّتْ؛ إنْ زَهَّدْتها في شيء زهِدَتْ، وإن رَغَّبْتها رَغِبَتْ».
ويؤيد هذا ما أكده عمرو بن العاص بقوله: «المرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفعت، وإن وضعها اتضعت»، ونقل عن بعض الحكماء قوله: «النفس عَرُوفٌ عَزُوفٌ، وَنَفُورٌ أَلُوفٌ، متى ردعتها ارتدعت، ومتى حملتها حملت، وإن أصلحتها صلحت، وإن أفسدتها فسدت». وصاغ البوصيري هذا المعنى في بردته بعبارات رشيقة، وأبيات عميقة فقال:
والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على
حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم
فاصرفْ هواها وحاذرْ أنْ تُوَلِّيَهُ
إنَّ الهوى ما تولَّى يُصمِ أوْ يَصمِ
وَراعِها وهيَ في الأعمالِ سائِمةٌ
وإنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المَرْعَى فلا تُسِم
كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةٍ لِلْمَرءِ قاتِلَةً
من حيثُ لم يدرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
وهذا المثل السائر يشير إلى ما سبق إليه القرآن الكريم من حقائق أكيدة حول النفس البشرية في أصل خلقتها، وما تحمله من استعداد فطري للحق أو الباطل، وما فيها من ازدواجية الخلق والمقاصد؛ فالإنسان خلق من طين أرضي وروح سماوية، كما قال -تعالى-: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (ص:71-72)، ولكل طبيعة حاجاتها ومطالبها، والموفق من وازن بينهما، وأعطى كل ذي حق حقه.
فمن الحقائق القرآنية المهمة:
  • أولا: أصل البشرية من نفس واحدة
قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (النساء:1) والمراد بالنفس الواحدة هنا آدم -عليه السلام. وفي حجة الوداع قال النبي -صلى الله عليه وسلم - في خطبته:» يا أيُّها النَّاسُ إنَّ ربَّكمْ واحدٌ، وإنَّ أباكمْ واحدٌ، ألا لا فَضلَ لعربيٍّ على عَجميٍّ، ولا لعَجميٍّ على عَربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسوَدَ، ولا لأسوَدَ على أحمرَ، إلَّا بالتَّقوَى، إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ». فلا مجال للفخر ولا العصبية.
  • ثانيا: النفس البشرية قابلة للاختيار بين الحق والباطل
فطر الله -تعالى- النفس البشرية على معرفة الحق والباطل، فقال -سبحانه-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (الشمس:7-8)، قال الطبري:» فبيـّن لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير أو شرّ، أو طاعة أو معصية، ونقل عن ابن عباس قوله: «يقول: بَيَّنَ الخيرَ والشرَّ». وفي رواية قال: «علَّمها الطاعة والمعصية». وقال -تعالى عن الإنسان-: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد:10)، قال ابن مسعود وعلي وابن عباس وغيرهم في معنى النجدين: «الخير والشر». وقال القاسمي: «أي: أودعنا في فطرته التمييز بين الخير والشر». وقال -سبحانه-: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان: 3)، قال القرطبي: «أي: بيـّنا له وعرّفناه طريق الهدى والضلال، والخير والشر ببعث الرسل، فآمن أو كفر». فليس لأحد أن يدعي العجز عن معرفة الخير والعمل به؛ إذ هو مغروس في أصل فطرته، وقد قامت عليه حجة الله -تعالى- ببعثة الرسل وإنزال الكتب.
  • ثالثا: المسؤولية فردية عن تصرفات النفس الإنسانية
يقرر القرآن الكريم في مواطن عديدة أن البعث حق، والجزاء ثابت، والمساءلة فردية، فكل امرئ مسؤول عن كسبه ومجازى عليه فقال -سبحانه-: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} (البقرة:48)، قال ابن كثير: «أي: لا يغني أحد عن أحد كما قال: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: 164)». وقال -سبحانه-: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} (يونس:108)، قال ابن سعدي:» {فَمَنِ اهْتَدَى} بهدى الله بأن علم الحق وتفهمه، وآثره على غيره فلِنَفْسِهِ، والله -تعالى- غني عن عباده، وإنما ثمرة أعمالهم راجعة إليهم. {وَمَنْ ضَلَّ} عن الهدى بأن أعرض عن العلم بالحق، أو عن العمل به، {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} ولا يضر الله شيئًا، فلا يضر إلا نفسه». وهذا يؤكد أهمية العمل على الأخذ بأسباب النجاة من العلم النافع والعمل الصالح والاعتقاد الصحيح والخلق القويم والتخلي عن الرذائل في الاعتقاد والعبادات وفعل المحرمات.
  • رابعا: الفلاح والنجاة في تزكية النفس الإنسانية
قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} (الشمس:9)، قال الطبري: «يقول: قد أفلح من زكَّى الله نفسه، فكثَّر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال». وقال -سبحانه-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} (الأعلى:14)، قال ابن كثير: «أي: طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة، وتابع ما أنزل الله على الرسول - صلى الله عليه وسلم ». وقال -تعالى-: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعات:40-41)، قال ابن سعدي:» أي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل، فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله، وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول، وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ} المشتملة على كل خير وسرور ونعيم {هِيَ الْمَأْوَى} لمن هذا وصفه».
عوائق ومؤثرات
والإنسان في الدنيا لا يخلو من عوائق ومؤثرات تصده عن سبيل الخير، ولا سيما نفسه الأمارة بالسوء، فهو بحاجة إلى توفيق من الله -تعالى- وإعانة، وإلى مجاهدة نفسه وأعدائه كما قال -سبحانه-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69)، قال ابن سعدي: «بذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته». وقال - صلى الله عليه وسلم -: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» (أخرجه الترمذي).
مجاهدة النفس أربع مراتب
ومجاهدة النفس أربع مراتب ذكرها ابن القيم:
  • إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.
  • الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
  • الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
  • الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله.
فعلى المسلم أن يتحرى الخير، ويستكثر منه، ويعود نفسه عليه حتى يصبح لها عادة، وتصبح نفسه له مطواعة، فعن معاوية قال: «عَوِّدُوا أَنْفُسَكُمُ الْخَيْرَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (أخرجه ابن ماجه).

اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-11-2023, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

أدّب ولدك بالأمثال (4)

المسألة آخر كسب الرجل


  • المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقر مُدقعٍ أو لذي غرم مُفظع أو لذي دم مُوجع
  • الدين يحث على النفقة ويجعل اليد العليا المنفقة خيرا من اليد الآخذة
  • لما كانت ظروف الناس متنوعة وأرزاقهم متباينة جاءت أحاديث بجواز سؤال الناس في أضيق الأحوال
هذا المثل وصية الصحابي الجليل قيس بن عاصم -رضي الله عنه - لبنيه حين حضرته الوفاة، فقال لهم: «يا بَنيَّ احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني، إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيحقر الناس كباركم فتهونوا جميعا عليهم، وعليكم بحفظ المال؛ ففيه منبهة للكريم، ومغناة عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس! فإنها آخر كسب الرجل».
ذكر الخطابي في غريب الحديث أن معناه أحد وجهين:
  • أحدهما: اجعلوا المسألة آخر كسبكم أي: ما دمتم تقدرون على معيشة وإن دقت، فلا تسألوا الناس ولا تتخذوا المسألة كسبا.
  • والآخر: أن من اعتاد المسألة واتخذها كسبا لم ينزع عنها، كما ورد عن قيس بن عاصم أَنَّهُ قَالَ: إن أحدا لا يسأل الناس إلا ترك كسبه».
أحاديث في الترهيب من المسألة
وقد ورد في السنة ا لمطهرة أحاديث في الترهيب من المسألة -وهي طلب أموال الناس- وتحريمها مع الغنى، فعن ابن عمر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله -تعالى- وليس في وجهه مُزعةُ لَحمٍ». متفق عليه قال النووي: «قَوْلُهُ: (مُزْعَةُ لَحْمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ أَيْ: قِطْعَةُ، قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: مَعْنَاهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِيلًا سَاقِطًا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُحْشَرُ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَعَلَامَةً لَهُ بِذَنْبِهِ حِينَ طَلَبَ وَسَأَلَ بِوَجْهِهِ. وَهَذَا فِيمَنْ سَأَلَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ سُؤَالًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ سَأَلَ تَكَثُّرًا». وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من فتحَ على نفسِه بابَ مسألةٍ من غيرِ فاقةٍ نَزَلَتْ به، أو عيالٍ لا يطيقُهم، فتح الله عليه بابَ فاقةٍ من حيثُ لا يحتسب». رواه البيهقي وحسنه الألباني. وعن عائذِ بن عَمروٍ: أن رجلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يسألُه، فأعطاه، فلما وضع رِجْله على أسْكُفَّةِ الباب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسألُه» رواه النسائي وحسنه الألباني. وعن ثوبان أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سأل مسأَلةً وهو عنها غني، كانتْ شَيناً في وجهه يومَ القيامة» رواه أحمد وصححه الألباني. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأَل الناس تَكَثُّراً، فإنما يسأل جمراً، فليستَقِلَّ أو ليستكثِرْ». رواه مسلم. قال النووي: «قال القاضي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالنَّارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ يَصِيرُ جَمْرًا يُكْوَى بِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ».
العهد على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يسألوا الناس شيئا
وكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ العهد على أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا، فعن عوف بن مالك قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله -صلى الله عليه وسلم ؟ «-وكنا حديثي عهد ببيعة- فقلنا: قد بايعناك يا رسولَ الله. ثم قال: «ألا تبايعون رسولَ الله؟ «فبسطنا أيديَنا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلامَ نبايعك؟ قال: «أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا -وأسَرَّ كلمةً خفية- ولا تسألوا الناس شيئاً». فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدِهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه. رواه مسلم قال النووي: «فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنِ السُّؤَالِ فَحَمَلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى سُؤَالًا وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا». وعن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تَكفَّلَ لي ألا يسأل الناس شيئاً، أتكفلُ له بالجنة» فقلت: أنا؛ فكان لا يسأَل أحداً شيئاً. رواه أحمد وصححه الألباني، وعند ابن ماجه قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه؛ حتى ينزل فيأْخذَه.
ظروف الناس متنوعة
وحيث إن ظروف الناس متنوعة، وأرزاقهم متباينة، فجاءت أحاديث بجواز سؤال الناس في أضيق الأحوال، فعن أنس أنّ رجلاً من الأنصار أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال: «إنَّ المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقر مُدقعٍ، أو لذي غرم مُفظع، أو لذي دم مُوجع» رواه أبو داود وصححه الألباني. والفقر المدقع: هو الشديد الملصق صاحبه بـ (الدقعاء): وهي الأرض التي لا نبات بها. والغُرْم المفظع: هو الدين الشديد الشنيع. وذو الدم الموجع: هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه القاتل، يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله.
المسألة لا تحل إلا لأحدِ ثلاثة
عن قَبِيصة بنِ المخارقِ قال: تحمَّلتُ حَمالة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها». ثم قال: «يا قَبيصةُ، إن المسألةَ لا تحل إلا لأحدِ ثلاثة: رجل تحمَّل حَمالة، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يمسك، ورجل أصابتْه جائحةٌ اجتاحَتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يصيبَ قِوَاماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش، ورجلٌ أصابَتْه فاقةٌ حتى يقولَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش.فما سواهن من المسألةِ يا قبيصةُ سُحتٌ، يأكلُها صاحبُها سُحتاً».رواه مسلم
أوجه جواز السؤال
ومن أوجه جواز السؤال أن يسأل المرء السلطان عن حقه، فعن سَمُرَةَ بن جُندَبٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما المسائلُ كدوحٌ يَكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأَل ذا سلطانٍ، أو في أمرٍ لا يجد منه بُداً». رواه أبو داود وصححه الألباني، والكُدوح (بضم الكاف: آثار الخموش). وفي عون المعبود: «وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ السُّلْطَانِ مِنَ الزَّكَاةِ أَوِ الْخُمُسِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَخُصُّ بِهِ عُمُومَ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ. قوله: (أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا) أيْ: عِلَاجًا آخَرَ غَيْرَ السُّؤَالِ أَوْ لَا يُوجَدُ مِنَ السُّؤَالِ فِرَاقًا وَخَلَاصًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ الَّتِي لَابُدَّ عِنْدَهَا مِنَ السُّؤَالِ كَمَا فِي الْحَمَالَةِ وَالْجَائِحَةِ وَالْفَاقَةِ، بَلْ يَجِبُ حال الاضطرار في العري والجوع».
الحث على النفقة
فالدين يحث على النفقة، ويجعل اليد العليا المنفقة خيرا من اليد الآخذة، فعن ابن عمر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى، والعليا هي المنفِقة، والسفلى هي السائلةُ». متفق عليه، وحث الدين على العمل ولو بحرفة متواضعة؛ فذلك خير من السؤال، فعن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأنْ يأخذَ أحدُكم أحبُلَه، فيأَتي بحزمةٍ من حطب على ظهره، فيبيعَها فيكفَّ بها وجهَه، خيرٌ له من أنْ يسأَلَ الناس، أعطَوْه أم منعوه».رواه البخاري، وقال عمر: «مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس».

اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-12-2023, 12:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

أدّب ولدك بالأمثال (4)

– المداراة قوام المعاشرة


المجامع والمنتديات تجمع صنوف الناس، العاقل والسفيه، والذكي والبليد، والمثقف والعامي، والكريم واللئيم، وزاد الأمر بأن فتحت مواقع التواصل الاجتماعي مساحة واسعة لملايين البشر أن يعبروا عن آرائهم، ويعربوا عما في صدورهم؛ من حق وباطل، وغث وسمين، وصدق وكذب.
فيبتلى الإنسان أحيانا ببعض الناس ممن يجادل في كل شيء، ويقترح في كل أمر، ولا يفرق بين ما كان وفات استدراكه فلا ينفع فيه اقتراح ولا نصيحة، وبين ما هو آت مما يقبل التوجيه والإرشاد، فيماري هذا الشخص، ويناقش فيما يعلم وفيما يجهل، ويجادل بالأدلة أحيانا، وبرفع الصوت أحيانا أخرى، فمثل هذا الإنسان الحوار معه كأنه معركة مصير، حياة أو ممات، لا يقبل الهزيمة، ولا يرضى بالخسارة، يهاجم ولا يفرق بين الرأي ومن يراه، ولا بين القول ومن قاله، وكل المناقشات عنده تمس شخصه الكريم، وكل الآراء خطأ عدا رأيه السليم.
تقدير المصلحة الكبرى
فالعاقل في مثل هذه المواقف يقدر المصلحة الكبرى، وينظر للصورة العظمى، ويعمل بهذا المثل: (المداراة قوام المعاشرة)، فيقدم رعاية القرابة أو الصداقة على حظ النفس في الانتصار على مثل هذا المجادل، فلو دخل المرء كل معركة دعي إليها، وانبرى لكل مناظرة أبرز الجاهل رأسه فيها، لعظمت خسائره، وقل أحبابه؛ لأن المتصف بالإنصاف من الناس قليل، والمتحلي بالموضوعية والتجرد نادر، فيقف العاقل بين مفترق طرق، إما أن يكون مصيبا فيخسر الناس، أو يتنازل عن رأيه أو يكتمه فيصبح محبوبا مقبولا.
ترك الجدال والمراء
ولهذا نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حثنا على ترك الجدال والمراء، ولو كان المرء محقا إبقاء للأخوة والمحبة والصداقة أو القرابة، وهي الأهم من الانتصار في حوارات هامشية، القصد الأول منها المجاملة والتسلية، فعن أبي أمامة -.- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن تركَ المِراءَ وإنْ كان مُحقًّا» أخرجه أبو داود، قال في عون المعبود: قوله: (أنا زعيم) أي: ضامن وكفيل ببيت. قال الخطابي: «البيت هاهنا القصر، يقال: هذا بيت فلان. أي: قصره (في ربض الجنة) بفتحتين أي: ما حولها خارجا عنها، تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع. والمراء: أي: الجدال، كسرا لنفسه كيلا يرفع نفسه على خصمه بظهور فضله». فترك الجدال، والترفق بالناس يعرف بـ (المداراة)، قال بعض العلماء: «رأس المداراة ترك المماراة». قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: «الْمُدَارَاةُ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ خَفْضُ الْجَنَاحِ لِلنَّاسِ، وَلِينُ الْكَلِمَةِ، وَتَرْكُ الْإِغْلَاظِ لَهُمْ فِي الْقَوْلِ، وَذَلِكَ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْأُلْفَةِ».
التلطف بالناس
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتلطف بالناس، ويحسن سياستهم لاختلاف عقولهم، وتباين طباعهم، فعن عائشة قالت: اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ». فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ مَا قُلْتَ: ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ؟ فَقَالَ: «أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» أخرجه البخاري في باب: الْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ. وقال: وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ. قوله (لنكشر): من الكشر، وهو ظهور الأسنان، وأكثر ما يكون عند الضحك، وهو المراد هنا. وقوله(لتلعنهم): لتبغضهم. وأخرج البخاري عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ». قَالَ أَيُّوبُ بِثَوْبِهِ وَأَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شَيْءٌ. قال ابن حجر: «وَإِنَّمَا قِيلَ فِي مَخْرَمَةَ مَا قِيلَ لِمَا كَانَ فِي خُلُقِهِ مِنَ الشِّدَّةِ، فَكَانَ لِذَلِكَ فِي لِسَانِهِ بَذَاءَةٌ، وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَكَانَ إِسْلَامُهُ ضَعِيفًا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَهْوَجَ، فَكَانَ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ».
