اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216185 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7836 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859753 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394086 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-03-2024, 01:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان



اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:

المقدمة

تعرف على اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي
الحضارة الإسلامية تزخر بالشخصيات المتميزة والمبدعة في شتى ميادين الحياة، من العبادة والدعوة والسيرة والفقه، إلى الحكم والقضاء والإدارة والسياسة، ومن الرياضيات والفلك والطب والهندسة، إلى الأدب والشعر والفنون والتراث. هؤلاء الشخصيات التاريخية العظام، قدموا إسهامات جليلة في بناء الأمة الإسلامية وتطوير رسالتها وقيمها. كما أثروا بعلومهم وآثارهم في الحضارة الإنسانية جمعاء. في هذا المقال، نقدم لكم في نبذة مختصرة عن بعض هذه الشخصيات الرائدة في التاريخ الإسلامي، مع تسليط الضوء على أبرز ما قدموه من دور وإنجازات في مجالاتهم المختلفة. نتمنى أن يستفيد من هذا المقال كل من يحب أن يتعرف على جانب من تراثنا الإسلامي المجيد(*).



نبذة عن أبي بكر الصديق (1)


ايناس مسلم




محتويات

  • ١ نسب أبي بكر الصديق
  • ٢ نشأة أبي بكر الصديق
  • ٣ صفات أبي بكر الصديق
    • ٣.١ الصفات الخَلقيَّة
    • ٣.٢ الصفات الخُلُقيَّة
  • ٤ إٍسلام أبي بكر الصديق
  • ٥ أعماله في عهد النبي الكريم
  • ٦ تولي أبي بكر الصديق الخلافة
  • ٧ أعماله كخليفة للمسلمين
  • ٨ وفاة أبي بكر الصديق
  • ٩ المراجع



نسب أبي بكر الصديق

هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب، سمَّاه الرَّسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بعبد الله بعد أن كان يسمَّى بالجاهليَّة عبد الكعبة؛ ويلتقي نسب أبو بكر -رضي الله عنه- مع النَّبيِّ محمد -صلى الله عليه وسلم- في الجدِّ السَّادس مرَّة بن كعب.[١]

كان يلقَّب في الجاهليَّة بالصدِّيق، وقد كان من وُجهاء قريش وأحد أشرافهم، كما كان موكّلَاً بالدِيات، وقد ناداه الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- بهذا اللقب لكثرة تصديقه إيَّاه، فقد كان أوَّل من صدَّق النبيِّ في حادثة الإسراء والمعراج،[٢] ومن ألقابه أيضًا العتيق، فقد لقَّبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالعتيق لأنَّه كان حسن الوجه جميلاً،[٣] والعرب تقول: رجلٌ عتيق، أي: كريم، نجيب، وعتيق الوجه: كريمُه.[٤]

نشأة أبي بكر الصديق



وُلد الصدِّيق -رضي الله عنه- في مكَّة المكرَّمة أمُّ القرى في السَّنة الثَّالثة من ولادة الرَّسول -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر،[٥] وقد نشأ -رضي الله عنه- وترعرع في موطن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بمكَّة المكرَّمة في بيت والده، وكان عزيزاً متواضعاً ذا مكانةٍ في قومه بني تيم، وهو من شرفاء مكَّة.[٦]

كانت البيئة حوله مليئةً بالفساد، ولكنَّه كان سليم الفطرة عفيفاً، لم يتأثَّر ببيئة المنكرات، فكان ذو بصيرةٍ مُدركاً أن الخمر تُذهب العقل وتخدش المروءة فما شربها في الجاهلية، ولم يسجد لصنمٍ قط، فقد رأى أن ذلك يخلُّ بالفطرة السَّليمة، ولم يقتل الأولاد خوفًا من الفقر، وكان -رضي الله عنه- يتجنَّب مجالس قومه ولهوهم وإثمهم، فلم يجتمع معهم إلَّا في الأخلاق الحميدة والفضائل.[٦]

صفات أبي بكر الصديق

الصفات الخَلقيَّة

كان الصديق -رضي الله عنه- جميل الخِلقة، وقد وصَفته ابنته عائشة -رضي الله عنها- قائلة: "رجلٌ أبيض، نحيف، خفيف العارضين أجنأ -أي: منحني الظهر-، معروق الوجه -أي: قليل لحم الوجه-، غائر العينين.[٧]
الصفات الخُلُقيَّة



بالرغم من مكانة الصديق -رضي الله عنه- وقربه من الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- إلَّا أنَّه كان متواضعاً متأثّراً بأخلاق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ويتَّصف بالأخلاق الكريمة المحبَّبة لطبائع البشر، وقد كان لطيفاً رقيقاً رفيقاً رحيماً بالضعفاء والمساكين، فقد قال الرسول -عليه السلام- عنه: (أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي: أبو بكرٍ)،[٨] فكان القوم يحبُّون مجالسته لحسن معاشرته لهم، وحسن منطقه، ورزانة عقله، عُرف بلينه وكرمه وسخائه، كان صدقه يدلُّ عليه، فما شهد القوم عليه كذبًا قط، وكان رجلاً وقوراً ذا عزَّة، عظيم الحياء، كثير الحِلم، اجتمعت فيه -رضي الله عنه- أفضل الأخلاق وأرفعها.[٧]
إٍسلام أبي بكر الصديق

كان الصِّديق -رضي الله عنه- تاجراً معروفاً في قريش، ذا علمٍ وعقلٍ، مرشداً لقومه، محبوباً بينهم، جميل المجالسة، وكان -رضي الله عنه- صديق رسول الله -عليه السلام- في طفولته وشبابه قبل الإسلام وبقي على ذلك بعده، وعندما نزل الوحي على سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- كان الصدِّيق أوَّل رجلٍ علِم بذلك، فقد أخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوحي والإيمان بالله وتوحيده، فما كان منه -رضي الله عنه- إلَّا أن قال: "صدقت"، فما شهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذباً منذ طفولته، فأسلم -رضي الله عنه- خاضعاً مستسلماً لله -تعالى-، وكان أوَّّل من أسلم من الرِّجال رضي الله عنه.[٩]
أعماله في عهد النبي الكريم



كان لأبي بكر -رضي الله عنه- أعمال جليلة تسجَّل له في سيرته مع حبيبه وخليله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وتتلخَّص أهمُّ أعماله في عهد النُّبوة الآتي ذكرها:[١٠]
  • كان أبو بكر أوَّل من أسلم مع النّبَيِّ من الرِّجال، فما أن سمع بنبوَّته من زوجته خديجة حتّى أسلم من فوره دون تردد، لإيمانه العميق والمطلق بصدق محمّد.
  • ساند النَّبي في حادثة الإساء والمعراج، وذلك عندما عاد رسول الله من السَّماء يخبر قومه عمَّا رأى في بيت المقدس ووصفه له، أخذ النَّاس يكذِّبون النَّبيَّ ولم يصدِّقوا ذهابه وإيابه في ليلةٍ واحدةٍ، في حين وقف أبو بكر إلى جانب صاحبه وتصديق المطلق له، وقال لقومه "نعَمْ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ"، وسمَّاه الرّسول صدّيقاً لذلك.

  • أنفق أبو بكر كلَّ ما يملك من مال من أجل الاستعداد للهجرة والتّجهيز لها، ولم يترك لأهل بيته وأبانئه شيئاً.
  • صحب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في طرقه للهجرة إلى المدينة، وواجه معه كلَّ مصاعب الطَّريق وجاب معه الصَّحراء الواسعة من أجل نصرة النَّبي، ونام معه في غار ثور أيّاماً، وقد أنزل الله -تعالى- فيه قوله: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).[١١][١٢]
  • شارك ابو بكر في تجهيز غزوة تبوك وهي التي تسمَّى بغزوة العسرة، وأنفق مالاً كثيراً لتجهيزها، ونافس في ذلك الصّحابة وسبقهم، كما كان ينفق مالاً كثيراً من أجل عتق العبيد وتحريرهم.[١٣]
  • حجّ بالصَّحابة في السَّنة التاسعة للهجرة دون مرافقة رسول الله.[١٣]
  • صاهر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وزوَّجه من ابنته عائشة، ونال بذلك درجةً رفيعةً.[١٣]
  • خلف النَّبيَّ عند مرضه وصلّى بالنَّاس مكانه، ما يدلُّ على أنَّه الاجدر من بين الصّحابة لذلك.[١٤]
تولي أبي بكر الصديق الخلافة

كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أوَّل الخلفاء الراشدين، فقد بويع -رضي الله عنه- للخلافة في يوم وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السَّنة الحادية عشرة للهجرة، فقد اجتمع الصحابة -رضوان الله عليهم- على أحقِّية خلافة الصديق -رضي الله عنه-، ولا تجتمع الأمَّة على ضلالة، وسمِّي خليفة رسول الله، وقد كان الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- يُقدِّم الصديق إماماً للصلاة دون غيره من الصحابة؛ وذلك لفضله و مكانته في الدعوة، وقد كانت مدَّة خلافته سنتين وثلاث شهور، وهي مدةٌ قصيرةٌ لكنَّها كانت فترةً مهمةً وعظيمةً للدعوة ونشرها.[١٥]
أعماله كخليفة للمسلمين



كان لأبي بكر -رضي الله عنه- بصمةً كبيرةً في الدفاع عن الدَّعوة الإسلاميَّة، وصدِّ من مكر بها، وسُطِّرت فتوحاته وحروبه وجيوشه في التاريخ منها:[١٦]
  • إرسال جيش أسامة بن زيد -رضي الله عنه- الذي تمَّ تجهيزه قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وانطلق بأمره -رضي الله عنه-، رغم حروب الردّة التي بدأت بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
  • حروب الرِّدة، وقد ابتدأت بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وارتداد بعض النَّاس عن الإسلام، فقد ارتدَّ في تلك الفترة عددٌ كبيرٌ من النَّاس؛ فكان لا بدَّ من تأمين حصانةٍ للدَّعوة والدِّفاع عنها وردِّ من تصدّوا لها وهاجموها، فجهّز -رضي الله عنه- الصحابة لردع الردّة، وقاتل من أَبى أن يعود للإسلام.
  • معركة أجنادين، ومعركة مرج الصُّفّر، ومعركة اليرموك، فهي من أشهر المعارك في عهده -رضي الله عنه-، ورغم شدتها، إلَّا أنَّ المسلمين انتصروا فيها انتصاراً عظيماً.
  • فُتح في عهده الحيرة وبعض مدن العراق وبعض مدن الشام.
  • معركة اليمامة، والتي حدثت نتيجة حروب الردة، وانتصر فيها المسلمون، وقُتل فيها مسيلمة الكذاب، وتاب كثيرٌ ممن ارتدّوا، واستشهد عددٌ كبيرٌ من الصحابة حفظة القرآن الكريم، مما أدى الى تفكيره -رضي الله عنه- بجمع القرآن الكريم، فأمر -رضي الله عنه- زيد بن ثابت بجمع القرآن الكريم من ما كُتب وما حُفظ، وكان هذا أوّل جمع للقرآن الكريم.
وفاة أبي بكر الصديق



تروي أمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنَّ الصدّيق -رضي الله عنه- مات متأثّراً بمرضه بعدما اغتسل في ليلةٍ شديدة البرد، فأصيب على إثرها بالحمّى، ولم يستطع أن يخرج للصلاة خمسة عشر يوماً، وقد أوصى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بإمامة الناس لصلاة الجماعة نيابةً عنه إلى أن توفي في ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة، الموافق الثالث والعشرين من شهر آب من عام ستمئةٍ وأربعةً وثلاثين ميلادية.[١٧]
وكان عمره ثلاثاً وستين عاماً كما كان عمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- حين توفِّي، وأوصى -رضي الله عنه- زوجته أسماء وابنه عبد الرحمن -رضي الله عنهم- بغسله، وصلّى المسلمون عليه صلاة صلاة الجنازة بإمامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحُمل -رضي الله عنه- على الخشبة التي حُمل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوصى عائشة -رضي الله عنها- أن يُدفن بجانب قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فنفَّذت ابنته أم المؤمنين وزوجة النبيِّ وصيَّته.[١٧]

ضجَّت المدينة لخبر وفاة الصدّيق -رضي الله عنه-، وحزن الصحابة -رضوان الله عليهم- حزناً شديداً على فراقه، واهتزّت مكة المكرمة بهذا الخبر الأليم، وقالت ابنته الصدّيقة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في رثائه: "نضّر الله وجهك، وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلّا بإعراضك عنها، وللآخرة معزّا بإقبالك عليها، ولئن كان أجلّ الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك، وأعظم المصائب بعده فقدك، إن كتاب الله ليعد بالعزاء عنك حسن العوض منك، فأنا أنتجز من الله موعوده فيك بالصبر عليك، وأستعيضه منك بالدعاء لك، فإنا لله وانا إليه راجعون،عليك السلام ورحمة الله، توديع غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك".[١٨]


خلاصة المقال: الصحابي أبو بكر الصديق من كبار الصحابة وأكثرهم فضلاً، وأكثرهم قرباً من النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ كان ثاني اثنين في الغار وفي الدعوة وفي الخلافة وحتى قبره كان مجاوراً لقبر النبي.
المراجع

(*) الموضوع منقول وترتيب الشخصيات عشوائى

  • ↑ محمد طقوش (2003)، تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية (الطبعة الاولى)، الاردن: دار النفائس، صفحة 13. بتصرّف.
  • ↑ علي الطنطاوي (1986)، ابو بكر الصديق (الطبعة الثالثة)، جدة: دار المنايرة، صفحة 47-48. بتصرّف.
  • ↑ علي الطنطاوي (1986)، ابي بكر الصديق (الطبعة الثالثة)، جدة: دار المنايرة، صفحة 45-46. بتصرّف.
  • ↑ "تعريف ومعنى عتيق في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2020. بتصرّف.
  • ↑ محمد طقوش (2003)، تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية (الطبعة الاولى)، الاردن: دار النفائس، صفحة 13. بتصرّف.
  • ^ أ ب عبد الستار الشيخ (2011)، أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله (الطبعة الاولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 38-39. بتصرّف.
  • ^ أ ب جبرين الجبرين (1406 هجري)، أبو بكر الصديق ودوره في الدعوة الإسلامية ، صفحة 27-28. بتصرّف.
  • ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3791، حسن صحيح.
  • ↑ علي الطنطاوي (1986)، ابو بكر الصديق (الطبعة الثالثة)، جدة: دار المنايرة، صفحة 65-67. بتصرّف.
  • ↑ صهيب عبد الجبار، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صفحة 278. بتصرّف.
  • ↑ سورة التوبة، آية:40
  • ↑ صهيب عبد الجبار، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صفحة 292-293. بتصرّف.
  • ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، التعريف بالغسلام، صفحة 285. بتصرّف.
  • ↑ موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 602-603. بتصرّف.
  • ↑ "نبذة مختصرة عن الخلفاء الراشدين الأربعة"، اسلام ويب، 2-12-2003، اطّلع عليه بتاريخ 3-12-2019. بتصرّف.
  • ↑ احمد العسيري (1996)، موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام (تاريخ ما قبل الإسلام) إلى عصرنا الحاضر (الطبعة الاولى)، صفحة 100-106. بتصرّف.
  • ^ أ ب عبد الستار الشيخ (2011)، أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطبعة الاولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 728. بتصرّف.
  • ↑ عبد الستار الشيخ (1967)، ابو بكر الصديق خليفة رسول الله (الطبعة الاولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 733-734. بتصرّف.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-03-2024, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان




اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:

سيرة الصحابي عمر بن الخطاب (2)

محمد سفيان

محتويات

  • ١ التعريف بعمر بن الخطّاب
  • ٢ شخصيّة عمر بن الخطّاب وخلافته
  • ٣ أُسرة عمر بن الخطّاب
  • ٤ إسلام عمر بن الخطّاب
  • ٥ هجرة عمر بن الخطّاب
  • ٦ جهاد عمر بن الخطّاب مع النبيّ
  • ٧ إعانة عمر بن الخطّاب لأبي بكرٍ في خلافته
  • ٨ مواقف عمر بن الخطّاب في خلافته
    • ٨.١ اهتمام عمر بن الخطّاب بالرعيّة
    • ٨.٢ تعامل عمر بن الخطّاب مع طاعون عمواس
    • ٨.٣ عام الرَّمَادة
    • ٨.٤ توسعة المسجد النبويّ والمسجد الحرام
    • ٨.٥ الفتوحات الإسلاميّة
    • ٨.٦ تدوين الدواوين
  • ٩ استشهاد عمر بن الخطّاب
  • ١٠ فضائل عمر بن الخطّاب
  • ١١ المراجع


التعريف بعمر بن الخطّاب

نسبه

هو الصحابيّ الجليل عمر بن الخطّاب بن نُفيل القُرشيّ العدويّ -رضي الله عنه-، المُكنّى بأبي حفص، ووالدته هي: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزوميّة، وورد في إحدى الروايات أنّها أخت أبي جهل حنتمة بنت هشام.[١]
وقد كان إسلامه بدايةً لفتح طريقٍ جديدٍ في عبادة الله -تعالى- جَهْراً، والذي ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال فيه: (اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمرَ بنِ الخطابِ فكان أحبُّهما إلى اللهِ عمرَ بنَ الخطابِ).[٢]
وُلد عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- بعد أربع سنواتٍ من الفِجار الأعظم، أي قبل البعثة النبويّة الشريفة بثلاثين عاماً، وورد أنّه وُلد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنةً، وعن صفاته الجسديّة قال علماء السَّير والتاريخ أنّه كان طويلاً، جسيم القامة، أعسر، أشعر، وأصلع الرأس، شديد الحُمرة.[١]
لقبه

وتجدر الإشارة إلى أنّ عمر -رضي الله عنه- لُقّب بالفاروق؛ لأنّ الله فرّق به بين الحقّ والباطل، وذُكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو مَن أطلق عليه ذلك اللقب.[٣]
كما لُقّب -رضي الله عنه- بأمير المؤمنين، وسبب ذلك أنّه كان يُقال له خليفة رسول الله، فرأى المسلمون أنّ الاسم سيطول لمَن يأتي بعده، حيث سيكون خليفة رسول الله، فأجمعوا على لقب أمير المؤمنين لعمر بن الخطّاب، ولمَن يأتي للخلافة من بعده.[٣]
شخصيّة عمر بن الخطّاب وخلافته

امتلك عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- سماتٍ شخصيّةٍ أهلّته لأن يكون من الرِّجال الذين كان لهم دور في رسم خطوط التاريخ؛ فقد كان صاحب إرادةٍ، وذو شخصيّةٍ قويةٍ، عازمٌ وحازمٌ، وله هَيبةٌ بين الناس، ولديه من العلم ورجاحة العقل وحُسْن التصرّف ما جعله في الجاهليّة سفيراً لقريش، حيث كان من القلائل الذين يعرفون القراءة والكتابة.
كما عُرف عنه الجديّة، وقلّة الضحك، وجَهوريّة الصوت، وتميّز -رضي الله عنه- بالمسؤولية، والفراسة، والعَدْل،[٤]وكان إسلامه في السنة الخامسة من البعثة عزّةً ونَصرٌ للدِّين، وعشر سنواتٍ من الخلافة مليئةً بالرّحمة والعَدْل والفتوحات، حيث تولّاها سنة ثلاث عشرة من الهجرة، بعد وفاة أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه- الذي عهد له بها، وذلك حرصاً على وحدة المسلمين، وإغلاق أبواب الخلاف بينهم.[٥]
كما شَهِد أبو بكر الصّديق والصحابة -رضي الله عنهم- له بالشدّة بلا عنفٍ، واللين بلا ضعفٍ، وبالقدرة على تحمّل مسؤوليات الخلافة.[٥]

