كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 21 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عبدُ الرَّحمن بن مهديِّ (إمامُ الضَّبط والإتقان) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          شموع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 4181 )           »          الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 47 - عددالزوار : 19012 )           »          "ولئن انتهى رمضان" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          من مدرسة رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الليلة السابعة والعشرون: الاستغفار وفضله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الدرس الرابع عشر: الخشوع في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الليلة السادسة والعشرون: الاستغفار وفضله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          مسائل مهمة في منهجية البحث الفقهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          من صيام التطوع (صوم تسع من ذي الحجة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #201  
قديم 19-12-2022, 02:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (201)
صــــــــــ 90 الى صـــــــــــ 97


الخيار من قبل النسب

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن عبدا انتسب لامرأة حرة حرا فنكحته وقد أذن له سيده ثم علمت أنه عبد أو انتسب لها إلى نسب فوجدته من غير ذلك النسب ومن نسب دونه ونسبها فوق نسبه كان فيها قولان . أحدهما أن لها الخيار لأنه منكوح بعينه وغار بشيء وجد دونه ، والثاني أن النكاح مفسوخ كما ينفسخ لو أذنت في رجل بعينه فزوجت غيره كأنها أذنت في عبد الله بن محمد الفلاني فزوجت عبد الله بن محمد من غير بني فلان فكان الذي زوجته غير من أذنت بتزويجه فإن قال قائل فلم تجعل لها الخيار في الرجل يغرها بنسبه وقد نكحته بعينه ولم تجعله لها من جهة الصداق ؟ قيل الصداق مال من مالها هي أملك به لا عار عليها ولا على من هي فيه منه في نقصه ولا ولاية لأوليائها في مالها وهذا كان لأوليائها على الابتداء إذا أذنت فيه أن يمنعوها منه بنقص في النسب ولم يكن لهم على الابتداء يمنعونها كفئا تترك له من صداقها ، فإن قال قائل فكيف لم تجعل نكاح الذي غرها مفسوخا بكل حال ؟ قيل له لأنه قد كان لأوليائها على الابتداء أن يزوجوها إياه . وليس معنى النكاح إذا أراد الولاة منعه بأن الناكح غير كفء بأن النكاح محرم وللأولياء أن يزوجوها غير كفء إذا رضيت ورضوا وإنما رددناه بالنقص على المزوجة كما يجعل الخيار في رد البيع بالعنب وليس بمحرم أن يتم إن شاء الذي جعل له الخيار : فإن قال فقد جعلت خيارا في الكفاءة .

قيل من جهة أن الله عز وجل جعل للأولياء في بضع المرأة أمرا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المرأة بغير إذن وليها مردودا فكانت دلالة أن لا يتم نكاحها إلا بولي وكانت إذا فعلت ذلك مفوتة في شيء لها فيه شريك ومن يفوت في شيء له فيه شريك لم يجز ذلك على شركته فإذا كان الشريك في بضع لم يتم إلا باجتماع الشريكين لأنه لا يتبعض ولم يكن للولاة معها معنى إلا بما وصفنا والله تعالى أعلم إلا أن تنكح من [ ص: 90 ] ينقص نسبه عن نسبها ولم يجعل الله للولاة أمرا في مالها ، ولو أن المرأة غرت الرجل بأنها حرة فإذا هي أمة وأذن لها سيدها كان له فسخ النكاح إن شاء ، ولو غرته بنسب فوجدها دونه ففيها قولان أحدهما أن له عليها في الغرور بالنسب ما لها عليه من رد النكاح وإذا رد النكاح قبل أن يصيبها فلا مهر ولا متعة وإذا رده بعد الإصابة فلها مهر مثلها لا ما سمى لها ولا نفقة في العدة حاملا كانت أو غير حامل ولا ميراث بينهما إذا فسخ ، والثاني لا خيار له إذا كانت حرة لأن بيده الطلاق ولا يلزمه من العار ما يلزمها وله الخيار بكل حال إن كانت أمة .

( قال الربيع ) وإن كانت أمة غر بها كان له الخيار إن كان يخاف العنت وكان لا يجد طولا لحرة وإن كان يجد طولا لحرة أو كان لا يخاف العنت فالنكاح مفسوخ بكل حال وهو قول الشافعي ( قال الشافعي ) ولو غرها بنسب فوجد دونه وهو بالنسب الدون كفء لها ففيها قولان : أحدهما ليس لها ولا لوليها خيار من قبل الكفاءة لها وإنما جعل لها الخيار ولوليها من قبل التقصير عن الكفاءة فإذا لم يكن تقصير فلا خيار وهذا أشبه القولين وبه أقول ، والآخر أن النكاح مفسوخ لأنها مثل المرأة تأذن في الرجل فتزوج غيره .

ومن قال هذا القول الآخر قاله في المرأة تغر بنسب فتوجد على غيره قال ولو غرت بنسب أو غر به فوجد خيرا منه . وإنما منعني من هذا أن الغرور لم يكن فيه ببدنه ولا فيها ببدنها وهما المزوجان وإنما كان الغرور فيمن فوقه فلم تكن أذنت في غيره ولا أذن في غيرها ولكنه كان ثم غرور نسب فيه حق للعقدة وكان غير فاسد أن يجوز على الابتداء ( قال الشافعي ) فإن قال : فهل تجد دلالة غير ما ذكرت من الاستدلال من أن معنى الأولياء إنما هو لمعنى النسب في هذا المعنى أو ما يشبه في كتاب أو سنة حتى يجوز أن تجعل في النكاح خيارا والخيار إنما يكون إلى المخير إثباته وفسخه ؟ قيل نعم عتقت بريرة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ففارقت زوجها وقد كان لها الثبوت عنده لأنه لا يخيرها إلا ولها أن تثبت إن شاءت وتفارق إن شاءت .

وقد كان العقد على بريرة صحيحا وكان الجماع فيه حلالا وكان لها فسخ العقد فلم يكن لفسخها معنى - والله تعالى أعلم - إلا أنها صارت حرة فصار العبد لها غير كفء والتي كانت كفيئة في حال ثم انتقلت إلى أن تكون غير كفء للعبد لتقصيره عنها أدنى حالا من التي لم تكن قط كفيئة لمن غرها فنكحته على الكفاءة فوجد على غيرها .
في العيب بالمنكوحة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الأربع التي سمينا فيها الخيار فلا خيار له . وقد ظلم من شرط هذا نفسه . وسواء في ذلك الحرة والأمة إذا كانتا متزوجتين ، وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا من أربع أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال وهذا مانع للجماع الذي له عامة ما نكحها .

فإن كانت رتقاء فكان يقدر على جماعها بحال فلا خيار له لو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن يوصل إليها فلا خيار للزوج وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال . وإن سأل أن يشقها هو بحديدة أو ما شابهها ويجبرها على ذلك لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار وإن فعلته هي فوصل إلى جماعها قبل أن أخيره لم أجعل له خيارا ، ولا يلزمها الخيار إلا عند حاكم إلا أن يتراضيا هما بشيء يجوز فأجيز تراضيهما ، ولو تزوجها فوجدها مفضاة لم أجعل له خيارا لأنه يقدر على الجماع ، [ ص: 91 ] وكذلك لو كان بها قرن يقدر معه على الجماع لم أجعل له خيارا ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا فأما الزعر في الحاجب ، أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما لأنه قد لا يكون وله الخيار في البرص لأنه ظاهر وسواء قليل البرص وكثيره فإن كان بياضا فقالت ليس هذا برصا وقال هو برص أريه أهل العلم به فإن قالوا هو برص فله الخيار وإن قالوا هو مرار لا برص فلا خيار له فإن شاء أمسك وإن شاء طلق ( قال الشافعي ) والجنون ضربان خنق وله الخيار بقليله وكثيره وضرب غلبة على عقله من غير حادث مرض فله الخيار في الحالين معا وهذا أكثر من الذي يخنق ويفيق .

( قال الشافعي ) فأما الغلبة على العقل بالمرض فلا خيار لها فيه ما كان مريضا فإذا أفاق من المرض وثبتت الغلبة على العقل فلها الخيار فإن قال قائل ما الحجة في أن جعلت للزوج الخيار في أربع دون سائر العيوب ؟ فالحجة عن غير واحد في الرتقاء ما قلت ، وإنه إذا يوصل إلى الجماع بحال فالمرأة في غير معاني النساء فإن قال فقد قال أبو الشعثاء لا ترد من قرن فقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح إلا أن يسمى فإن سمي جاز الجنون والجذام والبرص والقرن ( قال الشافعي ) فإن قال قائل فنقول بهذا ؟ قيل إن كان القرن مانعا للجماع بكل حال كما وصفت كان كالرتق وبه أقول ، وإن كان غير مانع للجماع فإنما هو عيب ينقصها فلا أجعل له خيارا ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها .

( قال الشافعي ) فإذا علم قبل المسيس فله الخيار فإن اختار فراقها فلا مهر لها ولا نصف ولا متعة وإن اختار حبسها بعد علمه أو نكحها وهو يعلمه فلا خيار له وإن اختار الحبس بعد المسيس فصدقته أنه لم يعلم خيرته فإن اختار فراقها فلها مهر مثلها بالمسيس ولا نفقة عليه في عدتها ولا سكنى إلا أن يشاء ولا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها فإن قال قائل فقد قيل يرجع بالمهر على وليها .

( قال الشافعي ) إنما تركت أن أرده بالمهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها } فإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصداق للمرأة بالمسيس في النكاح الفاسد بكل حال ولم يرده به عليها وهي التي غرته لا غيرها لأن غيرها لو زوجه إياها لم يتم النكاح إلا بها إلا في البكر للأب فإذا كان في النكاح الفاسد الذي عقد لها لم يرجع به عليها وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم لها كان في النكاح الصحيح الذي للزوج فيه الخيار أولى أن يكون للمرأة فإذا كان للمرأة لم يجز أن تكون هي الآخذة له ويغرمه وليها لأن أكثر أمره أن يكون غر بها وهي غرت بنفسها فهي كانت أحق أن يرجع به عليها ولو رجع به عليها لم تعطه أولا .

( قال الشافعي ) وقضى عمر بن الخطاب في التي نكحت في عدتها إن أصيبت فلها المهر فإذا جعل لها المهر فهو لو رده به عليها لم يقض لها به ولم يرده على وليها بمهره إنما فسد النكاح من قبل العقد لأنه لو كان بغير ولي أفسده وإن لم يكن في عدة قال وما جعلت له فيه الخيار إذا عقدت عقدة النكاح وهو بها جعلت له الخيار إذا حدث بها عقدة النكاح لأن ذلك المعنى قائم فيها وإني لم أجعل له الخيار بأن النكاح فاسد ولكني جعلت له بحقه فيه وحق الولد . قال وما جعلت له فيه الخيار إذا كان بها جعلت لها فيه الخيار إذا كان به أو حدث به فإن اختارت فراقه قبل المسيس لم يكن له أن يمسها ولم يكن من المهر شيء ولا متعة وإن لم تعلم حتى أصابها فاختارت فراقه فلها المهر ولها فراقه والذي يكون به مثل [ ص: 92 ] الرتق أن يكون مجبوبا فأخيرها مكانها فإن كانت بخصلة واحدة مما لها فيه الخيار فلم تختر فراقه وثبتت معه عليها فحدث به أخرى فلها منه الخيار وكذلك إن علمت باثنين أو ثلاث فاختارت المقام معه جعلت لها فيما سواها الخيار وهكذا هو فيما كان بها وإن علمت به فتركته وهي تعلم الخيار لها فذلك كالرضا بالمقام معه ولا خيار لها وإن علم شيئا بها فأصابها فلها الصداق الذي سمى لها ولا خيار له إن شاء طلق وإن شاء أمسك فإن قال قائل فهل فيه من علة جعلت لها الخيار غير الأثر ؟ قيل نعم الجذام والبرص فيما يزعم أهل العلم بالطب والتجارب تعدى الزوج كثيرا وهو داء مانع للجماع لا تكاد نفس أحد أن تطيب بأن يجامع من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به فأما الولد فبين والله تعالى أعلم أنه إذا ولده أجذم أو أبرص أو جذماء أو برصاء قلما يسلم وإن سلم أدرك نسله ونسأل الله العافية فأما الجنون والخبل فتطرح الحدود عن المجنون والمخبول منهما ولا يكون منه تأدية حق لزوج ولا زوجة بعقل ولا امتناع من محرم بعقل ولا طاعة لزوج بعقل وقد يقتل أيهما كان به زوجه وولده ويتعطل الحكم عليه في كثير ما يجب لكل واحد منهما على صاحبه حتى يطلقها فلا يلزمه الطلاق ويرد خلعه فلا يجوز خلعه وهي لو دعت إلى مجنون في الابتداء كان للولاة منعها منه كما يكون لهم منعها من غير الكفء وإذا جعل لها الخيار بأن يكون مجبوبا أو له بأن تكون رتقاء كان الخبل والجنون أولى بجماع ما وصفت أن يكون لها وله الخيار وأولى أن يكون لها فيه الخيار من أن لا يأتيها فيؤجل فإن لم يأتها خيرت .

( قال الشافعي ) فإن قال فهل من حكم الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع فيه الخيار أو الفرقة بغير طلاق ولا اختلاف دينين ؟ قيل نعم جعل الله للمولي تربص أربعة أشهر أوجب عليه بمضيها أن يفيء أو يطلق وذلك أنه امتنع من الجماع بيمين لو كانت على غير مأتم كانت طاعة الله أن لا يحنث فلما كانت على معصية أرخص له في الحنث وفرض الكفارة في الإيمان في غير ذكر المولي فكانت عليه الكفارة بالحنث فإن لم يحنث أوجبت عليه الطلاق والعلم يحيط أن الضرر بمعاشرة الأجذم والأبرص والمجنون والمخبول أكثر منه بمعاشرة المولي ما لم يحنث وإن كان قد يفترقان في غير هذا المعنى فكل موضع من النكاح لم أفسخه بحال فعقده غير محرم وإنما جعلنا الخيار فيه بالعلة التي فيه فالجماع فيه مباح وأي الزوجين كان له الخيار فمات أو مات الآخر قبل الخيار توارثا ويقع الطلاق ما لم يختر له ، الخيار فسخ العقدة فإذا اختارها لم يقع طلاق ولا إيلاء ولا ظهار ولا لعان ولا ميراث .
الأمة تغر بنفسها

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أذن الرجل لأمته في نكاح رجل ووكل رجلا بتزويجها فخطبها الرجل إلى نفسها فذكرت أنها حرة ولم يذكر ذلك الذي زوجها أو ذكر الذي زوجها ولم تذكره أو ذكراه معا فتزوجها على أنها حرة فعلم بعد عقد النكاح وقبل الدخول أو بعده أنها أمة فله الخيار في المقام معها أو فراقها إن كان ممن يحل له نكاحها بأن لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فإن اختار فراقها قبل الدخول فلا نصف مهر ولا متعة وإن لم يعلم حتى أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمى لها أو أكثر إن اختار فراقها والفراق فسخ بغير طلاق ألا ترى أن لو جعله تطليقة لزمه أن يكون لها نصف المهر الذي فرض لها قبل الدخول وكله بعد الدخول لأن الله عز وجل أوجب للمطلقة قبل الدخول نصف المهر ولا يرجع بمهرها عليها ولا على الذي غره من نكاحها بحال لأن الإصابة توجب المهر إذا درئ فيها الحد [ ص: 93 ] وهذه إصابة الحد فيها ساقط وإصابة نكاح لا زنا ( قال الشافعي ) فإن أحب المقام معها كان ذلك له وإن اختار فراقها وقد ولدت أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم يسقطون من بطون أمهاتهم وذلك أول ما كان حكمهم حكم أنفسهم لسيد الأمة ويرجع بجميع ما أخذ منه من قيمة أولاده على الذي غره إن كان غره الذي زوجه رجع به عليه وإن كانت غرته هي رجع به عليها إذا عتقت ولا يرجع عليها إذا كانت مملوكة وهكذا إذا كانت مدبرة أو أم ولد أو معتقة إلى أجل لم يرجع عليها في حال رقها ويرجع عليها إذا عتقت إذا كانت هي التي غرته ( قال الشافعي ) وإن كانت مكاتبة فمثل هذا في جميع المسائل إلا أن له أن يرجع عليها وهي مكاتبة بقيمة أولادها لأن الجناية والدين في الكتابة يلزمها فإن أدته فذاك وإن لم تؤده وعجزت فردت رقيقا لم يلزمها في حال رقها حتى تعتق فيلزمها إذا عتقت وإن كان ممن يجد طولا لحرة فالنكاح مفسوخ بكل حال لا خيار فيه في إثباته فإن لم يصبها فلا مهر ولا نصف مهر ولا متعة وإن أصابها فلها مهر مثلها وإن ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا فلأبيه فيه ما في جنين الحرة جنينا ميتا .
كتاب النفقات أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال عز وجل { الرجال قوامون على النساء } وقال تقدست أسماؤه { وعاشروهن بالمعروف } وقال عز وجل { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } ( قال الشافعي ) هذا جملة ما ذكر الله عز وجل من الفرائض بين الزوجين وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض الله عز وجل للمرأة على الزوج وللزوج على المرأة مما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) وفرض الله عز وجل أن يؤدي كل ما عليه بالمعروف وجماع المعروف إعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه وأداؤه إليه بطيب النفس لا بضرورته إلى طلبه ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته وأيهما ترك فظلم لأن مطل الغني ظلم ومطله تأخيره الحق .

( قال الشافعي ) في قوله تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } والله أعلم : أي فما لهن مثل ما عليهن من أن يؤدى إليهن بالمعروف .
وجوب نفقة المرأة

قال الله عز وجل { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا } قرأ إلى { أن لا تعولوا } وقال عز وجل { والوالدات يرضعن أولادهن } قرأ إلى { بالمعروف } وقال عز وجل { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم { أن هندا قالت يا رسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما يدخل بيتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها حدثته { أن هندا أم معاوية جاءت النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 94 ] فقالت يا رسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال أنفقه على نفسك قال عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على أهلك قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم } قال سعيد بن أبي سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا يقول ولدك أنفق علي إلى من تكلني ؟ وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني .

( قال الشافعي ) في قول الله عز وجل { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقوله عز وجل { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة التي في صلاح صغار ولده من رضاع ونفقة وكسوة وخدمة قال وفي قول الله تبارك وتعالى في النساء { ذلك أدنى أن لا تعولوا } بيان أن على الزوج ما لا غنى بامرأته عنه من نفقة وكسوة وسكنى قال وخدمة في الحال التي لا تقدر على أن تنحرف لما لا صلاح لبدنها إلا به من الزمانة والمرض فكل هذا لازم للزوج قال ويحتمل أن يكون عليه لخادمها نفقة إذا كانت ممن يعرف أنها لا تخدم نفسها وهو مذهب غير واحد من أهل العلم فيفرض على الرجل نفقة خادم واحد للمرأة التي الأغلب أن مثلها لا تخدم نفسها وليس عليه نفقة أكثر من خادم واحد فإذا لم يكن لها خادم فلا أعلمه يجبر على أن يعطيها خادما ولكن يجبر على من يصنع لها من طعامها ما لا تصنعه هي ويدخل عليها ما لا تخرج لإدخاله من الماء ومن مصلحتها لا يجاوز به ذلك .
( قال الشافعي ) وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم ثم لا نفقة لهم عليه إلا أن يتطوع إلا أن يكونوا زمنى فينفق عليهم قياسا على النفقة عليهم إذا كانوا لا يغنون أنفسهم في الصغر وسواء في ذلك الذكر والأنثى وإنما ينفق عليهم ما لم تكن لهم أموال فإذا كانت لهم أموال فنفقتهم في أموالهم قال وسواء في ذلك ولده وولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على أن ينفق عليهم قال وإذا زمن الأب والأم ولم يكن لهما مال ينفقان منه على أنفسهما أنفق عليهما الولد لأنهما قد جمعا الحاجة والزمانة التي لا ينحرفان معها والتي في مثل حال الصغر أو أكثر ومن نفقتهم الخدمة كما وصفت والأجداد وإن بعدوا آباء إذا لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم أنفق عليهم ولد الولد ( قال الشافعي ) وينفق إذا كانوا كما وصفت على ولده بأنهم منه وينفق عليه ولده بذلك المعنى لا بالاستمتاع منهم بما يستمتع به الرجل من امرأته قال وينفق على امرأته غنية كانت أو فقيرة بحبسها على نفسه للاستمتاع بها وغير ذلك ومنعها من ذلك من غيره قال ولا شك إذا كانت امرأة الرجل قد بلغت من السن ما يجامع مثلها فامتنع من الدخول عليها ولم تمتنع من الدخول عليه ولا منه بعد الدخول عليه فعليه نفقتها ما كانت زوجة له مريضة وصحيحة وغائبا عنها وحاضرا لها وإن طلقها وكان يملك الرجعة فعليه نفقتها في العدة لأنه لا يمنعه من أن تصير حلالا له يستمتع بها إلا نفسه إذا أشهد شاهدين أنه راجعها فهي زوجته وإذا لم يفعل فهو منع نفسه من رجعتها ولا ينفق عليها إذا لم يكن يملك الرجعة لأنها أحق بنفسها منه ولا تحل له إلا بنكاح جديد .
قال وإذا نكح الصغيرة التي لا يجامع مثلها وهو صغير أو كبير فقد قيل ليس عليه نفقتها لأنه لا يستمتع بها وأكثر ما ينكح له الاستمتاع بها وهذا قول عدد من علماء أهل زماننا لا نفقة لها لأن الحبس من قبلها ولو قال قائل ينفق عليها لأنها [ ص: 95 ] ممنوعة به من غيره كان مذهبا قال وإذا كانت هي البالغة ، وهو الصغير فقد قيل عليه النفقة لأن الحبس جاء من قبله ومثلها يستمتع به وقيل إذا علمته صغيرا ونكحته فلا نفقة لها لأن معلوما أن مثله لا يستمتع بامرأته قال ولا تجب النفقة لامرأة حتى تدخل على زوجها أو تخلي بينه وبين الدخول عليها فيكون الزوج يترك ذلك فإذا كانت هي الممتنعة من الدخول عليه فلا نفقة لها لأنها مانعة له نفسها وكذلك إن هربت منه أو منعته الدخول عليها بعد الدخول عليه لم يكن لها نفقة ما كانت ممتنعة منه .
( قال الشافعي ) وإذا نكحها ثم خلت بينه وبين الدخول عليها فلم يدخل فعليه نفقتها لأن الحبس من قبله .
( قال الشافعي ) وإذا نكحها ثم غاب عنها فسألت النفقة فإن كانت خلت بينه وبين نفسها فغاب ولم يدخل عليها فعليه النفقة وإن لم تكن قد خلت بينه وبين نفسها ولا منعته فهي غير مخلية حتى تخلي ولا نفقة عليه وتكتب إليه ويؤجل فإن قدم وإلا أنفق إذا أتى عليه قدر ما يأتيه الكتاب ويقدم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب قدر النفقة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى } الآية ( قال الشافعي ) ففي هذا دلالة على أن على المرء أن يعول امرأته وبمثل هذا جاءت السنة كما ذكرت في الباب قبل هذا من الكتاب والسنة قال والنفقة نفقتان نفقة الموسر ونفقة المقتر عليه رزقه وهو الفقير قال الله عز وجل { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه } الآية قال وأقل ما يلزم المقتر من نفقة امرأته المعروف ببلدهما قال فإن كان المعروف أن الأغلب من نظرائها لا تكون إلا مخدومة عالها وخادما لها واحدا لا يزيد عليه وأقل ما يعولها به وخادمها ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه وذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون حنطة كان أو شعيرا أو ذرة أو أرزا أو سلتا ولخادمها مثله ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفي ما وصفت من ثلاثين مدا في الشهر ولخادمها شبيه به ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها ولا يكون ذلك لخادمها لأنه ليس بالمعروف لها .

( قال الشافعي ) وإن كانت ببلد يقتاتون فيه أصنافا من الحبوب كان لها الأغلب من قوت مثلها في ذلك البلد وقد قيل لها في الشهر أربعة أرطال لحم في كل جمعة رطل وذلك المعروف لها ، وفرض لها من الكسوة ما يكسي مثلها ببلدها عند المقتر وذلك من القطن الكوفي والبصري وما أشبههما ولخادمها كرباس وتبان وما أشبهه وفرض لها في البلاد الباردة أقل ما يكفي في البرد من جبة محشوة وقطيفة أو لحاف وسراويل وقميص وخمار أو مقنعة ولخادمها جبة صوف وكساء تلتحفه يدفئ مثلها وقميص ومقنعة وخف وما لا غنى بها عنه وفرض لها للصيف قميصا وملحفة ومقنعة قال وتكفيها القطيفة سنتين والجبة المحشوة كما يكفي مثلها السنتين ونحو ذلك .

( قال الشافعي ) وإن كانت رغيبة لا يجزيها هذا أو زهيدة يكفيها أقل من هذا دفعت هذه المكيلة إليها وتزيدت إن كانت رغيبة من ثمن أدم أو لحم أو عسل وما شاءت في الحب وإن كانت زهيدة تزيدت فيما لا يقوتها منه من الطعام ومن فضل المكيلة قال وإن كان زوجها موسعا عليه فرض لها مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وفرض لها من الأدم واللحم ضعف ما وصفته لامرأة المقتر وكذلك في الدهن والعسل وفرض لها من الكسوة وسط البغدادي والهروي ولين البصرة وما أشبهه وكذلك يحشى لها للشتاء إن كانت ببلاد يحتاج أهلها إلى الحشو [ ص: 96 ] وتعطى قطيفة وسطا لا تزاد وإن كانت رغيبة فعلى ما وصفت وتنقص إن كانت زهيدة حتى تعطى مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم لأن لها سعة في الأدم والفرض تزيد بها ما أحبت ( قال الشافعي ) وأفرض عليه في هذا كله مكيلة طعام لا دراهم فإن شاءت هي أن تبيعه فتصرفه فيما شاءت صرفته وأفرض لها نفقة خادم واحد لا أزيد عليه وأجعله مدا وثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك سعة لمثلها وأفرض لها عليه في الكسوة الكرباس وغليظ البصري والواسطي وما أشبهه لا أجاوزه بموسع من كان ومن كانت امرأته وأجعل عليه لامرأته فراشا ووسادة من غليظ متاع البصرة وما أشبهه وللخادمة الفروة ووسادة وما أشبهه من عباءة أو كساء غليظ فإن بلي أخلفه وإنما جعلت أقل الفرض مدا بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفعه إلى الذي أصاب أهله في شهر رمضان بعرق فيه خمسة عشر أو عشرون صاعا لستين مسكينا فكان ذلك مدا مدا لكل مسكين والعرق خمسة عشرة صاعا على ذلك يعمل ليكون أربعة أعراق وسقا ولكن الذي حدثه أدخل الشك في الحديث خمسة عشر أو عشرين صاعا قال وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين مدين لأن أكثر ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الكفارة للأذى مدين لكل مسكين وبينهما وسط فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا لأن معلوما أن الأغلب أن أقل القوت مد وأن أوسعه مدان ، قال والفرض على الوسط الذي ليس بالموسع ولا بالمقتر ما بينهما مد ونصف للمرأة ومد للخادم .
( قال الشافعي ) وإذا دخل الرجل بامرأته ثم غاب عنها أي غيبة كانت فطلبت أن ينفق عليها أحلفت ما دفع إليها نفقة وفرض لها في ماله نفقتها وإن لم يكن له نقد بيع لها من عرض ماله وأنفق عليها ما وصفت من نفقة موسع أو مقتر أي الحالين كانت حاله قال فإن قدم فأقام عليها بينة أو أقرت بأن قد قبضت منه أو من أحد عنه نفقة وأخذت غيرها رجع عليها بمثل الذي قبضت .
قال وإن غاب عنها زمانا فتركت طلب النفقة بغير إبراء له منها ثم طلبتها فرض لها من يوم غاب عنها قال وكذلك إن كان حاضرا فلم ينفق عليها فطلبت فيما مضى فعليه نفقتها .
قال وإن اختلفا فقال قد دفعت إليها نفقتها وقالت لم يدفع إلي شيئا فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة بدفعه إليها أو إقرارها به والنفقة كالحقوق لا يبرئه منها إلا إقرارها أو بينة تقوم عليها بقبضها .
قال وإن دفع إليها نفقة سنة ثم طلقها ثلاثا رجع عليها بما بقي من نفقة السنة من يوم وقع الطلاق قال وإن طلق واحدة أو اثنتين يملك الرجعة فيهما رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد انقضاء العدة وإن كانت حاملا فطلقها ثلاثا أو واحدة رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد وضع الحمل قال وإن تركها سنة لا ينفق عليها وأبرأته من نفقة تلك السنة وسنة مستقبلة بريء من نفقة السنة الماضية لأنها قد وجبت لها ولم يبرأ من نفقة السنة المستقبلة لأنها أبرأته قبل أن تجب لها وكان لها أن تأخذه بها وما أوجبت عليه من نفقتها فماتت فهو لورثتها وإذا مات ضربت مع الغرماء في ماله كحقوق الناس عليه والله تعالى أعلم .
باب في الحال التي تجب فيها النفقة ولا تجب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ملك الرجل عقدة المرأة يجامع مثلها وإن لم تكن بالغا فخلت بينه وبين الدخول عليها أو خلى أهلها فيما بينه وبين ذلك إن كانت بكرا ولم تمتنع هي من الدخول عليه وجب عليه نفقتها كما تجب عليه إذا دخل بها لأن الحبس من قبله قال وكذلك إن كان صغيرا تزوج بالغا فعليه نفقتها لأن الحبس من قبله .
( قال الشافعي ) ولو كان الزوجان بالغين فامتنعت [ ص: 97 ] المرأة من الدخول أو أهلها لعلة أو إصلاح أمرها لم تجب على زوجها نفقتها حتى لا يكون الامتناع من الدخول إلا منه .
( قال الشافعي ) ولو امتنعت من الدخول عليه فغاب عنها لم يكن عليه نفقتها حتى يحضر فلا تمنع من الدخول عليه وإن طالت غيبته إلا أن يبعث إليه أهلها أن اقدم فادخل فيؤجل بقدر ما يسير بعد بلوغ رسالتها إليه أو تسير هي إليه ويوسع في ذلك عليه لقضاء حاجته وما أشبه ذلك فإن تأخر بعد ذلك وجب عليه نفقتها لأن الحبس جاء من قبله .
قال ولو دخلت عليه فمرضت مرضا لا يقدر على إتيانها معه كانت عليه نفقتها وكذلك إن كان يقدر على إتيانها إذا لم تمتنع من أن يأتيها إن شاء وكذلك لو كانت لم تدخل عليه وخلت بينه وبين نفسها كانت عليه نفقتها وهذا مخالف للصغر هذا إنما يكون الامتناع فيه من الإتيان منه لأنه يعافها بلا امتناع منها لأنها تحتمل أن تؤتى قال ولو أصابها في الفرج شيء يضر به الجماع ضررا شديدا منع من جماعها إن شاءت وأخذ بنفقتها إلا أن يشاء أن يطلقها وكذلك لو أرتقت فلم يقدر على أن يأتيها أبدا بعد ما أصابها أخذ بنفقتها من قبل أن هذا عارض لها لا منع منها لنفسها وقد جومعت وكانت ممن يجامع مثلها .
قال ولو أذن لها فأحرمت أو اعتكفت أو لزمها صوم بنذر أو كفارة كانت عليه نفقتها في حالاتها تلك كلها .
قال وإذا دخلت عليه أو لم تدخل عليه فهربت أو امتنعت أو كانت أمة فمنعها أهلها فلا نفقة لها حتى تخلي بينه وبين نفسها .
( قال الشافعي ) ولو ادعت عليه أنه طلقها ثلاثا وأنكر فامتنعت منه لم يكن لها نفقة حتى تعود إلى غير الامتناع منه .
قال ولو أقر أنه طلق إحدى نسائه ثلاثا ولم يبين أخذ بنفقتهن كلهن حتى يبين لأنهن محبوسات به والامتناع كان منه لا منهن .
( قال الشافعي ) وكل زوجة لحر مسلم حرة مسلمة أو ذمية فسواء في النفقة والخدمة على قدر سعة ماله وضيقه وكذلك إن كانت امرأته أمة فخلى بينه وبينها إلا أنه ليس عليه إن كان موسعا أن ينفق للأمة على خادم لأن المعروف للأمة أنها خادم كانت في الفراهة وكثرة الثمن ما كانت .
( قال الشافعي ) ويلزم الزوج نفقة ولده على ما ذكرت من قدر نفقة امرأته وكسوته ما كان عليه أن ينفق عليه فإن كانوا مماليك فليس عليه نفقتهم وإذا عتقوا فعليه نفقتهم وينفق على ولده وولد ولده وآبائه كما وصفت ولا ينفق على أحد أقربائه غيرهم لا أخ ولا عم ولا خالة ولا على عمة ولا على ابن من رضاعة ولا على أب منها قال وكل زوج حر مسلم وذمي ووثني عنده حرة من النساء في هذا كله سواء لا يختلفون .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #202  
قديم 19-12-2022, 02:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (202)
صــــــــــ 98 الى صـــــــــــ 105


باب نفقة العبد على امرأته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا تزوج العبد بإذن سيده حرة أو كتابية أو أمة فعليه نفقاتهن كلهن كنفقة المقتر لا يخالفه ولا يفرض عليه أكثر منها لأنه ليس عبد إلا وهو مقتر لأن ما بيديه وإن اتسع ملك لسيده قال وليس على العبد أن ينفق على ولده أحرارا كانوا أو مماليك قال والمكاتب والمدبر وكل من لم تكمل فيه الحرية في هذا كله كالمملوك وإن كانت للمكاتب أم ولد وطئها في المكاتبة بالملك فولدت له أنفق على ولده فإن عجز فليس عليه نفقتهم لأنهم مماليك لسيده قال وينفق العبد على امرأته إذا طلقها طلاقا يملك الرجعة في العدة وإذا لم يملك رجعتها لم ينفق عليها إلا أن تكون حاملا فينفق عليها لأن نفقة الحوامل فرض في كتاب الله تعالى ولست أعرفها إلا لمكان الولد فإذا أنفق عليها وهي مطلقة لا يملك رجعتها وهو يراها حاملا ثم بان أن ليس بها حمل رجع عليها بالنفقة من يوم طلقها وأنفق عليها إن أراد ذلك وسواء أنفق عليها بأمر قاض أو غير أمر قاض لأنه كان يلزمه في الظاهر على معنى أنها حامل وإذا بان بأنها ليست بحامل رجع عليها به . والله تعالى الموفق .
[ ص: 98 ] باب الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : دل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن على الرجل أن يعول امرأته ( قال الشافعي ) فلما كان من حقها عليه أن يعولها ومن حقه أن يستمتع منها ويكون لكل على كل ما للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج احتمل أن لا يكون للرجل أن يمسك المرأة يستمتع بها ويمنعها غيره تستغني به ويمنعها أن تضطرب في البلد وهو لا يجد ما يعولها به فاحتمل إذا لم يجد ما ينفق عليها أن تخير المرأة بين المقام معه وفراقه فإن اختارت فراقه فهي فرقة بلا طلاق لأنها ليست شيئا أوقعه الزوج ولا جعل إلى أحد إيقاعه . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوهم أن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا .

