فقه الدعوة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216081 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 52 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859613 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393954 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2023, 04:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي فقه الدعوة

فقه الدعوة (1)

مفهوم فقه الدعوةوأهميته


هذه فصول ودروس مختصرة في فقه الدعوة إلى الله -عز وجل-. نبدؤها بتعريف موضوع هذا الفقه، ماذا نعني بفقه الدعوة؟ فقه الدعوة مصطلح حادث في مبناه، أصيل في معناه؛ لأن مرجعه إلى أصول الشرع، (الكتاب والسنة)، وإلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - العملية بدعوته إلى الله؛ فهذا العلم يبحث في مؤهلات الداعية التي يجب توافرها فيه قبل أن ينطلق في دعوته إلى الناس، سواء في الأصول، أم في الشرائط والضوابط والآداب، كما أن هذا العلم أيضا يبحث في الوسائل والأساليب المناسبة في دعوة الناس إلى دين الله مع مراعاة ظروف الزمان والمكان، ومراعاة أحوال المخاطبين بالدعوة. هذا هو مبحث هذا العلم، وهو مصطلح (فقه الدعوة إلى الله -عز وجل).
وكلما كان حظ الداعية من هذا الفقه أوفر، كان نصيبه من التوفيق والتأثير في الناس أكبر، ومصدر هذا الفقه -كما ذكرنا- هو الوحي تأصيلا وتفصيلا، أما التأصيل: فالله -تبارك وتعالى- يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، والحكمة هي فقه الدعوة. يقول ابن القيم -رحمة الله عليه-: الحكمة هي فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي، وترك ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي. وضع الشيء في موضعه زمانا ومكانا وأهلا، هذه هي الحكمة. وقوله -تبارك وتعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، البصيرة في العلم، وليس مجرد العلم كما يفهم بعض الناس هو حفظ النصوص والأقوال، وإنما العلم هو الفهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه-: العلم هو الفهم عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -. هذا هو العلم. أما حفظ النصوص والأقوال فهذا سهل، ومن أراد أن يحفظ فليحفظ؛ فكثير من الدعاة اليوم يعرفون ويعلمون ما يدعون الناس إليه - أي من العلم، لكنهم يفتقرون إلى الفقه والفهم في إيصال هذا العلم في الوقت والمكان المناسب، وفي الدخول إلى الناس من المدخل الصحيح والباب الصحيح كي يستقبلوا هذا العلم ويقبلوه. هذا هو المطلوب، وليس مجرد أنك تحمل العلم؛ فحيازة العلم يستطيعها كثير من الناس، لكن الفهم لا؛ لذلك لا نبالغ إذا قلنا: إن من أسباب نفرة الناس من الدين والتدين جهل كثير من الدعاة بهذا الفقه، فقه الدعوة إلى الله؛ وبسبب افتقارهم إلى هذا العلم، فقدوا التوازن والميزان في ضبط تصرفاتهم مع المدعوين في تقدير المصالح والمفاسد. الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- وظيفة أشرف الخلق وهم الأنبياء والرسل؛ ولذلك عندما تقوم بواجب الدعوة تتشرف بهذه الوظيفة؛ لكونك خليفة الأنبياء فيها؛ فالأنبياء -كما قال صلى الله عليه وسلم -: «لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر»؛ ولذلك من أهم الأصول التي ينبغي أن تتوفر في الداعية (العلم). ولا أعني بالعلم أن يكون عالما بكل شيء، وإنما العلم الضروري المفروض على كل أحد وعلى الداعية من باب أولى؛ فقد جاء في الحديث -الذي حسنه العلماء-: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».

اعداد: الشيخ محمد السنين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-10-2023, 11:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الدعوة

فقه الدعوة (2)

