تأليف القلوب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجامع في أحكام صفة الصلاة للدبيان 3 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74465 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الحب المفقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-06-2020, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي تأليف القلوب

تأليف القلوب


الشيخ محمد صالح المنجد








إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ الله فهو المهتدِ، ومَنْ يُضلِل فلن تجد له وليًّا مرشدًا. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلوات ربِّي وسلامه عليه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد عباد الله:











فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فمَنِ اتَّقى الله وقاه، وأتاه ما تمنَّى وما تمنَّاه.

أما بعد:




يقول المولى تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

نعم عباد الله؛ إن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مليئة بالمواعظ والحكم والدروس والفوائد والعبر، إن سيرته تمثِّل لنا الشخصية الفريدة المتكامِلة في جميع جوانب الحياة؛ فقد كان رسولاً نبيًّا، وقد كان معلِّمًا ومربِّيًا، وقد كان قائدًا وحاكمًا، كان داعيًا ومبشِّرًا، كان أبًا وزوجًا، كان صاحبًا وصديقًا. هكذا جمع الله له صفات الحمد والكمال، ولو استطردنا في ذلك لطال بنا المقام.

في هذه الخطبة سنقف وإياكم وقفةً مع موقفٍ من مواقفه العظيمة - صلوات ربي سلامه عليه - وكيف كان يُحسِن ظنَّ التعامل مع خصومه وأعدائه، فضلاً عن أصحابه وأحبابه؛ فقد استطاع أَسْرَ أعدائه بحُسْن أخلاقه قبل قوَّته وسلاحه.

ففي السنة السادسة من الهجرة؛ عزم - عليه الصلاة والسلام - على أن يوسِّع نطاق دعوته إلى الله؛ فكتب ثمانيَ كتبٍ إلى ملوك العرب والعَجَم، وبعث بها إليهم يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكان من جملة مَنْ كاتبهم بطلٌ من الأبطال وملكٌ من الملوك، ثُمامة بن أُثال الحنفي، سيِّدٌ من سادات بني حنيفة، وشريفٌ من أشرافها؛ بل هو ملكٌ من ملوك اليمامة، فلا يُعصى له أمرٌ، ولا يردُّ له طلب. كان بطلاً مغوارًا، فارسًا شجاعًا، فلما وَصَلَه كتابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان منه إلا أن تلقَّاه بالازْدِراء والإعراض! أخذته العزَّة بالإثم؛ فأصمَّ أذنيه عن سماع دعوة الحقِّ والخير، ثم ركبه الشيطان فأغراه بقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووأد دعوته، فدأب يتحيَّن الفُرَص للقضاء على النبي - عليه الصلاة والسلام - حتى أصاب منه الغُرَّة، وكادت أن تتمَّ الجريمة الشَّنعاء، لولا أن أحد أعماله أثناه عن عزيمته، في آخر لحظة نجَّى الله النبي - صلى الله عليه وسلم - من شرِّه ومن مَكْرِه.

لكن ثُمامه وإن كان قد كفَّ عن رسول الله - إلاَّ أنه لم يكفَّ عن أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام. جعل يتربَّص بهم حتى ظفر بعددٍ منهم وقتلهم شرَّ قتلة!!




لما بَلَغَ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الخبر؛ ما كان منه إلا أن أهدر دمه، وأعلن ذلك في أصحابه.

لم يمضِ على ذلك طويل وقت حتى عزم ثمامة بن أُثال على أداء العمرة، انطلق من أرض اليمامة مولِّيًا وجهه شطر مكة، وهو يمني نفسه بالطواف حول الكعبة والذبح للأصنام.

بينما كان ثُمامة في بعض طريقه قريبًا من المدينة - نزلت به نازلةٌ لم تقع له في الحسبان، وذلك أن سرية من سَرايا النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تجوس خلال الدِّيار؛ خوفًا من أن يطرق المدينة طارقٌ أو يريدها معتدٍ بشرٍّ، فأسرت السرية ثُمامة وهي لا تعرفه، وقد أهدر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم دمه!!

أتت السرية بثُمامة إلى المدينة، وشدَّته إلى ساريةٍ من سواري المسجد، ينتظرون النبيَّ الكريم أن يقف عليه بنفسه وعلى أسيرهم، وأن يأمر لهم بأمره.