أُسرة عمر بن الخطّاب

كان عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- شديداً على أهل بيته؛ من حيث العناية والرقابة والإلزام بأحكام الدِّين وتطبيق شرع الله، إلّا أنّه وبلا شكٍّ كان قلبه مليئاً بالشفقة والرّحمة عليهم.
وقد ورد أنّ الفاروق -رضي الله عنه- قد تزوّج أربع عشرة امرأةً، ولا يعني أنّه جمع بينهنّ، اثنتان قبل الإسلام، وطلّقهما بعد صُلح الحُديبية ونُزول قَوْل الله -تعالى-: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)،[٦] وهما: أمّ كلثوم بنت جرول، وقريبة بنت أبي أميّة.[٧]
أمّا الباقيات فهنّ: أمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وعاتكة بنت زيد العدويّة، وزينب بنت مظعون الجمحيّة، وجميلة بنت ثابت الأنصاريّة، وابنة حفص بن المغيرة، وأمّ حكيم بنت الحارث المخزوميّة، وفاطمة بنت الوليد المخزوميّة، وأمّ هنيدة الخزاعيّ، وسبيعة الأسلميّة.[٧]
في حين أنّ لعمر بن الخطّاب من الأبناء الذكور عشرةٌ، وهم: الصحابي عبدالله وهو أكبرهم، وعبدالرحمن الأكبر، وعبيد الله، وعاصم، وزيد، وعبدالرحمن الأوسط، وعبدالرحمن الأصغر، وزيد الأصغر، وعبدالله الأصغر، وعيّاض، ومن الإناث سبعةٌ، وهنّ: أم المؤمنين حفصة، وفاطمة، وعائشة، وصفيّة، وجميلة، ورقيّة، وزينب.[٧]

إسلام عمر بن الخطّاب

خرج الفاروق -رضي الله عنه- عازماً على قتل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فصادفه رجلٌ في طريقه مُعلِماً إيّاه أنّ أخته قد أسلمت، فانطق إليها حاملاً العظيم من الغضب، ووصل وإذ بها تقرأ آياتٍ من سورة طه، فتأكّد من إسلامها، وضربها وزوجها، حتى فقد الأمل بعودها عن الإسلام.[٨]
ثم سألها طالباً الذي كانت تقرأه، وأعطته إيّاه بعد أن اغتسل؛ تنفيذاً لطلبها، فقرأ من سورة طه حتى قوله -عزّ وجلّ-: (إِنَّني أَنَا اللَّـهُ لا إِلـهَ إِلّا أَنا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري).[٩][٨]
فانطلق عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- إلى مكان تواجد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومَن معه من الصحابة، وكان منهم حمزة بن عبدالمُطّلب، وأعلن إسلامه وتوحيده لله -تعالى-، وبأنّ محمّداً عبد الله ورسوله.[٨]

هجرة عمر بن الخطّاب

هاجر الصحابيّ عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنورة علناً، إذ خرج إلى الكعبة المشرفة، وطاف بها سَبْعاً، وصلّى ركعتَين عند المقام.[١٠]
ثمّ دار على المشركين، وهو يحمل سيفه وقوسه وسهامه، وخاطبهم قائلاً: "شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلّا هذه المعاطس، مَن أراد أن تثكله أمّه ويُيتّم ولده وتُرمّل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي"، فلم يلحق به أحدٌ سوى مجموعةٍ من المستضعفين أرشدهم، وأكمل طريقه.[١٠]

جهاد عمر بن الخطّاب مع النبيّ

شارك الفاروق عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في جميع المشاهد والغزوات، حيث إنّه لم يتخلّف عن أي موقعةٍ مع نبيّ الله، وقد كان له -رضي الله عنه- الكثير من المواقف في مشاركاته بالجهاد في سبيل الله؛ والتي تتلخّص فيما يأتي:[١١]
  • قتل الفاروق خاله العاص بن هشام في غزوة بدر؛ مؤكّداً بذلك على أنّ رابطة العقيدة أشدّ وأقوى من رابطة الدم.
  • ظهرت همّة الفاروق العالية، وعزمه وحزمه في المواقف الحرجة
  • التي هُزم بها المسلمون أو كادوا، كغزوة أُحد والخندق وبني المُصطلق، حيث واجه المشركون والمنافقون بكلّ قوةٍ، وفي لحظات ضعف المسلمين، كردّه ومواجهته أبي سفيان وهو يتفاخر بهزيمة المسلمين في غزوة أُحد.
  • انطلق ابن الخطّاب -رضي الله عنه- على رأس سريّةٍ بأمر رسول الله إلى هوازن
والتي هي من أقوى القبائل وأشدّها، دلالةً على اعتماد نبيّ الله على الفاروق في المواقف الصعبة، ومن حنكته العسكريّة أنّه كان يسير في الليل ويكمن في النهار؛ بهدف المُباغتة، فظفر بالنصر بهروب العدوّ، ولم يلاحق غيرهم التزاماً بأوامر قائده، ممّا دليل على انضباطه.
  • ثبت عمر بن الخطّاب مع مجموعةٍ من الصحابة -رضي الله عنهم- في غزوة حُنين
مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وحمايته، عندما تراجع المسلمون بعد مباغتة الأعداء لهم، قبل أن يُنزل الله -عزّ وجلّ- السكينة عليهم، وينصرهم.
  • تصدُّق الفاروق -رضي الله عنه- بنصف أمواله في غزوة تبوك
كما أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قد استمع إلى رأيه في الدُّعاء بالبركة للنّاس عندما أصابتهم المجاعة في تلك الغزوة.
إعانة عمر بن الخطّاب لأبي بكرٍ في خلافته

شَهِد التاريخ الإسلاميّ حضوراً عظيماً لعمر بن الخطّاب في توحيد المسلمين، ووأد للفتنة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تدخل بنيرانها بينهم، حيث إنّ الفاروق جمع المسلمين على مبايعة أبي بكر الصدّيق لخلافة رسول الله، ولا شك أنّ ابن الخطّاب قدّم كلّ ما يملك من معرفةٍ ورجاحة عقلٍ في خدمة وإعانة أبي بكر الصدّيق بعدما أصبح خليفة رسول الله.[١٢]
ومن المواقف التي تُبيّن ذلك: إشارته عليه بعدم قتال من ارتدّ عن الإسلام، وإعادة أسامة وسريّته إلى المدينة، واستبداله بقائدٍ غيره، وبالرغم من رفض الصدّيق ذلك فقد وقف عمر معه وقوف الأمين الذي يُشير بما يراه ولا يخرج عن أمر خليفة الرسول.[١٢]
بالإضافة إلى ذلك فقد أخذ أبو بكر الصدّيق برأي عمر بن الخطّاب عندما أشار بعدم أخذ دِيةٍ عن شهداء المسلمين في حرب الردّة، باعتبار أنّهم قاتلوا جهاداً في سبيل الله، وطلباً لرضوانه، فأجرهم عليه -جلّ وعلاه.[١٢]
وتجدر الإشارة إلى أنّ الصدّيق كان يدرك أهميّة وجود الفاروق في جواره؛ لإعانته على إدارة أمور المسلمين، وممّا يدلّ على ذلك أنّه منح رجلَين مساحة أرضٍ فارغةٍ؛ ليزرعوها، وكتب لهم بذلك، إلّا أنّه طلب منهما أن يكون عمر بن الخطّاب شاهداً على الكتاب، فما كان من الفاروق إلّا أن رفض ذلك، وأشار على أبي بكرٍ بأنّ تلك أرض للمسلمين، وليس من الحقّ أن تُمنح لأي أحدٍ، فرضي خليفة رسول الله بذلك.[١٢]
وكذلك إشارة الفاروق في جمع القرآن الكريم؛ خشيةً على ضياعه بعدما استُشهد كثيرٌ من حفظة كتاب الله في حرب اليمامة.[١٢]
مواقف عمر بن الخطّاب في خلافته


اهتمام عمر بن الخطّاب بالرعيّة

كان عمر بن الخطّاب شديد الاهتمام بالرَّعِية، بحيث يخرج ليلاً يتفقّد أحوالهم، وممّا ورد في اهتمامه بالرَّعية أنّه خرج في ليلةٍ، فوجد امرأةً وقد أتاها المخاض، وليس عندها مَن يساعدها، فانطلق مُحضراً زوجته أمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وحاملاً على ظهره الطعام، فقاما بما يلزم للمُساعدة، دون أن يعلم أهل البيت أنّه أمير المؤمنين حتى انتهوا.[١٣]
وممّا ورد أيضاً أنّه وجد امرأةً تطبخ في الليل لأولادها وهم يبكون، فعلم منها أنّها تغلي الماء إيهاماً للأطفال بأنّه طعامٌ حتى يناموا، فانطلق مهرولاً يبكي، وعاد يحمل الدقيق واللحم، وطهي، وأطعم الأطفال، ولم يتركهم حتى ناموا، كما ومن كثير اهتمامه بالرَّعية أنّه كان يقوم على خدمة ورعاية عجوز عمياء ومُقعدة.[١٣]
بالإضافة إلى ما سبق، فقد ذُكر أنّه ذات ليلةٍ ممطرةٍ كان يتجوّل في المدينة، فسمع امرأةً تطلب من ابنتها خلط الماء باللبن، فرفضت ابنتها مذكّرةً بأنّ أمير المؤمنين منع على الناس ذلك، فتردّ الأم بأنّ عمر لن يرى ذلك الفعل، فتصرّ الفتاة على عدم فعل ذلك، وهي تقول: "إن كان أمير المؤمنين لا يرانا، فرُّب أمير المؤمنين يرانا"، ففرح الفاروق بما سمع، بل زاد أن زوّج ابنه عاصم من تلك الفتاة.[١٤]

تعامل عمر بن الخطّاب مع طاعون عمواس

ظهرت حكمة عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- ورجاحة عقله في تعامله مع مرض طاعون عمواس، حيث خرج إلى الشام، ومعه عددٌ من الناس، وعندما عَلِم أنّ المرض انتشر في الشام، أمر الجميع بالعودة وعدم دخول الشام.[١٥]
ثم قال له أبو عبيدة بن الجرّاح: "أفرار من قدر الله"، فردّ عليه الفاروق قائلاً: "نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله"، ثمّ حمد الله -تعالى-، وعاد في طريقه عندما سمع من عبد الرحمن بن عوف أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد قال: (إذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا، فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه).[١٦][١٥]
عام الرَّمَادة

عام الرَّمادة؛ هو: عامٌ أصاب الناس فيه القحط، وجاع فيه المسلمون حتى كاد يصيبهم الهلاك، حيث كان عمر بن الخطّاب أميراً للمؤمنين، وقد سُمي بعام الرَّمادة؛ لأنّ الأرض أصبحت جرداء سوداء كالرَّماد؛ من قلّة المطر، فسار الناس من البوادي إلى المدينة المنورة، وقدّم الفاروق كلّ ما هو موجودٌ في بيت المال للناس.[١٧]
كما ازداد ألمه وحزنه على المسلمين، ولم يقبل أنّ أكل إلّا الزيت والخل، حتى ضعف جسده واسودّ وجهه، وبقي الحال على ذلك تسعة أشهرٍ، حتى هيأ الله -تعالى- أسباب الفرج، وصلّى الفاروق والمسلمون صلاة الاستسقاء.[١٧]
وتجدر الإشارة إلى أنّ غلام عمر بن الخطّاب وبعد أن أذهب الله -تعالى- البلاء اشترى السَّمن واللبن، وأحضرهما للفاروق؛ محاولاً إقناعه بالأكل باعتبار أنّ عمر قد أبرّ بيمينه بعدم الأكل إلّا من الزيت، إلّا أنّه رفض أكلهما، وطلب من الغلام أن يتصدّق بهما.[١٧]

توسعة المسجد النبويّ والمسجد الحرام

قام عمر بن الخطّاب بتوسعة المسجد الحرام والمسجد النبويّ في السنة السابعة عشر من الهجرة، حيث ازداد عدد المسلمين والمصلّين، فاشترى كلّ ما هو حول المسجد النبويّ، باستثناء حُجرات أمهات المؤمنين، وبيت العبّاس بن عبد المطّلب، الذي رفض البيع في البداية، ثمّ قدّمه صدقةً، إلّا أنّ الفاروق بنى له داراً من بيت مال المسلمين، وزاد في توسعة مسجد النبيّ.[١٨]
كما حدّد موقعاً خارج المسجد؛ لمَن أراد الحديث بلغط الدُّنيا أو بصوتٍ عالٍ، حيث كان يغضب ويُعاقب مَن يرفع صوته في المسجد، وكذلك فعل في المسجد الحرام؛ فقد اشترى البيوت التي تُحيط به، وهدمها، ووسع بيت الله، وأحاطه بجدارٍ، ووضع له الأبواب، كما أضاف ردماً في أعلى مكّة المكرّمة؛ لحماية المسجد الحرام من السُّيول.[١٨]
الفتوحات الإسلاميّة

توسّعت الفتوحات الإسلاميّة وازدهرت في زمن عمر بن الخطّاب، فقد توسّعت الدولة الإسلاميّة فوصلت الصين من الشرق، وبحر قزوين من الشمال، وتونس وما خلفها من الغرب، والنوبة من الجنوب، حيث فتحت الجيوش الإسلاميّة في عهد الفاروق بلاد الشام وإيران والعراق، بالإضافة إلى مصر وليبيا.[١٩]
وكان ذلك كلّه في عشر سنواتٍ، وهي مدة خلافته، ويعود كلّ ذلك إلى بعد مشيئة الله -تعالى- والعقيدة السليمة للمُسلمين إلى قيادة الفاروق، التي بيّنت موهبته في القيادة العليا، وقدرته العالية في اختيار قادة الجيوش.[١٩]
ولا شكّ أنّ هناك الكثير من الأمور التي اعتمد الفاروق في قيادته عليها؛ حتى يصل بالفتوحات الإسلاميّة إلى كلّ هذه الأمصار، والتي تتلخص فيما يأتي:[١٩]
  • الشُّورى، والتي جعل منها نظام إدارةٍ وحكمٍ، فقد كان يجمع صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حوله؛ حتى يستشيرهم وينتفع من آرائهم.
  • الحرص على جمع المعلومات من كلّ مكانٍ، حيث كان يطلب من قادة الجيوش المعلومات عن كلّ شيءٍ يخصّ الأعداء.
  • الخوف على حياة الجيوش، والخشية من الله على أرواحهم.
  • الفِطنة، ورجاحة العقل، وبُعد النظر، والشجاعة.
  • القوة البدنيّة، فقد كان ضخماً، قوياً، جَسيماً، فارساً.
تدوين الدواوين

استخدم العرب والمسلمون الدواوين أوّل مرّةٍ في عهد عمر بن الخطّاب، حيث إنّه أمر عدداً من الصحابة بإنشاء الدواوين عندما رأى كثرة المال الذي يَرِدُ إلى بيت المال، وكان ذلك سنة عشرين هجريّة، بعدما استشار أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأشاروا عليه بالدواوين، حيث تمّ البدء بإنشائها بتسجيل بني هاشم، ثمّ الأقرب فالأقرب من نبيّ الله.[٢٠]
ثم تمّ تقديم السابقين إلى الإسلام، حتى وصل إلى الأنصار؛ فبدأ بأهل سعد بن معاذ، ثمّ الأقرب فالأقرب، كما فرض الأموال وسجّلها، حيث قدّم من شَهِد غزوة بدر من المهاجرين والأنصار، وكذلك فرض المال لمَن هاجر إلى الحبشة، ولأبناء من حَضر بدر، ولأمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ-، وللغلمان، ولكثيرٍ من المسلمين، حتى أنّه فرض المال لمَن لا أهل لهم من الأطفال، واعتنى بهم.[٢٠]

استشهاد عمر بن الخطّاب

ورد أنّ الفاروق عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- قد طُعن من قِبل أبي لؤلؤة، يوم الأربعاء، قبل انتهاء شهر ذي الحِجّة بثلاثة أيّامٍ، واستُشهد -رحمه الله- بعد ذلك بثلاثة أيّامٍ، حيث كان يُصلّي الفاروق الفجر بالمسلمين، فطُعن غَدْراً؛ فأخذ -رضي الله عنه- بيد عبدالرحمن بن عوف، وقدّمه للصلاة، وبعدما عَلِم أنّ مَن طعنه هو أبو لؤلؤة حَمد الله -تعالى- أنّه لم يُقتل على يد مُسلم.[٢١]
كما أنّه بعث ابنه عبدالله إلى أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- مُستأذّناً منها أن يُدفن بجانب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأبي بكر الصدّيق، فأذنت له بذلك، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفاروق -رضي الله عنه- لم يستخلف أحداً بعده، بل أنّه ذكر أحقيّة عددٍ من الصحابة ممّن تُوفيّ النبيّ وهو راضٍ عنهم.[٢١]
فضائل عمر بن الخطّاب

يمتلك الصحابيّ عمر بن الخطّاب العديد من الفضائل، والتي من أبرزها:[٢٢]
  • وَعْده بالجنّة
فقد ورد في الصحيح عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (بيْنَا أنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي في الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إلى جَانِبِ قَصْرٍ، قُلتُ: لِمَن هذا القَصْرُ؟ قالوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا).[٢٣]
  • امتلاك الفاروق -رضي الله عنه- المعرفة والعلم الغزير والفراسة
حيث شَهِد له الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك حين قال: (بَيْنا أنا نائِمٌ، شَرِبْتُ، يَعْنِي، اللَّبَنَ حتَّى أنْظُرَ إلى الرِّيِّ يَجْرِي في ظُفُرِي أوْ في أظْفارِي، ثُمَّ ناوَلْتُ عُمَرَ فقالوا: فَما أوَّلْتَهُ؟ قالَ: العِلْمَ).[٢٤]
  • استقامة الفاروق
وصِدْقه، والتزامه الشديد بالدِّين، وعلوّ منزلته عند رسول الله وصحابته، فقد ورد عن نبيّ الله أنّه قال: (أيها يا ابْنَ الخَطَّابِ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ ما لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ، إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ).[٢٥]
  • وفاة الفاروق شهيداً
وقد بشّر بذلك رسول الله عندما صعد جبل أُحد، ومعه أبو بكرٍ، وعُمر، وعثمان بن عفان، حيث قال: (اثْبُتْ أُحُدُ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهِيدَانِ).[٢٦]
  • توافق عددٍ من آراء عمر بن الخطّاب بما نزل من القرآن الكريم
فيما قال الفاروق -رضي الله عنه- أنّها ثلاث، كما ثبت في صحيح البخاريّ أنّه -رضي الله عنه- قال: (وافَقْتُ رَبِّي في ثَلَاثٍ: فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وآيَةُ الحِجَابِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لو أمَرْتَ نِسَاءَكَ أنْ يَحْتَجِبْنَ، فإنَّه يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ والفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، واجْتَمع نِسَاءُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الغَيْرَةِ عليه، فَقُلتُ لهنَّ: (عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبَدِّلَهُ أزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ)، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ).[٢٧]
  • الثناء والمديح من صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن آل بيته على عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-.
المراجع

