مقاصد سورة النور - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836892 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379405 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191257 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 661 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 947 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1099 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-01-2021, 10:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة النور

مقاصد سورة النور


أحمد الجوهري عبد الجواد




نور البيان في مقاصد سور القرآن
"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".

(24) سورة النور

الحمد لله رب العالمين، هو نور الأكوان ومُنزِّل القرآن وهادي الإنسان إلى سواء السبيل، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو نور السموات والأرض، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، هو النعمة المسداة، والسراج المنير الذي أنار للأمة طريق حياتها بهدي ربها، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى أمانته، ونصح للأمة، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات ربنا وتسليماته على هذا النبي الكريم، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وصلي علينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد..

أيها الإخوة المسلمون الكرام، فهذا لقاؤنا مع سورة النور عبر سلسلة الحديث عن مقاصد سور القرآن الكريم، وسورة النور هكذا سماها ربنا سبحانه وتعالى بهذا الاسم الجميل[1]، بهذا الاسم المشعّ، سورة النور، والنور شيءٌ محببٌ إلى كل نفس، والنور حياة، والنور أمل، هذه سورة النور سمَّاها الله كما سمى غيرها من سور القرآن الكريم، وذلك لما فيها من أحكامٍ اجتماعيةٍ عظيمة تنير حياة الناس وتشع على واقعهم بأضواء تميز لهم بين الخير والشر، والحق والباطل، والنفع والضر، وذلك هو المُشار إليه في قول الله تعالى في خلال آيات السورة ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ.

هذا حول اسم السورة، فاسم السورة يشير إلى ما فيها، أما توقيت نزولها فكان نزولها بعد الهجرة، واقترب بعض العلماء من زمانها بالتحديد فقالوا: نزلت في غضون السنة الخامسة من الهجرة، كانت في هذه الحدود من العهد المدني[2]، ولذلك – أي لأنها سورةٌ مدنية – فإنها اشتملت على أحكامٍ وعلى حدودٍ وعلى آدابٍ وتشريعات لا تقوم إلا على العقيدة الصحيحة التي انبنت في العهد المكي قبل ذلك، ففيها آدابٌ اجتماعيةٌ عظيمة لا تستغني المجتمعات السليمة عنها، وذُكر في فضلها أنها سورةٌ فاضلةٌ جدّاً، ثبت ذلك بالقرآن ورُوي شيءٌ من ذلك في الأثر[3]؛ أما القرآن فإن الله تعالى خص هذه السورة من بين مائة وأربع عشرة سورة بوصفٍ هو ثابتٌ لكل السور فقال {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، كل سورة كذلك، الله تعالى أنزلها وفرض أحكامها وأنزل فيها آياتٍ بيِّنات من آيات العقيدة والإيمان لعل الناس يتذكرون، فهذا الوصف ثابتٌ لكل السور، وحين يُطلق خاصةً على هذه السورة كأن الله تعالى قال هذه سورةٌ أنزلناها وفرضناها، وفي قراءةٍ سورةً بالنصب، كأن الله يقول: تلقوا، أو خذوا، أو أوحينا إليكم سورةً أنزلناها وفرضناها، فهذا في البلاغة في اللغة العربية يقال له: تخصيص الشيء بعد ذكره في العموم، يُذكر في عمومه أولاً ثم يُذكر ذكراً خاصّاً وحده، كما قال الله عن جبريل كثيراً في القرآن من مثل قوله تعالى: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾، ﴿ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ﴾ وهكذا، الملائكة كلها أرواح، كل ملك روح، والملائكة كلمةٌ تشمل جميع الملائكة بما فيهم جبريل عليه السلام، فيخص الله جبريل بعد ذكره ضمن الملائكة يخصه بالذكر ويخصه بكلمة روح ﴿ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وكما نسمع في الاحتفالات يحضر هذا الحفل حشدٌ كبير من الساسة ورجال العلم ورجال كذا، وفيهم فلان الفلاني، لماذا فلان الفلاني هذا له صفةٌ خاصة بعد أن ذُكر ضمن الجمع الكبير والحشد العظيم من رجال كذا ورجال كذا، خُصَّ بالذكر لبروزه بينهم، لأنه رمزٌ خاص.

إذاً هذه السورة رمزٌ بين سور القرآن، فلقد خصها الله تعالى بوصفٍ عام لكل سورة، ولم يقل في أية سورةٌ أخرى ما قاله في شأن سورة النور ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، رُوي عن مجاهد إمام من أئمة التابعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "علموا رجالكم سورة المائدة، وعلموا نساءكم سورة النور"[4]، كما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أوصى – وخاصةً للنساء – بتعلم سورة النساء "تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور"[5]، فعلاً هي سورةٌ جديرةٌ بالتعلم والقراءة والحفظ والتفسير، وأن نعرف معانيها وأحكامها لأنه لا غنى لنا عنها.

