موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشوره - الصفحة 35 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854827 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389708 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #341  
قديم 19-04-2008, 05:20 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

النظافة في الإسلام





بحث للدكتور محمود ناظم النسيمي
من نعم الله تعالى على الإنسان أن خلق له ما يصنع من ثيابه فيستر عورته ويجمِّل مظهره، ويتقي به الحر والبرد، ويخفف عن وطأة الرياح والغبار.
قال تعالى ( بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ {26} ) [سورة الأعراف ].
ولا يكمل جمال الظاهر بغير النظافة، ولا يكمل صفاء الباطن وحسن المعاملة بغير تقوى ولطافة .
إن النظافة تزيد من حسن الثوب ورونقه، ولو كان متخذاً من نسيج رخيص. ولا حسن ولا بهجة لثوب فذر ولو كان من أفخر المنسوجات. فعلى المسلم أن يعتني بنظافة ثوبه وحسن هندامه، كما يعتني بنظافة جسمه وحسن خلقه. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنها قال : " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال : أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ؟ " ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال : " أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه "[1].
يلبس المسلم الثوب النظيف ويتخذه من نوع يتلاءم مع إمكانياته وسعته، ولا يجوز له أن يتخذ من ثيابه مجالاً للخيلاء والكبر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، فقال : إن الله جميل يحب الجمال، الكبِر بطر الحق وغمط الناس "[2].
وتكلم المناوي في فيض القدير عن إهمال نظافة الثياب من قبل بعض العامة بحجة الزهد والسلوك والاشتغال بنظافة الباطن فقال : وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلاً وعرفاً، ويكاد يذم شرعاً.
سوّل الشيطان لأحدهم فأقعده عن التنظيف بنحو نظف قلبك قبل ثوبك لا لنصحه بل لتخذيله عن امتثال أوامر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة، ولو حقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن . ومن ثم ورد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يتسخ له ثوب قط كما في المواهب وغيرها أ هـ[3].
وليعلم أن النجاسة تؤلف قسماً كبيراً من الأوساخ، وإنها من أسباب عدوى الأمراض السارية، لأنها مفعمة بالجراثيم أو وسط صالح لتكاثرها، فإذا أهمل تطهير ما أصابته من ثوب أو بدن تعرض الجسم للعدوى، وإذا كثر عدد الجراثيم الداخلة إلى الجسم تغلبت على مقاومته ووسائل دفاعه وتكاثرت فيه وأدت إلى أمراضه . ولذا حكم الإسلام بأن طهارة ثياب المصلي كطهارة بدنه شرط في صحة صلاته قال تعالى : " وثيابك فطَّهر "[4].
قال الإمام فخر الدين الرازي : إذا ترك لفظ الثياب والتطهر على ظاهره وحقيقته، فيكون المراد منه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بتطهير ثيابه من الأنجاس والأقذار.
قال الشافعي : المقصود منه الإعلام بأن الصلاة لا تجوز في ثياب طاهرة من الأنجاس[5].
ولقد رغب الإسلام من المسلم أن يكون ثوب صلاته مع الجماعة غير ثوب عمله، حرصاً على تمام النظافة وحسن المظهر واللقاء، وسنَّ للمقتدر أن يكون له ثوباً عمل وثوب صلاة ليوم الجمعة يلبس النظيف منهما، عن محمد بن يحيى ابن حبّان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما على أحدكم إن وجد ـ أو ما على أحدكم إن وجدتم ـ أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته " وفي رواية عنه عن ابن سلام : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " ما على .. إلخ " [6] .
هذا وقد أوصى عليه الصلاة والسلام صحابته وهم في بيئة حارة بالثياب البيض، لأن اللون الأبيض أقل الألوان اكتنازاً للحرارة، ولأن الوسخ والنجاسة يظهران عليها بجلاء، وذلك مدعاة في تنظيفها وتطهيرها وعدم إهمالها . قال عليه الصلاة والسلام : " عليكم بثياب البياض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب وكفّنوا موتاكم "[7].

صحة المسكن

نظافة المسكن :
إن النفس لتنشرح للمكان التنظيف وتنقبض لمنظر القذارة وإن قذارة المكان قد تصيب ثياب الإنسان المجاور أو بدنه فتحلق به وساخة أو جراثيم تكون سبباً في عدواه بالأمراض السارية.
وليتذكر المسلم أن طهارة مكان الصلاة شرط في صحة صلاته كما أسلفت لقوله تعالى : (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وهذا التطهير يشمل التطهير من الأنجاس والأقذار ومن مظاهر الشرك والآثام. وإن بيت المسلم الملتزم لا يخلو من الصلاة فيه أداء لفريضة أو تنقلاً أو تهجداً .
وسنرى أن الإسلام اهتم بنظافة الطريق فكيف بنظافة المسكن . يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم "[8].
وبما أن المساجد هي البيوت المعدة لأداء الصلاة ولاجتماع المسلمين لطلب العلم والتفقه في الدين، فإن الاعتناء بنظافتها آكد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"[9].
ومن تمام نظافة المسكن ومكان العمل، العناية بنظافة دورات المياه وتغطية علب الأوساخ منعاً لانتشار الروائح المستكرهة، ولئلا يقف عليها ذباب أو بعوضة أو صراصير، فتكون هذه واسطة لنقل الجراثيم إلى الأغذية وغيرها فتلوثها وتكون سبباً في عدوى الأمراض من ديدان وزحار وتيفوئيد وهيضة (كوليرا) وإنتانات معوية أخرى .
وبهذه المناسبة أذكر إخوننا أهل الريف أن يكون تخليهم في أماكن خاصة،لا في الفلاة ليقل انتشار الأمراض السارية والأوبئة وأن تكون دورات المياه بعيدة عن الآبار وعن موارد المياه لئلا تتلوث هذه وإذا لم يكون للمرحاض (سيفون ) فيجب تغطيته لأنّ الجرذان سبب في انتشار الطاعون، لأنها تمرض به وتنقله براغيثها إلى الإنسان، كما تنقل الجرذان جراثيم الأقذار.
ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الإنسان في مكان الاستحمام صوناً له من النجاسة وبعداً عن تردد الوسواس ببقاء النجاسة والإصابة ثانية برشاش الماء المنصبِ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لا يبولنَّ أحدكم في مستحمه فإن عامة الوسواس منه " [10] .
ويلزم أن تجمع أقذار المسكن في مكان منزو منه في سطل أو صندوق محكم الإغلاق يحوي كيساً من النايلون .
وينبغي ألا تترك الأقذار في البيت طويلاً، أي أكثر من أربع وعشرين ساعة، لما يخشى من ضررها بعد ذلك. وعلى الفرع المختص في دائرة البلدية تعهد نقلها بالطرق الصحية بما يمكن من السرعة. ويستحسن أن يضاف إلى هذه الأقذار شيء من الكلس المطفأ إن عرف أنها لن تنقل من المسكن بسرعة درءاً لضررها وأذاه[11].

وصايا صحية أخرى :
لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور تنفذ قبل النوم لوقاية البيت وساكنيه قال عليه الصلاة والسلام : " لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون " [12] فقد يتطاير شرر في النار يؤدي إلى حريق البيت وأذية من فيهن وقد ينتشر من النار غاز أوكسيد الفحم بكمية تؤدي إلى تسمم من في البيت . وتبقى هذه الوصية نافذة بالنسبة للمدافئ المنزلية التي تعمل بالمازوت أوالغاز أو الكهرباء، بسبب المخاطر التي قد يؤدي إلهيا العوارض التي يمكن أن تطرأ على تلك الآلات وسير العمل فيها.
ولئلا يدخل البيت لص أو حيوان مفترس أو حيوان مؤذ أو كلب أو مصاب بدون (الشريطية المكورة المشوكة) فيلح الضرر المباشر أو غير المباشر على ساكني المنزل أو محتوياته، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " خمِّروا الآنية وأوكئوا الأسقية وأجيفوا الأبواب وأطفئوا المصابيح فإن الفويسقة ربما جرَّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت "[13].
أي ربما جرت الفأرة فتيل السراج الزيتي المستعمل في الأزمنة السابقة فيحرق الطرف المشتعل من الفتيل البيت .
وفي إقامة المخيمات والنوم في طريق السفر أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يكون ذلك جوار الطريق مباشرة، لأن الطريق ممر الدواب ومأوى الهوام بالليل،إذ تأتي حيث ترمى الفضلات من غذاء المسافرين . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيهاً وإذا عرّستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل "[14].
نظافة الطريق :
إن نظافة الطريق أبهج لنفوس السالكين وأنقى للنسيم وأبعد عن أذى العاثرين ووسيلة هامة للحد من تكاثر الذباب ونقله لجراثيم الأمراض. وما أقبح عادة من يرمي الأقذار إلى الشارع من شرف الطوابق فتنتشر فيه وتسيء إلى منظره وهوائه وإلى الصحة العامة، فمن فعل ذلك فقد أذى مجتمعه ولوث سمعة بلده وفعل مستهجناً ووقع في الإثم .
إن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، وإن لفاعلها ثواباً عند الله تعالى .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بعض وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وإدناها إماطة الإذى عن الطريق، والحياء شبعة من الإيمان وقال : " بينما رجل يمشي بطريق وجد غُصن شوك على الطريق فأخَّره، فشكر الله له فغفر له " [16] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " عُرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن"[17].
فالتسبب في اتساخ الطريق وأذى المارة سيئة تنقص من درجة الإيمان الكامل وخاصة التخلي في طريق المارّة أو ظلهم. قال عليه الصلاة والسلام : " أتقو اللاعنين ، قيل : وما اللاعنان؟ قال : الذذي يتخلىّ في طريق الناس أو ظلهم "[18].

فعلى المواطنين كافة أن يساهموا في نظافة بلدهم، فلا يلقوا الأوساخ من النوافذ والشرف، بل يضعوها في أماكنها من الطريق ليلاً قبل جولة عمال التنظيفات، وهي في أكياس النايلون بعد إحكام ربطها وبعد إضافة شيء من المطهرات إذا أمكن .
ونأمل من رجال التنظيفات جزاهم الله خيراً وضاعف حسناتهم، أن ينشطوا في إماطة الأوساخ والأذى عن الطريق. ومن الواجب نقل الأقذار في صناديق محكمة الإغلاق، حتى لا تتناثر في الطريق أو تفسد الهواء برائحتها المستكرهة، وأن يكون النقل في الأوقات التي تكون الطرق والشوارع فيهاخالية من المارة كما في آخر الليل .
إن الإسلام طهارة ونظافة وعبادة ولطافة، والنظافة جمال وكمال، والطهارة ركن وقائي من الأمراض السارية، فتحلّوا بهما وربوا أولادكم عليها وساهموا في نشرهما في المجتمع وربوع الوطن ترضوا ربكم وتبلغوا المظهر اللائق بكم وتساعدوا في تخفيف وطأة الأمراض وانتشارها بينكم .

[1]رواه أبو داود، وعزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى المسند أيضاً ورواه ابن حبان والحاكم . وقال المناوي في فيض القدير : على شرطهما وأقره الذهبي : إسناده جيد .

[2]أخرجه مسلم واللفظ له والترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .

[3]الفيض القدير: في شرح ما يروى أنه عليه السلام قال إن الله جميل يحب الجمال سخي يحب السخاء، نظيف يحب النظافة، وهذا حديث أشار السيوطي إلى ضعفه .

[4]سورة المدثر ـ 4.

[5]التفسير الكبير للرازي

[6]أخرجه أبو داود كما في جامع الأصول . قال الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه : إسناده صحيح ورقمه في سنن أبي داود 1078 باب اللبس للجمعة .
الرواية الأولى مرسلة والثانية موصولة . وفي معنى هذا الحديث روى ابن ماجة عن عبد الله بن سلام مرفوعاً : " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته " وفي الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات . وأخرج عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : " ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته " .

[7]رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيد . ورواية الترمذي : " ألبسوا البياض فإنه أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم " وقال حسن صحيح .

[8]رواه الترمذي وقال حديث غريب وخالد بن إياس يضعف أ هـ فالحديث ضعيف .

[9]أخرجه البخاري ومسلم عن أنس .

[10]رواه الترمذي ورواه أبو داود بزيادة (مستحمه ) هي : ( ثم يغتسل منه ) وفي أخرى (ثم يتوضأ فيه .. الحديث ) وهو حديث حسن كما في جامع الأصول والتعليق عليه للأستاذ عبد القادر الأرناؤوط .

[11]فن الصحة

[12]رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر .

[13]رواه الترمذي في الأطعمة وأبواب الأدب وقال : هذا حديث حسن صحيح .

[14]أخرجه مسلم ورقمه 1926 والترمذي في أبواب الأدب ورقمه 2862 وأبو داود في الجهاد وفي رواية أبي داود عن جابر بعد قوله " حقها " " ولا تعدوا المنازل " .

[15]رواه مسلم عن أبي هريرة ورواية الترمذي : " الإيمان بضع وسبعون باباً أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأرقعها قول : لا إله إلا الله " .

[16]جزء من حديث رواه البخاري ومسلم

[17]رواه البخاري ومسلم ومالك والترمذي كما في جامع الأصول .

[18]رواه مسلم


  #342  
قديم 19-04-2008, 05:24 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

المعالجة بالكي في عهد الرسول*
بحث للدكتور محمود ناظم النسيمي
تحرق الكاويات الأنسجة حيث تفقدها ماءها وتفكك الخلايا العضوية المركبة لها.
والكاويات الفيزيائية النار، والمعادن المحماة فيها، كالحديد المحمى حتى درجة الأحمرار، والكاوي الحروريThermocautere ، والكاوي الكهربائي أو الغلفاني .
ومن الكاويات الكيميائية أو الأدوية الكاوية حمض الخل القابل للتبلر، وحمض الآزوت، وحمض الكروم، وحمض الصفصاف، وقلم نترات الفضة (حجر جهنم).
إن بحثي هذا لا يشمل الكيَّ بالأدوية الكاوية ولا بالأدوية المنفطة Vesicants كالثوم الذي استعمل مهروس لبَّه موضعياً في النقطة المراد كيّها، تمهيداً لتطبيق حمض الكيّ المشهور عند العامة، والذي يقر الطب بعض فوائده في بعض أنواع عرق النسا وبعض العصابات القطنية[1].
وأما الكيّ بالبرودة بواسطة حمض الفحم الثلجي، فهو طريقة حديثة نسبياً، تستخدم في الأمراض الجلدية، ولا تدخل في نطاق بحثي.
وإنما أعني الكيّ بالنار أو الحرارة، ولقد كان الأقدمون يجرون الكيّ بقضبان حديدية مجهزة بقبضة خشبية (أو غير مجهزة ) ومنتهية بأشكال مختلفة وبعد أن تحمى هذه القضبان على النار حتى تصير بلون أحمر مبيض أو أحمر قاتم، تكون بها النواحي المختلفة.
وتختلف تأثيرات الكيّ بالنسبة لنوع المكواة ودرجة حرارتها، فالمكواة التي تكون بلون أحمر مبيض يكون فعلها سريعاً، وعميقاً فلا تلتصق بالنسج التي تكويها، بل تقطعها بسرعة ولا تقطع النزف و الألم المحدث بها أخف من المكواة وهي في درجة الأحمرار القاتم، أما المكواة التي تكون بلون أحمر قاتم ففعلها أقل عمقاً، ويلتصق بالنسيج التي تكويها وتخثر الآحينات، وتقطع النزف ويكون الألم بها أشد[2].
وتختلف المكاوي في أشكال نهاياتها الكاوية وفي أحجامها بحسب مكان الكيّ والغاية منه، فمن رام الإطلاع على أشكال المياسم القديمة المستعملة إبّان حضارتنا، فهي مرسومة في باب الكي من كتاب( التصريف لمن عجز عن التأليف ) للزهراوي، ذلك الجراح العربي الإندلسي المشهور . وفي كتابه هذا فضل الكي بالنار على الكي بالأدوية المحرقة ( أي الكاوية ).
ولقد تطورت المكاوي في عصرنا، فاستنبطت المكواة الحرورية لـ باكلان [3] ولها نماذج مختلفة، ثم اخترعت المكواة الكهربائية[4]، وهذه أكثر تحكماً فيها وأسهل استعمالاً ولا سيما في الأماكن العميقة .
واستعمل الكي لمداواة بعض الآلام العصبية المختلفة في التهاب العصب الوركي والأعصاب الوربية فيستعمل لهذه الحالة الأخيرة الكي النقطي.
ولا يجوز استعمال الكي عند المصابين باستحالة العضلة القلبية وتصب الشرايين، لأن الكي يرفع الضغط الشرياني وكذلك لا يجوز استعماله عند الأشخاص المستعدين للغشي (الإغماء) .
هذا وإن الكي بالنار قد استعمل حتى يومنا هذا في باديتنا وريفنا، وإن قلّت حوادثه، إما صرفاً وإما متبوعاً بوضع شيء على الكيَّة لتأخير برئها بقصد استمرار سيلان اللنف منها، حتى يتخلص الجسم من أخلاطه السيئة ـ كما يظنون ـ وتتنبه في العضوية وسائل الدفاع كما يقصد ذلك من استعمال حمضه الكي .

ويجدر بنا في هذه المقدمة، أن نستعرض بعض المعلومات اللغوية عن الكي قبل الخوض في صلب الموضوع .
قال في القاموس المحيط : كواة يكويه كياً : أحرق جلده بحديدة ونحوها، وهي المكواة، والكية موضع الكي. والكاوياء ميسم . واكتوى استعمل الكي في بدنه، وتمدح بما ليس فيه . واستوى طلب الكي.
وقال : الوسم أثر الكي جمعه وسوم. وسمّه يسمِه وسماً وسمة فاتسم. والميسم بكسر الميم المكواة بما ليس فيه. واستكوى طلب الكي.
وقال : الوسم أثر الكي جمعه وسوم. وسمّه وسماً فاتسم . والميسم بكسر الميم المكواة جمعه مواسم ومياسم .
وفي المختار : يقال آخر الدواء الكي، ولا يقال آخر الداء الكي.