  1. ^ أ ب ابن حجر العسقلاني ( 1415 هـ)، الإصابة في تمييز الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 484-485، جزء 4. بتصرّف.
  2. ↑ رواه الإمام أحمد، في مسند أحمد، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8/60، إسناده صحيح.
  3. ^ أ ب محمود شاكر (2002)، موسوعة الفتوحات الإسلامية (الطبعة الأولى)، الأردن: دار أسامة، صفحة 25-26. بتصرّف.
  4. ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 915، جزء 10. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سعيد حوَّى (1995)، الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 1581، جزء 3. بتصرّف.
  6. ↑ سورة الممتحنة، آية: 10.
  7. ^ أ ب ت عبدالسلام بن محسن آل عيسى (2010)، شهيد المحراب الفاروق عمر بن الخطاب (الطبعة الأولى)، الكويت: مبرة الآل والأصحاب، صفحة 50-60. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ابن الجوزي، مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، صفحة 20-21. بتصرّف.
  9. ↑ سورة طه، آية: 14.
  10. ^ أ ب أحمد المزيد، عادل الشدي، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صفحة 6-7. بتصرّف.
  11. ↑ علي محمد محمد الصلابي (2002)، فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب (الطبعة الأولى)، الإمارات: مكتبة الصحابة، صفحة 49-62. بتصرّف.
  12. ^ أ ب ت ث ج علي محمد محمد الصلابي (2002)، فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب (الطبعة الأولى)، الإمارات: مكتبة الصحابة، صفحة 82-89. بتصرّف.
  13. ^ أ ب أحمد الطيار (1433 هـ)، حياة السلف بين القول والعمل (الطبعة الأولى)، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 564-565، جزء 1. بتصرّف.
  14. ↑ محمد حسان، سلسلة مصابيح الهدى، صفحة 3، جزء 13. بتصرّف.
  15. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 164، جزء 87. بتصرّف.
  16. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم: 5730، صحيح.
  17. ^ أ ب ت محمد السيد الوكيل (2002)، جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين (الطبعة الخامسة)، السعودية: دار المجتمع، صفحة 265-266،274. ب
  18. ^ أ ب محمد رضا (1936)، الفاروق عمر بن الخطاب، مصر: المطبعة المحمودية، صفحة 31-35. بتصرّف.
  19. ^ أ ب ت محمود شيت خطاب (1965)، الفاروق القائد (الطبعة الأولى)، بغداد: مطبعة العاني، صفحة 31-59. بتصرّف.
  20. ^ أ ب محمد رضا (1936)، الفاروق عمر بن الخطاب، مصر: المطبعة المحمودية، صفحة 43-46. بتصرّف.
  21. ^ أ ب أبو العرب التميمي (1984)، المحن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العلوم، صفحة 62-67. بتصرّف.
  22. ↑ أحمد المزيد، عادل الشدي، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صفحة 7-12. بتصرّف.
  23. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7023، صحيح.
  24. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن والد حمزة، الصفحة أو الرقم: 3681، صحيح.
  25. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 3683، صحيح.
  26. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3675، صحيح.
  27. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 402، صحيح.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-03-2024, 12:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:

عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين (3)


الجزيرة نت






عثمان بن عفان صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، رابع من أسلم، ومن أكثر المنفقين في سبيل الله، بشره الرسول صلى الله عليه سلم بالجنة، وعرف بتواضعه وعفته ورقته ولينه، تولى الخلافة بعد عمر بن الخطاب، ونهض بالاقتصاد الإسلامي وجمع القرآن على نسخة واحدة، قتل على يد أهل الفتنة في بيته في المدينة سنة 35 للهجرة ودفن بالبقيع.
اسمه ونسبه

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو قرشي أموي يجتمع نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الجد الخامس من جهة أبيه (عبد مناف).
لقب بـ"ذي النورين" لزواجه من ابنتي رسول الله رقية وأم كلثوم التي تزوجها بعد وفاة رقية، وكني بأبي عبد الله وأبي عمرو، وهو ثالث الخلفاء الراشدين بعد أبي بكر وعمر بن الخطاب، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب عندما توفي للتشاور في أمر الخلافة من بعده.
أبوه عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، ابن عم الصحابي الجليل أبي سفيان بن حرب، تُعرف قبيلته بأنها أهل شرف ومال وكرم وجود، وهي من أغنى قبائل قريش إذ كانوا أهل تجارة. توفي في الصيف في إحدى رحلاته إلى الشام، وخلف من بعده مالا عظيما لأسرته، فنشأ عثمان -رضي الله عنه- تاجرا وغنيا.
أمه الصحابية الجليلة أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وهي ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمها هي البيضاء بنت عبد المطلب عمة الرسول، ولها ولدان من زوجها عفان: عثمان وأخته آمنة، وبعد وفاة زوجها عفان تزوجت عقبة بن أبي معيط، وأنجبت منه 3 أبناء وبنتا هم الوليد وخالد وعمرو وأم كلثوم، وتوفيت في فترة خلافة ابنها ودفنت بالبقيع.
المولد والنشأة

ولد الصحابي الجليل عثمان بن عفان سنة 576 م، في الطائف بعد عام الفيل بـ6 سنين على الصحيح، أي بعد مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بـ6 سنوات.
نشأ في قريش على النبل والشهامة والسخاء، وكان يلقب بأنه "أنسب قريش لقريش"، أما أصدقاؤه المقربون فهم أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن الزبير بن العوام، وكان مجلسهم في دار أبي بكر الصديق، وكانت مجالس لأصحاب مال وتواضع وخلق.
تزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه 9 زوجات أنجبن له 9 ذكور و6 إناث، ومن زوجاته رقية وأم كلثوم بنتا النبي صلى الله عليه وسلم.

صفاته الخلقية والخُلقية

كان حسن الشكل مليح الوجه، مربوع القامة كثيف شعر الرأس يكسو ذراعيه، غزير اللحية، وكان رقيق البشرة، أنفه أقنى، وأبيض اللون، ضخم الساقيين أروح الرجلين (لديه انفراج في قدميه)، عندما كبر وشابت لحيته بات يصبغها لتصبح صفراء، ولما أوشكت أسنانه على السقوط كان يشدها بالذهب.
عُرِف عثمان بن عفان بأخلاقه الحميدة، وشدة حيائه وكرمه وحكمته وعقلانيته، وعفّته، وكثرة إنفاقه في سبيل الله، وتقاه وطيب معاملته ولين معشره.
وكان في الجاهلية سيد قومه ووجيههم محبوبا فيهم، متواضعا رغم ترعرعه في بيئة مترفة، من أعلم أهل قريش بالأنساب، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وأفضلهم رأيا فكانوا يقصدونه في مشاكلهم ويأنسون برأيه.
لم يقترف فاحشة قط ولم يشرب خمرا ولم يسجد لصنم ولم يقتل أحدا ولم يأكل ميتة، عفيف اللسان، عاش في رفاهية في الجاهلية والإسلام. وكان سمحا بالبيع والشراء يقنع بالربح القليل، يبغض الاحتكار واستغلال الناس، يعين الفقير ويساعد التجار الصغار.
صورة تعبيرية عن الحياة في الجاهلية (مواقع التواصل الاجتماعي)



قصة إسلامه

أسلم عثمان وهو في الـ34 من عمره على يد أبي بكر الصديق، عندما قال له "ويحك يا عثمان، واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع‏؟‏".
فقال‏‏ "بلى واللَّه إنها كذلك". قال أبو بكر‏‏ "هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه‏؟"‏ فقال‏‏ "نعم"‏. وفي الحال مرَّ رسول اللَّه فقال‏‏ "‏‏يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه"‏‏.‏ قال‏‏ "فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبد الله ورسوله"، وكان عثمان بن عفان رابع من أسلم من الصحابة.
لم يستطيع أحد أن يمسه في جسده بعد إسلامه سوى عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية، فكانوا يؤذونه بالكلام في بعض الأحيان، وفي تجارته، لكن عمه جمع مجموعة من عبيده فأمسكوا بعثمان وربطوه بالسلاسل، وصرخ في وجهه قائلا "أترغب عن ملة آبائك إلى دينٍ مُحْدَث! والله لا أحُلّك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين"، فقال "والله لا أدعه أبدا"، فلما رأى الحكم تمسكه وصلابته في دينه تركه، فلم يعذب عثمان إلا في هذا الموقف، وقد حاولت أمه أن تقنعه بترك هذا الدين لكنها لم تستطع.
هجرته

عدّ عثمان أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم ثم تبعه 10 رجال، و4 نساء بقيادة عثمان بن مظعون رضي الله عنه، ومن ثم تتابعت الهجرة إلى الحبشة حتى وصل عدد المهاجرين إلى 33 شخصا.
وحين انتشرت إشاعة إسلام قريش ووصلت إلى الحبشة، فرح المهاجرون هناك ورجعوا إلى مكة، لكنهم اكتشفوا حقيقة الأمر حال عودتهم، فمنهم من بقي ومنهم من عاد إلى الحبشة، وظل عثمان في مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة، تاركا تجارته وأمواله، ونزل ضيفا عند أوس بن ثابت، أخ حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس رضي الله عنهما. وبدأ عثمان تجارته في المدينة المنورة منذ وصوله إليها.

تجهيز جيش العسرة

عرف عثمان بن عفان بسخائه وإنفاقه في سبيل الله في المواقف كلها، إلا أن أعظم إنفاق له كان تجهيز جيش العسرة، وهو جيش غزوة تبوك التي حدثت في السنة التاسعة للهجرة، وسميت بذلك نسبة لعين ماء تبوك في منطقة بين المدينة ودمشق، كما سميت بغزوة العسرة لأنها حدثت في وقت يمر فيه الناس بعسرة، وحر شديد، وبعد في المكان، وقلة في التجهيزات اللازمة للحرب.
فحث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الإنفاق وتجهيز الجيش فقال "من جهز جيش العسرة فله الجنة" فتسابق الصحابة للتجهيز، فأنفق أبو بكر الصديق 4 آلاف درهم، وأنفق عمر بن الخطاب نصف ماله، وعبد الرحمن بن عوف نصف ماله، وجهز عثمان بن عفان 300 بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم أتى بألف دينار وضعها في حجر رسول الله ففرح عليه الصلاة والسلام وقال "ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم"، فكان إنفاقه أعظم إنفاق وساهم على نحو كبير بتجهيز جيش العسرة.
توليه الخلافة ومنجزاته فيها

لما شعر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- باقتراب موته بعد تعرضه للطعن، رشح 6 من الصحابة للخلافة من بعده وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهم جميعا، وكان يرى أن أكثرهم تأهيلا للخلافة عثمان وعلي، وقدم عليا على عثمان لأنه من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه ترك الأمر لاختيار المسلمين.
خاف الصحابة من اختلاف المسلمين وانشقاق الأمة فاقترح بعضهم على عمر بن الخطاب توريث الخلافة لابنه عبد الله، لكنه رفض وحرص على إبعادها عن أهله وأقاربه.
وحدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3 أيام كحد أقصى لإنهاء الأمر، فأمرهم بالتشاور بينهم والاتفاق على اسم بالترجيح بينهم، وإن تساوت الأصوات يعرض الأمر على عبد الله بن عمر ليفصل في المسألة، والفريق الذي يختاره يكون من بينهم الخليفة، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر، أمرهم بأن يكونوا مع الصف الذي منهم عبد الرحمن بن عوف.
ثم طلب عمر بن الخطاب من أبي طلحة -رضي الله عنه- بأن يختار 50 مقاتلا من الأنصار لكي يحرسوا هذه المسألة ويحفوها، حتى لا يتوسع الخلاف إن حدث، وجعل المقداد بن الأسود مسؤولا عن عقد الاجتماع، ومات الفاروق رضي الله عنه.
عقد الاجتماع في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها، وقرر عبد الرحمن بن عوف أن يدير الاجتماع لتجنب حدوث خلافات، فبدأ بالكلام واقترح بأن يكون الأمر إلى 3 منهم، فوقع الاختيار على علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، واقترح عبد الرحمن بن عوف أن يعزل نفسه على أن يكون الاختيار إليه، ويأخذ تفويضا من البقية بالقرار، فعزل نفسه من الخلافة وسعى 3 أيام بلياليها من أجل أن يشارك كافة الناس في هذه الانتخابات.
ولما كانت الليلة التي يسفر صباحها عن اليوم الرابع من موت عمر بن الخطاب، وعندما أشرفت المدة على الانتهاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى منزل ابن اخته المسول بن مخرمة، فطلب منه أن يدعو سعدا والزبير ليشاورهما، وبعدما عرف رأي جميع الأمة، طلب من المسول أن يدعو عليا، فناجاه حتى منتصف الليل، ولما خرج علي طلب من المسول أن يدعو عثمان فناجاه حتى فرّق بينهم المؤذن للفجر، وبعد ذلك تبين لعبد الرحمن بن عوف أن الأمة انقسمت بالتساوي، وأن عليه أن يقرر.


فخرج عبد الرحمن بن عوف إلى صلاة الفجر، وأمر بأن يحضر الجميع، فامتلأ المسجد، ولم يبق لعثمان مكان وجلس في آخر المسجد لأنه تأخر قليلا، وصعد عبد الرحمن بن عوف منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف وقوفا طويلا، ودعا دعاء طويلا بينه وبين نفسه، ثم طلب من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يصعد إلى المنبر فأخذ بيده، وسأله بأن يبايعه على أن يسير على كتاب الله، وسنة نبيه، وفعلِ أبي بكر وعمر، فجر علي يده ورضي أن يبايعه على أن يسير على كتاب الله، وسنة نبيه، لكنه سيجتهد بطاقته كما اجتهد أبو بكر وعمر، لكنه قد لا يلتزم، فرفض عبد الرحمن، وجاء بعثمان وسأله ذات السؤال فوافق عثمان رضي الله عنه، فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده بيد عثمان وقال "اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم إني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان".
عثمان بن عفان لقب بـ"ذي النورين" وجهز جيوش المسلمين (الجزيرة) ومد عبد الرحمن بن عوف يده وبايع عثمان على أنه أمير المؤمنين، وكان أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف هو علي بن أبي طالب، ثم بايعه المهاجرون والأنصار وعامة الناس وازدحموا عليه ولم يتخلف أحد عن البيعة، وصار عثمان بن عفان رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين، وهو في الـ68 من عمره.

أبرز ما فعله عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في خلافته:

  • انتهاج سياسة الاتباع والتفويض: حيث سار عثمان على كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتزم بكل قرارات الخلفاء من قبله واجتهاداتهم، واتبع ما اتفق عليه أهل الشورى، ولم يتدخل في شؤون الشعب، إلا في حال حدوث جريمة أو انتهاك حد من الحدود يستوجب تدخل الحاكم.
  • تثبيت مجلس الشورى: ثبت عثمان في زمنه مجلس الشورى، وهو مجلس مكون من مجموعة من الصحابة يساعدونه في إدارة الدولة، وهم علي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين.
  • بناء المحكمة: يعدّ عثمان بن عفان رضي الله عنه أول من بنى المحكمة، ومن أشهر القضاة الذين كانوا في عهده: زيد بن ثابت على المدينة المنورة، وأبو الدرداء على دمشق، وكعب بن سور على البصرة، وشريح على الكوفة، ويعلى بن أمية على اليمن، وثمامة على صنعاء، وعثمان بن قيس على مصر.
  • إدارة الولايات: أعاد عثمان ترتيب الولايات وحكامها ولم يتركها كما كانت في زمن عمر بن الخطاب، وكان يديرها بالتشاور مع كبار الصحابة.
  • ضم بعض الولايات إلى بعضها البعض لما يراه في مصلحة المسلمين، فضم ولايات الشام إلى بعضها، وضم البحرين إلى البصرة.
كما كان دائم النصح لولاته بأن يكونوا رعاة للأمة وليسوا سادة عليها، وكان يأمرهم بالعدل والرحمة وإعطاء الحقوق لأهلها، ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وأوصاهم بالذمة وقيادة الجيوش، والشورى والتشاور وأمرهم باتباع منهج أبي بكر وعمر، والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والابتعاد عن البدع، فضلا عن الاهتمام باللغة العربية، والمحافظة على القرآن وقراءته.
نهوض عثمان بالاقتصاد الإسلامي

اتبع عثمان السياسة المالية لعمر بن الخطاب نفسها، وكان عهده عهد رخاء على المسلمين، وقد اتبع بعض الأسس في سياسته المالية أهمها:
  • تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.
  • عدم إخلال الجباية بالرعاية.
  • إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.
  • أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.
  • اختيار عمال الخراج من المتخلقين بالأمانة والوفاء.
  • أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق وإعطاؤهم ما لهم وعدم ظلمهم.
  • تفادي أي انحرافات مالية.

جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان

قرر عثمان إعادة توحيد المسلمين على قرآن واحد، وهو ما سُمِّي لاحقا بمصحف عثمان أو المصحف الإمام، وذلك لانتشار الكثير من النسخ المكتوبة والمنقولة على نحو خاطئ، مما أدى إلى وقوع خلافات بين الناس على المصحف الصحيح.
وجمع عثمان المسلمين على لغة قريش، أي لهجة قريش، وكتبت 6 نسخ ووزعت نسخة لكل ولاية، فكانت النسخ في العراق ومصر وبلاد فارس وأفريقيا والشام ونسخة بقيت مع عثمان بن عفان. وقد أمر عثمان بحرق جميع النسخ الأخرى التي بيد الناس من أجل التأكد من عدم وجود أي نسخ خاطئة من القرآن الكريم.
فتوحات عثمان بن عفان

من أهم أعمال عثمان توسيع الدولة الإسلامية، ففي أيام خلافته فتحت مصر والإسكندرية وأرمينية وقبرص وأفريقيا (تونس حاليا) وكرمان وخراسان والقوقاز وسجستان، وقد أنشأ أول أسطول بحري لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين وفي عهده تمت توسعة المسجد النبوي.
قسّم عثمان الجبهات العسكرية إلى 3 أقسام:
  • الجبهة الشمالية: مركز هذه الجبهة دمشق ومنها انطلق المسلمون لقتال الروم، وحدث بها كثير من الفتوحات، مثل فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري وغزو القبرص.
  • الجبهة الشرقية: قُسِّمت هذه الجبهة إلى معسكرين، هما الكوفة والبصرة، وقام بها عدد من الفتوحات وغزا منها سعيد بن العاص منطقة طبرستان.
  • الجبهة الغربية: مركز هذه الجبهة مدينة الفسطاط التي بنيت على يد عمرو بن العاص، وهي مصر حاليا، من الفتوحات التي حدثت فيها: فتح أفريقيا، وبلاد النوبة.
الفتنة الكبرى

افترى جماعة من أهل الفتنة تصرفات باطلة على عثمان رضي الله عنه، وهاجموا ولاته في الأمصار، وطعنوا بمصداقيتهم، وقد كبرت الفتنة على يد عبد الله بن سبأ اليهودي، المعروف باسم ابن السوداء، وكان يدعي الإسلام، وقد توجه إلى البصرة وحاول أن يحدث فتنة فيها، فاجتمع عليه نفر سمعوا له، لكنه أخرج منها، وقصد الكوفة ففعل فيها مثل ما فعل في البصرة، وأخرج منها، فاستقر في مصر، وبقي على تواصل مع أهل الفتنة من البصرة والكوفة.
وكان جُلّ حديث عبد الله بن سبأ عن التشنيع بولاة عثمان، والطعن بهم، ومهاجمتهم، ثم تجرأ حتى أصبح يهاجم الخليفة نفسه. وكانوا يخططون للقدوم إلى مكة في موسم الحج والخروج على أمير المؤمنين وعصيانه علنا.
وقد وصل خبر لعثمان عما يخططه أهل الفتنة في البصرة والكوفة من رجلين شهدا التخطيط والتدبير، فأرسل إلى الكوفيين والبصريين ونادى: الصلاة جامعة! فأقبل الرجلان، وشهدا بما علما؛ فقال المسلمون جميعا: اقتلهم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "مَن دعا إلى نفسه، أو إلى أحد وعلى الناس إمام، فعليه لعنة الله فاقتلوه".
فقال عثمان "بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، ولا نحادّ أحدا حتى يركب حدّا، أو يُبدي كفرا". ثم أخذ أمير المؤمنين يرد عليهم مزاعمهم وافتراءاتهم، ويؤيده المهاجرون والأنصار، حتى أفحم أهل الفتنة، فرجعوا إلى بلادهم وعزموا على العودة في موسم الحج لاقتحام المدينة.
وفي موسم الحج اجتمع أهل الفتنة في المدينة بشكل منظم متفق عليه مسبقا، وحاصروا دار الخليفة، وضيقوا عليه، وشارك بالفتنة كثير ممن غُرِّر بهم.