هذا حول فضل السورة، أما موضوعاتها التي قدمتها لنا وحملتها في أحشائها، فهي موضوعاتٌ جليلة كلها تقريباً تقوم حول أو تقوم على صيانة العرض ووسائل حفظها، صيانة الأعراض ووسائل حفظها، تقوم على هذا الأساس وتدور حول هذا المحور وتعلمون أحبتي الكرام خطورة الأعراض، فالأعراض كالزجاج أقل ضربةٍ فيها إن لم تكسرها تخدشها وتشرخها، والزجاج إلى حدث فيه شدخٌ أو شرخ فإنه يبطل استعماله غالباً، ومريم عليها رحمة الله حين ظهر حملها وأجاءها المخاض وسيظهر ولدها على يديها وسيراها قومها، وهؤلاء يهود أوصافهم معروفة وقبحهم ظاهر، يا ترى ماذا سيقولون عني، ساعتها وساعة أن تخيلت أن عرضها سيقال عنه كذا وكذا ﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾، فالموت أرحم ونسيان الذكر أرحم من أن تعيش المرأة وعليها كلمةٌ شائنة، من أن يكون هناك عرضٌ وعليه شائعة ولو كاذبة، فالموت أحسن من ذلك ﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فلا كانت مريم ولا كان حملها ولا كنت أريد كل هذا، لو كنت نسياً منسياً أي لم أكن شيئاً يُذكر في هذه الدنيا لكان خيراً لي من أن أواجه قوماً بهتاً مفترين كاليهود بولدٍ ليس له أب، يا ويلي ماذا سيقال لي، وفعلاً حين قابلوها ولقوها ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ وما صبَّرها إلا أن الله بشرها بأنه سيدافع عنها ﴿ فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾، لا تكلمي القوم ونحن سنجيبهم، وأجابهم الله على لسان عيسى عليه السلام وهو وليدٌ صغير ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا.

فالعرض أحبتي الكرام شيءٌ عظيم، شيءٌ خطير، شيءٌ غالٍ جداً تهون الحياة في سبيل الحفاظ عليه، نسأل الله أن يحفظ أعراضنا جميعاً، ولذلك ذكر الله في صفات المؤمنين كما جاء في السورة السابقة ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾، وتكررت الآيات ذاتها هي هي في سورة المعارج بعد ذلك أيضاً مرةً أخرى، والدين جاء يحفظ أموراً سماها العلماء بالكليات الخمس، يعني أمور جامعة أساسٌ في الحياة لا تقوم الحياة بغيرها، منها العرض والحفاظ عليه، هذه السورة تركز على هذه النقطة وتدور حول هذا المحور الخطير بعدة موضوعات؛ أولاً جرَّم الله الاعتداء على الأعراض اعتداءً فعلياً عملياً أو قولياً، وغرَّم ذلك الاعتداء، جرَّمه أي جعله جريمة سواءٌ كان هذا الاعتداء على الأعراض بالزنا أو بالقذف بالكلمة، أن يتهم إنسانٌ عرضاً من الأعراض بأنه وقع في زنا، هذا اسمه قذف، جعل الله الاثنتين كبيرتين هذه كبيرة وتلك كبيرةٌ أيضاً، وغرَّم فاعلها فالزاني – حسب ما ذُكر في هذه السورة – هو الزاني غير المحصن الذي لم يسبق له أي زواج، لم يذق الحلال أبداً في هذا المجال، فهذا اسمه غير مُحصن، يُجلد مائة جلدة ويغرَّب الشاب سنةً كاملة، يُقصى عن بلاده وأهله وعشيرته ويقضي سنةً في مكانٍ قفرٍ، في مكانٍ موحش في غربةٍ فيها الكربة والألم، أما البنت بتجلد مائة جلدةٍ فقط ولا تغرب، ومن اعتدى على الأعراض أو عرض منها بكلمةٍ قاذفة فإنه يُجلد ثمانين جلدة وتُرد شهادته بين المؤمنين ولا تُقبل كلمته، فلقد اتهم عرضاً بكذب فلا يؤتمن أن يكذب مرةً أخرى، ومن كذب في الأعراض يكذب فيما دونها، يكذب في الأموال وبقية الأحوال، لأن كذبه على الأعراض أخطر، وتُرد شهادته ويصير بين الناس معروفاً بالفسق ﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ فإنه يرفع عنه هذا الحظر فتقبل شهادته من جديد ويقبله الناس وما عادوا يسمونه فاسقاً إن تاب من جريمته هذه.