مغالات الأعراب في المداواة بالكي :
لقد أكثر العرب قبل الإسلام من استعمال الكي كواسطة علاجية، ولا سيما من قبل الأعراب سكان البادية، حيث تندر الأطباء والأدوية. ومن المتوقع عندما تفشل الأدوية المجربة أو يفقد الدواء الناجع، أن يسعى المريض هو أو ذووه للتخلص من مرضه، وأن يتقبلوا أي وسيلة، ولو كانت مشكوكة النتائج، ولو كانت مؤلمة كالكي بالنار، ويزيدهم تقبلاً للكي أنهم يرون ويسمعون عن بعض فوائده، ولو كانت بعض تلك الفوائد المشاهدة حادثة بطريقة المصادفة أو نتيجة الإيحاء الغيري أو الذاتي بالاعتقاد . ولهذا وردت الحكمة الشعبية العربية القائلة : (آخر الدواء الكي ) .
وبما أن الكي فيه ألم وشدة على مطبقيه، فقد جرت تلك الحكمة مجرى المثل عندما يبت في أمر ما، ويحسم بالشدة بعد أن جرب فيه الرفق واللين، فيقال لدى تطبيق الأمر الأشد : ( آخر الدواء الكي ّ)[5].
ولقد تخطيء العامة في تطبيق حكمة الكي حدود المعقولية، وغالوا في استعماله وتوسعوا فيه شعبياً، وأصبح الكي يجري بتوسع من قبل غير الأطباء والخبراء، ولمجرد رغبة المريض أو ذويه بذلك، أو وصف المتطيب الجاهل له، وأضحى الكي ينفذ وقاية من مرض أو لتوهم أنه يحسم العلة ويمنع تفاقمها، أو لاعتقاد أن الشفاء به يمنع النكس.
لقد توارث العامة، ولاسيما أهل البداوة، هذه المغالاة في استعمال الكي مع الأخطاء في الاستطباب والتطبيق عبر العهود والعصور الغابرة حتى يومنا هذا .
ولقد أشار إلى تلك المغالاة الجراح الزهراوي المتوفى سنة 500 هـ .
فقال في كتابه التصريف : ولايقع ببالكم يا بني ما توهمه العامة وجهالة الأطباء، أن الكي الذي يبرئ من مرض ما، لا يكون لذلك عودة أبداً وتجعلوه لزاماً، وليس الأمر كما ظنوا، وقال: وأما قول العامة أيضاً: إن الكي آخر الطب فهو قول صوبا، لا إلى ما يذهبون هم، لأنهم يعتقدون أن لا علاج ينفع بدواء ولا بغيره بعد وقوع الكي، والأمر بخلاف ذلك، وإنما معنى أن الكي آخر الطب، إنما هو أننا متى استعملنا ضروب العلاج فينجع [6]، فمن هنا هنا وقع أن الكي آخر الطب، لا إلى المعنى الذي ذهب إليه العامة وكثير من جهال الأطباء أ هـ .
وما زلنا معشر الأطباء، نرى في زماننا أناساً من القبائل البدوية وممن جاورهم من سكان الأرياف، قد أكتوى فلم يشف لوم يخفّ ألمه، بل ضم إليه ألماً جديداً، وشوه بالكي جمال أعضائه الخلقي. وإن منهم من أصيب بالكزاز، نتيجة تشغيله الكية بورقة قذرة قاصداً ما يبتغي من حمصة الكي .

موقف الرسول العربي من تلك المغالاة:
جاء الإسلام والمغالاة في استعمال الكي شائعة، يعرضون به أجسامهم لآلام النار وتشويهها فيما لا جدوى منه، وما جاء من رسول إلا وكانت له القيادتان الدينية والدنيوية، ومن مهام الدولة نشر مناهج الطب الوقائي، وتقنين ممارسة المهن الطبية، ومكافحة الشعوذة والدجل في الطب وفي غيره.
فأبى رسول الرحمة والإنسانية أن يعذبوا أنفسهم بأوهام لا تنفع، فنهاهم عن الكي وعن الأدوية الوهمية، ووضح لهم أن استعماله مشروط بموافقة للداء، أي بوجود استطباب له .
ورغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تعيد أمته النظر في استعمال أدويتهم الشعبية، التي يمارسون تطبيقها دون استشارة طبيب، وأن يبعدوا عنها المغالات، وأن يقتصروا في تطبيقها على مجالات معينة حيث تفيد، فنبههم إلى أن الدواء، إنما يشفي بإذن الله تعالى، إذا وافق الداء، أي لابد من تشخيص ولابد من اختيار دواء ملائم يستعمل بمقدار وبطريقة موافقين، فقال عليه السلام : " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل " [7]
وأورد عليه السلام ذكر الأدوية الشعبية في زمانه، وهي الحجامة المدماة والكي والعسل، فاعترف بأنها لها فوائدها، ولكنه نبه إلى أن استعمالها طبياً، يجب أن يكون موافقاً للداء أي تابعاً لوجود استطباب، وكرر النهي عن الكي والرقى ـ وهي المعالجة الروحية بالقراءات ـ وذلك لشدة الشطط في استعمالها دون مبرر علمي .
1. روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن كان في شيء من أدويتكم، أو يكون في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لدغة بنار توافق الداء وما أحبّ أن أكتوي" قال الحافظ ابن حجر في شرحه (توافق الداء) : فيه إشارة إلى أن الكي إنما يشرع عندما يتعين طريقاً إلى إزالة الداء، وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق أ هـ .
أقول : إن الضمير المستتر في كلمة توافق يجوز رجوعه إلى (لذعة بنار) أقرب مذكور ويجوز رجوعه إلى الثلاثة (شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار) .
وهذه الرواية للبخاري هي أدق تعبيراً من الروايات الأخرى التي رواها هو أو غيره في هذا الباب .
2. وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي " قال ابن حجر : ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة، فإن الشفاء قد يكون في غيرها أهـ .
أي لم يرد النبي عليه السلام الحصر الحقيقي، وإنما قصد حصراً نسبياً أو إضافياً يقصده المتكلم، ويستعمله في بيانه كأسلوب من أساليب البلاغة، لجذب الانتباه إلى ما يقصده ويتكلم عنه ويتعلق به غرضه من ذلك البيان[8].
3. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي وكان يكره شرب الحميم " [9] يعني الماء الحار.
4. وعن سعد الظفري (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي، وقال : أكره شرب الحميم )[10].
5. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي )قال : فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا[11]. وفي رواية : (نهينا عن الكي ) .
قال الخطابي : قيل إنما نهي عمران خاصة عن الكي، لأنه كان به ناصور، وكان موضعه خطراً فنهاه عن كيه، فيشبه أن يكون النهي منصرفاً إلى الموضع المخوف منه والله أعلم
[12] وبهذه المناسبة أذكر أن الزهراوي ذكر في كتابه (التصريف) معالجة بعض نواسير المقعدة بالكي مع احتمال عدم الاستفادة .

إن النهي عن الكي في الأحاديث السابقة، ليس على عمومه وإطلاقه، فقد وردت أحاديث نبوية سنراها تفيد استعمال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للكي، فالنهي منصبّ على الاستعمال الشعبي المغالي في تطبيقاته، دون وجود استطباب، ولذا قال ابن حجر في فتح الباري: ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكي وبين استعماله، أنهلا يترك مطلقاً ولا يستعمل مطلقاً، بل يستعمل هذا التفسير يحمل حديث المغيرة رفعه " من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التواكل " أهـ .
وفي التعقيب على عنوان عقدة البخاري بقوله : ( باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو) . قال ابن حجر : كأنه أراد أن الكي جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين [13] وأنه إذا جاز كان أعمّ من أن يباشر الشخص ذلك بنفسه أو بغيره لنفسه أو لغيره، وعموم الجواز مأخوذ من نسبة الشفاء إليه في أول حديثي الباب، وفضل تركه من قوله عليه السلام : " وما أحب أن أكتوي " أ هـ .
وقال المازري
[14] : وقوله عليه السلام : " وأنا أنهى أمتي عن الكي " وفي الحديث الآخر : " وما أحب أن أكتوي " إشارة إلى أن يؤخر العلاج به، حتى تدفع الضرورة إليه،ولا يوجد الشفاء إلا فيه، لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي أ هـ .

هذا وإن الاكتواء من دون استطباب علمي يعد تعلقاً بالأوهام، والتعلق بالأوهام منافٍ للتوكل على الله تعالى، كما سنرى في الحديثين التاليين .
6. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكتوى أو أسترقى فقد برئ من التواكل "[15].
7. وروى الإمام مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : " قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، قال : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : هم الذي لا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون " وفي رواية نحوه ، وزاد فيها: " ولا يتطيّرون " .
وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، في حديث طويل عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب.. فقال : " هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون " .
ولدى مطالعتي هذا الحديث، خلال تجميعي لمعلومات عن مفهوم التوكل في الإسلام، قلت في نفسي إن رسولنا عليه السلام لم يقل : ( هم الذين لا يتداوون وعلى ربهم يتوكلون ) بل قال : " هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون ) بل قال : " هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون "، وقال في حديث آخر :" .. نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، أو قال دواء واحداً، قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : الهرم " [16] .



يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
  #343  
قديم 19-04-2008, 05:28 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ... المعالجة بالكي في عهد الرسول*
وبما أن الأخذ بالأسباب اليقينية والعلمية لا يتنافى في الإسلام مع مفهوم التوكل، كما هو واضح لكل من له إلمام بتعاليم الإسلام، وبما أن الأعراب والعامة تجاوزوا في استعمالهم الكي والرقى حدود الطب والعلم، تمشياً مع الشائعات، كما يفعل الأعراب في معظم حوادث الكي، هو الذي تنافى مع التوكل. ثم وجدت أن الإمام الغزالي رحمة الله تعالى قد سبقني إلى هذا الذي تنافى مع التوكل (إحياء علوم الدين )، وذلك في بحثه القيم المستفيض عن التوكل، فقال تحت عنوان (الفن الرابع في السعي في إزالة الضرر كمداواة المرضى وأمثاله ) : أعلم أن الأسباب المزيلة للمرض، تنقسم إلى مقطوع به ومظنون وموهوم. والموهوم كالكي والرقية، أما المقطوع فليس من التوكل تركه، إذ به وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين، وأقواها [17]الكي ويليه الرقية، والطيرة آخر درجاتها، والاعتماد عليها والاتكال إليها غاية التعمق في ملاحظة السبب. وأما الدرجة المتوسطة وهي المظنونة كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء، ففعله ليس مناقضاً للتوكل بخلاف الموهوم، وتركه ليس محظوراً بخلاف المقطوع .
ويدل على أن التداوي غير مناقض للتوكل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله وأمره به .. أ هـ .
ثم أورد الإمام الغزالي شواهد حديثة على ذلك .
إن الكي الذي تكلم عنه الغزالي، هو الكي شاعت المغالاة فيه عند العامة، يستعملونه دون استطباب جازم أو وصف طبيب خبير، ولذا جعله مثالاً للأسباب الموهومة، التي يتنافى الأخذ بها مع التوكل. إن ذلك الكي المغالي فيه هو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا الكي المنفذ بناء على وصفة طبيب واستطباب علمي كما أوضحت، وكما سيأتي بيانه من فعل الرسول وصحابته له لدى وجود استطباب.
قال ابن حجر في شرحه لحديث البخاري الوارد آنفاً في التوكل : والحق أن من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض، لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب، ابتاعاً لسنته وسنة رسوله، فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم في الحرب بين درعين، ولبس على رأسه المغفرة، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، وهاجر هو أصحابه، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن ينزل من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك، وقال للذي سأله : أعقل ناقتي أو أدعها ؟ قال : اعقلها وتوكل، فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل والله أعلم أ هـ .
التكميد مكان الكي :
لقد لاحظ محمد عليه السلام أن العرب يكثرون من استعمال الكي، ولا سيما في معالجة الآلام، ولا شك أنه يفيد في بعض أنواعها كما سنرى، وكما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " إن كان في شيء شفاء ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار تصيب ألماً ولا أحب أن أكتوي [18].
فأشار إلى أن الكي بالنار الموافق والمصيب لنوع من الآلام هو دواء، ولكنه غير محبوب عنده.
وكما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي الذي يجري من دون استطباب صحيح، فإنه أشار إلى بديل عنه، والبديل واسطة علاجية فيزيائية مسكنة للألم تفيد في كثير من المجالات التي يستعمل فيها الكي عند قومه، ولكنه دون أن تضيف إلى المريض ألماً جديداً، كما يمكن استعمالها قبل الكي فلعلها تغني عنه.
تلك الواسطة هي التكميد العضو كما في مختار الصحاح تسخينه بخرق ونحوهاوكذا الكماد بالكسر.
وفي القاموس المحيط في الكمد .. والاسم الكماد ككتاب وهي أيضاً خرقة وسخة تسخن وتوضع على الموجوع يشتفي بها من الريح ووجع البطن كالكمادة، وتكميد العضو تسخينه بها.
1. فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مكان الكي التكميد .. "[19].
2. وعن عبد الله بن مسعود أن ناساً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن صاحباً لنا اشتكى أفنكتوي؟ فسكت ساعة ثم قال : إن شئتم فاكووه، وإن شئتم فارضفوه " [20] قال ابن الأثير في النهاية أي كمدوه بالرضف، والرضف الحجارة المحماة على النار واحدتها رضفة أ هـ .
أقول : ولا يزال الطب الشعبي حتى زماننا يعالج مغص البطن وبعض الآلام ولا سيما البرودة بالتكميد بخرقة مسخنة أو بحجرة أو فخارة مسخنة بعد لفها بخرقة، تحاشياً من حدوث حرق.

أما الطب في زماننا، فإنه يستعمل التكميد Fomentation لمكافحة الألم أو لغرض آخر، ويستعمل لذلك القماش المبلول بالماء الحار في حرارة محتملة، وقد يضاف إليه بعض الأدوية[21].
واقعات من المداواة بالكي في العهد النبوي :
لقد بينت أن الرسول عليه السلام اعترف بالكي كدواء عندما يوافق الداء، أي عندما يكون له استطباب علمي. ولقد سجلت كتب الأحاديث النبوية إضافة إلى ما أوردت اخباراً من معالجات بالكي جرت في العهد النبوي من قبل النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبل صحابته الكرام. أما الاستطبابات الداعية إلى الكي في تلك الحوادث المروية فهي :

أ‌. قطع النزيف الدموي
ب‌. معالجة الألم الجنبي
ت‌. معالجة اللّقوة (أي شلل العصب الوجهي ) .

أ‌. الكي لقطع النزيف:
لقد استعمل الكي بالنار لقطع النزيف منذ القديم، واستعملت لذلك المكواة التي تكون بلون أحمر قاتم، ولا يزال يستعمل الكي لذلك الغرض في عصرنا الحديث، وإن تطورت الأدلة إلى استعمال المكواة الكهربائية .
ولقد ورد في السنة استعمال الكي لقطع النزيف في حادثتين: الأولى لقطع نزيف جرح حربي، والثانية لقطع الوريد المفصود.
أما الحادثة الأولى، فقد كانت في غزوة الخندق( أي الأحزاب عندما تراشق المؤمنون والكافرون بالنبال عبر الخندق، فأصاب سهم من سهام العدو سعد بن معاذ فقطع أكحله (أي عرقاً ف وسط ساعده ) فنزف، فأسعفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكوى مكان النزيف بنصل سهم محمى على النار بغية إيقاف النزيف، ثم أخلاه من أرض المعركة، إلى مستشفى عسكري أقيم لجرحى الحرب في خيمة ضربها عليه السلام في المدينة المنورة في مسجده الشريف، وجعل فيه الممرضتين الصحابيتين رفيدة الأنصارية أو الأسلمية (نسبة إلى قبيلتها أسلم) وكعيبة الأسلمية رضي الله عنهما.
روى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (رمى سعد بن معاذ في أكحله، فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص [22]، ثم ورمت فحسمه الثانية ) .
وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت : " أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد خيمة يعوده من قريب".
قال الخطابي : إنما كوى صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ليرقأ الدم عن جرحه، وخاف عليه أن ينزف فيهلك، والكي يستعمل في هذا الباب، كما يكوى من تقطع يده أو رجله[23].
أما الحادثة الثانية فقد رواها الإمام مسلم أيضاً عن جابر، قال : (بعث رسول الله إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه ) . والكي في موضع الفصادة إنما هو لإيقاف النزيف بعد سيلان مقدار كاف من الدم .
ب‌. معالجة الألم الجنبي بالكي :
ينشأ الوجع المستقر في الصدر عن آفة في غشاء الجنب، أو في الرئة وقد ينشأ عن علة في الجلد أو العضلات والأعصاب الوربية، أو عظام القوصرة الصدرية.
وعلى ذلك فقد ينشأ ألم الجنب عن علة رثوية في العضلات، فيدعى (الوجع الجنبي Pleurodynie) أو عن ألم عصبي وربي Nevralgie Intercostale أو عن التهاب عظم.
ويغلب أن يكون الوجع الناخس Point de costدليل علة في غشاء الجنب أو الرئة [24] وبحسب اختلاف السبب يختلف شكل الوجع الناخس.
يبدو الألم العصبي الوربي في غصن واحد أو عدة غصون قدامية من الأزواج الصدرية، وهو إما محيطي وإما جذري، ولكل منهما أسباب عديدة، ومن أسباب المحيطي آفات الجنب[25].
إن ذات الجنب في لغة العرب، كانت تطلق على كل ألم في الجنب، أي على كل علة صاحبت ألماً في الجنب، فإن معنى ذات الجنب صاحبة الجنب، أما بعد ترجمة الطب اليوناني، فإن أطباء العرب أضحوا يطلقونها على المراد عند اليونان، أي على التهاب غشاء الجنب Pleuresie وقد يسمون غيرها بذات الجنب غير الحقيقة[26].
وهاكم حادثة عن ذات الجنب في العهد النبوي، وعولجت بالكي :
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " .. كويت من ذات الجنب ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وشهدني أبو طلحة وأنس بن النضر وزيد ابن ثابت، وأبو طلحة كواني "[27].
وبما أن ذات الجنب في لغة العرب تشمل أنواعاً مختلفة من أمراض تسبب ألماً جنبياً، فعلينا أن نفكر بالأنواع التي تستفيد من الكي. ولدينا الاحتمالات التاليان:
الأول أن تكون الإصابة رثية عضلية في عضلات الصدر ناتجة عن البرد، الثاني أن تكون الإصابة ألماً عصبياً وربياً، ولهذا أسباب مختلفة. ولم ينقل لنا التاريخ ما يمكننا من تمييز المؤدي إلى ألم الجنب عند ذلك الصحابي .
أ‌. إذا كانت إصابة أنس رضي الله عنه جنبياً، أي رثية عضلية فإن التكميد والمحمرات والمراهم والطلاءات المسكنة كثيراً ما تغني عن الكي.
ولقد روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مكان الكي التكميد" ليبدأ به الطبيب والمريض قبل استعمال الكي فلعله يغني، وإضافة إلى ذلك قد أوصى عليه الصلاة والسلام في مناسبة أخرى، أن يطلى مكان الألم الجنبي بالقسط و الزيت .
روى الترمذي عن ميمون أبي عبد الله قال : سمعت زيد بن أرقم قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت
[28] .

قال ابن طرخان: القسط البحري، وهو العود الهندي على ما جاء مفسراً في أحاديث أخرى، هو صنف من القسط إذا دق ناعماً وخلط بالزيت المسخن ودلك من مكان الريح المذكور أو لعق، كان موافقاً لذلك نافعاً أ هـ[29].
قال المرحوم الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في كتابه (فيض الباري بشرح البخاري) :
القسط الهندي يحصل من كشمير والمراد (كست) والعود الهندي (أكر) وليس بمراد هنا، فلينتبه فإنه مضر.
لقد أختلف وتبدل المراد من القسط باختلاف الأقطار والحضارات عبر العصور
[30] حتى أنه ليعسر علينا اليوم تحديد النوع المشار إليه في الحديث النبوي. ولكن يبقى الفهم بأن الطلاءات المسكنة، يمكن استعمالها في الوجع الجنبي البردي، وفي زماننا مراهم وبلاسم كثيرة لهذا الغرض.