وواجهوا عثمان باتهاماتهم، فرد عليهم كل اتهاماتهم الباطلة، لكنهم أبوا السماع له، وبقوا مصرين على موقفهم وخيروه بين عزل نفسه أو قتله فرفض رضي الله عنه.
فحاصروه واشتد عليه الحصار، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا، ثم أشرف عليهم عثمان وقال "يا أيها الناس، اجلسوا. فجلسوا المحارب والمسالم. فقال لهم: يا أهل المدينة، أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي.
ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم، ويجمعكم على خيركم؟ أتقولون: إن الله لم يستجب لكم وهنتم عليه وأنتم أهل حقه؟ أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبالِ من وَلِي والدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة إنما كان مكابرة، فوكل الله الأمة إذا عصته ولم يشاوروا في الإمامة؟ أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمري!".
وأخذ يبين لهم حرمة نية قتله وعقاب القتل عند الله، وقال لهم "أنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها! فمهلا لا تقتلوني؛ فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفسا بغير حق؛ فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم، ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبدا".
ثم لزم داره وأمر أهل المدينة بالرجوع، فرجعوا باستثناء نفر من الصحابة، وبعد 18 ليلة من الحصار سمعوا بجنود من الأمصار تهيؤوا لنصرة عثمان، فشددوا الحصار عليه ومنعوه من كل شيء حتى الماء. وبقي نفر من الصحابة وأبنائهم يدافعون عنه، وأهل الفتنة يزدادون فجرا وإصرارا على الباطل.
وأمر الخليفة الصحابة بالانصراف وترك الدفاع عنه، ويروي عبد الله بن عامر بن ربيعة ما حدث فيقول "كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه. ثم قال: قم يا ابن عمر -وعلى ابن عمر سيفه متقلدا- فأخبر به الناس. فخرج ابن عمر والحسن بن علي. وجاء زيد بن ثابت فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله، مرتين. قال عثمان: لا حاجة بي في ذلك، كُفُّوا".
وقال له أبو هريرة "اليوم طاب الضرب معك. قال: عزمت عليك لتخرجَنَّ. وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عنده، فإنه جاء الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان، فعزم عليهم في وضع سلاحهم وخروجهم، ولزوم بيوتهم. لأنه لا يريد للفتنة أن تكبر ويحدث قتال بين الصحابة وأهل الفتنة.
وقيل إن مدة هذا الحصار استمرت ما بين 20 -40 يوما، وفي آخره لم يسمحوا له حتى بالذهاب إلى الصلاة.
صورة طبق الأصل من مصحف كتب في عهد عثمان بن عفان من دون تنقيط أو تشكيل (الجزيرة)

استشهاد عثمان بن عفان

ذُكرت عدة روايات في استشهاد عثمان:
  • فعن ريطة مولاة أسامة قالت "كنت في الدّار، إذ دخلوا عليه وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه وتعاوروه بأسيافهم فرأيتهم ينتهبون بيته".
  • وقال مجالد عن الشعبي "جاء رجل من "تجيب" من المصريين والناس حول عثمان فاستل سيفه ثم قال: أفرجوا ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السيف لتمنع عنه، فحزّ السيف أصابعها.
    وقيل: الذي قتله رجل يقال له حمار".
  • وقال عبد الرّحمن بن عبد العزيز "سمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد وضربه سودان المراديّ فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق وطعنه تسع طعناتٍ وقال: ثلاث للّه وستٌّ لما في نفسي عليه".
  • وعن المغيرة قال "حاصروه اثنين وعشرين يوما، ثمّ أحرقوا الباب فخرج من في الدّار".
  • وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال "فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجلٌ فقال: بيني وبينك كتاب اللّه، فخرج وتركه، ثمّ دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب اللّه، فأهوى إليه بالسّيف، فاتّقاه بيده فقطعها، فقال: أما واللّه إنّها لأوّل كفٍّ خطّت المفصّل، ودخل عليه رجلٌ يقال له الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسّيف، قال: فو الله ما رأيت شيئا ألين من حلقه، لقد خنقته حتّى رأيت نفسه مثل الجان تردّد في جسده".
استشهد رضي الله عنه في شهر ذي الحجة سنة 35 للهجرة بعد اتمامه 12 عاما من الخلافة، ودفن بالبقيع.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14-03-2024, 01:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
سيرة علي بن أبي طالب (4)
مريانا قمصية

محتويات
١ تعريف بعلي بن أبي طالب
  • ٢ كنية علي رضي الله عنه ولقبه
  • ٣ ولادة علي بن أبي طالب ونشأته
  • ٤ أسرة علي بن أبي طالب
    • ٤.١ إخوة علي بن أبي طالب وأخواته
    • ٤.٢ زوجات علي بن أبي طالب وأبناؤه
  • ٥ إسلام علي بن أبي طالب
  • ٦ هجرة علي بن أبي طالب وفداؤه للنبي
  • ٧ جهاد علي بن أبي طالب
  • ٨ خلافة علي بن أبي طالب
  • ٩ مكانة عليّ بن أبي طالب ومنزلته
  • ١٠ مناقب عليّ بن أبي طالب
  • ١١ صفات علي بن أبي طالب
    • ١١.١ صفات عليّ بن أبي طالب الخَلقيّة
    • ١١.٢ صفات عليّ بن أبي طالب الخُلُقيّة
  • ١٢ استشهاد علي بن أبي طالب ومكان دفنه
  • ١٣ المراجع

تعريف بعلي بن أبي طالب
هو الصحابي علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ابن عمّ النبي -عليه الصلاة والسلام-.[١] أمّا والدة علي فهي فاطمة بنت أسد بن عبد مناف من بني هاشم، بنت عمّ أبي طالب.[٢]
كنية علي رضي الله عنه ولقبه

يكنّى علي -رضي الله عنه- بأبي الحسن، وبأبي ترابٍ؛ وهي كُنيةٌ أطلقها عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما وجده راقداً في المسجد وقد أصاب جسده التراب، بعد أن سقط الرداء عنه، فأخذ النبي يمسح التراب عنه، وهو يردّد: (قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ).[٣][١]
ولادة علي بن أبي طالب ونشأته
تعددت الروايات في تحديد السنة التي وُلد فيها علي -رضي الله عنه-، كما يأتي:[٤]
  • رُوي عن ابن إسحاق أنّه وُلد قبل البعثة بعشر سنواتٍ، وهو ما رجّحه ابن حجر العسقلاني.
  • رُوي عن الحسن البصري أنّه وُلد قبل البعثة بخمس عشرة أو ست عشرة سنةً.
  • رُوي عن محمد بن علي الباقر قولاً يُوافق قول ابن إسحاق، وقولاً آخراً أنّه وُلد قبل البعثة بخمس سنواتٍ.
  • نُقل عن الفاكهي أنّ علياً كان أول من وُلد في جوف الكعبة من الهاشميين.
  • قال الحاكم بتواتر الأخبار في ولادة علي في الكعبة.
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد تكفّل بعلي بعد أن أصابت قريش في إحدى السنوات أزمةٌ شديدةٌ تضرّر الناس بسببها، وكان أبو طالب كثير الأولاد، فأتاه النبي مع العباس؛ ليكفل كلٌّ منهما أحد أبنائه، فيُخفّفا عنه ضيقه؛ فكَفِلَ العباس جعفر، وكَفِلَ النبي علياً الذي آمن به بعد بعثته.[٤] أسرة علي بن أبي طالب
إخوة علي بن أبي طالب وأخواته
كان لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- العديد من الإخوة، أشهرهم ثلاثة، وهم: عَقيل، وطالب، وجعفر، وكان علي أصغرهم، وكانت له أختان، وهما: أم هانىء، وجمانة، وفيما يأتي نبذةٌ عن كلٍّ منهم:[٥]
  • طالب: لم يُؤمن برسالة محمّدٍ، ومت على دينه بعد مشاركته في غزوة بدر، علماً أنّه شارك فيها مُكرَهاً؛ إذ كان يحبّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
  • عَقيل: أُسِرَ بيد المسلمين بعد مشاركته في غزوة بدر، وكان قد شارك فيها مُكرَهاً، ففداه عمّه العباس، ثمّ أسلم يوم فتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة، وقِيل: يوم الحديبية في السنة السادسة للهجرة، وشارك بعد ذلك مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزواته، كغزوة مؤتة، وغزوة حُنين.
  • جعفر: كان من الصحابة الأجلّاء السابقين في الإسلام؛ حيث هاجر إلى الحبشة مرّتَين، وتزامنت عودته في المرة الثانية مع انتصار المسلمين في غزوة خيبر، وقد أمَّرَه النبيّ على جيش غزوة مؤتة، فأبلى فيها بلاءً حسناً، وقُطِعت يداه، واستُشهِد في مؤتة عن عُمرٍ يناهز الثالثة والثلاثين.
  • أم هانىء: كان إسلامها يوم فتح مكّة، فدخل النبيّ إلى بيتها، وصلّى صلاة الضحى ثماني ركعاتٍ.
  • جُمانة: وكانت قد أسلمت، وتزوّجت من أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
زوجات علي بن أبي طالب وأبناؤه
تزوّج عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعددٍ من النساء، ولا يعني ذلك أنّه جمع بينهنّ في الوقت ذاته، فأنجب منهنّ عدداً من الأولاد، وبيان ذلك في ما يأتي:[٦]
  • فاطمة بنت الرسول محمدٍ، وأنجبت له:
    • الحسن بن علي بن أبي طالب
    • الحسين بن علي بن أبي طالب
    • مُحسن بن علي بن أبي طالب
    • زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب
    • أمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب
  • أم البنين بنت حزام الكلابيّة، وأنجبت له:
    • العبّاس بن علي بن أبي طالب
    • جعفر بن علي بن أبي طالب
    • عبدالله بن علي بن أبي طالب
    • عثمان بن علي بن أبي طالب
  • ليلى بنت مسعود التميميّة، وأنجبت له:
    • عُبيدالله بن علي بن أبي طالب
    • أبو بكر بن علي بن أبي طالب
  • أم حبيبة بنت زمعة التغلبيّة، وأنجبت له:
    • عمر بن علي بن أبي طالب
    • رقية بنت علي بن أبي طالب
  • أم سعيد بنت عروة الثقفيّة، وأنجبت له:
    • أم الحسن بنت علي بن أبي طالب
    • رملة الكبرى بنت علي بن أبي طالب
  • أسماء بنت عُميس الخثعميّة، وأنجبت له:
    • يحيى بن علي بن أبي طالب
    • محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب
    • عون بن علي بن أبي طالب
  • أُمامة بنت أبي العاص، وأنجبت له:
    • محمد الأوسط بن علي بن أبي طالب
  • خولة بنت جعفر الحنفيّة، وأنجبت له:
    • محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب، المعروف بمحمد بن الحنفيّة
إسلام علي بن أبي طالب
ذكر ابن إسحاق أنّ عليّاً بن أبي طالب دخل على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ذات مرّةٍ وهو يُصلّي مع السيّدة خديجة -رضي الله عنها-، فسأله عن ماهيّة تلك العبادة، فبيّن له أنّها من شعائر الدين الذي اصطفاه الله لعباده، وأرسل به رسوله، وعرض عليه الإيمان برسالته؛ بتوحيد الله، والتبرُّؤ من الأصنام، فتردّد علي في القبول، وأراد أن يستشير والده في ذلك، فكَرِه النبيّ انتشار خبر الدعوة قبل أن يُعلنها بنفسه، فخيّر علياً بين الإسلام، أو كتم الأمر وعدم إعلام أحدٍ به.[١]
فبات عليّ ليلته تلك يُفكّر في أمر الدعوة حتى وقع الإيمان في قلبه، فغدا إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- طالباً منه أن يُعيد عليه ما دعاه إليه أوّل مرّةٍ، فكرّر عليه النبيّ الشهادتَين، والتبرُّؤ من اللات والعُزّى، فأسلم عليّ، ونطق الشهادتَين، وكتمَ إيمانه؛ خشيةً من أبي طالب.[١]
تعددت الأقوال في عمر عليّ -رضي الله عنه- حين أسلم، كما يأتي:[٢]
  • حين بلغ من العُمر ثماني سنواتٍ كما نُقِل عن عُروة.
  • قِيل إنّه كان قد بلغ من العمر أربع عشرة سنةً كما روى جرير عن المغيرة.
  • ذكر الحسن بن زيد بن الحسن أنّه كان ابن تسع سنواتٍ حين إسلامِه.
  • ثبت عن ابن عبّاس أنّه كان أوّل الناس إسلاماً؛ حيث كان يكتم إيمانه خوفاً من أبيه، في حين أظهر البعض إسلامه، وأعلنه، كأبي بكر الصدِّيق -رضي الله عنه-.
هجرة علي بن أبي طالب وفداؤه للنبي
ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- قصّة فداء عليّ للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- حينما أراد المشركون التربُّص به، وقَتله؛ حيث نام علي ليلة الهجرة إلى المدينة في فراش النبيّ- عليه الصلاة والسلام-، فبات المشركون ليلتهم يظّنون أنهّم يحاصرون رسول الله في بيته، إلّا أنّه كان قد سار إلى الغار، فلمّا أصبحوا ثاروا إليه، فتفاجؤوا بوجود عليّ نائماً في فراشه، فسألوه عن النبيّ، فأجابهم بأنّه يجهل مكانه.[٧]
ثمّ هاجر عليّ -رضي الله عنه- إلى المدينة بعد هجرة النبيّ إليها بثلاث ليالٍ بعد أن أدّى الأمانات التي كانت لدى الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى أصحابها؛ إذ كلّفه النبيّ بذلك.[٨]
جهاد علي بن أبي طالب
شارك عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في الغزوات جميعها، ولم يتخلّف إلّا عن غزوة تبوك؛ حيث استخلفه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يومئذٍ على المدينة المُنوَّرة، ومن الغزوات التي شارك فيها، وأبلى بلاءً عظيماً:[٩]
  • غزوة بدر: والتي حَمَلَ عليّ -رضي الله عنه- لواء جيش المسلمين فيها، ولم يتجاوز عُمره حينذاك العشرين سنةً.
  • غزوة أحد: والتي حَمَلَ عليّ -رضي الله عنه- لواء المسلمين فيها بعد استشهاد مُصعب بن عُمير -رضي الله عنه-، كما دافع عن الرسول وثبت معه في نهاية الغزوة، فأُصِيب بستّ عشرة ضربةً، وقد كلّفه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعد انتهاء المعركة بتحسُّس خبر قريش، فخرج مُتتبِّعاً أثرهم، وعَلِم أنّهم مُتَّجهون صَوب مكّة.
  • غزوة حمراء الأسد: كان عليّ -رضي الله عنه- من الذين استجابوا إلى دعوة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد غزوة أحد، وكان حاملاً للواء المسلمين.
  • غزوة بني النضير: والتي تمكّن عليّ -رضي الله عنه- فيها من قتل عَزْوَكَ؛ أحد زعامات اليهود.
  • غزوة الخندق: والتي بارز عليّ -رضي الله عنه- فيها عمرو بن عبد ودّ العامري؛ وكان أحد أشهر الفرسان، فتمكّن عليّ من قتله.
  • غزوة بني قريظة: وقد حمل عليّ راية المسلمين فيها، فكان في مُقدّمة الجيش.
  • غزوة خيبر: حمل عليٌّ الراية يوم خيبر، وفتح الله على يدَيه حصونها.[١٠]
  • غزوة حُنين: والتي ثبتَ عليّ -رضي الله عنه- مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فيها حتى نهايتها.[١٠]
  • صلح الحديبية: وقد سجّل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- موقفاً إيمانياً عظيماً حينما رفض مَحو عبارة: "محمدٌ رسول الله"، بعد أن اعترض على كتابتها المشركون.[١٠]
خلافة علي بن أبي طالب
كانت خلافة علي -رضي الله عنه- خلافةً راشدةً كأسلافه، وكان منهجه في الخلافة كما يأتي:
  • لقد بُويِع لعليّ -رضي الله عنه- بالخلافة في أوائل السنة الخامسة والثلاثين للهجرة؛ حيث أجمع المسلمون مهاجرون وأنصار على اختياره خليفةً للمسلمين؛ لفضله ومكانته، فزانَ الخلافة، وشرَّفَها بقَدره وعدالته، فكانت بيعته بيعة اجتماعٍ ورحمةٍ بالأمّة.[١١]
  • وقد تغيّرت عاصمة الخلافة في عهده -رضي الله عنه-؛ بسبب التطوُّرات التي فرضت نفسها في تلك الفترة، فأصبحت الكوفة عاصمة الخلافة، ومحور الأحداث، بينما تحوّلت المدينة المُنوَّرة إلى ولايةٍ يرأسها سهل بن حنيف الأنصاري.[٩]
  • لم تتوسّع الفتوحات الإسلامية في عهد علي -رضي الله عنه-، بينما انتشر الإسلام بقوة في أذربيجان؛ بفضل الأشعث؛ والي الخليفة عليها.[٩]
  • استمرّ تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ومراعاتها كما كان سابقاً، إلّا أنّ اهتمامات الناس في عهد علي -رضي الله عنه- تغيّرت؛ فأصبحوا ينظرون إلى أوضاع الولايات الداخليّة، بعد أن كان جُلّ اهتمامهم مُنصَبّاً على الفتوحات، ومناطق الثغور.[٦]
  • سار عليّ بالناس على نَهج عمر بن الخطّاب؛ فتشدّد في مَنح الأُعطيات للولاة؛ بسبب قلّة الفتوحات، واشتدّ على قريش؛ فمنع خروجهم من الجزيرة بعد أن تفرّق الناس في الأمصار.[٦]
مكانة عليّ بن أبي طالب ومنزلته

كانت لعليّ -رضي الله عنه- مكانةٌ عظيمةٌ عند النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد تربّى في حِجْره، وصُنِع على عَينه، فكان قريباً إلى قلبه، حائزاً عنده مقاماً رفيعاً، كما زوّجه النبيّ أحبّ بناته إليه؛ السيّدة فاطمة الزهراء، ونهى أمّته عن الإساءة إليه، وحَثّ المسلمين على مَحبّته، وأمرهم بمُوالاته.[٥]
مناقب عليّ بن أبي طالب
كانت لعليّ -رضي الله عنه- الكثير من المناقب، والفضائل، والتي يُذكَر منها:
  • اعتباره أحد الصحابة العشرة الذين بشّرهم رسول الله بالجنّة.[١٢]
  • منزلته العظيمة من رسول الله؛ فقد قال له عندما استخلفه على المدينة يوم تبوك: (ألَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ، مِن مُوسَى إلَّا أنَّه ليسَ نَبِيٌّ بَعْدِي).[١٣][١٢]
  • تآخي النبيّ -عليه الصلاة والسلام- معه حينما آخى بين المهاجرين والأنصار في المدينة المُنوَّرة بعد الهجرة.[١٢]
  • قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للمسلمين في عليّ: (اللَّهمَّ مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ اللَّهمَّ والِ من والاهُ وعادِ من عاداهُ).[١٤][١٢]
  • فتحه حصونَ خيبر؛ فقد أعطى النبيّ عليّاً يوم خيبر رايةَ جيش المسلمين، فتقدّم بها حتى فتح الله على يدَيه، وكان قد قال النبيّ للمسلمين قبل أن يُسلّم الراية: (لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسوله ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ).[١٥][١]
  • ضَرْب النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قلبَ عليّ، ودعوته له يوم بعثه قاضياً إلى اليمن؛ فسدّد الله رأيه، وهدى قلبه.[١]
  • اعتباره من أهل بيت النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً.[١]
  • جَمْعُه للقرآن مع عددٍ من الصحابة على عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.[١]
صفات علي بن أبي طالب
صفات عليّ بن أبي طالب الخَلقيّة
كان عليّ -رضي الله عنه- حَسن الوجه كأنّه القمر ليلة البدر، ضحوك السِّن، عظيم العينين، كثيف اللحية، أصلع الرأس، ضخم البطن والساقين، وكان ربعةً في الرجال؛ أي ليس بالقصير ولا بالطويل.[٥]
صفات عليّ بن أبي طالب الخُلُقيّة

كان عليّ -رضي الله عنه- رجلاً شجاعاً شَهِدَت له الميادين بالبطولة، والتضحية، والفداء.[٥]
  • كان صاحب علمٍ غزيرٍ، وفِقهٍ عميقٍ بالقرآن والسنّة؛ بما حباه الله من اللسان السؤول، والقلب العقول.[٥]
  • كان رجلاً حكيماً، وقاضياً عَدلاً؛ بفضل دعوة النبيّ له.[٥]
  • كان خطيباً مُفوَّهاً تقطر عباراته، وكلماته بلاغةً، وسحراً.[٥]
  • تحلّى بكثيرٍ من الصفات الحَسنة، كالوَرَع، والتقوى، والحياء، والتواضُع، والعفّة، وغيرها الكثير.[٥]
استشهاد علي بن أبي طالب ومكان دفنه
كان عليّ -رضي الله- عنه يعلم أنه سيموت قتلاً، فقد بشّره النبي -صلى الله عليه وسلّم- أنه سيُقتل شهيداً فقال: (أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَشْقَى الناسِ رَجلينِ؟ أُحَيْمِرُ ثمودَ الذي عقَرَ الناقَةَ، والذي يضْرِبُكَ يا عَلِيُّ عَلَى هذِه، حتى يَبُلَّ مِنْهَا هذِه)،[١٦] يعني لِحيتَه، وقد استُشهِد -رضي الله عنه- على يد ابن ملجم، حيث جلس يراقب موضع خروج عليّ -رضي الله عنه-، فلمّا خرج ذات يومٍ يوقظ الناس للصلاة ويقول: "الصلاة الصلاة"، ضربه ابن ملجم بالسيف إلى جانب رأسه، فسال دمه الشريف على لحيته.[١٧]
واستُشهِد عليّ -رضي الله عنه- ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلةٍ مضت من رمضان من السنة الأربعين للهجرة، وكان عُمره ثلاثاً وستّين سنةً، وقِيل بضعٌ وخمسون،[١٨] وقد اختلف العلماء في مكان دفن علي رضي الله عنه، فقال ابن تيمية وابن سعد وابن خلكان -رحمهم الله- إنه دُفِن في الكوفة وتحديداً بقصر الإمارة، وقال عبد الله العجلي إنه دُفن بالكوفة بمكانٍ غير معلوم، أما الحافظ أبو نعيم فقال إنه دُفن بالكوفة ثم نُقل إلى المدينة المنوّرة بواسطة ابنه الحسن بن علي رحمه الله، وقال إبراهيم الحربي إن مكان قبر علي -رضي الله عنه- غير معلوم.[١٩]
ملخص المقال: عرض المقال سيرة الصحابي علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- بالتفصيل.