ثانياً: السورة ذكرت قصة الإفك وهي قصةٌ تطبيقيةٌ على هذا الحد، اتُهمت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها وكانت هي الضحية لنتعلم منها هذا الدرس، رضي الله عنها وأرضاها وجزاها الله عنا خيرا، فقد تكلم المنافقون في عرضها بتقدير الله سبحانه وتعالى، ثم برأها الله تعالى مما قالوا في عشر آياتٍ من هذه السورة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ... إلى آخر عشر آيات، وفي هذه القصة عبرٌ لا تستغني عنها الأمة الإسلامية لتصون أعراضها من الكلمة الشائعة، ولتحفظ ألسنتها من القول الكاذب الخالي من الدليل، فيها تعليمٌ عظيم لهذه الأمة، في هذه القصة العظيمة[6].

ثم بعد ذلك تمضي الآيات ليشرِّع الله تعالى أدباً جليلاً جداً هو شيءٌ قليل ربما يستهين به الناس ولكنه يوصل إلى هذا الخطر العظيم، شرع أدب الاستئذان ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ إلى عدة آيات، ثم بعد ذلك أيضاً كما شرع الاستئذان على البيوت من خارجها، يشرع الله تعالى الاستئذان داخل البيوت بين أفراد الأسرة الواحدة في أوقات النوم، يستأذن الواحد على الآخر، الأخ على الأخت والعكس، الأولاد على أبيهم وأمهم، وهكذا يستأذن الأفراد على بعضهم داخل أسرة وبيت واحد ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ ﴾ أي يجب أن يستأذنكم ﴿ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ﴾، وذكرها الله تعالى أنها ثلاث عورات لأنها أوقات نومٍ والنائم لا يملك أمر نفسه.

استئذانٌ من خارج البيوت عند دخولها في كل وقت، واستئذانٌ داخل البيوت بين أفراد الأسرة الواحدة في ثلاث أوقات فقط ﴿ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ، هذه الأوقات تخلف منها الآن في نومنا وقتان، وبقي وقتٌ واحد وهو من قبل صلاة الفجر، هذا هو الذي ننام فيه، ولكن قد ينام الواحد في وقت آخر من ليل أو نهار، العبرة بالمعنى فيستأذن أفراد الأسرة على بعضهم في أوقات نومنهم أياً كانت، لكن تنظيم اليوم والليلة وتنظيم اليقظة والنوم أجمل تنظيم له على منهج الله عز وجل، أن ينام الإنسان من بعد صلاة العشاء ثم يقوم في منتصف الليل إن كان يصلي أو يقيم بعض الليل، ثم ينام من قبل صلاة الفجر، ثم ينام من الظهيرة ساعة القيلولة، هذا إعجازٌ علميٌ في القرآن الكريم لراحة الجسم وحفظ صحة البدن، فالاستئذان يكون أوقات النوم؛ وذلك لأن من رأى العورة ومن رأى العرض مكشوفاً قد يقع عليه بالزنا وقد يفتري عليه شيئاً آخر، فالبداية هي النظر، ولذلك الله تبارك وتعالى في الموضوع الذي بعد ذلك يأمر المؤمنين والمؤمنات الرجال والنساء بالغض من البصر ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾، وبعدها ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾، وفي المرتين يغضوا من أبصراهم ويحفظوا فروجهم، يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، لماذا جمع بين الأمرين؟ لأن البداية هي النظرة والنهاية هي الوقوع على الفرج بالزنا، الاعتداء على العرض بالزنا، هذه هي البداية وتلك هي النهاية فاحذروا البداية تسلماً للنهاية، فقال ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾، كأن غض البصر يمنع الزنا، من البداية تُغلق الباب أولاً عند بداية الطريق فلا يدخل أحدٌ فلا يصل إلى نهاية الخطر، والله تعالى لا يعذبنا بشرعه ولا يضيق علينا بحلاله وحرامه، فحين أمرنا نحن الرجال – والنساء كذلك – حين أمرنا بالغض من البصر فإنه يتعبنا جداً في هذا التكليف كشف العورات، عن أي شيء تغض عن هذا العورة أو تلك، عن هذه المرأة أو هذه أو هذه، فوق تحت يمين شمال أمام خلف..، في كل مكان عورةٌ مكشوفة، تريد أن تغض بصرك تعذب نفسك، أيريد الله أن يعذبنا؟ لا، نحن لا نريد أن نرى ولكن كثرة المكشوف تصعِّب تطبيق هذا الأمر، ولذلك من رحمة الله ومن حمته وكمال تشريعه أنه أمر بالغض من الأبصار وفي الآية نفسها أمر النساء أن يسترن أنفسهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وفيها رأيان، الرأي الأول أن تغطي المرأة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، والرأي الثاني – وهو الأصح – أن تغطي جميع بدنها فجمالها في وجهها، فالرأي مع النقاب أفضل، والدليل مع النقاب أقوى، وغض البصر مع النقاب أسهل على من أراد أن يغض بصره، فحين أمرنا الله بالغض من البصر أمر النساء وأصحاب الزينة أن يسترن زينتهن حتى لا يجد المسلم مشقةً في الغض من البصر، وما أحكم ربنا سبحانه وتعالى[7].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-01-2021, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد سورة النور