لمَّا خرج - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد وهمَّ بالدخول - فإذا به يرى ثُمامة مربوطًا في السَّارية؛ فقال لأصحابه: ((أتدرون مَنْ أخذتم؟))؛ قالوا: لا يا رسول الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا ثُمامة ابن أُثال الحنفي!))، هذا ثُمامة؛ ملكٌ من ملوك العرب، وسيِّدٌ من سادات بني حنيفة!!



قال النبيُّ لهم: ((أحسنوا أُسارة))، ثم رجع - عليه الصلاة والسلام - إلى أهله وقال: ((اجمعوا ما كان عندكم من طعام، وابعثوا به لابن أُثال))، ثم أمر بناقته أن تُحلب له بالغدوِّ والرَّواح، وأن يقدَّم إليه لبنها، وقد تمَّ ذلك كله قبل أن يلقاه - عليه الصلاة والسلام - أو يكلِّمه بكلام!.

ثم إنه أقبل - عليه الصلاة والسلام - على ثُمامة يريد أن يستدرجه إلى الإسلام؛ فقال له: ((ما عندك يا ثُمامة؟))؛ فقال بكل ثقةٍ واعتزاز: عندي يا محمد خيرٌ؛ فإن تَقْتُلْ تَقْتُل ذا دمٍ، وإن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكرٍ، وإن كنتَ تريدُ مالاً فَسَلْ تُعْطَ منه ما شئتَ.
تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - يومين على هذا الحال، يُؤتى له بالطعام والشراب، ويُكرم أيُّما إكرام، ويُحلب له من لبن ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاه بعد يومين فقال: ((ما عندك يا ثُمامة؟))؛ فقال ثُمامة كلامًا لم يزد عليه شيئًا؛ قال: ليس عندي إلا ما قلتُ لك من قبل؛ فإن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكرٍ، وإن تَقْتُلْ تَقْتُل ذا دمٍ، وإن كنتَ تريدُ مالاً فَسَلْ تُعْطَ منه ما شئتَ.




التفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وقال: ((فكُّوا وِثاقه)). فكُّوا وثاق ثُمامة وأطلقوه! ففكُّوا وثاقه وأطلقوه!!

غادر ثُمامة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومضى حتى إذا بلغ نخلاً من حواشي المدينة فيه ماء - أناخ راحلته عنده، وتطهَّر من ماءه فأحسن طهوره، ثم أعاد أدراجه إلى المسجد، وما إن بلغ حتى قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله!! ثم التفت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم – وقال: يا محمد، والله ما كان على ظهر الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك؛ وقد أصبح وجهك الآن أحبَّ الوجوه كلِّها إليَّ، ووالله ما كان دينٌ أبغض إليَّ من دينك؛ فأصبح دينك أحبَّ الأديان كلِّها إليَّ، ووالله ما كان بلدٌ أبغض إليَّ من بلدك؛ فأصبح أحبَّ البلاد كلِّها إليَّ.

ثم أردف قائلاً: لقد كنتُ أصبتُ في أصحابك دمًا؛ فما الذي تُوجِبُه عليَّ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - مبشِّرًا لثُمامة: ((لا تَثْريبَ عليك يا ثُمامة؛ فإن الإسلام يجبُّ ما قبله))، وبشَّره بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه؛ فانبسطت أسارير ثُمامة وقال: والله لأصيبنَّ من المشركين أضعاف ما أصبتُ من أصحابك، ولأضعنَّ نفسي وسيفي ومَنْ معي في نصرتك ونصرة دينك.

ثم قال: يا رسول الله، إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة؛ فبماذا تأمرني أن أفعل؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((امضِ لأداء عمرتك، ولكن على شرعة الله ورسوله))، وعلمه ما يقوم به من المناسك.

مضى ثُمامة إلى غايته، حتى إذا بلغ بطن مكة ووقف يجلل بصوته العالي قائلاً: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فكان ثُمامة أول مسلم على ظهر الأرض دخل مكة ملبِّيًا!.

سمعت قريش صوت التَّلبية والتوحيد؛ فهبَّت مغضبةً مذعورة، استلَّت السيوف من الأغماد، اتَّجهت نحو الصوت لتبطش بهذا الرجل الذي اقتحم عليها عرينها! ولمَّا أقبل القوم على ثُمامة رفع صوته بالتلبية والتوحيد، وهو ينظر إليهم بكل كبرياءٍ وعزَّة؛ فهمَّ فتًى من فتيان قريش أن يرديَه بسهمٍ؛ فأخذوا على يديه وقالوا: ويحكَ! أتعلم مَنْ هذا؟ إنه ثُمامة بن أُثال ملك اليمامة، والله إن أصبتموه بسوءٍ قطع قومه عنكم النِّيرَة وأماتونا جوعًا.