المراجع
^ أ ب ت ث ج ح خ د محمد نصر الدين محمد عويضة، كتاب فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 498،499،511، جزء 1. بتصرّف.
  1. ^ أ ب الإمام شمس الدين الذهبي، كتاب سير أعلام النبلاء، صفحة 495-496، جزء 2. بتصرّف.
  2. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 6280، صحيح.
  3. ^ أ ب أ.سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث (2007)، أطلس الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه (الطبعة الأولى)، السعودية: مكتبة العبيكان ، صفحة 17-18. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د عبد الستار الشيخ (2015)، [https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%...9%8A%D9%86-pdf علي بن أبي طالب أمير المؤمن
  5. ^ أ ب ت محمود شاكر (2000)، التاريخ الإسلامي (الخلفاء الراشدون ) (الطبعة الثامنة)، دمشق: المكتب الإسلامي، صفحة 247،248،257. بتصرّف.
  6. ↑ عماد السيد محمد إسماعيل الشربيني، كتاب رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم، صفحة 154. بتصرّف.
  7. ↑ موسى بن راشد العازمي، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 86، جزء 2. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت د.أكرم ضياء العمري، [https://books.google.jo/books?id=BmA...D8%B9%D9%84%D9
  9. ^ أ ب ت د.علي محمد محمد الصلابي (2004)، أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، الإمارات: مكتبة الصحابة، صفحة 124-126/133-136/139-143/146،147/ 195،196، جزء 1. بتصرّف.
  10. ↑ أحمد الجابري (2017-12-7م)، "مَرْويَّات فضائل عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه في مُستَدرَك الحاكِم دراسة حَديثيَّة - خِلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومبايعة الصحابة له"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-2-6. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت ث النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، صفحة 3-8، جزء 20. بتصرّف.
  12. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 4416، صحيح.
  13. ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع، الصفحة أو الرقم: 2/195، إسناده صحيح.
  14. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 4210، صحيح .
  15. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 2589، صحيح.
  16. ↑ عبد الستار الشيخ (1436هـ - 2015م)، [https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%...9%8A%D9%86-pdf علي بن أبي طالب
  17. ↑ ابن أبي الدنيا (2001)، مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (الطبعة الأولى)، دمشق: دار البشائر، صفحة 23. بتصرّف.
  18. ↑ "الخلاف في مكان قبر علي بن أبي طالب"، www.islamqa.info، 27-3-2011، اطّلع عليه بتاريخ 19-3-2020. بتصرّف.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-03-2024, 12:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
جعفر بن أبي طالب (5)


قصة الإسلام


شرف نسب جعفر بن أبي طالب :
  1. هو جعفر بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله r، وأخو عليّ بن أبي طالب t لأبويه، وهو جعفر الطَّيَّار، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين.
    مولد جعفر بن أبي طالب :
    ولد t في مكة المكرمة سنة 34 قبل الهجرة.
    زوجة جعفر بن أبي طالب :

  2. كانت أسماء بنت عُمَيْس -رضي الله عنها- تحت جعفر بن أبي طالب t، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت هناك عبد الله بن جعفر، ومحمد بن جعفر، وعون بن جعفر، وهلك عنها جعفر بن أبي طالب t، قتل يوم مُؤْتة بمؤتة من أرض الروم، فخلف عليها بعده أبو بكر الصديق t، فولدت له محمد بن أبي بكر بالبيداء.
    أولاد جعفر بن أبي طالب:
    كان لجعفر بن أبي طالب t من الولد عبد الله t، وبه كان يكنى، وله العقب من ولد جعفر، ومحمد وعون لا عقب لهما، ولدوا جميعًا لجعفر بأرض الحبشة في المهاجر إليها. عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: ولد جعفر بن أبي طالب عبد الله وعون ومحمد بنو جعفر، وأخواهم لأمهم يحيى بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن أبي بكر، وأمهم الخثعمية أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها.
    المؤاخاة:
    قال ابن إسحاق: آخى رسول الله r بين معاذ بن جبل وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما.

    قصة إسلام جعفر بن أبي طالب :
    عن يزيد بن رومان قال: أسلم جعفر بن أبي طالب t قبل أن يدخل رسول الله r دار الأرقم ويدعو فيها. فقد أسلم بعد إسلام أخيه عليّ t بقليل. وروي أن أبا طالب رأى النبي r وعليًّا t يصليان، وعليّ t عن يمينه، فقال لجعفر t: "صل جناح ابن عمك، وصلِّ عن يساره". قيل: أسلم بعد واحد وثلاثين إنسانًا، وكان هو الثاني والثلاثين. وله هجرتان: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة.

    أهم ملامح شخصية جعفر بن أبي طالب :

  3. أبو المساكين :
    عن أبي هريرة t أن الناس كانوا يقولون: أكثرَ أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله r بشبعِ بطني حتى لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب t، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيء، فنشُقُّها فنلعق ما فيها. وقد كنَّاه النبي r بأبي المساكين؛ لأنه كان يلازمهم.
    وعن أبي هريرة t قال: ما احتذى النعال ولا انتعل، ولا ركب المطايا بعد رسول الله r أفضل من جعفر بن أبي طالب t.
    ذو الجناحين وطيار الجنة :
    عن الشعبي أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
    وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "أُريت جعفرًا ملكًا يطير بجناحيه في الجنة".
    وعن البراء بن عازب t قال: لما أتي رسول الله r قتل جعفر، داخله من ذلك، فأتاه جبريل فقال: "إن الله تعالى جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة".

    من أهل السفينة والهجرتين :

  4. عن أبي موسى t قال: بلغنا مخرج النبي r ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، في اثنين وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا، فوافقنا النبي r حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا (يعني لأهل السفينة): سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس -رضي الله عنهما- وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي r زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: آلحبشية هذه؟! آلبَحْرِيَّة هذه؟!
    قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله r منكم. فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله r يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البُعَداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله r، وايم الله لا أطعم طعامًا، ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله r، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي r، وأسأله -والله- لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه.
    فلما جاء النبي r قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا. قال: "فما قلتِ له؟" قالت: قلت له: كذا وكذا. قال: "ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان". قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي r.
    وعن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده t قال: وهاجر (أي: جعفر) إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ومعه امرأته أسماء بنت عميس، فلم يزل بأرض الحبشة حتى هاجر رسول الله r إلى المدينة، ثم هاجر إليه وهو بخيبر، فقال رسول الله r: "لا أدري بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر".

    شبيه رسول الله r :

  5. عن علي t قال: قال رسول الله r لجعفر: "أشبهت خُلُقي وخَلْقي".
    بعض مواقف جعفر بن أبي طالب مع الرسول r :
    عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: وجّه رسول الله r جعفر بن أبي طالب t إلى بلاد الحبشة، فلما قدم اعتنقه وقبَّل ما بين عينيه، ثم قال: "ألا أهب لك؟ ألا أبشرك؟ ألا أمنحك؟ ألا أتحفك؟" قال: نعم يا رسول الله. قال: "تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة، ثم تقول بعد القراءة وأنت قائم قبل الركوع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولهن عشرًا، تمام هذه الركعة قبل أن تبتدئ بالركعة الثانية، تفعل في الثلاث ركعات كما وصفت لك حتى تتم أربع ركعات".
    وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب t من أرض الحبشة لقيه النبي r، فقال: "أخبرني بأعجب شيء رأيته بأرض الحبشة". قال: مرت امرأة على رأسها مكتل فيه طعام، فمر بها رجل على فرس فأصابها فرمى به، فجعلت أنظر إليها وهي تعيده في مكتلها، وهي تقول: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه، فيأخذ للمظلوم من الظالم. فضحك النبي r حتى بدت نواجذه، فقال: "كيف تُقدس أمة لا تأخذ لضعيفها من شديدها حقه وهو غير متعتع".

    بعض مواقف جعفر بن أبي طالب مع الصحابة :
    مع أخيه عليّ وزيد :
    قال رسول الله r يوم خرج من مكة عام عمرة القضاء وتبعتهم ابنة حمزة -رضي الله عنها- تنادي: يا عم، يا عم. فأخذها علي t وقال لفاطمة رضي الله عنها: دونك ابنة عمك. فاحتملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهما في أيهم يكفلها، فكل أدلى بحجة، فقال علي t: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي. وقال زيد: ابنة أخي. وقال جعفر بن أبي طالب t: ابنة عمي وخالتها تحتي. يعني أسماء بنت عميس، فقضى بها النبي r لخالتها، وقال: "الخالة بمنزلة الأم". وقال لعلي t: "أنت مني وأنا منك". وقال لجعفر t: "أشبهت خُلُقي وخَلْقي". وقال لزيد t: "أنت أخونا ومولانا".
    بعض مواقف جعفر بن أبي طالب مع التابعين :

  6. مع النجاشي :
    حينما هاجر المسلمون إلى الحبشة وعلم كفار مكة بذلك، قاموا على الفور بإرسال وفد قرشيٍّ إلى الحبشة، محمَّلاً بالهدايا إلى النجاشي ليردَّ لهم المسلمين، وأخبر الوفد القرشي النجاشي أن هؤلاء المسلمين غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدينٍ مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم. ولكن النجاشي الملك العادل أراد أن يسمع الطرف الآخر (المسلمين)؛ كي يحكم بينهم، فأرسل إليهم فحضروا، وكان المتحدث عن
    المسلمين جعفر بن أبي طالب t، فدار هذا الحوار:
    النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ جعفـر: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألاَّ نظلم عندك أيها الملك.

  7. النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟
    جعفـر: نعم. وقرأ عليه صدرًا من كهيعص (سورة مريم).
    فبكى النجاشي حتى أَخْضَلَ لحيته وبكت أساقفته حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا، ولا أكاد.
    وأسلم النجاشي سرًّا؛ خوفًا على نفسه، وحفاظًا على ملكه، وعلى المسلمين من التقتيل والترويع والإخراج.

    أثر جعفر بن أبي طالب في الآخرين :
    هاجر إلى الحبشة فأسلم النجاشي وعدد من أهلها على يديه، وكان له في الحبشة موقف متميز، دافع فيه عن الإسلام دفاعًا مؤثرًا أمام النجاشي، عندما جاء عمرو بن العاص على رأس وفد من قريش يطلب إخراج المسلمين منها، فاقتنع النجاشي عند ذلك بالإسلام، ورفض طلب القرشيين، وأعلن إسلامه وحمى المسلمين في بلاده.

    بعض كلمات جعفر بن أبي طالب :
    عن ابن إسحاق في قصة جعفر بن أبي طالب t أنه قاتل يوم مؤتة وهو يقول:
    يـا حبذا الجنـة واقترابـهـا *** طيـبة وبـارد شـرابـهـا
    والروم روم قد دنـا عذابـها *** عليَّ إذ لاقيتـهـا ضـرابهـا
    استشهاد جعفر بن أبي طالب :

    عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أمَّر رسول الله r في غزوة مؤتة زيد بن حارثة t، فقال رسول الله r: "إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة". قال عبد الله t: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب t فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعًا وتسعين من طعنة ورمية.
    وعن أنس t أن النبي r نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم".
    وذكر عن عبد الله بن جعفر t أنه قال: أنا أحفظ حين دخل رسول الله r على أمي، فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي وعيناه تهريقان الدموع حتى تقطر لحيته، ثم قال: "اللهم إن جعفرًا قدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته أحسن ما خلفت أحدًا من عبادك الصالحين في ذريته".
    وقال حسان بن ثابت t يرثي جعفرًا t:
    وكنا نرى في جعفـر من محمـد *** وفاء وأمرًا صارمًا حيث يؤمر
    فلا زال في الإسلام من آل هاشم *** دعائم عز لا تـزول ومفخـر


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15-03-2024, 11:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
حمزة بن عبدالمطلب (6)
الشيخ صلاح نجيب الدق



الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما بعد:
فإن حمزة بن عبدالمطلب هو أحد أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذين مدَحَهم الله تعالى في كتابه العزيز قائلًا: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]؛ من أجل ذلك أحببْتُ أن أُذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته المباركة.
الاسم والنسب:

هو: حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قُصي بن كلاب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.
أم حمزة: هالة بنت أهيب بن عبدمناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، وهي ابنة عم آمنة بنت وهب بن عبدمناف، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ5)، و(الإصابة للعسقلاني، جـ1، صـ353).
ميلاد حمزة: ولد حمزة بن عبدالمطلب قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بأربع سنوات؛ (الإصابة لابن حجر العسقلاني، جـ1، صـ353).
كنية حمزة: أبو يعلى، وأبو عمارة؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ5).
أولاد حمزة وزوجاته: كان لحمزة من الولد: يعلى- وكان يُكنَّى به حمزة أبا يعلى - وعامرٌ، وأمهما: بنت الملة بن مالك بن عبادة، من الأنصار، وعمارة بن حمزة - وقد كان يُكنَّى به أيضًا - وأمه: خولة بنت قيس الأنصارية، وأمامة بنت حمزة، وأمها: سلمى بنت عميس، أخت أسماء بنت عميس الخثعمية، وأمامة هي التي اختصم فيها عليٌّ وجعفر وزيد بن حارثة، وأراد كل واحد منهم أن تكون عنده، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر؛ من أجل أن خالتها أسماء بنت عميس كانت عنده، وزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة بن عبدالأسد المخزومي؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ5).
إسلام حمزة:
أسلم حمزة بن عبدالمطلب في السنة السادسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حمزة بن عبدالمطلب، وزيد بن حارثة؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ6)، (الاستيعاب لابن عبدالبر، جـ1، صـ271).
صفة إسلام حمزة:


مرَّ أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، فآذاه وشتَمه، ونال منه بعضَ ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف لأمره، فلم يُكلِّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاةٌ لعبدالله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمَد إلى نادٍ من قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشِّحًا - أي: متقلِّدًا - قوسَه، راجعًا من قنص (الصيد) له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصِل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمرَّ على نادٍ من قريش إلا وقف وسلَّم، وتحدَّث معهم، وكان أعزَّ فتًى في قريش، وأشد شكيمةً، فلما مرَّ بالمولاة، وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقي ابنُ أخيك محمدٌ آنفًا من أبي الحكم بن هشام وجنده، ها هنا جالسًا فآذاه وسبَّه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يُكلِّمه محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، مُعِدًّا لأبي جهل إذا لقِيه أن يُوقع به، فلما دخل المسجد نظَر إليه جالسًا في القوم، فأقبَل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس، فضرَبه بها فشجَّه شجةً منكرةً، ثم قال: أتَشتمه وأنا على دينه؛ أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك عليَّ إن استطعت؛ فقامت رجالٌ من بني مخزوم إلى حمزة؛ لينصُروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة؛ فإني والله قد سببتُ ابن أخيه سبًّا قبيحًا، وتَمَّ حمزة رضي الله عنه على إسلامه، وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما أسلم حمزة عرَفت قريشٌ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزَّ وامْتَنع، وأن حمزة سيمنعه؛ فكفُّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه؛ (سيرة ابن هشام، جـ1، صـ241:240).

جهاد حمزة:
جاهد حمزة بن عبدالمطلب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأبواء، وذي العشيرة، وبني قينقاع، وحضر غزوة بدر، واستُشهِد رضي الله عنه في غزوة أحد؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ6:5).

مناقب حمزة:

روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: ((لا تحِلُّ لي، يَحرُم من الرَّضَاع ما يحرُم من النَّسَب، هي بنْتُ أخي من الرَّضَاعة))؛ (البخاري حديث: 2645، مسلم، حديث: 1447)
استشهاد حمزة:

روى البخاري عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: خرجت مع عبيدالله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيدالله بن عدي: هل لك في وحشي؛ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشيٌّ يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره، فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا فردَّ السلام، قال عبيدالله: ألا تُخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حرٌّ، قال: فلما أن خرج الناس عام عينين - وعينين: جبلٌ بحيال؛ أي: من ناحية جبل أحد، بينه وبينه وادٍ - خرجت مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال، خرج سباعٌ، فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبدالمطلب، فقال: يا سباع، يا بن أم أنمار مُقطِّعة البظور - أي: إن أمَّه كانت تختن النساء - أتحادَّ الله - أي: تعاديه - ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم شدَّ عليه، فكان كأمس الذاهب - كناية عن قتله في الحال - قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحَرْبتي، فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلامُ، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل - أي: لا يصيبهم بأذًى - قال: فخرجت معهم حتى قدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: ((آنت وحشيٌ))، قلت: نعم، قال: ((أنت قتلتَ حمزة؟))، قلت: قد كان من الأمر ما بلَغك، قال: ((فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني))، قال: فخرَجت، فلما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مُسيلمة الكذَّاب، قلت: لأخْرُجَنَّ إلى مُسيلِمة، لعلِّي أقتُله فأُكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجلٌ قائمٌ في ثلمة جدار - أي: خلل وتصدع فيه - كأنه جملٌ أورق - أي: لونه مثل الرماد من غبار الحرب - ثائر الرأس، قال: فرميته بحَرْبتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثَب إليه رجلٌ من الأنصار، فضربه بالسيف على هامَته، قال: قال عبدالله بن الفضل - أحد رواة الحديث -: فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمِع عبدالله بن عمر يقول: "فقالت جاريةٌ على ظهر بيت: وأمير المؤمنين - تعني مُسيلمة الكذَّاب - قتله العبد الأسود - أرادت به وحشيًّا رضي الله عنه)؛ (البخاري حديث: 4072).
وقُتِل حمزة بن عبدالمطلب يوم غزوة أحد في شهر شوال، سنة ثلاث من الهجرة، وهو يومئذٍ ابن تسع وخمسين سنةً؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ6).
دُفِن حمزة بن عبدالمطلب وعبدالله بن جحش في قبر واحد؛ وحمزة خال عبدالله بن جحش، ونزل في قبر حمزة: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوَّام رضي الله عنهم؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ6).
رثاء صفية لأخيها حمزة:
قالت صفية بنت عبدالمطلب تبكي أخاها حمزة بن عبدالمطلب، وهي أم الزبير بن العوام عمة النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين:
أَسَائِلَةٌ أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً
بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ.