ب‌. وإن كان الألم الجنبي عند ذلك الصحابي ألماً عصبياً وربياً فإن الطب الحديث ظل حتى أواسط القرن العشرين، يلجأ إلي الكي ولا سيما النقطي [31] في تسكين هذا الألم إذا لم تفند فيه الأدوية الأخرى.
ت‌. تكلم الأستاذ الدكتور حسني سبح في كتابه( موجز الأمراض العصبية) عن الألم العصبي الوربي، وقال في معالجته : يكافح السبب أولاً، ويعالج الألم العصبي معالجة بقية الآلام العصبية، وقد ينجع فيه الكي أو حقن الغول بحذاء الغصون الثاقبة.
ولقد أشار إلى استطباب الكي النقطي في معالجة الألم العصبي الوربي، كل من الأساتذة الدكتور عزة مريدن في كتابه (علم الأدوية) في بحث (الكاوي الحروري)، والدكتور نظمي القباني في كتابه (الجراحة الصغرى)في بحث (الكي بالنار) والدكتور مرشد الخاطر في كتابه (فن التمريض ) في بحث (الكي) .
ولكهم أساتذة في كلية الطب بجامعة دمشق درّسوا كتبهم تلك حتى ما بعد منتصف القرن العشرين .
ولا شك أن تقدم الطب الحديث ووسائل التشخيص التفريقي وعلم الأدوية وفن المداواة، ألغى كثيراً من استعمالات الكي في مداواة الألم .
ث‌. معالجة اللقوة بالكي :
اللقوة هي شلل العصب الوجهي Paralysie Faciale والبرد هو السبب الغالبة في إحداثها، فتنسب إليه حينئذ، وتعرف باللقوة الرثوية أو البردية.
وكان يعلل تأثير البرد بالتهاب العصب أو احتقانه وتورمه وانضغاطه في القناة العظيمة التي يخترقها، أعني قناة فاللوب حتى خروجه منها من الثقبة الإبرية الخشائية. وفي السنين الأخيرة علل حدوث اللقوة البردية، بتشنج الأوعية الدموية المغذية للعصب، ولذا أضحت الأدوية الموسعة للأوعية .
وأعتقد أن اللقوة التي استفادت من الكي في العصور الغابرة هي اللقوة الشائعة بالكي أي اللقوة البردية . وهاكم حادثتان وقعتا في عهد الرسول العربي وعولجتا بالكي، ونقلهما لنا التاريخ باختصار.
أخرج الإمام مالك في موطئه عن نافع مولى ابن عمر رحمه الله : " أن ابن عمر أكتوى من اللقوة ورقي من العقرب"[32].
وعن أبي الزبير المكي قال : رأيت عبد الله بن عمر بن الخطاب وقد أكتوى في وجهه من اللقوة[33].
وروى ابن سعد في طبقاته باستناد صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن أبا طلحة أكتوى وكوى أنساً من اللقوة[34].
يتبــــــــــــــــــع
  #344  
قديم 19-04-2008, 05:32 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ... المعالجة بالكي في عهد الرسول*
وبما أن الزميل الدكتور سلمان قطاية المتخصص بأمراض الأذن والأنف والحنجرة، له اهتمام خاص باللقوة وبالعمل الجراحي المناسب إذا اقتضى الأمر، وله اهتمام بتاريخ الطب العربي، فقد أخبرته عن الحادثة الأولى وسألته :
هل رأيت في مطالعاتك في الطب العربي ما يشير إلى مداواة اللقوة بالكي فأجاب: نعم في القانون لابن سينا، ولى تعليق على ذلك في مقالة نشرته، ثم أطلعني عليه . ثم نشر الزميل ذلك المقالة بعنوان: " أمراض الأذن والأنف والحجنرة عند ابن سينا"[35].
فعلل الزميل أولاً فائدة محمرات الجلد التي وصفها ابن سينا في معالجة اللقوة، بأن سبب اللقوة هو تشنج الأوعية المروية للعصب فيسبب ذلك التشنج فقر دم موضعي ووذمة ، والعلاج هو الأدوية الموسعة للأوعية والأدوية المحمرة في اجتهادي ليست سوى ضرب من ضروب الأدوية الموسعة للأوعية أ هـ .
ثم علل الزميل فائدة الكي في معالجة اللقوة، كم وصفها ابن سينا، فقال : هذا ويشير (أي ابن سينا) إلى ضرورة " كي العرق الذي خلف الأذن " تلك المنطقة التي يخرج منها العصب الوجهي من الثقب الإبري الخشائي، وربما كان للكي تأثير موسع للأدوعية عن طريق المنعكسات. ومن يستغرب ذلك بعد أن برهن العلماء الصينيون عن فائدة الوخز بالإبر المسخنة أ هـ .
أوافق الدكتور قطاية على تعليله هذا، وأضيف تعليلاً آخر وهو إمكانية انطلاق مواد تتولد في الأنسجة المحترقة وما جاورها نتيجة للكي، لها فعل موسع وعائي أيضاً .

ويحتاج إثبات ذلك أو نفيه إلى دراسات عليا، وتجارب من قبل المتخصصين في مراكز الأبحاث العلمية .
ثم إني استعرت الزميل الكريم كتاب ( التصريف لمن عجز عن التأليف) فوجدت أن الزهراوي يشير في اللقوة بإجراء الكي في ثلاث نقاط، توافق غصون شعب العصب الوجهي المعصبة لعضلات القحف والعضلة المدارية الجفنية ولعضلات الشفتين . وإليكم نص عبارته :
قال رحمه الله تعالى : اللقوة التي تعالج بالكي إنما تكون من النوع الذي يحدث من البلغم [36] على ما ذكرت في تقاسيم الأمراض، ويجتنب كي النوع الذي يحدث من جفوف وتشنج العصب. متى عالجت هذا النوع من اللقوة بالارياجات والسعوطات والغراغر فلم ينجع علاجك، فينبغي أن تكوي العليل ثلاث كيات : واحدة عند أصل الأذن، والثانية أسفل قليلاً من صدغه، والثالثة عند مجتمع الشفتين. واجعل كيّك من ضد الجهة المريضة،لأن الاسترخاء إنما يحدث في الجهة التي تظهر صحيحة. وصورة الكي أن تكويه كية بإزاء طرف الأذن الأعلى تحت قرن الرأس قليلاً، وأخرى في الصدغ ويكون طولها على قدر الإبهام، تنزل بالكي يدك حتى تحرق قدر نصف ثخن الجلد، وهذه صورة المكواة وهي نوع من السكينة التي تقدمت صورتها إلا أنها ألطف قليلاً كما ترى .
ورسم جراحنا العربي المكواة ثم قال : وينبغي أن يكون السكين فيه فضل غلظ قليلاً، ثم تعالج الموضع بما تقدم ذكره حتى يبرأ إن شاء الله تعالى أ هـ .
ولقد ذكر سابقاً في بحث كي الشقيقة أن تشرّب قطنة من ماء الملح وتوضع على الكية وتترك ثلاثة أيام، ثم تحمل القطنة بالسمن ثم تعالج بالمراهم إلى أين بيرأ .
وأخيراً في أواخر عام 1976 فوجئت برسالة أتتني من الجمهورية العربية اليمنية من مستشفى الشهيد العلفي في الحديدة من اليمن الشمالية. كتبها أحد زبائني المصاب من سنين عديدة بربو قصبي، فقصّ لي أنه دخل هذا المستشفى بنوبة ربوية، فأجريت له عملية زرع الغدة تحت المخ (يعني الغدة النخامية ) لأرنب ذبح حديثاً، وذلك تحت الجلد بين الثديين بتخدير موضعي وعلى سريره فتحسن، ثم قال : لفت انتباهي معالجة الشلل من المواطنين في الحديدة من هذا الجهاز، وحبذ في رسالته استعمال هذا الجهاز الصيني في قطرنا وبلدتنا .
مما سبق يتبين لنا أن معالجة الجروح النازفة والألم الجنبي واللقوة البردية بالكي، لها وقائع في عهد الرسول العربي، أي قبل ترجمة الطب اليوناني والفارسي والهندي وقبل إشارة ابن سينا والزهراوي وغيرهما إلى تلك المعالجة.
وهذا يدل على أن للعرب طباً في جاهليتهم وبعد الإسلام قبل عصر الترجمة، وأن انشغال المسلمين السابقين بالجهاد واهتمامهم برواية تعاليم الدين الجديد، زهَّدتهم في نقل الكثير من أخبار الطب، ولعلي بإذن الله أستطيع أن أجمع باقات من تلك الأخبار أقدمها في مناسبات أخرى ف سلسلة أبحاثي عن الطب النبوي والطب في عهد الرسول العربي .
القديم النافع يطور ولا يهمل بالكلية:
كثر وشاع استعمال الكي في العصور القديمة والمتوسطة، لضعف وسائل التشخيص التفريقي وقلة الأدوية النوعية، ولا يعني وصفه بالقديم، أن ذكراه أمر تاريخي بحت. فلقد أوضحت في واقعات جرت في العهد النبوي تمت فيها المعالجة بالكي، وبقي استطباب الكي في بعضها حتى اليوم، وإن تطورت الآلة الكاوية من حديد محمى بالنار إلى مكواة حرورية، ثم إلى مكواة كهربائية يسهل استعمالها، ويمكن استخدامها في كي الأماكن العميقة أو الدقيقة من الجسم .
وأحب أن أذكر أمثلة أخرى من أستطباب الكي القديمة الباقية حتى عصرنا هذا، ولكن الآلة الكاوية تطورت وأصبحت الفن في استعمالها أرقى .
1. لقد استعمل الكي قديماً في مداواة الجروح السامة المختلفة الناجمة عن عض الكلاب الكلبة والأفاعي السامة، بقصد تخريب مكان الإصابة بالنار فيتلف فيه العامل الممرض أو السام لسم الأفعى ، ولم يكتشف فيه اللقاح الباستوري المضاد للكلب، ولم يجهز فيه مراكز لمعاجلة الكلب ومكافحته. ولا يزال الكي وسيلة إسعاف أولية في ذلك، ولا سيما عندما يكون المصاب في مكان ناءٍ عن المراكز الصحية .
2. واستعمل الكي لتخريب الأنسجة المريضة واستئصال بعض الأورام، كالأورام الباسورية والثآليل والتنبيتات والأورام الحليمية [37] وغيرها . حتى إن الزهراوي ذكر معالجة الثآليل بكيها بمكواة تشبه الميل تدخل في نفس التؤلول مرة أو مرتين . أما في عصرنا الحديث فقد حل الكاوي الحروري محل الكي بالميل الحديدين ثم حل الكاوي الكهربائي الدقيق محل السابقين في معالجة الثآليل[38].
3. ولقد أشرت إلى أن العلماء الصينين طوروا طريقتهم في المعالجة بالوخز بالإبر السخنة بواسطة حشائش تربط في عقبها ثم تحرق، واليت يعود تاريخ استعمالها إلى آلاف من السنين خلت، طوروها إلى جهاز كهربائي يستعمل فيه التيار لستخين الإبر الذهبية وهزها بلطف.
يلتزم الأطباء الصينيون التقليديون منهم بالنقاط المحددة في الكتابات القديمة، بينما يحاول الأطباء الشباب وبينهم عدد كبير من درسوا في الجامعات الغربية ـ تطبيق وتجربة هذه الوسيلة في نقاط جديدة ، وقد استعاضوا منذ عدة سنوات عن تحريك الإبر باليد بوصلها بتيار كهربي، وقد لا حظوا أن ا لنتائج أصبحت أفضل مما كانت عليه[39].
فيجدر بكل أمة أن تستفيد من تراثها العلمي، فتعيد النظر فيه وفي الطرق الشعبية المبنية عليه، ثم تطور النافع منه لصالح الإنسانية وصالح نموها وإثبات شخصيتها ودعم اقتصادها. فكم من جواهر ثمينة في تراثنا أهملناها ونحن في جو من عواطف الشغف بكل جديد،وكم أضرت أدوية جديدة تحمسّ العالم، ثم تبين له بعد سنين أن لها آثاراً مسرطنة أومشوهة للجنين أو ضارة بأحد أعضاء أو أجهزة الجسم، فالعلم لا يفرق بين قديم وجديد وله وزيران هما التجارب والاستنتاج الفكري للعالم الخبير النزيه.
مصادر البحث :
1. صحيح الإمام البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 ـ 256هـ ) .
2. صحيح الإمام مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (206 ـ 261) هـ .
3. سنن الترمذي لأبي عيسى محمد الترمذي (209 ـ 279) هـ
4. جامع الأصول في أحاديث الرسول لأبي السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري (544 ـ 606) هـ .
5. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لنور الدين الهيثمي (735ـ 807) هـ
6. فتح الباري بشرح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني (773ـ 853)هـ
7. الأحكام النبوية في الصناعة الطبية لأبي الحسين علي الكحال (650ـ 720) هـ
8. التصريف لمن عجز عن التأليف للجراح العربي الأندلسي أبي القاسم خلف بن عباس الزهراوي المتوفى سنة 500 هـ 1013 م .
9. مباحث في الجراحة الصغرى للأستاذ الدكتور نظمي القباني .
10. علم الأدوية للأستاذ الدكتور عزة مريدن
11. موجز الأمراض العصبية للأستاذ الدكتور حسني سبح
12. فن التمريض للأستاذ الدكتور مرشد خاطر
13. المجلة الطبية العربية التي تصدرها نقابة الأطباء في الجمهورية العربية السورية .

* بحث قدم في المؤتمر السنوي الثاني للجمعية السورية لتاريخ العلوم المنعقد بجامعة حلب 6 ـ 7 نيسان 1977.[1] علم الأدوية للأستاذ عزة مريدن .

[2] مباحث في الجراحة الصغرى (لسنة 1950ـ 1951) للأستاذ نظمي القباني .

[3] والقاعد التي تستند إليها هذه المكواة هي أن البلاتين متى أحمر بعد تسخينه يبقى متألقاً إذا لامس مزيج من الهواء وأبخرة بعض الأجسام الملتهبة كالبنزين .

[4] وتتركب هذه المكواة من خليط من البلاتين معقوف كالعروة يسخن لدرجة الاحمرار بإمرار تيار كهربائي منه.

[5] قال ابن حجر في الفتح : كانت العرب تقول في أمثالها : ( آخر الدواء الكي )، وينسب أهل الأخبار المثل المذكور إلى لقمان بن عاد وفي نسبتهمهذه دلالة على قدم هذه المعالجة عند العرب.

[6] أقول : ولعل : العبارة في الأصل (فقد ينجع ) لا الجزم بالفائدة .

[7] رواه الإمام أحمد والإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه .

[8] . إن تقسيم الحصر إلى حقيقي وإضافي (أو نسبي ) بحث أصولي ولقد أشار إليه الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني المتوفى سنة 1369 هـ في كتابه مناهل العرفان في علوم القرآن عند شرحه لقول أنس رضي الله عنه : ( لم يجمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى أربعة ..) .

[9] وتمام الحديث " وكان إذا اكتحل اكتحل وتراً، وإذا استجمر استجمر وتراً " رواه الإمام أحمد والطبراني ورجاله الصحيح خلال ابن لهيعة وحديث حسن كما في مجمع الزوائد للهثمي ـ كتاب الطب ـ باب ما جاء في الكي .

[10] رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد.

[11] رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح . كما أخرجه أبو داود وابن ماجه وفي رواية للترمذي (نهينا عن الكي ) وقال : هذا حديث صحيح .

[12] كما في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية . والخطابي : محدث فقيه لغوي توفي سنة 388هـ أهم كتبه شرح سنن أبي داود

[13] أي لدى عدم وجود دواء آخر ينوب مقامه .

[14] كما في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية في شرحه الحديث الثالث عشر من الجزء الأول. المازري : إمام في الحديث والأصول والفقه المالكي من كتبه شرح على صحيح مسلم (453ـ 539).

[15] رواه الترمذي عن عفان بن المغيرة بن شعبة عن أبيه المغيرة . وقال هذا الحديث حسن صحيح وأخرجه ابن ماجة أيضاً في الطب ـ باب الكي .

[16] رواه الترمذي عن أسامة بن شريك وقال : هذا حديث حسن صحيح . كما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[17] أي أقوى الأسباب الموهومة

[18] رواه الإمام أحمد والطبراني في الكبير والأوسط عن معاوية بن خديج رضي الله عنه مرفوعاً في مجمع الزوائد . وقال الهيثمي ورجاله أحمد رجال الصحيح خلا سويد بن قيس وهو ثقة .

[19] وتتمة الحديث " .. ومكان العلاقة السعوط، ومكان النفخ اللدود " قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رواه أحمد ورجال الصحيح إلا أن إبراهيم لم يسمع من عائشة أ هـ . قال الأستاذ محمد عوامة أستاذ مصطلح الحديث في مدرسة التعليم الشرعي بحلب : إبراهيم هو النخعي وعدم سماعه من عائشة لا يضر، فإن مراسيله صحيحة عند أهل الحديث.

[20] قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجال ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه أ هـ . قال الأستاذ عوامة : لقد اختلفت في سماع أبي عبيدة من أبيه عبد الله بن مسعود ولكن البخاري نقل في (كتابه الكنى ) ما يفيد سماعه من أبيه .

[21] انظر (فن التمريض) للأستاذ الدكتور مرشد الخاطر.

[22] المشقص بكسر الميم : سهم له نصل طويلة، وقيل عريض، وقيل هو النصل نفسه . الأكحل : عرق في وسط الساعد يكثر فصده.

[23] كما في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية .

[24] انظر كتاب موجز مبحث الأعراض والتشخيص للأستاذ الدكتور حسني سبح .

[25] انظر موجز الأمراض العصبية للأستاذ الدكتور حسني سبح .

[26] انظر الأحكام النبوية

[27] أخرجه البخاري معلقاً في الطب ـ باب ذات الجنب . أبو طلحة هو زيد بن سهل زوج أم سليم والدة أنس بن مالك .و أنس بن النضر هو عم أنس بن مالك .

[28] وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث ميمون عن زيد بن أرقم. وقد روى عن ميمون غير واحد من أهل العلم هذا الحديث أ هـ . كما أخرج ابن ماجة في الطب ـ باب دواء ذات الجنب . وقال الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول : وفي

[29] الأحكام النبوية .

[30] كما يفهم من الكلام الطويل الذي تلكم به الدكتور أحمد بن حسن بن علي الرشيد عن القسط في كتابه عمدة المحتاج في علمي الأدوية والعلاج . والدكتور الرشيدي كما في الأعلام طبيب مصري كان من طلاب الأزهر . أرسلته الحكومة إلى باريس .. أنصرف إلى التطبيب والتصنيف .. توفي 1282 هـ 1865م .

[31] الكي النقطي أو المنقط : هو أن يكوى الجلد بالمكواة الحرورية كياً سطحياً نقطة فنقطة، على أن تترك بينها أقسام سليمة، ثم يذر على الناحيةمسحوق النشا أو الطلق . وفي الألم العصبي الوربي تكون النقط واقعة على مسير العصب المتألم، ولا سيما عند تفرعه وخروجه إلى السطح أي قرب الفقار وفي الورب نفسه وقرب القص أهـ . عن كتاب فن التمريض . وتقع النقطة الجانبية الموافقة للغصن الثاقب الجانبي في منتصف الورب بقرب الخط الإبطي .