ثم أقبل القوم على ثُمامة بعد أعادوا السيوف إلى أغمادها وقالوا: ما بك يا ثُمامة؟ أَصَبَوْتَ وتركت دينك ودين آبائك؟! فقال - رضي الله عنه -: ما صَبَوْتُ، ولكنِّي تَبِعْتُ خيرَ دينٍ؛ اتَّبعتُ دينَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم. ثم أردف في كل عزٍّ وافتخار: أقسمُ بربِّ هذا البيت، إنه لا يصير لكم بعد عودتي إلى اليمامة حبةً من قمحها ولا شيء من خيراتها - حتى تتَّبعوا دينَ محمدٍ عن آخركم.

اعتمر ثُمامة بن أُثال على مرأى من قريش كما أمره - عليه الصلاة والسلام - أن يعتمر، ذبح تقرُّبًا إلى الله لا إلى الأنصاب والأصنام، ومضى إلى بلاده؛ فأمر قومه أن يحبسوا النِّيرَة عن قريش، وأن يقاطعوا قريشًا حتى ترضخ وتعتذر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فاستجابوا له، وأطاعوا أمره، قطعوا خيراتهم عن أهل مكة، أخذت المقاطعة والحصار الذي فرضه ثُمامة على قريش يشتد شيئًا فشيئًا حتى ارتفعت الأسعار على قريش، فشا فيهم الجوع، اشتد فيهم الخوف؛ حتى خافوا على أنفسهم وأبنائهم أن يهلكوا جوعًا!!
عند ذلك خضعوا وذلُّوا وكتبوا للرسول - صلى الله عليه وسلم - يتوسَّلون ويقولون: إن عهدنا بك إنك تصل الرَّحم وتحضُّ على ذلك، وها أنت قد قطعت أرحامنا؛ فقتلت الآباء بالسَّيف، وأَمَتَّ الأبناء بالجوع، وإن ثُمامة بن أُثال قد قطع عنا نِيرتنا وأضرَّ بنا، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث إلينا بما نحتاج إليه؟ ففعل، فما كان منه - عليه الصلاة والسلام، الرحمة المهداة - إلاَّ أن كتب إلى ثُمامة بأن يطلق إليهم نِيرَتهم فأطلقها.

ظل ثُمامة ما امتدَّت به الحياة وافيًا لدينه حافظًا لعهد نبيِّه، فلما التحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى، وطَفِقَ العرب يخرجون من دين الله زرافاتٍ ووحدانًا، وقام مسيلمة الكذَّاب في بني حنيفة يدعوهم إلى الإيمان به - وقف ثُمامة موقفًا شجاعًا في وجه مسيلمة الكذَّاب وقال لقومه: يا بني حنيفة، إياكم وهذا الأمر المظلم الذي لا نور فيه، إنه والله لَشقاءٌ كتبه الله - عزَّ وجلَّ - على مَنْ أخذ به منكم، وبلاءٌ على مَنْ لم يأخذ به. ثم قال: يا بني حنيفة، إنه لا يجتمع نبيَّان في وقتٍ واحدٍ، وإن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نبيَّ بعده، ولا نبيَّ يُشرَك معه. ثم انحاز بمَنْ بقى على الإسلام من قومه، وأخذ يقاتل المرتدِّين جهادًا في سبيل الله، وإعلاءً لكلمة الله؛ فجزى الله ثُمامة بن أُثال عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأكرمه بعد ذلك بالجنة التي وعد الله بها المتَّقين.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.






الخطبة الثانية




الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد عباد الله:




فلنا مع هذه القصة عبر وعظات، ودروس ووقفات، وقد ضرب لنا - عليه الصلاة والسلام - أروع الأمثلة وأجمل الصور في فنِّ تعامله، وتنوُّعه في أسلوبه في دعوته وعرض رسالته، صلوات ربي وسلامه عليه.

فمن تلك الدروس؛ أولا: يجب على الدعاة إلى الله أن ينوِّعوا في أساليب النصح إلى الله؛ فتارةً يكون بالمخاطبة والمحاورة، وتارة يكون بالمكاتبة والمراسلة كما كان يفعل - عليه الصلاة والسلام.