فَقَالَ الْخَبِيرُ إِنَّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى
وَزِيرُ رَسُولِ اللَّهِ خَيْرُ وَزِيرِ.

دَعَاهُ إِلَهُ الْحَقِّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً
إِلَى جَنَّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ.

فَذَلِكَ مَا كُنَّا نُرَجِّي وَنَرْتَجِي
لِحَمْزَةَ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرَ مَصِيرِ.

فَوَاللَّهِ لَا أَنْسَاكَ مَا هَبَّتِ الصَّبَا
بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي.

عَلَى أَسَدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ مِدْرَهَا
يَذُودُ عَنِ الْإِسْلَامِ كُلَّ كَفُورِ.

فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي
لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ.

أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النَّعِيُّ عَشِيرَتِي
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِيرِ.
• الأعجم: الذي لا يُفصح، الصَّبا: ريح شرقية.
• مسيري: أي غيابي، المدرة: الذي يدفع عن القوم.
• يذود: يمنع، الشلو: البقية، تعتادني: تتعاهدني.
• النعي: الذي يأتي بخبر الميت؛ (سيرة ابن هشام، جـ3، صـ136:135).
رحم الله تعالى حمزة بن عبدالمطلب، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17-03-2024, 01:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
سيرة خالد بن الوليد (7)


باسل حلو






محتويات
١ خالد بن الوليد سيف الله المسلول
  • ٢ صفات خالد بن الوليد
    • ٢.١ صفات خالد بن الوليد الخَلقيّة
    • ٢.٢ صفات خالد بن الوليد الخُلقيّة
  • ٣ عائلة خالد بن الوليد
  • ٤ إسلام خالد بن الوليد
  • ٥ المعارك والغزوات التي شارك فيها خالد بن الوليد
    • ٥.١ غزوة مؤتة
    • ٥.٢ فتح مكة
    • ٥.٣ غزوة حُنين
    • ٥.٤ معركة دومة الجندل
    • ٥.٥ نجران واليمن
    • ٥.٦ معركة اليرموك
    • ٥.٧ معارك أخرى شارك بها خالد بن الوليد
  • ٦ وفاة خالد بن الوليد
  • ٧ دروسٌ مستفادةٌ من حياة خالد بن الوليد
  • ٨ المراجع
خالد بن الوليد سيف الله المسلول

هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بن يقظة بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، ويكنّى بأبي سليمان، وأمّه لبابة بنت الحارث، أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، مدحه رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- قائلاً عنه: (نعمَ عبدُ اللهِ خالدُ بنُ الوليدِ سيفٌ من سيوفِ اللهِ)،[١] وكان إسلامه قبل فتح مكة.[٢]
وكان والده سيداً في قريش، ولُقّب بريحانة قريش، يلتقي نسبه بالرسول -عليه الصلاة والسلام- بمُرّة بن كعب، وقد كان -رضي الله عنه- حريصاً على تربية أبنائه على الفروسية، والحرب، واستخدام الأسلحة، كما كان شديد العداء لرسالة الإسلام وللرسول قبل إسلامه.[٣]
خالد بن الوليد هو خالد بن الوليد بن المغيرة، لقّبه رسول الله بسيف الله المسلول؛ وذلك لشجاعته، وقد أسلم قبل الفتح.
صفات خالد بن الوليد
صفات خالد بن الوليد الخَلقيّة

تمتّع خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بقوةٍ في جسمه، إلّا أنّه لم يتم الوقوف على نصٍّ يبيّن ذلك إلاّ قوله عن نفسه: (قَدِ انْقَطَعَتْ في يَدِي يَومَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أسْيَافٍ فَما بَقِيَ في يَدِي إلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ)،[٤] وقد ورد ما يبيّن التشابه في البنية الجسدية لخالد مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- بدليل خلط بعض الناس بينهما.[٥]
صفات خالد بن الوليد الخُلقيّة



تحلّى خالد بن الوليد بمجموعةٍ من الصفات الخُلقيّة العظيمة، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:[٥]
  • الكرم والجود: فقد اشتُهر خالد بالكرم وحب العطاء، فكان يهب العطايا لأشراف العرب من ماله الخاص، وكان -رضي الله عنه- محبّاً مضحّياً بنفسه مؤثراً الآخرين على نفسه؛ طمعاً في نيل الأجر والثواب من الله -سبحانه-.
  • الرأي والحكمة: فكان خالد -رضي الله عنه- صاحب رأيٍ ومشورةٍ، وعُرف عنه عمق التفكير، إذ لا يُصدر رأيه إلّا عن تبصّرٍ ورويّةٍ.
  • الشجاعة: فكان ابن الوليد مضرب مثلٍ عبر العصور في شجاعته، ثابتٌ ومثبّتٌ لغيره، فقال أبو بكر فيه: "عجزت النساء أن يُنشئن مثل خالد".[٦]
  • العلم: كان خالد بن الوليد على علمٍ بأحكام الجهاد؛ لحاجته إليه وقيامه له، إلّا أنّه لم يكن على قدرٍ كافٍ من العلم بالعلوم الأخرى مقارنةً مع غيره من الصحابة الذين رافقوا النبي -عليه الصلاة والسلام- مدةً أطول.
  • الفصاحة والبلاغة: كان خالد -رضي الله عنه- خطيباً مفوّهاً فصيحاً، فقد ألقى خطبةً بعد مبايعة أبي بكر الصديق أثنى فيها عليه، وأثنى على خطبته أحد الشعراء.[٧]
يتلخّص مما سبق أنّ خالد -رضي الله عنه- تميّز بالقوة الجسمية، وكان شجاعاً، فصيحاً، كريماً، حكيماً، وتحلّى بالعلم والبلاغة.
عائلة خالد بن الوليد
فيما يأتي ذكر زوجات خالد -رضي الله عنه- وأبنائه:[٥]
  • كبشة بنت هوذة بن أبي عمر: وأنجبت له سليمان.
  • أم تميم الثقفية: وأنجبت له عبد الله الأول، وقد مات قتلاً في العراق.
  • ابنة أنس بن مدرك: وأنجبت له عبد الرحمن والمهاجر وعبد الله الأكبر، وكان عبد الرحمن من أشهر أبنائه، فقد أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- في حياته، وشارك في معركة اليرموك مع أبيه، كما تقرّب من الخليفة معاوية بن أبي سفيان زمن خلافته وكان من أبرز مقاتلي الشام، وشهد على وثيقة الصلح بين معاوية وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وشارك أيضاً مع أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- في قتال الروم، ونال مدح وثناء بعض الشعراء.
تزوّج خالد من ثلاث نساء هنّ: كبشة، وأم تميم، وبنت أنس بن مدرك، وله خمس أولاد، أشهرهم عبد الرحمن بن خالد.
إسلام خالد بن الوليد

اعتنق خالد بن الوليد الإسلام بعد أن جاوز الأربعين سنةً من عمره، وكان ذلك بعد أن أرسل له أخوه رسالةً خاطبه فيها قائلاً: "سألني رسول الله عنك، فقال أين خالد؟ فقلت: يأتي به الله، فقال: ما مِثلُه جَهِلَ الإسلامَ، ولو كان يجعل نِكايتَهُ مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولَقَدَّمْناهُ على غَيرِه، فاستدرك يا أخي ما فاتك منه فقد فاتتك مواطن صالحة".[٨]
فخرج خالد على فرسه متّجهاً إلى المدينة، وسار معه عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة، ووصلوا إلى الرسول، وكان ذلك في اليوم الأول من شهر صفر في السنة الثامنة للهجرة، فلما دخلوا على رسول الله سلّموا عليه، وردّ عليهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- باستبشارٍ، وطلب منه خالد أن يستغفر له، ففعل.[٩]
أسلم خالد -رضي الله عنه- في السنة الثامنة للهجرة، وكان عمره أربعين سنة، فذهب للنبيّ مع عمرو بن العاص وأعلنوا إسلامهم، ففرح النبيّ واستبشر بهما.
المعارك والغزوات التي شارك فيها خالد بن الوليد
غزوة مؤتة
وقعت غزوة مؤتة بعد مقتل الصحابي الحارث بن عمير الأزدي الذي بعثه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- إلى هِرَقل ليدعوه إلى الإسلام وتوحيد الله تعالى؛ فقتلوه، وبعدها سيّر الرسول جيشاً من المدينة نحو بلاد الشام بقيادة زيد بن حارثة مع ثلاثة آلاف مقاتل، وعيّن الرسول جعفر بن أبي طالب بعد زيد ثمّ عبد الله بن رواحة، وكان خالد -رضي الله عنه- أحد جنود المعركة، ووصلوا إلى معان وأقاموا فيها ليلتين ووصلتهم الأخبار بكثرة عدد الروم، واستُشهد القادة الثلاثة في المعركة.[١٠]
وسُلّمت الراية لخالد بن الوليد، فأخذ على عاتقه إخراج المسلمين من القتال بأقل الخسائر الممكنة، فأعاد ترتيب الجيش بخطةٍ تُوهم العدو بوصول مددٍ للمسلمين، فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، واستبدل مقدّمة الجيش بالمؤخّرة، كما كان -رضي الله عنه- مندفعاً للقتال والجهاد ممّا كان سبباً في إثارة الحميّة في صفوف المسلمين، وشنّ هجماتٍ سريعةٍ متواليةٍ على العدو.[١٠]
واستطاع خالد أن يخرج القوة الأكبر للمسلمين ثمّ المؤخرة دون قدرة العدو على مطاردة المسلمين؛ اعتقاداً منهم بوصول إمداداتٍ إليهم، ولم تلحق بهم الكثير من الخسائر مقابل خسائر الروم، وكان الرسول في المدينة يروي أخبار المعركة للمسلمين، إلى أن قال -عليه الصلاة والسلام-: (ثمَّ أخذ الرَّايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ خالدُ بنُ الوليدِ ففتح اللهُ عليه)،[١١] وبذلك لُقّب خالد بن الوليد بسيف الله.[١٠]
فتح مكة

وقع فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وذلك بعد أن نقض المشركون صلح الحديبية، فتجهّز النبي والمسلمون لدخول مكة، وتجهّز الجيش بأربع مجموعاتٍ، وجعل النبي -عليه السلام- خالد بن الوليد أميراً على الميمنة ليدخل مكة من الجنوب باتجاه الشمال، وأوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعدم قتل أي أحدٍ إلّا من قاتل.[١٢]
إلّا أنّ عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو تجمّعوا مع مجموعةٍ من المشركين لاعتراض خالد بن الوليد ومن معه من المسلمين، فوقع القتال بين الفريقين ونجم عنه قتل ثلاثة عشر رجلاً من المشركين واستشهاد ثلاثةٍ من المسلمين، وتجمعت كلّ قوات المسلمين في مكة، وأخذوا يطوفون حول البيت مكبّرين، ثمّ بعث رسول الله خالد بن الوليد مع ثلاثين فارساً بمهمة هدم صنم العزى الذي كان أعظم صنم عند قريش وبني كنانة، فنفّذ خالد المهمة.[١٢]
غزوة حُنين
قاتل خالد مع المسلمين في غزوة حُنين وكان في مقدمتهم، وأُصيب بجراحاتٍ بليغةٍ، ذلك أنّ قبيلة هوازن قد نصبت لهم الكمائن في الطرق، وعلى الرغم من إصابته إلّا أنه كان ممتثلاً لأمر الرسول، فقاتل حتى كان النصر حليفاً للمسلمين، وبعد ذلك كلّف الرسول خالد -رضي الله عنه- بقيادة ألف مقاتلٍ في مهمة السير إلى الطائف لإتمام غزوة حُنين، إذ كانت تلك الطليعة إلى الطائف امتداداً لغزوة حُنين.[١٣]
معركة دومة الجندل
أرسل الرسول -عليه الصلاة والسلام- السرايا إلى المناطق المجاورة لمنطقة تبوك، ذلك بعد أن سار مع المسلمين لقتال الروم حين علم بعزم هرقل ومن معه على قتاله، ومن تلك السرايا سرية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل الذي كان على الدين النصراني، فنصب خالد له كميناً واستطاع بذلك أخذ أكيدر أسيراً إلى رسول الله، فصالحه النبي على الجزية وأطلق سراحه، ثمّ بعث الرسول خالد -رضي الله عنه- لهدم صنم ودّ الواقع في دومة الجندل، إلّا أنّ القوم منعوه من ذلك فقاتلهم إلى أن هدم الصنم.[١٤]
نجران واليمن

أرسل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى نجران لدعوة قوم بني الحارث بن كعب إلى الإسلام، وأمرهم الرسول بدعوتهم ثلاثة أيامٍ ثمّ قتالهم إن لم يقبلوا الدعوة، فأسلموا وامتثلوا لدعوة خالد بن الوليد ولم يقاتلهم، ووصل الخبر إلى رسول الله، وبقي خالد -رضي الله عنه- في نجران يعلّم القوم أمور الدين ورسالة الإسلام، ثمّ رجع خالد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مع المسلمين من بني الحارث، كما بُعث خالد لدعوة قبيلة همدان في اليمن وأقام فيها ستة أشهرٍ، إلّا أنّها لم تستجب لدعوته، فأرسل الرسول -عليه الصلاة والسلام- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يدعوهم فاستجابوا له.[١٥]
معركة اليرموك
قاد خالد بن الوليد -رضي الله عنه- جيش المسلمين في معركة اليرموك التي وقعت في السنة الثالثة عشر للهجرة النبوية، وسمّيت بذلك نسبةً إلى وادي اليرموك الذي وقعت فيه المعركة، وقال أبو بكر في خالد: "والله لأشغلنّ النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد"، وقد قسّم خالد -رضي الله عنه- الجيش إلى ثلاث فرقٍ، وجعل عليها أبا عبيدة عامر بن الجراح وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان، وحثّ خالد المسلمين على القتال مبيّناً لهم أنّ النصر لا يكون إلّا فضلاً من الله -سبحانه-، وتحقّق النصر للمسلمين على الروم.[١٦]
معارك أخرى شارك بها خالد بن الوليد
خاض خالد بن الوليد -رضي الله عنه- أكثر من مئة قتالٍ في حياته، سواءً قبل الإسلام أم بعده، أولها في مكة المكرمة وآخرها في قنسرين، ومن المواقف التي شارك فيها:[١٧]
  • يوم اليمامة.
  • يوم مقتل مسيلمة.
  • حروب المرتدين.
  • ذات السلاسل.
  • المزار.
  • الولجة.
  • أليس.
  • مفيشا.
  • عين التمر.
  • الأنبار.
  • موقعة عقرباء.
  • فتوحات العراق والشام.
  • معارك دمشق وحمص.
يتلخّص مما سبق أنّ خالد -رضي الله عنه- كان صحابياً شجاعاً قائداً، وشارك في الكثير من الغزوات، أهمّها: فتح مكة، وغزوة مؤتة، وغزوة حنين، ومعركة اليرموك، وفتوحات الشام والعراق، وحروب المرتدّين، وغيرها الكثير من الفتوحات.
وفاة خالد بن الوليد
مات خالد بن الوليد بحمص، في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة إحدى وعشرين للهجرة،[١٨] وقيل إنّ وفاته كانت في المدينة المنورة،[١٩] وقد مات وهو في سن الخامسة والخمسين من عمره، ولم يترك خلفه إلّا فرسه وسلاحه وكان قد أوقفهما للجهاد في سبيل الله،[٢٠] وحين احتضرته الوفاة بكى وقال: "لقيت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي شبر إلّا وفيه ضربة بسيفٍ، أو رمية بسهمٍ، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء".[٢١]
توفّي خالد -رضي الله عنه- في المدينة سنة 21 للهجرة، وكان عمره 55 عاماً، وقد بكى عند احتضاره لأنّه مات مرضاً على فراشه لا في المعارك والغزوات.
دروسٌ مستفادةٌ من حياة خالد بن الوليد
إنّ الصحابة -رضي الله عنهم- من أبرز القدوات للمسلمين، إذ إنّهم عايشوا الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وفيما يأتي بيانٌ لبعض الدروس والعِبر المستفادة من حياة خالد بن الوليد -رضي الله عنه-:[٢٢]
  • عزّة الأفراد ومنعتهم تتحقّق بالإسلام، والعودة إليه، والاهتداء بهديه والسير على ما نصّ عليه من الأوامر.
  • تعليم الأجيال أهمية الإقدام والبطولة والشجاعة، فقد قدّم ابن الوليد -رضي الله عنه- دروساً عظيمةً في فنون الحرب والخُدعة والكرّ والفرّ في القتال، ووضع الخطط بنظرةٍ شاملةٍ ثاقبةٍ.
  • الدنيا بالنسبة للمؤمن بمثابة ممرٍ يعبر به إلى الحياة الآخرة.
  • المؤمن يديم العمل الصالح طمعاً في نيل رضى الله -تعالى-.
يتعلّم المسلم من شخصية خالد -رضي الله عنه- الشجاعة والعِزّة والبطولة، والثبات على الحق، والعمل للآخرة، والحرص على أن يكون هدفه في الحياة هو كسب رضى الله -عز وجل-.
المراجع


↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3846، صحيح.
  1. ↑ أبو نعيم الأصبهاني، معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، السعودية: دار الوطن، صفحة 925-926، جزء 1. بتصرّف.
  2. ↑ بسام العسلي (2012)، قادة فتح بلاد الشام والعراق (الطبعة الأولى)، بيروت- لبنان: دار النفائس، صفحة 149. بتصرّف.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن قيس بن أبي حازم، الصفحة أو الرقم: 4265، صحيح.
  4. ^ أ ب ت عبد العزيز العمري (2010-9-7)، "جوانب من الحياة الشخصية لخالد بن الوليد "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-20. بتصرّف.
  5. ↑ بسام العسلي (2012)، قادة فتح بلاد الشام والعراق (الطبعة الأولى)، بيروت- لبنان: دار النفائس، صفحة 137. بتصرّف.
  6. ↑ خير الدين الزركلي (2002)، الأعلام (الطبعة الخامسة عشر)، بيروت -لبنان: دار العلم للملايين، صفحة 300، جزء 2. بتصرّف.
  7. ↑ بسام العسلي (2012)، قادة فتح بلاد الشام والعراق (الطبعة الأولى)، بيروت-لبنان: دار النفائس، صفحة 147-148، جزء 1. بتصرّف.
  8. ↑ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (2009)، صفة الصفوة (الطبعة الأولى)، القاهرة - مصر: دار الحديث، صفحة 250-251، جزء 1. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت بسام العسلي (2012)، قادة فتح بلاد الشام والعراق (الطبعة الأولى)، بيروت، لبنان: دار النفائس، صفحة 155-156، جزء 1. بتصرّف.
  10. ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 3/192، إسناده صحيح.
  11. ^ أ ب بسام العسلي (2012)، قادة فتح بلاد الشام والعراق (الطبعة الأولى)، بيروت -لبنان: دار النفائس، صفحة 157-158. بتصرّف.
  12. ↑ الفتوى: 78063 (2006-10-16)، "موقف خالد بن الوليد يوم حنين"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-25. بتصرّف.
  13. ↑ بسام العسلي (2012)، قادة فتح بلاد الشام والعراق (الطبعة الأولى)، بيروت- لبنان: دار النفائس، صفحة 160-161. بتصرّف.
  14. ↑ محمد يوسف الكاندهلوي (1999)، حياة الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت - لبنان: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 144-146، جزء 1. بتصرّف.
  15. ↑ عبد الستار المرسومي (2013-06-19)، "معركة اليرموك معركة غيّرت مسار التاريخ"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  16. ↑ أنور الجندي، من أعلام الإسلام (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع الدار القومية، صفحة 18. بتصرّف.
  17. ↑ البغوي (2000)، معجم الصحابة (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة دار البيان، صفحة 223، جزء 2. بتصرّف.
  18. ↑ فتوى رقم 41526 (2003-12-18)، "اختلاف المؤرخين في محل قبر خالد"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-24. بتصرّف.
  19. ↑ أنور الجندي، من أعلام الإسلام (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع الدار القومية، صفحة 22. بتصرّف.
  20. ↑ شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء (الطبعة الأولى)، موقع الكتروني: موقع الكتروني، صفحة 382، جزء 1. بتصرّف.
  21. ↑ حسين بن سعيد الحسنية، "هكذا علمنا خالد"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-24.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18-03-2024, 02:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان




اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
الإمام البخاري .. رحلة مع الخلود (8)


أحمد تمام

نهض بالحديث النبوي دراية ورواية رجال نابهون من العرب أو من أصول غير عربية، لكن الإسلام رفع أصلهم، وأعلى العلم ذكرهم، وبوأهم ما يستحقون من منزلة وتقدير؛ فهم شيوخ الحديث وأئمة الهدى، ومراجع الناس فيما يستفتون.وكان الإمام البخاري واحدًا من هؤلاء، انتهت إليه رئاسة الحديث في عصره، وبلغ تصنيف الحديث القمة على يديه، ورُزِق كتابه الجامع الصحيح إجماع الأمة بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، واحتل مكانته في القلوب؛ فكان العلماء يقرءونه في المساجد كما تتلى المصاحف، وأوتي مؤلفه من نباهة الصيت مثلما أوتي أصحاب المذاهب الأربعة، وكبار القادة والفاتحين.
المولد والنشأة

في مدينة “بخارى” وُلد “محمد بن إسماعيل البخاري” بعد صلاة الجمعة في (13 من شوال 194هـ = 4 من أغسطس 810م)، وكانت بخارى آنذاك مركزًا من مراكز العلم تمتلئ بحلقات المحدِّثين والفقهاء، واستقبل حياته في وسط أسرة كريمة ذات دين ومال؛ فكان أبوه عالمًا محدِّثًا، عُرِف بين الناس بحسن الخلق وسعة العلم، وكانت أمه امرأة صالحة، لا تقل ورعًا وصلاحًا عن أبيه.والبخاري ليس من أرومة عربية، بل كان فارسيَّ الأصل، وأول من أسلم من أجداده هو “المغيرة بن برد زبة”، وكان إسلامه على يد “اليمان الجعفي” والي بخارى؛ فنُسب إلى قبيلته، وانتمى إليها بالولاء، وأصبح “الجعفي” نسبًا له ولأسرته من بعده.نشأ البخاري يتيمًا؛ فقد تُوفِّيَ أبوه مبكرًا، فلم يهنأ بمولوده الصغير، لكن زوجته تعهدت وليدها بالرعاية والتعليم، تدفعه إلى العلم وتحببه فيه، وتزين له الطاعات؛ فشب مستقيم النفس، عفَّ اللسان، كريم الخلق، مقبلا على الطاعة، وما كاد يتم حفظ القرآن حتى بدأ يتردد على حلقات المحدثين.وفي هذه السنِّ المبكرة مالت نفسه إلى الحديث، ووجد حلاوته في قلبه؛ فأقبل عليه محبًا، حتى إنه ليقول عن هذه الفترة: “ألهمت حفظ الحديث وأنا في المكتب (الكُتّاب)، ولي عشر سنوات أو أقل”. كانت حافظته قوية، وذاكرته لاقطة لا تُضيّع شيئًا مما يُسمع أو يُقرأ، وما كاد يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك، ووكيع، وغيرها من كتب الأئمة المحدثين.
الرحلة في طلب الحديث
ثم بدأت مرحلة جديدة في حياة البخاري؛ فشدَّ الرحال إلى طلب العلم، وخرج إلى الحج وفي صحبته أمه وأخوه حتى إذا أدوا جميعًا مناسك الحج؛ تخلف البخاري لطلب الحديث والأخذ عن الشيوخ، ورجعت أمه وأخوه إلى بخارى، وكان البخاري آنذاك شابًّا صغيرًا في السادسة عشرة من عمره.وآثر البخاري أن يجعل من الحرمين الشريفين طليعة لرحلاته؛ فظل بهما ستة أعوام ينهل من شيوخهما، ثم انطلق بعدها ينتقل بين حواضر العالم الإسلامي؛ يجالس العلماء ويحاور المحدِّثين، ويجمع الحديث، ويعقد مجالس للتحديث، ويتكبد مشاق السفر والانتقال، ولم يترك حاضرة من حواضر العلم إلا نزل بها وروى عن شيوخها، وربما حل بها مرات عديدة، يغادرها ثم يعود إليها مرة أخرى؛ فنزل في مكة والمدينة وبغداد وواسط والبصرة والكوفة، ودمشق وقيسارية وعسقلان، وخراسان ونيسابور ومرو، وهراة ومصر وغيرها…ويقول البخاري عن ترحاله: “دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين، وإلى البصرة أربع مرات، وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد”.

شيوخ الإمام البخاري


ولذلك لم يكن غريبًا أن يزيد عدد شيوخه عن ألف شيخ من الثقات الأعلام، ويعبر البخاري عن ذلك بقوله: “كتبت عن ألف ثقة من العلماء وزيادة، وليس عندي حديث لا أذكر إسناده”. ويحدد عدد شيوخه فيقول: “كتبت عن ألف وثمانين نفسًا ليس فيهم إلا صاحب حديث”.ولم يكن البخاري يروي كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ، بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ، ومن شيوخه المعروفين الذين روى عنهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو حاتم الرازي.
العودة إلى الوطن
وبعد رحلة طويلة شاقة لقي فيها الشيوخ ووضع مؤلفاته العظيمة، رجع إلى نيسابور للإقامة بها، لكن غِيْرَة بعض العلماء ضاقت بأن يكون البخاري محل تقدير وإجلال من الناس؛ فسعوا به إلى والي المدينة، ولصقوا به تهمًا مختلفة؛ فاضطر البخاري إلى أن يغادر نيسابور إلى مسقط رأسه في بخارى، وهناك استقبله أهلها استقبال الفاتحين؛ فنُصبت له القباب على مشارف المدينة، ونُثرت عليه الدراهم والدنانير.ولم يكد يستقر ببخارى حتى طلب منه أميرها “خالد بن أحمد الدهلي” أن يأتي إليه ليُسمعه الحديث؛ فقال البخاري لرسول الأمير: “قل له إنني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء فليحضرني في مسجدي أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان، فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أني لا أكتم العلم”.لكن الحاكم المغرور لم يعجبه رد البخاري، وحملته عزته الآثمة على التحريض على الإمام الجليل، وأغرى به بعض السفهاء ليتكلموا في حقه، ويثيروا عليه الناس، ثم أمر بنفيه من المدينة؛ فخرج من بخارى إلى “خرتنك”، وهي من قرى سمرقند، وظل بها حتى تُوفِّيَ فيها، وهي الآن قرية تعرف بقرية “خواجة صاحب.
مؤلفات الإمام البخاري

تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا، منها:
  • الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسننه وأيامه، المعروف بـ الجامع الصحيح.
  • الأدب المفرد: وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة.
  • التاريخ الكبير: وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ = 1943م).
  • التاريخ الصغير: وهو تاريخ مختصر للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ = 870م)، وطبع الكتاب لأول مرة بالهند سنة (1325هـ = 1907م).
  • خلق أفعال العباد: وطبع بالهند سنة (1306هـ = 1888م).
  • رفع اليدين في الصلاة: وطبع في الهند لأول مرة سنة (1256هـ = 1840م) مع ترجمة له بالأوردية.
  • الكُنى: وطبع بالهند سنة (1360هـ = 1941م).
  • وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعد، مثل: التاريخ الأوسط، والتفسير الكبير.
صحيح البخاري

هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع “الجامع الصحيح”.وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.وقد أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.
ومن أشهر شروح صحيح البخاري:
“أعلام السنن” للإمام أبي سليمان الخطابي، المُتوفَّى سنة (388هـ)، ولعله أول شروح البخاري.
  • “الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري” لشمس الدين الكرماني، المتوفَّى سنة (786هـ = 1348م).
  • “فتح الباري في شرح صحيح البخاري” للحافظ ابن حجر، المتوفَّى سنة (852هـ = 1448م).
  • “عمدة القاري شرح صحيح البخاري”لبدر الدين العيني سنة (855هـ = 1451م).
  • “إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري” للقسطلاني، المتوفَّى (923هـ= 1517م).
وفاة الإمام البخاري

شهد العلماء والمعاصرون للبخاري بالسبق في الحديث، ولقّبوه بأمير المؤمنين في الحديث، وهي أعظم درجة ينالها عالم في الحديث النبوي، وأثنوا عليه ثناءً عاطرًا..
فيقول عنه ابن خزيمة: “ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري”.وقال قتيبة بن سعيد: “جالست الفقهاء والعباد والزهاد؛ فما رأيت -منذ عقلت- مثل محمد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة”.وقبَّله تلميذه النجيب “مسلم بن الحجاج” -صاحب صحيح مسلم- بين عينيه، وقال له: “دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذِين، وسيد المحدِّثين، وطبيب الحديث في علله”.وعلى الرغم من مكانة البخاري وعِظَم قدره في الحديث فإن ذلك لم يشفع له عند والي بخارى؛ فأساء إليه، ونفاه إلى “خرتنك”؛ فظل بها صابرًا على البلاء، بعيدًا عن وطنه، حتى لقي الله في (30 رمضان 256هـ = 31 أغسطس 869م)، ليلة عيد الفطر المبارك.
هوامش ومصادر:
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد- مكتبة الخانجي- القاهرة (1349هـ= 1931م).
السبكي: طبقات الشافعية الكبرى- دار هجر- القاهرة (1413هـ= 1992م).
ابن حجر العسقلاني: فتح الباري في شرح صحيح البخاري (المقدمة)- دار الريان للتراث- القاهرة (1409هـ = 1988م).
يوسف الكتاني: الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث- مطبوعات مجلة الأزهر- القاهرة (1418هـ).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19-03-2024, 12:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
صلاح الدين الأيوبي وأخلاق الفرسان (9)


أحمد تمام

شاءت الأقدار أن يتولى صلاح الدين الأيوبي الوزارة للخليفة العاضد الفاطمي، سنة (564هـ = 1168م)، خلفا لعمه “أسد الدين شيركوه” الذي لم ينعم بالوزارة سوى أشهر قليلة، وبتوليه هذا المنصب تغيرت حركة التاريخ في القرن السادس الهجري، فسقطت دولة كانت في النزع الأخير، وتعاني سكرات الموت، وقامت دولة حملت راية الجهاد ضد الإمارات الصليبية في الشام، واستردت بيت المقدس من بين مخالبهم، بعد أن ظل أسيرا نحو قرن من الزمان.

صلاح الدين وزيرًا
شهدت السنوات الأخيرة من عمر الدولة الفاطمية في مصر صراعا محموما بين “شاور” و”ضرغام” على منصب الوزارة، ولم ينجح واحد منهما في حسم الصراع لمصلحته، والانفراد بالمنصب الكبير، فاستعان كل منهما بقوة خارجية تعينه على تحقيق هدفه؛ فاستعان ضرغام بالصليبيين، واستعان الآخر بنور الدين محمود سلطان حلب، فلبَّى الفريقان الدعوة، وبدأ سباق بينهما لاستغلال هذا الصراع كلٌّ لصالحه، والاستيلاء على مصر ذات الأهمية البالغة لهما في بسط نفوذهما وسلطانهما في تلك المنطقة.


وانتهى الصراع بالقضاء على الوزيرين المتنافسين سنة (564هـ = 1168م)، وتولى “أسد الدين شيركوه” قائد حملة نور الدين منصب الوزارة للخليفة العاضد الفاطمي، ثم لم يلبث أن تُوفي شيركوه فخلفه في الوزارة ابن أخيه صلاح الدين الذي كان في الثانية والثلاثين من عمره.
كانت المفارقة أن يتولى صلاح الدين الوزارة للدولة الفاطمية، وأن يدين في الوقت نفسه بالولاء لنور الدين الزنكي سلطان حلب التابع لدولة الخلافة العباسية، وتحولت مهمته من منع مصر من السقوط في أيدي الصليبيين إلى السعي في ردها إلى أحضان الخلافة العباسية.
ولم يكن لصلاح الدين من سابق الأعمال أو خبرة السنين ما يُسَهِّل عليه القيام بهذه المهمة الصعبة، لكنه نجح في أدائها على نحو يثير الإعجاب، والتقدير، واستعان في تحقيقها بوسائل جديدة تدل على فرط الذكاء وعمق البصيرة، وحسن التصرف، وقوة الإدراك والوعي بحركة التاريخ، وتفضيل التغيير السلمي الواعي على غيره من وسائل التغيير، وتهيئة الأجواء له حتى لا تصطدم به أي عوائق، حتى إذا وجد أن الفرصة المناسبة قد لاحت، وأن الأجواء مستعدة للإعلان عن التغيير، أقدم على خطوة شجاعة، فأعلن في الجمعة الأولى من شهر المحرم (567هـ = سبتمبر1171) قطْع الخطبة للخليفة الفاطمي الذي كان مريضًا وملازمًا للفراش، وجعلها للخليفة العباسي، فكان ذلك إيذانا بانتهاء الدولة الفاطمية، وبداية عصر جديد.

بناء الوحدة

قضى صلاح الدين السنوات الأولى بعد سقوط الدولة الفاطمية في تثبيت الدولة الجديدة، وبسط نفوذها وهيبتها على كل أرجائها، خاصة أن للدولة الفاطمية أنصارًا وأعوانًا ساءهم سقوطها، وأحزنهم إضعاف مذهبها الإسماعيلي، فناهضوا صلاح الدين، ودبروا المؤامرات للقضاء على الدولة الوليدة قبل أن يشتد عودها، وكان أشد تلك الحركات مؤامرة “عمارة اليمني” للقضاء على صلاح الدين، وفتنة في أسوان اشتعلت لإعادة الحكم الفاطمي، لكن تلك الحركات باءت بالفشل، وتمكَّن صلاح الدين من القضاء عليها تماما.
وبعد وفاة “نور الدين محمود” سنة (569هـ = 1174م) تهيأت الفرصة لصلاح الدين الذي يحكم مصر نيابة عنه، أن يتطلع إلى ضم بلاد الشام إلى حكمه؛ لتقوية الصف الإسلامي، وتوحيد الجهود استعدادا للوقوف أمام الصليبيين، وتحرير الأراضي المغتصبة من أيديهم، فانتهز فرصة استنجاد أحد أمراء دمشق به، فسار إلى دمشق، وتمكن من السيطرة عليها دون قتال سنة (570هـ = 1174م)، ثم على حمص وحماة وبعلبك، ثم أعلن عن استقلاله عن بيت نور الدين محمود وتبعيته للخلافة العباسية التي منحته لقب سلطان، وأصبح حاكما على مصر، ثم عاود حملته على الشام سنة (578هـ = 1182م)، ونجح في ضم حلب وبعض المدن الشامية، وأصبح شمال الشام كله تحت سيطرته، وتعهَّد حاكم الموصل بإرسال مساعدات حربية إذا طلب منه ذلك.
واستغرق هذا العمل الشاق من أجل توحيد الجبهة الإسلامية أكثر من عشر سنوات، وهي الفترة من سنة (570هـ = 1174م) إلى سنة (582هـ = 1186م)، وهي فترة لم يتفرغ فيها تماما لحرب الصليبيين.

من نصر إلى نصر

اطمأن الناصر صلاح الدين إلى جبهته الداخلية، ووثق تماما في قوتها وتماسكها، فانتقل إلى الخطوة الأخرى، وانصرف بكل قوته وطاقته إلى قتال الصليبيين، وخاض معهم سلسلة من المعارك كُلِّلت بالنصر، ثم توج انتصاراته الرائعة عليهم في معركة “حطين” سنة (583هـ = 1187م)، وكانت معركة هائلة أُسر فيها ملك بيت المقدس وأرناط حاكم حصن الكرك، وغيرهما من كبار قادة الصليبيين.
وترتب على هذا النصر العظيم، أن تهاوت المدن والقلاع الصليبية، وتساقطت في يد صلاح الدين؛ فاستسلمت قلعة طبرية، وسقطت عكا، وقيسارية، ونابلس، وأرسوف، ويافا وبيروت وغيرها، وأصبح الطريق ممهدا لأن يُفتح بيت المقدس، فحاصر المدينة المقدسة، حتى استسلمت وطلبت الصلح، ودخل صلاح الدين المدينة السليبة في (27 من رجب 583هـ = 2 من أكتوبر 1187م)، وكان يوما مشهودا في التاريخ الإسلامي.
ارتجت أوروبا لاسترداد المسلمين لمدينتهم المقدسة، وتعالت صيحات قادتهم للأخذ بالثأر والانتقام من المسلمين، فأرسلت حملة من أقوى حملاتهم الصليبية وأكثرها عددا وعتادا، وقد تألفت من ثلاثة جيوش ألمانية وفرنسية وإنجليزية، نجح جيشان منها في الوصول إلى موقع الأحداث، في حين غرق ملك ألمانيا في أثناء عبوره نهرًا بآسيا الصغرى، وتمزق شمل جيشه.
استطاع الجيش الفرنسي بقيادة “فيليب أغسطس” من أخذ مدينة عكا من المسلمين، واستولى نظيره الإنجليزي بقيادة “ريتشارد قلب الأسد” من الاستيلاء على ساحل فلسطين من “صور” إلى “حيفا”؛ تمهيدا لاستعادة بيت المقدس، لكنه فشل في ذلك، واضطر إلى طلب الصلح، فعُقد صلح بين الطرفين، عُرف بصلح الرملة في (22 من شعبان 588هـ = 2 من سبتمبر 1192م)، ولحق ريتشارد بملك فرنسا عائدا إلى بلاده.

إنجازات حضارية

يظن الكثير من الناس أن صلاح الدين شغلته أعمال الجهاد عن الانصراف إلى شئون الدولة الأخرى الحضارية، ولعل صورة الفارس المحارب صلاح الدين قد طغت على الجوانب الأخرى من شخصيته، فأخفت بعضا من ملامحها المشرقة وقسماتها المضيئة.
وأول عمل يلقانا من أعمال صلاح الدين هو دعمه للمذهب السني؛ بإنشائه مدرستين لتدريس فقه أهل السنة، هما المدرسة الناصرية لتدريس الفقه الشافعي، والمدرسة القمحية لتدريس الفقه المالكي، وسُميت بذلك؛ لأنها كانت توزع على أساتذتها ومعيديها وتلاميذها قمحًا، كانت تغله أرض موقوفة عليها، وفي الوقت نفسه قصر تولي مناصب القضاء على أصحاب المذهب الشافعي، فكان ذلك سببا في انتشار المذهب في مصر وما يتبعها من أقاليم.
وبرز في عصر صلاح الدين عدد من الشخصيات العلمية والفكرية، مثل “القاضي الفاضل” المتوفَّى سنة (596هـ = 1200م) رئيس ديوان الإنشاء وصاحب القلم البديع في الكتابة، وكان صلاح الدين يستشيره في أدق أمور الحرب والسياسة، و”العماد الأصفهاني” المتوفَّى سنة (597هـ = 1201م)، وصاحب المؤلفات المعروفة في الأدب والتاريخ، ونجح مع القاضي الفاضل في ازدهار ديوان الإنشاء في مصر، وهذا الديوان يشبه في وظيفته وزارة الخارجية.
وعُني صلاح الدين ببناء الأسوار والاستحكامات والقلاع، ومن أشهر هذه الآثار “قلعة الجبل”؛ لتكون مقرًّا لحكومته، ومعقلا لجيشه، وحصنا منيعا يمكِّنه من الدفاع عن القاهرة، غير أن صلاح الدين لم يتمكن من إتمام تشييدها في عهده، وظلت القلعة مقرا لدواوين الحكم في مصر حتى وقت قريب، وأحاط صلاح الدين الفسطاط والعسكر وأطلال القلاع والقاهرة، أحاطها جميعا بسور طوله 15كم، وعرضه ثلاثة أمتار، وتتخلله الأبراج، ولا تزال بقاياه قائمة حتى اليوم في جهات متفرقة.