( قال الشافعي ) وهذا يشبه ما وصفت قبله وإليه يذهب أكثر أصحابنا وأحسب عمر - والله تعالى أعلم - لم يجد بحضرته لهم أموالا يأخذ منها نفقة نسائهم فكتب إلى أمراء الأجناد أن يأخذوهم بالنفقة إن وجدوها والطلاق إن لم يجدوها وإن طلقوا فوجد لهم أموال أخذوهم بالبعثة بنفقة ما حبسوا .
قال وإذا وجد نفقة امرأته يوما بيوم لم يفرق بينهما وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث ولا يمنع المرأة في الثلاث من أن تخرج فتعمل أو تسأل فإن لم يجد نفقتها خيرت كما وصفت في هذا القول فإن كان يجد نفقتها بعد ثلاث يوما ويعوز يوما خيرت إذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت للنفقة على المقتر خيرت في هذا القول فإذا بلغ هذا ووجد نفقتها ولم يجد نفقة خادمها لم تخير لأنها تماسك بنفقتها وكانت نفقة خادمها دينا عليه متى أيسر أخذته به قال وإذا فرق بينهما ثم أيسر لم ترد عليه ولا يملك رجعتها في العدة إلا أن تشاء هي بنكاح جديد قال ومن قال هذا فيمن لا يجد ما ينفق على امرأته فلم يجد صداقها لزمه عندي إذا لم يجد صداقها أن يخيرها وإن وجد نفقتها بعد ثلاث ليال وما أشبهها لأن صداقها شبيه بنفقتها .
( قال الشافعي ) وإن نكحته وهي تعرف عسرته فحكمها وحكمه في عسرته كحكم المرأة تنكح الرجل موسرا فيعسر لأنه قد يوسر بعد العسر ويعسر بعد اليسر وقد تعلمه معسرا وهي ترى له حرفة تغنيها أو لا تغنيه وتغنيها أو من يتطوع فيعطيه ما يغنيها .
( قال الشافعي ) وإذا أعسر بنفقة المرأة فأجل ثلاثا ثم خيرت فاختارت المقام معه فمتى شاءت أجل أيضا ثم كان لها فراقه لأن اختيارها المقام معه عفو عما مضى فعفوها فيه جائز وعفوها غير جائز عما استقبل فلا يجوز عفوها عما لم يجب لها وهي كالمرأة تنكح الرجل تراه معسرا لأنها قد تعفو ذلك ثم يوسر بعد عسرته فينفق عليها .
قال وإذا أعسر بالصداق ولم يعسر بالنفقة فخيرت فاختارت المقام معه لم يكن لها فراقه لأنه لا ضرر على بدنها ما أنفق عليها في استئجار صداقها وقد عفت فرقته كما يخير صاحب المفلس في عين ماله وذمة صاحبه فيختار ذمة صاحبه فلا يكون له أن يأخذ بعد عين ماله ، وصداقها دين عليه إلا أن يعفو .
( قال الشافعي ) وإذا نكحها فأعسر بالصداق فلها أن لا تدخل عليه حتى يعطيها الصداق ولها النفقة إن قالت إذا جئت بالصداق خليت بيني وبينك .
( قال الشافعي ) وإن دخلت فأعسر بالصداق لم يكن لها أن تخير لأنها قد رضيت بالدخول بلا صداق ولا يمتنع منه ما كان ينفق عليه ودخولها عليه بلا صداق رضا بذمته كما يكون رضا الرجل من عين ماله يجده بذمة غريمه أو تفوت عند غريمه فلا يكون له إلا ذمة غريمه .
قال وسواء في العسرة بالصداق والنفقة كل زوج وزوجة ، الحر تحته الأمة والعبد تحته الحرة [ ص: 99 ] والأمة كلهم سواء والخيار للأمة تحت الحر في العسرة بالنفقة فإن شاء سيدها أن يتطوع عن الزوج بالنفقة فلا خيار للأمة لأنه واجد للنفقة وإذا امتنع فالخيار للأمة لا لسيدها قال وكذلك الخيار للحرة لا لوليها فإن كانت الأمة أو الحرة مغلوبة على عقلها أو صبية لم تبلغ لم يكن لولي واحدة منهما أن يفرق بينها وبين زوجها بعسره بصداق ولا نفقة .
وإذا أعسر زوج الأمة بالصداق فالصداق لسيد الأمة والخيار لسيد الأمة لا للأمة فإن اختارت الأمة فراقه واختار السيد أن لا تفارقه لم يكن عليه أن يفرق بينهما لأن ذلك لسيدها ولا ضرر فيه عليها والمسلم تحته الكتابية والكتابي تحته الكتابية إذا طلبت المرأة حقها قبله في نفقة وصداق كما وصفت من مثله للأزواج الحرائر ( قال الشافعي ) وقد قيل لا خيار للمرأة في عسرة الزوج بالنفقة وتخلى تطلب على نفسها ولا خيار في عسره بالصداق ولها الامتناع منه ما لم تدخل عليه فإذا دخلت عليه لم يكن لها الامتناع منه وهي غريم من الغرماء قال وعلى السيد نفقات أمهات أولاده ومدبره ورقيقه كلهم ذكرهم وأنثاهم مسلمهم وكافرهم وليس عليه نفقة مكاتبيه حتى يعجزوا فإذا عجزوا فعليه نفقتهم .
باب أي الوالدين أحق بالولد

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن أبي ميمونة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن يونس بن عبد الله الجرمي عن عمارة الجرمي قال خيرني علي بين أمي وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني وهذا أيضا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرته أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يونس بن عبد الله عن عمارة قال خيرني علي رضي الله تعالى عنه بين أمي وعمي وقال لأخ لي أصغر مني : وهذا لو بلغ كبلغ هذا خيرته قال إبراهيم وفي الحديث " وكنت ابن سبع أو ثمان سنين " ( قال الشافعي ) فإذا افترق الأبوان وهما في قرية واحدة فالأم أحق بولدها ما لم تتزوج وما كانوا صغارا فإذا بلغ أحدهم سبعا أو ثمان سنين وهو يعقل خير بين أبيه وأمه وكان عند أيهما اختار ، فإن اختار أمه فعلى أبيه نفقته ولا يمنع من تأديبه ، قال وسواء في ذلك الذكر والأنثى ويخرج الغلام إلى الكتاب والصناعة إن كان من أهلها ويأوي عند أمه وعلى أبيه نفقته وإن اختار أباه لم يكن لأبيه منعه من أن يأتي أمه وتأتيه في الأيام وإن كانت جارية لم تمنع أمها من أن تأتيها ولا أعلم على أبيها إخراجها إليها إلا من مرض فيؤمر بإخراجها عائدة ، قال وإن ماتت البنت لم تمنع الأم من أن تليها حتى تدفن ولا تمنع في مرضها من أن تلي تمريضها في منزل أبيها قال وإن كان الولد مخبولا فهو كالصغير وكذلك إن كان غير مخبول ثم خبل فهو كالصغير الأم أحق به ولا يخير أبدا قال وإنما أخير الولد بين أبيه وأمه إذا كانا معا ثقة للولد فإن كان أحدهما ثقة والآخر غير ثقة فالثقة أولاهما به بغير تخيير .
قال وإذا خير الولد فاختار أن يكون عند أحد الأبوين ثم عاد فاختار الآخر حول إلى الذي اختار بعد اختياره الأول قال وإذا نكحت المرأة فلا حق لها في كينونة ولدها عندها صغيرا كان أو كبيرا ولو اختارها ما كانت ناكحا فإذا طلقت طلاقا يملك فيه الزوج الرجعة أو لا يملكها رجعت على حقها فيهم فإذا راجعها أو نكحته أو غيره دخل بها أو لم يدخل بها أو غاب عن بلدها أو حضر فلا حق لها فيهم حتى تطلق وكلما طلقت عادت على حقها فيهم لأنها تمنعه بوجه فإذا ذهب [ ص: 100 ] فهي كما كانت قبل أن تكون وأن في ذلك حقا للولد .
( قال الشافعي ) وإذا تزوجت المرأة ولها أم لا زوج لها فالأم تقوم مقام ابنتها في الولد لا تخالفها في شيء وإن كان لها زوج لم يكن لها فيهم حق إلا أن يكون زوجها جد الولد فلا تمنع حقا فيهم عند والد قال وإذا آمت الأم من الزوج كانت أحق بهم من الجدة .
( قال الشافعي ) وإذا اجتمع القرابة من النساء فتنازعن الولد فالأم أولى ثم أمها ثم أم أمها ثم أمهات أمها وإن بعدن ثم الجدة أم الأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الجدة أم الجد أبي الأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الأخت للأب والأم ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم ثم الخالة ثم العمة . قال : ولا ولاية لأم أبي الأم لأن قرابتها بأب لا بأم فقرابة الصبي من النساء أولى . قال ولا حق لأحد مع الأب غير الأم وأمهاتها فأما أخواته وغيرهن فإنما يكون حقهن بالأب فلا يكون لهن حق معه وهن يدلين به والجد أبو الأب يقوم مقام الأب إذا لم يكن أب أو كان غائبا أو غير رشيد قال وكذلك أبو أب الأب قال وكذلك العم وابن العم وابن عم الأب والعصبة يقومون مقام الأب إذا لم يكن أحد أقرب منهم مع الأم وغيرها من أمهاتها .
قال وإذا أراد الرجل أن ينتقل عن البلد الذي نكح به المرأة كانت بلده وبلدها أو بلد أحدهما دون الآخر أو لم تكن فسواء والأب أحق بالولد مرضعا كان أو كبيرا أو كيف ما كان وكذلك قرابة الأب وإن بعدت والعصبة إذا افترقت الدار أولى فإن صارت الأم أو الجدات معهم في الدار التي يتحول بهم إليها أو رجع هو بهم إلى بلدها كانت على حقها فيهم .
( قال الشافعي ) وكل ما وصفت إذا كانت الزوجة حرة أو من ينازع في الولد بقرابتها حرا فأما إذا كانت الزوجة أو من ينازع بقرابتها مماليك فلا حق للمملوك في الولد الحر ، والأب الحر أحق بهم إذا كانوا أحرارا قال وكذلك إن نكحت أمهم وهي حرة أو لم تنكح وهي غير ثقة ولها أم مملوكة فلا حق للمملوكة بقرابة أم قال وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية قال ومتى عتقت كانت على حقها في الولد قال وإذا كان ولد الحر مماليك فمالكهم أحق بهم منه قال وإذا كان الولد من حرة وأبوه مملوك فأمهم أحق بهم ولا يخيرون في وقت الخيار قال وليس على الأب إذا لم تكمل فيه الحرية نفقة ولده من زوجة له إن كانوا مماليك فنفقتهم على سيدهم وكذلك لو كان أبوهم حرا وهم مماليك فإذا عتقوا فنفقتهم على أبيهم الحر ولا نفقة على الأب الذي لم تكمل فيه الحرية عتقوا أو كانوا أحرارا من الأصل بأن أمهم حرة لأنه غير وارث لهم ولا ذو مال ينفق عليهم منه ولا يستمتع منهم بما يستمتع به من أمهم إذا كانت زوجة ولا حق له في كينونة الولد عنده .
قال وإذا كان من ينازع في الولد أم أو قرابة غير ثقة فلا حق له في الولد وهي كمن لم يكن في هذه الحال وأقرب الناس به أحق بالمنازعة كأن أمه كانت غير ثقة وأمها ثقة فالحق لأمها ما كانت البنت غير ثقة ولو صلح حال البنت رجعت على حقها في الولد كما تنكح فلا يكون لها فيهم حق وتئيم فترجع على حقها فيهم وهكذا إن كان الأب غير ثقة كان أبوه يقوم مقامه وأخوه وذو قرابته فإذا صلحت حاله رجع إلى حقه في الولد فعلى هذا الباب كله وقياسه .
باب إتيان النساء حيضا

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { ويسألونك عن المحيض } الآية . قال فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن قول الله عز وجل { حتى يطهرن } حتى يرين الطهر { فإذا تطهرن } بالماء { فأتوهن من حيث أمركم الله } أن تجتنبوهن قال وما أشبه ما قال والله تعالى أعلم بما قال ويشبه أن [ ص: 101 ] يكون تحريم الله عز وجل إتيان النساء في المحيض لأذى المحيض وإباحته إتيانهن إذا طهرن وتطهرن بالماء من الحيض على أن الإتيان المباح في الفرج نفسه كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم قال وفيه دلالة على أنه إنما حرم إتيان النساء في دم الحيض الذي تؤمر فيه المرأة بالكف عن الصلاة والصوم ولم يحرم في دم الاستحاضة لأنها قد جعلت في دم الاستحاضة في حكم الطاهر يجب عليها الغسل من دم الحيض ودم الاستحاضة قائم والصلاة والصيام عليها فإذا كانت المرأة حائضا لم يحل لزوجها أن يصيبها ولا إذا طهرت حتى تطهر بالماء ، ثم يحل له أن يصيبها قال : وإن كانت على سفر ولم تجد ماء فإذا تيممت حل له أن يصيبها ولا يحل له إصابتها في الحضر بالتيمم إلا أن يكون بها قرح يمنعها الغسل فتغسل فرجها وما لا قرح فيه من جسدها بالماء ثم تتيمم ثم يحل له إصابتها إذا حلت لها الصلاة ويصيبها في دم الاستحاضة إن شاء وحكمه حكم الطهارة قال وبين في الآية إنما نهى عن إتيان النساء في المحيض ومعروف أن الإتيان في الفرج لأن التلذذ بغير الفرج في شيء من الجسد ليس إتيانا ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للزوج مباشرة الحائض إذا شدت عليها إزارها والتلذذ بما فوق الإزار مفضيا إليها بجسده وفرجه فذلك لزوج الحائض وليس له التلذذ بما تحت الإزار منها .
باب إتيان النساء في أدبارهن

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم } الآية ( قال الشافعي ) وبين أن موضع الحرث موضع الولد وأن الله تعالى أباح الإتيان فيه إلا في وقت الحيض و { أنى شئتم } من أين شئتم ( قال الشافعي ) وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره فالإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة أو ابن فلان بن أحيحة بن فلان الأنصاري قال قال محمد بن علي وكان ثقة عن خزيمة بن ثابت { أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حلال ثم دعاه أو أمر به فدعي فقال كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن } .
( قال الشافعي ) فأما التلذذ بغير إبلاغ الفرج بين الأليتين وجميع الجسد فلا بأس به إن شاء الله تعالى قال وسواء هو من الأمة أو الحرة فإذا أصابها فيما هناك لم يحللها لزوج إن طلقها ثلاثا ولم يحصنها ولا ينبغي لها تركه وإن ذهبت إلى الإمام نهاه فإن أقر بالعودة له أدبه دون الحد ولا غرم عليه فيه لها لأنها زوجة ولو كان في زنا حد فيه - إن فعله - حد الزنا وأغرم - إن كان غاصبا لها - مهر مثلها قال ومن فعله وجب عليه الغسل وأفسد حجه .
باب الاستمناء قال الله عز وجل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم } قرأ إلى { العادون } ( قال الشافعي ) فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى [ ص: 102 ] الأزواج وما ملكت الأيمان وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم ثم أكدها فقال عز وجل { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء والله تعالى أعلم وقال في قول الله تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } معناها والله أعلم ليصبروا حتى يغنيهم الله تعالى وهو كقوله في مال اليتيم { ومن كان غنيا فليستعفف } ليكف عن أكله بسلف أو غيره قال وكان في قول الله عز وجل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } بيان أن المخاطبين بها الرجال لا النساء فدل على أنه لا يحل للمرأة أن تكون متسرية بما ملكت يمينها لأنها متسراة أو منكوحة لا ناكحة إلا بمعنى أنها منكوحة ودلالة على تحريم إتيان البهائم لأن المخاطبة بإحلال الفرج في الآدميات المفروض عليهن العدة ولهن الميراث منهم وغير ذلك من فرائض الزوجين .
الاختلاف في الدخول

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا ملك الرجل عقدة المرأة فأراد الدخول بها فإن كان مهرها حالا أو بعضه لم تجبر على الدخول عليه حتى يدفع الحال منه إليها وإن كان دينا كله أجبرت على الدخول عليه متى شاء لا وقت لها في ذلك أكثر من يوم لتصلح أمرها ونحوه لا يجاوز بها ثلاثا إذا كانت بالغا ويجامع مثلها وسواء في هذا المملوكة والحرة وليس لولي الحرة ولا لسيد الأمة منعه إياها إذا دفع صداقها إن كان حالا أو ما كان حالا منه قال ولا يؤجل الرجل في الصداق إلا ما يؤجل في دين الناس ويباع عليه في ماله كما يباع عليه في الدين ويحبس فيه كما يحبس في الديون لا افتراق في ذلك قال وهذا كله إذا كانت الزوجة بالغا أو مقاربة البلوغ أو جسيمة يحتمل مثلها أن يجامع فإذا كانت لا تحتمل أن تجامع فلأهلها منعها الدخول حتى تحتمل الجماع وليس على الزوج دفع صداقها ولا شيء منه ولا نفقتها حتى تكون في الحال التي يجامع مثلها ويخلى بينه وبينها قال ومتى كانت بالغا فقال لا أدفع الصداق حتى تدخلوها وقالوا لا ندفعها حتى تدفع الصداق فأيهما تطوع أجبرت الآخر على ما عليه فإن تطوع الزوج بدفع الصداق أجبرت أهلها على إدخالها وإن تطوع أهلها بإدخالها أجبرت الزوج على دفع الصداق قال وإن امتنعوا معا أجبرت أهلها على وقت يدخلونها فيه وأخذت الصداق من زوجها فإن دخلت دفعته إليها وجعلت لها النفقة إذا قالوا ندفعها إليه إذا دفع الصداق إلينا ( قال الشافعي ) وإن كانت بالغا مضنوا أجبرت على الدخول وكل امرأة تحتمل أن تجامع قال فإن كانت مع هذا مضناة من مرض لا يجامع مثلها أمهلت حتى تصير إلى الحال التي يجامع مثلها ثم تجبر على الدخول ومتى أمهلتها بالدخول لم أجبره على دفع الصداق قال وإذا دخلت عليه فأصابها فأفضاها ثم لم يلتئم ذلك فعليه ديتها كاملة وهي امرأته بحالها ولها المهر تاما ولها أن تمتنع من أن يصيبها في الفرج حتى تبرأ البرء الذي إذا عاد لإصابتها لم ينكأها ولم يزد في جرحها ثم عليها إن برئت أن تخلي بينه وبين نفسها والقول في ذلك قولها ما زعمت أن العلة قائمة فإن تطاول ذلك فكان النساء يدركن علمه فإن قلن إنها قد برئت وإن الإصابة لا تضرها أجبرت على التخلية بينه وبين إصابتها قال وإن صارت إلى حال لا يجامع من صار إليها أخذت صداقها وديتها وقيل هي امرأتك فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك واجتنبها إذا كان مثلها لا يجامع .
[ ص: 103 ] اختلاف الزوجين في متاع البيت

أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا اختلف الرجل والمرأة في متاع البيت الذي هما فيه ساكنان وقد افترقا أو لم يفترقا أو ماتا أو مات أحدهما فاختلف ورثتهما أو ورثة أحدهما بعد موته فذلك كله سواء والمتاع إذا كانا ساكني البيت في أيديهما معا فالظاهر أنه في أيديهما كما تكون الدار في أيديهما أو في يد رجلين فيحلف كل واحد منهما لصاحبه على دعواه فإن حلفا جميعا فالمتاع بينهما نصفان لأن الرجل قد يملك متاع النساء بالشراء والميراث وغير ذلك والمرأة قد تملك متاع الرجال بالشراء والميراث وغير ذلك فلما كان هذا ممكنا وكان المتاع في أيديهما لم يجز أن يحكم فيه إلا بهذا لكينونة الشيء في أيديهما وقد استحل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فاطمة ببدن من حديد . وهذا من متاع الرجال وقد كانت فاطمة في تلك الحال مالكة للبدن دون علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقد رأيت امرأة بيني وبينها ضبة سيف استفادته من ميراث أبيها بمال عظيم ودرع ومصحف فكان لها دون إخوتها ورأيت من ورث أمه وأخته فاستحيا من بيع متاعهما فصار مالكا لمتاع النساء فإذا كان هذا موجودا فلا يجوز فيه غير ما وصفت ولو أنا كنا إنما نقضي بالظنون بقدر ما يرى الرجل والمرأة مالكين فوجدنا متاعا في يدي رجلين يتداعيانه فكان في المتاع ياقوت ولؤلؤ وعلية من علية المتاع وأحد الرجلين ممن يملك مثل ذلك المتاع والآخر ليس الأغلب من مثله أنه يملك مثل ذلك المتاع جعلنا علية المتاع للموسر الذي هو أولاهما في الظاهر بملك مثله وجعلنا سفلة المتاع إن كان في يدي موسر ومعسر للمعسر دون الموسر فخالفنا ما اجتمع عليه الناس في غير هذا من أن الدار إذا كانت في يدي رجلين فتداعياها جعلت بينهما نصفين ولم ينظر إلى أشبههما أن يكون له ملك تلك الدار فنعطيه إياها وهذا العدل إن شاء الله تعالى والإجماع وهكذا ينبغي أن يكون متاع البيت وغيره مما يكون في يدي اثنين لا يختلف الحكم فيه أنه لا يجوز أن يخالف بالقياس الأصل إلا أن يفرق بين ذلك سنة أو إجماع ويقال لمن يقول اجعل متاع النساء للنساء ومتاع الرجال للرجال أرأيت دباغا وعطارا كانا في حانوت فيه عطر ودباغ كل واحد منهما يدعي العطر والدباغ أيلزمك أن تعطي العطار العطر والدباغ الدباغ ؟ فإن قلت إني أقسمه بينهما قيل لك فلم لا تقسم المتاع الذي يشبه النساء بين الرجل والمرأة والمتاع الذي يشبه الرجال بين الرجل والمرأة مثل الدباغ والعطار ؟
الاستبراء

( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) أصل الاستبراء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عام سبي أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو توطأ حائل حتى تحيض } وفي هذا دلالات منها أن من ملك أمة لم يطأها إلا باستبراء كانت عند ثقة أو غير ثقة أو توطأ أو لا توطأ من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن منهن واحدة ولا نشك أن فيهن أبكارا وحرائر كن قبل أن يستأمين وإماء وضيعات وشريفات وكان الأمر فيهن كلهن والنهي واحد وفي مثل معنى هذا أن كل ملك استحدثه المالك لم يجز [ ص: 104 ] فيه الوطء إلا بعد الاستبراء لأن الفرج كان ممنوعا قبل الملك فإذا صار مباحا بالملك كان على المالك فيه أن يستبرئه وفي هذا المعنى على كل ملك تحول لأن المالك الثاني مثل المالك الأول وقد كان الفرج ممنوعا منه بأنه كان مباحا لغيره وإنما حدث له وكان حلالا له بعد ما ملكه فلو ابتاع رجل من رجل جارية وقبضها منه وتفرقا بعد البيع ثم اشتراها منه البائع أو استقاله منها وهو يعلم أن الرجل لم يصل إليها أو كانت مشتريتها امرأة ثقة أم له أو بنت لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها من قبل أن الفرج قد كان حرم عليه ثم حل له بعد الملك الثاني ومتى حل له أن يطأها قدم بين يدي الوطء استبراء لا بد وكذلك لو كانت بكرا أو عند امرأة محصنة لأن السنة تدل على أن الاستبراء إنما هو من حين يحل الفرج بالملك والاستبراء أن تمكث عند المشتري طاهرا ما كان المكث قل أو كثر ثم تحيض فتستكمل فإذا طهرت منها فهو استبراؤها ويكون الاستبراء إذا حاضت الحيض الذي تعرفه فإن حاضت على خلاف ما تعرف في الزيادة في الحيض فهو استبراء لأنها قد جاءت بما تعرف وزادت عليه وإن حاضت أقل من أيام حيضها أو بدم أرق أو أقل من دمها أو وجدت شيئا تنكره في بطن أو دلالة ما يستدل به على الحمل أمسكت وأمسك عن إصابتها حتى يستدل على أن تلك الريبة لم تكن حملا إما بذهاب ذلك الذي تجد وحيضة بعده مثل الحيض الذي كانت تعرف وإما بزمان يمر عليها يعرف أهل العلم من النساء أنها لو كانت حاملا كانت تلد في مثل ذلك الزمان فإذا أتى ذلك عليها استدل على أن تلك الريبة من مرض لا من حمل وحل وطؤها فإن قال قائل قد { قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحائل : حتى تحيض } وهذه الحائل قد حاضت ؟ قيل فمعقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد الاستبراء بالحيض والاستبراء بوضع الحمل أو الحيض إنما يكون استبراء ما لم يكن معه ريبة فإذا كانت معه ريبة بحمل فاستبراء بوضع الحمل لأن الله تعالى فرض العدة ثلاث حيض وثلاثة أشهر وأربعة أشهر وعشرا وقال تبارك وتعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فدلت السنة على أن وضع الحمل غاية الاستبراء وأنه مسقط لجميع العدد ولم أعلم أحدا خالف في أن المطلقة لو حاضت ثلاث حيض وذكرت أنها حامل لم تحل بها ولا تحل إلا بوضع الحمل أو البراءة أن يكون ذلك حملا وهكذا والله تعالى أعلم المرتابة في الاستبراء لأنها في مثل هذا المعنى .
ولو حاضت حيضة وهي غير مرتابة ثم حدثت لها ريبة ثانية بعد طهرها وقبل مسيس سيدها أمسك عن إصابتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة ثم أصابها إذا برئت منها وإذا ملكت الأمة بميراث أو هبة أو صدقة أو بيع أو أي وجه ما كان من وجوه الملك لم توطأ حتى تستبرأ لما وصفت وإذا كانت تستبرأ لم يجز لمالكها أن يتلذذ منها بمباشرة ولا قبلة ولا جس ولا تجريد ولا بنظر شهوة من قبل أنه قد يظهر بها حمل من بائعها فيكون قد نظر متلذذا أو تلذذ بأكثر من النظر من أم ولد غيره وذلك محظور عليه .
ومتى اشتراها فقبضها ثم وضعت حملها برئت وحل له وطؤها ولا يحل له الوطء إلا بوضع جميع حملها إذا كان حملها من غير سيدها وغير زوج إلا زوجا قد طلق أو مات وكذلك لو قبضها فأقامت ساعة ثم حاضت وطهرت حل له الوطء .
ولو اشتراها فلم يقبضها ولم يتفرقا حتى وضعت في يدي البائع ثم قبضها لم يكن له وطؤها حتى تطهر من نفاسها ثم تحيض في يديه حيضة مستقبلة من قبل أن البيع إنما تم له حين لم يكن للبائع فيه خيار بأن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه .
ولو اشتراها وشرط عليه البائع أنه بالخيار عليه ثلاثا وقبضها المشتري فحاضت قبل أن يسلم البائع البيع ويبطل شرطه في الخيار أو تمضي ثلاث الخيار لم يطأها بهذه الحيضة حتى تطهر منها ثم تحيض حيضة أخرى .
ولو اشتراها وقبضها وشرط لنفسه الخيار ثلاثا ثم حاضت قبل الثلاث [ ص: 105 ] ثم اختار البيع كانت تلك الحيضة استبراء لأنه تام الملك فيها قابض لها لو أعتقها أو كاتبها أو وهبها كان ذلك جائزا ولو أراد البائع ذلك فيها لم يكن له لأن البيع فيها تام .
ولو بيع جارية معيبة دلس له فيها بعيب وظهر على العيب بعد الاستبراء فاختار أن يمسكها أجزأه ذلك الاستبراء من قبل أن الملك له تام إلا أن له الخيار بالعيب إن شاء رد وإن شاء أمسك وإن ماتت في هذه الحال ماتت منه .
وللرجل إذا اشترى الجارية أي جارية ما كانت أن لا يدفع عنها وأن يقبضه إياها بائعها وليس لبائعها منعه إياها ليستبرئها عند نفسه ولا عند غيره ولا مواضعته إياها على يدي أحد ليستبرئها بحال ولا للمشتري أن يحبس عنه ثمنها حتى يستبرئها هو ولا غيره ولا يضعها على يدي غيره فيستبرئها وسواء كان البائع في ذلك غريبا يخرج من ساعته أو مقيما أو معدما أو مليئا أو صالحا أو رجل سوء وليس للمشتري أن يأخذه بحميل بعهدة ولا بوجه ولا ثمن وماله حيث وضعه وإنما التحفظ قبل الشراء فإذا جاز الشراء ألزمناه ما ألزم نفسه من الحق ألا ترى أنه لو اشترى منه عبدا أو أمة أو شيئا وهو غريب أو أهل فقال أخاف أن يكون مسروقا أو أخاف أن يكون واحد من العبدين حرا كان ينبغي للحاكم أن يجبره على أن يدفع إليه الثمن لأنه ماله حيث وضعه .

ولو أعطيناه أن يأخذ له كفيلا أو يحبس له البائع عن سفره أعطيناه ذلك في خوف أن يكون مسروقا أو معيبا عيبا خافيا من سرقة أو إباق ثم لم نجعل لهذا غاية أبدا لأنه قد لا يعلم ذلك في القريب ويعلم في البعيد وبيوع المسلمين الجائزة بينهم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلزم البائع والمشتري إذا سلم هذا سلعته أن يكون قابضا لثمنها وأن لا يكون الثمن الذي هو إلى غير أجل ولا السلعة محبوسين إذا سلم البائع إلى المشتري ساعة من نهار ولا يكون المشتري من جارية ولا غيرها محبوسا عن مالكها ولو جاز إذا اشترى رجل جارية أن توضع على يدي من يستبرئها كان في هذا خلاف بيوع المسلمين والسنة وظلم البائع والمشتري من قبل أنها لا تعدو أن تكون في ملك البائع بالملك الأول أو في ملك المشتري بالشراء الحادث فلا يجبر واحد منهما على إخراج ملكه إلى غيره ولو كان الثمن لا يجب على المشتري للبائع إلا بأن تحيض الجارية حيضة وتطهر منها كان هذا فاسدا من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المسلمين بعده نهوا أن تكون الأثمان المستأخرة إلا إلى أجل معلوم وهذا إلى أجل غير معلوم لأن الحيضة قد تكون بعد صفقة البيع في خمس وفي شهر وأكثر وأقل وكان فاسدا مع فساده من الثمن من السلعة أيضا أن تكون السلعة لا مشتراة إلى أجل معلوم بصفة فتكون توجد في تلك المدة ويؤخذ بها بائعها ولا مشتراة بغير تسلط مشتريها على قبضها حتى يستبرئها وهذا لا بيع أجل بصفة ولا عين بعينه يقبض وخارج من بيوع المسلمين فلو أن رجلين تبايعا جارية وتشارطا في عقد البيع أن لا يقبضها المشتري حتى تستبرأ كان البيع فاسدا .