الإخلاص.. من أهم مقومات الداعية


ذكرنا في المقال السابق أن أهم الأصول في الدعوة إلى الله -عز وجل- هو العلم، والعلم الذي نعني هو العلم الذي يقوم على قال الله، قال الرسول، قال الصحابة عقيدةً وعبادةً ومعاملةً وخلقًا وسلوكًا وفهمًا لهذا الدين، ومن سلك هذا السبيل هُدِيَ إلى الصراط المستقيم، هذا هو الأصل الأول من أصول الدعوة إلى الله وهذا من أهم مقومات الداعية، أما الأصل الثاني من أصول الدعوة فهو الإخلاص.
لماذا الإخلاص؟
الدعوة إلى الله -عز وجل- عبادة وقربة من أجلّ القربات، ولابد فيها من الإخلاص لله {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وهذه الدعوة دعوة إلى عبادة الله وحده واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ}، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}.
كيف السبيل لتحقيق الإخلاص؟
الإخلاص هو تجريد العبادة من كل حظ من حظوظ النفس؛ بحيث تكون كلها لله وحده، ولكي نحقق هذا الإخلاص في نفوسنا، هناك أمور لابد أن نستحضرها في نفوسنا ونحن في طريقنا إلى الله، وفي طريق الدعوة إليه.
  • أولا: الاستجابة لأمر الله -تبارك وتعالى
لابد للداعية أن ينطلق في هذه الدعوة استجابة لأمر الله -تبارك وتعالى- في قوله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، وقول النبي -[-: «بلغوا عني ولو آية»، فأنت مأمور بالدعوة كتابا وسنة، فتنطلق في الدعوة إلى الله استجابة وامتثالا لأمر الله -عز وجل-، ولأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم .
  • ثانيا: طلب الثواب
والثواب لن تُؤتاه إلا من عند الله -عزوجل-، هو الذي سيثيبك، فاطلبه من الله، وأجره الدعوة إلى الله من أعظم الأجور، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا»، فأنت بهذا ستضع لنفسك وقفا من الحسنات تستدر منه الأجور والثواب إلى أن تلقى الله بهذا العمل، وستأتيك حسنات لم تتعب فيها، كل إنسان أرشدته إلى خير أو دعوته إلى سنة أو حذرته من بدعة، أو دعوته إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وحذرته من أضدادها، فإذا عمل بما دعوته إليه فسينالك من أجر عمله وثوابه إلى أن تلقى الله يوم القيامة. تصور إذا رأيت إنسانا لا يحسن يصلي، فجلست معه في زاوية من زوايا المسجد، وأخذت تعلمه كيف يصلي صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، هكذا كان يكبّر، وهكذا كان يركع، وهكذا كان يسجد، وهكذا كان يقرأ سورة الفاتحة، هذا إذا مضى فيه العمر بعد تعليمك له سنوات فكل صلاة يصليها سينالك أنت من أجرها، فطوبى لإنسان مات وخلّف خلفه وقفا من الحسنات يناله من هذه الأجور التي لم يتعب فيها.
حادثة فتح خيبر
وفي حادثة فتح خيبر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضي الله عنه - أن يذهب ويدخل عليهم كما جاء في الحديث: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَأُعطِيَنَّ الرَّايةَ غدًا رجُلًا يفتَحُ اللهُ على يدَيْهِ» قال: فبات النَّاسُ ليلتَهم أيُّهم يُعطاها؟ فلمَّا أصبَح النَّاسُ غدَوْا على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كلُّهم يرجو أنْ يُعطاها، فقال: «أين علِيُّ بنُ أبي طالبٍ؟» قالوا: تشتكي عيناه يا رسولَ اللهِ، قال: فأرسِلوا إليه، فلمَّا جاء بصَق في عينَيْهِ، ودعا له فبرَأ حتَّى كأنْ لَمْ يكُنْ به وجَعٌ، وأعطاه الرَّايةَ؛ فقال علِيٌّ: يا رسولَ اللهِ، أُقاتِلُهم حتَّى يكونوا مِثْلَنا؟ قال: «انفُذْ على رِسْلِك حتَّى تنزِلَ بساحتِهم، ثمَّ ادعُهم إلى الإسلامِ، وأخبِرْهم بما يجِبُ عليهم مِن حقِّ اللهِ فيه؛ فواللهِ لَأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ»، وحمر النعم هي الإبل الأصيلة الفخمة عندهم؛ لأن يهدي بك الله رجلا واحدا، خير لك من أن تجمع هذه النوق وتتصدق بها.