واستقرت النظم الإدارية؛ فكان السلطان يرأس الحكومة المركزية في العاصمة، يليه نائب السلطان؛ وهو المنصب الذي استحدثه صلاح الدين لينوب عنه في أثناء غيابه يليه الوزير، وكان يقوم بتنفيذ سياسات الدولة، ويلي ذلك الدواوين، مثل: “ديوان النظر” الذي يشرف على الشئون المالية، و”ديوان الإنشاء” ويختص بالمراسلات والأعمال الكتابية، و”ديوان الجيش” ويختص بالإشراف على شئون الجيش، و”ديوان الأسطول” الذي عُني به صلاح الدين عناية فائقة لمواجهة الصليبيين الذين كانوا يستخدمون البحر في هجومهم على البلاد الإسلامية، وأفرد له ميزانية خاصة، وعهد به إلى أخيه العادل، وقد اشترك الأسطول في عدة معارك بحرية في سواحل مصر والشام، منها صدِّه لحملة أرناط على مكة والمدينة.
وعُني صلاح الدين بالمؤسسات الاجتماعية التي تعين الناس وتخفف عنهم بعض عناء الحياة؛ فألغى الضرائب التي كانت تفرض على الحجاج الذين يمرون بمصر، وتعهد بالإنفاق على الفقراء والغرباء الذين يلجئون إلى المساجد، وجعل من مسجد “أحمد بن طولون” مأوى للغرباء من المغاربة.
واشتهر صلاح الدين بسماحته وجنوحه إلى السلم؛ حتى صار مضرب الأمثال في ذلك، فقد عامل الصليبيين بعد استسلام المدينة المقدسة معاملة طيبة، وأبدى تسامحا ظاهرا في تحصيل الفداء من أهلها، وكان دخول المسلمين بيت المقدس دون إراقة دماء وارتكاب آثام صفحة مشرقة ناصعة، تُناقض تماما ما ارتكبه الفرنج الصليبيون عند استيلائهم على المدينة سنة (492هـ = 1099م) من الفتك بأهلها المسلمين العُزَّل وقتل الألوف منهم.
وفي أثناء مفاوضات صلح الرملة التي جرت بين المسلمين والصليبيين مرض السلطان صلاح الدين، ولزم فراشه، ثم لقي ربَّه في (27 من صفر 589هـ = 4 من مارس 1193م)، وكان يوم وفاته يوما لم يُصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدين.
ولما تُوفِّي لم يخلف مالا ولا عقارا، ولم يوجد في خزائنه شيء من الذهب والفضة سوى دينار واحد، وسبعة وأربعين درهما، فكان ذلك دليلا واضحا على زهده وعفة نفسه وطهارة يده.


من مصادر الدراسة:
ابن واصل الحموي – مفرج الكروب في أخبار بني أيوب – تحقيق: جمال الدين الشيال – مطبعة جامعة القاهرة – 1953م.
علي بيومي – قيام الدولة الأيوبية – القاهرة – 1952.
سعيد عبد الفتاح عاشور – الناصر صلاح الدين – المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر – القاهرة – 1965م.
نظير حسان سعداوي – التاريخ الحربي المصري في عهد صلاح الدين الأيوبي – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة – 1957م.
السيد الباز العريني – الشرق الأدنى في العصور الوسطى (الأيوبيون) – دار النهضة العربية – بيروت – بدون تاريخ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19-03-2024, 11:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
من هي خديجة رضي الله عنها (10)
سناء الدويكات




محتويات
١ اسم السيدة خديجة ونسبها
  • ٢ مولد السيدة خديجة ونشأتها
  • ٣ أزواج خديجة بنت خويلد وأولادها قبل النبي
  • ٤ زواج السيدة خديجة من النبي
    • ٤.١ قصة زواج السيدة خديجة من رسول الله
    • ٤.٢ أولاد السيدة خديجة من الرسول
  • ٥ فضائل السيدة خديجة
    • ٥.١ أول من لجأ إليها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعدما نزل عليه الوحي
    • ٥.٢ أول من أسلم من النساء
    • ٥.٣ تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم
    • ٥.٤ خير نساء الجنة
    • ٥.٥ سلام الله عليها
    • ٥.٦ لم يتزوج عليها النبي حتى ماتت
    • ٥.٧ حب النبي لها
    • ٥.٨ إكثار النبي من ذكرها أمام الناس
  • ٦ مناقب السيدة خديجة
    • ٦.١ العفة والطهارة
    • ٦.٢ الحكمة والفطنة
    • ٦.٣ الصَّبر على الأذى ونصرة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-
  • ٧ وفاة خديجة بنت خويلد
  • ٨ المراجع


اسم السيدة خديجة ونسبها
هي خديجة بنت خويلد بن أسْد القرشيَّة، وأمُّها فاطمة بنت زائدة العامرية، كنيتها أمُّ القاسم، وكانت تُلقَّب في الجاهليَّة بالطَّاهرة. وهي أمُّ المؤمنين وأولى زوجات النبيِّ محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأمُّ أولاده، وهي أوَّل من آمن به وصدَّقه عندما أنزل الله وَحيه عليه، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي بشَّره بأنه نبيُّ الأمَّة.[١]
مولد السيدة خديجة ونشأتها

ولدت السيدة خديجة -رضي الله عنها- في مكة سنة ثمانٍ وستينَ قبل الهجرة، وكانت تَكبُر النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بخمسة عشر عاماً. وقد نشأت وترعرعت في بيت جاهٍ وفخارٍ فكانت من أشراف قريشٍ وأكابرهم. كان ثراؤها وثراء آبائها وأجدادها معروفاً في بطون العرب، وكانت ترسل كلَّ عامٍ الرِّجال في تجارتها إلى بلاد الشَّام، وكانت ذات تدقيق وتبصُّرٍ فيمن تختاره منهم لتؤمِّنه على سلامة أموالها وربحها فتختار ذوي الخبرة المخلصين في عملهم والمعروفين بنزاهتهم وأمانتهم وعفَّة أنفسهم.[٢]
فلما بلغها من صدق حديث محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعِظَم أمانته عرضت عليه أن يخرج في مالها إلى بلاد الشَّام فخرج في تجارتها إلى سوق بصرى بحوران ليتَّجر لها، وعاد غانماً رابحاً، ولفت نظرها ما كان عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- من خُلقٍ قويم، وحياءٍ وأمانة، فمالت نفسها إليه، ورغبت أن يكون زوجاً لها.[٢]
أزواج خديجة بنت خويلد وأولادها قبل النبي


كانت أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- قد تزوّجت قبل زواجها بالنبي -عليه الصلاة والسلام- مرّتين، ولها من زوجيها أربعة أبناءٍ، تفصيل ذلك فيما يأتي:
  • عُتيق بن عابد بن مخزوم: وأنجبت منه هند، و قد أدركت الاسلام وأسلمت، وتزوّجت، ولم يُذكر أنّها روت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-.[٣]
  • أبو هالة بن زرارة الأسيدي التميمي: وهو مالك بن النبّش، وأنجبت خديجة منه ابنها هند؛ الذي عُرف بروايته لحديث صفة النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، قال عنه أبو عمر: "كان فصيحاً بليغاً، وصف النبيّ -صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- فأحسن وأتقن"، وقد قُتل مع علي بن أبي طالب يوم موقعة الجمل، وأنجبت أيضاً هالة، وقد أدرك الاسلام وأسلم، وقال فيه ابن حبان: "هالة بن خديجة زوج النّبيّ -صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- له صحبةٌ"، وأنجبت الطاهر، وأسلم، وقد أرسله رسول الله إلى اليمن عاملاً.[٤]
وقد امتنعت خديجة -رضي الله عنها- عن استقبال الراغبيين بالزواج بها بعد وفاة زوجها الثاني، ورفضت جميع من تقدّم لخِطبتها، وكانت ذات جاهٍ، ومالٍ، وجمالٍ، سعى الكثير من رجال قريش وأشرافها لخِطبتها، وقدّموا في سبيل ذلك الأموال، إلّا أنّها رفضت الزواج من أحدٍ منهم، ثمّ أكرمها الله -عزّ وجلّ- بالزواج من مُحمدٍ -عليه الصلاة والسلام-، وكانت قد انشغلت بالتجارة، وتنمية أموالها؛ بأن تستأجر الرجال ليخرجوا عاملين بأموالها، وقد اشتُهر قومها بالتجارة إلى بلاد الشام واليمن صيفاً شتاءً، وقد وصفهم الله -تعالى- بقوله: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ).[٥][٦]
زواج السيدة خديجة من النبي

قصة زواج السيدة خديجة من رسول الله


تزوَّج النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- خديجة -رضي الله عنها- قبل نزول الوحي عليه بخمسة عشرة سنةٍ تقريبا، وكانت خديجة تكبر النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بخمسة عشر سنة؛ حيث كان عمره حين تزوجها خمساً وعشرين سنة بينما كان عمرها أربعين. وزوَّجها منه عمُّها عمرو بن أسد، فقال حين خطبها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة بنت خويلد، هذا الفحل لا يُقدَع أنفه".[٧]
أما عن سبب زواجها فقد ذكرنا أن خديجة -رضي الله عنها- كانت ذات نسبٍ وشرفٍ ومال، وكانت امرأةً تاجرةً تستأجر الرجال فترسلهم إلى بلاد الشام بمالها وتجارتها، وقد سمعت عن رسول الله كرم أخلاقه وصدق حديثه وأمانته فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجراً إلى الشَّام على أن تعطيه ضعف ما تعطي غيره من التُّجار، فقبل -صلَّى الله عليه وسلَّم-.[٧]
وخرج -صلى الله عليه وسلم- مع غلامٍ لخديجة اسمه ميسرة إلى الشّام حتى استظلَّا تحت شجرةٍ قريبةٍ من صومعة راهب من الرهبان، فأتى الرَّاهب ميسرة فسأله عن هذا الرجل وعلم أنه من قريش، فقال: "ما نزل تحت هذه الشجرة قطُّ إلا نبيّ"، ثم باع سلعته وربح ضعف ما كانوا يربحون، وحدَّث ميسرة خديجة -رضي الله عنها- بأمر الراهب وأخبرها بما ربحوا في تجارتهم فسُرَّت بذلك وأرسلت إلى النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقالت له: "إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك"، ثم عرضت عليه نفسها، فلما قبل -صلَّى الله عليه وسلَّم- كلَّم أعمامه أبا طالبٍ وحمزة والعبَّاس فذهبوا إلى عمِّ خديجة فخطبوها إليه فتزوجها -صلَّى الله عليه وسلَّم-.[٧]
أولاد السيدة خديجة من الرسول
وبعد هذا الزواج الميمون أنجبت خديجة -رضي الله عنها- زينب كبرى بنات النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ثم رقيَّة، ثم أمّ كلثوم، ثم فاطمة الزَّهراء، وولدت له من الأولاد القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبد الله الذي كان يُلَقَّب بالطَّيِّب والطَّاهر، وقد ماتا صغاراً، ومن الجدير بالذِّكر أن جميع أولاد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من خديجة إلا ولده إبراهيم فهو من جاريته مارية.[٨]
فضائل السيدة خديجة

أول من لجأ إليها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعدما نزل عليه الوحي
أول من لجأ إليها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعدما نزل عليه جبريل أول مرَّة مختلياً بغار حراء، فلجأ إليها خائفاً وقائلاً: زملوني، فزملته وطمأنته حتى ذهب عنه الرَّوع، وأخبرها بما جرى معه وكيف خشي على نفسه فما كان منها إلا أن تقول: (كَلّا أبْشِرْ، فَواللَّهِ، لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، واللَّهِ، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ).[٩] ثم انطلقت به إلى ابن عمِّها ورقة بن نوفل الذي كان يقرأ التوراة والإنجيل، فبشَّره بالنبوَّة.[١٠]

أول من أسلم من النساء

أول من آمنت من النَّاس وصدَّقت بما أُنزل على محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-.[١٠]

تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم

تثبيتها للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وتبشيرها له، والوقوف بجانبه والتخفيف عنه حين يصدُّه الناس ويكذبونه، فكانت فرجاً من الله للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وسكناً له.[١١]

خير نساء الجنة

السيدة خديجة -رضي الله عنها-خير نساء الجنة، وقد قرن الله بينها وبين مريم بنت عمران في الخيريَّة، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (خَيرُ نِسائِها مَريمُ بِنتُ عِمرانَ ، و خيرُ نِسائِها خَديجةُ بِنتُ خُوَيْلِدٍ)،[١٢] كما أنها واحدةٌ من النساء الأربع (مريم بنت عمران، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد) اللواتي بوَّأهُنَّ الله بأرفع المنازل.[١١]
سلام الله عليها
إرسال الله السلام إليها مع جبريل -عليه السلام- وأمره نبيَّه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصبٍ لا صخبٌ فيه ولا نصب، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنّ النبي -عليه السلام- قال: (أَتَى جِبْرِيلُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ: هذِه خَدِيجَةُ قدْ أتَتْ معهَا إنَاءٌ فيه إدَامٌ، أوْ طَعَامٌ أوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هي أتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِن رَبِّهَا ومِنِّي وبَشِّرْهَا ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ، ولَا نَصَبَ).[١٣]

لم يتزوج عليها النبي حتى ماتت


لم يتزوج عليها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى ماتت؛ لأنها أغنته عن غيرها، وهذه الفضيلة انفردت بها السيدة خديجة عن سائر أمهات المؤمنين.
حب النبي لها
حبُّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لها رزقٌ رزقه الله إياه وفضيلةٌ حاصلة، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنِّي رُزِقْتُ حُبَّها)،[١٤] كما أنه كان يرتاح لسماع صوتٍ يشبه صوتها كقدوم هالة أختها عليه فيكرمها من باب حسن العهد بزوجته خديجة.
وقد تربّعت خديجة -رضي الله عنها- في قلب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فكانت من أحبّ نسائه إليه، فوقعت الغِيرة منها في قلب عائشة -رضي الله عنها- على الرغم من أنّها متوفيةٌ، وفي ذلك روى الإمام مسلم في صحيحه: (ما غِرْتُ علَى نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إلَّا علَى خَدِيجَةَ وإنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قالَتْ: وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فيَقولُ: أَرْسِلُوا بهَا إلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ قالَتْ: فأغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلتُ: خَدِيجَةَ، فَقالَ: رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا).[١٥][١٦]

إكثار النبي من ذكرها أمام الناس

إكثار النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من ذكرها ومبالغته في تعظيمها والثناء عليها ومدحها أمام النَّاس؛ وذلك لشرفها وقدرها عند رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى أنه كان يصل من يودُّها ويكرم صويحباتها، وإذا ذكرها رقَّ قلبه لها فاستغفر لها حتى يقطع عليه عارض.
مناقب السيدة خديجة
العفة والطهارة

هاتان الصِّفتان أول ما يبرز من ملامح شخصية خديجة -رضي الله عنها؛ فقد كانت تُلَقَّب في الجاهليَّة بـ "الطَّاهرة" في ظل مجتمعٍ مليءٍ بالفواحش والبغي، وهذا يدل على أنها بلغت مبلغاً من العفَّة والطَّهارة حتى لُقِّبت بهذا اللَّقب تماماً كما كان لقب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- "الصَّادق الأمين" في ذات البيئة التي قلَّما تجد فيها رجلاً متحلياً بمثل هذه الصفات.[١٧]
الحكمة والفطنة
قد عُرف عنها أنها حازمةٌ عاقلة، وتمثل ذلك في مواقف تجلَّت فيها عقلانيَّتها وذكاؤها؛ كسياستها في تسيير أمور تجارتها، واختيار زواجها من النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وطريقة عرض نفسها عليه بصورة تحفظها وتُعلي شأنها، بالإضافة إلى كيفيَّة استقبالها أمر الوحي وتقبُّله كحدثٍ غير عادي بعيدٍ عن الأوهام، وبلاغة كلماتها في تثبيت رسول الله والتخفيف من خشيته، ثم حكمتها في أخذه -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى ورقة بن نوفل.[١٧]

الصَّبر على الأذى ونصرة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-

هذه المرأة العاقلة لم تتزعزع ثقتها برسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولا بدعوته التي كانت سببا لحقد بعض من أهله عليه وإيذائهما في تطليق بناتهما، بل كان عاقبة صبرها ودعائها أن أبدلهما الله بأزواجٍ أكثر خُلُقا وغنىً، ولا ننسَ رضاءها واحتسابها وثباتها في محنة الحصار ودعمها المستمر للإسلام والمسلمين.[١٧]
وفاة خديجة بنت خويلد

توفّيت السيدة خديجة في السنة العاشرة من البعثة، بعد المقاطعة التي كانت لبني هاشم، وكانت قد بلغت من العمر حينها خمساً وستين سنةً، ودُفنت في مقبرة الحُجون، وقد دفنها الرسول، إلّا أنّه لم يصلِ عليها؛ إذ لم تكن صلاة الجنازة مشروعةً، وكان ذلك بعد وفاة عمّ الرسول أبي طالب بمدةٍ قصيرةٍ، فذكر الحاكم أنّها توفيت بعده بثلاثة أيامٍ، وقيل بشهرين وخمسة أيامٍ كما نقل ابن الجوزي، وسمّي ذلك العام بعام الحزن؛ لما كان فيه من تتابع الأحزان على النبي؛ بموت عمّه ثمّ زوجته.[١٨]
ومن صور وفاء النبي -عليه الصلاة والسلام - لأمّ المؤمنين خديجة، أنّه كان كثير الذكر لها، وذكر مواقفها في شدّته، والثناء عليها، ومدحها بعد وفاتها أمام زوجاته، وفي ذلك تروي عائشة -رضي الله عنها-: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذكَرَ خَديجةَ أَثْنى عليها، فأحسَنَ الثناءَ، قالت: فغِرْتُ يومًا، فقُلْتُ: ما أكثرَ ما تذكُرُها حَمراءَ الشِّدْقِ، قد أبدَلَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها خَيرًا منها، قال: ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ).[١٩][٢٠]
ملخص المقال: عرض المقال سيرة أم المؤمنين السيدة خديجة -رضي الله عنها-، وأشار إلى فضلها ومناقبها، ومواقفها مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
المراجع
  1. ↑ شمس الدين الذهبي (1982)، سير أعلام النبلاء (الطبعة الثانية)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 109،111، جزء 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب السيد الجميلى، نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة 11-12. بتصرّف.
  3. ↑ [https://islamqa.info/ar/answers/2297...8A%D8%B9%D8%A7 "أولاد أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قبل زواجها من رسول الله
  4. ↑ محمد الخضر (2011)، إني رزقت حبها (الطبعة الثانية)، الكويت: مبرة الآل والأصحاب، صفحة 13-15. بتصرّف.
  5. ↑ سورة قريش، آية: 1-2.
  6. ↑ عبد الحميد طهماز (1996)، السيدة خديجة (الطبعة الثانية)، دمشق: دار القلم، صفحة 16. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ابن الأثير (2012)، أسد الغابة في معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 1503. بتصرّف.
  8. ↑ محمد سالم الخضر (2009)، السيرة العطرة لأم المؤمنين خديجة (الطبعة الأولى)، الكويت: مبرة الآل والأصحاب، صفحة 42. بتصرّف.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 160، صحيح.
  10. ^ أ ب ابن الأثير (2012)، أسد الغابة في معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 1504-1505. بتصرّف.
  11. ^ أ ب عبد الحميد طهماز (1996)، السيدة خديجة أم المؤمنين وسباقة الخلق إلى الإسلام، دمشق: دار القلم، صفحة 109-112. بتصرّف.
  12. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 3815، صحيح.
  13. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3820، صحيح.
  14. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2435 ، صحيح.
  15. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2435، صحيح.
  16. ↑ صالح عبد الواحد،سبل السلام، صفحة 53-55، جزء 1. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت "السيدة خديجة"، islamstory.com، 2006/05/01، اطّلع عليه بتاريخ 23/10/2019. بتصرّف.
  18. ↑ عبد الحميد طهماز (1996)، السيدة خديجة ام المؤمنين (الطبعة الثانية)، دمشق: دار القلم، صفحة 95-96. بتصرّف.
  19. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 24864، صحيح.
  20. ↑ يحيى الزهراني، "خديجة بنت خويلد أم المؤمنين / رضي الله عنها"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-1-2020. بتصرّف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 290.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 284.51 كيلو بايت... تم توفير 5.90 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]