ولا يجوز بحال من قبل ما وصفت ولو اشتراها بغير شرط كان البيع جائزا وكان للمشتري قبضها واستبراؤها عند نفسه أو عند من شاء .
وإذا قبضها فماتت قبل أن تستبرأ فإن ماتت عنده بعد ما ظهر بها حمل وتصادقا على ذلك كانت من المشتري ويرجع المشتري على البائع من الثمن بقدر ما بين قيمتها حاملا وغير حامل .
ولو اشتراها بغير شرط فتراضيا أن يتواضعاها على يدي من يستبرئها فماتت أو عميت عند المستبرئ فإن كان المشتري قبضها ثم رضي بعد قبضها بمواضعتها فهي من ماله وإنما هي جارية قد قبضها ثم أودعها غيره فموتها في يدي غيره إذا كان هو وضعها كموتها في يديه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #203  
قديم 19-12-2022, 02:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (203)
صــــــــــ 106 الى صـــــــــــ 113


ولو كان اشتراها فلم يقبضها حتى تواضعاها برضا منهما على يدي من يستبرئها فماتت أو عميت ماتت من مال البائع لأن كل من باع شيئا بعينه فهو مضمون عليه حتى يقبضه منه مشتريه وإذا عميت قيل للمشتري أنت بالخيار إن شئت فخذها معيبة بجميع الثمن لا يوضع عنك [ ص: 106 ] للعيب شيء كما لو عميت في يدي البائع بعد صفقة البيع وقبل قبضها كنت بالخيار في تركها أو أخذها وإن شئت فاتركها بالعيب وكل ما زعمنا أن البيع فيه جائز فعلى المشتري متى طلب البائع منه الثمن وسلم إليه السلعة أن يأخذ منه إلا أن يكون الثمن إلى أجل معلوم فيكون إلى أجله وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو ما اشترى من السلع فلم يشترط المشتري الثمن إلى أجل وقال البائع لا أسلم إليك السلعة حتى تدفع إلي الثمن وقال المشتري لا أدفع إليك الثمن حتى تسلم إلي السلعة فإن بعض المشرقيين قال يجبر القاضي كل واحد منهما البائع على أن يحضر السلعة والمشتري على أن يحضر الثمن ثم يسلم السلعة إلى المشتري والثمن إلى البائع لا يبالي بأيهما بدأ إذا كان ذلك حاضرا وقال غيره منهم لا أجبر واحدا منهما على إحضار شيء ولكن أقول أيكما شاء أن أقضي له بحقه على صاحبه فليدفع إلي ما عليه من قبل أنه لا يجب على واحد منكما دفع ما عليه إلا بقبض ماله وقال آخرون أنصب لهما عدلا فأجبر كل واحد منهما على الدفع إلى العدل فإذا صار الثمن والسلعة في يديه أمرناه أن يدفع الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري .

( قال الشافعي ) ولا يجوز فيها إلا القول الثاني من أن لا يجبر واحد منهما أو قول آخر وهو أن يجبر البائع على دفع السلعة إلى المشتري بحضرته ثم ينظر فإن كان له مال أجبره على دفعه من ساعته وإن غاب ماله وقفت السلعة وأشهد على أنه وقفها للمشتري فإن وجد له مالا دفعه إلى البائع وأشهد على إطلاق الوقف عن الجارية ودفع المال إلى البائع وإن لم يكن له مال فالسلعة عين مال البائع وجده عند مفلس فهو أحق به إن شاء أخذه وإنما أشهدنا على الوقف لأنه إن أحدث بعد إشهادنا على وقف ماله في ماله شيئا لم يجز وإنما منعنا من القول الذي حكينا أنه لا يجوز عندنا غيره أو هذا القول وأخذنا بهذا القول دونه لأنه لا يجوز للحاكم عندنا أن يكون رجل يقر بأن هذه الجارية قد خرجت من ملكه ببيع إلى مالك ثم يكون له حبسها وكيف يجوز أن يكون له حبسها وقد أعلمنا أن ملكها لغيره ولا يجوز أن يكون رجل قد أوجب على نفسه ثمنا وماله حاضر ولا نأخذه منه ولا يجوز لرب الجارية أن يطأها ولا يبيعها ولا يعتقها وقد باعها من غيره ولا يجوز للسلطان أن يدع الناس يتدافعون وهو يقدر على أخذها منهم .
وإذا كانت لرجل أمة فزوجها أو اشتراها ذات زوج فطلقها الزوج أو مات عنها فانقضت عدتها فأراد سيدها إصابتها بانقضاء العدة لم أر ذلك له حتى يستبرئها بحيضة بعد ما حل فرجها له لأن الفرج كان حلالا لغيره ممنوعا منه والاستبراء بسبب غيره لا بسببه ألا ترى أن رجلا لو أراد بيع أمته فاستبرأها عند أم رجل أو بنته بحيضة أو حيض ثم باعها من رجل لم يكن له أن يصيبها حتى يستبرئها بعدما أبيح له فرجها ولو كانت لرجل أمة فكاتبها فعجزت لم يكن له وطؤها حتى يستبرئها لأنها كانت ممنوعة الفرج منه وإنما أبيح له فرجها بعد العجز فهي تجامع في هذا المعنى كالمتزوجة وتفارقها في أن فرجها لم يكن مباحا لغيره والاحتياط تركها .
ولو كانت له أمة فحاضت فأذن لها بأن تصوم فصامت أو تحج فحجت واجبا عليها فكانت ممنوعة الفرج في نهار الصوم ومدة الإحرام والحيض ثم خرجت من الإحرام والصوم والحيض لم يكن عليه أن يستبرئها وذلك أنه إنما حيل بينه وبين فرجها بعارض فيها كما يكون العارض فيه من الصوم والإحرام لا أنه حيل بينه وبين الفرج كما حيل بينه وبينها متزوجة ومكاتبة فكان لا يحل له أن يلمسها ولا يقبلها ولا ينظر إليها بشهوة فحالها هذه مخالفة لحالها الأولى وتجتمع المستبرأة والمعتدة وتختلفان فأما ما تجتمعان فيه فإن في الاستبراء والعدة معنى وتعبدا فأما المعنى فإن المرأة إذا وضعت حملها كانت براءة في الحرة والأمة وانقضاء العدة وأما التعبد فقد تعلم براءتها بأن تكون صبية لم يدخل بها ، ومدخول بها فتحيض حيضة فتعتد عدة الوفاة كما تعتدها البالغة المدخول بها ولا تبرئها حيضة واحدة [ ص: 107 ] فلو لم تكن العدة إلا للبراءة كانت الصغيرة في هاتين الحالتين بريئة وكذلك الأمة البالغ وغير البالغ تشترى من المرأة الصالحة المحصنة لها ومن الرجل الصالح الكبير قد حرم عليه فرجها برضاع فلا يكون لمن اشتراها أن يطأها حتى يستبرئها .
ولو كان رجل مودع أمة يستبرئها بحيضة عنده قد حاضت في يدي نسائه حيضا كثيرا ثم ملكها ولم تفارق تحصينه بشراء أو هبة أو ميراث أو أي ملك ما كان لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها وأحب للرجل الذي يطأ أمة أن لا يرسلها وأن يحصنها وإن فعل لم يحرمها ذلك عليه وكانت فيما يحل له منها مثل المحصنة ، ألا ترى أن عمر رضي الله عنه يقول ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يرسلونهن فيخبر أنه تلحق الأولاد بهم وإن أرسلوهن ولا يحرم عليهم الوطء مع الإرسال .
ولو ابتاع رجل جارية فاستبرأها ثم جاء رجل آخر فادعى أنها له وجاء عليها بشاهد فوقف المشتري عنها ثم أبطل الحاكم الشاهد لم يكن على المشتري أن يستبرئها بعد ما فسخ عنه وقفها لأنها كانت على الملك الأول لم تستحق ولو استحقها ثم اشتراها الأول وهي في بيته لم تخرج منه لم يطأها حتى يستبرئها لأنه قد ملكها عليه غيره .
ولو كانت جارية بين رجلين فاستخلصها أحدهما وكانت في بيته لم يطأها من حين حل له فرجها حتى يستبرئها ولا تكون البراءة إلا بأن يملكها طاهرا ثم تحيض بعد أن تكون طاهرا في ملكه ولو اشتراها ساعة دخلت في الدم لم يكن هذا براءة وأول الدم وآخره سواء كما يكون هذا في العدة في قول من قال الأقراء عين الحيض .
ولو طلق الرجل امرأته أول ما دخلت في الدم لم يعتد بتلك الحيضة ولا يعتد بحيضة إلا حيضة تقدمها طهر . فإن قال قائل لم زعمت أن الاستبراء طهر ثم حيضة وزعمت في العدة أن الأقراء الأطهار ؟ قلنا له بتفريق الكتاب ثم السنة بينهما فلما قال الله عز وجل { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ودل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الأقراء الأطهار { لقوله في ابن عمر يطلقها طاهرا من غير جماع فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء } فأمرناها أن تأتي بثلاثة أطهار فكان الحيض فيها فاصلا بينهما حتى يسمى كل طهر منها غير الطهر الآخر لأنه لو لم يكن بينهما حيض كان طهرا واحدا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإماء أن يستبرئن بحيضة فكانت الحيضة الأولى أمامها طهر كما لا يعد الطهر إلا وأمامه حيض وكان قول النبي صلى الله عليه وسلم { يستبرئن بحيضة } يقصد قصد الحيض بالبراءة فأمرناها أن تأتي بحيض كما أمرناها إذا قصد الأطهار أن تأتي بطهر كامل .
النفقة على الأقارب

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير } وقال تبارك وتعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } إلى قوله { بعد عسر يسرا } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها { أن هندا قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما أدخل علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 108 ] خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } ( قال الشافعي ) أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها حدثته أن هندا أم معاوية جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت " إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ( قال الشافعي ) في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان أن الإجارة جائزة على ما يعرف الناس إذ قال الله عز وجل { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } والرضاع يختلف فيكون صبي أكثر رضاعا من صبي وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة ويختلف لبنها فيقل ويكثر فتجوز الإجارة على هذا لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا فتجوز الإجارات على خدمة العبد قياسا على هذا وتجوز في غيره مما يعرف الناس قياسا على هذا ( قال الشافعي ) وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون أمه كانت أمه متزوجة أو مطلقة وفي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث وذلك أن الأم وارثة وفرض النفقة والرضاع على الأب دونها ( قال الشافعي ) قال ابن عباس في قول الله عز وجل { وعلى الوارث مثل ذلك } من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها الرضاع .

( قال الشافعي ) وإذا وجب على الأب نفقة ولده في الحال التي لا يغني نفسه فيها فكان ذلك عندنا لأنه منه لا يجوز أن يضيع شيئا منه وكذلك إن كبر الولد زمنا لا يغني نفسه ولا عياله ولا حرفة له أنفق عليه الوالد وكذلك ولد الولد لأنهم ولد ويؤخذ بذلك الأجداد لأنهم آباء وكانت نفقة الوالد على الولد إذا صار الوالد في الحال التي لا يقدر على أن يغني فيها نفسه أوجب لأن الولد من الوالد وحق الوالد على الولد أعظم وكذلك الجد وأبو الجد وآباؤه فوقه وإن بعدوا لأنهم آباء قال وإذا كانت هند زوجة لأبي سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف فمثلها الرجل يكون له على الرجل الحق بأي وجه ما كان فيمنعه إياه فله أن يأخذ من ماله حيث وجده سرا وعلانية وكذلك حق ولده الصغار وحق من هو قيم بماله ممن توكله أو كفله قال وإن وجد الذي له الحق ماله بعينه كان له أخذه وإن لم يجده كان له أخذ مثله إن كان له مثل إن كان طعاما فطعام مثله وإن كان دراهم فدراهم مثلها وإن كان لا مثل له كانت له قيمة مثله دنانير أو دراهم كأن غصبه عبدا فلم يجده فله قيمته دنانير أو دراهم فإن لم يجد للذي غصبه دنانير ولا دراهم ووجد له عرضا كان له أن يبيع عرضه الذي وجد فيستوفي قيمة حقه ويرد إليه فضله إن كان فيما باع له وإن كان ببلد الأغلب به الدنانير باعه بدنانير وإن كان الأغلب به الدراهم باعه بالدراهم قال وإن غصبه ثوبا فلبسه حتى نقص ثمنه ، أو عبدا فاستخدمه حتى كسر ، أو أعور عنده أخذ ثوبه وعبده وأخذ من ماله قيمة ما نقص ثوبه وعبده على ما وصفنا .
نفقة المماليك ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن عبد الله عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق } ( قال الشافعي ) على مالك المملوك الذكر والأنثى البالغين إذا حبسهما في عمل له أن ينفق عليهما ويكسوهما بالمعروف وذلك نفقة رقيق بلدهما الشبع لأوساط [ ص: 109 ] الناس الذي تقوم به أبدانهم من أي الطعام كان حنطة أو شعيرا أو ذرة أو تمرا وكسوتهم كذلك مما يعرف أهل ذلك البلد أنه معروف صوف أو قطن أو كتان أي ذلك كان الأغلب بذلك البلد وكان لا يسمي ضيقا بموضعه ( قال الشافعي ) والجواري إذا كانت لهن فراهة وجمال فالمعروف أنهن يكسين أحسن من كسوة اللاتي دونهن ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن أبي خداش عن عتبة بن أبي لهب أنه سمع ابن عباس يقول في المملوكين " أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون " .

( قال الشافعي ) هذا كلام مجمل يجوز أن يكون على الجواب فسأل السائل عن مماليكه وهو إنما يأكل تمرا أو شعيرا أو أدنى ما يقدر عليه من الطعام ويلبس صوفا أو أدنى ما يقدر عليه من اللباس فقال " أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون " وكان أكثر حال الناس فيما مضى ضيقة وكان كثير ممن اتسعت حاله مقتصدا فهذا يستقيم قال والسائلون عرب ولبوس عامتهم وطعامهم خشن ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقارب فأما من لم تكن حاله هكذا وخالف معاش السلف والعرب وأكل رقيق الطعام ولبس جيد الثياب فلو آسى رقيقه كان أكرم وأحسن فإن لم يفعل فله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقته وكسوته بالمعروف والمعروف عندنا المعروف لمثله في بلده الذي به يكون ولو أن رجلا كان لبسه الوشي والخز والمروي والقصب وطعمته النقي وألوان لحم الدجاج والطير لم يكن عليه أن يطعم مماليكه ويكسوهم مثل ذلك فإن هذا ليس بالمعروف للمماليك ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه فليجلسه معه فإن أبى فليروغ له لقمة فليناوله إياها أو يعطه إياها أو كلمة هذا معناها } ( قال الشافعي ) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فليروغ له لقمة } كان هذا عندنا والله تعالى أعلم على وجهين : أحدهما وهو أولاهما بمعناها - والله تعالى أعلم - أن إجلاسه معه أفضل وإن لم يفعل فليس بواجب عليه أن يجلسه معه إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإلا فليروغ له لقمة } لأن إجلاسه لو كان واجبا عليه لم يجعل له أن يروغ له لقمة دون أن يجلسه معه أو يكون بالخيار بين أن يناوله أو يجلسه وقد يحتمل أن يكون أمر اختيار غير الحتم وتكون له نفقته بالمعروف كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحب له أكثر منها .

( قال الشافعي ) وهذا يدلك على ما وصفنا من تباين طعام المملوك وطعام سيده إذا أراد سيده طيب الطعام لا أدنى ما يكفيه فلو كان ممن يريد أدنى ما يكفيه أطعمه من طعامه قال والكسوة هكذا قال والمملوك الذي يلي طعام الرجل يخالف عندنا المملوك الذي لا يلي طعامه وينبغي لمالك المملوك الذي يلي طعامه أن يكون أقل ما يصنع به أن يناوله لقمة يأكلها مما يقرب إليه فإن المعروف لا يكون يرى طعاما قد ولي الغناء فيه ثم لا ينال منه شيئا يرد به شهوته وأقل ما ترد به شهوته لقمة فإن قال قائل كيف يكون هذا للمملوك الذي يلي الطعام دون غيره ؟ قيل لاختلاف حالهما لأن هذا ولي الطعام ورآه وغيره من المماليك لم يله ولم يره والسنة التي خصت هذا من المماليك دون غيره ( قال الشافعي ) وفي كتاب الله عز وجل ما يدل على ما يوافق بعض معنى هذا قال الله تبارك وتعالى { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } الآية فأمر الله عز وجل أن يرزق من القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة ولم يكن في الأمر في الآية أن يرزق من القسمة من مثلهم في القرابة واليتم والمسكنة ممن لم يحضر ولهذا أشباه وهي أن تضيف من جاءك ولا تضيف من لم يقصد قصدك ولو كان محتاجا إلا أن تتطوع وقال لي بعض أصحابنا قسمة الميراث وقال بعضهم قسمة الميراث وغيره من الغنائم فهذا أوسع وأحب إلي أن يعطوا ما طاب به نفس المعطي ولا يوقت ولا يحرمون .

( قال [ ص: 110 ] الشافعي ) ومعنى لا يكلف من العمل إلا ما يطيق يعني به والله تعالى أعلم إلا ما يطيق الدوام عليه ليس ما يطيقه يوما أو يومين أو ثلاثة ونحو ذلك ثم يعجز فيما بقي عليه وذلك أن العبد الجلد والأمة الجلدة قد يقويان على أن يمشيا ليلة حتى يصبحا وعامة يوم ، ثم يعجزان عن ذلك ويقويان على أن يعملا يوما وليلة ولا ينامان فيهما ثم يعجزان عن ذلك فيما يستقبلان والذي يلزم المملوك لسيده ما وصفنا من العمل الذي يقدر على الدوام عليه إن كان مسافرا فيمشي العقبة وركوب الأخرى والنوم إن قدر راكبا نام أكثر من ذلك وإن كان لا يقدر على النوم راكبا نام أكثر من ذلك في المنزل وإن كان عمله بالليل تركناه بالنهار للراحة وإن كان عمله بالنهار تركناه بالليل للراحة وإن كان في الشتاء عمل في السحر ومن أول الليل وإن كان في صيف يعمل ترك في القائلة . ووجه هذا كله في المملوك والمملوكة ما لا يضر بأبدانهما الضرر البين وما يعرف الناس أنهما يطيقان المداومة عليه ( قال الشافعي ) ومتى مرض واحد منهما فعليه نفقته في المرض ليس له استعماله إن كان لا يطيق العمل وإن عمي أو زمن أنفق عليه مولاه أيضا إلا أن يشاء يعتقه فإذا أعتقه فلا نفقة له عليه .
( قال الشافعي ) وأم الولد مملوكة يلزمه نفقتها وتخدمه وتعمل له ما تحسن وتطيق بالمعروف في منزله والمدبرة والمملوكة تعمل له في منزله أو خارجا عنه كما وصفنا من المملوكة غير المدبرة وينفق عليهن كلهن بالمعروف والمعروف ما وصفت وأي مملوك صار إلى أن لا يطيق العمل لم يكلفه وأنفق عليه ورضاع المملوك الصغير يلزم مولاه والمكاتب والمكاتبة مخالفان لمن سواهما لا يلزم مولاهما نفقة في مرض ولا غيره فإن مرضا وعجزا عن نفقة أنفسهما قيل لهما لكما شرطا كما في الكتابة فأنفقا على أنفسكما فإن زعمتما أنكما عاجزان عن تأدية الكتابة أبطلنا كتابتكما ورددناكما رقيقا كما نبطلها إذا عجزتما عن تأدية أرش جنايتكما قال وإذا كان لهما إذا هما عجزا أن يقولا لا نجد فيردان رقيقين كان لهما في المرض ما وصفت إن شاء الله تعالى لأن هذا دلالة على أن فسخ الكتابة إليهما دون من كاتبهما قال ولو كانا اثنين فعجز أحدهما أو مرض فقال قد عجزت بطلت كتابته وأنفق عليه وكان الذي لم يعجز عن الكتابة مكاتبا ويرفع عنه حصة العاجز من الكتابة .
( قال الشافعي ) وينفق الرجل على مماليكه الصغار وإن لم ينفعوه يجبر على ذلك قال ولو زوج رجل أم ولده فولدت أولادا أنفق عليهم كما ينفق على رقيقه حتى يعتقوا بعتق أمهم ، قال وإذا ضرب السيد على عبده خراجا فقال العبد لا أطيقه . قيل له أجره ممن شئت واجعل له نفقته وكسوته ولا يكلف خراجا وإن كانت أمة فكذلك غير أنه لا ينبغي أن يأخذ منها خراجا إلا أن تكون في عمل وأحب أن يمنعه الإمام من أخذ الخراج من الأمة إذا لم تكن في عمل وأحب كذلك يمنعه الخراج من العبد إن لم يكن يطيق الكسب صغيرا كان أو كبيرا ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان رضي الله تعالى عنه يقول في خطبته : " ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها " .
( قال الشافعي ) وإن كانت لرجل دابة في المصر أو شاة أو بعير علفه ما يقيمه فإن امتنع من ذلك أخذه السلطان بعلفه أو ببيعه فإن كانت ببادية فاتخذت الغنم أو الإبل أو البقر على المرعى فخلاها والرعي ولم يحبسها فأجدبت الأرض فأحب إلي لو علفها أو ذبحها أو باعها ولا يحبسها فتموت هزالا إن لم يكن في الأرض متعلق ويجبر عندي على بيعها أو ذبحها أو علفها فإن كان في الأرض متعلق لم يجبر عندي على بيعها ولا ذبحها ولا علفها لأنها على ما في الأرض تتخذ وليست كالدواب التي لا ترعى والأرض مخصبة إلا رعيا ضعيفا ولا تقوم للجدب قيام الرواعي ( قال الشافعي ) ولا تحلب أمهات النسل إلا فضلا عما يقيم أولادهن ، ولا يحلبها ويتركهن يمتن [ ص: 111 ] هزالا . قال وليس له أن يسترضع أمة فيمنع ولدها إلا يكون فيه فضل عن ريه أو يكون ولدها يغتذي بالطعام فيقيم بدنه فلا بأس أن يؤثر ولده باللبن إن اختاره على الطعام قال وفي كتاب الطلاق والنكاح نفقة المطلقة والزوجة وغير ذلك من النفقات مما يلزم .
الحجة على من خالفنا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقال بعض الناس قولنا فيمن كان له على رجل حق فلم يعطه إياه فإن له أن يأخذ منه حقه سرا ومكابرة إن غصبه دنانير أو دراهم أو ما يكال أو يوزن فوجد مثله أخذه فإن لم يجد مثله لم يكن له أن يبيع من عرضه شيئا فيستوفي حقه وذلك أن صاحب السلعة الذي وجب عليه الحق لم يرض بأن يبيع ماله فلا ينبغي لهذا أن يكون أمين نفسه ( قال الشافعي ) أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال هو إذا غصبه دراهم فاستهلكها فأمرته أن يأخذ دراهم غيرها وإنما جعلت هذه الدراهم بدلا من تلك القيمة لأنه لو غصبه سودا لم تأمره أن يأخذ وضحا لأن الوضح أكثر قيمة من السود فقد جعلت له البدل بالقيمة والقيمة بيع فإن قال هذه دراهم مثل القيمة قلنا وما مثل ؟ قال لا يجوز الفضل في بعضها على بعض قلنا فإن كنت من هذا الوجه أجزته فقل له يأخذ مكان السود وضحا وهي لا يحل الفضل في بعضها على بعض قال لا لأنها وإن لم يحل الفضل في بعضها على بعض فهي أكثر قيمة من الدنانير قلنا فحجتك لأن الفضل في بعضها على بعض لا يحل كانت خطأ لأنه إنما صرت إلى أن تعطيه دراهم بقيمة ما أخذ من الدراهم وهذا بيع فكيف لم تجز أن يأخذ دنانير بقيمة الدراهم وإنما إلى القيمة ذهبت وكيف لم تجز له أن يبيع من عرضه فيأخذ مثل دراهمه والعرض يحل بالدراهم وفيه تغابن فما حجتك على أحد إن عارضك بمثل هذا القول ؟ فقال لا يجوز له أن يأخذ إلا ما أخذ منه لأنك تعلم أنه إذا أخذ غير ما أخذ منه فإنما يأخذ بدلا والبدل بقيمة ولا يجوز له أن يكون أمين نفسه في مال غيره وأنت تقول في أكثر العلم لا يكون أمين نفسه ( قال الشافعي ) فقال فما تقول أنت ؟ قلت أقول : إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع أكثر من حفظت عنه من أهل العلم قبلنا يدل على أن كل من كان له حق على أحد منعه إياه فله أخذه منه وقد يحتمل أن يكون ما أدخل أبو سفيان على هند مما أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف منه ذهبا وفضة لا طعاما ويحتمل لو كان طعاما أن يكون أرفع مما يفرض لها وبين أن لها أن تأخذ بالمعروف مثل ما كان فارضا لها لا أرفع ولا أكثر منه ويحتمل لو كان مثل ما يفرض لها ليس أكثر منه أن تكون إنما أخذته بدلا مما يفرض لها مثله لأنه قد كان لأبي سفيان حبس ذلك الطعام عنها وإعطاؤها غيره لأن حقها ليس في طعام بعينه إنما هو طعام نصفه كطعام الناس وأدم كأدم الناس لا في أرفع الطعام بعينه ولا الآدم ولا في شرهما وهي إذا أخذت من هذا فإنما تأخذ بدلا مما يجب لها ولولدها والبدل هو القيمة والقيمة تقوم مقام البيع وهي إذا أخذت لنفسها وولدها فقد جعلها أمين نفسها وولدها وأباح لها أخذ حقها وحقهم سرا من أبي سفيان وهو مالك المال ( قال الشافعي ) فقلت له أما في هذا ما دلك على أن للمرء أن يأخذ لنفسه مثل ما كان على الذي عليه الحق أن يعطيه ومثل ما كان على السلطان إذا ثبت الحق عنده أن يأخذه به قال وأين ؟ قلت له أرأيت السلطان لو لم يجد للمغتصب سلعته بعينها أليس يقضي على الغاصب بأن يعطيه قيمتها ؟ قال بلى قلت إن لم يعطه سلعته بعينها باع السلطان عليه في ماله [ ص: 112 ] حتى يعطي المغصوب قيمة سلعته ؟ قال بلى فقيل له إذا كانت السنة تبيح لمن له الحق أن يأخذ حقه دون السلطان كما كان للسلطان أن يأخذه لو ثبت عنده فكيف لا يكون للمرء إذا لم يجد حقه أن يبيع في مال من له عليه الحق حتى يأخذ حقه ؟ قال للسلطان أن يبيع وليس لهذا أن يبيع قلنا ومن قال ليس له أن يبيع ؟ أرأيت إذا قيل لك ولا له أن يأخذ مال غيره إلا بإذن السلطان ما حجتك ؟ أو رأيت السلطان لو باع لرجل من مال رجل والرجل يعلم أن لا حق له على المبيع عليه أيحل له أن يأخذ ما باع له السلطان ؟ قال لا قلنا فنراك إنما تجعل أن يأخذ بعلمه لا بالسلطان وما للسلطان في هذا معنى أكثر من أن يكون كالمفتي يخبر بالحق لبعض الناس على بعض ويجبر من امتنع من الحق على تأديته وما يحل السلطان شيئا ولا يحرمه ما الحلال وما الحرام إلا على ما يعلم الناس فيما بينهم قال أجل قلنا فلم جمعت بين الرجل يكون له الحق فيأخذ حقه دون السلطان ويكره الذي عليه الحق وجعلته أمين نفسه فيه وفرقت بينه وبين السلطان في البيع من مال الذي عليه الحق أقلت هذا خبرا أم قياسا ؟ قال قال أصحابنا يقبح أن يبيع مال غيره قلت ليس في هذا شيء لو قبح إلا وقد شركت فيه بأنك تجعله يأخذ مثل عين ماله وذلك قيمته والقيمة بيع وتخالف معنى السنة في هذا الموضع وتجامعها في موضع غيره قال هكذا أصحابنا قلت فترضى من غيرك بمثل هذا فيقول لك من خالفك هكذا قال أصحابنا ؟ قال ليس له في هذا حجة قلنا ولا لك أيضا فيه حجة فقال إنه يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك } فما معنى هذا ؟ قلنا ليس هذا بثابت عند أهل الحديث منكم ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة علينا ولو كانت كانت عليك معنا قال وكيف ؟ قلت قال الله عز وجل { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } فتأدية الأمانة فرض والخيانة محرمة وليس من أخذ حقه بخائن قال أفلا تراه إذا غصب دنانير فباع ثيابا بدنانير فقد خان لأن الثياب غير الدنانير ؟ قلت إن الحقوق تؤخذ بوجوه منها أن يوجد الشيء المغصوب بعينه فيؤخذ فإن لم يكن فمثله فإن لم يكن بيع على الغاصب فأخذ منه مثل ما غصب بقيمته ولو كان إذا خان دنانير فبيعت عليه جارية بدنانير فدفعت إلى المغصوب كان ذلك خيانة لم يحل للسلطان أن يجوز ولا يكاثر على ما يعلم أنه لا يحل له وكان على السلطان إن وجد له دنانيره بعينها أعطاه إياها وإلا لم يعطه دنانير غيرها لأنها ليست بالذي غصب ولا يبيع له جارية فيعطيه قيمتها وصاحب الجارية لا يرضى قال أفرأيت لو كان ثابتا ما معناه ؟ قلنا إذا دلت السنة واجتماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقه لنفسه سرا من الذي هو عليه فقد دل ذلك أن ليس بخيانة ، الخيانة أخذ ما لا يحل أخذه فلو خانني درهما قلت قد استحل خيانتي لم يكن لي أن آخذ منه عشرة دراهم مكافأة بخيانته لي وكان لي أن آخذ درهما ولا أكون بهذا خائنا ولا ظالما كما كنت خائنا ظالما بأخذ تسعة مع درهم لأنه لم يخنها ( قال الشافعي ) ولا تعدو الخيانة المحرمة أن تكون كما وصفنا من أن يأخذ من مال الرجل بغير حق وهي كذلك إن شاء الله تعالى والسنة دليل عليها أو تكون لو كان له حق لم يكن له أن يأخذه بغير أمره وهذا خلاف السنة فإن كان هذا هكذا فقد أمروا رجلا أن يأخذ حقه والبدل من حقه بغير أمر من أخذ منه سرا ومكابرة ( قال الشافعي ) وخالفنا أيضا في النفقة فقال إذا مات الأب أنفق على الصغير كل ذي رحم يحرم عليه نكاحه من رجل أو امرأة قلت له فما حجتك في هذا ؟ قال قول الله تبارك وتعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن } إلى قوله { وعلى الوارث مثل ذلك } ( قال الشافعي ) قلت له أكان على الوارث مثل ذلك عندك على جميع ما فرض الله تبارك وتعالى على الأب ، والوارث يقوم في [ ص: 113 ] ذلك مقام الأب ؟ قال نعم فقلت أوجدت الأب ينفق ويسترضع المولود وأمه وارث لا شيء عليها من ذلك ؟ قال نعم قلت أفيكون وارث غير أمه يقوم مقام أبيه فينفق على أمه إذا أرضعته وعلى الصبي ؟ قال لا ولكن الأم تنفق عليه مع الوارث قلنا فأول ما تأولت تركت قال فإن أقول على الوارث مثل ذلك بعد موت الأب هي في الآية ذلك بعد موت الأب قال لا يكون له وارث وأبوه حي قلنا بلى أمه وقد يكون زمنا مولودا فيرثه ولده لو مات ويكون على أبيه عندك نفقته فقد خرجت مما تأولت ( قال الشافعي ) فقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت يتيما له أخ فقير وجد أبو أم غني على من نفقته ؟ قال على جده قلنا ولمن ميراثه ؟ قال لأخيه قلنا أرأيت يتيما له خال وابن عم غنيان لو مات اليتيم لمن ميراثه ؟ قال لابن عمه فقلت فقبل أن يموت على من نفقته ؟ قال على خاله فقلت لبعضهم أرأيت يتيما له أخ لأبيه وأمه وهو فقير وله ابن أخ غني لمن ميراثه ؟ قال للأخ فقلت فعلى من نفقته ؟ قال على ابن أخيه قلت فقد جعلت النفقة على غير وارث وكل ما لزم أحدا لم يتحول عنه لفقر ولا غيره فإن كانت الآية على ما وصفت فقد خالفتها فأبرأت الوارث من النفقة وجعلتها على غير الوارث قال إنما جعلتها على ذي الرحم المحرم إن كان وارثا قلنا وقد تجعلها على الخال وهو غير وارث فتخالف الآية فيه خلافا بينا أو تجد في الآية أنه إنما عنى بها الرحم المحرم أو تجد أحدا من السلف فسرها كذلك ؟ قال هي هكذا عندنا قلت أفرأيت إن عارضك أحد بمثل حجتك فقال إذا جاز أن تجعلها على بعض الوارثين دون بعض قلت أجبره على نفقة ذي الرحم غير المحرم لأن أجبره على نفقة الجارية وهو يحل له نكاحها فيكون يوما فيها له منفعة وسرور وعلى نفقة الغلام وهو يحل له أن ينكح إليه أو ينكح المرأة التي ينفق عليها فيكون له في ذلك منفعة وسرور أجوز من أن أجبره على نفقة من يحرم عليه نكاحه لأنه لا يستمتع أحدهما بالآخر بما يستمتع به الرجال من النساء والنساء من الرجال ما حجتك عليه ؟ ما أعلم أحدا لو قال هذا إلا أحسن قولا منك قال لأن الذي يحرم نكاحه أقرب قلنا قد يحرم نكاح من لا قرابة له قال وأين ؟ قلنا أم امرأتك وامرأة أبيك وامرأة تلاعنها وامرأتك تبت طلاقها وكل من بينك وبينه رضاع قال ليس هؤلاء وارثا قلنا أو ليس قد فرضت النفقة على غير الوارث ؟ فإن قال قائل فإنا قد روينا من حديثكم أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أجبر عصبة غلام على رضاعه الرجال دون النساء قلنا أفتأخذ بهذا ؟ قال نعم قلت أفتخص العصبة وهم الأعمام وبنو الأعمام والقرابة من قبل الأب ؟ قال لا إلا أن يكونوا ذوي رحم محرم قلنا فالحجة عليك في هذا كالحجة عليك فيما احتججت به من القرآن وقد خالفت هذا قد يكون له بنو عم فيكونون له عصبة وورثة ولا تجعل عليهم النفقة وهم العصبة الورثة وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعا ( قال الشافعي ) فقال لي قائل قد خالفتم هذا أيضا قلنا أما الأثر عن عمر فنحن أعلم به منك ليس تعرفه ولو كان ثابتا لم يخالفه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فكان يقول { وعلى الوارث مثل ذلك } على الوارث أن { لا تضار والدة بولدها } وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أعلم بمعنى كتاب الله عز وجل منا والآية محتملة على ما قال ابن عباس وذلك أن في فرضها على الوارث والأم حية دلالة على أن النفقة ليست على الميراث لأنها لو كانت على الميراث كان على الأب ثلثاها وسقط عنه ثلثها لأنه حظ الأم ولو استرضع المولود غير الأم كان على الأب ثلثا الرضاع وعلى الأم ثلثه وإن كانت الأم خرجت من هذا المعنى أو جعلت فيه كالمستأجرة غيرها فكان ينبغي لو مات الأب أن [ ص: 114 ]



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #204  
قديم 19-12-2022, 03:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (204)
صــــــــــ 114 الى صـــــــــــ 121


يقوم الوارث مقام الأب فينفق على الأم إذا أرضعته فلا يكون على الأم من رضاعه شيء لو استرضعته أخرى وقد فرض الله عز وجل نفقة المطلقات ذوات الأحمال وجاءت السنة من ذلك بنفقة وغرامات تلزم الناس ليس فيها أن يلزم الوارث نفقة الصبي وكل امرئ مالك لماله وإنما لزمه فيه ما لزمه في كتاب أو سنة أو أثر أو أمر مجمع عليه فأما أن نلزمه في ماله ما ليس في واحد من هذا فلا يجوز لنا فإن كان التأويل كما وصفنا فنحن لم نخالف منه حرفا وإن كان كما وصفت فقد خالفته خلافا بينا .
جماع عشرة النساء

أخبرنا أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق بقراءتي عليه قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف } الآية وقال عز وجل { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال عز وجل { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } وقال جل وعلا { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } فجعل الله للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج حقوقا بينها في كتابه وعلى لسان نبيه مفسرة ومجملة ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم وقد وضعنا بعض ما حضرنا منها في مواضعه ، والله نسأل الرشد والتوفيق وأقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف أن يؤدي الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة وكسوة وترك ميل ظاهر فإنه يقول جل وعز { فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة } وجماع المعروف إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه وكف المكروه .
النفقة على النساء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } إلى { تعولوا } وقول الله { ذلك أدنى أن لا تعولوا } يدل - والله أعلم - أن على الرجل نفقة امرأته ، وقوله { أن لا تعولوا } أن لا يكثر من تعولون إذا اقتصر المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها وقال الله عز وجل { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله { إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي منه إلا ما يدخل علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذ ما يكفيك وولدك بالمعروف } أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال أنفقه على نفسك قال عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على أهلك قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم } قال سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يقول ولدك أنفق [ ص: 115 ] علي إلى من تكلني ؟ وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني .

( قال الشافعي ) فبهذا نأخذ قلنا على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف والمعروف نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه برا كان أو شعيرا أو ذرة لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك لقول الله عز وجل { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن وأبان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فإن فرض الله عليهم نفقة أزواجهم فعجزوا عنها لم يجبرن على المقام معهم مع العجز عما لا غنى بهن عنه من النفقة والكسوة قال وبالاستدلال قلنا إذا عجز الرجل عن نفقة امرأته فرق بينهما وقلنا يجب على الرجل نفقة امرأته إذا ملك عقدة نكاحها وخلت بينه وبين الدخول عليها فأخر ذلك هو ونفقتها مطلقة طلاقا يملك الرجعة حتى تنقضي عدتها وإن كان مثلها لا يخدم نفسها وجبت عليه نفقة خادم لها وإذا دخل بها فغاب عنها قضى لها بنفقتها في ماله فإن لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم وتصادقا على أنه لم ينفق عليها في غيبته حكم السلطان عليه بنفقتها في الشهور التي مضت وكذلك إن كانت زوجته حرة ذمية وإن كانت عليه ديون ضربت زوجته مع الغرماء بالنفقة الماضية المدة التي حبسها لأنه حق لها .
الخلاف في نفقة المرأة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال بعض الناس ليس على الرجل نفقة امرأته حتى يدخل بها وإذا غاب عنها وجب على السلطان إن طلبت نفقتها أن يعطيها من ماله وإن لم يجد له مالا فرض عليه لها نفقة وكانت دينا عليه وإن لم تطلب ذلك حتى يمضي لها زمان ثم طلبته فرض لها من يوم طلبته ولم يجعل لها نفقة في المدة التي لم تطلب فيها النفقة وإن عجز عن نفقتها لم يفرق بينهما وعليه نفقتها إذا طلقها ملك رجعتها أو لم يملكها ( قال الشافعي ) وقال لي كيف قلت في الرجل يعجز عن نفقة امرأته يفرق بينهما ؟ قلت لما كان من فرض الله على الزوج نفقة المرأة ومضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار والاستدلال بالسنة لم يكن له والله أعلم حبسها على نفسه يستمتع بها ومنعها عن غيره تستغني به وهو مانع لها فرضا عليه عاجزا عن تأديته وكان حبس النفقة والكسوة يأتي على نفسها فتموت جوعا وعطشا وعريا قال فأين الدلالة على التفريق بينهما ؟ قلت قال أبو هريرة : { إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزوج بالنفقة على أهله } وقال أبو هريرة تقول امرأتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني ( قال الشافعي ) قال فهذا بيان أن عليه طلاقها قلت أما بنص فلا وأما بالاستدلال فهو يشبه والله أعلم وقلت له تقول في خادم له لا عمل فيها بزمانة عجز عن نفقتها ؟ قال نبيعها عليه قلت فإذا صنعت هذا في ملكه كيف لا تصنعه في امرأته التي ليست بملك له ؟ قال فهل من شيء أبين من هذا ؟ قلت أخبرنا سفيان عن أبي الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته . قال يفرق بينهما قال أبو الزناد قلت سنة ؟ قال سعيد سنة والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا فقال أرأيت إن لم يكن في الكتاب ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منصوصا التفريق بينهما هل بينه وبين ما منعها من حقوقها التي لا تفرق [ ص: 116 ] بينها وبينه إذا منعها فرق مثل نشوز الرجل ومثل تركه القسم لها من غير إيلاء ؟ فقلت له نعم ليس في فقد الجماع أكثر من فقد لذة وولدة وذلك لا يتلف نفسها وترك النفقة والكسوة يأتيان على إتلاف نفسها وقد وجدت الله عز وجل أباح في الضرورة من المأكول ما حرم من الميتة والدم وغيرهما منعا للنفس من التلف ووضع الكفر عن المستكره للضرورة التي تدفع عن نفسه ولا أجده أباح للمرأة ولا للرجل في الشهوة للجماع شيئا مما حرم الله عليهما وأنت تزعم أن الرجل إذا عجز عن إصابة امرأته وإن كان يصيب غيرها أجل سنة ثم يفرق بينهما إن شاءت قال هذا رواية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت فإن كانت الحجة فيه الرواية عن عمر فإن قضاء عمر بأن يفرق بين الزوج وامرأته إذا لم ينفق عليها أثبت عنه فكيف رددت إحدى قضايا عمر في التفريق بينهما ولم يخالفه فيه أحد علمته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلت قضاءه في العنين وأنت تزعم أن عليا رضي الله عنه يخالفه ؟ فقال قبلته لأن الجماع من حقوق العقدة قلت له أفكما يجامع الناس أو جماع مرة واحدة ؟ قال كما يجامع الناس قلت فأنت إذا جامع مرة واحدة لم تفرق بينهما قال من أجل أنه ليس بعنين قلت فكيف يجامع غيرها ولا يكون عنينا وتؤجله سنة ؟ قال إن أداء الحق إلى غيرها غير مخرج له من حقها قلت فإذا كنت تفرق بينهما بأن حقا عليه جماعها ورضيت منه في عمره أن يجامع مرة واحدة فحقها عليه في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والآثار في نفقتها واجب قال نعم قلت فلم أقررتها معه بفقد حقين في النفقة والكسوة وفقدهما يأتي على إتلافها لأن الجوع والعطش في أيام يسيرة يقتلانها والعري يقتلها في الحر والبرد وأنت تقول لو أنفق عليها دهره ثم ترك يوما أخذته بنفقتها لأنه يجب لها في كل يوم نفقة وفرقت بينهما بفقد الجماع الذي تخرجه منه في عمرها بجماع مرة واحدة فقد فرقت بينهما بأصغر الضررين وأقررتها معه على أعظم الضررين ثم زعمت أنها متى طلبت نفقتها من ماله غائبا كان أو حاضرا فرضتها عليه وجعلتها دينا في ذمته كحقوق الناس وإن كفت عن طلب نفقتها أو هرب فلم تجده ولا مال له ثم جاء لم تأخذه بنفقتها فيما مضى ، هل رأيت مالا قط يلزم الوالي أخذه لصاحبه حاضرا أو غائبا فيترك من هو له طلبه أو يطلبه فيهرب صاحبه فيبطل عنه ؟ ( قال ) فيفحش عندي أن يكون الله أحل لرجل فرجا فأحرمه عليه بلا إحداث طلاق منه قلت له أفرأيت أحد الزوجين يرتد أهو قول الزوج أنت طالق فأنت تفرق بينهما ؟ أرأيت الأمة تعتق أهو قول الزوج أنت طالق ؟ فأنت تفرق بينهما إن شاءت الأمة أو رأيت المولى أهو طلق ؟ أرأيت الرجل يعجز عن إصابة امرأته أهو طلق فأنت تفرق في هذا كله قال أما المولى فاستدللنا بالكتاب وأما ما سواه بالسنة والأثر عن عمر قلت فحجتك بأنه يقبح أن يفرق بغير طلاق يحدثه الزوج لا حجة لك عليه وغير حجة على غيرك ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلت له فكيف زعمت أنه لا يجب على الرجل نفقة امرأته إلا بالدخول وإن خلت بينه وبين نفسها ؟ قال لأنه لم يستمتع منها بجماع قلت أفرأيت إذا غاب أو مرض أيستمتع منها بجماع ؟ قال لا ولكنها محبوسة عليه قلت أفتجدها مملكة محبوسة عليه ؟ قال نعم قلت ويجب بينهما الميراث ؟ قال نعم قلت وإن كانت النفقة للحبس فهي محبوسة وإن كانت للجماع فالمريض والغائب لا يجامعان في حالهما تلك فأسقط لذلك النفقة . قال إذا كان مثلها يجامع وخلت بينه وبين نفسها وجبت لها النفقة قلت له لم أوجبت لها النفقة في العدة وقد طلقت ثلاثا وهي غير حامل فخالفت الاستدلال بالكتاب ونص السنة ؟ قال وأين الدلالة بالكتاب ؟ فقلت له قال الله عز وجل في المطلقات { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فاستدللنا على أن لا فرض في الكتاب لمطلقة مالكة لأمرها غير حامل قال فإنه قد ذكر [ ص: 117 ] المطلقات مرسلات لم يخصص واحدة دون الأخرى وإن كان كما تقول ففيه دلالة على أن لا نفقة لمطلقة وإن كان زوجها يملك الرجعة وما مبتدأ السورة إلا على المطلقة للعدة قلت له : قد يطلق للعدة ثلاثا قال فلو كان كما تقول ما كانت الدلالة على أنه أراد بمنع النفقة المبتوتة دون التي له رجعة عليها قلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبت أن الممنوعة من النفقة المبتوتة بجميع الطلاق دون التي لزوجها عليها الرجعة ولو لم تدل السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فكانت الآية تأمر بنفقة الحامل وقد ذكر المطلقات فيها دلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون المطلقات سواها فلم يجز أن ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات فينفق عليها بالإجماع دون غيرها قال فلم لا تكون المبتوتة قياسا عليها ؟ قلت أرأيت التي يملك زوجها رجعتها في عدتها أليس يملك عليها أمرها إن شاء ويقع عليها إيلاؤه وظهاره ولعانه ويتوارثان قال بلى قلت أفهذه في معاني الأزواج في أكثر أمرها ؟ قال نعم قلت أفتجد كذلك المبتوتة بجميع طلاقها ؟ قال لا قلت فكيف تقيس مطلقة بالتي تخالفها ؟ وقلت له أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته ثم قال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا فاغتبطت به } قال فإنكم تركتم من حديث فاطمة شيئا قالت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا سكنى لك ولا نفقة " فقلت له ما تركنا من حديث فاطمة حرفا قال إنما حدثنا عنها أنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا سكنى لك ولا نفقة } فقلت لكنا لم نحدث هذا عنها ولو كان ما حدثتم عنها كما حدثتم كان على ما قلنا وعلى خلاف ما قلتم قال وكيف ؟ قلت أما حديثنا فصحيح على وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا نفقة لك عليهم } وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ولو كان في حديثها إحلاله لها أن تعتد حيث شاءت لم يحظر عليها أن تعتد حيث شاءت قال كيف أخرجها من بيت زوجها وأمرها أن تعتد في غيره ؟ قلت لعلة لم تذكرها فاطمة في الحديث كأنها استحيت من ذكرها وقد ذكرها غيرها قال وما هي ؟ قلت كان في لسانها ذرب فاستطالت على أحمائها استطالة تفاحشت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم فقال هل من دليل على ما قلت قلت نعم من الكتاب والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلم بها قال فاذكرها قلت قال الله تبارك وتعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } الآية وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن عباس في قوله تعالى { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قال أن تبذو على أهل زوجها فإن بذت فقد حل إخراجها قال هذا تأويل قد يحتمل ما قال ابن عباس ويحتمل غيره أن تكون الفاحشة خروجها وأن تكون الفاحشة أن تخرج للحد قال فقلت له فإذا احتملت الآية ما وصفت فأي المعاني أولى بها ؟ قال معنى ما وافقته السنة فقلت فقد ذكرت لك السنة في فاطمة فأوجدتك ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم . .
[ ص: 118 ] القسم للنساء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال تبارك وتعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا } الآية فقال بعض أهل العلم بالتفسير لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما في القلوب فإن الله عز وجل وعلا تجاوز للعباد عما في القلوب فلا تميلوا تتبعوا أهواءكم كل الميل بالفعل مع الهوى وهذا يشبه ما قال والله أعلم ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عوام علماء المسلمين على أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه فدل ذلك على أنه إنما أريد به ما في القلوب مما قد تجاوز الله للعباد عنه فما هو أعظم من الميل على النساء والله أعلم والحرائر المسلمات والذميات إذا اجتمعن عند الرجل في القسم سواء والقسم هو الليل يبيت عند كل واحدة منهن ليلتها ونحب لو أوى عندها نهاره فإن كانت عنده أمة مع حرة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة قال وإن هربت منه حرة أو أغلقت دونه أمة أو حبس الأمة أهلها سقط حقها من القسم حتى تعود الحرة إلى طاعة الله في الرجوع عن الهرب والأمة لأن امتناعهما مما يجب عليهما في هذه الحال قطع حق أنفسهما ويبيت عند المريضة التي لا جماع فيها والحائض والنفساء لأن مبيته سكن إلف وإن لم يكن جماع أو أمر تحبه المرأة وترى الغضاضة عليها في تركه .

أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض عن تسع نسوة وكان يقسم منهن لثمان } ( قال الشافعي ) رحمه الله : التاسعة التي لم يكن يقسم لها سودة وهبت يومها لعائشة . أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة .
الحال التي يختلف فيها حال النساء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا نكح الرجل امرأة فبنى بها فحالها غير حال من عنده فإن كانت بكرا كان له أن يقيم عندها سبعة أيام وإن كانت ثيبا كان له أن يقيم عندها ثلاثة أيام ولياليهن ثم يبتدئ القسمة لنسائه فتكون واحدة منهن بعد مضي أيامها ليس له أن يفضلها عليهن . أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي بكر بن عبد الرحمن { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة فأصبحت عنده قال لها ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت قالت ثلث } أخبرنا ابن أبي الرواد عن ابن جريج عن أبي بكر بن عبد الرحمن { عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها فساق نكاحها وبناءه بها وقوله لها إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن } أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال للبكر سبع وللثيب ثلاث .

( قال الشافعي ) رحمه الله : وبهذا نأخذ وإن قسم أياما لكل امرأة بعد مضي سبع البكر وثلاث الثيب فجائز إذا أوفى كل واحدة منهن عدد الأيام التي أقام عند غيرها .
[ ص: 119 ] الخلاف في القسم للبكر وللثيب

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في القسم للبكر والثيب وقال يقسم لهما إذا دخلا كما يقسم لغيرهما لا يقام عند واحدة منهما شيء إلا أقيم عند الأخرى مثله فقلت له قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } أفتجد السبيل إلى علم ما فرض الله جملة أنها أثبت وأقوم في الحجة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لا فذكرت له حديث أم سلمة قال فهي بيني وبينك أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت ؟ } قلت نعم قال فلم يعطها في السبع شيئا إلا أعلمها أنه يعطي غيرها مثله فقلت له : إنها كانت ثيبا فلم يكن لها إلا ثلاث فقال لها إن أردت حق البكر وهو أعلى حقوق النساء وأشرفه عندهن بعفوك حقك إذا لم تكوني بكرا فيكون لك سبع فعلت وإن لم تريدي عفوه وأردت حقك فهو ثلاث قال فهل له وجه غيره ؟ قلت لا إنما يخبر من له حق يشركه فيه غيره من أن ينزل من حقه فقلت له يلزمك أن تقول مثل ما قلنا لأنك زعمت أنك لا تخالف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يخالفه مثله ولا نعلم مخالفا له والسنة ألزم لك من قوله فتركتها وقوله .
قسم النساء إذا حضر السفر

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها } وبهذا أقول إذا حضر سفر المرء وله نسوة فأراد إخراج واحدة للتخفيف من مؤنة الجميع والاستغناء بها فحقهن في الخروج معه سواء فيقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها للخروج خرج بها فإذا حضر قسم بينها وبينهن ولم يحسب عليها الأيام التي غاب بها ( قال الشافعي ) رحمه الله وقد ذكر الله جل وعز القرعة في كتابه في موضعين فكان ذكرها موافقا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى { وإن يونس لمن المرسلين } إلى { المدحضين } وقال { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } الآية ( قال الشافعي ) رحمه الله وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس فقالوا إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقي فخرج سهم يونس فألقي فالتقمه الحوت كما قال الله تبارك وتعالى ثم تداركه بعفوه جل وعز فأما مريم فلا يعدو الملقون لأقلامهم يقترعون عليها أن يكونوا سواء في كفالتها لأنه إنما يقارع من يدلي بحق فيما يقارع ولا يعدون إذا كان أرفق بها وأجمل في أمرها أن تكون عند واحد لا يتداولها كلهم مدة مدة ويكونوا يقسموا كفالتها فهذا أشبه معناها عندنا والله أعلم فاقترعوا أيهم يتولى كفالتها دون صاحبه أو تكون يدافعوها لئلا يلزم كفالتها واحدا دون أصحابه وأيهما كان فقد اقترعوا لينفرد بكفالتها ويخلو منها من بقي .

( قال الشافعي ) رحمه الله فلما كان المعروف لنساء الرافق بالنساء أن يخرج بواحدة منهن فهن في مثل هذا المعنى ذوات الحق كلهن فإذا خرج سهم واحدة كان السفر لها دونهن وكان هذا في معنى القرعة في مريم وقرعة يونس حين استوت الحقوق أقرع لتنفرد واحدة دون الجميع .
[ ص: 120 ] الخلاف في القسم في السفر ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فخالفنا بعض الناس في السفر وقال : هو والحضر سواء وإذا أقرع فخرج واحدة ثم قدم قسم لكل واحدة منهن من عدد الأيام بمثل ما غاب بالتي خرج بها فقلت له أيكون للمرء أن يخرج بامرأة بلا قرعة ويفعل ذلك في الحضر فيقيم معها أياما ثم يقسم للنسوة سواها بعدد تلك الأيام ؟ قال نعم قلت له فما معنى القرعة إذا أوفى كل واحدة منهن مثل عدد الأيام التي غاب بالتي خرجت قرعتها وكان له إخراجها بغير قرعة أنت رجل خالفت الحديث فأردت التشبيه على من سمعك بخلافه فلم يخف خلافك علينا ولا أراه يخفى على عالم ؟ قال فرق بين السفر والحضر قلت فرق الله بينهما في قصر الصلاة في السفر ووضع الصوم فيه إلى أن يقضي وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع في السفر فصلى حيث توجهت به راحلته راكبا وجمع فيه بين الصلاة ورخص الله فيه في التيمم بدلا من الماء أفرأيت لو عارضك معارض في القبلة فقال قد أمر الله تبارك وتعالى بالتوجه إلى البيت والنافلة والفرض في ذلك سواء عندك بالأرض مسافرا كان صاحبها أو مقيما فكيف قلت للراكب صل إن شئت إلى غير القبلة ؟ قال أقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير القبلة قلت فنقول لك فلا قول ولا قياس مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت ولا فرق بينه وبين مثله قال لا وهذا لا يكون إلا من جاهل قلنا فكيف كان هذا منك في القرعة في السفر ؟ قال إني قلت لعله قسم ؟ قلت فإن قال لك قائل فلعل الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى قبل المشرق في السفر قاله في سفر إذا استقبل فيه المشرق فكانت قبلته قال لا تخفى عليه القبلة وهو لا يقول صلى نحو المشرق إلا وهو خلاف القبلة قلت فهو إذا أقرع لم يقسم بعدد الأيام التي غاب بالتي خرجت قرعتها .
نشوز الرجل على امرأته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { الرجال قوامون على النساء } إلى قوله { سبيلا } ( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله عز وجل { واللاتي تخافون نشوزهن } يحتمل إذا رأى الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز فكان للخوف موضع أن يعظها فإن أبدت نشوزا هجرها فإن أقامت عليه ضربها وذلك أن العظة مباحة قبل الفعل المكروه إذا رئيت أسبابه وأن لا مؤنة فيها عليها تضربها وأن العظة غير محرمة من المرء لأخيه فكيف لامرأته ؟ والهجرة لا تكون إلا بما يحل به الهجرة لأن الهجرة محرمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل فالآية في العظة والهجرة والضرب على بيان الفعل تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب من العظة والهجرة والضرب مختلفة فإذا اختلفت فلا يشبه معناها إلا ما وصفت ( قال الشافعي ) رحمة الله عليه وقد يحتمل قوله { تخافون نشوزهن } إذا نشزن فخفتم لحاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب ( قال ) وإذا رجعت الناشز عن النشوز لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها لأنه إنما أبيحا له بالنشوز فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذي أبيحا له به ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإنما قلنا لا يقسم للمرأة الممتنعة من زوجها المتغيبة عنه بإذن الله لزوجها بهجرتها في المضجع [ ص: 121 ] وهجرتها فيه اجتنابها بها لم تحرم والله أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تضربوا إماء الله قال فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد أطاف الليلة بآل محمد نساء كثير أو قال سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن فلا تجدون أولئك خياركم } ( قال الشافعي ) رحمه الله فجعل لهم الضرب وجعل لهم العفو وأخبر أن الخيار ترك الضرب إذا لم يكن لله عليها حد على الوالي أخذه وأجاز العفو عنها في غير حد في الخير الذي تركت حظها وعصت ربها ( قال الشافعي ) رحمه الله وقول الله تبارك وتعالى { وللرجال عليهن درجة } هما مما وصف الله وذكرنا من أن له عليها في بعض الأمور ما ليس لها عليه ولها في بعض الأمور عليه ما ليس له عليها من حمل مؤنتها وما أشبه ذلك .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #205  
قديم 19-12-2022, 03:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (205)
صــــــــــ 122 الى صـــــــــــ 129


ما لا يحل أن يؤخذ من المرأة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى ذكره { وعاشروهن بالمعروف } إلى قوله { ميثاقا غليظا } ففرض الله عشرتها بالمعروف وقال عز وجل { فإن كرهتموهن } فدل على أنه أباح حبسها مكروهة واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف لا أنه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف ثم قال { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } الآية فاعلم أنه إذا كان الأخذ من الزوج من غير أمر من المرأة في نفسها ولا عشرتها ولم تطب نفسا بترك حقها في القسم لها وماله فليس له منعها حقها ولا حبسها إلا بمعروف وأول المعروف تأدية الحق وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها لأن الله تبارك وتعالى إنما أذن بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها فقال { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } إلى قوله { مريئا } وقال { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } الآية وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت قول الله تعالى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } حظر لأخذه إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء وهو الدخول فيأخذ نصفه بما جعل له وأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال وليس بحظر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قبلها وذلك أنه إنما حظر أخذه إذا كان من قبل الرجل فأما إذا كان من قبلها وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول الله تبارك وتعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } والحال التي أذن به فيها مخالفة الحال التي حرمه فيها فإن أخذ منها شيئا على طلاقها فأقر أنه أخذ بالإضرار بها مضى عليه الطلاق ورد ما أخذ منها وكان له عليها الرجعة إلا أن يكون طلقها ثلاثا .
الوجه الذي يحل به للرجل أن يأخذ من امرأته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان } إلى قوله { فيما افتدت به } [ ص: 122 ] قال الشافعي ) رحمه الله : فنهى الله تعالى الزوج كما نهاه في الآي قبل هذه الآية أن يأخذ مما آتى المرأة شيئا { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وأباح لهما إذا انتقلت عن حد اللاتي حرم أموالهن على أزواجهن لخوف أن لا يقيما حدود الله أن يأخذ منها ما افتدت به لم يحدد في ذلك أن لا يأخذ إلا ما أعطاها ولا غيره وذلك أنه يصير حينئذ كالبيع والبيع إنما يحل ما تراضى به المتبايعان لأحد في ذلك بل في كتاب الله عز وجل دلالة على إباحة ما كثر منه وقل لقوله { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد { عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال ما شأنك قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها } أخبرنا الربيع قال الشافعي رحمه الله قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن حبيبة أنها جاءت تشكو شيئا ببدنها في الغلس ثم ساق الحديث بمعنى حديث مالك وقول الله تبارك وتعالى { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } يحتمل أن يكون الابتداء بما يخرجهما إلى خوف أن لا يقيما حدود الله من المرأة بالامتناع من تأدية حق الزوج والكراهية له أو عارض منها في حب الخروج منه من غير بأس منه ويحتمل أن يكون من الزوج فلما وجدنا حكم الله بتحريم أن يأخذ الزوج من المرأة شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج استدللنا أن الحال التي أباح بها للزوج الأخذ من المرأة الحال المخالفة الحال التي حرم بها الأخذ ، تلك الحال هي أن تكون المرأة المبتدئة المانعة لأكثر ما يجب عليها من حق الزوج ولم يكن له الأخذ أيضا منها حتى يجمع أن تطلب الفدية منه لقوله عز وجل { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وافتداؤها منه شيء تعطيه من نفسها لأن الله عز وجل يقول { وإن خفتم شقاق بينهما } الآية فكانت هذه الحال التي تخالف هذه الحال وهي التي لم تبذل فيها المرأة المهر والحال التي يتداعيان فيها الإساءة لا تقر المرأة أنها منها ( قال الشافعي ) وقول الله تبارك وتعالى { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } كما وصفت من أن يكون لهما فعل تبدأ به المرأة يخاف عليهما فيه أن لا يقيما حدود الله لا أن خوفا منهما بلا سبب فعل .
( قال الشافعي ) وإذا ابتدأت المرأة بترك تأدية حق الله تعالى ثم نال منها الزوج ماله من أدب لم يحرم عليه أن يأخذ الفدية وذلك أن حبيبة جاءت تشكو شيئا ببدنها نالها به ثابت ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفتدي وأذن لثابت في الأخذ منها وذلك أن الكراهة من حبيبة كانت لثابت وأنها تطوعت بالفداء ( قال الشافعي ) وعدتها إذا كان دخل بها عدة مطلقة وكذلك كل ناكح كان يعد فسخا أو طلاقا صحيحا كان أو فاسدا فالعدة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد فقال يتزوجها إن شاء لأن الله عز وجل يقول { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى قوله { أن يتراجعا } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن عكرمة قال كل شيء أجازه المال [ ص: 123 ] فليس بطلاق أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن جهمان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت .

( قال الشافعي ) ولا أعرف جهمان ولا أم بكرة بشيء يثبت به خبرهما ولا يرده ، وبقول عثمان نأخذ وهي تطليقة وذلك أني رجعت الطلاق من قبل الزوج ومن ذهب مذهب ابن عباس كان شبيها أن يقول قول الله تبارك وتعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } يدل على أن الفدية هي فسخ ما كان له عليها وفسخ ما كان عليها لا يكون إلا بفسخ العقد وكل أمر نسب فيه الفرقة إلى انفساخ العقد لم يكن طلاقا إنما الطلاق ما أحدث والعقدة قائمة بعينها وأحسب من قال هذا منهم إنما أرادوا أن الخلع يكون فسخا إن لم يسم طلاقا وليس هكذا حكم طلاق غيره فهو يفارق الطلاق بأنه مأذون به لغير العدة وفي غير شيء ( قال الشافعي ) ومن ذهب المذهب الذي روي عن عثمان أشبه أن يقول العقد كان صحيحا فلا يجوز فسخه وإنما يجوز إحداث طلاق فيه فإذا أحدث فيه فرقة عدت طلاقا وحسبت أقل الطلاق إلا أن يسمى أكثر منها وإنما كان لا رجعة له بأنه أخذ عوضا والعوض هو ثمن فلا يجوز أن يملك الثمن ويملك المرأة ومن ملك ثمنا لشيء خرج منه لم يكن له الرجعة فيما ملكه غيره ومن قال : هذا معارض بقول ابن عباس قال أو لست أجد العقد الصحيح ينفسخ في ردة أحد الزوجين . وفي الأمة تعتق وفي امرأة العنين تختار فراقه وعند بعض المدنيين في المرأة يوجد بها جنون أو جذام أو برص والرجل يوجد به أحد ذلك فيكونان بالخيار في المقام أو الفرقة وإنما الفرقة فسخ لا إحداث طلاق فإذا أذن الله تبارك وتعالى بالفدية وأذن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فاسخة .
( قال الشافعي ) إن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لزمه ما طلق ولا رجعة له في واحدة ولا اثنتين للثمن الذي أخذه منها .
( قال الشافعي ) وإذا اختلعت منه ثم طلقها في العدة لم يلزمها طلاق وذلك أنها غير زوجة ( قال الشافعي ) فإذا كان في حكم الله أن لا يؤخذ من المرأة في الخلع إلا بطيب نفسها ولا يؤخذ من أمة خلع بإذن سيدها لأنها ليست تملك شيئا ولا يؤخذ من محجور عليها من الحرائر إنما يؤخذ مال امرأة جائزة الأمر في مالها بالبلوغ والرشد والحرية .
الخلاف في طلاق المختلعة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في المختلعة فقال إذا طلقت في العدة لحقها الطلاق فسألته هل يروي في قوله خبرا ؟ فذكر حديثا لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده فقلت هذا عندنا وعندك غير ثابت قال فقد قال بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم قال فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها ؟ قلت حجتي فيه من القرآن والأثر والإجماع على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها قال وأين الحجة من القرآن ؟ قلت قال الله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } إلى [ ص: 124 ] آخر الآيتين وقال الله تبارك وتعالى { للذين يؤلون من نسائهم } الآية وقال { والذين يظاهرون منكم من نسائهم } الآية وقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وقال عز وجل { ولهن الربع مما تركتم } أفرأيت لو قذفها أيلاعنها ؟ أو آلى منها أيلزمه الإيلاء ؟ أو تظاهر منها أيلزمه الظهار أو ماتت أيرثها أو مات أترثه ؟ قال لا قلت ألا إن أحكام الله تبارك وتعالى هذه الخمسة تدل على أنها ليست بزوجة ؟ قال نعم قلت وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة لأن الله تبارك وتعالى قال { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } قال نعم فقلت له كتاب الله إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها ليست بزوجة وهي خلاف قولكم أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها قالا لا يلزمها طلاق لأنه طلق ما لا يملك وأنت تزعم أنك لا تخالف واحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا إلى قول مثله فخالفت ابن عباس وابن الزبير معا وآيات من كتاب الله تعالى ما أدري لعل أحدا لو قال مثل قولك هذا لقلت له ما يحل لك أن تتكلم في العلم وأنت تجهل أحكام الله ثم قلت فيها قولا لو تخاطأت فقلته كنت قد أحسنت الخطأ وأنت تنسب نفسك إلى النظر قال وما هذا القول ؟ قلت زعمت أنه إن قال للمختلعة أنت بتة وبرية وخلية ينوي الطلاق لم يلزمها الطلاق وهذا يلزم الزوجة وأنه إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يلزمها ما يلزم الزوجة وأنه إن قال كل امرأة له طالق ولا ينويها ولا غيرها طلق نساؤه ولم تطلق هي لأنها ليست بامرأة له ثم قلت وإن قال لها أنت طالق طلقت فكيف يطلق غير امرأته .
الشقاق بين الزوجين

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإن خفتم شقاق بينهما } الآية قال الله أعلم بمعنى ما أراد من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمره أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها والذي يشبه ظاهر الآية فما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالهما الآية وذلك أني وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج أن يصطلحا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وأذن في نشوز المرأة بالضرب وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع ودلت السنة أن ذلك برضا من المرأة وحظر أن يأخذ لرجل مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما وكان يعرفهما بإبانة الأزواج أن يشتبه حالهما في الشقاق فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية أو تكون الفدية لا تجوز من قبل مجاوزة الرجل ماله من أدب المرأة وتباين حالهما في الشقاق والتباين هو ما يصيران فيه من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن ويمتنعان كل واحد منهما من الرجعة ويتماديان فيما ليس لهما ولا يعطيان حقا ولا يتطوعان ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما فإذا كان هذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ولا يبعث الحكمان إلا مأمونين وبرضا الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا الثقفي عن أيوب عن محمد بن سريرة عن عبيدة عن علي في هذه الآية { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من [ ص: 125 ] أهلها } ثم قال للحكمين هل تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي وقال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به قال فقول علي رضي الله عنه يدل على ما وصفت من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضا المرأة والرجل بحكمهما وعلى أن الحكمين إنما هما وكيلان للرجل والمرأة بالنظر بينهما في الجمع والفرقة فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قلنا لو كان الحكم إلى علي رضي الله عنه دون الرجل والمرأة بعث هو حكمين ولم يقل ابعثوا حكمين فإن قال قائل فقد يحتمل أن يقول ابعثوا حكمين فيجوز حكمهما بتسمية الله إياهما حكمين ، كما يجوز حكم الحاكم الذي يصيره الإمام فمن سماه الله تبارك وتعالى حاكما أكثر معنى أو يكونا كالشاهدين إذا رفعا شيئا إلى الإمام أنفذه عليهما أو يقول ابعثوا حكمين أي دلوني منكم على حكمين صالحين كما تدلوني على تعديل الشهود قلنا الظاهر ما وصفنا والذي يمنعنا من أن نحيله عنه مع ظهوره أن قول علي رضي الله عنه للزوج كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به يدل على أنه ليس للحكمين أن يحكما إلا بأن يفوض الزوجان ذلك إليهما وذلك أن المرأة فوضت وامتنع الزوج من تفويض الطلاق فقال علي رضي الله عنه كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به يذهب إلى أنه إن لم يقر لم يلزمه الطلاق وإن رأياه ولو كان يلزمه طلاق بأمر الحاكم أو تفويض المرأة لقال له لا أبالي أقررت أم سكت وأمر الحكمين أن يحكما بما رأيا . أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنه سمعه يقول تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت أصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة ؟ فيسكت حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك كله فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما . وهذا يشبه ما روي عن علي رضي الله عنه ألا ترى أن الحكمين ذهبا وابن عباس يقول أفرق بينهما ومعاوية يقول لا أفرق بينهما فلما وجداهما قد اصطلحا رجعا وذلك أن اصطلاحهما يدل على أنهما لو جاءهما فسخا وكالتهما فرجعا ولم تعد المرأة ولا الرجل إلى الشقاق علمناه ( قال الشافعي ) رحمة الله عليه ولو عاد الشقاق عادا للحكمين ولم تكن الأولى أولى من الثانية فإن شأنهما بعد مرة ومرتين وأكثر واحد في الحكمين . وإذا كان الخبر يدل على أن معنى الآية أن يجوز على الزوجين وكالة الحكمين في الفرقة والاجتماع بالتفويض إليهما دل ذلك على جواز الوكالات وكانت هذه الآية للوكالات أصلا والله أعلم .

ودل ذلك على أن للإمام أن يولي الحكم دونه من ليس يليه إلا بتوليته إياه وأن يولوا الحكم في بعض الأمور دون بعض لأن هذا حكم خاص ( قال ) ولو فوضنا مع الخلع والفرقة إلى الحكمين الأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان على الحكمين الاجتهاد إن رأيا الجمع في الأخذ لأحدهما من صاحبه فيما يريانه صلاحا لهما إذا كان الأغلب عندهما بعد معرفة أخلاقهما ومذاهبهما أن ذلك أصلح لأمرهما والأخذ من مال أحدهما لصاحبه وكان تفويض ذلك إليهما مثل الفرقة أو أولى من الفرقة بينهما فإذا جازت توليتهما لهما الفرقة جاز الأخذ بتوليتهما وعلى السلطان إن لم يرضيا بحكمين عندي أن لا يجيزهما على حكمين وأن يحكم عليهما فيأخذ لكل واحد منهما من صاحبه من نفقة وقسم ويجبر المرأة على ما عليها وكل واحد منهما على ما يلزمه وله أن يعاقب أيهما رأى إن امتنع بقدر ما يستوجب ولو قال قائل يجبرهما السلطان على الحكمين كان مذهبا .
[ ص: 126 ] حبس المرأة لميراثها

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } إلى { كثيرا } ( قال الشافعي ) رحمه الله يقال والله أعلم نزلت في الرجل يكره المرأة فيمنعها كراهية لها حق الله في عشرتها بالمعروف ويحبسها مانعا لحقها ليرثها من غير طيب نفس منها بإمساكه إياها على المنع فحرم الله تعالى ذلك على هذا المعنى وحرم على الأزواج أن يعضلوا النساء ليذهبوا ببعض ما أوتين واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وإذا أتين بفاحشة مبينة وهي الزنا فأعطين ببعض ما أوتين ليفارقن حل ذلك إن شاء الله تعالى ولم تكن معصيتهن الزوج فيما يجب له بغير فاحشة أولى أن نحل ما أعطين من أن يعصين الله والزوج بالزنا وأمر الله في اللاتي يكرههن أزواجهن ولم يأتين بفاحشة أن يعاشرن بالمعروف وذلك بتأدية الحق وإجمال العشرة . وقال { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا } الآية ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأباح عشرتهن على الكراهية بالمعروف وأخبر أن الله عز وجل قد يجعل في الكره خيرا كثيرا والخير الكثير الأجر في الصبر وتأدية الحق إلى سن يكره أو التطول عليه وقد يغتبط وهو كاره لها بأخلاقها ودينها وكفاءتها وبذلها وميراث إن كان لها وتصرف حالاته إلى الكراهية لها بعد الغبطة بها .
الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ

أخبرنا الربيع : قال أخبرنا الشافعي قال الفرقة بين الزوجين وجوه يجمعها اسم الفرقة ويفترق بها أسماء دون اسم الفرقة فمنها الطلاق ، والطلاق ما ابتدأه الزوج فأوقعه على امرأته بطلاق صريح أو كلام يشبه الطلاق يريد به الطلاق ، وكذلك ما جعل إلى امرأته من أمرها فطلقت نفسها أو إلى غيرها فطلقها فهو كطلاقه لأنه بأمره وقع وهذا كله إذا كان الطلاق فيه من الزوج أو ممن جعله إليه الزوج واحدة أو اثنتين فالزوج يملك فيه رجعة المطلقة ما كانت في عدة منه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكذلك إن آلى من امرأته فطلق أو قال لامرأته أنت طالق ألبتة فحلف ما أراد إلا واحدة أو أنت خلية أو بائن أو برية فحلف ما أراد إلا واحدة فهي واحدة يملك الرجعة لا يكون من هذا شيء بائن أبدا إن كانت الزوجة مدخولا بها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال لي بعض الناس ما الحجة فيما قلت ؟ قلت الكتاب والسنة والآثار والقياس قال : فأوجدني ما ذكرته قلت قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } الآية وقال تعالى ذكره { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } إلى قوله { إصلاحا } وقلت أما يتبين لك في هاتين الآيتين أن الله تبارك وتعالى جعل لكل مطلق لم يأت على جميع الطلاق الرجعة في العدة ولم يخصص مطلقا دون مطلق ولا مطلقة دون مطلقة . وأن الله تبارك وتعالى إذا قال { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فإنما أمر بالإمساك من له أن يمسك وبالتسريح من له أن يسرح قال : فما التسريح ها هنا قلت ترك الحبس بالرجعة في العدة تسريح بمتقدم الطلاق وقلت له : إن هذا في غير هاتين الآيتين أيضا كهو في هاتين الآيتين قال فاذكره ؟ قلت قال الله عز وجل { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } إلى قوله { لتعتدوا } قال فما معنى قوله { فبلغن أجلهن ؟ } قلت يعني والله أعلم قاربن بلوغ أجلهن ، قال وما الدليل على ذلك ؟ [ ص: 127 ] قلت : الآية دليل عليه لقول الله عز وجل { فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } فلا يؤمر بالإمساك والسراح إلا من هذا إليه ثم شرط عليهم في الإمساك أن يكون بمعروف وهذه كالآية قبلها في قوله { فبلغن أجلهن } قال وتقول هذا العرب ؟ قلت نعم تقول للرجل إذا قارب البلد يريده أو الأمر يريده قد بلغته وتقوله إذا بلغه . وقلت له قال الله تبارك وتعالى { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم } قال فلم قلت : إنها تكون للأزواج الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة ؟ فقلت له لما بين الله عز وجل في كتابه { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } إلى { أن يتراجعا } قال فلم قلت في قول الله تعالى في المطلقات { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } إذا قاربن بلوغ أجلهن ؟ وقلت في قول الله عز وجل في المتوفى عنها زوجها { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } هذا إذا قضين أجلهن والكلام فيهما واحد ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له { بلغن أجلهن } يحتمل قاربن البلوغ وبلغن فرغن مما عليهن فكان سباق الكلام في الآيتين دليلا على فرق بينهما لقول الله تبارك وتعالى في الطلاق { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وقال { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } فلا يؤمر بالإمساك إلا من يجوز له الإمساك في العدة فيمن ليس لهن أن يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة حتى تنقضي العدة وهو كلام عربي هذا من أبينه وأقله خفاء لأن الآيتين تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما . ومثل قول الله تعالى ذكره في المتوفى في قوله تعالى { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } حتى تنقضي عدتها فيحل نكاحها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال وما السنة فيه ؟ قلت أخبرني عمي محمد بن علي عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد { أن ركامة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية ألبتة ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لركانة والله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان قال : فما الأثر فيه ؟ قلت : أو يحتاج مع حكم الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى غيرهما ؟ فقال إن كان عندك أثر فلا عليك أن تذكره قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته ألبتة ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك ؟ قال قد فعلته قال فقرأ { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } ما حملك على ذلك ؟ قلت قد فعلته قال أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة لا تبت .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #206  
قديم 19-12-2022, 03:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (206)
صــــــــــ 130 الى صـــــــــــ 135



( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتومة مثل قوله للمطلب . أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا الثقة عن الليث بن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني زريق طلق امرأته ألبتة فقال له عمر : احلف فقال أتراني يا أمير المؤمنين أقع في الحرام والنساء كثير ؟ فقال له احلف فحلف ( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء ألبتة فقال يدين فإن كان أراد ثلاثا فهي ثلاث وإن أراد واحدة فهي واحدة ( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج [ ص: 128 ] عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته أنت طالق ألبتة فاستعفاه شريح فأبى أن يعفيه فقال أما الطلاق فسنة ، وأما البتة فبدعة ، فأما السنة فالطلاق فأمضوها وأما البدعة فالبتة فقلدوه إياها ودينوه فيها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو خلوت مني وقوله : أنت بريئة أو برئت مني أو يقول أنت بائنة أو بنت مني قال سواء قال عطاء أما قوله أنت طالق فسنة لا يدين في ذلك وهو الطلاق قال ابن جريج قال عطاء أما قوله أنت بريئة أو بائنة ؟ فذلك ما أحدثوا فيدين فإن كان أراد الطلاق فهو الطلاق وإلا فلا ( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله أنت بريئة أو أنت بائنة أو خلية أو برئت مني أو بنت مني قال يدين ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال إن أراد الطلاق فهو الطلاق كقوله أنت علي حرام ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال فما الوجوه التي ذكرت التي تكون بها الفرقة بين الزوجين ؟ فقلت له كل ما حكم فيه بالفرقة وإن لم ينطق بها الزوج ولم يردها وما لو أراد الزوج أن لا توقع عليه الفرقة أوقعت فهذه فرقة لا تسمى طلاقا لأن الطلاق ليس من الزوج وهو لم يقله ولم يرضه بل يريد رده ولا يرد قال : ومثل ماذا ؟ قلت مثل الأمة تعتق عند العبد فتختار فراقه ومثل المرأة تكون عند العنين فيؤجل سنة فلا يمس فتختار فراقه فهاتان الفرقتان وإن كانتا صيرتا للمرأتين بعلة العبودية في الزوج والعجز فيه وليس أن الزوج طلق ، ومثل ذلك أن تزوج المرأة الرجل فينتسب حرا فيوجد عبدا فتخير فتفارقه ويتزوجها الرجل فتجده أجذم أو مجنونا أو أبرص فتختار فراقه قال : أفتعد شيئا من هذا طلاقا ؟ قلت لا هذا فسخ عقد النكاح لا إحداث طلاق فيها . ومثل الزوجين يسلم أحدهما ولا يسلم الآخر حتى تنقضي العدة ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال وما يشبه هذا ؟ قلت العبد يبتاعه فيظهر منه على عيب فيكون له رده بالعيب ورده فسخ العقد الأول وليس استئناف بيع فيه ولا يجوز أن يستأنف بيعا بغير رضا المردود عليه وهذا كله فرقة من المرأة وفرقة المرأة بغير تمليك الزوج إياها لا تكون إلا فسخ عقدة النكاح لأن الطلاق الذي جعله الله تعالى ثلاثا لا تحل النساء بعده إلا بزوج وهو إلى الرجال لا إلى النساء قال فهل من شيء فرقه غير هذا ؟ قلت نعم كل ما عقد فاسدا من نكاح ، مثل نكاح بغير ولي ونكاح العبد بغير إذن سيده ونكاح الأمة بغير إذن سيدها فكل ما وقع من النكاح كله ليس بتام يحل فيه الجماع بالعقد ويقع الميراث بين الزوجين ولا يكون لأحد فسخه زوج ولا زوجة ولا ولي فكل ما كان هكذا فالنكاح فيه فاسد يفرق العقدة ولم تعد الفرقة طلاقا ولكنه فسخ العقد ، قال فهل من تفرقة غير هذا ؟ قلت نعم ردة أحد الزوجين أو إسلام أحدهما والآخر مقيم على الكفر وقد حرم الله على الكافرين أن يغشوا المؤمنات وعلى المؤمنين غشيان الكوافر سوى أهل الكتاب وليس واحد منهما فراقا من الزوج هذا فسخ كله قال فهل من وجه من الفرقة غير هذا ؟ قلت نعم الخلع قال فما الخلع عندك ؟ فذكرت له الاختلاف فيه ، قال فإن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أفيملك الرجعة ؟ قلت : لا قال ولم والطلاق منه لو أراد لم يوقعه ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له يقول الله عز وجل { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } والفدية ممن ملك عليه أمره لا تكون إلا بإزالة الملك عنه وغير جائز أن يأذن الله تعالى لها بالفدية وله أن يأخذها ثم يملك عليها أمرها بغير رضا منها ألا ترى أن كل من أخذ شيئا على شيء يخرجه من يديه لم يكن له سبيل على ما أخرج من يديه لما أخذ عليه من العوض وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس أن يأخذ من امرأته حين جاءته ولم يقل له لا تأخذ منها إلا في قبل عدتها كما أمر [ ص: 129 ] المطلق غيره ولم يسم له طلاقا يطلقها إياه ورأى رضاه بالأخذ منها فرقة ، والخلع اسم مفارق للطلاق وليس المختلع بمبتدئ طلاقا إلا بجعل والمطلقون غيره لم يستعجلوا ، وقلت له الذي ذهب إليه من قول الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } الآية إنما هو على من عليه العدة لقول الله عز وجل { طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } إلى قوله { جميلا } أفرأيت إن عارضك معارض في المطلقة واحدة قبل أن يدخل بها ؟ فقال إن الله قال { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وهذه مطلقة واحدة فيمسكها ما الحجة عليه ؟ قال قول الله تعالى { فبلغن أجلهن فأمسكوهن } وقوله في العدة { أحق بردهن في ذلك } فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله علمت أن الله تبارك وتعالى إنما قصد بالرجعة في العدة قصد المعتدات وكان المفسر من القرآن يدل على معنى المجمل ويفترق بافتراق حال المطلقات ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له فما منعك من هذه الحجة في المختلعة وقد فرق الله تبارك وتعالى بينهما بأن جعلها مفتدية وبأن هذا طلاق بمال يؤخذ وبأن المسلمين لم يختلفوا في أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق واحدة ملك الرجعة وإن قال لها أنت طالق واحدة على شيء يأخذه لم يملك الرجعة ؟ قال هذا هكذا لأنه إذا تكلم بكلمة واحدة فلا يجوز أن أجعل ما أخذ عليه مالا كمن لم يأخذ المال .

والحجة فيه ما ذكرت من أن من ملك شيئا بشيء يخرج منه لم يكن له على ما خرج منه سبيل كما لا يكون على ما في يديه مما أخرجه إليه مالكه لمالكه الذي أخرجه إليه سبيل ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال فأوجدني اللفظ الذي يكون فراقا في الحكم لا تدينه فيه ، قلت له : هو قول الرجل أنت طالق أو قد طلقتك أو أنت سراح أو قد سرحتك أو قد فارقتك ، قال فمن أين قد فرقت بين هؤلاء الكلمات في الحكم وبين ما سواهن وأنت تدينه فيما بينه وبين الله فيهن كما تدينه في غيرهن ؟ قلت : هؤلاء الكلمات التي سمى الله تبارك وتعالى بهن الطلاق فقال { إذا طلقتم النساء } وقال { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وقال عز وجل { فمتعوهن وسرحوهن } الآية فهؤلاء الأصول وما أشبههن مما لم يسم طلاقا في كتاب ولا سنة ولا أثر إلا بنيته فإن نوى صاحبه طلاقا مع قول يشبه الطلاق كان طلاقا وإن لم ينوه لم يكن طلاقا .
الخلاف في الطلاق

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال : إنا نوافقك في معنى ونخالفك في معنى ، فقلت فاذكر المواضع التي تخالفنا فيها ، قال تزعم أن من قال لامرأته أنت طالق فهو يملك الرجعة إلا أن يأخذ جعلا على قوله أنت طالق ، قلت هذا قولنا وقول العامة ، قال وتقول إن قال لامرأته أنت خلية أو برية أو بائنة أو كلمة غير تصريح الطلاق فلم يرد بها طلاقا فليس بطلاق قلت وهذا قولي ، قال وتزعم أنه إن أراد بهذا الذي ليس بصريح الطلاق الطلاق وأراد واحدة كانت واحدة بائنة وكذلك إن قال واحدة شديدة أو غليظة إذا شدد الطلاق بشيء فقلت له : أفقلت هذا خبرا أو قياسا ؟ فقال قلت بعضه خبرا وقست ما بقي منه على الخبر بها ( قال الشافعي ) رحمه الله قلت ما الذي قلته خبرا وقست [ ص: 130 ] ما بقي منه على الخبر ؟ قال : روينا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال في الرجل يخير امرأته أو يملكها إن اختارته فتطليقة يملك فيها الرجعة وإن اختارت نفسها فتطليقة بائنة قلت أرويت عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جعل ألبتة ثلاثا ؟ قال نعم ، قلت : أنت تخالف ما رويت عن علي قال وأين ؟ قلت أنت تقول إذا اختارت المرأة المملكة أو التي جعل أمرها بيدها زوجها فلا شيء قال نعم فقلت قد رويت عنه حكما واحدا خالفت بعضه ورويت عنه أيضا أنه فرق بين البتة والتخيير والتمليك فقلت في البتة نيته فإن أراد واحدة فواحدة بائن وهو يجعلها ثلاثا ، فكيف زعمت أنك جعلت ألبتة قياسا على التخيير والتمليك وهما عندك طلاق لم يغلظ والبتة طلاق قد غلظ ؟ فكيف قست أحدهما بالآخر وعلي رضي الله تعالى عنه يفرق بينهما وهو الذي عليه أصلك زعمت اعتمدت ؟ قال فإنى إنما قلت في البتة بحديث ركانة فقلت له أليس جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبتة في حديث ركانة واحدة يملك الرجعة وأنت تجعلها بائنا ؟ فقال قال شريح نقفه عند بدعته فقلت ونحن قد وقفناه عند بدعته فلما أراد واحدة جعلناها تملك الرجعة كما جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وأنت رويت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في البتة واحدة ويملك الرجعة أو ثلاثا فخرجت من قولهم معا بتوهم في قول شريح وشريح رجل من التابعين ليس لك عند نفسك ولا لغيرك أن يقلده ولا له عندك أن يقول مع أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قال في البتة ثلاثا فإنه يذهب إلى الذي يغلب على القلب أنه إذا نطق بالطلاق ثم قال ألبتة فإنما أراد الإبتات والذي ليست بعده رجعة وهو ثلاث ومن قال ألبتة واحدة إذا لم يرد أكثر منها ذهب فيما نرى والله تعالى أعلم إلى أن ألبتة كلمة تحتمل أكثر الطلاق ، وأن يقول ألبتة يقينا كما تقول لا آتيك ألبتة وأذهب ألبتة وتحتمل صفة الطلاق فلما احتملت معاني لم نستعمل عليه معنى يحتمل غيره ولم تفرق بينه وبين أهله بالتوهم وجعلنا ما احتمل المعاني يقابله وقولك كله خارج من هذا مفارق له قال فإنا قد روينا عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لا يكون طلاق بائن إلا خلع أو إيلاء فقلنا قد خالفته فجعلت كثيرا من الطلاق بائنا سوى الخلع والإيلاء وقلت له أرأيت لو أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولك في البتة وروينا عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يخالفه أفي رجل أو رجال من أصحابه حجة معه ؟ قال لا قلنا فقد خالفت ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البتة وخالفت أصحابه فلم تقل بقول واحد منهم فيها وقلت له أو يختلف عندك قول الرجل لامرأته أنت طالق ألبتة وخلية وبرية وبائن وما شدد به الطلاق أو كنى عنه وهو يريد الطلاق ؟ فقال لا كل هذا واحد قلت فإن كان كل واحد من هذا عندك في معنى واحد فقد خالفت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في معناه ثم قلت فيه قولا متناقضا قال وأين ؟ قلت زعمت أنه إن قال لامرأته أنت طالق واحدة غليظة أو شديدة كانت بائنا وإن قال لها أنت طالق واحدة طويلة كان يملك الرجعة وكلتا الكلمتين صفة التطليقة وتشديد لها فكيف كان يملك في إحداهما الرجعة ولا يملكها في الأخرى ؟ أرأيت لو قال لك قائل إذا قال طويلة فهي بائن لأن الطويلة ما كان لها منع الرجعة حتى يطول ذلك وغليظة وشديدة ليست كذلك فهو يملك الرجعة أما كان أقرب بما فرق إلى الصواب منك ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلت له لقد خالفت في هذا القول معاني الآثار مع فراقك معنى القرآن والسنة والآثار والقياس قال فمن أصحابك من يقول لا [ ص: 131 ] أثق به في الطلاق قلت أولئك خالفونا وإياك فإن قلت بقولهم حاججناك وإن خالفتهم فلا تحتج بقول من لا تقول بقوله .
انفساخ النكاح بين الأمة وزوجها العبد إذا عتقت " أخبرنا الربيع " قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كانت في بريرة ثلاث سنن وكان في إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في زوجها أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق أن لها الخيار ما لم يمسها فإذا مسها فلا خيار لها أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي بن كعب يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت : إني مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت ففارقته ثلاثا .

( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا نأخذ في تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة حين عتقت في المقام مع زوجها أو فراقه دلائل منها أن الأمة إذا عتقت عند عبد كان لها الخيار في المقام معه أو فراقه وإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار للأمة دون زوجها فإنما جعل لها الخيار في فسخ العقدة التي عقدت عليها وإذا كانت العقدة تنفسخ فليس الفسخ بطلاق إنما جعل الله الطلاق المعدود على الرجال ما طلقوهم فأما ما فسخ عليهم فذلك لا يحتسب عليهم والله تعالى أعلم لأنه ليس بقولهم ولا بفعلهم كان .

( قال ) وفي الحديث دلالة على أن الملك يزول عن الأمة المزوجة وعقد النكاح ثابت عليها إلا أن تفسخه حرية أو اختيار في العبد خاصة وهذا يرد على من قال بيع الأمة طلاقها لأنه إذا لم يكن خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إياه بالعتق يخرجها من نكاح الزوج كان خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إلى رق كرقه أولى أن لا يخرجها ولا يكون لها خيار إذا خرجت إلى الرق وبريرة قد خرجت من رق مالكها إلى ملك عائشة ومن ملك عائشة إلى العتق فجمعت الخروجين من الرق إلى الرق ومن الرق إلى العتق ثم خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهما قال ولا يكون لها الخيار إلا بأن تكون عند عبد فأما عند حر ، فلا .
الخلاف في خيار الأمة

( قال الشافعي ) فخالفنا بعض الناس في خيار الأمة فقال تخير تحت العبد وقالوا روينا عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا قال فقلت له رواه عروة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان عبدا وهما أعلم بحديث عائشة من رويت هذا عنه قال فهل تروون عن غير عائشة أنه كان عبدا ؟ فقلت هي المعتقة وهي أعلم به من غيرها وقد روي من وجهين قد ثبت أنت ما هو أضعف منهما ونحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما قال فاذكرهما قلت أخبرنا سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر عنده زوج بريرة فقال كان ذلك مغيث عبد بني فلان كأني أنظر إليه يتبعها في الطريق وهو يبكي أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن زوج بريرة [ ص: 132 ] كان عبدا قال فقال فلم تخير تحت العبد ولا تخير تحت الحر ؟ فقلت له لاختلاف حالة العبد والحر قال وما اختلافهما ؟ قلت له الاختلاف الذي لم أر أحدا يسأل عنه قال وما ذاك ؟ قلت إذا صارت حرة لم يكن العبد لها كفؤا لنقصه عنها ألا ترى أنه لا يكون وليا لبنته يزوجها ألا ترى أنه يوجب بالنكاح على الناكح أشياء لا يقدر العبد على كمالها ويتطوع الزوج الحر على المرأة بأشياء لا يقدر العبد على كمالها ؟ ومنها أن المرأة ترث زوجها ويرثها والعبد لا يرث ولا يورث ومنها أن نفقة ولد الحر عليه من الحرة ومنها أن عليه أن يعدل لامرأته وسيد العبد قد يحول بينه وبين العدل عليها ومنها أشياء يتطوع لها بها من المقام معها جل نهاره ولسيد العبد منعه من ذلك مع أشباه لهذا كثيرة يخالف فيها الحر العبد ( قال الشافعي ) رحمه الله فقال إنا إنما ذهبنا في هذا إلى أن خيار الأمة تحت الحر والعبد أنها نكحت وهي غير مالكة لأمرها ولما ملكت أمرها كان لها الخيار في نفسها فقلت له أرأيت الصبية يزوجها أبوها فتبلغ قبل الدخول أو بعده أيكون لها الخيار إذا بلغت ؟ قال لا قلت فإذا زعمت أنك إنما خيرتها لأن العقدة كانت وهي لا خيار لها فإذا صار الخيار لها اختارت لزمك هذا في الصبية يزوجها أبوها قال فإن افترق بينها وبين الصبية ؟ قلت أو يفترقان ؟ قال نعم قلت فكيف تقيسها عليها والصبية وارثة موروثة وهذه غير وارثة ولا موروثة بالنكاح ثم تقيسها عليها في الخيار التي فارقتها فيه ؟ قال إنهما وإن افترقا في بعض أمرهما فهما يجتمعان في بعضه قلت وأين ؟ قال الصبية لم تكن يوم تزوجت ممن لها خيار للحداثة قلت وكذلك الأمة للرق قال فلو كانت حرة كان لها الخيار ؟ قلت وكذلك لو كانت الصبية بالغة قال فهي لا تشبهها قلت فكيف تشبهها بها وأنت تقول إذا بلغت الصبية لم يزوجها أبوها إلا برضاها وهو يزوج أمته بغير رضاها ؟ قال فأشبهها بالمرأة تزوج وهي لا تعلم أن لها الخيار إذا علمت قلت هذا خطأ في المرأة هذه لا نكاح لها ولو كان ما قلت كما قلت كنت قد قستها على ما يخالفها قال وأين مخالفها ؟ قلت أرأيت المرأة تنكح ولا تعلم ثم تموت قبل أن تعلم أيرثها زوجها أو يموت أترثه ؟ قال لا قلت ولا يحل له جماعها قبل أن تعلم ؟ قال لا قلت أفتجد الأمة يزوجها سيدها هل يحل سيدها جماعها ؟ قال نعم قلت وكذلك بعد ما تعتق ما لم تختر فسخ النكاح قال نعم قلت ولو عتقت فماتت ورثها زوجها ؟ قال نعم قلت ولو مات ورثته ؟ قال نعم قلت أفتراها تشبه واحدة من الاثنتين اللتين شبهتهما بها ؟ قال فما حجتك في الفرق بين العبد والحر ؟ قلت ما وصفت لك فإن أصل النكاح كان حلالا جائزا فلم يحرم النكاح بتحول حال المرأة إلى أحسن ولا أسوأ من حالها الأول إلا بخبر لا يسع خلافه فلما جاءت السنة بتخيير بريرة وهي عند عبد قلنا به اتباعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ألزمنا الله اتباعه حيث قال وقلنا الحر خلاف العبد لما وصفنا وأن الأمة إذا خرجت إلى الحرية لم تكن أحسن حالا منه ، أكثر ما فيها أن تساويه وهو إذا كان مملوكا فعتقت خرجت من مساواته قال وكيف لم تجعلوا الحر قياسا على العبد ؟ فقلت وكيف نقيس بالشيء خلافه ؟ قال : إنهما يجتمعان في معنى أنهما زوجان قلت ويفترقان في أن حالهما مختلفة قال فلم لا تجمع بينهما حيث يجتمعان ؟ قال قلت افتراقهما أكثر من اجتماعهما والذي هو أولى بي إذا كان الأكثر من أمرهما الافتراق أن يفرق بينهما ونحن نسألك قال سل قلت ما تقول في الأمة إذا أعتقت تخير ؟ قال نعم قلت فإن بيعت تخير ؟ قال لا قلت ولم وقد زال رق الذي زوجها فصار في حاله هذه لو ابتدأ نكاحها لم يجز كما لو أنكحها حرة بغير إذنها لم يجز ؟ قال هما وإن اجتمعا في أن ملك المنكح زائل عن المنكحة فحال الأمة المنكحة مختلفة في أنها انتقلت من رق إلى رق وهي في العتاقة انتقلت من رق إلى حرية . قلت ففرقت بينهما إذا افترقا في معنى وإن اجتمعا في آخر ؟ قال نعم قلت فتفريقي بين الخيار في عبد وحر [ ص: 133 ] أكثر مما وصفت وأصل الحجة فيه ما وصفت من أن النكاح كان حلالا وما كان حلالا لم يجز تحريمه ولا فسخه إلا بسنة ثابتة أو أمر أجمع الناس عليه فلما كانت السنة في تخيير الأمة إذا عتقت عند عبد لم نعد ما روينا من السنة ولم يحرم النكاح إلا في مثل ذلك المعنى وإنما جعل للأمة الخيار في التفريق والمقام ، والمقام لا يكون إلا والنكاح حلال إلا أن الخيار إنما يكون عندنا - والله تعالى أعلم - لنقص العبد عن الحرية والعلل التي فيه التي قد يمنع فيها ما يحب وتحب امرأته .
اللعان

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } الآية وقال تعالى { والذين يرمون أزواجهم } إلى { أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين } فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن دل ذلك على أن الله إنما أراد بقوله { والذين يرمون المحصنات } الآية القذفة غير الأزواج وكان القاذف الحر الذمي والعبد المسلم والذمي إذا قذفوا الحرة المسلمة جلدوا الحد معا فجلدوا الحر حد الحر والعبد حد العبد وأنه لم يبرأ قاذف بالغ يجري عليه الحكم من أن يحد حده إن لم يخرج منه بما أخرجه الله تعالى به من الشهود على المقذوفة لأن الآية عامة على المقذوفة كانت الآية في اللعان كذلك والله تعالى أعلم عامة على الأزواج القذفة فكان كل زوج قاذف يلاعن أو يحد إن كانت المقذوفة ممن لها حد أو لم تكن لأن على من قذفها - إذا لم يكن لها حد - تعزيرا وعليها حد إذا لم تلتعن بكل حال لأنه لا افتراق بين عموم الآيتين معا وكما جعل الله الطلاق إلى الأزواج قال { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وقال عز وجل { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقال { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } فكان هذا عاما للأزواج والنساء لا يخرج منه زوج مسلم حر ولا عبد ولا ذمي حر ولا عبد فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة ( وقال ) فيما حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لاعن بين أخوي بني العجلان ولم يتكلف أحد حكاية حكم النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان أن يقول قال للزوج قل كذا ولا للمرأة قولي كذا إنما تكلفوا حكاية جملة اللعان دليل على أن الله عز وجل إنما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين بما حكم الله عز وجل في القرآن وقد حكى من حضر اللعان في اللعان ما احتيج إليه مما ليس في القرآن منه ( قال ) فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين وقال للزوج قل " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا " ثم ردها عليه حتى يأتي بها أربع مرات فإذا فرغ من الرابعة وقفه وذكره وقال " اتق الله تعالى أن تبوء بلعنة الله فإن قولك " إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا " موجبة يوجب عليك اللعنة إن كنت كاذبا فإن وقف كان لها عليه الحد إن قامت به وإن حلف لها فقد أكمل ما عليه من اللعان وينبغي أن يقول للزوجة فتقول أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا حتى تقولها أربعا فإذا أكملت أربعا وقفها وذكرها وقال " اتقي الله واحذري أن تبوئي بغضب الله فإن قولك : علي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا " يوجب عليك غضب الله إن كنت كاذبة فإن مضت فقد فرغت مما عليها وسقط الحد عنهما وهذا الحكم عليهما [ ص: 134 ] والله ولي أمرهما فيما غاب عما قالا .
فإن لاعنها بإنكار ولد أو حبل قال أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن ولدها هذا أو حبلها هذا إن كان حبلا لمن زنا ما هو مني ثم يقولها في كل شهادة وفي قوله وعلي لعنة الله حتى تدخل مع حلفه على صدقه على الزنا لأنه قد رماها بشيئين بزنا وحمل أو ولد ينفيه فلما ذكر الله عز وجل الشهادات أربعا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل والغضب في المرأة دل ذلك على حال افتراق الشهادات في اللعنة والغضب واللعنة والغضب بعد الشهادة موجبتان على من أوجب عليه لأنه متجرئ على النفي وعلى الشهادة بالله تعالى باطلا ثم يزيد فيجترئ على أن يلتعن وعلى أن يدعو بلعنة الله فينبغي للوالي إذا عرف من ذلك ما جهلا أن يفقههما نظرا لهما استدلالا بالكتاب والسنة .