  • الأمر الثالث: استحضار نفع الناس
أن تستحضر أيضا بأنك تريد بهذه الدعوة نفع الناس، وأن تدلهم على الخير، وأن تنقذهم من الضلال إن كانوا في ضلال، وضع هذه النية في قلبك، هذه نية المخلص، إذا استحضرت هذه المعاني في نفسك، واستظهرتها واستصحبتها معك دائما وأنت في طريق الدعوة، فهذا سيهديك إلى طريق الإخلاص، وسيحقق في نفسك الإخلاص.
  • الأمر الرابع: أن تنوي بذلك نشر الإسلام
من النوايا المهمة جدا -فيمن يتحرك بأمر هذه الدعوة- أن ينوي بذلك نشر الإسلام في أرجاء المعمورة، وإقامة الحجة على الناس، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء165)».
تحقق هذه المعاني
فمن تحققت فيه هذه المعاني واستحضرها في قلبه عند قيامه بدعوة الناس إلى دين الله -عز وجل- واستصحبها معه فهو المخلص، ولابد أن تثمر دعوته ويوفق في سعيه، أما من شغله حب الظهور والرغبة في ثناء الناس، أو الترأس أو الزعامة في إحدى هذه الأحزاب أو الجماعات أو الوصول إلى كرسي البرلمان، إن كان هذا سعيه فقد بطل عمله وخاب سعيه ولم ينجح في دعوته؛ لأنها لغير الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث القدسي: قال الله -تعالى-: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه»؛ فهذا جهد متعوب فيه، ضاع كله سدى لا قيمة له إن كانت هذه نيتك وقصدك من عملك.
الأنبياء أول المخلصين
وتأمل في ذكر الأنبياء في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وهنا السؤال: لماذا الإخلاص؟ ما من نبي أرسله الله -تبارك وتعالى- إلا وأمره أن يؤكد لقومه أنه لا يريد من دنياهم شيئا، في سورة الشعراء ذكر الله -سبحانه وتعالى- نوحا ثم ذكر هودا ثم ذكر صالحا ثم ذكر بعد ذلك شعيبا ثم لوطا، وكل ما ختم بنبي بعد ذكره، ذكر {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء - 164)، فهذه الآية تكررت بألفاظها نفسها بعد ذكر كل نبي؛ لأن الناس إذا علموا أن لك غرضا ومصلحة ترجوها من وراء دعوتك فقدوا الثقة فيك، وأعرضوا عنك وتركوك، وإذا علموا أنك أتيت لدعوتهم إلى الله لا تريد من دنياهم شيئا، أحبوك ورغبوا فيك ومالوا إليك، ولذلك هذا السبب في الإخلاص أن تقول ذلك وأن تفعله وأن يُرى عليك. والسبب الثاني في لماذا الإخلاص؟ لأنه يخلصك من الملال والكلال، ولا يجعلك تنقطع عن الدعوة؛ لأنك تعمل لله، لكن إذا كنت ربطت هذه الدعوة بمصالح وبأغراض شخصية ودنيوية، فمتى ما انتهت وانقطعت هذه المصالح انقطعت دعوتك وتوقفت. بعض الناس تجده يمل إذا صده الناس وأعرضوا عنه، أو تكلموا فيه أو انتقدوه أو كتبوا عنه أو قالوا فيه، تجده يتوقف عن دعوته، لكن الذي يعمل لله لا يضره شيء، لا يضره ولا يعنيه ما قال الناس؛ لأنه يعمل لله وحده، فينفي عنك الملل والكلل والتعب، لأنك تعمل تريد أن تجمع هذه الحسنات، وتجمع أكبر عدد من المهتدين بسببك، مما سينالك من أجر عملهم وسعيهم إلى أن تلقى الله يوم القيامة.