ثانيًا: يجب أن تتحلَّى ويتحلى الدعاة إلى الله بالحكمة والبيان والموعظة والإحسان: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]؛ فقد أحسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ثُمامة حتى أسلم ثُمامة.

ثالثًا: لا بد من استئلاف قلوب الناس بالكلمة الطيبة والعطاء والمساعدة؛ فقد أكرم - عليه الصلاة والسلام - ثُمامة أيّ إكرام، مع أنه من أعداء الله ورسوله؛ فكان ذلك الإحسان سببًا في إسلامه:













أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَأْلِفْ قُلُوبَهُمُ لَطَالَمَا اسْتَأْلَفَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ









رابعًا: الرِّفق الرِّفق الرِّفق أيها الدعاة، الرِّفق الرِّفق أيها الدعاة في دعوتكم إلى الله - جل وعلا - فإن الرِّفق لمن تدعوهم أمرٌ عظيمٌ؛ فيجب ألاَّ يعنَّف ولا يغلَّظ عليهم؛ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - رفيقًا، ولم يكن عنيفًا. نعم؛ فما كان عنيفًا مع ثُمامة عندما لم يستجِبْ في بداية الأمر؛ يقول الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وصدق - عليه الصلاة والسلام -: ((ما كان الرِّفق في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه)).

خامسًا: على المسلم أن يسخِّر كل ما يملك من طاقات وجهد، وأموال وعقار، وجاه وسلطان، وفكر وبيان - في سبيل نصرة دين الله تعالى، والذبِّ عن عِرْض رسول الله - صلى الله عليه وسلم.




فيجب على التجَّار وأصحاب رؤوس الأموال أن يدافعوا عن دين الله ودين رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يدافعوا عن عِرْض رسول الله، ويضربوا الحصار على تلك الدول الكافرة الظالمة المعتدية؛ بمقاطعتها وعدم استيراد منتجاتها، كما فعل ثُمامة بقريش بمنعه النِّيرَة حتى رضخوا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

سادسًا: علينا - عباد الله - أن نعلم أن أعداء المِلَّة والدِّين يتفنَّنون في صدِّ الناس عن الدين، ومحاربة أولياء الله الصالحين، فهم يستخدمون أقوى ما لديهم من قوة السلاح، فإذا لم ينفع لجؤوا إلى الكذب والإساءة والمكر والخديعة، كما فعلت بعض الدول الكافرة المعتدية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].

سابعًا: يجب استغلال الفرص المتاحة، واستثمار أحداث الساعة فيما يخدم الدين وينفع المسلمين، والدعوة إلى دين ربِّ العالمين؛ نُصرةً للرسول الكريم. فقد استغلَّ - عليه الصلاة والسلام – أَسْرَ ثُمامة في دعوته إلى الإسلام، فما كان منه إلا أن أسلم.

ثامنًا: ((بَشِّرُوا ولا تُنَفِّروا، ويَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا))؛ فعلينا أن نأخذ بيد العاصين، ونهنِّئ منهم التائبين والعائدين المنيبين، كما قال - عليه الصلاة والسلام – لثُمامة: ((لا تَثْريبَ عليك يا ثُمامة؛ فإن الإسلام يجبُّ ما قبله))، وبشره بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه.

تاسعًا: اصدع بما تؤمر وأعرض عن الجاهلين؛ فقد صدع ثُمامة بما أُمر به وأعرض عن الجاهلين، فقد كان أول مسلم على وجه الأرض يدخل مكة ملبِّيًا الدعوة إلى دين الله؛ فالدعوة يا عباد الله، الدعوة إلى دين الله، والذَّب عن عِرْض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسؤولية الجميع، وكل إنسان بحسب طاقته وقدرته ومكانته واستطاعته: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

اللهم انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم - وانصرنا على القوم الظالمين، اللهم انصرنا مَنْ نصر الدِّين، واخذل مَنْ خذل الدِّين يا رب العالمين، اللهم انصرنا بالدِّين وانصر الدِّينَ بنا، واجعلنا من خير الدعاة والمصلحين، برحمتك يا ربَّ العالمين.




اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّرك والمشركين، ودمِّر أعدائك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحِّدين، يا قوي يا متين.

عباد الله:




إن الله - جلَّ وعلا - يأمركم بأمرٍ بدأ به بنفسه، وكلَّف به ملائكته المسبِّحة بقدسه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].



اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك رسولك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعنَّا معه بمنِّك وإحسانك وجودك يا أرحم الراحمين.

عباد الله:




{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولَذِكْر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.17 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]