أخبرنا ابن عيينة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلا أن يضع يده على فيه في الخامسة وقال إنها موجبة } أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره { أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له يا عاصم أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فجاء عويمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها فقال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال مالك وقال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين ( قال الشافعي ) رحمه الله سمعت إبراهيم بن سعد بن إبراهيم يحدث عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره قال { جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال : يا عاصم بن عدي سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل فلقيه عويمر فقال ما صنعت ؟ قال صنعت أنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال عويمر والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل الله عليه فيهما فدعاهما فلاعن بينهما فقال عويمر لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال ابن شهاب فصارت سنة في المتلاعنين ثم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا } قال فجاءت به على النعت المكروه ( قال الشافعي ) رحمه الله الوحرة دابة تشبه الوزغ أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن جاءت به أشقر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج فهو للذي يتهمه } فجاءت به أديعج أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين مثل معنى حديث مالك وإبراهيم فلما انتهى إلى فراقها



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #207  
قديم 19-12-2022, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (207)
صــــــــــ 135 الى صـــــــــــ 142


[ ص: 135 ] قال في الحديث ففارقها وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها فمضت سنة المتلاعنين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أحسبه إلا كذب عليها وإن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها } فجاءت به على الأمر المكروه . أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أخي بني ساعدة { أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فأنزل الله عز وجل في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى فيك وفي امرأتك } فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت السنة بعد فيهما أن يفرق بين المتلاعنين قال فكانت حاملا فأنكره فكان ابنها يدعى إلى أمه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في حديث ابن أبي ذئب دليل على أن سهل بن سعد قال فكانت سنة المتلاعنين وفي حديث مالك وإبراهيم كأنه قول ابن شهاب وقد يكون هذا غير مختلف يقوله مرة ابن شهاب ولا يذكر سهلا ويقوله أخرى ويذكر سهلا ووافق ابن أبي ذئب إبراهيم بن سعد فيما زاد في آخر الحديث على حديث مالك وقد حدثنا سفيان عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال شهدت المتلاعنين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة ثم ساق الحديث ولم يتقنه إتقان هؤلاء أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن يحيى بن سعيد حدثه عن القاسم بن محمد عن ابن عباس { أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : والله ما لي عهد بأهلي منذ عفار النخل وعفارها أنها إذا كانت تؤبر تعفر أربعين يوما ولا تسقى إلا بعد الإبار قال فوجدت مع امرأتي رجلا قال وكان زوجها مصفرا حمش الساقين سبط الشعر والذي رميت به خدلا إلى السواد جعدا قططا مستها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بين ثم لاعن بينهما فجاءت برجل يشبه الذي رميت به } أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد قال شهدت ابن عباس رضي الله عنهما يحدث بحديث المتلاعنين قال فقال له رجل أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمتها ؟ " فقال ابن عباس لا ، تلك امرأة كانت قد أعلنت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن يونس أنه سمع المقبري يحدث عن محمد بن كعب القرظي قال المقبري وحدثني أبو هريرة رضي الله عنه " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { لما نزلت آية المتلاعنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه به على رءوس الأولين والآخرين } وسمعت ابن عيينة يقول أخبرنا عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه } ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن أيوب عن سعيد بن جبير قال " سمعت ابن عمر يقول { فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان قال هكذا بأصبعه المسبحة والوسطى فقرنهما الوسطى والتي تليها يعني المسبحة قال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب . }

( أخبرنا ) مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رجلا لاعن امرأته [ ص: 136 ] في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة } ( قال الشافعي ) ففي حكم اللعان في كتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل واضحة ينبغي لأهل العلم أن ينتدبوا بمعرفته ثم يتحروا أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيره على أمثاله فهو دون الفرض وتنتفي عنهم الشبه التي عارض بها من جهل لسان العرب وبعض السنن وغبي عن موضع الحجة منها { أن عويمرا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل } . وذلك أن عويمرا لم يخبره أن هذه المسألة كانت ، وقد أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يكن فحرم من أجل مسألته } وأخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه قال الله عز وجل { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } إلى قوله { بها كافرين } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : كانت المسائل فيها فيما لم ينزل إذا كان الوحي ينزل بمكروه لما ذكرت من قول الله تبارك وتعالى ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره فيما في معناه وفي معناه كراهية لكم أن تسألوا عما لم يحرم فإن حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حرم أبدا إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه أو ينسخ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سنة لسنة .

وفيه دلائل على أن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام بإذن الله تعالى إلى يوم القيامة بما وصفت وغيره من افتراض الله تعالى طاعته في غير آية من كتابه وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم مما قد وصفته في غير هذا الموضع ، وفيه دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وردت عليه هذه المسألة وكانت حكما وقف عن جوابها حتى أتاه من الله عز وجل الحكم فيها { فقال لعويمر قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك } فلاعن بينهما كما أمر الله تعالى في اللعان ثم فرق بينهما وألحق الولد بالمرأة ونفاه عن الأب وقال له { لا سبيل لك عليها } ولم يردد الصداق على الزوج فكانت هذه أحكاما وجبت باللعان ليست باللعان بعينه فالقول فيها واحد من قولين ، أحدهما أني سمعت ممن أرضى دينه وعقله وعلمه يقول إنه لم يقض فيها ولا غيرها إلا بأمر الله تبارك وتعالى قال : فأمر الله إياه وجهان أحدهما وحي ينزله فيتلى على الناس والثاني رسالة تأتيه عن الله تعالى بأن افعل كذا فيفعله ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال الله تبارك وتعالى { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم } فيذهب إلى أن الكتاب هو ما يتلى عن الله تعالى والحكمة هي ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عز وجل لأزواجه صلى الله عليه وسلم { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } ولعل من حجته أن يقول { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز ذكره أما إن الغنم والخادم رد عليك وإن امرأته ترجم إذا اعترفت } وجلد ابن الرجل مائة وغربه عاما ، ولعله يذهب إلى أنه إذا انتظر الوحي في قضية لم ينزل عليه فيها انتظره كذلك في كل قضية وإذا كانت قضية أنزل عليه كما أنزل في حد الزاني وقضاها على ما أنزل عليه وإذا ما أنزلت [ ص: 137 ] عليه جملة في تبيين عن الله يمضي معنى ما أراد بمعرفة الوحي المتلو والرسالة إليه التي تكون بها سنته لما يحدث في ذلك المعنى بعينه ( وقال غيره ) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهان : أحدهما ما تبين مما في كتاب الله المبين عن معنى ما أراد الله بحمله خاصا وعاما ، والآخر ما ألهمه الله من الحكمة وإلهام الأنبياء وحي ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال الله عز وجل فيما يحكى عن إبراهيم { إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر } فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الأنبياء وحي لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه { يا أبت افعل ما تؤمر } ومعرفته أن رؤياه أمر أمر به وقال الله تبارك وتعالى لنبيه { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } إلى قوله { في القرآن } ( وقال غيرهم ) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي وبيان عن وحي وأمر جعله الله تعالى إليه بما ألهمه من حكمته وخصه به من نبوته وفرض على العباد اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه ( قال ) وليس تعدو السنن كلها واحدا من هذه المعاني التي وصفت باختلاف من حكيت عنه من أهل العلم وأيها كان فقد ألزم الله تعالى خلقه وفرض عليهم اتباع رسوله فيه ، وفي انتظار رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي في المتلاعنين حتى جاءه فلاعن ثم سن الفرقة وسن نفي الولد ولم يرد الصداق على الزوج وقد طلبه دلالة على أن سنته لا تعدو واحدا من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم بأنها تبين عن كتاب الله إما برسالة من الله أو إلهام له وإما بأمر جعله الله إليه لموضعه الذي وضعه من دينه وبيان الأمور منها أن الله تعالى أمره أن يحكم على الظاهر ولا يقيم حدا بين اثنين إلا به لأن الظاهر يشبه الاعتراف من المقام عليه الحد أو بينة ولا يستعمل على أحد في حد ولا حق وجب عليه دلالة على كذبه ولا يعطي أحدا بدلالة على صدقه حتى تكون الدلالة من الظاهر في العام لا من الخاص فإذا كان هذا هكذا في أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من بعده من الولاة أولى أن لا يستعمل دلالة ولا يقضي إلا بظاهر أبدا فإن قال قائل ما دل على هذا ؟ قلنا { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين إن أحدكما كاذب } فحكم على الصادق والكاذب حكما واحدا أن أخرجهما من الحد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن جاءت به أحيمر فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به أدعج فلا أراه إلا قد صدق } فجاءت به على النعت المكروه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أمره لبين لولا ما حكم الله } فأخبر أن صدق الزوج على الملتعنة بدلالة على صدقه وكذبه بصفتين فجاءت دلالة على صدقه فلم يستعمل عليها الدلالة وأنفذ عليها ظاهر حكم الله تعالى من ادراء الحد وإعطائها الصداق مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أمره لبين لولا ما حكم الله } وفي مثل معنى هذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله { إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار } فأخبر أنه يقضي على الظاهر من كلام الخصمين وإنما يحل لهما ويحرم عليهما فيما بينهما وبين الله على ما يعلمان ، ومن مثل هذا المعنى من كتاب الله قول الله عز وجل { إذا جاءك المنافقون } إلى قوله { الكاذبون } فحقن رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم بما أظهروا من الإسلام وأقرهم على المناكحة والموارثة وكان الله أعلم بدينهم بالسرائر فأخبره الله تعالى أنهم في النار فقال { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } وهذا يوجب على الحكام ما وصفت من ترك الدلالة الباطنة والحكم بالظاهر [ ص: 138 ] من القول أو البينة أو الاعتراف أو الحجة ودل أن عليهم أن ينتهوا إلى ما انتهى بهم إليه كما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين إلى ما انتهى به إليه ولم يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الله وأمضاه على الملاعنة بما ظهر له من صدق زوجها عليها بالاستدلال بالولد أن يحدها حد الزانية فمن بعده من الحكام أولى أن لا يحدث في شيء لله فيه حكم ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم غير ما حكما به بعينه أو ما كان في معناه وواجب على الحكام والمفتين أن لا يقولوا إلا من وجه لزم من كتاب الله أو سنة أو إجماع فإن لم يكن في واحد من هذه المنازل اجتهدوا عليه حتى يقولوا مثل معناه ولا يكون لهم والله أعلم أن يحدثوا حكما ليس في واحد من هذا ولا في مثل معناه ولما حكم الله على الزوج يرمي المرأة باللعان ولم يستثن إن سمى من يرميها به أو لم يسمه ورمى العجلاني امرأته برجل بعينه فالتعن ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرمي بالمرأة والتعن العجلاني استدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن للرجل الذي رماه بامرأته عليه حد ولو كان أخذه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى المرمي فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا للإمام إذا رمى رجل رجلا بزنا أو حدا أن يبعث إليه ويسأله عن ذلك لأن الله عز وجل يقول { ولا تجسسوا } ( قال ) وإن شبه على أحد { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال إن اعترفت فارجمها } فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن أقرت حدث وسقط الحد عمن قذفها وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها لزمه الحد إن لم تقر وسقط عنه إن أقرت ولزمها فلا يجوز والله أعلم أن يحد رجل لامرأة ولعلها تقر بما قال ولا يترك الإمام الحد لها وقد سمع قذفها حتى تكون تتركه فلما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه يطلب حده لم يؤخذ له الحد في القذف الذي يطلبه المقذوف بعينه لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما سأل المقذوفة والله أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ، ولم يلتعن الزوج .

ولو أقرت بالزنا لم تحد زوجها ولم يلتعن وجلدت أو رجمت وإن رجعت لم تحد لأن لها فيما أقرت به من حد الله عز وجل الرجوع ولم يحد زوجها لأنها مقرة بالزنا ولما حكى سهل بن سعد شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين لأنه لا يحضر أمرا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله عز وجل في الزانيين { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } وقال سهل بن سعد في حديثه فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي ذئب وابن جريج في حديث سهل وكانت سنة المتلاعنين .

وقال ابن شهاب في حديث مالك وإبراهيم بن سعد فكانت سنة المتلاعنين فاحتمل معنيين أحدهما أنه إن كان طلقها قبل الحكم فكان ذلك إليه لم يكن اللعان فرقة حتى يجددها الزوج ولم يجبر الزوج عليها ، وقد روي عن سعيد بن المسيب مثل معنى هذا القول ولو كان هذا هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيب على المطلق ثلاثا أن يطلقها لأنه لو لم يكن له أن يطلقها إلا واحدة قال لا تفعل مثل هذا والله أعلم فسأل وإذ لم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن الطلاق ثلاثا بين يديه فلو كان طلاقه إياها كصمته عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان اللعان فرقة فجهله المطلق ثلاثا أشبه والله أعلم أن يعلمه أنه ليس له أن يطلق ثلاثا في الموضع الذي ليس له فيه الطلاق ويحتمل طلاقه ثلاثا أن يكون بما وجد في نفسه بعلمه بصدقه وكذبها وجراءتها على اليمين طلقها ثلاثا جاهلا بأن اللعان فرقة فكان [ ص: 139 ] كمن طلق من طلق عليه بغير طلاقه وكمن شرط العهدة في البيع والضمان والسلف وهو يلزمه شرط أو لم يشرط فإن قال قائل ما دل على أن هذا المعنى أولى المعاني به ؟ قيل قال سهل بن سعد وابن شهاب ففارقها حاملا فكانت تلك سنة المتلاعنين فمعنى قولهما الفرقة لا أن سنة المتلاعنين أنه لا تقع فرقة إلا بطلاقه ولو كان ذلك كذلك لم يكن عليه أن يطلق وزاد ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرق بين المتلاعنين } وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم .

فإن قال قائل هذان حديثان مختلفان فليسا عندي مختلفين وقد يكون ابن عمر شهد متلاعنين غير المتلاعنين اللذين شهدهما سهل وأخبر عما شهد وأخبر سهل عما شهد فيكون اللعان إذا كان فرقة بطلاق الزوج وسكوته سواء أو يكون ابن عمر شهد المتلاعنين اللذين شهد سهل فسمع النبي صلى الله عليه وسلم حكم أن اللعان فرقة فحكى أنه فرق بين المتلاعنين سمع الزوج طلق أو لم يسمعه وذهب على سهل حفظه أو لم يذكره في حديثه وليس هذا اختلافا هذا حكاية لمعنى بلفظين مختلفين أو مجتمعي المعنى مختلفي اللفظ أو حفظ بعض ما لم يحفظ من حضر معه ولما { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب } دل على ما وصفت في أول المسألة من أنه يحكم على ما ظهر له والله ولي ما غاب عنه ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا سبيل لك عليها } استدللنا على أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا إذ لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تكذب نفسك أو تفعل كذا أو يكون كذا كما قال الله تبارك وتعالى في المطلق الثالثة { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } واستدللنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الولد وقد قال عليه الصلاة والسلام { الولد للفراش } ولا يجوز أن ينفي الولد والفراش ثابت .

فإن قال قائل فيزول الفراش عند النفي ويرجع إذا أقر به قيل له لما { سأل زوج المرأة الصداق الذي أعطاها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه } دل ذلك على أن ليس له الرجوع بالصداق الذي قد لزمه بالعقد والمسيس مع العقد وكانت الفرقة من قبله جاءت فإن قال قائل على أن الفرقة جاءت من قبله وقد رماها بالزنا قيل له قد كان يحل له المقام معها وإن زنت وقد يمكن أن يكون كذب عليها فالفرقة به كانت لأنه لم يحكم عليه بها إلا بقذفه والتعانه وإن كانت هي لها سببا كما يكون سببا للخلع فيكون من قبله من قبل أنه لو شاء لم يقبل الخلع والملاعن ليس بمغرور من نكاح فاسد ولا بحرام وما أشبهه يرجع بالمهر على من غره ولما قال ابن جريج في حديث سهل الذي حكى فيه حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين أنها كانت حاملا فأنكر حملها فكان ولدها ينسب إلى أمه دل ذلك على معان منها قد شبه على بعض من ينسب إلى العلم فيها أنه رماها بالزنا ورميه إياها بالزنا يوجب عليه الحد أو اللعان ومنها أنه أنكر حملها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بالرمي بالزنا وجعل الحمل إن كان منفيا عنه إذ زعم أنه من الزنا وقال إن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه فجاءت به على ذلك النعت .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فلو أن رجلا قال لامرأته وهي ترى أنها حبلى ما هذا الحمل مني قيل له أردت أنها زنت ؟ فإن قال لا وليست بزانية ولكني لم أصبها قيل له فقد يحتمل أن يخطئ هذا الحبل فتكون صادقا وتكون غير زانية فلا حد ولا لعان حتى تضع فإذا استيقنا أنه حبل قلنا ما أردت ؟ فإن قال كما قال أول مرة قلنا قد يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحبل منك فتكون أنت صادقا في الظاهر بأنك لم تصبها وهي [ ص: 140 ] صادقة بأنه ولدك فإن قذفت لاعنت ونفيت الولد أو حددت ولا يلاعن بحمل لا قذف معه لأنه قد يكون حملا وقد ذهب بعض من نظر في العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلاعن بالحمل وإنما لاعن بالقذف ونفى الولد إذا كان من الحمل الذي به القذف ولما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد عن العجلاني بعدما وضعته أمه وبعد تفريقه بين المتلاعنين استدللنا هذا الحكم وحكم أن الولد للفراش على أن الولد لا ينفى إلا بلعان وعلى أنه كان للزوج نفيه وامرأته عنده وإذا لاعنها كان له نفي ولدها إن جاءت به بعد ما يطلقها ثلاثا لأنه بسبب النكاح المتقدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاه يوم نفاه وليست له بزوجة ولكنه من زوجة كانت وبإنكار متقدم له ( قال ) وسواء قال رأيت فلانا يزني بها أو لم يسمه فإذا قذفها بالزنا وادعى الرؤية للزنا أو لم يدعها أو قبل استبرائها قبل أن تحمل حتى علمت أن الحمل ليس مني أو لم يقله يلاعنها في هذه الحالات كلها وينفي عنه الولد إذا أنكره فيها كلها إلا في خصلة واحدة ، وهي في أن يذكر أنها زنت في وقت من الأوقات لم يرها تزني قبله ببلد لأقل من ستة أشهر من ذلك الوقت فيعلم أنه ابنه وأنه لم يدع زنا يمكن أن يكون هذا الحبل منه إنما ينفى عنه إذا ادعى ما يمكن أن يكون من غيره بوجه من الوجوه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء : الرجل يقذف امرأته وهو يقر بأنه قد أصابها في الطهر الذي رأى عليها فيه ما رأى أو قبل أن يرى عليها ما رأى أي قال يلاعنها والولد لها . ( قال ابن جريج ) قلت لعطاء أرأيت إن نفاه بعد أن تضعه ؟ قال يلاعنها والولد لها

( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا كله نقول وهو معنى الكتاب والسنة إلا أن يقر بحملها فلا يكون له نفيه بعد الإقرار به أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقذف امرأته قبل أن تهدى إليه قال يلاعنها والولد لها ( قال ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال يلاعنها والولد لها إذا قذفها قبل أن تهدى إليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج في الرجل يقول لامرأته يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها قال يلاعنها وبهذا كله نأخذ وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم إلى أنه ينفي الولد إذا قال قد استبرأتها فكأنه إنما ذهب إلى نفي الولد عن العجلاني إذ قال لم أقربها منذ كذا وكذا ولسنا نقول بهذا نحن ننفي الولد عنه بكل حال إذا أنكره فيما يمكن أن يكون من غيره فإن قال قائل آخذ بالحديث على ما جاء قيل له فالحديث على أن العجلاني سمى الذي رأى بعينه يزني بها وذكر أنه لم يصب هو امرأته منذ أشهر صلى الله عليه وسلم وذكر صلى الله عليه وسلم العلامة التي تثبت صدق الزوج في الولد أفرأيت إن قذف الرجل امرأته ولم يسم من أصابها ولم يدع رؤيته ؟ فإن قال يلاعنها قيل له أفرأيت إن أنكر الحمل ولم ير الحاكم فيه علامة بصدق الزوج أينفيه ؟ فإن قال نعم قيل فقد لاعنت قبل ادعاء رؤيته وإنما لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بادعاء رؤية الزوج ونفيت بغير دلالة على صدق الزوج وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم صدق الزوج في شبه الولد .

فإن قال : فما حجتنا وحجتك في هذا ؟ قلت مثل حجتنا إذا فارق الرجل امرأته قلنا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت سنة المتلاعنين الفرقة ولم يقل حين فرق إنها ثلاث . فإن قال وما الدليل على ما وصفت من أن ينفى الولد وإن لم يدع الزوج الاستبراء ، ويلاعن وإن لم يدع الزوج الرؤية ؟ قيل مثل الدليل على كيف لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يحك عنه فعلمنا أنه لم يعد ما أمره الله به .

فإن قال قائل : فأوجدنا ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات { ثم لم يأتوا [ ص: 141 ] بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فكانت الآية عامة على رامي المحصنة فكان سواء قال الرامي لها رأيتها تزني أو رماها ولم يقل رأيتها تزني فإنه يلزمه اسم الرامي قال الله تبارك وتعالى { والذين يرمون أزواجهم } إلى { فشهادة أحدهم } الآية فكان الزوج راميا قال رأيت أو علمت بغير رؤية فلما قبل منه ما لم يقل فيه ممن القذف رأيت يلاعن به بأنه داخل في جملة القذفة غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في هذا قوله وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله إن هذا الحمل ليس مني وإن لم يذكر استبراء قبل القذف لاختلاف بين ذلك .

( قال ) وقد يكون استبرأها وقد علقت من الوطء قبل الاستبراء ألا ترى أنه لو قال وقالت قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها تسع حيض ثم جاءت بعد بولد لزمه وإن الولد يلزمه بالفراش وأن الاستبراء لا معنى له ما كان الفراش قائما فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان وحمل قد تقدمه فأمكن أن يكون قد أصابها والحمل من غيره وأمكن أن يكون كاذبا في جميع دعواه للزنا ونفي الولد وقد أخرجه الله من الحد باللعان ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الولد استدللنا على أن هذا كله إنما هو بقوله ولما كنا إذا أكذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد استدللنا على أن نفي الولد بقوله ولو كان نفي الولد لا يكون إلا بالاستبراء فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يلحقه نفسه لأنه لم يكن بقوله فقط دون الاستبراء والاستبراء غير قوله فلما قال الله - تبارك وتعالى - بعد ما وصف من لعان الزوج { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } الآية استدللنا على أن الله عز وجل أوجب عليها العذاب والعذاب الحد لا تحتمل الآية معنى غيره والله أعلم . فقلنا له حاله قبل التعانه مثل حاله بعد التعانه لأنه كان محدودا بقذفه إن لم يخرج منه باللعان فكذلك أنت محدودة بقذفه والتعانه بحكم الله أنك تدرئين الحد به فإن لم تلتعني حددت حدك كان حدك رجما أو جلدا لا اختلاف في ذلك بينك وبينه .
( قال ) ولا يلاعن ولا يحد إلا بقذف مصرح ولو قال لم أجدك عذراء من جماع وكانت العذرة تذهب من غير جماع ومن جماع فإذا قال هذا وقف فإن أراد الزنا حد أو لاعن وإن لم يرد حلف ولا حد ولا لعان ( أخبرنا ) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء في الرجل يقول لامرأته لم أجدك عذراء ولا أقول ذلك من زنا فلا يحد .
( قال الشافعي ) رحمه الله : وإن قذفها ولم يكمل اللعان حتى رجع حد وهي امرأته أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يقذف امرأته ثم ينزع عن الذي قال قبل أن يلاعنها ؟ قال هي امرأته ويحد .
( قال الشافعي ) رحمه الله وإن طلق امرأته طلاقا لا يملك الرجعة أو خالعها ثم قذفها بغير ولد حد ولا لعان لأنها ليست زوجة وهي أجنبية إذا لم يكن ولد ينفيه عنه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال إذا خالع الرجل امرأته ثم قذفها حد وإن كان ولد ينفيه لاعنها بنفي الولد من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الولد بعد الفرقة لأنه كان قبلها .
فإن قذفها فمات قبل أن يلاعنها ورثته لأنهما على النكاح حتى يلتعن هو وإن قذفها بعد طلاق يملك الرجعة في العدة لاعنها وإن انقضت العدة فهي مثل المبتوتة التي لا رجعة له عليها ومن أقر بولد امرأته لم يكن له نفيه وإن قذفها بعد ما يقر أنه منه جلد الحد وهو ولده وإن قال هذا الحمل مني وقد زنت قبله أو بعده فهو منه ويلاعنها لأنها قد تزني قبل الحمل منه وبعده وليس له نفي ولده بعد إقراره به مرة فأكثر بأن لا يراه يشبهه وغير ذلك من الدلالات إذا أقر بأنه ولد على فراشه فليس له إنكاره بحال أبدا إلا أن ينكره قبل إقراره أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل ؟ قال نعم : قال : وما ألوانها ؟ قال حمر قال هل فيها من [ ص: 142 ] أورق ؟ قال نعم : قال أنى ترى ذلك ؟ قال عرقا نزعه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ولعل هذا عرق نزعه } أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن أعرابيا من بني فزارة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل ؟ قال نعم : قال فما ألوانها ؟ قال حمر : قال هل فيها أورق ؟ قال إن فيها لورقا قال فأنى أتاها ذلك ؟ قال لعله نزعه عرق قال النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لعله نزعه عرق } .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #208  
قديم 19-12-2022, 03:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (208)
صــــــــــ 143 الى صـــــــــــ 149


( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وبهذا نأخذ وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه ذكر أن امرأته ولدت غلاما أسود وهو لا يذكره إلا منكرا له وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له وضربه له المثل بالإبل يدل على ما وصفت من إنكاره وتهمته المرأة فلما كان قول الفزاري تهمة الأغلب منها عند من سمعها أنه أراد قذفها أن جاءت بولد أسود فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره قذفا يحكم عليه فيه باللعان أو الحد إذا كان لقوله وجه يحتمل أن لا يكون أراد به القذف من التعجب والمسألة عن ذلك لا قذف امرأته استدللنا على أنه لا حد في التعريض وإن غلب على السامع أن المعرض أراد القذف إن كان له وجه يحتمله ولا حد إلا في القذف الصريح وقد قال الله تبارك وتعالى في المعتدة { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } إلى { ولكن لا تواعدوهن سرا } فأحل التعريض بالخطبة وفي إحلاله إياها تحريم وقد قال الله تبارك وتعالى في الآية { لا تواعدوهن سرا } والسر الجماع واجتماعهما على العدة بتصريح العقدة بعد انقضاء العدة وهو تصريح باسم نهى عنه وهذا قول الأكثر من أهل مكة وغيرهم من أهل البلدان في التعريض وأهل المدينة فيه مختلفون فمنهم من قال بقولنا ومنهم من حد في التعريض ، وهذه الدلالة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الفزاري موضوعة بالآثار فيها والحجج في كتاب الحدود وهو أملك بها من هذا الموضع وإن كان الفزاري أقر بحمل امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدليل على ما قلنا بأنه ليس له أن ينفيه بعد إقراره ( وقال ) السر الجماع قال امرؤ القيس :
ألا زعمت بسباسة القوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي كذبت لقد أصبى على المرء عرسه
وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي

وقال جرير يرثي امرأته :
كانت إذا هجر الخليل فراشها خزن الحديث وعفت الأسرار

الخلاف في اللعان

( قال الشافعي ) رحمه الله : خالفنا بعض الناس في جملة اللعان وفي بعض فروعه فحكيت ما في جملته لأنه موجود في الكتاب والسنة وتركت ما في فروعه لأن فروعه في كتاب اللعان وهو موضوع فيه وإنما كتبنا في كتابنا { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } كما قلنا في قول الله عز وجل وأن حكم الكتاب والسنة فيه فقال بعض من خالفنا لا يلاعن بين الزوجين أبدا حتى يكونا حرين مسلمين ليسا بمحدودين في قذف ولا واحد منهما فقلت له ذكر الله عز وجل اللعان بين الأزواج لم يخص واحدا منهم دون غيره ، وما كان عاما في كتاب الله تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على العموم كما قلنا في قول الله عز وجل { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } [ ص: 143 ] فزعمنا نحن وأنتم أنها على الأزواج عامة كانوا مماليك أو أحرارا عندهم مملوكة أو حرة أو ذمية فكيف زعمتم أن اللعان على بعض الأزواج دون بعض ؟ .

قالوا روينا في ذلك حديثا فاتبعناه ، قلنا : وما الحديث ؟ قالوا روى عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أربع لا لعان بينهن وبين أزواجهن اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحرة تحت العبد والأمة عند الحر والنصرانية عند النصراني } قلنا له رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط ، وعمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو منقطع ، واللذان روياه يقول أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يقفه على عبد الله بن عمرو موقوفا مجهولا فهو لا يثبت عن عمرو بن شعيب ولا عبد الله بن عمرو ولا يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم إلا رجل غلط وفيه أن عمرو بن شعيب قد روى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحكاما توافق أقاويلنا وتخالف أقاويلكم يرويها عنه الثقات فنسندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرددتموها علينا ورددتم روايته ونسبتموه إلى الغلط فأنتم محجوجون إن كان ممن ثبت حديثه بأحاديثه التي بها وافقناها وخالفتموها في نحو من ثلاثين حكما عن النبي صلى الله عليه وسلم خالفتم أكثرها فأنتم غير منصفين إن احتججتم بروايته وهو ممن لا نثبت روايته ثم احتججتم منها بما لو كان ثابتا عنه وهو ممن يثبت حديثه لم يثبت لأنه منقطع بينه وبين عبد الله بن عمرو وقلت لهم لو كان كما أردتم كنتم محجوجين به قال وكيف ؟ قلت أليس ذكر الله عز وجل الأزواج والزوجات في اللعان عاما ؟ .