مقاصد سورة النور


أحمد الجوهري عبد الجواد




هكذا ثم من الوسائل أيضاً لصيانة الأعراض بعد غض البصر وفرض الحجاب، من وسائل غض البصر تيسير النكاح وإشاعته، أكثروا من النكاح، زوِّجوا كل من لا زوج له، والمجتمع كله مسئولٌ عن ذلك، هذا يساعد بمال، هذا يقنن قانوناً ييسر النكاح، هذا يدل رجلاً على زوجة، وهذا يدل والد زوجةٍ على زوجٍ يصلح لها، وهكذا الكل يتعاون، في ماذا؟ في تزويج كل من لا زوج له، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا ﴾ معنى أنكحوا يعني زوجوا، أنتم تزوجتم؟ نعم الحمد لله إذاً زوِّجوا ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، زوجوا كل من لا زوج له، والأيامى جمع أيِّم، فالرجل أيِّم والمرأة أيِّم أيضاً، معنى أيِّم يعني لا زوج له، غير متزوج، لا يزال بكراً أو تزوج وطلَّق أو تزوج وماتت زوجته أو مات زوجها، المهم الآن هو لا زوجة له وهي لا زوج لها، زوجوهم أيها المسلمون لا تقصروا في ذلك، ولا تقل ما يقول الناس من كلامٍ باطل امش في جنازة ولا تمش في جوازة، لا بل يقول لك الإسلام: امش في جنازةٌ ففيها قيراطٌ في الجنة وامش في جوازة وبالتأكيد ثواب الحي أكبر من ثواب الميت، مشيت في الجنازة حتى دفنتها وانتهى أمرها، أما حينما تمشي في جوازةٍ وتجمع بين اثنين في الحلال ولو بكلمةٍ طيبة قام هذا البيت بسببك، على أساس من كلمتك أو معونتك المادية، كم ذكروا الله هذان الزوجان، كم عبدوا الله مع بعض، كم أكرم الزوج زوجته وأكرمت الزوجة زوجها، كل ذلك في ميزان حسناتك، كم أنجبا من الأولاد وكم ذكر الأولاد ربهم، وكم حفظ من الأولاد القرآن الكريم، وكم صار منهم هذا شيخٌ وهذا طبيبٌ وهذا نافعٌ للناس بصنعةٍ وهكذا، كل هذا النفع في ميزان حسناتك صدقةٌ جارية بمالٍ أو بكلمة أو بقرار ييسر النكاح ويسهل أمره ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾ حتى يصل الأمر إلى قطاع الخدم والعبيد، إن كان هناك عبيد زوجوهم أيضاً ﴿ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، كيف نجمع هكذا والظروف صعبة، كيف يأكلون وكيف يشربون، الرزاق هو الله ﴿ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾، أنت عليك أن تُزَّوج الناس أن تُيسِّر تزويج الناس بشكلٍ أو بآخر، بما تستطيع والبقية الرزق على الله سبحانه وتعالى، شيءٌ عليك وشيءٌ على الله، انشغل بما هو عليك واترك ما ليس عليك لمن هو عليه والله على كل شيء قدير.