لا تنازل عن المبادئ
والمداراة أسلوب تعامل لا تنازل فيه عن المبادئ، بخلاف المداهنة وهي السكوت عن الحق أو إقرار الباطل كما قال -تعالى-: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (القلم:9). قال مجاهد: «المعنى: ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك». وقال الفراء: «والادهان: التليين لمن لا ينبغي له التليين». قال ابن حجر: «وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُدَارَاةَ هِيَ الْمُدَاهَنَةُ فَغَلَطَ؛ لِأَنَّ الْمُدَارَةَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، وَالْمُدَاهَنَةُ مُحَرَّمَةٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُدَاهَنَةَ مِنَ الدِّهَانِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى الشَّيْءِ وَيُسْتَرُ بَاطِنُهُ، وَفَسَّرَهَا الْعُلَمَاءُ بِأَنَّها مُعَاشَرَةُ الْفَاسِقِ وَإِظْهَارُ الرِّضَا بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ عَلَيْهِ، وَالْمُدَارَاةُ هِيَ الرِّفْقُ بِالْجَاهِلِ فِي التَّعْلِيمِ، وَبِالْفَاسِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهِ، وَتَرْكُ الْإِغْلَاظِ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ مَا هُوَ فِيهِ، وَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِلُطْفِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا احْتِيجَ إِلَى تَأَلُّفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ».
معاشرة الناس والاختلاط بهم
فالإنسان لابد له من معاشرة الناس والاختلاط بهم؛ فعليه أن يكون واعيا، فلا يجادل في كل موضوع، وإنما يقدر المصلحة؛ فحيث ترتب على سكوته سوء فهم للدين، أو ضياع مصلحة معتبرة فيلزمه البيان، وما عدا ذلك فمعظم مجالس الناس للمجاملة والتسلية؛ فلا يفسد الشخص المودة في نقاشات هامشية، ومعارك جانبية تسمم الأجواء، وتذهب بالمحبة. قال ابن الحنفية: «ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يأتيه اللَّه منه بالفرج أو المخرج».
الواجب على العاقل
قال أبو حاتم: «الواجب على العاقل أن يداري الناس مداراة الرجل السابح في الماء الجاري (أي: يسايره ولا يقاومه) ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو كـدّر على نفسه عيشه ولم تصفُ له مودته؛ لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على مَا هم عَلَيْهِ إلا أن يكون مأثما، فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة.
أهواء وطبائع مختلفة
والبشر قد ركب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة؛ فكما يشق عليك ترك مَا جبلت عَلَيْهِ، فكذلك يشق على غيرك مجانبة مثله، فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلا بمعاشرتهم من حيث هم، والإغضاء عَن مخالفتهم في الأوقات. قال الحسن: «يا ابن آدم اصحب الناس بأي خلق شئت يصحبوك عَلَيْهِ». فكما يحب المرء أن يحترم رأيه، ويحفظ ماء وجهه، فعليه أن يحترم آراء الآخرين، ويتسع صدره لتقبل الآراء المخالفة له، ويبقي مساحة بينه وبين الناس يلتقي معهم فيها فيما يتفقون عليه وهو كثير، ويسامحهم فيما اختاروهم لأنفسهم مما لا يخالف الدين الصحيح ولا العرف الصريح، ويرعى مودتهم ويديم أخوتهم ويرقب مكانتهم، فالمداراة نصف العقل، وعليها مدار المعاشرة.

اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-12-2023, 04:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

