الإنسانية.. ومقام الرحمية الواحدة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4416 - عددالزوار : 852541 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3947 - عددالزوار : 387846 )           »          هل لليهود تراث عريق في القدس وفلسطين؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 1063 )           »          أوليــاء اللــه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          المشكلات النفسية عند الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          هل المديرون بحاجة للحب؟هل تحب وظيفتك ومكان عملك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          وأنت راكع وساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          لماذا تصاب المرأة بالقولون العصبي بــعد الــزواج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          لطائف تأخير إجابة الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-03-2019, 12:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي الإنسانية.. ومقام الرحمية الواحدة

الإنسانية.. ومقام الرحمية الواحدة

د. عطية الويشي





الشهوة إحدى تجليات الغريزة التي غرزها الله فينا من أجل تحصيل لذة مشروعة ومتعة هادفة، تحفظ للمجتمع وضعه الآدمي وطابعه الإنساني، وتضخ له عبر مشاريع التوظيف الإيجابي للطاقة الجنسية: نماذج بشرية وأنماطا متميزة من العلاقات الاجتماعية المؤسسة على مفاهيم «الزوجية» و«الأسرة»، ونحو ذلك من حميميات القرابة الرّحميّة التي تمثل أعلى مستويات العلاقة الاجتماعية بين الإنسان وأخيه الإنسان في المنظور الإسلامي؛ فالرحم من ثَمَ، رباط موثوق.. وضع له الإسلام تقديرا ذا أولوية في المسار الأخير لتقنين العلاقات بين الناس بعضهم ببعض.. {أُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (الأنفال:75)؛ فالأرحام: «جمع رحم- وهو موضع وقوع نطفة الذكر لدى الأنثى- سمي بذلك لانعطافه وحنوه على ما فيه» (1).
والرحم هنا يعكس المفهوم الأرقى لمجالات العلاقة الزوجية ومآلاتها من كل الوجوه.. وإن لكل ما ينبثق من هذه الرحم اعتبارا اجتماعيا محترما ومصونا؛ فقد روى البيهقي في شعب الإيمان حديثا قدسيا صدره بعبارة طريفة تنم عن وعي مبكر بهذه الروح الرّحميّة للإنسانية المؤمنة، حيث قال: «فصل في صلة الرحم وإن كانت كافرة»، عن عبدالرحمن بن عوف: أنه سمع رسول الله " صلى الله عليه وسلم" ، يقول: «قال الله عزوجل: أنا الرّحمن، أنا خلقت الرّحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته» (رواه البيهقي).