[32] الموطأ 2/944 في العين ـ باب تعالج المريض وإسناده صيحح كما في تعليق الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط على جامع الأصول .

[33] الأحكام النبوية : وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدروس المكي اشتهر بالرواية عن جابر بن عبد الله الصحابي المشهور ، فهو تابعي توفي سنة 126هـ .

[34] الطبقات الكبرى لابن سعد في ترجمة أبي طلحة " زوج أم أنس رضي الله عنه " .

[35] في المجلة الطبية العربية التي تصدرها نقابة الأطباء في الجمهورية العربية السورية العدد /51/ حزيران 1976م .

[36] يقابل هذا النوع اللقوة البردية في الطب الحديث.

[37] هي الأورام السليمة التي تنشأ من الطبقة الملبيغية .

[38] أشار إلى معالجة الثآليل بالميسم الكهربائي كتاب أمراض الجلد للأستاذ الدكتور حنين سياج وكتاب الأمراض الجراحية للأستاذ الدكتور منير شورى والأستاذ الدكتور مرشد خاطر.

[39]المجلة الطبية العربية العدد السادس والأربعون كانون الأول 1973 ـ البحث العلمي ووخز الإبر
  #345  
قديم 20-04-2008, 11:03 AM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

المقاصد الصحية في أحكام المياه

بحث للدكتور محمود ناظم النسيمي
يعتبر الماء من أهم ضروريات الحياة، فإنه يؤلف 63% على الوسط من تركيب الجسم منتشراً في جميع نسج البدن بلا استثناء، ولكنه بمقادير مختلفة.
وهو سواغ لحل السموم البدنية وأطراحها كما في البول والعرق. كما أنه ضروري لتعديل حرارة البدن بتبخره من مسام الجلد. وهو كذلك عنصر أساسي في جميع مفرزات البدن. والماء وسيلة فعالة قيمة في نظافة وطهارة جسم الإنسان ولباسه ومكانه من عوارض الأقذار والنجاسات. وصدق الله العظيم: " وجعلنا من الماء كل شيء حي "[1].
تقسم المياه في فن الصحة إلى :
1. مياه شريبة (صالحة للشرب) .
2. مياه صالحة للاستعمال(غير ملوثة ولكنها لا تكتمل فيها شروط الماء الشروب).
3. مياه ملوثة لا تصلح للشرب ولا للاستعمال ما لم تصلح .
وتقسم المياه من الناحية الفقهية وصلاحيتها للطهارة من الحدث والطهارة من الخبث إلى ثلاثة أقسام:
1. ماء طهور صالح للطهارة
2. وماء طاهر غير طهور (غير مطهر من الحدث ولكنه غير نجس).
3. وماء متنجس.
وأنبه في مقدمة هذا البحث بأن المياه التي حكم عليها الشرع بالطهارة أو بالطهورية هي بحسب الغالب كذلك.
وحكم الشرع له صفة الشمول والعموم، فهو يصلح لكل زمان ولكل الأقوام والبيئات، يصلح لزمن لم تكتشف فيه وسائل التحقق من عدم تلوث المياه ولزمن اكتشف فيه ذلك ، ويصلح للمثقف وابن المدينة في عصرنا هذا، كما يصلح للبدوي في صحرائه في العصور السالفة أيضاً.
وإذا اتبع الناس شرع الإسلام في وصاياه التي تقي المياه من التلوث، فإن الماء الطهور نادراً ما يتلوث، وتبقى صلاحيته للشرب هي الغالبة. وعلى من علم بتلوث ماء أن يتجنبه وأن ينبه غيره لذلك بعداً عن الضرر وحرصاً على ما ينفع، وذلك لقوله تعالى : " وخذوا حذركم" (سورة النساء:101)، " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة" (سورة البقرة : 195)، " ولا تقتلوا أنفسكم"(سورة النساء:28)، وقول رسوله الكريم : "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.." (رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجة عن أب هريرة رضي الله عنه كما في كشف الخفا برقم (2713).


الماء الطهور:
هو الماء الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وهو كل ما ء نزل من السماء أو نبع من الأرض باقياً على أصل خلقته، لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة وهي اللون والطعم والرائحة، أو تغير بشيء لا يسلب طهوريته، ولم يكن مستعملاً.
تتبخر مياه البحار والبحيرات والأنهار وغيرها من مصادر الماء الموجودة على سطح الأرض بصورة مستمرة بسبب حرارة الشمس والرياح وتغيرات الضغط والحرارة والكهرباء الجوي. وبعد تكاثفها تعود إلى الأرض بشكل مطر أو ثلج أو برد أو ندى. وبعد أن يفي كل من هذه الأصناف وظيفته يعود فيتبخر من جديد بسبب العوامل المتقدمة الذكر. وهكذا يستمر التبخر والتكاثف إلى ما شاء الله تعالى .
قال عز وجل : " وهو الذي أرسل الرياح بُشراً بين يدي رحمته، وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً، لنحيي به بلدة ميتاً، ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسيّ كثيراً "(سورة الفرقان:48_49).

وقال سبحانه وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ) (سورة الأنفال: 11).
إن ذلك الماء الطهور الذي نزل من السماء منه ما يجتمع على سطح الأرض، ومنه ما يجري بشكل سواقي أو جداول أو سيول أو أنها موقتة، ومنه ما ينفذ في الأرض مؤلفاً المياه الأرضية التي تؤلف الآبار والينابيع والعيون. وقد أشار الله تعالى في بعض آياته المحكمة إلى ذلك فقال سبحانه : " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها .." (سورة الرعد: 19).
وقال جلت عظمته : " ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءً فلسكه ينابيع في الأرض.." (سورة الزمر : 21).
لقد أجمع الأئمة المجتهدون على أن جميع أنواع المياه السابقة طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها. أما ماء البحر فإن اسم الماء المطلق يتناوله وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته". وسيأتي تمام الحديث الشريف.
وأجمعوا عل أن كل ما يغير الماء، مما لا ينفك عنه غالباً، أنه لا يسلبه صفة الطهارة والتطهير فيصلح لإزالة الحدث به.
مثال ما لا ينفك عن الماء غالباً بعض الأملاح وبعض المعادن أو أشباهها التي تخالط الماء أثناء سلوكه في الأرض وتؤلف معه أحياناً المياه المعدنية، فهي طهورة . ومثلها الماء المتغير بالتبن أو بورق الشجر الذي تلقيه الرياح.
وهناك مغيرات أخرى للماء اختلفت فيها المذاهب في الحكم على بقاء طهوريته .
ولا يتسع المقام هنا إلى تفصيل ما اختلفوا فيه .
ليس كل ماء طهور صالحاً للشرب من الوجهة الصحية. ولذا رأيت أن أوجز صفات الماء الشريب وطرق إصلاح الماء الخاص خدمة في نشر الوعي الصحي.

الماء الشريب :
الماء الشريب هو ماء طهور امتاز بصفات على غيره تجعله صالحاً للشرب.
ليس كل ماء طهور صالحاً للشرب، فإن ماء البحر طهور، ومع ذلك فإنه لا يصلح للشرب بديهة. وإن الذوق السليم لينبو عن شرب ماء مستعمل، أو شرب ماء كثرت طحالبه أو ترابه أو ما يحمله الهواء إليه من غبار وأوراق شجر وأوساخ . كما إنه يعاف شرب ماء غير مستطاب الطعم ولو أنه أخذ من منبعه.
وإذا كانت حاسة الذوق أو الشم أو البصر تمنع الإنسان من شرب بعض المياه، مع أنها في الاستعمال طاهرة مطهرة شرعاً، فإن العلم بأن بعض المياه ثقيل على المعدة أو ضار بصحة الإنسان لكثرة ما فيه من أملاح ومعادن منحلة، أو لأنه يجلب الأمراض بما فيه من جراثيم وطفيليات، يمنع من شرب ذلك الماء ولو أنه في الظاهر طاهر مطهّر.
أ‌. فمن الوجهة الصحية يجب أن تكون مياه الشرب رائقة شفافة لا رائحة لها، وألا يطرأ عليها فساد بعد المكث، وأن يكون معتدلة البرودة مستطابة الطعم مهواة بكفاية، وأن تحوي كمية قليلة من الأملاح المعدنية المنحلة، وألا تكون خطرة على الصحة العامة أي ألا تحتوي على أجرام جرثومية ممرضة. وللتأكد من صلاحية الماء للشرب لابد من فحص كيماوي وجرثومي.
إن المياه الطبيعية الحائزة على هذه الشروط كلها قليلة جداً وهي :
1. ماء السماء إن جمع بطريقة صحية وأمكن حفظه من التلوث فيما بعد.
2. ماء الطبقة الغائرة العميقة، المستخرجة بصورة فنية صحية وهي الآبار العميقة، أو المنبجس بنفسه من مكان مناسب وهي الينابيع الحقيقة هي منبعها.

ثم إن المياه الصالحة في أصلها للشرب، لابد من حفظ سلامتها وتوزيعها بطراز فني صحي. أما ما كان غير صال فلابد من إصلاحه لإعداده للشرب.
هذا ويفضل صحياً أن تكون مياه الاستعمال هي ذات مياه الشرب.
وإذا لم يتيسر ذلك كما هو الحال في غير المدن، فإن مياه الاستعمال يجب أن لا تكون ملوثة. وإذا كانت ملوثة ولكنها غير نجسة في الحكم الشرعي فإن بحث إصلاح الماء يعلمنا كيف ندفع خطر الماء الملوث في نشر الأمراض.
ب. إن اختيار الماء الصالح للشرب،كما أنه إحدى الأسس الوقائية في حف صحة الإنسان، فإنه سنة نبوية . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء ويؤتي إليه من الآبار ذات الماء الطيّب. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء من بيوت السقيا) قال قتيبة وهي عين بينها وين المدينة يومان[2] .
وأخرج الواقدي بسند له عن الهيثمي بن نصر بن زاهر الأسلمي قال : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتية بالماء من بير أبي الهيثم بن التيّهان جارهم، وكان ماؤها طيباً، ولقد دخل يوماً ضائقة على أبي الهيثم ومعه أبو بكر فذكر القصة..[3].
وإضافة إلى استعذاب الرسول عليه الصلاة والسلام لماء الشرب فلقد كان له قدح زجاج يشرب فيه لأنه ـ كما قال الذهبي في الطب النبوي ـ أقل ما يقبل الوضر ويرجع بالغسل جديداً ويرى فيه كدر الماء وكدر المشروب وقل أن يدس فيه الساقي السم.
عن أبن عباس قال: " كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير يشرب فيه " [4] .
جـ . ومن البديهي ومن التصرف الحكيم أن الإنسان إذا تيسرت له مياه عديدة، واختلفت في صفاتها ومقاديرها، فإنه يختار أعلاها نقاوة وطيباً وأقربها لصفات الماء الشريب من أجل شربه، ثم لطهوره من الحدثين ونظافة جسمه، ثم لطهارة أو نظافة ثوبه، ثم لطهارة أو نظافة مكانه. كما إنه يتبع ذات الترتيب في التفصيل إذا قل الماء لديه.
هذه قصة صحابي يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة تأتي دليلاً على ما ذكرت من أن طهورية الماء لا تعني صلاحيته للشرب، وأن سد حاجة الشرب مقدمة في استعمال المياه. فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحلُّ ميتته" [5]
د ـ هذا وإذا كان الماء الطاهر لا يجوز شروط الماء الشريب، وليس هناك غيره، فإن من الواجب الصحي إصلاحه بالتصفية أو التطهير. والإصلاح نوعان :
1. إصلاح عام أو مركزي لسد حاجة جمع غفير من البشر في مدينة أو بلدة، وتقوم عليه مؤسسات خاصة، وتتوسع فيه كتب فن الصحة.
2. إصلاح خاص أ, موضعي لسد حاجة جماعة من الناس قليل عددها، وهو الذي يهم الفرد والأسرة خاصة في ريفنا وباديتنا. ويجب تثقيف أفراد المجتمع بذكر أصوله خدمة لصحة الأمة. ولذا رأيت من الواجب ذكر شيء عنه في هذا البحث إتماماً للفائدة ونشراً للوعي الصحي .
إصلاح الماء الخاص:
لهذا الإصلاح ثلاث وسائل:
1ـ الترشيح، 2ـ استعمال المواد الكيماوية ، 3ـ استعمال الوسائط الحكمية .
أ ـ الترشيح : معروف قديماً . وكانوا يكتفون باستعمال آنية بسيطة تصنع من الفخار الرملي . و(الزير) أحسن مثال لها، وتكون نتيجة الترشيح على هذه الطريقة جيدة أو لا بأس بها، لأنه تجعل الماء رائقاً مجرداً من أكداره وكثير من جراثيمه أيضاً. ولكن إذا كان الماء كثير الجراثيم أو كان فيه ما يخشى شره منها فلا بد عندئذ ن استعمال مراشح أكثر تجانساً وأدق مساماً مما سبق .
وكثيراً ما تصنع على شكل الشمعة لذلك تسمى بالشمعات المرشحة، مثل شمعات (شمبرلان) وشمعات (بركفلد) .
ب ـ استعمال المواد الكيماوية :
1. الكلور مركباته : يكفي إضافة 1سم 3 من محلول ماء جافل في الماء بنسبة 1% أن يطهر ليتراً من الماء الملوث في مدة نصف ساعة أو ساعة واحدة فقط.
أما كلور الكلس التجاري فيضاف منه مقدار 1 ـ 3غ إلى كل متر مكعب من الماء ويترك مدة 15 دقيقة على الأقل.
وفي السفر يستعمل محلول كلور الكلس بنسبة 1% يضاف منه 1سم 3 إلى كل ليتر من الماء فيطهر في مدة عشر دقائق .
إن الكلور يجعل طعم الماء غير مستطاب فيترك الماء المعقم بمركباته مدة ليفقد كلوره .
2. صبغة اليود: يضاف إلى كل لتر من الماء مقدار بين 8و 16 قطرة من صبغ اليود المهيأ . وبعد رجّه جيداً يترك مدة 30 دقيقة ثم يعدل اليود الباقي بإضافة قليل من منقوع الشاي أو القهوة أو بإضافة قليل ن هيبو سولفيت الصود.
ولا يجوز استعمال اليود طويلاً خشية من تخريش مخاطية المعدة .
3. فوق منغنات البوتاس :
أبسط طريقة لاستعمال هذه المادة أن تستعمل محلولة في الماء بأي نسبة كانت، ثم يقطر منها في كمية الماء المراد تطهيرها، على أن يتلون الماء كله باللون الأحمر الشاحب الثابت، ويترك نصف ساعة قبل الاستعمال ثم تزال فضلة هذه المادة بإضافة شيء قليل نم منقوع الشاي أو القهوة أو ما ماثل ذلك حتى يزول اللون ويروق الماء.
جـ التطهير بالحرارة :
يلجأ إليه لتطهير المشتبه به أو الماء الثابت تلوثه بالجراثيم مع الاضطرار إليه . يغلى الماء مدة عشرين دقيقة ثم يرفع عن النار حتى يبرد . ومعلوم أن الغلي يدفع هواء الماء فيجعله ثقيلاً غير مستطاب إلا إذا ترك مدة طويلة في الهواء بعد ذلك . ويمكن إسراع تهويته برجه.
الماء الطاهر غير الطهور:
هو ماء طاهر، ولكنه لا يصلح للوضوء ولا للغسل. وهو ثلاثة أنواع :
1. (أحدها) : الماء الطهور في الأصل إذا خالطه طاهر غير أحد أوصافه الثلاثة وكان مما يسلب طهوريته. وفيما يسلب الطهورية تفصيل المذاهب.
2. (ثانيها) : ما أخرج من نبات الأرض بعلاج كماء الورد، أو بغيره كماء البطيخ.
إن المدقق في مياه النوعين السابقين يلاحظ أن الماء فيهما غير صاف لا يحقق النظافة التامة التي يؤمنها الماء المطلق. إضافة إلى الاعتبارات الأخرى في بعضها من تلويث بدل تنظيف أو من إبدال تلوث من نوع بتلوث من نوع آخر.
3. (ثالثهما) : الماء القليل المستعمل:
اختلفت المذاهب في الحد بين القليل والكثير، واختلفت في تعريف المستعمل، أي في الأمور التي تجعل الماء القليل مستعملاً. وليس في بحثي هذا مجال لتفصيلها. فمن أحب التفصيل فليرجع إلى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة وكتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد.وأكتفي هنا بذكر الملاحظات الصحية حول الماء القليل المستعمل في إزالة الحدث.
إن الماء القليل المستعمل في الوضوء أو الغسل يحوي من دنس وأوساخ الأعضاء المغسولة، ومن آثار المفرزات العرقية. ولذا فإن النفوس تعافه ولو لم تتغير أحد أوصافه .
وكما أن الوضوء والغسل طهارة من الحدث فإنّهما نظافة إجبارية.
فكلما كان الماء نقياً صافياً كان أكثر تنظيفاً وإزالة للأدران.
ولذا فإن استعمال الماء القليل يرفع عنه صفة الطهورية عند الحنفية والشافعية والحنابلة، ويؤيدهم فن الصحة كما وضحت.
وذهبت المالكية إلى أن استعمال الماء لا يسلب طهوريته ولو كان قليلاً فهو من قسم الطهور، لا يجوز التيمم مع وجوده لأن فيه فائدة النظافة بالماء التي لا توجد في التيمم.
المثال : إنسان في بداية أو منطقة قليلة أو نادرة المياه، معه ماء طهور توضأ منه أو اغتسل.
وجمع ذلك الماء المستعمل الذي لم يتغير أحد أوصافه ليستعمله في إزالة نجاسة حسية أو غسل ثوب أو مكان أو سقي بهيمة، ثم فقد الماء الطهور لديه، ولم يتمكن من تأمينه، ولزمه وضوء أو غسل، فإنه يتيمم حسب اجتهاد المذاهب الثلاثة، أو يتوضأ بذلك الماء المستعمل حسب المذهب المالكي .
وإذا أراد ذلك المسلم أن يراعي اختلاف المذاهب فإنه يجمع بين الطهارة بالماء والتيمم، خاصة إذا دعت حاجة النظافة إلى استعمال ذلك الماء المستعمل ثانية.
مصادر تلوث المياه :
لابد لنا من معرفة مصادر تلوث المياه وفعل المياه الملوثة في نشر الأمراض، وذلك لنسعى جهدنا في وقاية المياه من التلوث وبخاصة مياه الشرب، ولنحترز عن الملوث منها، ولندرك حكمة هدي النبوة في وقاية المياه من التلوث، وفي الحكم على بعض المياه بالنجاسة، وفي وجوب التطهر من النجاسات، والتحرز عنها.
إن مصادر تلوث المياه هي غالباً التخلي عن الفلاة والمراحيض غير الفنية قرب المياه، وكذلك المجاري العامة والمزابل والسواد والجيف وبول الحيوانات ورجيعها ونحوها، إذا تسرب شيء منه إلى الماء. ولقد اعتبر الشارع الحكيم أن جميع تلك الأشياء نجسة يجب التحرز عنها كما عدها الطب مصدراً رئيسياً من مصادر الجراثيم وتلوث المياه.
وقد يتلوث الماء باغتسان الإنسان فيه إذا كان جلده ملوثاً.
إن تلوث المياه يثبت إذا كانت قليلة راكدة، بينما يخف أو يزول في المياه الجارية بعوامل طبيعية متعددة طبيعة متعددة كتأثير الهواء ونور الشمس في الأنهار وخاصة الصخور والرمال المتراكمة. وتتوفر تلك العوامل الطبيعية في الأنهار وخاصة طويلة الجريان.
وكذلك يخف التلوث أو يزول بترشيح الماء من طبقات الأرض.
فكلما كانت الطبقات سميكة ومساعدة على تصفية الماء كان الماء المترشح منها عقيماً خالياً من الجراثيم ولذا توصي كتب الصحة أن يكون التبرز في مراحيض فنية بعيدة عن الآبار وعن موارد المياه وذات تصريف فني إلى حفر فنية عميقة أو كهريس مستور. وكذلك الأمر بالنسبة للمزابل والسواد كما توصي أن يحتاط في اختيار مكان البئر وفي بناء جدرانه وفي إصلاح الأرض حول فوهته بصورة تمنع تلوث مائة.