أدّب ولدك بالأمثال (6) المنـّة تهدم الصنيعة


  • المنّ المحرم ليس قاصرًا على المنّ بالصدقات بل يشمل كل عطاء
  • من محاسن الصفات وكريم الأخلاق التي ندب الإسلام إليها وينبغي أن يدرب الآباء الأبناء عليها اصطناع المعروف والإحسان إلى الناس
  • سبب المنّ في العطية هو الوقوف عند النعمة والغفلة عن المنعم الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى
من محاسن الصفات، وكريم الأخلاق التي ندب الإسلام إليها، وينبغي أن يدرب الآباء الأبناء عليها؛ اصطناع المعروف والإحسان إلى الناس بالبر والخير ما أمكن، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «‌صنائع ‌المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرَّحِم تزيد في العمر» رواه الطبراني في «الكبير» وحسنه الألباني.
والصنائع: جمع صنيعة وهي: كلُّ ما عُمِلَ من خير وإِحسان وفضل ومعروف، وكسائر القربات فلا تقبل الأعمال الصالحة إلا إذا كانت خالصة لله -سبحانه-، وابتغي بها وجه الله -تعالى-، وخلت من مخالفة الشرع المطهر بالبدع والمحدثات، وسلمت من النواقض والمبطلات. ومن مبطلات الإحسان والمعروف (المـنّ).
معاني المن في اللغة
والمنّ في اللغة له معان عدة منها:
  • الأول: القطع والانقطاع، يقال: مننت الحبل: قطعته، ومنه قوله -تعالـى-: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (التين:6) أي: غير مقطوع ولا منقوص، ومنه سمي الموت بالمنون لأنه ينقص العدد ويقطع المدد.
  • الثاني: اصطناع الخير، يقال: منّ عليه إذا أحسن إليه وأنعم وصنع صنعا جميلا.
وتطلق (المنة) على النعمة الثقيلة قال الراغب الأصفهاني:» ويقال ذلك على وجهين:
  • أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: مـنّ فلان على فلان: إذا أثقله بالنعمة، وعلى ذلك قوله: {للَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا}، {يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله -تعالى.
  • الثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة، ولقبح ذلك قيل: «المنـّة تهدم الصنيعة»، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: «إذا كفرت النعمة حسنت المنـّة»، وقوله -تعالى-: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فالمنـّة منهم بالقول، ومنة الله عليهم بالفعل، وهو هدايته إياهم».
فالمن بالقول: تذكير المنعِم المنعَم عليه بإنعامه.
من هو المنان؟
والمنـّان -كما قال ابن الأثير في النهاية-: «الذي لا يعطي شيئا إلا منّـة، واعتدّ به على من أعطاه، وهو مذموم؛ لأن المنّـة تفسد الصنيعة، ومنه الحديث: « ثلاثة يشنؤهم الله، منهم: البخيل المنّان». وفي تحفة الأحوذي:» منّان من المنّـة، أي: يمن على الفقراء بعد العطاء، أو من المنّ بمعنى القطع لما يجب أن يوصل».
المنّة خلق مذموم
والمنّة خلق مذموم، وصفة قبيحة، وهي كذلك من كبائر الذنوب، ومن محبطات الصدقات كما دلت على ذلك النصوص الشرعية. فقبول الصدقة مشروط بعدم المنّ والأذى كما قال -تعالى-: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:262) قال القرطبي:» بيّن في هذه الآية أن ذلك الحكم والثواب إنما هو لمن لا يتبع إنفاقه منـّاً ولا أذى؛ لأن المنّ والأذى مبطلان لثواب الصدقة». وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (البقرة:264) قال القرطبي: «وعبر -تعالى- عن عدم القبول وحرمان الثواب بالإبطال، والمراد الصدقة التي يمنّ بها ويؤذي، لا غيرها. وقال جمهور العلماء في هذه الآية: إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمنّ أو يؤذي بها فإنها لا تقبل». وقال: «والمنّ من الكبائر». وقال النووي: «ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس وبشاشة، ويحرم المنّ بها، فلو منَّ بطل ثوابه». والمنّ المحرم ليس قاصرا على المنّ بالصدقات، بل يشمل كل عطاء، وهذا ما فهمه البخاري؛ حيث قال: ‏(‏باب المنان بما أعطى، لقوله -تعالى-: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى‏}‏ الآية‏). قال ابن حجر:» ومناسبة الآية للترجمة واضحة من جهة أن النفقة في سبيل الله لما كان المانّ بها مذموما، كان ذم المعطي في غيرها من باب الأولى‏».‏
وعيد المنان بعطيته
وقال ابن مفلح -في الآداب الشرعية-: «ويحرم المنّ بما أعطى، بل هو كبيرة على نصّ أحمد، فقد روى هو ومسلم من حديث أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟ قال: «المسبل، والمنـّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» وفي رواية لمسلم: «المنّان الذي لا يعطي شيئا إلا منّة»، فهذا الوعيد الشديد لهذه الأصناف الثلاثة يدل على حرمة كل وصف منها، وأنه من كبائر الذنوب.
ثلاثةٌ يُحبُّهمُ اللهُ -عزَّوجلَّ- وثلاثةٌ يَشنَؤُهمُ
وروى أبو ذر عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - أنه قال:» ثلاثةٌ يُحبُّهمُ اللهُ -عزَّوجلَّ-، وثلاثةٌ يَشنَؤُهمُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-» قال أبو ذَرٍّ: قُلْتُ: مَنِ الذينَ يُحبُّهمُ اللهُ؟ قال: «رجُلٌ لقِيَ فِئةً أو سَرِيَّةً فانكَشَفَ أصحابُهُ فلقِيَهم بنفْسِهِ ونَحرِهِ حتَّى قُتِلَ أو فتَحَ اللهُ -عزَّ وجلَّ-، ورجُلٌ كان مع قومٍ، فأطالوا السُّرى حتَّى أَعجَبهم أنْ يَمَسُّوا الأرضَ فنزَلوا، فتَنحَّى، فصلَّى حتَّى أيقَظَ أصحابَهُ للرحيلِ، ورجُلٌ كان له جارُ سُوءٍ، فصبَرَ على أذاهُ حتَّى يُفرِّقَ بيْنَهما موتٌ أو ظَعْنٌ». قال: قُلْتُ: هؤلاءِ الذينَ يُحبُّهمُ اللهُ، فمَنِ الذينَ يَشنَؤُهم؟ قال: «التَّاجرُ الحلَّافُ، والبخيلُ المنَّانُ، والفقيرُ المُختالُ». أخرجه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع. وعن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفا ولا عدلا: عاق ومنان ومكذب بالقدر» أخرجه الطبراني وحسنه الألباني. وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقّ لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى» أخرجه أحمد وصححه الألباني. فهذه الأحاديث الكريمة تبين وعيد المنان بعطيته، ومآل أمره إن لم يتب إلى ربه.
سبب المنّ في العطية
ويبين القرطبي أن سبب المنّ في العطية هو الوقوف عند النعمة والغفلة عن المنعم الحقيقي وهو الله -سبحانه وتعالى-، فالإنسان وما بيده كله ملك لله ومن الله -تعالى-، فيقول:‏ «المنّ غالبا يقع من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله على المعطي وإن كان أفضل منه في الأمر نفسه، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه، ولو نظر مصيره لعلم أن المنـّة للآخذ لما يترتب له من الفوائد‏.‏»

اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-01-2024, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

أدّب ولدك بالأمثال (7)

لا تؤخر عمل اليوم لغد


  • على المرء أن يأخذ نفسه بالحزم والقوة والنشاط وعليه أن ينأى بنفسه عن الكسل لأنه من صفات المنافقين المذمومة
  • الكسل هو الفتور والتواني وهو ضد النشاط والفرق بين العجز والكسل أن الكسل ترك الشيء مع القدرة على الأخذ في عمله وأما العجز فعدم القدرة
  • حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على المبادرة لاكتساب الفضائل واستغلال ما أنعم الله تعالى به على المرء من فسحة في العمر والصحة والرزق والفراغ
هذا المثل وصية ذهبية من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فاق بها عصره، وسبق بها زمانه، فعن الحسن قال: كتب عمر إلى أبي موسى: «أما بعد، فَإِنَّ القوة في الْعمل ألا تؤخر عمل اليوم لغد، فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم الأعمال، فلم تدروا بِأيِها تأخذون، فأضعتم «أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال.
فمن علوم الإدارة الحديثة، ومن مناهج التنمية الذاتية، ومن قواعد النجاح في الحياة العملية، (المبادرة إلى الإنجاز، والحماس في تنفيذ الأعمال، وعدم تأجيل المهام، وترك التسويف والتأخير)، فالأعمال كثيرة، والمتطلبات عديدة، وكلما تقدم الإنسان في العمر، أو ارتقى في الوظيفة زادت مسؤولياته، وتراكمت أشغاله، وضاقت أوقاته، فبعض الناس يعالج هذا الموقف بالتأجيل والتأخير والتسويف على أمل أن يجد متنفسا في المستقبل أو سعة من الزمان يستوعب بها واجباته، فيصدم بمزيد من الأشغال والمتطلبات، فيضيق صدره ويتحير عقله في الخلاص من هذه الدوامة التي لا تنتهي وتستمر في ابتلاعه ولا مخلص منها.
النصوص الشرعية والآثار السلفية
ولهذا جاءت النصوص الشرعية والآثار السلفية في الحث على المبادرة بأداء المهام الدينية والدنيوية، وترك التسويف والمماطلة، قال -تعالى-: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُور} (الحديد:14). فهذه الآية في بيان وعيد المنافقين في الآخرة والتحذير من صفاتهم وأفعالهم في الدنيا، قال الطبري: «يقول: وخدعتكم أمانيّ نفوسكم، فصدتكم عن سبيل الله، وأضلتكم (حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ) يقول: حتى جاء قضاء الله بمناياكم، فاجتاحتكم». المسارعة المبادرة إلى الخير وقال -سبحانه-: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133)، قال القرطبي: «والمسارعة المبادرة، أي: سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطاعة». وقال ابن كثير: «ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات». وقال -تعالى-: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} (الحديد: 21)، قال القرطبي: «أي: سارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم. وقيل: سارعوا بالتوبة، لأنها تؤدي إلى المغفرة». وأثنى الله -سبحانه- على عباده الصالحين بالمبادرة إلى الخيرات فقال -سبحانه-: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (الأنبياء:90)، قال ابن سعدي: «ولما ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين، كلا على انفراده، أثنى عليهم عموما فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها».
المبادرة لاكتساب الفضائل
وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على المبادرة لاكتساب الفضائل، واستغلال ما أنعم الله -تعالى- به على المرء من فسحة في العمر والصحة والرزق والفراغ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «اغتَنِم خمسًا قبل خمسٍ: حياتَك قبل موتك، وصحَّتك قبل سقَمِك، وفَراغك قبل شُغلك، وشَبابك قبل هَرَمِك، وغِناك قبل فَقرِك» أخرجه الحاكم وصححه الألباني. قال المناوي: «أَي: افْعَل خَمْسَة أَشْيَاء قبل حُصُول خَمْسَة (حياتك قبل موتك) أَي: اغتنم مَا تلقى نَفعه بعد موتك، فإنّ من مَاتَ انْقَطع عمله، (وصحتك قبل سقمك) أَي: الْعَمَل حَال الصِّحَّة فقد يعرض مَانع كَمَرَض، (وفراغك قبل شغلك) أَي: فراغك فِي هَذِه الدَّار قبل شغلك بأهوال الْقِيَامَة الَّتِي أوّل منازلها الْقَبْر، (وشبابك قبل هرمك) أَي: فعل الطَّاعَة حَال قدرتك وقوّتك قبل هجوم الْكبر عَلَيْك، (وغناك قبل فقرك) أَي: التصدّق بِفُضُول مَالك قبل عرُوض جَائِحَة تتْلف مَالك فَتَصِير فَقِيرا فِي الدَّاريْنِ، فَهَذِهِ الْخَمْسَة لَا يُعرف قدرها إِلَّا بعد زَوَالها».
تراث الأمة ورصيدها الثقافي
والناظر في تراث الأمة ورصيدها الثقافي، يجد هذه النصيحة حاضرة في وصايا السابقين من الصحابة والتابعين والصالحين، فقد أخرج ابن المبارك في كتابه (الزهد) أن ثُمَامَة بْن بِجَادٍ السُّلَمِيُّ، (رجل من عبد قيس له صحبة) قَالَ لِقَوْمِهِ: «أَيْ قَوْمِ، أَنْذَرْتُكُمْ: سَوْفَ أَعْمَلُ، سَوْفَ أُصَلِّي، سَوْفَ أَصُومُ». وعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «ابْنَ آدَمَ، إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ! فَإِنَّكَ بِيَوْمِكَ وَلَسْتَ بِغَدٍ، فَإِنْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ فَكِسْ (أي: كن كيسا عاقلا) فِي غَدٍ كَمَا كِسْتَ فِي الْيَوْمِ، وَإِلَّا يَكُنْ لَكَ لَمْ تَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي الْيَوْمِ»، وعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَ أَحَدُهُمْ أَشَحَّ عَلَى عُمُرِهِ مِنْهُ عَلَى دَرَاهِمِهِ وَدَنَانِيرِهِ»، وعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فِي مَرَضِهِ: أَوْصِنَا، قَالَ: «أَنْذَرْتُكُمْ سَوْفَ». وعقَد الخطيب البغدادي بابًا في كتابه (اقتضاء العلمِ العملَ): بعنوان: (باب ذم التسويف)، وذكر فيه عن قتادة بن أبي الجلد قال: قرَأتُ في بعض الكتب: إنَّ (سوف) جُندٌ من جُندِ إبليس. وقال يوسف بن أسباط: كتَب إلَيَّ محمد بن سمرة السائح بهذه الرسالة: «أي أخي، إياك وتأميرَ التسويف على نفسك، وتمكينَه من قلبك! فإنه محلُّ الكلال، ومَوئِل التلف، وبه تُقطَع الآمال، وفيه تنقَطِع الآجال. وبادِرْ -يا أخي- فإنَّك مُبادَرٌ بك، وأسرع فإنَّك مسروعٌ بك، وجِدَّ فإنَّ الأمرَ جدٌّ، وتيقَّظ من رقدَتِك، وانتَبِه من غفلَتِك، وتذكَّر ما أسلفتَ وقصَّرت وفرَّطت وجنيت وعملت، فإنَّه مُثبَت محصى، فكأنَّكَ بالأمر قد بغتَك فاغتُبِطتَ بما قدَّمت، أو ندمتَ على ما فرَّطت.
الحزم والقوة والنشاط
فعلى المرء أن يأخذ نفسه بالحزم والقوة والنشاط، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز» رواه مسلم. وعليه أن ينأى بنفسه عن الكسل؛ لأنه من صفات المنافقين المذمومة، قال -سبحانه- عنهم: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:142) وقال -تعالى-: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} (التوبة: 54)
خزائن كل شيء بيد الله -تعالى- وحده
وخزائن كل شيء بيد الله -تعالى- وحده قال -سبحانه-: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُوم} (الحجر:21)، قال ابن سعدي: «أي: جميع الأرزاق وأصناف الأقدار لا يملكها أحد إلا الله، فخزائنها بيده، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، بحسب حكمته ورحمته الواسعة»، فيلجأ المرء إلى الله -سبحانه- يستعين به في قضاء أعماله، ويستعيذ به من التسويف والكسل، فمن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ» أخرجه البخاري. قال ابن حجر: «الكسل: الفتور والتواني، وهو ضد النشاط»، وقال: «والفرق بين العجز والكسل: أن الكسل ترك الشيء مع القدرة على الأخذ في عمله، والعجز عدم القدرة».

اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19-01-2024, 01:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدّب ولدك بالأمثال

أدّب ولدك بالأمثال (8)

ظن الرجل قطعة – من عقله


  • من أشرف ثمرة العقل معرفة الله تعالى وحسن طاعته والكف عن معصيته
  • من أراح عقله من سوء الظن وطهر قلبه من اتهام الناس بغير علم عاش سعيدًا مرتاح البال
  • الموفق من هداه الله -تعالى- إلى الطريق المعتدل ورزقه العلم النافع والتجارب المفيدة فصار ظنه تابعا لعقله وعقله منقاد للشرع المنزل
هذا المثل حكاه الميداني عن الأصمعي، وهو يتناول أمرين لازمين لكل من أراد السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وهما العقل والظن، بعد توفيق الله -تعالى- وهدايته، أما العقل فقد تنوعت تعريفاته في اللغة والاصطلاح، وله أسماء متعددة تدل على وظائفه وتبين فضله، كاللبّ، والحجر، والحجى، والقلب.
والعقل في اللغة: المنع، وسمي به عقل الإنسان؛ لأنه يمنعه من المهلكات والقبائح. وأما في الاصطلاح فيطلق على أربعة معان:
  • أولا: الغريزة التي في الإنسان: فبها يعلم ويعقل، وهي فيه كقوة البصر في العين والذوق في اللسان، وهي مناط التكليف، وبها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان.
  • ثانيا: العلوم الضرورية: وهي التي لا يخلو منها عاقل، كالعلم بالممكنات والواجبات والممتنعات.
  • ثالثا: العلوم النظرية: وهي التي تحصل بالنظر والاستدلال، وتفاوت الناس فيها أمر جلي.
  • رابعا: الوقار والرزانة: كما قال الأصمعي عن العقل: «الإمساك عن القبيح، وقصر النفس وحبسها على الحسن».
تقسيم العقل عند الأصفهاني
ويقسم الراغب الأصفهاني في كتابه: (الذريعة) العقل إلى: عقل غريزي، وهو القوة المتهيئة لقبول العلم، ومكتسب ينمو ويزداد بحسب ما يحصل له من العلوم الدينية والتجارب الدنيوية، ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية هذه العلاقة التكاملية بقوله: «العقل غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس، وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها»، ولهذا نقل عن علي -رضي الله عنه - أنه قال: «ما اكتسب أحد شيئا أفضل من عقل يهديه إلى هدى أو يرده عن ردى». وقال الأصفهاني: «من أشرف ثمرة العقل، معرفة الله -تعالى-، وحسن طاعته، والكف عن معصيته». فالعاقل يعرف من تدينه، وسلامة منطقه، واشتغاله بنفسه، واستعداده لآخرته. وأما الظن في اللغة فهو مصدر الفعل (ظن الشيء ظنا) أي: علمه بغير يقين، ويقال: ظن بفلان أي: اتهمه.
استعمال الظن في القرآن الكريم
وقد جاء في القرآن استعمال الظن بمعنى (العلم واليقين) كما في قوله -تعالى-: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}، وقوله -سبحانه-: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}. واستعمل الظن بمعنى (الشك) كما في قوله -تعالى- : {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}. واستعمل في القرآن بمعنى (التهمة) كما في قوله -تعالى- : {جْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ} قال ابن كثير: «يَقُول -تعالى- نَاهِيًا عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كَثِير مِنْ الظَّنّ، وَهُوَ التُّهْمَة وَالتَّخَوُّن لِلْأَهْلِ وَالْأَقَارِب وَالنَّاس فِي غَيْر مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ بَعْض ذَلِكَ يَكُون إِثْمًا مَحْضًا فَلْيُجْتَنَبْ كَثِيرٌ مِنْهُ اِحْتِيَاطًا».
واقع كثير من الناس
فهذا المثل: (ظن الرجل قطعة من عقله) يبين لنا واقع كثير من الناس، فبعضهم حسن الظن إلى درجة السذاجة والغفلة، وبعضهم سيء الظن إلى درجة تخوين الآخرين واتهامهم بالسوء في كل ما صدر منهم من قول أو فعل بلا حجة ولا برهان، ولا شك أن هذه الظنون المتقابلة لم تأت من فراغ، وإنما هي انعكاس لتلك العقول، وتعبير عن تلك القلوب والنفوس.
الطريق المعتدل والسبيل المقتصد
والموفق من هداه الله -تعالى- إلى الطريق المعتدل والسبيل المقتصد، ورزقه العلم النافع والتجارب المفيدة، فصار ظنه تابعا لعقله، وعقله منقاد للشرع المنزل، فلا يكون مغفلا يقوده كل خبيث سيء القصد، ولا يصير شكاكا يتهم الناس بلا بينة، ويصدر عليهم أحكاما بلا دليل.
حسن الظن بالله -تعالى
فمن الظن التابع للعقل المنقاد للشرع حسن الظن بالله -تعالى-، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله -تعالى-» أخرجه مسلم، قال النووي: «ومعنى حسن الظن بالله -تعالى- أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه». وقال الله -تعالى في الحديث القدسي-: «أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله» أخرجه أحمد. ومنه حسن الظن بالمسلم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن غر كريم، والفاجر خبّ لئيم» أخرجه أبو داود، وجعل المؤمن غرا بسبب سلامة صدره وحسن الباطن والظن بالناس، فكأنه لم يجرب بواطن الأمور، فترى الناس منه في راحة لا يتعدى إليهم منه شر.
سوء الظن بالمسلمين
وبعكس هذا سوء الظن بالمسلمين بلا دليل ولا برهان، وهو محرم، قال القرطبي: «وَأَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الظَّنّ الْقَبِيح بِمَنْ ظَاهِره الْخَيْر لا يَجُوز»، قال -تعالى- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. وقال ابن سعدي: «نهى الله -تعالى- عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا إساءة الظن بالمسلم وبغضه وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه». قال القرطبي: «لَا تَظُنُّوا بِأَهْلِ الْخَيْر سُوءًا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ ظَاهِر أُمُورهمْ الْخَيْر»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ! فَإِنَّ الظَّنّ أَكْذَب الْحَدِيث» متفق عليه. قال النووي: «المراد النهي عن ظن السوء، قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس فإن ذلك لا يملك، قال النووي: ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه، ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر، فإن هذا لا يكلف به». وعن ابن عمر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول: «ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم ‏حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله -تعالى- حرمة منك، ماله ‏ودمه، وأن يظن به إلا خيراً». أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
السبيل إلى السعادة وراحة البال
فمن أراح عقله من سوء الظن، وطهر قلبه من اتهام الناس بغير علم، عاش سعيدًا مرتاح البال، واشتغل بنفسه عن الآخرين، واعتنى بواجباته الدينية والدنيوية دون تضييع الأوقات والطاقات في مراقبة الناس والحكم عليهم بلا برهان، والتسلي بمتابعة أخبارهم الصادقة والكاذبة، والخوض في خصوصياتهم، والاستطالة في أعراضهم، والوقوع في الغيبة والشماتة والسخرية والتجسس وغيرها من المحرمات والكبائر الموبقات، وسبب ذلك في كثير من الأحيان العقول الجاهلة والنفوس المريضة والأخلاق الرديئة، والفراغ القاتل، وطول الأمل، وسوء العمل نسأل الله -تعالى- العافية لنا وللمسلمين.

اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 145.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 139.95 كيلو بايت... تم توفير 5.57 كيلو بايت...بمعدل (3.83%)]