ثم تبيِّن السورة بعد ذلك أن التمسك بالآداب والأحكام الشرعية طريقٌ سهلٌ للتمكين، الذي يريدون إعادة شريعة الله تعالى إلى واقع الحياة تعود هكذا، بأن نطبق نظام ربنا في حياتنا، وفي أنفسنا، في مجتمعاتنا، فإذا كان الشعب يريد الدين ومقبلاً على الدين سيوفر الله لهم من يحكمهم بدين الله، هذا طريقٌ من طريق التمكين ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، هذه الآية وما بعدها من آيتين فيها منهجٌ عظيمٌ جداً لتمكين الأمة الإسلامية، ولذلك قال العاملون الفاهمون في هذا المجال: أقيموا دولة الإسلام في بيوتكم تقم على أرضكم، أقيموا دولة الإسلام في بيوتكم كلٌ منا يحكم بيته بما أنزل الله، جرّب أقبل نفذ إن شاء الله تقوم الدولة الإسلامية بك، وتطبق الشريعة الإسلامية بك وبأخيك وبهذا وبهذا، بنا جميعاً، ببيوتنا جميعاً تعود دولة الإسلام إلينا بفضل الله، ولأن في وسط هذا التمكين يستطيع الناس أن يقيموا حدود الله، يستطيع الناس أن يطبقوا شرع الله، يستطيع الناس أن يتسفيدوا بهذا النور العظيم.

في هذه السورة كذلك الله عز وجل يذكر أنه نور السموات والأرض، هو مصدر كل نورٍ في هذه الحياة، نوراً حسياً أو نوراً مادياً، الشمس، القمر، النجوم الأصغر، كل هذه إنما هي من عند الله، وما خلق أحدٌ منها شيئاً، كل نورٍ في السموات والأرض إنما هو من عند الله، قال ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾، ولكن الله تعالى لا يمتن بالنور الحسي فهذا تركه مشاعاً للكافر والمؤمن، الكل يستفيد من الشمس ومن القمر ومن النجوم، إنما خص الله المؤمنين بنورٍ آخر، ودعا الله الناس إلى نورٍ أسمى وأعلى، نور يضيء في القلب، يشع في النفس فيستقيم أمر الإنسان وحاله، وتستقيم المجتمعات، وتسعد الدنيا كلها بهذا الضياء المعنوي، مثَّل الله له لأنه أمرٌ معنويٌ لا تراه العين، ضرب له مثالاً مما تراه العين ﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ... ﴾ إلى آخر الآية، مصباح مضيء بزيتٍ نقيٍ جداً إضاءة موضوعة داخل زجاجة، والمصباح بزجاجته داخل مشكاةٍ يعني كوَّة داخل الجدار، مثل الشباك غير النافذ، فهو مكانُ مدوَّر ومكوَّر وضيق فالنور يظهر فيه بقوة، كذلك قلب المؤمن شيءٌ قليلٌ صغيرٌ ولكنه حينما يدخله نور الله يشع فيه أضواء عجيبة وأنوار لطيفة تضيء حياته كلها، وهذا النور لا ينتفع به إلا من أذن الله له، بخلاف الشمس والقمر كما قلنا، ﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ ولا يشاء الله نوره هذا إلا لمن طلبه، إلا لمن أحبه، إلا لمن سعى إليه، الله يهبه هذا النور، وبعدها بآيات يقول الله تعالى ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ، نوَّر الله قلوبنا وإياكم بالإيمان.

ثم يذكر الله تعالى موقف الناس من هذا النور الإلهي العظيم، نور الشريعة، نور الأحكام، نور الدين، ما موقف الناس منها، من هذه الأنوار؟ كان موقف الناس على ثلاثة أحوال، مؤمنون انتفعوا بنور الله ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، وقسمٌ ثانٍ ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ﴾، ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ بحر عميق ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ من شدة الظلام لا يرى يديه وهي بين عينيه، فالكافر يعيش في ظلمة، ومثله كذلك المنافق ﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، إذاً ثلاثة أصناف، المؤمنون – نسأل الله أن نكون منهم – والكافرون والمنافقون هؤلاء أعرضوا عن دين الله وغفلوا عن نور الله وعموا عنه والعياذ بالله.

هكذا السورة تعرض لنا هذه القضية أيها الأحباب في هذا العرض الطويل الجميل، ومن خلال بيانٍ لوسائل صيانة الأعراض والحفاظ عليها، تجريم وتغريم المعتدي على الأعراض، حفظ اللسان عن الكلمة التي تصيب العرض والشائعة صيانة الأذن واللسان عنها، الاستئذان داخل وخارج البيوت عند اللزوم، إشاعة الزواج وتيسيره، غض البصر من الرجال والنساء، وفرض الحجاب على النساء وفي المقابل من باب الأولى ومما لا يتحتاج إلى ذكر ستر الرجل لعورته، فليس من الشيم أن يمشي الشاب بشورت، أي بتبَّان قصير، أو ببنطلون قصير في الشارع ويظهر به على النساء، هذا لا يجوز، عورة الرجل من سرته إلى ركبته، ومن المروءة أن يغطي بقية بدنه، وكان أهل العلم والرواية للحديث قبلنا في أمتنا هذه كانوا لا يقبلون رواية ولا شهادة من كشف رأسه من الرجال، يعتبرونه مخلاً بالمروءة، فعل فعلاً يخل بالمروءة، أي من مروءة الرجل أن يغطي رأسه فضلاً عن صدره وظهره، فضلاً عن ساقيه، هذا من المروءة والجمال أن يغطي الرجل كذلك جسمه، والمرأة تغطي بدنها وزينتها كلها إلا ما ظهر منها بغير قصدها فيعفو الله عنها.