فعل الماء الملوث في عدوى الأمراض:
آـ إن تلوث الماء ببراز الإنسان يكون واسطة للعدوى ببعض الأمراض عن طريق شربه أو تناول ما تلوث به، أو عن طريق الانغماس فيه. وذلك لاحتوائه جراثيم البراز وبيوض طفيلياته وأجنة بعض الطفيليات.
وإليكم أهم تلك الأمراض:
1. الإنتانات المعوية وقد يصبح الماء الملوث بجراثيمها سبباً في سراية بعض أنواعها بشكل جوائح أو أوبئة كالهيضة(الكوليراً) والحمى التيفية والزحار العصوي.
2. الإسهالات الطفيلية مثل الزحار المتحولي وداء اللامبليا.
3. الديدان المعوية مثل حيات البطن وشعرية الرأس والحرقص.
تلك أمراض تنتقل إلى الإنسان بواسطة الماء أو الغذاء الملوثين ببيوض تلك الديدان.
4. وهناك أمراض طفيلية تخترق أجنة طفيلياتها جلد الإنسان وتتطور في جسمه لتستقر في جهازه الهضمي محدثة أمراضها مثل داء الملقوات العفجية (الأنكيلوستوما)[6] وداء البلهارزيات [7] الحشوي والمعوي.
فإذا عرفنا فعل البراز في نشر الأمراض أدركنا إحدى الحكم في سنية تقليم الأظافر، ووجوب إزالة النجاسة وتطهير مكانها، وإن الأفضل في الإستنجاء الجمع بين المسح بجامد طاهر أولاً واستعمال الماء ثانياً. ويجب صحياً أن تغسل الأيدي بعده بالصابون.
ب ـ إن تلوث الماء ببول الإنسان قد يكون واسطة للعدوى بداء البلهارزيات المثاني وبأمراض الجراثيم المطروحة مع البول.
ج ـ إن تلوث الماء بالصديد ومفرزات بعض أمراض الجلد وتقرحاته يكون سبباً في انتقال الجراثيم والعوامل الممرضة ودخولها من جلد الإنسان المتلين بالماء أو من منافذه.
وإن داء الخيطيات المدنية(العرق المدني) يحدث بعد ابتلاع البلاعط الحاوية على أجنة تلك الخيطيات .ومن مكان تقرح جلد المصاب بها تلقي الدودة الكهلة أجنحتها كلما أحست ببردوة الماء حولها.
ولهذا يجب على المصاب بتلك الأمراض أن يتجنب تلويث المياه بغمس أعضائه المريضة أو السباحة أو الاغتسال فيها وخاصة إذا كان الماء قليلاً أو راكداً.
و ـ إن تلوث الماء ببول الحيوانات ورجيعها قد يكون واسطة لنقل بعض الأمراض الإنتانية والطفيلية. فمثلاً: إن الماء الملوث ببراز الكلاب المصابة بديدان الشريطية المكورة المشوكة (أو بفمها الملوث من برازها) يكون حاوياً على بيوض تلك الدودة فإذا شرب الإنسان من ذلك الماء الملوث تطورت البيوض في جسمه وأحدثت فيه داء الكيس المائي (أو الكيس الكلبي) كما سنرى .

ذلكم موجز عن فعل المياه الملوثة في نقل الأمراض ونشرها. ولذلكم يجب حفظ المياه من التلوث وتجنب الملوث منها، وإصلاح ما يضطر إلى استعماله منها.
هذا وتكافح النواعم والمحار التي تتطفل عليها أجنة منشقات الجسم (البلهارزيا) بتربية البط في المياه الحاوية عليها، ويمكن إتلاف المحار في المنابع بكبريتات النحاس وكبريتات النشادر، وتطهر تلك المياه بالكرهزيل بنسبة واحد إلى ألف، أو كلور الكلس بنسبة واحد إلى خمسة آلاف لمياه الشرب.


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
  #346  
قديم 20-04-2008, 11:08 AM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ... المقاصد الصحية في أحكام المياه
هدي النبوة في وقاية المياه من التلوث:
لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وصايا في منهاج الحياة اليومية تحفظ المياه من التلوث.
بيّنها عليه السلام قبل اكتشاف العوامل الممرضة التي يحويها الماء الملوث بأكثر من عشرة قرون، فسجل له التاريخ سبقاً في المجال الصحي أيضاً.
وهاكم طائفة من تلك الوصايا:
1. النهي عن إدخال المستيقظ يده في الإناء قبل أن يغسلها ويطهرها فلعله مسّ أو حك بها سوأته أو عضواً مريضاً متقرحاً من جسمه وهو نائم لا يشعر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده"[8].
2. تنظيم استعمال اليدين بإبعاد اليد اليمنى عن مجالات الأقذار والتلوث، وإن كان التطهير يتناولها. وذلك مفيد في حفظ الماء من التلوث حتى في زماننا، ففي الريف والبادية مثلاً حيث لا توجد شبكة توزيع للمياه ولا حنفيات مما يضطر معه الإنسان إلى غرفة الماء، وذلك يقتضي أن تكون إحدى اليدين أكثر طهارة وأبعد عن التلوث لتستعمل في الغرفة. فخصص الشارع الحكيم اليد اليمنى لذلك ولكن أمر يستدعي زيادة في الطهارة كتناول الطعام والشراب وكالمصافحة، أو يستدعي زيادة في الطهارة كتناول الطعام والشراب وكالمصافحة، أو يستدعي تعظيماً كتناول القرآن والأشياء المحترمة. ونهى أن تمس باليد اليمنى العورة أو النجاسة أو الأقذار والأذى .
فعن عائشة رضي الله عنها : " كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوه وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى " [9] وقال عليه الصلاة والسلام : "إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه ولا يستنج بيمينه ولا يتنفس في الإناء "[10].
3. النهي عن الشرب من في السقاء: روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب من فيّ السقاء" .
4. النهي عن التنفس في إناء الشرب وعن النفخ فيه، لمنع تغير رائحة الإناء ووصول لعاب الإنسان ورذاذ فمه وما يمكن أن يحمله من جراثيم ممرضة حتى ولو كان حاملها صحيحاً غير مريض.
فإذا كان الشارب شديد العطش لا يرتوي بتنفس واحد فليبعد الإناء عن فيه ليتنفس خارجه ثم ليعد للشرب وذلك مفضل من الناحية الصحية وفي الأدب الإنساني وفي الشرع. قال عليه الصلاة والسلام : " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينحِّ الإناء إن كان يريد "[11].
وعن أبي سعيد الخدري: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل : القذاة أراها في الإناء؟ قال : أهرقها، قال فإني لا أروى من نفس واحد . قال : فأبن القدح إذن عن فيك [12].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " نهى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه "[13].
ومن المفيد صحياً أن يعتاد الإنسان الشرب على دفعات ثلاثة يتنفس في نهاية كل دفعة خارج الإناء كما هي السنة النبوية. وذلك حفظاً للماء وأبعد عن التنفس فيه وأمرأ أي أسهل أنسياغاً فلا يشرق، وأكثر ريّاً للشارب فيأخذ من الماء مع تقطيع الشرب أقل مما لو تجرعه دفعة واحدة .
وذلك أيضاً أبرأ أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد، لأن الشارب إذا اعتاد الشرب بنفس واحد وأسرف في تناول الماء أدى به الأمر إلى توسع المعدة، أو إلى اضطراب الهضم. كما إن تجرع المتعرق الماء البارد بنفس واحد دون تقطع يؤدي أحياناً إلى السعال بتخريش الحنجرة والرغامى أو بالتهابهما أو التهاب القصبات.
تلك فوائد الشرب في ثلاثة أنفاس، أشار إليها الحديث الشريف، فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول: إنه أروى وأبرأ وأمرأ . قال أنس : فأنا أتنفس في الشراب ثلاثاً "[14].
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم : وقوله : "كان يتنفس في الشراب " معناه في أثناء شربه من الإناء. وعن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فيه يسمي الله فغذا أخره حمد الله، يفعل ذلك ثلاثاً "[15].
5. الأمر بتغطية الإناء وربط سقاء الماء حتى لا يصل إليه الغبار ولا الحشرات المؤذية والحاملة للجراثيم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطفئوا المصابيح إذا رقدتم، وغلّقوا الأبواب، وأوكوا الأسقية، وخمّروا الطعام والشراب ولو بعود تعرض عليه"[16].
6. النهي عن الاغتسال في الماء الواقف الساكن الذي لا يجري، حتى لا يتلوث بما يكون على سطح الجسم من أوساخ وجراثيم ومفرزات. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، قالوا كيف يفعل يا أبا هريرة، قال : يتناوله تناولاً "[17].
وقال عليه السلام: " لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة "[18].
7. النهي عن التبول في الماء الدائم، والحكم على الماء القليل بنجاسة بالبول وعدم صلاحيته حينئذ للتطهر به فضلاً عن الشرب منه. وقد سلف أن وضحت ما ينقله البول من أمراض.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه " .
وفي رواية الترمزي والنسائي:" لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه أو يتوضأ " [19]

هذا وإذا كان التبول في الماء الدائم محرماً ومنجساً له، فإن التبرز فيه أشد تحريماً ونجاسة.
8. النهي عن التبرز قرب الماء، لأن الماء بالبراز ينقل كثيراً من الأمراض كما وضحت سابقاً، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الملاعن الثلاثة : البراز في الموارد وقارعة الطريق والظلِّ "[20].

النجـاســات :
إن معظم مصادر تلوث المياه ونشر الجراثيم والطفيليات محكوم عليها في الشرع بالنجاسة. وإن الأحاديث النبوية الشريفة لتشير إلى ذلك.
وإذا كانت بعض الأدلة الشرعية واضحة وقطعية الدلالة على نجاسة بعض الأشياء، فهناك أدلة ليست قطعية الدلالة، اختلف معها المجتهدون في طريقة الاستدلال والاستنباط فاختلفوا في الحكم على نجاسة بعض الأشياء الأخرى، ولا يتسع المجال هنا لذكرها والتفصيل فيها.
اتفق المجتهدون والفقهاء السابقون على نجاسة أربعة أعيان:
1. ميتة الحيوان ذي الدم الذي ليس بمائي
2. لحم الخنزير بأي سبب مذهب لحياته.
3. دم الحيوان الذي ليس بمائي انفصل من الحي أو الميت إذا كان مسفوحاً أعني كثيراً.
وسنرى إن شاء الله تعالى، المقاصد الصحية في الحكم بنجاسة الأعيان الثلاثة وتحريم تناولها في بحث المطعومات المحرمة.
4. بول الإنسان ورجيعه. وقد مر معنا ما ينقلانه من أمراض.
هذا وإن البول، وإن كان في معظم الأصحاء عقيماً خالياً من الجراثيم والطفيليات، إلا أنه مستقذر سريع التخمر، تتفكك ذرات البولة فيه إلى نشادر فتزداد رائحة كراهة، كما أنه وسط صالح لتكاثر الجراثيم فيه. ولا يمكن إثبات خلوه من الجراثيم إلا بعد زرعه مخبرياً.
ولذا حكم الشارع على بول الإنسان بالنجاسة كما حكم على برازه.
إن إزالة النجاسة واجبة عند أبي حنيفة والشافعي، وذلك من الأبدان ثم الثياب ثم المساجد ومواضع الصلاة. ويؤيدهم في حكمهم ذلك الدليل الشرعي والاعتبار الصحي.
وأشير هنا إلى أن الوقاية الصحية تتلاءم مع مراعاة المذهب في تجنب ما اختلف في الحكم على نجاسته وإزالته وتطهير محله، وذلك لأن الكثير مما اختلف فيه مستقذر، أو مستنبت صالح لتكاثر الجراثيم، أو أنه سريع التفسخ والتخمر فيزداد قذارة وأذى وخبثاً.
والله تعالى يحب المتطهرين أي المتنزهين عن القذارة والأذى .
كما أشير إلى أن النجاسة المعفو عنها، إنما عفي عنها لدفع الحرج عن الإنسان في حياته اليومية التي تتخللها العبادات المشروطة لها الطهارة. أما الأفضل فهو التطهر منها فوراً وإلا ففي أقرب فرصة. ولا يعني العفو عنها طهارتها، فإنها مثلاً تنجس الماء القليل إذا حلت فيه وتنقل إليه الجراثيم التي تحملها.

الماء المتنجس:

هو نوعان عند الفقهاء:
(الأول): ما كان طهوراً في الأصل وحلّت فيه نجاسات أو لا قته فغيرت أحد أوصافه الثلاثة (اللون والطعم والرائحة) قليلاً كان أو كثيراً.
إن تغير أحد الأوصاف دليل حسِّي على كثرة التلوث من الناحية الصحية.

(الثاني) : ما كان طهوراً في الأصل قليلاً وحلت به نجاسات لم تغير أحد أوصافه . وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.
أما المالكية فقد قالوا : إن القليل من الماء الطهور، إذا حلت فيه نجاسة لم تغير أحد أوصافه، باق على طهوريته، إلا أنه يكره استعماله إن وجد غيره مراعاة للخلاف[21].
يؤيد الدليل الشرعي والاعتبار الصحي المذاهب الثلاثة فيما ذهبت إليه من أن قليل الماء ينجس بقليل النجاسة ولو لم تتغير أحد أوصافه.
أما الدليل الشرعي فهو نهيه صلى الله عليه وسلم عن إدخال المستيقظ يده في الإناء قبل أن يغسلها، وعن الاغتسال في الماء الواقف الدائم، وعن التبول في الماء الدائم، وعن الوضوء والغسل من ذلك الماء الذي بال فيه. وقد مرت معنا أحاديث ذلك النهي، وسيأتي حديث القلّتين مؤيداً الاستنباط منها بان الماء القليل ينجس بالنجاسة القليلة . وذلك حكم يؤيده أيضاً الذوق السليم والمنطق الصحيح وفن الصحة القديم والحديث.
ولقد أوضحت في طبيعة البحث فعل المياه الملوثة في نقل الجراثيم والطفيليات وأمراضها. وأشير هنا إلى أن العدوى وشدتها لهما علاقة بكثرة الجراثيم الواردة . فالماء القليل أسرع تلوثاً، وإن تلوث يصبح أكثر نقلاً للأمراض.
لذلك كله يجب أن يؤول حديث بئر بضاعة من " أن الماء لا ينجس شيء" بما يتلاءم مع أحاديث النهي السابق وحديث القلتين، لا أن نؤولها كلها من أجل الأخذ بظاهر حديث بئر بضاعة. وفي تأويل بئر بضاعة كلام طويل للإمام النووي في كتابه المجموع، فمن أحب فليرجع إليه.
اختلفت الحنفية والشافعية والحنابلة في الحد بين الماء القليل والماء الكثير.
أخذ الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل بحديث القلتين الذي صح عندهما وعند الكثيرين من أئمة الحديث، والذي يفيد أن الماء الذي هو دون قلتين يتنجس بحلول النجاسة فيه ويحمل الخبث دن نظر إلى تغيير أوصافه.
ففي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من الدواب والسباع ؟ فقال : إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث "[22].
قال الترمذي بعد ذكره حديث القلتين : وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا : إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ما لم يتغير ريحه أو طعمه، وقالوا : يكون نحواً من خمس قريب.
وقال الخطابي في معالم السنن: ورد من غير طريق أبي داود " إذا كان الماء قلتين بقلال هَجَر.."[23] وهي أكبر ما يكون من القلال وأشهرها. وقد قدر العلماء القلتين بخمس قرب ومنهم من قدرها بخمسمائة رطل.
وقال الإمام ابن الأثير الجزري في جامع الأصول : القلة إناء للعرب كالجرة الكبيرة أو الحب وهي معروفة بالحجاز وهجر، تسع القلة مزادة من الماء، وقد قدرها الفقهاء مئتين وخمسين رطلاً إلى ثلاثمائة .
وفي كتاب نيل المآرب (في المذهب الحنبيلي) تقدر القلتان بخمسائمة رطل عراقي أو بمئة وسبعة أرطال دمشقية.
وفي الفقه على المذاهب الأربعة، تقدر القلتان وزناً بالرطل المصري بأربعمائة وستة وأربعين رطلاً وثلاثة أسباع الرطل.
أقوال : مما لا شك أن الرطل الشامي كان يختلف عن الرطل العراقي والبغدادي والرطل المصري، وأن القلال الهجرية ليست متساوي تماماً، وإنما هي متقاربة في السعة. وعليه فإن تحديد سعة القلة من الماء إنما هو تقريبي ولذلك جرى اختلاف يسير بين العلماء في تقدير سعة أو وزن القلتين .
إن صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز عيون السود: أمين الفتوى في حمص قدر القلتين في رسالة له بـ 162 كيلو غراماً[24].
وتقدر القلتان حجماً في إناء أو مكان مربع بسعة مكعب طول كل ضلع منه ذراع وربع ذراع، بذراع الآدمي المتوسط . ومقدارها في مكان مستدير سعة أسطوانة : قطر كل من قاعدتيها ذراع، وارتفاعها ذراعان ونصف ذراع[25].
ب ـ أما الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى فإنه لم يثبت عنده حديث القلتين . وبما أن كثيراً من الأحاديث الشريفة تشير إلى أن الماء القليل ينجس بقليل النجاسة فلا بد من تعيين حد تقريبي بين الماء القليل والماء الكثير فعينه من جهة القياس وذلك إنه اعتبر سريان النجاسة في جميع الماء بسريان الحركة فإذا كان الماء بحيث يظن أن النجاسة لا يمكن فيها أن تسري في جميعه فالماء طاهر[26].
وعبر عن ذلك فقهاء الحنفية بقولهم : كل ما لا يخلص بعضه إلى بعض لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، وقولهم : كل ما لا يتحرك أحد طرفيه، بتحرك الطرف الآخر لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم تغير أحد أوصافه.
وامتحن الفقهاء بعدئذ الخلوص بالمساحة فوجدوه عشراً في عشر فقدروه بذلك تيسيراً . والمختار في العمق ما لا ينحسر أسفله بالغرف[27]. وعلى هذا فكل ماء لا ينحسر أسفله بالغرف، وكانت سطحه مئة ذراع مربع بالذراع المتوسط فهو ماء كثير عند الحنفية.
هذا وأعيد ما نبهت علهي في بحث الماء الشريب بأن الحكم بطهورية الماء أو بطهارته أو بعدم تنجسه لا يعني أنه صالح للشرب من الوجهتين الدينية والصحية . فإذا ثبت صحياً أن الماء ملوث ينقل الأمراض فإنه يجب التقيد بالتعاليم الصحية المتعلقة به. وإذا أضطر إليه فيجب إصلاحه كما مر أما الحكم الشرعي بعدم تنجسه فإنما هو تيسير من الدين ودفع للحرج في استعمال ذلك الماء في المقاصد الأخرى غير الشرب، ولأن الغالب في الماء الكثير الملوث والذي لم يتغير أحد أوصافه أن يكون تلوثه زهيداً أو أن لا يؤثر سوءً إذا استعمل لغرض غير الشرب، على أنه إذا علم المسلم أن ذلك الماء يؤدي إلى مرض أو ضر ولو استعمل للنظافة وغير الشرب وجب عليه تجنبه ابتعاداً عن إلقاء النفس إلى التهلكة وحرصاً على ما ينفع وذلك من الدين .

