العيب البصري والألم النفسي

[ابوالوليد المسلم]

العيب البصري والألم النفسي


أ. عائشة الحكمي



السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أنا فتاة قد خُطبت قبلُ، وفَسَخْت خطوبتي بنفسي، وبعدها خطبني أحد أقاربنا، وتَمَّ عقد النكاح، ولكن بعدها حصلت مشكلات، وتم الطلاق، وهذا الشيءُ قد سَبَّب لي مشكلات نفسيَّة شديدة، ولكن لَم أبيِّن تَعبي النفسي لأيِّ أحد؛ لأَنِّي لَم أرَ أحدًا واساني، أو وقف معي في شِدَّتِي وحُزني غير الله.

وغير كل هذا أنني يتيمة الوالدين - رحمهما الله - ولكن ليست هذه المشكلة فقط التي أتعبت نفسِيَّتي، بل إنَّها مُشكلة أخرى جعلتني لا أثِقُ بنفسي أمام الآخرين, وهي أنَّني أعاني من حَوَل في عيني، وهذا الشيء يَجعلني لا أحبُّ الخروجَ كثيرًا، ولا أجتمع مع النَّاس، لدرجة أنَّني إذا كنت أتحدث مع شَخْصٍ أمامي، لا أنظر كثيرًا إلى وجهه؛ حتى لا أحس بالإحراج؛ لأَنِّي أحيانًا إذا تحدثت مع شخصٍ، وكنت أنظر إليه، يلتفت بجانبه؛ إذ يظن أنَّني لا أحدثه، والبعض يتعمد ذلك؛ لإحراجي، وأحيانًا إخوتي يضحكون عليَّ ويستهزئون بي, بالرغم من أنِّي جميلة ومحبوبة، ولكنَّ هذا عيبي الوحيد, وقد أجريت قبل 9 أشهر عملية لإحدى عيني؛ لتعديل الحول، وقد خَفَّ بنسبة بسيطة، وهذا قد زادني إحراجًا؛ لأَنَّ الحولَ ما زال موجودًا، ونظرة الناس زادت، ويتساءلون: لماذا أجريتِ العملية؟

وأنتظر الآن العملية الثانية في العين الأخرى؛ لتعديل الحَوَل, وهذا الأمر جعل نفسيتي تتأزم؛ لأني أحس بأنه عائقٌ في طريقي مع المجتمع كليًّا، حتى إنَّني أصبحت أخاف أن يكون عائقًا في زواجي، بالرَّغْمِ من أنَّني يتقدم إلي الخطاب كثيرًا، ولكن أرفضُ؛ لأسباب، منها أنَّ مَن يأتي لِخِطبتي إمَّا أن يكون رجلاً متزوجًا، أو يكون أصغر مني سنًّا، أو يكون ذا خلق سيئ، "والحمد لله على كل حال".

أشيروا عليَّ ماذا أفعل؟ وكيف أسترد ثقتي بنفسي؟ وأريد أن أتجاوز هذه المرحلة بأي وسيلة، حتى لو لم يتعَدَّل الحول الذي في عيني، وهل سيكون "الحول" عائقًا في طريقي للزواج؛ لأَنَّني لم أعُد صغيرة، أتمنى أن أجد الحل منكم، وفي أسرع وقت ممكن، وجزاكم الله كل خير.

الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
دعينا بدايةً نستبدل بكلمة عيب (خلقي) كلمة عيب (بصري)؛ لنُضيف العيب للعضو، بدلاً من إضافته للخلق، فالخالق ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7]، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14].

تذكري - يا عزيزتي - أنَّ هذا (العيب) الذي يسبب لكِ ألَمًا نفسيًّا إنْ هو إلا ابتلاء امتحن الله به صبركِ وإيمانَكِ ورضاكِ بأقداره المؤلمة، فاصبري لعلَّ الله يكتب لكِ الثَّوابَ العظيم في الدُّنيا والآخرة؛ فقد رُوي عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَوَدُّ أهل العافية يومَ القيامة حين يُعْطَى أهلُ البلاء الثوابَ لو أنَّ جُلُودَهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض))؛ رواه الترمذي.

وفي "صحيح البخاري": ((إنَّ الله قال: إذا ابتَلَيْتُ عبدي بحبيبَتيه فصبر، عوضته منهما الجنة))، يريد: عينيه.

فلا تضيعي من بين يديكِ هذه الأجور العظيمة بكثرة التسخُّط والتوجُّع، عسى الله ألا يحرمكِ الأجر، وأنْ يتمَّ عليكِ نعمه الظاهرة والباطنة، وبإذن الله تنجح عمليتكِ القادمة، وتسعدي بعينيكِ، وتستعيدي ثقتكِ بنفسكِ.