اعداد: الشيخ محمد السنين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-10-2023, 03:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الدعوة

فقه الدعوة (3)

حسن الخلق من أهم أصول الدعوة ومرتكزاتها


ذكرنا فيما سبق اثنين من أصول الدعوة وهما العلم والإخلاص، واليوم نتكلم عن أصل من أهم الأصول والمؤهلات التي يجب أن يتصف بها الداعية، وهي حسن الخلق، فهناك ارتباط وثيق بين فقه الدعوة وفقه الأخلاق.
فشأن مكارم الأخلاق عظيم جدا في مجال الدعوة إلى الله -عزوجل-؛ لأن الدعوة إلى الله تقوم على أساس التعامل مع الناس في إقناعهم بالحق الذي لديك، وبِحَثّهم على ما فيه مصلحتهم في أمور دينهم، وهذا لا يكون إلا باستمالة القلوب ابتداء، فإذا استُميلت القلوب أمكنك من الوصول إلى إقناع الناس بما لديك؛ لأنه -في الواقع- لا يمكن استمالة القلوب بشيء مثل حسن الخلق، والنبي -[- يقول: «وخالق الناس بخلق حسن»، وجاء في الحديث الحسن «إنكم لا تَسَعُونَ الناسَ بأموالِكم، فَلْيَسَعْهُم منكم بَسْطُ الوَجهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ».
مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب
كما أنك لا تستطيع أن تستديم الصحبة والعشرة إلا بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، فكذلك لا تستطيع أن تستميل القلوب إلا بحسن الخلق، والناس مجبولة على حب من أحسن إليها، ومجبولة كذلك على بغض من أساء إليها، هذا مغروس في الفِطَر. يقول الماوردي -رحمة الله عليه في أدب الدنيا والدين-: إذا حَسُنت أخلاق المرء كَثُر مصافوه، وقلّ معادوه، وتسهلت عليه الأمور الصعاب، ولانت له القلوب الغلاظ؛ فالناس لا ينظرون إلى عبادتك، كم تصلي من الليل؟ وكم تصوم من أيام الشهر؟ ولا كم تحفظ من القرآن؟ فهذا لا يعني الناس، إنما الذي يعني الناس هو كيف تعاملهم؟ كيف تخالقهم بالخلق الحسن؟ هذا الذي يعني الناس، وهذا الذي يستميل القلوب. أما عبادتك فهي أمر بينك وبين ربك -سبحانه وتعالى-، لكن الذي بينك وبين الناس هو الخلق الحسن.
مدرسة في مكارم الأخلاق
ومن تأَمل سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها يجدها مدرسة، مدرسة في مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق». وفي رواية (مكارم الأخلاق)، َوهذا الحصر في هذا السياق المبارك دلالة عظيمة على مكانة الأخلاق، ويقول ابن القيم -رحمة الله عليه-: الدين كله خُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الدين.
فضل محاسن الأخلاق
والأحاديث في فضل محاسن الأخلاق والتحذير من مساوئها تحتاج إلى محاضرة، لكن حتى تعرف مدى عناية الإسلام بهذا المقام العظيم تأمل في قول الله -عزوجل في وصف نبيه-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. يقول صاحب فيض القدير عبدالرؤف المناوي: هذا الحديث فيه بشارة على أن كل من جاء بمكارم الأخلاق من قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يتمها، إنما أتمها الله -تبارك وتعالى- ببعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي كان يدعو ربه دائما «اللهم اهدني إلى أحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها؛ فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت»، وفي الحديث الحسن يقول - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم كما أحسنت خَلْقي فأحسن خُلُقي»، من غير زيادة النظر في المرآة؛ لأن هذه فيها نظر.
دعوة متواصلة لتحسين الأخلاق