سؤر الحيوان :
السؤر هو فضلة الماء القليل الذي شُرب منه.
اتفق الأئمة الأربعة على طهارة أسآر بهيمة الأنعام، واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافاً كبيراً. والمسألة في كثير مما اختلفوا فيه اجتهادية محضة، يعسر أن يوجد فيها ترجيح جازم كما قال صاحب بداية المجتهد.

1. ذهب الحنفية إلى أن سؤر كل حيوان مأكول اللحم طاهر، وأن سؤر سباع البهائم نجسن، وأن سؤر الهرة والدجاجة المخلاّة وسباع الطير وسواكن البيوت مكروه، وأن سؤر الحمار والبغل مشكوك بطهارته لا يجوز الوضوء به [28].
2. وذهب الشافعية إلى أن كل حيوان طاهر السؤر ما عدا الخنزير والكلب[29].
3. وذهب الحنابلة إلى أن سؤر كل حيوان طاهر في الحياة طاهر ولو لم يؤكل لحمه كالهرة، والفأرة. وكل حيوان مأكول كالغنم والماعز والخيل والبقر والإبل وبعض الطيور، فسؤره وبوله وروثه ومنيه ولبنه طاهر إن كان أكثر علفه الطاهر، وإن كان أكثر علفه النجاسة فلحمه وجميع ما ذكر نجس حتى يحبس ويطعم الطاهرات ثلاثة أيام، عندها يعود لطهارته[30].
4. وعن الإمام مالك روايتان، إحداهما : أن كل حيوان طاهر السؤر، وثانيهما : تستثنى الخنزير فقط [31]
أما من الوجهة الصحية فإن الطب وفن الصحة يدعمان بقوة الحكم بنجاسة سؤر الكلب والخنزير. أما بقية الأسآر التي فيها حكم بالنجاسة أو الكراهة في أحد المذاهب فلا تعدم ملحظاً صحياً أقل ما يقال فيه: إنها لا تصلح للشرب لعدم ملحظاً صحياً أقل ما يقال فيه : إنها لا تصلح للشرب لعدم التأكد من تجافي فمها الأقذار والنجاسات ومن خلو لعابها من الجراثيم . وقد فرق سابقاً بين الماء الشريب فليذكر ذلك .
نجاسة سؤر السباع:
سأبين قريباً أن الكلاب هي السبب الغالب في إصابة الإنسان وحيواناته المجترة بداء الكيسة المائية، وأن الذئاب وبنات آوى من السباع يمكن أيضاً أن تكون سبب هذا الداء في الإنسان والحيوانات اللبونة الأخرى .
وبما أن السباع تأكل الجيف أيضاً، فإن فمها يتلوث من جراثيم تلك الجيف كما يتلوث من تنظيف استها بلسانها. وعلى ذلك فإن حديث القلتين السابق والنظرة الطبية يؤيد أن نجاسة سؤر السباع كما هو مذهب ابن القاسم والإمام أبي حنيفة. قال الإمام ابن الأثير الجزري في كتابه جامع الأصول في أحاديث الرسول بعد ذكره حديث القلتين: قال الخطابي [32] : وقد استدل بهذا الحديث من يرى سؤر السباع نجساً لقوله وما ينوبه من السباع، أي يطرقه ويرده، إذ لولا أن شرب السباع منه ينجسه لما كان لسؤالهم عنه ولا لجوابه صلى الله عليه وسلم إياهم بتقدير القلتين معنى . أ هـ .
وروى مالك في موطئه : " أن عمر وعمرو بن العاص وردا حوضاً، فقال عمرو بن العاص : يا صاحب الحوض أترد السباع ماءك هذا ؟ فقال عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا " . فولا أنه كان إذا أخبر بورود السباع يتعذر عليهما استعماله لما نهاه عن ذلك[33].
وتأويل الأحاديث التي تفيد طهارة سؤر السباع أنه كان في الابتداء قبل تحريم لحوم السباع، أو وقع السؤال في الحياض الكبار[34].

نجاسة سؤر الخنزير:
الخنزير حيوان قذر شره يلتهم الأقذار والنجاسة أيضاً. يقول تعالى في حقه : " .. أو لحم خنزير فإنه رجس.. " [35] وما هو رجس في عينه فهو نجس لعينه. ويزداد فمه ولعابه نجاسة بالتهام الأقذار والنجاسات، فسؤره كسؤر الكلب أحق بحكم النجاسة من الأسآر الأخرى .
وسأفصل إن شاء الله تعالى في بحث المطعومات المحرمة ما ينقله الخنزير من أمراض.

نجاسة سؤر الكلب :
إن الأدلة الشرعية والنظرية الطبية الصحية تدل بقوة على نجاسة سؤر الكلب والتشديد في تطهير ما يلغ فيه الكلب.
أ‌- الدليل الشرعي:
روى الإمام مسلم في صحيحه في باب حكم ولوغ الكلب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات [36] " ثم روى عنه بلفظ " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب [37] " ثم روى عن ابن المغفل مرفوعاً بلفظ " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفّروه الثامنة في التراب " .
روى الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً : " يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات، أولاهن أو أخراهن بالتراب، وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة [38] " .
قال الإمام النووي [39] : وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيها دليل على أن التقيد بـ " الأولى" وغيرها ليس على الاشتراط بل المراد إحداهن . وأما رواية " وعفروه الثامنة بالتراب" فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعاً، واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكأن التراب قائم غسله فسميت ثامنة لهذا أ. هـ .
قال في المهذب : " فإذا ولغ الكلب في إناء أو أدخل عضواً منه فيه وهو رطب لم يطهر الإناء حتى يغسل سبع مرات إحداهن بالتربة، والأفضل أن يجعل التراب في غير السابعة ليرد عليه ما ينظفه وفي أيهما جعل جاز لعموم الخبر.
وقال الإمام النووي في شرحه : وقد اختلف العلماء في ولوغ الكلب، فمذهبنا أن ينجس ما ولغ فيه، ويجب غسل إنائه سبع مرات إحداهن بالتراب، وبهذا قال أكثر العلماء . حكى ابن المنذر وجوب الغسل سبعاً عن أبي هريرة ابن عباس وعروة بن الزبير وطاوس وعمرو بن دينار ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيدة وأبي ثور . قال ابن المنذر : وبه أقول .
وقال النووي أيضاً: يستحب جعل التراب في الأولى فإن لم يفعل ففي غير السابعة أولى فأن جعله في السابعة جاز . أ . هـ .
إن وجوب غسل ما ولغ فيه الكلب سبع مرات هو مذهب الشافعية كما وضحه الإمام النووي .

أما الحنفية فقد أوجبوا غسله ثلاث مرات لأنه فعل الصحابي أبي هريرة رضي الله عنه الذي رويت عنه أيضاً أحاديث(سبع مرات) . وجعلوا إبلاغ الغسل سبعاً مندوباً للروايات الأخرى .
يتبـــــــــــــــــــــــع
  #347  
قديم 20-04-2008, 11:12 AM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ...المقاصد الصحية في أحكام المياه

فعن أبي هريرة رضي الله عنه : " أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء اهراقه ثم غسله ثلاث مرات [40] " فتعارض عمله مع حديث السبع، وهناك دلالة على تقدم حديث السبع للعلم بما كان من التشديد في أمر الكلاب أو الأمر حتى أمر بقتلها فيتبعه حكم ما كان معه وفي عمل أبي هريرة على خلاف كمية ما روى دلالة ظاهرة على نسخ الغسل سبع مرات، لأنه تركه العمل به بمنزلة روايته للناسخ[41].
ب‌- المقصد الصحي :
تعيش في أمعاء الكلاب والذئاب وبنات آوى ديدان تعرف باسم (الشريطية المكورة المشوكة ) فيكون برازها مفعماً ببعوض هذه الديدان .
وقد يتلوث فمها بتلك البيوض من برازها، لأنها تنظف شرجها بلسانها.
وقد يتلوث فمها بتلك البيوض من برازها، لأنها تنظف شرجها بلسانها.
فإذا تلوث طعام الإنسان أو ماء شربه ببراز أو فم تلك الكلاب أصبحا خطراً عليه إذا تناولهما، لأن قشرة تلك البيوض تهضم ويخرج منها الجنين المسدس الشصوص فيخترق جدار المعدة أو الأمعاء، ويسلك أحد طريقين الطريق الدموي أو الطريق اللنفاوي أو الاثنين معاً. وفي أي عضو يستقر هذا الجنين يأخذ بالنمو رويداً حتى يشكل الكيس المائي(أو الكيس الكلبي ) الذي يصبح خطراً على العضو المؤوف به أو على حياة الإنسان.
قد يصاب الإنسان بالكيس المائي ، وكذلك قد تصاب الحيوانات اللبونة وخاصة آكلة اللحم والخنازير والحيوانات المجترة والقاضمة. فإذا أكل الكلب أو الذئب مثلاً من اللحم المؤوف بالكيسة المائية فإن الرؤوس الكامنة أو الأجنة المختبئة في الكيس تبدو بعد الإنحلال غشائها، وتصير بعد شهر تقريباً دودة كهلة في معي الكلب أو الذئب ويصبح برازه محتوياً على بيوضها. وقد يصاب الحيوان بعوارض مميتة إذا كان عدد هذه الأجنة كثيراً.
الوقاية : بما أن داء الكيس المائي وخيم ينتقل إلى ا لبشر بواسطة الكلاب غالباً، فخير واسطة في الوقاية إذن هي اجتناب التعرض للتلوث بهذا الحيوان النجس مطلقاً كما هو في تعاليم الدين الإسلامي، وتحديد اختلاطها بالبشر ما أمكن وذلك بما يلي :
1. بإتلاف الكلاب الضالة، وتحديد ما يقتنى منها.
لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة من الزمن بقتل الكلاب ثم أباح استبقاءها حية ولكنه حدد ما يقتنى منها.
قد تكون تلك الفترة تشديد تجاه تساهل العرب في جاهليتهم في أمر الكلاب. وقد تكون تلك الفترة ظهر فيها مرض الكلب (السُّعار) بين الكلاب فيخشى أن تعرض إنساناً أو حيواناً فتعديه بمرضها، إضافة إلى أنها سبب الإصابة بالكيسة المائية كما بينت. وتذكر كتب الطب الحديث أنه لا يمكن الاكتفاء بقتل الكلاب المسعورة وحدها، لأنه الاختبارات الصحية أثبتت أن لعاب الكلب يصبح مؤذياً بعضه قبل ظهور الأعراض الكلبية عليه بثلاثة أيام.
ويحتمل أن يكون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب بسبب كثرة إصابتها بالشريطة المكورة المشوكة مما يؤدي إلى كثرة إصابة الإنسان وحيواناته المجترة بالكيسة المائية بتناول طعام أو شراب ملوث بلعابها أو برازها.

وأياً كان السبب في أمر الرسول بقتل الكلاب فإنما هو بوحي من الله تعالى الذي وسع علمه كل شيء.
فعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال : ما بالهم وبال الكلاب؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفّروه الثامنة في التراب[42] " .
وقال عليه الصلاة والسلام : " من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم[43]".
2. بوضع الضرائب على الكلاب الأهلية التي تقتنى لضرورة ماسة .
3. بالعناية بالكلاب اللازمة منها في الحراسة أو الصيد أو أعمال الشرطة بحمايتها من أكل تلك الأكياس المائية في المجازر أو خارجها، وإتلاف كل عضو توجد فيه هذه الأكياس بالحرق، وتفهيم أصحاب الكلاب ما ينشأ عن إطعام كلابهم تلك الأعضاء المؤوفة ليجتنبوا ذلك .
جـ ـ حكمة التطهير بالتراب والماء:
إن تنظيف وتطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلاب بالتراب مع قليل من الماء أقوى في إزالة ما يلتصق به من دسم وأقذار وبيوض الدودة المسببة للكيس المائي.
وبما أن شرعة الإسلام هي لكل زمان ومكان، والتراب متيسر في كل مكان، فاقتضت الحكمة أن يكون التراب في الغسلة الأولى كما هو مفضل وإلا ففي إحدى الغسلات الأجر قبل الأخيرة. وقد يأتي زمان تكتشف فيه فوائد لتطهير ما يلغ فيه الكلاب بالتراب أيضاً.
أما إراقة الماء والطعام الذي ولغ فيه الكلاب فإنها مستحبة شرعاً وواجبة صحياً ولو لم يرد استعمال الإناء. ولفظ الحديث المتقدم يوجبها بقوله صلى الله عليه وسلم :

" فليرقه ثم ليغسله سبع مرات " والحكمة في ذلك سلوك سبيل الوقاية فقد يتلوث الإناء أو الشراب أو الطعام ببيوض تلك الدودة الشريطية فيأتي حيوان أهلي أو إنسان لا علم له بولوغ الكلب أو طفل غافل فيبتلع منه فيتعرض للإصابة بالكيسة المائية. ولو أن هذه الحكمة مكتشفة قديماً لما اختلف العلماء في وجوب الإراقة لعينها، وأجمع الشافعية على ذلك . قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم : هل الإراقة واجبة لعينها أم لا تجب إلا إذا أراد استعمال الإناء أراقه ؟ فيه خلاف، ذكر أكثر أصحابنا: الإراقة لا تجب لعينها، بل هي مستحبة، فإن أراد استعمال الإناء أراقه . أ هـ .
ولا يخفى أن تطهير الإناء باحدى وسائل التطهير التي تذكرها كتب الصحة، زيادة على التطهير بالتراب والماء من جملة سنة الوقاية والحرص على ما ينفع .
د ـ سبق الإسلام :
وهكذا تبين لنا أن الإسلام سبق أيضاً بأحكامه المتعلقة بالكلاب ما توصل إليه الطب الحديث بقرون عديدة، فحذر من اقتناء الكلاب لغير ضرورة، وشدد في تطهير ما تنجسه.
أعطى تلك الأحكام في زمان لم يكن يعرف فيه طبياً أنها السبب الغالب في إصابة الإنسان بداء الكيسة المائية . ثم توالت قرون حتى تم اكتشاف ذلك، فسجل التاريخ معجزة جديدة لخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم دالة على صدق نبوته وأنه رسول الله حقاً إلى الناس كافة على توالي الأزمان.
وفي ذلك درس للمسلم بألا يتوقف أبداً عن تنفيذ تعاليم الإسلام(في الأمر والنهي ) لأنه لم يدرك حكمتها طالما أنه يؤمن بأن الإسلام شرع العليم الأعلى الحكيم الخبير، وصدق الله العظيم : " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" .
والخلاصة : إن التقيد بأحكام الإسلام في تجنب الكلاب وتطهير ماتنجسه يقي من الإصابة بداء الكيسات المائية (الكلبية ) ذالك الداء الوخيم الذي قد يودي بحياة الإنسان إذا استقر في أماكن خطرة كالدماغ مثلاً . هو دائماً يتطلب مداخلة جراحية لاستئصاله . أعاذنا الله تعالى من كل داء وبلاء، وجعلنا جميعاً من التوابين والمتطهرين والمتمسكين بشرعته المتبعين لهدي نبيه .


نجاسة جسم الكلب :
الكلب وما تولد منه نجس العين في المذهب الشافعي والحنبلي .
وقال الحنفية : إنه طاهر العين إلا أن لعابه نجس حال حياته تبعاً لنجاسة لحمه، فلو وقع في بئر وخرج حياً ولم يصب فمه الماء لم يفسد الماء، وكذا لو انتفض من بلله فأصابه شيئاً لم ينجسه .
وقال المالكية : كل حي طاهر العين ولو كان كلباً أو خنزيراً[44].
أقول والله أعلم : يظهر أن الحق في هذه المسألة مع الشافعية، لأن معظم الحيوانات اللبونة تنظف جسمها بلسانها ولعابها كما تنظف بهما شرجها.
وإضافة إلى ذلك فإن براز الكلب ولعابه أثبت الطب خطرهما في نقل بيوض الديدان الشريطية المكورة المشوكة التي تسبب للإنسان ولحيواناته الأهلية الإصابة بالكيسة المائية (الكلبية ) كما أوضحت. فمذهب المالكية وتفريع الحنفية في هذه المسألة لا ينسجمان مع الطب .
من آراء ابن حزم في أحكام المياه :
كثير الاستشهاد بآراء ابن حزم[45] وأقواله في عصرنا هذا وخاصة في السنين الأخيرة. والداعي إلى ذلك غايات متعددة تستأنس من كتابات المستشهدين وسلوكهم وواقع حياتهم. وهاكم أهم تلك الغايات:
1. الاستفادة من رأي سديد أو تعليل صادر عن ابن حزم رحمه الله تعالى . وهذه الغاية لا غبار عليها، لأن الحكمة ضالة المؤمن الفطن.
2. استكمال البحث العلمي وعرض كل ما قيل فيه ليشارك القارئ الكاتب في البحث ومطالعة الأدلة والوصول إلى النتيجة سواء أخذ الباحث برأي ابن حزم أو رد عليه . وهذه الغاية مقبولة أيضاً في البحث العلمي .
3. تبني الكاتب الأخذ بظاهر النصوص الشرعية القريب المنال (مع فصله عن روح الشريعة ومقاصدها) . وسنرى كيف أن تقيد ابن حزم بحرفية ظاهر النص أوقعه في أخطاء لا يؤيدها المنطق العقلي ولا مقاصد الشريعة ولا تعاليم الطب والصحة.
4. التفتيش عن آراء السابقين ولو شاذة لسبغ اسم الموافقة للشريعة على أعمال المسلمين اليوم، لئلا نرى كثرة مخالفاتهم . وهذا عمل ساذج لا يحول العاصين إلى التمسك، بيد أنه يعطي حجة للمنافقين أن يبرروا أعمالهم تجاه المسلمين الصادقين ويثبوا سموهم بين الغافلين والجاهلين.
5. عمل نفاقي لستر الزيغ والعصيان وتبرز المخالفات وتشويه تعاليم الإسلام في أذهان المطلعين بالاستدلال على مشروعية أعمالهم بأن رأي ابن حزم أو غيره
يجيزها ويحكم بعد مخالفتها الشريعة . وشتان بين غايتهم هذه وغاية ابن حزم ولو أخطأ في بعض اجتهاداته رحمه الله تعالى .