رحميّة النفس الواحدة.. والفطرة الموحِّدة


ويردنا منطق الفطرة إلى النظر في المكونات النطفية للإنسان؛ لنعرف يقينا: أننا من صلب واحد، ودم واحد، وعرق واحد، وصبغة واحدة، وملامح هيئية واحدة.. ولولا ذلك ما كنا بشرا أسوياء! ثم ننتقل إلى أحد الروافد السببية لوجودنا: «أبوة آدم» و«أمومة حواء»: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }(النحل:72)؛ فالآية تكشف عن أبعاد الفعل الإبداعي للرب جل وعلا في تنمية الوجود الإنساني وإغنائه بروح الائتلاف والتعاون الهادف، من خلال واحدية المنزع النفسي المشترك.. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا }(النساء:1)؛ تلك النفس الواحدة: هي المعلم التاريخي الجامع الذي ينتهي إليه النسب البشري بكافة روافده وفروعه، من «البنين» و«الحفدة».. أولئك الذين يتألف منهم الفعل الزواجي الهادف المنضبط بروح الوحي «الأمين» على النفس البشرية، الموجه لها إلى ما فيه صلاحها ووقايتها من التلف والفساد.. وتأمين حركتها في فلك اجتماعي تنموي متفاعل.. تتفرع عنه حلقات اجتماعية ودوائر حضارية متعددة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (الحجرات:13).
وهنا يبدو التوجيه الرباني، ويتجلى هذا الإبداع الخلّاق في صياغة خريطة العلاقات البشرية من خلال مفهوم «النسب» و«المصاهرة»، معتمدا منهج المتوالية الرحمية الهندسية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }(النساء:1). والأمر بتقوى الله إلى الناس هو إيعاز للمجتمعات الإنسانية بتحري الوصلات الرّحميّة، وتتبع مؤشراتها التواصلية الوحدوية المشدودة بكرامة التقوى.
ولقد أولى الله تعالى هذه الرّحم عناية وتقديرا، وقدر لها أولوية في الرعاية والالتزام الأدبي والأخلاقي والرعوي، والتواصل الاجتماعي البرِّي الودود الحميم، سواء بالبر المعنوي أو المادي أو بالنوال؛ فعن أبي هريرة "رضي الله عنه" ، قال: جاء رجل إلى رسول الله " صلى الله عليه وسلم" فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك» (رواه البخاري). وفي شأن المواريث قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (الأنفال:75)؛ فليت شعري! كم هي قيمة الإنسانية حين تكون ودودة مودودة بأصولها وجذورها، متواصلة متعاطفة متراحمة!
ذلك، وقد نهى الإسلام عن عقوق الوالدين، وأمر بالإحسان إليهما، فقال تعالى: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } (الإسراء:23). ولنتأمل كيف استخدم الوحي لفظ «أف» في معرض النهي التحذيري من إيذائهما بما يوجب النفور والهجر والقطيعة. وبمفهوم المخالفة فإن الأمر بـ«البر» الواصل يأتي مقابلا للنهي عن «الأف» الفاصل! وهنا يجدر التنويه بأن البر في أصله: سلوك فطري وعفوي في مجمله، يؤكده الشرع ويتوخاه بالاستدامة من خلال إدراجه في منظومة العبادات القربيَّة؛ وإنه بالرجوع إلى الرحم الأولى التي ترتب على المرء واجب مراعاة وصل هذه الرحم، مهما بعدت أو قربت؛ هذا الواجب يتراوح في مراتب وجوبه ما بين الوجوب العرفي الاجتماعي والإنساني، والوجوب الشرعي.
ومن الشواهد الدالة على البر والصلة الرحمية في السياق البشري العام: ما ورد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، إذ قالت: «قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله " صلى الله عليه وسلم" فاستفتيت رسول الله " صلى الله عليه وسلم" ، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك» (رواه البخاري). والمعنى أنها قدمت طالبة في بر ابنتها لها، خائفة من ردها إياها خائبة; هكذا فسره الجمهور. وقال الخطابي: فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه، كما توصل المسلمة، ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة، وإن كان الولد مسلما. وفيه موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة، والسفر في زيارة القريب (2).
وعلى الرغم مما تعرض له النبي " صلى الله عليه وسلم" من استفزازات المنافقين، لكنه كان يؤكد دائما على صلتهم والبر بهم؛ وقد مر رسول الله " صلى الله عليه وسلم" ذات مرة على عبدالله بن أبي بن سلول، وهو في ظل، فقال: «قد غبر علينا ابن أبي كبشة»، فقال ابنه عبدالله بن عبدالله: والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب لئن شئت لآتينك برأسه، فقال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «لا، ولكن بر أباك وأحسن صحبته» (أخرجه ابن حبان).
ذلك، ولم يوص الله تعالى الإنسان مطلقا آكد من الوصية بالوالدين - ولو كانا على غير الإسلام - إذ وصاه في ثلاثة مواضع من الذكر الحكيم؛ منها: قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإنْسانَ بوالدَيْه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلى وَهْنٍ وَفصالُهُ في عامَيْن أَن اشْكُرْ لي وَلوالدَيْكَ إلَيَّ الْمَصيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (لقمان:14-15)؛ فإذا كان من فطرة المرأة أن تتزوج وتحمل وتلد وترعى وتربي وتتعنى بالوهن.. فمن الفطرة كذلك أن تبر وتوصل ويحسن إليها؛ بلزوم صحبتها ومعاملتها بالمعروف الذي هو من عرف الفطرة!