هكذا السورة تُبصِّرنا في هذا المجال، هدف هذه السورة أحبتي الكرام تقصد وتهدف إلى شيءٍ محدد وهو أقيموا شريعة ربكم لتصونوا أعراضكم وحياتكم بنظام ربكم تفلحون بإذن الله تعالى ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، ولاحظ معي في ختام هذه الخطبة لاحظ أن اسم السورة النور، وليس نور فقط إنما النور، شيءٌ معهود، شيءٌ محدد معروف، النور، النور العظيم، النور الحقيقي، النور وأولها ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، قد يقول قائم – وخاصةً في أيامنا هذه – لماذا يستقل الله تعالى ويتفرد بإنزال السورة القرآنية وإنزال الأحكام وفرضها وتقنينها علينا وتكليفنا بها، أين عقولنا، وأين أنظمتنا، وأين قوانيننا.. وأين.. وأين، ولماذا لا نأخذ بها؟ في آخر السورة إجابةٌ على ذلك بما يريح القلب، آخر آية ﴿ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ﴾ يعني حقاً يعلم ﴿ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، هل عندكم من وصفه كذلك؟ طالما لله ما في السموات والأرض وهو يحكم وينظم في ماله وفي مملوكاته فلا غبار على ذلك أبداً، وهو مع ذلك بكل شيءٍ عليم، إذاً سيشرع التشريع المناسب الحكيم ويضع كل شيء في موضعه من الزمان والمكان والأشخاص بما يتناسب مع حال الناس.

إذاً مرحباً بشريعة الله، ونعمَّ بدين الله، ونسأل الله أن يثبتنا عليه حتى نلقاه بها وهو راضٍ عنا غير غضبان، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد..
أيها الإخوة المسلمون الأكارم، هذه سورة النور المدنية بما فيها من أنوار ربانية تضيء لنا حياتنا الدنيوية حتى نسعد في الحياة الأخروية، أحبتي الكرام بقي لنا أن نعرف صلة هذه السورة بما قبلها، كما قبلها مع سورة المؤمنون وهذه سورة النور أي نور الله في قلوب المؤمنين، من أكثر الناس بحثاً وحرصاً وانتفاعاً بنور الله عز وجل؟ المؤمنون، وماذا يفعلون بنور الله وهداية الله؟ سورة الفرقان بعد ذلك يفرقون بها بهذه الأنوار، يفرقون بها بين الحق والباطل، والخير والشر، والضر والنفع، لذلك تجد المؤمن على بصيرة ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي ﴾ هكذا يقول الله في القرآن يلقن النبي صلى الله عليه وسلم ليقولها وقد بلغنا جزاه الله عنا خيرًا ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي، النبي صلى الله عليه وسلم كان على بصيرة في دعوته وفي عبادته لربه في حياته كلها، بصيرةٍ من عند الله، وكذلك من يتبعه على هذه الطريق فإنه يكون على بصيرة، معنى بصيرة يعني يرى أكثر مما تراه العين، بل يرى ما لا تراه العين، العين ترى المحسوسات والبصيرة تكشف المكنونات والسرائر والمخبآت، فالمؤمن على بصيرة، المؤمنون هم أكثر الناس بحثاً وطلباً لنور الله عز وجل أن يدخل في قلوبهم، وأن يملأ قلوبهم، وأن ينير بيوتهم وحياتهم، وأن يؤانسهم في قبورهم، وإذا حصَّلوه انتفعوا به ففرقوا به بين الأشياء ليأخذوا ما لهم ويؤدوا ما عليهم، وهكذا تتصل سورة المؤمنون بسورة النور بسورة الفرقان سلسلةٌ واحدة، مع أن المؤمنون والفرقان سورتان مكيتان، وسورة النور بينهما سورةٌ مدنية وتبارك من رتب سور القرآن بهذا الترتيب العظيم.