وكل إنسان يؤخذ من كلامه، ويترك إلا صاحب العصمة. وإني في ذكر الآراء التي أخطأ فيها ابن حزم لا أقصد تجريحه وإنما أقصد إيضاح خطر الغايات الثلاثة الأخيرة في الاستشهاد بآراء ابن حزم، وخاصة إذا عرضت مع أدلتها دون ذكر أدلة الأئمة الأربعة في بحث استشهاد.
لقد أمتاز ابن حزم بسعة الإطلاع والاشتغال بعلوم عديدة. فكتب في الحديث والفقه والأصول والتاريخ والفرق والأدب والمنطق والنفس، وحفظ لنا في كتبه كثيراً من آراء السلف الفقهية فصارت مرجعاً في هذا الباب على قلة المصادر لمن أراد التعرف على آرائهم.
ولكنه لم يحقق في علم من العلوم التي كتب فيها، وذلك لعدم تخصصه في بعض تلك العلوم أي أنه زاد ثقافته على حساب حرمان نفسه من التخصص، فلم يتفرغ للتحقيق فيما أراده. فظن أن غزارة ثقافته تجيز له الإعجاب بآرائه في العلوم المختلفة وتسفيه آراء مخالفيه فتهجم على أئمة الإسلام والعلم. ومع أنه محدث فقد أقدم على الحكم بالجهالة على كثير من الرواة مع شهرتهم عند أئمة العلم بالرجال.
وبعض من أسند إلى أسمائهم الجهالة أبو عيسى الترمذي الإمام المشهور صاحب السنن[46]. وضعف ابن حزم كثيراً من الأحاديث الثابتة نتيجة حكمه على أحد رجال السنة بالجهالة. وإن كثيراً من الأحاديث التي ضعفها تخالف آراءه التي أقتنع بها.
لقد كان رحمه الله تعالى يأخذ بظاهر النصوص وإن أدى ذلك إلى نتائج تتنافى مع مقاصد الشريعة ومع المنطق العقلي. ولذلك وقع في أخطاء فاحشة لم يقع في مثلها غيره من المجتهدين والفقهاء، وهو الذي يقيم النكير عليهم وينقدهم نقداً لاذعاً أو ساخراً فيما يظن أنه خطأ اجتهادي منهم.
ولقد أشار إلى أخطائه في كتابه المحلى الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر القاضي الشرعي في تعليقاته على ذلك الكتاب [47]تغمدهما الله بالرحمة .
أ‌. يجيز ابن حزم لمن بال في الماء الراكد ولغيره أن يشرب منه إن لم يتغير أحد أوصافه، مع أن ذلك يتنافى مع الذوق السليم ومع روح النظافة والطهارة الشرعية، ومع أدلة نجاسة الماء القليل بقليل النجاسة، ومع سنية استعذاب الماء وطلب السقيا من المياه الطيبة، ومع الحكم بعدم صلاحية ذلك الماء لوضوء البائل فيه، كما يتنافى مع الطب الذي يقرر أن بعض الأبوال تحوي جراثيم وبعضها يحتوي بيوض البلهارزيا أو غيرها من الطفيليات.
ب‌. ويفرق ابن حزم بين البول مباشرة في الماء الراكد وبين البول في جواره فجرى البول إليه. فالبول مباشرة يمنع البائل الوضوء والغسل من ذلك الماء، بينما يجيز له في الحالة الثانية إن لم يتغير أحد أوصاف الماء.
ت‌. ويجيز ابن حزم لغير البائل أن يتوضأ ويغتسل من ذلك الماء، لأن النهي ورد بخصوص البائل.
ان تلك الأحكام التي أخطأ فيها ابن حزم خطأ فاحشاً مذكورة في كتابه المحلى في المسألة (136) حيث يقول : إن البائل في الماء الراكد الذي لا يجري حرام عليه الوضوء بذلك الماء والاغتسال به لفرض أو لغيره، وحكمه التيمم إن لم يجد غيره. وذلك الماء طاهر حلال شربه له ولغيره إن لم يغير البول شيئاً من أوصافه .وحلال الوضوء به والغسل به لغيره . فلو أحدث في الماء أو بال خارجاً منه، ثم جرى البول فيه فهو طاهر، يجوز الوضوء منه والغسل له ولغيره إلا أن يغير ذلك البول أو الحدث شيئاً من أوصاف الماء فلا يجزي حينئذ استعماله أصلاً، لا له ولا لغيره . أ هـ.

لقد سق داود بن علي الظاهري [48] ابن حزم في تلك الأحكام المتجافية عن الصواب. قال الإمام النووي في شرحه على مسلم في باب النهي عن البول في الماء الراكد: لم يخالف في هذا أحد من العلماء إلا ما حكي عن داود بن علي الظاهري: أن النهي مختص ببول الإنسان بنفسه، وأن الغائط ليس كالبول، وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب الماء. وهذا الذي ذهب إليه خلاف إجماع العلماء، وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر. أ هـ .
ث‌. يحكم ابن حزم بنجاسة لعاب الكلب ثم يحكم بطهارة ما أكل منه الكلب من طعام، مع أن خطم الكلب بتماس غالب مع لسانه ولعابه.
ج‌. ويحكم بنجاسة عرق الكلب ثم يحكم بطهارة ما وقع فيه الكلب من شراب وطعام أو ما دخل فيه بعض أعضائه.. مع أن جلد الكلب أول ما يمسه عرقه،كما أن الكلب ينظف جلده وشعره بلسانه ولعابه.
ح‌. ولا يوجب ابن حزم غسل يد الإنسان إذا ولغ فيها الكلب لأنها ليست بإناء، والأمر بالغسل جاء للإناء..
أراد ابن حزم أن يبتعد عن القياس الذي لا يتعرف به فوقع في مثل هذه الأحكام اللامنطقية.
إن الأحكام الثلاثة الأخيرة لابن حزم مسجلة في المسألة (127) من كتابه المحلى حيث يقول : فإن أكل الكلب في الإناء ولم يلغ فيه أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع بكله فيه لم يلزم غسل الإناء و لا هرق ما فيه البتة، وهو حلال طاهر كله كما كان، وكذلك لو ولغ الكلب في بقعة من الأرض أو في يد إنسان أوفي ما لا يسمى إناء فلا يلزم غسل شيء من ذلك ولا هرق ما فيه . أ هـ.
قال المرحوم الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على هذه الفقرة : كل هذا تغال ومبالغة في التمسك بالظاهر دون نظر إلى معاني الشريعة وما يتفق مع المعقول.
فما حرّم الله شيئاً إلا وهو قذر مؤذ، ولا حكم النجاسة شيء إلا وكان مما تتجنبه الطباع النقية، وإزالة النجاسات واجب معقول المعنى، فمن العجيب أن يفرق ابن حزم بين أكل الكلب من الإناء وبين شربه.

يبتـــــــــــع
  #348  
قديم 20-04-2008, 11:15 AM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ...المقاصد الصحية في أحكام المياه

بل الأعجب أن يفرق بين الشرب وبين وقوع الكلب كله في الإناء..
أقول : إن الطب أيضاً يعجب من آراء ابن جزم في أحكام المياه تلك الآراء التي تتنافى مع مبادئ مع الصحة، ويؤدي الأخذ بها إلى انتشار الأمراض والأوبئة. وقد بينت فعل المياه الملوثة في نقل الأمراض، وأن الكلاب هي السبب الغالب في إصابة الإنسان بالكيسات المائية .

كلمة الختام :
لقد أوضحت فعل المياه في نشر الأمراض، وبينت هدي النبوة في وقاية المياه من التلوث، كما أوضحت المقاصد الصحية في أحكام المياه وبينت الأحكام التي هي أقرب إلى الأدلة الشرعية والاعتبارات الطبية، ليراعيها المسلم في التطبيق وخاصة في مياه شربه ثم في مياه طهوره ونظافة جسمه، ولو تساهل في مذهبه الفقهي مراعاة للصحة والمذاهب الأخرى.
فإن الأخذ بأسباب الوقاية الصحية مستحب. وإن مراعاة المذاهب مستحبة أيضاً، نص على ذلك فقهاؤها.
والله تعالى أعلم .
مصادر البحث :
إن مصادر أبحاث المقاصد الصحية في أحكام المياه هي:
1. جامع الأصول في أحاديث الرسول.
2. سنن الترمذي
3. شرح صحيح مسلم للإمام النووي
4. المجموع للإمام النووي(شافعي).
5. فتح باب العناية للهروي(حنفي).
6. بداية المجتهد ونهاية المقتصد
7. الاختيار شرح المختار (حنفي).
8. الفقه على المذاهب الأربعة
9. فن الصحة والطب الوقائي للأستاذ الدكتور أحمد حمدي الخياط
10. الجراثيم الطفيلية للأستاذ الدكتور أحمد حمدي الخياط.
11. مختصر الكيمياء الطبية للأستاذ الدكتور عبد الوهاب القنواتي
12. الأمراض الإنتانية للأستاذ الدكتور بشير العظمة


[1] سورة الأنبياء 30

[2] ذكره الأصبهاني في باب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وقال السمهودي في خلاصة: رواه أبو داود بهذا اللفظ وسنده جيد وصححه الحاكم. كما في نظام الحكومة النبوية.

[3] نظام الحكومة النبوية. وتمام القصة في صحيح مسلم وقالت امرأة أبي الهيثم للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءهم يسأل عن أبي الهيثم " ذهب يستعذب الماء" وفي الحديث دلالة على أن استعذاب الماء لا ينافي الزهد ولا يدخل في الترف المذموم.

[4] أخرجه ابن ماجه ورمز السيوطي في الجامع الصغير لضعفه .

[5] أخرجه الموطأ والترمذي وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح كما في تحقيق جامع الأصول للأستاذ عبد القادر الأرناؤوط.

[6] يخرج الجنين من البيضة في الماء والأماكن الرطبة ذات السخونة القليلة (بين 25_30) كما في المناجم ويتطور فيصبح في طوره الثالث سرفة مغلقة معدية . وتسبب للإنسان ذات القصبات المنزلية وتحدث فيه الغمة واضطراب الهضم ونزف المعي الخفي المديد مما يؤدي إلى فقر الدم .

[7] ديدان رقيقة طويلة . تعيش الذكر و الأنثى ملتصقتين في وسط أوردة الجدر المعوية في النوع الياباني والماسوني، ا, أوردة الجملة المثانية الحوضية في النوع الدموي. تفقص فيها حتى يصبح جنيناً مذنباً يخرج منها، فإذا صادف إنسانأً نفذ من جلده المتلين بتأثير الماء.

[8] رواه مسلم وهناك روايات قريبة منها لأحمد والبخاري والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجة كما في جامع الأصول.

[9] رواه أبو داود بإسناد حسن كما في التعليق على جامع الأصول .

[10] رواه البخاري.

[11] رواه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه ورمز السيوطي لحسنه في الجامع الصغير كما روى النهي في الإناء (الجملة الأولى ) البخاري ومسلم .

[12] رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح

[13] رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح

[14] رواه البخاري ومسلم واللفظ له .

[15] أخرجه الطبراني في الأوسط بسند حسن كما في فتح الباري قبيل (باب الشرب في آنية الذهب ) وأصله في ابن ماجة، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند البزار والطبراني .

[16] رواه البخاري في الأشربة والنسائي والترمذي في كتاب الأشربة باب تغطية الإناء ومعنى خمّروا : غطُّوا .

[17] أخرجه مسلم وأخرجه النسائي إلى قوله وهو جنب كما في جامع الأصول .

[18] رواه أبو داود .

[19] كما في جامع الأصول .

[20] رواه أبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وفي سنده جهالة وانقطاع ولكن له شواهد يتقوى بها، منها ما أخرجه الإمام مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا اللاعنين قيل ك وما اللاعنان قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم.

[21] الفقه على المذاهب الأربعة. هذا وإن الإمام الحافظ ابن رشد يذكر في كتابه بداية المجتهد أن هناك روايتين عن الإمام مالك أحدهما ما ذكر أعلاه والثانية كقول الأئمة الثلاثة .

[22] أخرجه أبو داود والترمذي وفي رواية لأبي داود (فإنه لا ينجس ) وفي رواية النسائي " وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء .. " وذكر الرواية الأولى أ هـ.

[23] هَجَر : قرية قرب المدينة المنورة وليست هجر البحرين وكان ابتداء عمل هذه القلال بهجر فنسبت إليها ثم عملت في المدينة فبقيت النسبة على ما كانت كما في المجموع للإمام النووي أ هـ . من تعليقات الأستاذ عزت الدعاس على سنن الترمذي .

[24] نقل ذلك الأستاذ عزت الدعاس في تعليقاته على سنن الترمذي جـ 1 ص 62.

[25] كما في الفقه على المذاهب الأربعة وفي جواب سماحة مفتي دوما الشيخ أحمد صالح الشامي على سؤالي عن تقدير القلتين عند الحنابلة، ويؤخذطول الذراع المتوسط من رؤوس أصابع اليد المبسوطة حتى المرفق وقد قدر الأستاذ أحمد الشامي القلتين بـ 209 كيلوغرام .

[26] كما في بداية المجتهد.

[27] كما في الاختيار شرح المختار جـ 1 ص 13 مصطفى البابي الحلبي ص 1355هـ .

[28] كما في فتح باب العناية للإمام المحدث الشيخ علي القاري الهروي المتوفي سنة 1014 هـ سباع البهائم هي الأسد والنمر والفهد والذئب والضبع والكلب والخنزير والفيل ونحوها.

[29] كما في المجموع للإمام النووي.

[30] كما في نيل المآرب، باب المياه وباب النجاسة الحكمية. كما بينه لي مراسلة سماحة مفتي دوما الشيخ أحمد صالح الشامي رحمه الله .

[31] كما في بداية المجتهد، وذهب ابن القاسم إلى أن كل حيوان طاهر السؤر ما عدا السباع، وهو يقول بكراهة أسآر الحيوانات التي لا تتوفى النجاسة غالباً مثل الدجاجة المخلاّة والإبل الجلالة والكلاب المخلاّة .

[32] العلامة أبو سليمان حمد بن محمد إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي نسبة إلى زيد بن الخطاب أخي سيدنا عمر 319 ـ 388 هـ كان إمام في الفقه الشافعي والحديث والفقه كما في طبقات الشافعية تذكرة الحفاظ .

[33] كما في فتح باب العناية، وحديث الموطأ هذا إسناده منقطع كما في التعليق على جامع الأصول .

[34] كما في فتح باب العناية وفيه : أن حديث أبي هريرة عن الحياض التي بين مكة والمدينة معلول بعبد الرحمن بن زيد.

[35] الأنعام ـ 145ـ.

[36] ورواه النسائي أيضاً . ورواه النسائي أيضاً . ورواه البخاري بلفظ " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " كما في جامع الأصول .
ولغ الكلب بلغ : أدخل لسانه في الإناء فحركه ليشرب. قال في العارضة : الولوغ للسباع والكلاب كالشرب لبني آدم . ولا يستعمل الولوغ في الآدمي، وقد يستعمل الشرب في السباع .

[37] رواه أبو داود أيضاً كما في جامع الأصول.

[38] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح .وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق.

[39] في شرحه على صحيح الإمام مسلم وفي كتاب المجموع أيضاً.

[40] رواه الدار قطني وقال ابن دقيق العيد في الإمام : وهذا سند صحيح كما في فتح باب العناية

[41] عن كتاب فتح باب العناية .

[42] أخرجه الإمام مسلم وأبو داود والنسائي وقال : " والثامنة عفروه بالتراب " كما في جامع الأصول .

[43] رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .

[44] الفقه على المذاهب الأربعة .

[45] هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 هـ وهو من حفاظ الأندلس وفقهائها، كما أنه إمام أهل الظاهر . ظاهر في الفروع مع أنه مؤول في آيات الصفات .

[46] انظر الصفحة 183 ـ 186 من كتاب الرفع والتكميل الطبعة الثانية مع التعليق عليه الطبعة الثانية بحلب .

[47] الذي نشرته إدارة المطبعة المنيرة سنة 1347 هـ وكانت حياة الشيخ أحمد شاكر من سنة 1309 ـ 1378 هجرية.

[48] 202 ـ 270 هـ إمام المذهب الظاهري، كان شافعياً، ثم اتخذ لنفسه مذهباً خاصاً قوامه الوقوف عند ظاهر النصوص. ترجم له الذهبي في التذكرة ص 572 ووصفه بالحفظ للحديث والورع والزهد. ثم قال : منع الإمام أحمد أن يدخل إليه داود وبدعه لكونه قال : القرآن محدث، وهو قدوة ابن حزم في نفي القياس والاستحسان والرأي والجمود عند الظاهر .
  #349  
قديم 20-04-2008, 11:18 AM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الكبد والطحال غذاء ودواء لمعالجة الفاقة الدموية

بقلم الدكتور محمود ناظم النسيمي
هما غذاء:
يعتبر الكبد في فن الصحة وفي مباحث الأغذية بمثابة اللحم، لغناها بالمواد البروتينية. وتعتبر في فن الغذاء مدخراً للعامل المضاد لفاقة الدم ومخزناً للحديد الضروري لتكوين خضاب الكريات الحمر، ومخزناً للنحاس المساعد على ذلك. ويحتجز الكبد كمية من الدم في شباكه الشعرية. وتحتوي الكبد على معظم الفيتامينات فهي غنية بالفيتامينات آ ـ A ومجموعة من الفيتامينات ب ـ B وحمض الفوليك (الذي يعجل أيضاً نمو الكريات الحمر في مخ العظام ) والفتامين هـ ـ H (بيوتين أو عامل الجلد).
أم الطحال فإنها ـ وإن كانت من خلائف اللحم كالكبد ـ تعد الرئة من الأعضاء الثقيلة الأقل تغذية من الكبد واللحوم، غير أنها مدفن للكريات الحمر الهرمة ومخزن لحديدها
[1].