والحقيقة، أنه لا يمكن لأمة أن تنأى عن الرحمة ومراعاة الأرحام وهي تستفتح كافة ما تشرع فيه من أعمال قلبية وبدنية باسم الله «الرّحمن» «الرّحيم»!.. كيف ذا والله تعالى يقول مخاطبا «الناس» كل الناس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (النساء:1)؟! إن الالتفاتة القرآنية المباشرة التي استهلها الخطاب الإلهي بـ «يأيها الناس» «اتقوا ربكم»: إنما توحي بنداء المحب للألفة، والحريص على الوحدة والاجتماع.. الكاره للتشظي والتفرق والشقاق..
ذلك ولم تستقم رواية تاريخية أو خبرة بشرية سندا وعقلا، تفيد باستمرار نكاح الإخوة أو المحارم؛ اللهم إلا ظنا أو وهما بلا سند أو أثارة من علم يقيني؛ أما اليقين فهو الفطرة والعرف البشري المتناهي أصالة وقدما.. ثم والشرع الذي يسندها ويرسخها، إذ يأتي التأكيد الإسلامي على صيانة هذه العلاقات الرحمية بمجموعة الإجراءات الاحترازية والاحتراسية، وذلك من خلال وضع الإشارات الحمراء والخطوط التشريعية التي ينبغي ألا يتجاوزها إنسان مؤمن، ذو حس فطري أصيل.. فحرم زواج المحارم، حيث قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُم ُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }(النساء:23).
ذلك، ولم يكتف دين الفطرة بهذا التحريم، بل قرنه بمجال محارميّ آخر، يكشف عن وجوه حكمة الاحترام المتقرر فطرة وشريعة، وهو ضرورة الحفاظ على قاعدة التواصل الاجتماعي والإنساني؛ محمية من نزق الغرائز وجموح الشهوات!.. ذلك، لأن الشهوة حين تدخل على خط المشاعر والعواطف، فإنها تقتضي الميل والتنافس والرغبة في الاستحواذ على نحوٍ ما.. وهذا في حد ذاته خادش لمروءة العلاقة الرّحميّة، فليس وجيها عند الله أن تتعرض الروابط الرّحميّة التي جُعلت للعالم البشري مثلما جُعلت الجبال أوتادا للأرض؛ حافظة لها من الفوضى والتخلخل والاضطراب..
ولأن عاطفة الأمومة والأخوة والخؤولة والعمومة لا تقبل القسمة بهذه الطريقة الشهوانية! وإنما هي رحمة رحميّة موزعة بعدل الله على كل ذي نصيب منها بالسوية؛ ومن ثم فإن فطرة الإنسان تأبى أن تصير المؤمنة «ضرة» لأختها، أو لعمتها، أو لخالتها، فضلا عن أمها! فمثل هذه العواطف الشريفة: فطرة متجذرة في النفس البشرية؛ فإن الأم، أو الأخت، أو العمة، أو الخالة في سياق أي عاطفة منحرفة عن هذا الخط الفطري الأصيل: لا يمكن بحال أن تصير زوجة ولا ضرة لكل من يدين لها بالولاء الرّحمي في سياق هذه العواطف السامية؛ وإلا لوقعت الوحشة والنفرة والشقاق والنزاع والتنافس والصراع بين الناس؛ فاستحلال الرّحم يؤدي إلى قطعه، وهذا مما يخالف أعراف الفطرة والشريعة التي تقتضي الاجتماع والتعارف والتآلف.. بل إنه ينافي الاحترام المشروع في حق المحارم الذين هم في الحقيقة -كما أسلفنا- قاعدة التواصل وأصل التراحم بين الناس ينمو رأسيا بالنسب، وعراقة الانتماء الباعث على الجدية والالتزام الأخلاقي تجاه النسق الأسري والعشائري والاجتماعي الذي يعيش فيه، ويتمدد أفقيا بالمصاهرة والتعارف الاجتماعي والحضاري الإنساني، حيث تتوافر حلقات جديدة للتراحم ودوائر للتفاعل الخلّاق.
ولقد شرع الإسلام تأمين وحماية العلاقات الرّحميّة والروابط الأسرية من أسباب التهتك والاهتراء.. فقد «نهى رسول الله " صلى الله عليه وسلم" عن أن تنكح المرأة على عمتها، أو العمة على ابنة أخيها، أو المرأة على خالتها، أو الخالة على بنت أختها، لا تنكح الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى» (أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح). بل إنه " صلى الله عليه وسلم" في رواية أخرى يقول: «لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، ولا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله لها» (رواه مسلم). كل ذلك ليس من أجل تحقيق أرفع قدر من الارتباط الرّحمي والتواصل بين الأقارب: إخوانا وأنسابا وأصهارا أحبابا فحسب؛ وإنما من أجل تجذير الفروع الاجتماعية وربطها بأصولها: أفرادا وجماعات وقبائل وشعوبا وأُمما وحضارات.

الهوامش
1- أبوالحسن علي بن أحمد الصعيدي العدوي (ت: 1189هـ): حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، دار الفكر، بيروت، 1414هـ-1994م، جـ1، ص16، بتصرف.
2- شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد ابن حجر الشافعي العسقلاني الكناني (773-852هـ): فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، جـ5، ص234.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.51 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]