قال بلى قلت ثم زعمت أن حديثا جاء أخرج من الجملة العامة أزواجا وزوجات مسمين ؟ قال نعم قلت أو كان ينبغي أن يخرج من جملة القرآن زوجا أو زوجة بالحديث إلا من أخرج الحديث خاصة كما ذكر الله عز وجل الوضوء فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين فلم يخرج من الوضوء إلا الخفين خاصة ولم يجعل غيرهما من القفازين والبرقع والعمامة قياسا عليهما ؟ قال هكذا هو قلت فكيف قلت في حديثك أليس اليهودية والنصرانية عند المسلم والنصرانية عند النصراني والحرة تحت العبد والأمة تحت الحر لا يلاعنون ؟ قال هو هكذا قلت فكان ينبغي أن تقولا لا لعان بين هؤلاء وما كان من زوج سواهن لاعن .
قال وما بقي بعدهن ؟ قلت الحرة تحت الحر المحدودين أو أحدهما في القذف والأمة تحت الحر أليس قد زعمت أن هذين لا يلاعنان ؟ قال فإني قد أخذت طرح اللعان عمن طرحته عنه من معنيين أحدهما الكتاب والآخر السنة قلت أوعندك في السنة شيء غير ما ذكرت وذكرنا من الحديث الذي رويت عن عمرو بن شعيب ؟ قال لا قلت : فقد طرحت اللعان عمن نطق القرآن به وحديث عمرو إن كان ثابتا أنه لا يلاعن لأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت ففي قوله { أربع لا لعان بينهن } ما دل على أن من سواهن من الأزواج يلاعن والقرآن يدل على أن الأزواج يلاعنون لا يخص زوجا دون زوج قال فمن أخرجت من الأزواج من اللعان بغير حديث عمرو بن شعيب فإنما أخرجته استدلالا بالقرآن قلت وأين ما استدللت به من القرآن ؟ قال قال الله عز وجل { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم } فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له لأن شرط الله عز وجل في الشهود العدول وكذلك لم يجز المسلمون في الشهادة إلا العدول فقلت له قولك هذا خطأ عند أهل العلم وعلى لسانك وجهل بلسان العرب قال فما دل على ما قلت ؟ قلت الشهادة ها هنا يمين قال وما دلك على ذلك ؟ قلت أرأيت العدل أيشهد لنفسه ؟ قال لا قلت ولو شهد أليس شهادته مرة في أمر واحد كشهادته أربعا ؟ قال بلى قلت ولو شهد لم يكن عليه أن يلتعن ؟ قال بلى قلت ولو كانت شهادته في اللعان واللعان شهادة حتى تكون كل شهادة له تقوم مقام شاهد ألم يكف الأربع دون الخامسة وتحد امرأته ؟ قال بلى قلت ولو كان شهادة [ ص: 144 ] أيجيز المسلمون في الحدود شهادة النساء ؟ قال لا قلت ولو أجازوا شهادتهن انبغى أن تشهد المرأة ثمان مرات وتلتعن مرتين ؟ قال بلى قلت أفتراها في معاني الشهادات ؟ قال لا ولكن الله عز وجل لما سماها شهادة رأيتها شهادة قلت هي شهادة يمين يدفع بها كل واحد من الزوجين عن نفسه ويجب بها أحكام لا في معاني الشهادات التي لا يجوز فيها إلا العدول ولا يجوز في الحدود منها النساء ولا يجوز أن يكون فيها المرء شاهدا لنفسه قال ما هي من الشهادة التي يؤخذ بها لبعض الناس من بعض فإن تمسكت بأنها اسم شهادة ولا يجوز فيها إلا العدول قال قلت يدخل عليك ما وصفت وأكثر منه ثم يدخل عليك تناقض قولك قال : فأوجدني تناقضه قلت كله متناقض قال فأوجدني قلت إن سلكت بمن يلاعن من تجوز شهادته دون من لا تجوز شهادته فقد لاعنت بين من لا تجوز شهادته وأبطلت اللعان بين من تجوز شهادته قال وأين ؟ قلت لاعنت بين الأعميين النخعين غير العدلين وفيهما علل مجموعة منها أنهما لا يريان الزنا فإنهما غير عدلين ولو كانا عدلين كانا ممن لا تجوز شهادته عندك أبدا وبين الفساق والمجان والسراق والقتلة وقطاع الطريق وأهل المعاصي ما لم يكونوا محدودين في قذف قال إنما منعت المحدود في القذف من اللعان لأن شهادته لا تجوز أبدا قلت وقولك لا تجوز أبدا خطأ ولو كانت كما قلت وكنت لا تلاعن بين من لا تجوز شهادته أبدا لكنت قد تركت قولك لأن الأعميين النخعين لا تجوز شهادتهما عندك أبدا وقد لاعنت بينهما فقال من حضره أما هذا فيلزمه وإلا ترك أصل قوله فيها وغيره قال أما الفساق الذين لا تجوز شهادتهم فهم إذا تابوا قبلت شهادتهم قلت أرأيت الحال الذي لاعنت بينهم فيها أهم ممن تجوز شهادتهم في تلك الحال ؟ قال لا ولكنهما إن تابا قبلت شهادتهما قلت والعبد إن عتق قبلت شهادته من يومه إذا كان معروفا بالعدل والفاسق لا تقبل إلا بعد الاختبار فكيف لاعنت بين الذي هو أبعد من أن تقبل شهادته إذا انتقلت حاله وامتنعت من أن تلاعن من هو أقرب من أن تجوز شهادته إذا انتقلت حاله ؟ قال فإن قلت إن حال العبد تنتقل بغيره وحال الفاسق تنتقل بنفسه ؟ قلت له أولست تسوي بينهما إذا صار إلى الحرية والعدل ؟ قال بلى قلت فكيف تفرق بينهما في أمر تساوي بينهما فيه ؟ وقلت له ويدخل عليك ما أدخلت على نفسك في النصراني يسلم لأنه تنتقل حاله بنقل نفسه فينبغي أن تجيز شهادته لأنه إذا أسلم قبلت قال ما أفعل وكذلك المكاتب عبده ما يؤدي إن أدى عتق أفرأيت إن قذف قبل الأداء ؟ قال لا يلاعن قلت وأنت لو كنت إنما تلاعن بين من تجوز شهادته لاعنت بين الذميين لأنهما ممن تجوز شهادتهما عندك قال وإنما تركت اللعان بينهما للحديث قلت فلو كان الحديث ثابتا أما يدلك على أنك أخطأت إذا قبلت شهادة النصارى إذ قلت لا يلاعن إلا بين من تجوز شهادته ؟ فقال بعض من حضره فأنا أكلمك على معنى غير هذا قلت فقل قال فإني إنما ألاعن بين الزوجين إذا كانت الزوجة المقذوفة ممن يحد لها حين قذفها من قبل أني وجدت الله عز وجل حكم في قذف المحصنات بالحد ودرأ عن الزوج بالتعانه فإذا كانت المقذوفة ممن لا حد لها التعن الزوج وخرج من الحد وإلا فلا قلت فما تقول في عبد تحته حرة مسلمة فقذفها ؟ قال يحد قلت فإن كان الزوج حرا فقذفها ؟ قال يلاعن قلت له فقد تركت أصل قولك قال بعض من حضره أما في هذا فنعم ولكنه لا يقول به قلت فلم يزعم أنه يقول به قلت لبعض من حكيت قوله : لا أراك لاعنت بين الزوجين على الحرية لأنك لو لاعنت على الحرية لاعنت بين الذميين ولا على الحرية والإسلام لأنك لو فعلت لاعنت [ ص: 145 ] بين المحدودين الحرين المسلمين ولا أراك لاعنت بينهما على العدل لأنك لو لاعنت بينهما على العدل لم تلاعن بين الفاسقين ولا أراك لاعنت بينهما على ما وصف صاحبك من أن المقذوفة إذا كانت حرة مسلمة فعلى قاذفها الحد وأنت لا تلاعن بينها وبين زوجها الحر المحدود في القذف ولا زوجها العبد وما لاعنت بينهما بعموم الآية ولا بالحديث مع الآية ولا منفردا ولا قلت فيها قولا مستقيما على أصل ما ادعيت ثابتا كان أو غير ثابت قال فلم لا تأخذ أنت بحديث عمرو بن شعيب ؟ قلت له لا نعرفه عن عمرو إنما رواه عنه رجل لا يثبت حديثه ولو كان من حديثه كان منقطعا عن عبد الله بن عمرو ونحن لا نقبل الحديث المنقطع عمن هو أحفظ من عمرو إذا كان منقطعا وقلنا بظاهر الآية وعمومها لم يفرق بين زوج فيها ولا زوجة إذ ذكرها الله عز وجل عامة فقال لي كيف ؟ قلت إذا التعن ، الزوج فأبت المرأة أن تلتعن حدت حدها رجما كان أو جلدا فقلت له بحكم الله عز وجل ، قال فاذكره ، قلت قول الله تبارك وتعالى ، من بعد ذكره التعان الزوج { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } الآية ، فكان بينا غير مشكل ، والله أعلم في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان قال : فهل توضح هذا بغيره ؟ قلت ما فيه إشكال ينبغي لمن قرأ كتاب الله عز وجل وعرف من أحكامه ولسان العرب أن يبتغي معه غيره قال : فإن كنت تعلم معنى توضحه غيره فقله قلت أرأيت الزوج إذا قذف امرأته ما عليه ؟ قال عليه الحد إلا أن يخرج منها بالالتعان قلت أوليس قد يحكم في القذفة بالحد إلا أن يأتوا بأربعة شهداء ؟ قال بلى قلت وقال في الزوج { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية قال نعم قلت أفتجد في التنزيل سقوط الحد عنه ؟ قال أما نصا فلا وأما استدلالا فنعم لأنه إذا ذكر غير الزوج يخرج من الحد بأربعة شهداء ؟ ثم قال في الزوج يشهد أربعا استدلالا على أنه إنما يوجب عليه الشهادة ليخرج بها من الحد فإذا لم يشهد لم يخرج من معنى القذفة أرأيت لو قال قائل إنما شهادته للفرقة ونفي الولد دون الحد فإذا خالف الله بين الزوج في القذف وغيره ، ولم أحد الزوج في القذف لأن الآية تحتمل ما قلت ولا أجد فيها دلالة على حده .

قال ليس ذلك له وكل شيء إلا وهو يحتمل قلت : وأظهر معانيه أن يفرق بينه وبين القاذف غيره إذا شهد وقلت ويجمع بينه وبين القاذف غيره إذا لم يشهد ؟ قال : نعم قلت وتعلم أن شهادة الزوج وإن لم يذكر في القرآن أنها تسقط الحد لا تكون إلا لمعنى أن يخرج بها من الحد وكذلك كل من أحلفته ليخرج عن شيء ؟ قال نعم ، قلت أفتجد الشهادة للزوج إذا كانت أخرجته وأوجبت على المرأة اللعان وفيها هذه العلل التي وصفت ؟ قال نعم قلت فشهادة المرأة أخرجتها من الحد ، قال هي تخرجها من الحد ، قلت ولا معنى لها في الشهادة إلا الخروج من الحد ؟ قال نعم قلت فإذا كانت تخرجها من الحد كيف لم تكن محدودة إن لم تشهد فتخرج بالشهادة منه كما قلت في الزوج إذا لم يشهد حد وكيف اختلف حالاهما عندك فيها فقلت في الزوج ما وصفت من أنه محدود إن لم يشهد وفي المرأة ليست بمحدودة والآية تحتمل في الزوج معاني غير الحد وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ بالشهادة حدا .

وفي التنزيل أن المرأة تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك .

فليس في شهادة المرأة معنى غير درء الحد لأن الحد عليها في الكتاب والمعقول والقياس أثبت فتركها الشهادة كالإقرار منها بما قال الزوج فما علمتك إلا فرقت بين حد المرأة والرجل فأسقطت حد المرأة وهو أبينهما في الكتاب وأثبت حد الرجل وقلت له [ ص: 146 ] أرأيت لو قالت لك المرأة المقذوفة إن كانت شهادته علي بالزنا شهادة تلزمني فحدني وإن كانت لا تلزمني فلا تحلفني وحده لي .

وكذلك تصنع في أربعة لو شهدوا علي وكانوا عدولا حددتني وإن لم يثبتوا الشهادة حددتهم أو عبيدا أو مشركين حددتهم قال أقول حكمك وحكم الزوج خارج من حكم الشهود عليك غير الزوج ، قلت فقالت لك فإن كانت شهادة لا توجب علي حدا فامتنعت من أن أشهد لم حبستني وأنت لا تحبس إلا بحق ؟ قال أقول حبستك لتحلفي قالت وليميني معنى ؟ قال نعم تخرجين بها من الحد ؟ قالت فإن لم أفعل فالحبس هو الحد ؟ قال ليس به قلت فقالت فلم تحبسني لغير المعنى الذي يجب علي من الحد ؟ قال للحد حبستك قالت فتقيمه علي فأقمه قال لا قلت فإن قالت فالحبس ظلم لا أنت أخذت مني حدا ولا منعت عني حبسا فمن أين وجدت علي الحبس أتجده في كتاب أو سنة أو أمر أجمع عليه أهل العلم أو قياس ؟ قال أما كتاب أو سنة أو إجماع فلا وأما قياس فنعم قلت أوجدنا القياس قال إني أقول في الرجل يدعى عليه الدم يحلف ويبرأ فإن لم يفعل لم أقتله وحبسته .

( قال الشافعي ) رحمه الله فقلت له أويقبل منك القياس على غير كتاب ولا سنة ولا أمر مجمع عليه ولا أثر ؟ قال لا قلت فمن قال لك من ادعي عليه دم حبس حتى يحلف فيبرأ أم يقر فيقتل ؟ قال أستحسنه ، قلت له أفعلى الناس أن يقبلوا منك ما استحسنت إن خالفت القياس ؟ فإن كان ذلك عليهم قبلوا من غيرك مثل ما قبلوا منك لأن أجهل الناس لو اعترض فسأل عن شيء فخرص فيه فقال لم يعد قوله أن يكون خيرا لازما من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على واحد من هذا أو خارجا منه فيكون استحسنه كما استحسنته أنت قال ما ذلك لأحد قلت فقد قلته في هذا الموضع وغيره وخالفت فيه الكتاب وقياس قولك قال وأين خالفت قياس قولي ؟ قلت ما تقول فيمن ادعى على رجل درهما فأكثر إلى أي غاية شاء من الدعوى أو غصب دار أو عبد أو غيره ؟ قال يحلف فإن حلف برئ وإن نكل لزمه ما نكل عنه وكذلك لو ادعى عليه جرحا في موضحة عمدا فصاعدا من الجراح دون النفس إن حلف برئ وإن نكل اقتص منه قال نعم قلت فكل من جعلت عليه اليمين فيما دون النفس إن حلف برئ وإن نكل قام النكول في الحكم مقام الإقرار فأعطيت به القود والمال ؟ قال نعم ، قلت ولم لم يكن هذا في النفس هكذا ؟ قال لي استعظاما للنفس قلت فأنت تقطع اليدين والرجلين وتفقأ العينين وتشق الرأس قصاصا وهذا يكون منه التلف بالنكول وتزعم أنه يقوم مقام الإقرار فلا تأخذ به النفس قال أما في القياس فيلزمنا أن نأخذ به النفس وقد تفرق فيه صاحباي فقال أحدهما أحبسه كما قلت وقال الآخر لا أحبسه وآخذ منه دية وحبسه ظلم قلت وأخذ الدية منه في أصل قول صاحبك ظلم لأن الدية عنده لا تؤخذ في العمد إلا بصلح وهذا لم يصالح فإن كان صاحباك أخطآ في دعوى القتل فأقررت عليهما معا بترك القياس فتقيس على أصل خطأ ثم تقيس عليه ما لا يشبهه ما قد حكم الله عز وجل فيه نصا يدرأ به العذاب والدرء لا يكون إلا لما قد وجب .

وإن قلت العذاب السجن فذاك أخطأ لك أما السجن حد هو ؟ فإن كان حدا فكم تحبسها ؟ أمائة يوم أو إلى أن تموت إن كانت ثيبا ؟ قال ما السجن بحد وما السجن إلا لتبيين الحد قلت وقد قال الله تبارك وتعالى في الزانيين { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } أفتراه عنى بعذابهما الحد أو الحبس ؟ قال بل الحد وليس السجن بحد والعذاب في الزنا الحدود ولكن السجن قد يلزمه اسم عذاب قلت والسفر اسم عذاب والدهق والتعليق وغيره مما يعذب به [ ص: 147 ] الناس عذابا فإن قال لك قائل أعذبها إن لم تحلف ببعض هذا ؟ قال ليس له وإنما العذاب الحد ، قلت أجل وأجدك تروحت إلى ما لا حجة فيه ولو كانت لك بهذه حجة كانت عليك لغيرك بمثلها وأبين فيها .
أخبرنا الشافعي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فبعث إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليه نفقة } .

( قال الشافعي ) رحمه الله وابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته ألبتة وعلم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط نفقتها لأنه لا رجعة له عليها وألبتة التي لا رجعة له عليها ثلاث ولم يعب النبي صلى الله عليه وسلم طلاق الثلاث وحكم فيما سواها من الطلاق بالنفقة والسكنى فإن قال قائل ما دل على أن ألبتة ثلاث ؟ فهي لو لم يكن سمى ابن عمر رضي الله عنهما ثلاثا ألبتة أو نوى بألبتة ثلاثا كانت واحدة يملك الرجعة وعليه نفقتها ، ومن زعم أن ألبتة ثلاث بلا نية المطلق ولا تسمية ثلاث قال إن النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يعب الطلاق الذي هو ثلاث دليل على أن الطلاق بيد الزوج ما أبقى منه أبقى لنفسه وما أخرج منه من يده لزمه غير محرم عليه كما لا يحرم عليه أن يعتق رقبة ولا يخرج من ماله صدقة وقد يقال له لو أبقيت ما تستغني به عن الناس كان خيرا لك فإن قال قائل ما دل على أن أبا عمرو لا يعود أن يكون سمى ثلاثا أو نوى بألبتة ثلاثا ؟ قلنا الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد { أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية ألبتة ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لركانة والله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم } فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنهما ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره { أنه تلاعن عويمر وامرأته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع الناس ، فلما فرغا من ملاعنتهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، قال مالك : قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين ( قال الشافعي ) رحمه الله : فقد طلق عويمر ثلاثا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك محرما لنهاه عنه .

وقال إن الطلاق وإن لزمك فأنت عاص بأن تجمع ثلاثا فافعل كذا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين طلق امرأته حائضا أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك فلا يقر النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق لا يفعله أحد بين يديه إلا نهاه عنه لأنه العلم بين الحق والباطل لا باطل بين يديه إلا يغيره ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته ألبتة . ثم أتى عمر فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك ؟ قال قد فعلته ، فتلا : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به [ ص: 148 ] لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } ما حملك على ذلك ؟ قال قد فعلته قال أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت

( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال : قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتومة مثل ما قال للمطلب ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان أن رجلا من بني زريق طلق امرأته ألبتة قال عمر رضي الله عنه ما أردت بذلك قال أتراني أقيم على حرام والنساء كثير فأحلفه فحلف قال ( قال الشافعي ) رحمه الله أراه قال فردها عليه قال وهذا الخبر في الحديث في ؟ الزرقي يدل على أن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمطلب ما أردت بذلك يريد أو واحدة أو ثلاثا فلما أخبره أنه لم يرد به زيادة في عدد الطلاق وأنه قال بلا نية زيادة ألزمه واحدة وهي أقل الطلاق ، وقوله { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به } لو طلق فلم يذكر ألبتة إذ كانت كلمة محدثة ليست في أصل الطلاق تحتمل صفة الطلاق وزيادة في عدده ومعنى غير ذلك فنهاه عن المشكل من القول ولم ينهه عن الطلاق ولم يعبه ولم يقل له لو أردت ثلاثا كان مكروها عليك وهو لا يحلفه على ما أراد إلا ولو أراد أكثر من واحدة ألزمه ذلك أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف وكان أعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن طلق امرأته ألبتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها ( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن امرأة عبد الرحمن نشدته الطلاق فقال إذا حضت ثم طهرت فآذنيني فطهرت وهو مريض فآذنته فطلقها ثلاثا .

( قال الشافعي ) رحمه الله وألبتة في حديث مالك بيان هذا الحديث ثلاثا لما وصفنا من أن يقول طالق ألبتة ينوي ثلاثا وقد بينه ابن سيرين فقطع موضع الشك فيه أخبرنا ( الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن بكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم عن ذلك فقالا لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك قال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل .

( قال الشافعي ) رحمه الله وما عاب ابن عباس ولا أبو هريرة عليه أن يطلق ثلاثا ولو كان ذلك معيبا لقالا له لزمك الطلاق وبئسما صنعت ثم سمى حين راجعه فما زاده ابن عباس على الذي هو عليه أن قال له إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ولم يقل بئسما صنعت ولا خرجت في إرساله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال جاء رجل يستفتي عبد الله بن عمرو عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمر إنما أنت قاص الواحدة تبينها وثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره .

ولم يقل له عبد الله بئسما صنعت حين طلقت ثلاثا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن بكيرا أخبره عن النعمان بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان ؟ فقال ابن الزبير إن هذا الأمر ما لنا فيه قول اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فسلهما ثم ائتنا فأخبرنا فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة فقال أبو هريرة رضي الله عنه الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره [ ص: 149 ] وقال ابن عباس مثل ذلك ولم يعيبا عليه الثلاث ولا عائشة .

( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن عروة ، أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي يومئذ أمة فعتقت فقالت فأرسلت إلى حفصة فدعتني يومئذ فقالت إني مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت ففارقته ثلاثا فلم تقل لها حفصة لا يجوز لك أن تطلقي ثلاثا ولو كان ذلك معيبا على الرجل إذا لكان ذلك معيبا عليها إذ كان بيدها فيه ما بيده .

( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن جهمان عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت فعثمان رضي الله عنه يخبره أنه إن سمى أكثر من واحدة كان ما سمى ولا يقول له لا ينبغي لك أن تسمي أكثر من واحدة بل في هذا القول دلالة على أنه جائز له أن يسمي أكثر من واحدة ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال ألبتة ما يقول الناس فيها فقال أبو بكر فقلت له كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة فقال عمر لو كان الطلاق ألفا ما أبقت ألبتة منه شيئا من قال ألبتة فقد رمى الغاية القصوى ( قال الشافعي ) ولم يحك عن واحدة منهم على اختلافهم في ألبتة أنه عاب ألبتة ولا عاب ثلاثا .

( قال الشافعي ) قال مالك في المخيرة إن خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا في واحدة فليس له في ذلك قول وهذا أحسن ما سمعت .

( قال الشافعي ) فإذا كان مالك يزعم أن من مضى من سلف هذه الأمة قد خيروا وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم والخيار إذا اختارت المرأة نفسها يكون ثلاثا كان ينبغي أن يزعم أن الخيار لا يحل لأنها إذا اختارت كان ثلاثا وإذا زعم أن الخيار يحل وهي إذا اختارت نفسها طلقت ثلاثا فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز طلاق ثلاث وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) فإن قال أنت طالق ألبتة ينوي ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة فواحدة وإن قال أنت طالق ينوي بها ثلاثا فهي ثلاث ( قال الشافعي ) أحب أن يكون الخيار في طهر لم يمسها فيه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #209  
قديم 19-12-2022, 03:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (209)
صــــــــــ 150 الى صـــــــــــ 162




( قال الشافعي ) أحب أن لا يملك الرجل امرأته ولا يرها ولا يخالعها ولا يجعل إليها طلاقا بخلع ولا غيره ولا يوقع عليها طلاقا إلا طاهرا قبل جماع قياسا على المطلقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تطلق طاهرا وقال الله عز وجل { فطلقوهن لعدتهن } فإذا كان هذا طلاقا يوقعه الرجل أو توقعه المرأة بأمر الرجل فهو كإيقاعه فلا أحب أن يكون إلا وهي طاهر من غير جماع .
( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلا أتى ابن عباس فقال طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس رضي الله عنه تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين .

( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء ومجاهدا قالا إن رجلا أتى ابن عباس فقال طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين .

( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن أن ابن جريج عن عطاء وحده عن ابن عباس أنه قال وسبعا وتسعين عدوانا اتخذت بها آيات الله هزوا فعاب عليه ابن عباس كل ما زاد على عدد الطلاق الذي لم يجعله الله إليه ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث وفي هذا دلالة على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثا ولا يجوز له ما لم يكن إليه .
[ ص: 150 ] ما جاء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه ( قال الشافعي ) رحمه الله إن الله تبارك وتعالى لما خص به رسوله من وحيه وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه بالفرض على خلقه بطاعته في غير آية من كتابه فقال من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وقال لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة وقال لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي .

( قال الشافعي ) : افترض الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة إليه وكرامة وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبينا لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له وهي موضوعة في مواضعها .

( قال الشافعي ) فمن ذلك من ملك زوجة سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أن يخبرها في المقام معه أو فراقها له وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته وأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه فقال قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله أجرا عظيما فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقا ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه .

( قال الشافعي ) وكان تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله كما أمره الله عز وجل إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه وأحدث لهن طلاقا لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله عز وجل { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } أحدث لكن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعا وسراحا فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقا ولا متاعا فأما { قول عائشة رضي الله عنها قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه } أفكان ذلك طلاقا ؟ فتعني والله أعلم لم يوجب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث لنا طلاقا ( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا فرض الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن فاخترن الله ورسوله فلم يطلق واحدة منهن فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق فلا طلاق عليه .

( قال الشافعي ) وكذلك كل من خير فليس له الخيار بطلاق حتى تطلق المخيرة نفسها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق { أن عائشة قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } فكان ذلك طلاقا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بمثل معنى هذا الحديث .

( قال الشافعي ) فأنزل الله تبارك وتعالى لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ( قال الشافعي ) قال بعض أهل العلم أنزلت عليه { لا يحل لك } بعد تخييره أزواجه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة أنها قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء أخبرنا الربيع قال قال الشافعي كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قول الله تبارك وتعالى { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج } .

( قال الشافعي ) وأحسب قول عائشة أحل له النساء لقول الله تبارك وتعالى [ ص: 151 ] { إنا أحللنا لك أزواجك } - إلى قوله : { خالصة لك من دون المؤمنين } .

( قال الشافعي ) فذكر الله عز وجل ما أحل له فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن وذكر بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي قال فدل ذلك على معنيين أحدهما أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له وذلك أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم من بنات عمه ولا بنات عماته ولا بنات خاله ولا بنات خالاته امرأة وكان عنده عدد نسوة وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره ومن لم يأتهب بغير مهر ما حظره على غيره .

( قال الشافعي ) ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب ويترك فقال { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } إلى " عليك " .

( قال الشافعي ) فمن اتهب منهن فهي زوجة لا تحل لأحد بعده ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة وهي تحل له ولغيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي ، قال أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد { أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت قياما طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فذكر أنه زوجه إياها } .

( قال الشافعي ) وكان مما خص الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم قوله { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } وقال { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين ليس هكذا نساء أحد غيره وقال عز وجل { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن } فأثابهن به صلى الله عليه وسلم من نساء العالمين .

( قال الشافعي ) وقوله { وأزواجه أمهاتهم } مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه وفي فعله فقوله { أمهاتهم } يعني في معنى دون معنى وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كن لهن كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم ( قال الشافعي ) رحمه الله : فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ فالدليل عليه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنته وهو أبو المؤمنين وهي بنت خديجة أم المؤمنين زوجها عليا رضي الله عنه وزوج رقية وأم كلثوم عثمان وهو بالمدينة } وأن زينب بنت أم سلمة تزوجت ، وأن الزبير بن العوام تزوج بنت أبي بكر وأن طلحة تزوج ابنته الأخرى وهما أختا أم المؤمنين وعبد الرحمن بن عوف تزوج ابنة جحش أخت أم المؤمنين زينب ولا يرثهن المؤمنون ولا يرثنهم كما يرثون أمهاتهم ويرثنهم ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم نكاحهن .

( قال الشافعي ) وقد ينزل القرآن في النازلة ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه كالعامة في الظاهر وهي يراد بها الخاص والمعنى دون ما سواه ( قال الشافعي ) رحمه الله والعرب تقول للمرأة ترب أمرهم أمنا وأم العيال وتقول ذلك للرجل يتولى أن يقوتهم أم العيال بمعنى أنه وضع نفسه موضع الأم التي ترب أمر العيال وقال تأبط شرا وهو يذكر غزاة غزاها ورجل من أصحابه ولي قوتهم : [ ص: 152 ]
وأم عيال قد شهدت تقوتهم إذا احترتهم أقفرت وأقلت تخالف علينا الجوع إن هي أكثرت
ونحن جياع أي أول تألت وما إن بها ضن بما في وعائها
ولكنها من خشية الجوع أبقت

قلت : الرجل يسمى أما وقد تقول العرب للناقة والبقرة والشاة والأرض هذه أم عيالنا على معنى التي تقوت عيالنا .

( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } يعني أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات ليس اللائي يحدثن رضاعا للمولود فيكن به أمهات وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكل هؤلاء يحرمن بشيء يحدثه رجل يحرمهن أو يحدثنه أو حرمه النبي صلى الله عليه وسلم والأم تحرم نفسها وترث وتورث فيحرم بها غيرها فأراد بها الأم في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الأم غيرها والله أعلم .

( قال الشافعي ) في هذا دلالة على أشباه له من القرآن جهلها من قصر علمه باللسان والفقه فأما ما سوى ما وصفنا من أن للنبي صلى الله عليه وسلم من عدد النساء أكثر مما للناس ومن اتهب بغير مهر ومن أن أزواجه أمهاتهم لا يحللن لأحد بعده وما في مثل معناه من الحكم بين الأزواج فيما يحل منهن ويحرم بالحادث ولا يعلم حال الناس يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فمن ذلك أنه كان يقسم لنسائه فإذا أراد سفرا أقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وهذا لكل من له أزواج من الناس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني محمد بن علي أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عبيد الله عن عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها } .

( قال الشافعي ) رحمه الله ومن ذلك { أنه أراد فراق سودة فقالت لا تفارقني ودعني حتى يحشرني الله في أزواجك وأنا أهب ليلتي ويومي لأختي عائشة } ( قال ) وقد فعلت ابنة محمد بن مسلمة شبيها بهذا حين أراد زوجها طلاقها ونزل فيها ذكر ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب في ذلك { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } إلى " صلحا " ( قال الشافعي ) وهذا موضوع في موضعه بحججه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة { عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت قلت يا رسول الله هل لك في أختي بنت أبي سفيان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفعل ماذا ؟ قالت تنكحها قال أختك قالت نعم قال أوتحبين ذلك ؟ قالت نعم لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي قال فإنها لا تحل لي فقلت والله لقد أخبرت أنك تخطب ابنة أبي سلمة قال ابنة أم سلمة ؟ قالت نعم قال فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وإياها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن } .

( قال الشافعي ) رحمه الله وكل ما وصفت لك مما فرض الله على النبي صلى الله عليه وسلم وجعل له دون الناس وبينه في كتاب الله أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أو أمر اجتمع عليه أهل العلم عندنا لم يختلفوا فيه .
[ ص: 153 ] ما جاء في أمر النكاح قال الله تبارك وتعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } إلى قوله { يغنهم الله من فضله } ( قال الشافعي ) رحمه الله والأمر في الكتاب والسنة ، وكلام الناس يحتمل معاني أحدها أن يكون الله عز وجل حرم شيئا ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم كقول الله عز وجل { وإذا حللتم فاصطادوا } وكقوله { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } الآية .

( قال الشافعي ) رحمه الله وذلك أنه حرم الصيد على المحرم ونهى عن البيع عند النداء ثم أباحهما في وقت غير الذي حرمهما فيه كقوله { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } إلى " مريئا " وقوله { فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا } ( قال الشافعي ) وأشباه لهذا كثير في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليس أن حتما أن يصطادوا إذا حلوا ولا ينتشروا لطلب التجارة إذا صلوا ولا يأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفسا ولا يأكل من بدنته إذا نحرها ( قال ) ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح لقوله عز وجل { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } يدل على ما فيه سبب الغنى والعفاف كقول النبي صلى الله عليه وسلم { سافروا تصحوا وترزقوا } فإنما هذا دلالة لا حتم أن يسافر لطلب صحة ورزق .