أقول لكِ ذلك وأنا مقدِّرة تمامًا لمشاعر الحرَج التي تعتريكِ بسبب هذه المشكلة الجمالية، فالحوَل عيب جمالي ظاهري يؤِّثر على النفسية والشخصية، وكل ما تَحتاجين إليه هو تقوية ثقتكِ بنفسك، فالحوَل عيب موجود لدى الكثير من المشاهير في شَتَّى المجالات: الفنية والأدبية والعلمية، لكنَّه لم يقف أبدًا كعائق في طريق شهرتهم وتفوقهم ونَجاحهم؛ لأنَّ العيوب الحقيقية ليست في عيوبِ الجسد، بل فيما يصيب النفوس، والأخلاق، وأعمال القلوب:

وَإِذَا أُصِيبَ الْقَوْمُ فِي أَخْلاَقِهِمْ
فَأَقِمْ عَلَيْهِمْ مَأْتَمًا وَعَوِيلاَ

يعد خضوعكِ للعلاج الجراحي لحل المشكلة خُطْوة مُهِمَّة جدًّا على طريق اكتساب الثقة بالنفس، وإن جاءت متأخرة جدًّا؛ لأنه كلما تَمَّ العلاج مُبكرًا، زادت فرصُ النجاح، وتَحقيق النتائج الإيجابية.

تستهدف العملية الجراحية للحوَل عضلات العينين الخارجية الحركية؛ لتقوية العضلة الضعيفة، وإرخاء العضلة المشدودة، لكن يَجب أن تكون توقعاتكِ حول نتائج العمليَّة واقعية ومنطقية؛ لتتجنبي الشعورَ القاسي بخيبة الأمل في حالِ أنَّه لَم تُعطِ العمليةُ النتيجةَ المُرْضية لا قدر الله، وإن كنتُ أرى أن تلمسكِ لبعض التحسُّن في شكل عينيكِ بعد العملية الأولى كفيلٌ لأن تحمدي الله - عزَّ وجلَّ - على فضله، فلا تقابلي النعمةَ بالجحود؛ ليزيدكِ الله من فضله، فقد قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].

أمَّا أحدث طرائق علاج الحوَل، فهي العلاج بحقن البوتوكس Botox، ولكنَّه علاج تجميلي مؤقت لا يستمر أكثر من ستة أشهر.

استشيري أيضًا "اختصاصِيَّة ماكياج محترفة" لتعليمكِ بعضَ الخدع التجميلية لماكياج العيون، وألوان الظلال المناسبة للون عينيكِ؛ للتَّخفيف من حِدَّة بروز الحوَل؛ كي تعتمديها خلال تزيُّنك.

وإذا كانت نظراتُ الناس تهز ثقتكِ بنفسكِ، فيمكنكِ ارتداء النظارات من نوع Dark Glasses Indoors، وهي تشبه النظارات الشمسية، لكنَّها تصلح للارتداء داخل المنزل وفي الأماكن المغلقة غير المشمسة.

ولو كان للحوَل تأثير فعليٌّ على الزواج، ما كنتِ ستجدين شخصًا يتقدم لخطبتكِ، وما كنا لنسمعَ بنساء متزوجات ولديهنَّ عيوب بصرية، كالحوَل ونحوه، أليس كذلك؟! فالزواج رزق من الله، فلا تستبطئي رزقكِ، ولا تَحملي هَمَّه يا أختي الفاضلة.

أنصحكِ فقط ها هنا بتحري السُّؤال عن الخلفية الوراثية لأيِّ خاطب يتقدَّم لخطبتكِ: إن كان حاملاً لأي صفة وراثية من صفات الحوَل أم لديه مُشكلات بصرية يُمكن توارثها؛ إذ لا ينصح عادةً بالزواج في مثل هذه الحالات؛ تَجنُّبًا لولادة أبناء من ذوي العيوب البصرية.

أنتِ جَميلة، وتعلمين ذلك من نفسكِ عن نفسكِ، ومنبع القبح لا ينبع إطلاقًا من عينيكِ، بل من شعوركِ الدَّاخلي بعدم الرِّضا عن نفسكِ وعن قدَركِ، فلا تركزي كثيرًا على عينيكِ، فتجذبي نظراتِ الناس إليهما.

وصدقيني لو لم تكن لديكِ هذه المشكلة، لعابكِ الناس على غيرها، وإن لم يَجدوا فيكِ عيبًا، لألصقوا فيكِ عيوبًا من عيوبهم؛ فَرِضَا الناس غايةٌ لا تُدرَك، ويَجب ألا تعطيها اهتمامَكِ من الآن فصاعدًا.

أمَّا مَن يسألكِ بخصوص العملية، فأجيبيه بصدق بأنَّها لتصحيح الحوَل، ألاَ يرون ذلك بأنفسهم؟! سبحان الله!

كوني صادقة مع نفسكِ ومع غيركِ؛ ليرتاح بالُكِ، وتهدأ نفسيتكِ، فالعيب ليس في العملية، بل في التحايل والخداع، واختلاق الأكاذيب، أليس كذلك؟!

ومن تتعمد التلفُّت يَمْنَةً ويَسْرَةً لإثارة ضيقكِ وإغاظتكِ، فقولي لها بمنتهى الأدب: "أعتذر إن كانت نظرة عينيَّ تعكس لكِ بأنني أتحدث إلى شَخصٍ آخر غيركِ"، وحتمًا سيلقمها أدبكِ حجرًا، وستكتسبين بصبركِ على أذاها أجرًا.

دُمتِ بألف خير، ولا تنسيني من صالح دعائكِ.