أحبتي الكرام إن كثيراً من الناس يتبرمون وينزعجون من حلال وحرام، ويظنون بذلك أن الدين يضيق علينا حياتنا، ولذلك نفر الكافرون من التقيد أو الانضباط مع هذا وعاشوا حياةً وصفوها بالحرية، لم يقبلوا تحريم الزنا، كيف يكون الزنا حرام إنها متعة، فانتشر الزنا، ولم يكتفوا بذلك بل طلبوا اللواط أن يزني الرجل برجل، واختاروا السحاق أن تزني المرأة بامرأة كذلك، وقننوا لهذا قانوناً حتى يقنعوا أنفسهم أنه أمرٌ عادي ولا يُنكر عليهم، هذه حياتهم، النساء ينزعجن حينما يطالبن بالحجاب، لماذا نلبس الحجاب، اقنعني أولاً، ولماذا ألبس أنا الحجاب ولا تلبسه أنت كرجل، لماذا لا يلبس الرجال حجاباً أيضاً، ويناقشن أمر الله تعالى بسفهٍ وبجهل، ثم يشيع في الجاهليات هو الكلام حُرُم، هو الكلام عليه جمرك، دا احنا بنتكلم وخلاص، ومن هذا الكلام كلمةً يُجلد قائلها ثمانين جلدة ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾، كلمات كثيرة من هذا النوع نسمعها في مجتمعاتنا الإسلامية اليوم في عموم الناس وفي الأماكن العامة وعلى الأسماع كلها، ويقولها الصاحب لصاحبه، فما بالك بالعدو لعدوه ماذا سيقول، كلماتٌ معناها أن عِرض أمك يا فلان أو أنك أنت أو فلان أو أبوك أو أختك أو كذا أنه زنا، بعضها صريح وبعضها بلفظٍ مكنَّى يشير إلى هذه الواقعة وهذه الجريمة، فهذه الكلمات قذف يجلد قائلها ثمانين جلدة وترد شهادته ويكون بين الناس من الفاسقين، بعض الرجال وبعض النساء كذلك يطلقون أنظارهم وأبصارهم هكذا ويقولون فسِّح نظرك، تمتع بما خلق الله من الجمال في الكون، يقصدون جمال الرجل أمام المرأة وجمال المرأة أمام الرجل، بل خرج يوماً من الأيام رجلٌ كان يُنسب إلى العلم أفضى إلى ما قدم ومات، خرج على الناس على الشاشة ويقول: خلق الله الجمال في الكون متع نظرك وانظر، انظر كيف هذه الفتاة جميلة انظر إليها وتمعن في جمالها وقل سبحان من خلقك ما شاء الله، كيف هذا؟ إذاً إن كنت تقر هذا أرني ابنتك حتى أعبد الله من خلال التمعن في جمالها، أرني زوجتك إن كنت صادقاً فيما تقول، هل يقبل ذلك، هل تقبل المرأة ذلك على نفسها؟ أبداً والله، المرأة والبنت المتبرجة غاية التبرج وأعدت نفسها بكامل زينتها وبزيادةٍ على ذلك من الألوان والأصباغ والأجزاء المستعارة كالمسكرة وغيرها، والأظافر الصناعية والعدسات اللاصقة في العين، أجزاء صناعية زادت بها في زينتها الطبيعية، خرجت بهذه الصورة لينظر إليها الناس ولتنال إعجابهم ويكثر المعجبون، ومع ذلك لو نظر إليها ناظرٌ وركز نظره هكذا لأنكرت عليه، لماذا تنظر إليَّ هكذا؟ انظر في أي جهة أخرى، ولماذا فعلتِ بنفسك هذا؟ فطرتها تُنكر أن يُركز النظر عليها أن تُسلط العدسات عليها، تنكر هذا، الفطرة سليمة وإن تغير الإنسان في سلوكياته، ففطرتها تُنكر عليها وتطلق لسانه بكلمات الإنكار على من نظر إلى جمالها أو أراد أن يتمعن في حلاوتها إن كانت لها حلاوة أمام عينيها، لكن أن يختلس النظرة من وراءها فكأنها لم تر وكأنها لم تحس.