إذًا مع إكرام الله له بتحسين أخلاقه وأنه على خلق عظيم، وأنه بُعث بمكارم الأخلاق، وهذه الدعوة المتواصلة على تحسين الأخلاق، ومع ذلك لا يفتر - صلى الله عليه وسلم - من تكرار هذا الدعاء «اللهم اهدني إلى أحسن الأخلاق»، نحن بحاجة إلى هذا الدعاء، نسأل ربنا -تبارك وتعالى دائما في كل وقت- أن يُحسّن أخلاقنا.
حاجة الداعية لحسن الخلق
أنت داعية؟ فأنت في أمَسْ الحاجة إلى أن تكون على درجة وعلى مستوى من الخلق الحسن حتى تستميل قلوب الناس إليك، فإذا استملت القلوب واطمئنت إليك، قَبِلَت ما تدعوهم إليه، وإذا لم يرتاحوا ويطمئنوا إليك، فإنهم سيصدون عنك ويعرضون عنك، لذلك احرص على هذا المقام، مقام الأخلاق فإنه من أهم المقامات أن تربي نفسك، والكلام كثير في هذا الموضوع، كيف نصل إلى هذا المستوى من مكارم الأخلاق.
أول ما بدأ به - صلى الله عليه وسلم
لما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أول ما بدأ به، تقول صفية أم المؤمنين -رضي الله عنها قبل أن تُسْلم-: نادى النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس: أيها الناس،»أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام» هذه كلها من مكارم الأخلاق «وصَلّوا بالليل والناس نيام»، وهذه من تخلق العبد مع ربه -سبحانه وتعالى-، لكن هذه في الأخلاق لبيان أهميتها، وأن القلوب لا تجتمع إلا على مثل هذا، قد تجتمع على عقيدة سليمة نعم، لكن يبقى حصول التصافي والتواد يحتاج إلى مكارم الأخلاق، نحن نجتمع اليوم مع ناس كثيرين في عقيدة واحدة ومنهج واحد، لكن بيننا من التخاصم -نسأل الله سبحانه وتعالى- أن يكشفه وأن يزيله عنا وأن يؤلف بين قلوبنا، والسبب هو افتقارنا إلى هذا المقام وهو مقام الأخلاق.
الكرم والجود والسخاء
يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء إلا أعطاه، حتى لو أعطى رجلا غنما بين جبلين، وكان في غزوة حنين كما هو معلوم في السيرة غنائم كثيرة، وأعطى أبا سفيان مئة من الإبل، وأعطى صفوان بن أمية مئة، وأعطى معاوية، وأعطى الأقرع بن حابس، هذا الرجل الذي أعطاه ماذا قال؟ رجع إلي قومه مسرعا قائلا: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، يقول أنس بن مالك - وهذه كلمة عجيبة -: إن كان الرجل يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يريد إلا أن يصيب شيئا من الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من ماله وولده، وهذا ما يكون إلا من مكارم الأخلاق، الكرم والجود والسخاء والعطاء هذا له أثر في النفوس. لا تكن داعية وأنت بخيل؛ فهذه أهمية مكارم الأخلاق، وكلما ارتقيت في مراتب مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، كانت القلوب تهفو إليك وترغب فيك وتميل إليك.
أمور لا تليق بالداعية
وهناك أمور لا يليق بإنسان داعية إلى الله -عزوجل- أن يفعلها مثل الكذب، أو خيانة الأمانة، أو أن يقصر في واجباته الوظيفية، إن الداعية عليه أن يقوم بواجباته على أكمل وجه، فهذه الأخلاق من شأنها أن تشينك بين الناس، فتفقدك المصداقية بينهم، ومع الأسف هذا الشيء لا يقف عندك وحدك، بل ينسحب على كل من يسمونهم بالدعاة والملتزمين؛ فأنت تضر نفسك وتضر غيرك.
حاجتنا لمراجعة النفس
وهذا المقام يحتاج إلى بسط طويل، لكن الخلاصة أننا بحاجة إلى أن نراجع أنفسنا، وأن نحسّن أخلاقنا، اجلس مع نفسك وخذ ورقة وقلما، واكتب كل القصور والمعايب التي فيك، وابدأ في مجاهدة نفسك، وكلما تخلصت من عيب من هذه العيوب اشطب عليه، حتى تنتهي، وهذا يحتاج إلى جهاد {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، والله -سبحانه وتعالى- إذا علم منك صدق النية، وسلامة الطوية، وصدق الإقبال عليه، والرغبة في إصلاح نفسك، والله سيعينك.