وهما مباحان شرعاً من أي حيوان مباح اللحم .
هما دواء
1. فوائد الكبد :
لقد أثبت العالم الأمريكي وايبل Whipple أن أكل الكبد النيئة يفيد فائدة كبيرة في معالجة فاقات الدم المختلفة، ولا سيما فقر الدم الخبيث، كما يفيد في معالجة قصور الكبد والأمراض الأخرى التي تضطرب فيها وظيفة الخلايا الكبدية.
أم مقدارها فهو 150ـ 300 غرام كل يوم مفرومة ومدسوسة في أغذية نيئة أخرى، أو موضوعة في شطيرة أو مع اللحم المدقوق، وذلك ليسهل قبولها. أم إذا تقزز المريض منها ولم يحتملها، فتشوى شيئاً خفيفاً أو تسلق خلال 2ـ 3 دقائق، ثم يأكلها المريض ويشرب ماء السلق أيضاً. وإذا لم يحتملها المريض بالرغم من ذلك، فتعطى له خلاصة الكبد المستعملة شرباً أو حقناً.
ولقد تبين أخيراً أن الكبد المطبوخ ـ مسلوقاً كان أم مشوياً ـ لا ينقص شيء هام من فوائده، كما كان يعتقد فيما مضى .
ويفيد استعمال الكبد المرضى المكبودين، إذ أنه ينشط الوظيفة الصفراوية والسكرية والمضادة للسموم عند المصابين بقصور الكبد. وتعدل خلاصة الكبد المائية سموم كثيرة من جراثيم الأمعاء الحالة للدم.
وأهم استطبابات الكبد وخلاصته هو فقر الدم، ولا سيما الخبيث (داء بيرمر) وذلك لاحتوائه على العامل المنضج للكريات الحمر وهو الفيتامين (ب12) وعلى قليل من الحديد العضوي والبروتينات [2].

2. فوائد الطحال:
يفيد الطحال ـ وخاصة الغنم ـ مضاداً لفقر الدم، ولا سيما في المصابين بالبرداء (الملاريا) . وذلك لغناه بالدم وعناصره المختلفة. تفيد خلاصته المستعملة حقناً في معالجة بعض أمراض الجلد المصحوبة بالحكة وفي معالجة البرص. ويفيد مزيجها بخلاصة الكبد في معالجة فقر الدم الخبيث.
ويستعمل مسحوق الطحال المجفف بمقدار (0.25 ـ 2) غ في برشان، كما تستعمل خلاصته حقناً، وهي توجد في حبابات بحجم 1_5 سم3، تعطى حبابة كل يوم حقناً عضلياً[3].
وهكذا يمكن للمصاب بالفاقة الدموية أن يتناول الكبد والطحال كغذاء ودواء، فيوفر على نفسه من مصاريف التداوي ويدعم اقتصاد بلاده بالإقلال من المستوردات .
هذا، ويدخل الامتناع عن الكبد والطحال في عداد حمية المصابين بالنقرس أو بالرمال البولية ؟

هل هما دمان ؟

لقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما : " أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال" [4]فما هو وجه إطلاق اسم الدم عليهما، مع أنه لكل منهما نسيج خاص به تخترقه العروق الدموية الشريانية والوريدية كما تخترق باقي الأعضاء ؟


الجواب على ذلك من أوجه :
1. يمكن أن العرب كانوا يعتبرون الكبد والطحال من الدماء. وبما أن الإسلام حرم الدم فاستثناهما ـ حسب اعتبار المخاطبين ـ من التحريم وأحلهما.
2. إن كثرة احتوائهما على الدم توجب الشبهة بتحريمهما لتحريم الدم فدفعت الشبهة بإعلان حلّهما.
3. إن ذلك الإطلاق ليس من باب ذكر الحقيقة، وإنما هو من باب المجاز. ففي الحديث تشببيه بليغ حيث أطلق (دمان) على الكبد والطحال لكثرة الدم والعروق الدموية فيهما، نسبة إلى الأعضاء الأخرى، فإنهما يمتازان بميزات دموية دورانية وهي غنى الشبكة الشعرية فيهما، ووجود تفرعات وريد الباب في الكبد، ووجود الجيوب الوريدية في الطحال، فهما أغنى الأعضاء بالدم.
إن القول بوجود تشبيه في ذلك الحديث ليس بدعاً من القول، فقد سبق إليه العلماء المتقدمون. قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره قوله تعالى : " إنما حرَّم عليكم الميتة والدم .. " من سورة البقرة (المسألة الثانية ) اختلفوا في قوله عليه الصلاة والسلام : " أحلت لنا ميتتان ودمان .. " .
هل يطلق اسم الدم عليهما فيكون استثناءً صحيحاً أم لا ؟ فمنهم من منع ذلك لأن الكبد يجري مجرى اللحم وكذا الطحال، وإنما يوصفان بذلك تشبيهاً، ومنهم من يقول هو كالدم الجامد ويستدل عليه بالحديث.

4. وهناك وجه آخر للمجاز: وهو أن هذين العضوين يتدخلان في توليد الكريات الحمر في الإنسان والحيوان، فإن الكبد باحتوائها على العامل المنضج للكريات الحمر تنبه النقي في توليد تلك الكريات وتساعد على اكتمال نموها نضوجها. أما الطحال فإنه ـ كما ذكرت ـ يعتبر مدفناً للكريات الحمر الهرمة ومخزناً لحديدها ليقدمه من جديد إلى الدم الذي يوصله إلى نفي العظام، فيستخدمه هذا في تكوين خضاب الكريات الحمر.
فالكبد والطحال دمان من باب المجاز المرسل والعلاقة هي السبب والله تعالى أعلم .



[1] يقوم الطحال بتوليد الكريات الحمر في أجنة ذوات الثدي وفي السنة الأولى من حياتها، وينقلب بعد ذلك إلى عضو حال لهذه الكريات، كما في كتاب علم الغرائز للأستاذ الدكتور شفيق البابا.

[2] علم الأدوية للأستاذ الدكتور عزة مريدن. الكبد تؤنث في الأغلبية وتذكر أحياناً كما في القاموس المحيط.

[3] علم الأدوية للأستاذ الدكتور عزة مريدن، الكبد تؤنث في الأغلب وتذكر أحياناً كما في القاموس المحيط.

[4] ورد موقوفاً على ابن عمر ومرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد صحح الرواية الموقوفة المناوي والشيخ أحمد محمد شاكر في شرحه مسند الإمام أحمد 8/102 شرح الحديث رقم 5723 وقول الصحابي : (أحل لنا كذا) هو في معنى المرفوع .
وصحح المرحوم شاكر الرواية المرفوعة بسند الدار قطني والبيهقي من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه .


  #350  
قديم 20-04-2008, 11:19 AM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الختان بين موازين الطب والشريعة

بقلم الدكتور الطبيب محمد نزار الدقر
تعريف اللغوي:
الختان بكسر الخاء اسم لفعل الخاتن ويسمى به موضع الختن، وهو الجلدة التي تقطع والتي تغطي الحشفة عادة، وختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة وأما ختان المرأة فهي الجلد كعرف الديك فوق الفرج تعرف بالبظر، وهو عضو انتصابي عند المرأة مثل القضيب لكنه صغير الحجم ولا تخترقه قناة البول.
الختان عبر التاريخ :
تشير المصادر التاريخية إلى أن بعض الأقوام القديمة قد عرفت الختان، وفي إنجيل برنابا (2)إشارة إلى أن آدم عليه السلام كان أول من اختتن وأنه فعله بعد توبته من أكل الشجرة ولعل ذريته تركوا سنته حتى أمر الله سبحانه نبيه إبراهيم عليه السلام بإحيائها.
وقد وجدت ألواح طينية ترجع إلى الحضارتين البابلية والسومرية [3500 ق.م] ذكرت تفاصيل عن عملية الختان(3)، كما وجدت لوحة في قبر عنخ آمون [ 2200ق.م] تصف عملية الختان عند الفراعنة وتشير إلى أنهم طبقوا مرهماً مخدراً على الحشفة قبل الشروع في إجرائها، وأنهم كانوا يجرون الختان لغرض صحي .
وأهتم اليهود بالختان (4)واعتبر التلمود من لم يختتن من الوثنيين الأشرار فقد جاء في سفر التثنية :" أختتنوا للرب وانزعوا غرل قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان أورشليم " .
أما في النصرانية فالأصل فيها الختان، وتشير نصوص من إنجيل برنابا إلى أن المسيح قد أختتن وأنه أمر أبتاعه بالختان، لكن النصارى لا يختتنون (5).
أما العرب في جاهليتهم فقد كانوا يختتنون اتباعاً لسنة أبيهم إبراهيم .
وذكر القرطبي (6)إجماع العلماء على أن إبراهيم عليه السلام أول من أختتن.
فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان إبراهيم أول من اختتن ، وأول من رأى الشيب وأول من قص شاربه وأول من استحد"[1].
وفد فصل ابن القيم (7)في ختان النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال ، ويرى أنها كلها تعتمد على أحاديث ضعيفة، أو أنه ليس لها إسناد قائم أو أن في إسنادها عدة مجاهيل مع التناقض الكبير في متونها.
فالقول الأول وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً، فهو علاوة على ضعف إسناده، فهو يتناقض مع حديث صحيح اعتبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الختان من الفطرة، ذلك أن الابتلاء مع الصبر مما يضاعف أجر المبتلى وثوابه، والأليق بحال النبي صلى الله عليه وسلم ألا يُسلب هذه الفضيلة .
والقول الثاني أن الملك ختنه حين شق صدره لا يصح له إسناد مطلقاً، والأرجح القول الثالث وهو أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب وسماه محمداً وأقام له وليمة يوم سابعة .
الختان في السنة النبوية المطهرة :
دعا الإسلام إلى الختان دعوة صريحة و جعله على رأس خصال الفطرة البشرية، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " الفطرة خمس : الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب " البخاري رقم/5439/.
وجاءت دعوة الإسلام إلى الختان متوافقة مع الحنيفية ـ ملة إبراهيم عليه السلام ـ فكان الختان كما أورد القرطبي عن عبد الله بن عباس ـ من الكلمات التي ابتلى بها إبراهيم ربه بهن فأتمهن وأكملهن فجعله إماماً للناس .
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد امتداحه لفعل إبراهيم هذا، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "اختتن إبراهيم بعدما مرت عليه ثمانون سنة، اختتن بالقدوم" رواه البخاري ومسلم والقدوم آلة صغيرة، وقيل هو موضع بالشام.
وعن موسى بن علي اللخمي عن أبيه قال : " أمر الله إبراهيم فاختتن بقدوم فاشتد عليه الوجع فأوحى الله عز وجل إليه، عجلت قبل أن نأمرك بالآلة، قال : يا رب كرهت أن أؤخر أمرك " أخرجه البيهقي بسند حسن.
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الختان سنة الرجال، ومكرمة للنساء" أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي وقال حديث ضعيف منقطع.
وعن كثيم بن كليب عن أبيه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد أسلمت فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ألق عنك شعر الكفر واختتن " أخرجه أحمد وأبو داود، وقال السيوطي بضعفه وفي أسناده مجهولان (نيل الأوطار)، وقد أورده ابن حجر في التلخيص ولم يضعفه ولكن برواية : " من أسلم فليختتن ".
الحكم الفقهي في الختان :
يقول ابن القيم(7): اختلف الفقهاء في حكم الختان، فقال الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد هو واجب، وشدد مالك حتى قال : من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته. ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة حتى قال القاضي عياض : الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، السنة عندهم يأثم بتركها فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب.
وذهب البصري وأبو حنيفة : لا يجب بل هو سنة، ونقل عنه قوله : قد أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس: الأسود والأبيض فما فتش أحداً.
وخلاصة القول: وذهب الشافعية وبعض المالكية بوجوب الختان للرجال والنساء، و ذهب مالك وأصحابه على أنه سنة للرجال و مستحب للنساء، وذهب أحمد إلى أنه واجب في حق الرجال و سنة للنساء وذهب أبو حنيفة إلى أنه سنة، لكن يأثم تاركه... ويتابع ابن القيم : " ولا يخرج الختان عن كونه واجباً أو سنة مؤكدة، لكنه في حق الرجال آكد لغلظ القلفة ووقوعها على الإحليل فيجتمع تحتها ما بقي من البول، ولا تتم الطهارة ـ المطلوبة في كل وقت والواجبة في الصلاة ـ إلا بإزالتها .
ويقول النووي
(8): " ويجب الختان لقوله تعالى : " (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ) . ولأنه لو لم يكن واجباً لما كشفت له العورة، لأنه كشف العورة محرم، فلما كشفت له العورة دل على وجوبه " .

ويعدد ابن القيم المواضع التي يسقط فيها وجوب الختان : منها " أن يولد الرجل ولا قلفة له، وضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف، وأن يسلم الرجل كبيراً ويخشى على نفسه منه، والموت فلا ينبغي ختان الميت باتفاق الأمة ولأن النبي صلى الله عليه قد أخبر أن الميت يبعث يوم القيامة بغرلته غير مختون فليس ثمة فائدة من ختنه عند الموت ".
وهنا يأتي دور الطب إذ يحدد أمراضاً (3) تمنع حاملها من أن يعمد إلى ختانه. منها إصابة الطفل بالتهاب الكبد الإنتاني (اليرقان) أو إصابته بأحد الأمراض المنتقلة بالجنس كالإفرنجي والإيدز، ففي هذه الحالات يجب معالجة المولود حتى يتم شفاؤه أو إعداده بشكل يكفل سلامته قبل إجراء الختان.
وقد أتفق الجمهور على عدم ثبوت وقت معين للختان، لكن من أوجبه من الفقهاء جعلوا البلوغ " وقت الوجوب " لأنه سن التكليف، لكن يستحب للولي أن يختن الصغير لأنه أرفق به " .
وقال النووي باستحباب الختان لسابع يوم من ولادته لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما وختنهما لسبعة أيام [2].
إلا أن يكون ضعيفاً لا يحتمله، فيؤخره حتى يحتمله ويبقى الأمر على الندب إلى قبيل البلوغ، فإن لم يختتن حتى بلوغه وجب في حقه حينئذ.
وفي هذا يقول ابن القيم (7): " وعندي يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ بحيث يبلغ مختوناً فإن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به ".
وقال النووي(8): " وأما الرجل الكبير يسلم فالختان واجب على الفور إلا أن يكون ضعيفاً لا يحتمله بحيث لو ختن خيف عليه، فينتظر حتى يغلب على الظن سلامته ".
يقول د. محمد علي البار (5)أن الأبحاث الطبية أثبتت فائدة الختان العظمى في الطفولة المبكرة ابتداءً من يوم ولادته وحتى الأربعين يوماً من عمره على الأكثر، وكلما تأخر الختان بعدها كثرت الالتهابات في القلفة والحشفة والمجاري البولية.
وفي حكمة الختان يقول ابن القيم (7): " .. فشرع الله للختان صيغة الحنيفية وجعل ميسمها الختان.. هذا عدا ما في الختان من الطهارة والنظافة والتزين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، فالختان يعدلها ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النسا لا يشبع من الجماع. والحكمة التي ذكرناها في الختان تعم الذكر والأنثى وإن كانت في الذكر أبين والله أعلم ".
أما في بيان القدر الذي يوخذ في الختان فقد ذكر النووي(8)أن الواجب في ختان الرجل قطع الجلد التي تغطي الحشفة كلها فإن قطع بعضها وجب قطع الباقي ثانياً.
ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير ولا يبالغ في القطع.
الختان ينتصر :
في عام 1990 كتب البروفيسور ويزويل : (18)"لقد كنت من اشد أعداء الختان و شاركت في الجهود التي بذلت عام 1975 ضد إجرائه، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات الطبية زيادة في نسبة حوادث التهابات المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين، و بعد تمحيص دقيق للأبحاث التي نشرت، فقد وصلت إلى نتيجة مخالفة وأصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينياً يجب أن يجري لكل مولود " .
نعم ! لقد عادت الفطرة البشرية لتثبت من جديد أنها الفطرة التي لا تتغير على مدى العصور، وأن دعوة الأنبياء من عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليتحلى المؤمن ويتخلق بخصال الفطرة هي دعوة حق إلى سعادة البشر جميعاً.
الحكم الصحية من ختان الذكور :
أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن أمراضاً عديدة في الجهاز التناسلي بعضها مهلك للإنسان تشاهد بكثرة عند غير المختونين بينما هي نادرة معدومة عند المختونين (1).
1 ـ الختان وقاية من الالتهابات الموضعية في القضيب :فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفاً ذو فتحة ضيقة يصعب تنظيفها، إذ تتجمع فيه مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرز سطح القلفة الداخلي من مادة بيضاء ثخينة تدعى " اللخن "Smegmaوبقايا البول والخلايا المتوسفة والتي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة مؤدية إلى التهاب الحشفة أو التهاب الحشفة و القلفة الحاد أو المزمن والتي يصبح معها الختان أمراً علاجياً لا مفر منه(5)وقد تؤدي إلى التهاب المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين.
وتؤكد دراسة د.شوبن (9)أن ختان الوليد يسهل نظافة الأعضاء الجنسية ويمنع تجمع الجراثيم تحت القلفة في تفرة الطفولة، وأكد د.فرغسون(4)أن الأطفال غير المختونين هم أكثر عرضة للإصابة بالتهاب الحشفة وتضيق القلفة Phemosisمن المختونين.
2 ـ الختان يقي الأطفال من الإصابة بالتهاب المجاري البولية :وجد جنز برغ (4) أن 95% من التهابات المجاري البولية عند الأطفال تحدث عند غير المختونين. ويؤكد أن جعل الختان أمراً روتينياً يجري لكل مولود في الولايات المتحدة منع حدوث أكثر من 50 ألف حالة من التهاب الحويضة والكلية سنوياً عند الأطفال. وتؤكد مصادر د. محمد علي البار (5)الخطورة البالغة لالتهاب المجاري البولية عند الأطفال وأنها تؤدي في 35% من الحالات إلى تجرثم الدم وقد تؤدي إلى التهاب السحايا والفشل الكلوي.
3 ـ الختان و الأمراض الجنسية : أكد البروفيسور وليم بيكوز(10)الذي عمل في البلاد العربية لأكثر من عشرين عاماً، وفحص أكثر من 30 ألف امرأة، ندرة الأمراض الجنسية عندهم وخاصة العقبول التناسلي والسيلان والكلاميديا والتريكوموناز وسرطان عنق الرحم، ويُرجع ذلك لسببين هامين ندرة الزنى وختان الرجال.
ويرى آريا وزملاؤه (5)أن للختان دوراً وقائياً هاماً من الإصابة بكثير من الأمراض الجنسية وخاصة العقبول والثآليل التناسلية. كما عدد فنك (11)Finkأكثر من 60 دراسة علمية أثبتت كلها ازدياد حدوث الأمراض الجنسية عند غير المختونين.
وأورد د. ماركس Marksب(4) خلاصة 3 دراسات تثبت انخفاض نسبة مرض الإيدز عند المختونين، في حين وجد سيمونس وزملاؤه أن احتمال الإصابة بالإيدز بعد التعرض لفيروساته عند غير المختونين هي تسعة أضعاف ما هو عليه عند المختونين.
أليس هذا بالأمر العجيب(4)؟
حتى أولئك الذين يجرؤون على معصية الله يجدون في التزامهم بخصلة من خصال الفطرة إمكانية أن تدفع عنهم ويلات هذا الداء الخبيت، لكن لا ننكر أن الوقاية التامة من الإيدز تكون بالعفة والامتناع عن الزنى.

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 16 ( الأعضاء 0 والزوار 16)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 270.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 264.81 كيلو بايت... تم توفير 5.83 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]