إذاً طوائف من الناس يتبرمون من هذه الأحكام ويظنونها تضييقاً سواء من إيجاب غض البصر، أو فرض الحجاب، أو منع الزنا والاعتداء على الأعراض بالكلمة أو بالفعل، يجدون هذا تضييقاً في الحياة، وماذا لو خُدش العرض؟ وماذا لو كُسر العرض؟ وماذا لو اعتدي بالفعل على العرض وتم الزنا؟ كيف يكون التصرف؟ جاءني رجلٌ يوماً ليستفتي في قتل ابنته، وما جاء بنفسه ولكن جاء به أحد الناس كان يمنعه من ذلك وجاء به ليسأل، فقدِّر أن قابلوني وسألوني، ترك ابنته مع ابن عمها وهما جيران، أولاد عمٍ يلعبون ويلهون مع بعضهم حتى وقع الولد على البنت وهتك عرضها، فالأب شعر الآن برجولته وقام ليقتل ابنته، قلت له اقتلها ولكن قبل ذلك اقتل نفسك أولاً، أين كنت حين اختلطت بابن عمها، أين كنت حين بلغت المحيض ولم تحجبها، أين كنت وهي تخرج وتدخل ولم تضبط حركتها، أين كنت وأين كنت؟ أنت الجاني أولاً إن قتلتها فاقتل نفسك أولاً، وإن قتلت نفسك فلن تقتلها، إن قتلت نفسك أولاً فلن تقتلها، هذه بكر وحدها إن كان هناك حدٌ يقام أن تجلد مائة جلدة، لكن تقتلها لا، ولماذا ننتظر حتى يحدث الخطر، إذا نادى الشيوخ والعلماء امنعوا الاختلاط، افرضوا الحجاب، كفوا البنين عن البنات والبنات عن البنين، لا تدخلوا أولادكم في مدارس مشتركة، لا تختلطوا كأسر، لا تترك صاحبك يزورك في غيبتك ويجلس مع امرأتك، لا ولا ولا، قالوا أنتم متزمتون متعصبون متحجرون، سيئو النية لا تفكرون إلا في الشهوات.

هذا دين الله، هذه شريعة الله تصون أعراضنا، تصون شيئاً لو كُسر أو أُصيب بأدنى إصابة والله لوضعنا رءوسنا في الأرض وأنوفنا في التراب، ولحقنا العار، نعوذ بالله من البوار.

أحبتي الكرام، هذه سورةٌ عظيمة تعلموها وعلموها لنسائكم وعظِّموا العِرض فإنه شيءٌ عظيمٌ حقاٌ عظمه الله تعالى ودعا إلى صيانته، وتلك من وسائله فاتبعوا هذه الوسائل فصونوا أعراضكم، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير.

نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، انفعنا يا ربنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً نافعا، ونعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتان وتوفنا مع الأبرار، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم لقائك يا رب العالمين، ربنا إنه سبقنا إلى الدار الآخرة أحد رفقائنا وإخواننا في هذا المسجد الطيب، شابٌ نحسبه على خير من رواد المساجد ومن أصحاب الدين، نسأل الله تعالى له المغفرة والرحمة، والعفو والعافية، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وجافي الأرض عن جنبيه، واغسله يا ربنا بالماء والثلج والبَرَد، اللهم أنزل على قبره الرضا والرضوان، وأنزل على قلوب أهله الصبر والسلوان، برحمتك يا أرحم الراحمين، واغفر لجميع أموات المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واقض حاجة كل المحتاجين يا رب العالمين.

عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.. وأقم الصلاة.


[1] سميت هذه السورة (سورة النور) من عهد النبيء صلى الله عليه وسلم. روي عن مجاهد قال رسول الله: علموا نساءكم سورة النور ولم أقف على إسناده، وعن حارثة بن مضر: (كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور). وهذه تسميتها في المصاحف وكتب التفسير والسنة، ولا يعرف لها اسم آخر. ووجه التسمية أن فيها آية الله نور السماوات والأرض. أهـ التحرير والتنوير (19/139).

[2] انظر: التحرير والتنوير (19/140).

[3] لم يصح في فضل سورة النور – خاصة - شيء، ووردت فيه أحاديث ضعيفة منها: "علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نسائكم سورة النور"، ومن الضعيف أيضًا: "من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمن ومؤمنة فيما مضى وفيما بقي" وانظر: الصحيح والسقيم في فضائل القرآن الكريم، آمال سعدي قطينة: (ص64)، دار الحامد للنشر والتوزيع.

[4] ضعيف، أورده السيوطي في الدر المنثور: (10/632)، ونسبه إلى سنن سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي، عن مجاهد، مرسلًا.

[5] أخرجه الحاكم في المستدرك (3/395)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ولفظه: عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإن فيهن الفرائض".

[6] أخرجه البخاري (3910)، ومسلم (2770).

[7] قارن: جلباب المرأة المسلمة، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والمسألة مقتولة بحثًا، والخلاصة أنها من المسائل المتقاربة الأدلة فيسع فيها الخلاف.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.87 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]