( قال الشافعي ) ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتما وفي كل الحتم من الرشد فيجتمع الحتم والرشد وقال بعض أهل العلم الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد حتى توجد الدلالة من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أنه إنما أريد بالأمر الحتم فيكون فرضا لا يحل تركه كقول الله عز وجل { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فدل على أنهما حتم وكقوله { خذ من أموالهم صدقة } وقوله { وأتموا الحج والعمرة لله } وقوله { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } فذكر الحج والعمرة معا في الأمر وأفرد الحج في الفرض فلم يقل أكثر أهل العلم العمرة على الحتم وإن كنا نحب أن لا يدعها مسلم وأشباه هذا في كتاب الله عز وجل كثير ( قال الشافعي ) وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة عليه بأن النهي عنه على غير التحريم وأنه إنما أريد به الإرشاد أو تنزها أو أدبا للمنهي عنه وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أيضا ( قال الشافعي ) رحمه الله ومن قال الأمر على غير الحتم حتى تأتي دلالة على أنه حتم انبغى أن تكون الدلالة على ما وصفت من الفرق بين الأمر والنهي وما وصفنا في مبتدأ كتاب الله القرآن والسنة وأشباه لذلك سكتنا عنه اكتفاء بما ذكرنا عما لم نذكر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما أمرتكم به من أمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( قال الشافعي ) رحمه الله وقد يحتمل أن يكون الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين إلا بدلالة أنهما غير لازمين ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم " فائتوا منه ما استطعتم " أن يقول عليهم إتيان الأمر فيما استطعتم لأن الناس إنما كلفوا ما استطاعوا في الفعل استطاعة شيء لأنه شيء متكلف وأما النهي فالترك لكل ما أراد تركه يستطيع لأنه ليس بتكلف شيء [ ص: 154 ] يحدث إنما هو شيء يكف عنه ( قال الشافعي ) رحمه الله وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنة طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم والمباح والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معا
( قال ) فحتم لازم لأولياء الأيامى والحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعوا إلى رضا من الأزواج أن يزوجوهن لقول الله تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } ( قال الشافعي ) رحمه الله فإن شبه على أحد أن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج ففي الآية دلالة على أنه إنما نهى عن العضل الأولياء لأن الزوج إذا طلق فبلغت المرأة الأجل فهو أبعد الناس منها فكيف يعضلها من لا سبيل ولا شرك له في أن يعضلها في بعضها ؟ فإن قال قائل قد تحتمل إذا قاربن بلوغ أجلهن لأن الله عز وجل يقول للأزواج { إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى وأنها لا تحتمله لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها أو لم تبلغه فقد حظر الله تعالى عليها أن تنكح لقول الله عز وجل { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } فلا يأمر بأن لا يمنع من النكاح من قد منعها منه إنما يأمر بأن لا يمتنع مما أباح لها من هو بسبب من منعها .

( قال الشافعي ) رحمه الله وقد حفظ بعض أهل العلم أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار وذلك أنه زوج أخته رجلا فطلقها وانقضت عدتها ثم طلب نكاحها وطلبته فقال زوجتك دون غيرك أختي ثم طلقتها لا أنكحك أبدا فنزلت { إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } إلى " أزواجهن " قال وفي هذه الآية دلالة على أن النكاح يتم برضا الولي مع الزوج والزوجة وهذا موضوع في ذكر الأولياء والسنة تدل على ما يدل عليه القرآن من أن على ولي الحرة أن ينكحها ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها } وقال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له } ( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا كانت أحق بنفسها وكان النكاح يتم به لم يكن له منعها النكاح وقول النبي صلى الله عليه وسلم { فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له } يدل على أن السلطان ينكح المرأة لا ولي لها والمرأة لها ولي يمتنع من إنكاحها إذا أخرج الولي نفسه من الولاية بمعصيته بالعضل وهذان الحديثان مثبتان في كتاب الأولياء .

( قال الشافعي ) رحمه الله والرجل يدخل في بعض أمره في معنى الأيامى الذين على الأولياء أن ينكحوهن إذا كان مولى بالغا يحتاج إلى النكاح ويقدر بالمال فعلى وليه إنكاحه فلو كانت الآية والسنة في المرأة خاصة لزم ذلك عندي الرجل لأن معنى الذي أريد به نكاح المرأة العفاف لما خلق فيها من الشهوة وخوف الفتنة وذلك في الرجل مذكور في الكتاب لقول الله عز وجل { زين للناس حب الشهوات من النساء }
( قال الشافعي ) رحمه الله إذا كان الرجل ولي نفسه والمرأة أحببت لكل واحد منهما النكاح إذا كان ممن تتوق نفسه إليه لأن الله عز وجل أمر به ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب منافع قال { وجعل منها زوجها ليسكن إليها } وقال الله عز وجل { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } وقيل إن الحفدة الأصهار وقال عز وجل { فجعله نسبا وصهرا } فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط } وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أحب فطرتي فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح } وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار } ويقال إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده ( قال ) وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه [ ص: 155 ] الآية { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أن ابن عمر أراد أن لا ينكح فقالت له حفصة تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك دعوا لك
( قال الشافعي ) رحمه الله ومن لم تتق نفسه ولم يحتج إلى النكاح من الرجال والنساء بأن لم تخلق فيه الشهوة التي جعلت في أكثر الخلق فإن الله عز وجل يقول { زين للناس حب الشهوات من النساء } أو بعارض أذهب الشهوة من كبر أو غيره فلا أرى بأسا أن يدع النكاح بل أحب ذلك وأن يتخلى لعبادة الله وقد ذكر الله عز وجل القواعد من النساء فلم ينههن عن القعود ولم يندبهن إلى نكاح فقال { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة } الآية وذكر عبدا أكرمه قال { وسيدا وحصورا } والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبه إلى نكاح فدل ذلك والله أعلم على أن المندوب إليه من يحتاج إليه ممن يكون محصنا له عن المحارم والمعاني التي في النكاح فإن الله عز وجل يقول : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } .
( قال الشافعي ) والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غر المرأة ولها الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سنة أجلها من يوم يضرب له السلطان ( قال الشافعي ) أحب النكاح للعبيد والإماء اللاتي لا يطؤهن ساداتهن احتياطا للعفاف وطلب فضل وغنى فإن كان إنكاحهن واجبا كان قد أدى فرضا وإن لم يكن واجبا كان مأجورا إذا احتسب نيته على التماس الفضل بالاحتياط والتطوع ( قال الشافعي ) ولا أوجبه إيجاب نكاح الأحرار لأني وجدت الدلالة في نكاح الأحرار ولا أجدها في نكاح المماليك .
ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء وما تحل به الفروج أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وقال عز وجل { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } فأطلق الله عز وجل ما ملكت الأيمان فلم يحد فيهن حدا ينتهي إليه فللرجل أن يتسرى كم شاء ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا وانتهى ما أحل الله بالنكاح إلى أربع ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله عز وجل على أن انتهاءه إلى أربع تحريما منه لأن يجمع أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع لا أنه يحرم أن ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن ولأنه أباح الأربع وحرم الجمع بين أكثر منهن فقال لغيلان بن سلمة ونوفل بن معاوية وغيرهما وأسلموا وعندهم أكثر من أربع { أمسك أربعا وفارق سائرهن } وقال عز وجل { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة والمواريث وغير ذلك .

وقوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } دليل على أمرين : أحدهما أنه أحل النكاح وما ملكت اليمين .

والثاني يشبه أن يكون إنما أباح الفعل للتلذذ وغيره بالفرج في زوجة أو ما ملكت يمين من الآدميين ومن الدلالة على ذلك قول الله تبارك وتعالى فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون وإن لم تختلف الناس في تحريم ما ملكت اليمين من البهائم فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حراما من قبل أنه ليس من [ ص: 156 ] الوجهين اللذين أبيحا للفرج ( قال الشافعي ) فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول الله تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله والله أعلم ، وهو يشبه أن يكون في مثل معنى قول الله عز وجل في مال اليتيم { ومن كان غنيا فليستعفف } وإنما أراد بالاستعفاف أن لا يأكل منه شيئا .
فإن ذهب ذاهب إلى أن للمرأة ملك يمين فقال فلم لا تتسرى عبدها كما يتسرى الرجل أمته ؟ قلنا إن الرجل هو الناكح المتسري والمرأة المنكوحة المتسراة فلا يجوز أن يقاس بالشيء خلافه فإن قيل كيف يخالفه ؟ قلنا إذا كان الرجل يطلق المرأة فتحرم عليه وليس لها أن تطلقه ، ويطلقها واحدة فيكون له أن يراجعها في العدة وإن كرهت دل على أن منعها له وأنه القيم عليها وأنها لا تكون قيمة عليه ومخالفة له فلم يجز أن يقال لها أن تتسرى عبدا لأنها المتسراة والمنكوحة لا المتسرية ولا الناكحة
( قال الشافعي ) ولما أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن يجمع بين أربع زوجات قلنا حكم الله عز وجل يدل على أن من طلق أربع نسوة له طلاقا لا يملك رجعة أو يملك الرجعة فليس واحدة منهن في عدتها منه حل له أن ينكح مكانهن أربعا لأنه لا زوجة له ولا عدة عليه ، وكذلك ينكح أخت إحداهن ( قال الشافعي ) ولما قال الله عز وجل { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } كان في هذه الآية دليل والله أعلم على أنه إنما خاطب بها الأحرار دون المماليك لأنهم الناكحون بأنفسهم لا المنكحهم غيرهم والمالكون لا الذين يملك عليهم غيرهم وهذا ظاهر معنى الآية وإن احتملت أن تكون على كل ناكح وإن كان مملوكا أو مالكا وهذا وإن كان مملوكا فهو موضوع في نكاح العبد وتسريه الخلاف في هذا الباب .

يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #210  
قديم 19-12-2022, 03:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (210)
صــــــــــ 150 الى صـــــــــــ 162






( قال الشافعي ) فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له ثلاثا أو طلاقا يملك الرجعة أو لا رجعة له على واحدة منهن فلا ينكح حتى تنقضي عدتهن ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع ولو طلق واحدة ثلاثا لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها ( قال الشافعي ) قلت لبعض من يقول هذا القول هل لمطلق نسائه ثلاثة زوجة ؟ قال لا قلت فقد أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن ينكح أربعا وحرم الجمع بين الأختين ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثا وقد حكم الله بين الزوجين أحكاما فقال { للذين يؤلون من نسائهم تربص } وقال { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } وقال { والذين يرمون أزواجهم } وقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وقال { ولهن الربع مما تركتم } أفرأيت المطلق ثلاثا إن آلى منها في العدة أيلزمه إيلاء ؟ قال : لا قلت فإن تظاهر أيلزمه الظهار ؟ قال لا : قلت فإن قذف أيلزمه اللعان أو مات أترثه أو ماتت أيرثها ؟ قال : لا قلت فهذه الأحكام التي حكم الله عز وجل بها بين الزوجين تدل على أن الزوجة المطلقة ثلاثا ليست بزوجة وإن كانت تعتد ؟ قال نعم قلت له فهذه سبعة أحكام لله خالفتها وحرمت عليه أن ينكح أربعا وقد أباحهن الله تعالى له وأن ينكح أخت امرأته وهو إذا نكحها لم يجمع بينهما وهي في عدد من أباح الله له ، فأنت تريد زعمت إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول تخالف القرآن وهي لا تخالفه وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تخالف أنت سبع آيات من القرآن لا تدعي فيها خبرا [ ص: 157 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خبرا صحيحا عن أحد من أصحابه قال قد قاله بعض التابعين ، قلت : فإن من سميت من التابعين وأكثر منهم إذا قالوا شيئا ليس فيه كتاب ولا سنة لم يقبل قولهم لأن القول الذي يقبل ما كان في كتاب الله عز وجل أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو حديث صحيح عن أحد من أصحابه أو إجماع فمن كان عندك هكذا يترك قوله لا يخالف به غيره أتجعله حجة على كتاب الله عز وجل ؟ ومن قال قولك في أن لا ينكح ما دام الأربع في العدة وجعلها في معاني الأزواج لزمه أن يقول يلحقها الإيلاء والظهار واللعان ويتوارثان قال فما أقوله ؟ قلت فلم لا تكون في حكم الزوجة عندك في معنى واحد دون المعاني فقال أقال قولك غيرك ؟ قلت نعم : القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعروة وأكثر أهل دار السنة وأهل حرم الله عز وجل ما يحتاج فيه إلى أن يحكي قول أحد لثبوت الحجة فيها بأحكام الله تعالى المنصوصة التي لا يحتاج إلى تفسيرها لأنه لا يحتمل غير ظاهرها ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم وعروة بن الزبير أنهما كانا يقولان في الرجل عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن ألبتة أنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تمضي عدتها .

( قال الشافعي ) فقال فإني إنما قلت هذا لئلا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع ولئلا يجتمع في أختين ( قال الشافعي ) فقلت له : فإنما كان للعالمين ذوي العقول من أهل العلم أن يقولوا من خبر أو قياس عليه ، ولا يكون لهم أن يخرجوا منهما عندنا وعندك .

ولو كان لهم أن يخرجوا منهما كان لغيرهم أن يقول معهم ؟ قال أجل .

قلت : أفقلت قولك هذا بخبر لازم أو قياس فهو خلاف هذا كله وليس لك خلاف واحد منهم في أصل ما تقول ، قال يتفاحش أن يجتمع ماؤه في أكثر من أربع أو في أختين : قلت المتفاحش أن تحرم عليه ما أحل الله تعالى له وإحدى الأختين مما أحل الله عز وجل له وقلت له : لو كان في قولك لا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع حجة فكنت إنما حرمت عليه أن ينكح حتى تنقضي عدة الأربع للماء كنت محجوجا بقولك قال : وأين ؟ قلت أرأيت إذا نكح أربعا فأغلق عليهن ، أو أرخى الأستار ولم يمس واحدة منهن أعليهن العدة ؟ قال نعم قلت أفينكح أربعا سواهن قبل أن تنقضي عدتهن ؟ قال لا قلت أفرأيت لو دخل بهن فأصابهن ثم غاب عنهن سنين ثم طلقهن ولا عهد له بواحدة منهن قبل الطلاق بثلاثين سنة أينكح في عدتهن ؟ قال : لا قلت أفرأيت لو كان يعزل عنهن ثم طلقهن أينكح في عدتهن ؟ قال لا قلت له أرأيت لو كان قولك إنما حرمت عليه أن ينكح في عدتهن للماء كما وصفت أتبيح له أن ينكح في عدة من سميت وفي عدة المرأة تلد فيطلقها ساعة تضع قبل أن يمسها وفي المرأة يطلقها حائضا أتبيح له أن ينكح بما لزمك في هذه المواضع وقلت أعزل عمن نكحت ولا تصب ماءك حتى تنقضي عدة نسائك اللاتي طلقت ؟ قال أفأقفه عن إصابة امرأته ؟ فقلت يلزمك ذلك في قولك قال ومن أين يلزمني أفتجدني أقول مثله ؟ قلت نعم أنت تزعم أنه لو نكح امرأة فأخطأها إلى غيرها فأصابها فرق بينهما وكانت امرأة الأول واعتزلها زوجها حتى تنقضي عدتها وتزعم أن له أن ينكح المحرمة والحائض ولا يصيب واحدة منهما وتقول له أن ينكح الحبلى من زنا ولا يصيبها فقلت له وما الماء من النكاح ؟ أرأيت لو أصابهن وفيهن ماؤه ثم أراد العود لإصابتهن أما ذلك مما يحل له ؟ قال : بلى قلت كما يباح له لو لم يصبهن قبل ذلك ؟ قال نعم ، فقلت فإذا طلقهن وفيهن ماؤه ثلاثا أيكون له أن يعيد فيهن ماء آخر وإنما أقر فيهن ماءه قبل ذلك بساعة قال لا وقد انتقل حكمه .

قلت : [ ص: 158 ] فالماء ههنا وغير الماء سواء فيما يحل له ويحرم عليه ؟ قال نعم .

قلت : فكيف لا يكون هكذا في مثل هذا المعنى ومعه كتاب الله عز وجل وقلت أرأيت المرأة إذا أصيبت ليلا في شهر رمضان ثم أصبح الزوجان جنبين أيفسد صومهما أو صوم المرأة كينونة الماء فيها ؟ قال لا ، قلت له فكذلك لو أصابها ثم أحرما جنبين وفيها الماء ثم حج بها وفيها الماء ؟ قال نعم .

قلت وليس له أن يصيبها نهارا ولا محرما حين تحولت حاله ولا يصنع الماء في أن يحلها له ولا يفسد عليه حجا ولا صوما إذا كان مباحا ثم انتقلت حالهما إلى حالة حظرت إصابتها فيه شيئا ؟ قال نعم فقلت له : فالماء كان فيهن وهن أزواج يحل ذلك فيهن ثم طلقهن ثلاثا فانتقل حكمه وحكمهن إلى أن كان غير ذي زوجة وكن أبعد الناس منه غير ذوات المحارم ولا يحللن له إلا بانقضاء عدة ونكاح غيره وطلاقه أو موته والعدة منه والنساء سواهن يحللن له من ساعته فحرمت عليه أبعد النساء من أن تكون زوجا له إلا بما يحل له وزعمت أن الرجل يعتد وقد خالفت الله بين حكم الرجل والمرأة فجعل إليه أن يطلق وأن ينفق وزعمت أن ليس له ما جعل الله تعالى إليه ولا عليه ما فرضت السنة عليه من النفقة وأن عليه كل ما جعل له وعليه ثم جعل الله عليها أن تعتد فأدخلته معها فيما جعل عليها دونه فخالفت أيضا حكم الله فألزمتها الرجل وإنما جعلها الله على المرأة فكانت هي المعتدة والزوج المطلق أو الميت فتلزمها العدة بقوله أو موته ثم قلت في عدته قولا متناقضا قال وما قلت ؟ قلت إذا جعلت عليه العدة كما جعلتها عليها أفيحد كما تحد ويجتنب من الطيب كما تجتنب من الصبغ والحلي مثلها ؟ قال لا .

قلت ويعتد من وفاتها كما تعتد من وفاته فلا ينكح أختها ولا أربعا سواها حتى تأتي عليه أربعة أشهر وعشر ؟ قال لا قلت وله أن ينكح قبل دفنها أختها إن شاء وأربعا سواها ؟ قال : نعم قلت له هذا في قولك يعتد مرة ويسقط عنه في عدته اجتناب ما تجتنب المعتدة ولا يعتد أخرى أفيقبل من أحد من الناس مثل هذا القول المتناقض ؟ وما حجتك على جاهل لو قال لا تعتد من طلاق ولكن تجتنب الطيب وتعتد من الوفاة هل هو إلا أن يكون عليه ما عليها من العدة فيكون مثلها في كل حال أم لا يكون فلا يعتد بحال ؟
ما جاء في نكاح المحدودين قال الله تبارك وتعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } ( قال الشافعي ) فاختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا والذي يشبهه عندنا والله أعلم ما قال ابن المسيب ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال هي منسوخة نسختها { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } فهي من أيامى المسلمين فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله وعليه دلائل من الكتاب والسنة ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي يزيد عن بعض أهل العلم أنه قال في هذه الآية إنها حكم بينهما ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد أن هذه الآية نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية كانت على منازلهم رايات ( قال الشافعي ) رحمه الله : وروي من وجه آخر غير هذا عن عكرمة أنه قال لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك قال أبو عبد الله يذهب إلى قوله ينكح أي يصيب فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية فحرمن على الناس إلا من كان منهم زانيا أو مشركا فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المشركين وغير زناتهم [ ص: 159 ] وإن كن أسلمن فهن بالإسلام محرمات على جميع المشركين لقول الله تعالى { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } .

( قال الشافعي ) والاختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم الوثنيات عفائف كن أو زواني على من آمن زانيا كان أو عفيفا ولا في أن المسلمة الزانية محرمة على المشرك بكل حال ( قال الشافعي ) وليس فيما روي عن عكرمة " لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة " تبيين شيء إذا زنى فطاوعته مسلما كان أو مشركا أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان والزنا محرم على المؤمنين فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه ( قال الشافعي ) ومن قال هذا حكم بينهما فالحجة عليه بما وصفنا من كتاب الله عز وجل الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخا ، وذلك قول الله عز وجل : { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله عز وجل { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } فقد قيل إن هاتين الآيتين في مشركات أهل الأوثان وقد قيل في المشركات عامة ثم رخص منهن في حرائر أهل الكتاب ، ولم يختلف الناس فيما علمنا في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك وثني ولا كتابي ، وأن المشركة الزانية لا تحل لمسلم زان ولا غيره فإجماعهم على هذا المعنى في كتاب الله حجة على من قال هو حكم بينهما لأن في قوله إن الزانية المسلمة ينكحها الزاني أو المشرك وقد اعترف ماعز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد { حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا في الزنا فجلده وجلد امرأة } فلا نعلمه قال للزوج : هل لك زوجة فتحرم عليك إذا زنيت ولا يزوج هذا الزاني ولا الزانية إلا زانية أو زانيا بل يروى عنه صلى الله عليه وسلم { أن رجلا شكا من امرأته فجورا فقال طلقها فقال إني أحبها فقال استمتع بها } وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل أراد أن ينكح امرأة أحدثت وتذكر حدثها فقال عمر " انكحها نكاح العفيفة المسلمة " .
ما جاء فيما يحرم من نكاح القرابة والرضاع وغيره ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله جل وعز { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم } إلى قوله { إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما } .

( قال الشافعي ) فالأمهات أم الرجل وأمهاتها وأمهات آبائه وإن بعدت الجدات لأنه يلزمهن اسم الأمهات ، والبنات بنات الرجل لصلبه وبنات بنيه وبناته وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات والأخوات من ولد أبوه لصلبه أو أمه بعينها ، وعماته من ولد جده وجدته ومن فوقهما من أجداده وجداته وخالاته من ولدته جدته أم أمه ومن فوقها من جداته من قبلها وبنات الأخ كل من ولد الأخ لأبيه أو لأمه أو لهما ومن ولد ولده وأولاده بني أخيه وإن سفلوا وهكذا بنات الأخت وحرم الله الأم والأخت من الرضاعة فتحريمهما يحتمل معنيين أحدهما إذا ذكر الله تحريمهما ولم يذكر في الرضاع تحريم غيرهما لأن الرضاعة أضعف سببا من النسب فإذا كان النسب الذي هو أقوى سببا قد يحرم به ذوات نسب ذكرن ويحل ذوات نسب غيرهن إن سكت عنهن أولى أن يكون الرضاع هكذا ولا يحرم به إلا الأم والأخت وقد تحرم على الرجل أم امرأته وإن لم يدخل [ ص: 160 ] بامرأته ولا تحرم عليه ابنتها إذا لم يدخل بواحدة منهما .

والمعنى الثاني إذا حرم الله الأم والأخت من الرضاعة كما حرم الله الوالدة والأخت التي ولدها أحد الوالدين أو هما ولم يحرمهما بقرابة غيرهما ولا بحرمة غيرهما كما حرم ابنة امرأته بحرمة امرأته وامرأة الابن بحرمة الابن وامرأة الأب بحرمة الأب فاجتمعت الأم من الرضاعة إذ حرمت بحرمة نفسها والأخت من الرضاعة إذ حرمت نصا وكانت ابنة الأم أن تكون من سواها من قرابتها تحرم كما تحرم بقرابة الأم الوالدة والأخت للأب أو الأم أو لهما فلما احتملت الآية المعنيين كان علينا أن نطلب الدلالة على أولى المعنيين فنقول به فوجدنا الدلالة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا المعنى أولاهما فقلنا يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة } ( قال الشافعي ) إذا حرم من الرضاع ما حرم من الولادة حرم لبن الفحل ( قال الشافعي ) لو تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها ولم يدخل بها فلا أرى له أن ينكح أمها لأن الله عز وجل .

قال { وأمهات نسائكم } ولم يشترط فيهن كما شرط في الربائب وهو قول الأكثر ممن لقيت من المفتين وكذلك جداتها وإن بعدن لأنهن أمهات امرأته وإذا تزوج الرجل فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فأبانها فكل بنت لها وإن سفلت حلال لقول الله عز وجل { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } فإن دخل بالأم لم تحل له الابنة ولا ولدها وإن تسفل كل من ولدته قال الله عز وجل { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } فأي امرأة نكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن للأب أن ينكحها أبدا ، ومثل الأب في ذلك آباؤه كلهم من قبل أبيه وأمه فكذلك كل من نكح ولد ولده الذكور والإناث وإن سفلوا لأنهم بنوه قال الله عز وجل { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ( قال الشافعي ) وكذلك امرأة ابنه الذي أرضع تحرم هذه بالكتاب وهذه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة } وليس هو خلافا للكتاب لأنه إذا حرم حلائل الأبناء من الأصلاب فلم يقل غير أبنائهم من أصلابهم وكذلك الرضاع في هذا الموضع يقوم مقام النسب فأي امرأة ينكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن لولده ولا لولد ولده الذكور والإناث وإن سفلوا أن ينكحها أبدا لأنها امرأة أب لأن الأجداد آباء في الحكم وفي أمهات النساء لأنه لم يستثن فيهما ولا في أمهات النساء وكذلك أبو المرضع له .

والله تعالى أعلم .
ما يحرم الجمع بينه من النساء في قول الله عز وجل { وأن تجمعوا بين الأختين } ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } .

( قال الشافعي ) ولا يجمع بين أختين أبدا بنكاح ولا وطء ملك وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع حرم من الإماء مثله إلا العدد والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها فنكاح الآخرة باطل ونكاح الأولى ثابت وسواء دخل بها أو لم يدخل بها ويفرق بينه وبين الآخرة وإذا كانت عنده أمة يطؤها لم يكن له وطء الأخت إلا بأن يحرم عليه فرج التي كان يطأ بأن يبيعها أو يزوجها أو يكاتبها أو يعتقها [ ص: 161 ] أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها } .

( قال الشافعي ) فأيتهما نكح أولا ثم نكح عليها أخرى فسد نكاح الآخرة ولو نكحهما في عقدة كانت العقدة مفسوخة وينكح أيتهما شاء بعد وليس في أن " لا يجمع بين المرأة وعمتها خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله ذكر من تحرم بكل حال من النساء ومن يحرم بكل حال إذا فعل في غيره شيء مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت بكل حال وكانوا يجمعون بين الأختين فنهوا عن ذلك وليس في نهيه عنه إباحة ما سوى جمعا بين غير الأختين لأنه قد يذكر الشيء في الكتاب فيحرمه ويحرم على لسان نبيه غيره كما ذكر المرأة المطلقة ثلاثا فقال { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فبين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصيبها وإلا لم تحل له مع كثير بينه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ( قال ) وكذلك ليس في قوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } إباحة غيره مما حرم في غير هذه الآية على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ألا ترى أنه يقول { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن } فبينت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله إلى أربع حظر أن يجمع بين أكثر منهن فلو نكح رجل خامسة على أربع كان نكاحها مفسوخا ويحرم من غير جهة الجمع كما حرم نساء ، منهن المطلقة ثلاثا ومنهن الملاعنة ويحرم إصابة المرأة بالحيض والإحرام فكل هذا متفرق في مواضعه
وما حرم على الرجل من أم امرأته أو بنتها أو امرأة أبيه أو امرأة ابنه بالنكاح فأصيبت من غير ذلك بالزنا لم تحرم لأن حكم النكاح مخالف حكم الزنا
وقال الله عز وجل { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } والمحصنات اسم جامع فجماعه أن الإحصان المنع والمنع يكون بأسباب مختلفة منها المنع بالحبس والمنع يقع على الحرائر بالحرية ويقع على المسلمات بالإسلام ويقع على العفائف بالعفاف ويقع على ذوات الأزواج بمنع الأزواج فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحرم إصابة واحدة منهما بنكاح ولا ملك ولأني لم أعلمهم اختلفوا في أن العفائف وغير العفائف فيما يحل منهن بالنكاح والوطء بالملك سواء على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية ، والآية تدل على أنه لم يرد بالإحصان ههنا الحرائر أنه إنما قصد بالآية قصد ذوات الأزواج ثم دل الكتاب وإجماع أهل العلم أن ذوات الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت أو فرقة طلاق أو فسخ نكاح إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والإجماع لأن المماليك غير السبايا لما وصفنا من هذا ومن أن السنة دلت أن المملوكة غير السبية إذا بيعت أو أعتقت { لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين أعتقت في المقام مع زوجها أو فراقه } ولو كان زوال الملك الذي فيه العقدة يزيل عقدة النكاح كان الملك إذا زال بعتق أولى أن يزول العقد منه إذا زال ببيع ولو زال بالعتق لم يخير بريرة وقد زال ملك بريرة بأن بيعت فأعتقت فكان زواله بمعنيين ولم يكن ذلك فرقة لأنها لو كانت فرقة لم يقل لك الخيار فيما لا عقد له عليك أن تقيمي معه أو تفارقيه ( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها { أن بريرة أعتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم } ( قال ) فإذا لم يحل فرج ذات الزوج بزوال الملك في العتق والبيع فهي إذا لم تبع لم تحل بملك يمين حتى يطلقها زوجها وتخالف السبية في معنى آخر وذلك أنها إن بيعت أو وهبت فلم يغير حالها من الرق وإن عتقت تغير بأحسن من [ ص: 162 ] حالها الأول والسبية تكون حرة الأصل فإذا سبيت سقطت الحرية واستوهبت فوطئت بالملك فليس انتقالها من الحرية بسبائها بأولى من فسخ نكاح زوجها عنها وما صارت به في الرق بعد أكثر من فرقة زوجها .
الخلاف في السبايا أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) ذكرت لبعض الناس ما ذهبت إليه في قول الله عز وجل { إلا ما ملكت أيمانكم } فقال هذا كما قلت ولم يزل يقول به ولا يفسره هذا التفسير الواضح غير أنا نخالفك منه في شيء قلت وما هو ؟ قال : نقول في المرأة يسبيها المسلمون قبل زوجها تستبرأ بحيضة ، وتصاب ذات زوج كانت أو غير ذات زوج قال : ولكن إن سبيت وزوجها معها ، فهما على النكاح ( قال الشافعي ) فقلت له { سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق ، ونساء هوازن بحنين ، وأوطاس } ، وغيره فكانت سنته فيهم ، أن لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض ، وأمر أن يستبرئان بحيضة حيضة ، وقد أسر رجالا من بني المصطلق وهوازن فما علمناه سأل عن ذات زوج ولا غيرها ، فاستدللنا على أن السباء قطع للعصمة ، والمسبية إن لم يكن السباء يقطع عصمتها من زوجها إذا سبي معها لم يقطع عصمتها لو لم يسب معها ولا يجوز لعالم ولا ينبغي أن يشكل عليه بدلالة السنة إذ لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذات زوج ولا غيرها ، وقد علم أن فيهن ذوات أزواج بالحمل وأذن بوطئهن بعد وضع الحمل وقد أسر من أزواجهن معهن أن السباء قطع للعصمة .

( قال الشافعي ) رحمه الله فقال إني لم أقل هذا بخبر ولكني قلته قياسا فقلت فعلى ماذا قسته ؟ قال قسته على المرأة تأتي مسلمة مع زوجها فيكونان على النكاح ولو أسلمت قبله وخرجت من دار الحرب انفسخ النكاح فقلت له والذي قست عليه أيضا خلاف السنة فتخطئ خلافها وتخطئ القياس قال وأين أخطأت القياس ؟ قلت أجعلت إسلام المرأة مثل سبيها ؟ قال نعم قلت أفتجدها إذا أسلمت ثبتت على الحرية فازدادت خيرا بالإسلام ؟ قال نعم قلت أفتجدها إذا سبيت رقت وقد كانت حرة ؟ قال نعم قلت أفتجد حالها واحدة ؟ قال أما في الرق فلا ولكن في الفرج فقلت لا فلا يستويان في قولك في الفرج قال وأين يختلفان ؟ قلت أرأيت إذا سبيت الحرة في دار الحرب فاستؤمنت وهرب زوجها وحاضت حيضة واحدة أتوطأ ؟ قال أكره ذلك فإن فعل فلا بأس قلت وهي لا توطأ إلا والعصمة منقطعة بينها وبين زوجها ؟ قال نعم ، قلت وحيضة استبراء كما لو لم يكن لها زوج قال وتريد ماذا ؟ قلت أريد إن قلت تعتد من زوج اعتدت عندك حيضتين إن ألزمتها العدة بأنها أمة وإن ألزمتها بالحرية فحيض قال ليست بعدة ، قلت أفتبين لك أن حالها في النساء إذا صارت سبيا بعد الحرية فيما يحل به من فرجها سواء كانت ذات زوج أو غير ذات زوج ؟ قال إنها الآن تشبه ما قلت ، قلت له فالحرة تسلم قبل زوجها بدار الحرب ؟ قال فهما على النكاح الأول حتى تحيض ثلاث حيض فإن أسلم قبل أن تحيض ثلاث حيض كانا على النكاح الأول ، قلت فلم خالفت بينهما في الأصل والفرع ؟ قال : ما وجدت من ذلك بدا .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 454.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 449.15 كيلو بايت... تم توفير 5.80 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]