اعداد: الشيخ محمد السنين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-10-2023, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الدعوة

فقه الدعوة (٤)

مراعاة الفروق بين الناس عند النصيحة وعند الوعظ


  • الناس ليسوا على درجة واحدة في إيمانهم ولا في صلاحهم وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم ليسوا على درجة واحدة
  • كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على أن يتعاهدوا الناس بالموعظة بين وقت وآخر حتى لا يملوا اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم
  • أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأئمة أن يخففوا الصلاة فقال: «ألا صليت بالناس بسبح اسم ربك الأعلى وبالشمس وضحاها ألا صليت بالليل إذا يغشى
ذكرنا فيما سبق من أصول فقه الدعوة ومرتكزاتها العلم والإخلاص وحسن الخلق، واليوم نتكلم عن أصل مهم من هذه الأصول وهو: مراعاة الفروق بين الناس عند النصيحة وعند الوعظ، فعندما تنصح أو تعظ أحدا بمكارم الأخلاق، أو بفضائل الأعمال ينبغي ألا يغيب عن بالك أن الناس ليسوا على درجة واحدة، لا في القدرة والطاقة، ولا كذلك في الإيمان والصلاح، فلابد أن تميز في وعظ الناس بين الناس، فعظتك لأبيك ليست كعظتك لغيره.
الله -سبحانه وتعالى- بيّن أن الناس ليسوا على درجة واحدة في إيمانهم ولا في صلاحهم؛ فيقول الحق -تبارك وتعالى- {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}. الآية في أهل الإسلام، وأن الله -سبحانه وتعالى- اختارهم للإسلام واصطفاهم، الظالم لنفسه هو الذي يرتكب المحظور ويترك المأمور، والمقتصد هو الذي اقتصد واختصر على الفرائض دون النوافل، والسابق بالخيرات هو الذي يسابق إلى كل خير ما أن يسمع بعمل صالح ولو في المستحبات إلا وبادر وسارع إليه، هكذا الناس.
اختلاف أحوال الصحابة -رضي الله عنهم والصحابة -رضي الله عنهم- كانوا كذلك، ليسوا سواء في إيمانهم ولا في عطائهم للدين وخدمتهم للإسلام، ليسوا على درجة واحدة، فإيمان أبي بكر لا يعدله إيمان ولا يفوقه إيمان أحد، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يراعي هذه الفوارق بين الناس، ومن ذلك ما يلي:
أفتّان أنت يا معاذ؟ لما طوّل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - الصلاة بالناس، كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء الآخرة ثم يذهب إلى مسجد حيّه فيصلي بهم فيطيل الصلاة، فشقّ على شاب هذه الإطالة فترك الصلاة وصلى وحده، فعلم بذلك معاذ فقال: إنه منافق، فلما بلغ الشاب كلام معاذ، بادر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو معاذا، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ وقال له: أفتّان أنت يا معاذ؟ أي تصد الناس عن صلاة الجماعة، والشاكي واحد والباقون لم يشكوا، ومع ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف؛ فإن من ورائه الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطل ما شاء، وأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - الأئمة أن يخففوا الصلاة وقال: «ألا صليت بالناس بسبح اسم ربك الأعلى، وبالشمس وضحاها. ألا صليت بالليل إذا يغشى» هذا هو المعدل المعقول الذي يحتمله أكثر الناس.
إن منكم منفرين هناك رواية أخرى كذلك شبيهة بهذه الرواية من رجل شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يتأخر في صلاة الغداة من أجل فلان؛ مما يطيل بنا، يقول بعد ذلك الراوي: فوالله ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ، قال: «أيها الناس إن منكم منفرين، إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن وراءه المريض والضعيف وذا الحاجة». وأرشدهم إلى ما ذكرت من التخفيف باختيار السور في أواسط المفصل.
أنت إمامهم واقتد بأضعفهم وفي حديث عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله اجعلني إمامًا على قومي، قال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، هذه هي مراعاة الفروق بين الناس؛ فانتبه إذا أردت أن تنصح وتعظ الناس بشيء فانظر إلى من هو أمامك الذي تعظه، من هو؟ وكيف يستقبل الموعظة؟ ما قدراته وطاقاته؟ وهذا أمر مهم جدا في عملية الدعوة إلى الله -عز وجل-، وهذا شأن الفقيه في الدعوة.
فقه الصحابة لهذا الأمر الصحابة فقهوا هذا الأمر -رضي الله عنهم-؛ ولذلك كانوا يخففون الموعظة، فهذا ابن مسعود كما جاء في صحيح البخاري في كتاب العلم: كان - رضي الله عنه - يعظ الناس في وقته كل خميس، فجاء رجل وقال: وددنا لو أنك وعظتنا كل يوم! قال: والله ما يمنعني من ذلك إلا أن أخشى أن أُمِلّكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها. مخافة السآمة - حتى لا نمل. كلمات محدودة وكلمات قصيرة طيبة سهلة.
نصيحة ابن عباس - رضي الله عنه وهذا ابن عباس -رضي الله عنهما- ينصح الوعاظ يقول: لا تُملن الناس، ولا يلفيَنّ تأتي القوم وهم في حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم. ولكن حدّثهم وهم يشتهونه. أي لا تأتي الناس وهم يتحدثون وتسكتهم لتحدثهم أنت وتنصحهم، لا تفعل هذا، ليس هذا من هدي السلف، وليست طريقتهم في النصح.
تعاهد الناس بالموعظة وكانوا يحرصون على أن يتعاهدوا الناس بالموعظة بين وقت وآخر حتى لا يملوا، وأخذوا ذلك من هدي نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. كلام النبي ومواعظه قليلة جدا في أحاديثه التي لا تتجاوز السطر والسطرين. وكان يقول في الجمعة قصر خطبة الرجل وطول قراءته هي علامة من فقهه. وإذا رجعت إلى هديه - صلى الله عليه وسلم - في قراءة يوم الجمعة تجده يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وهكذا.
اختيار الموعظة المناسبة الخلاصة أن تحرص أيها الداعية إذا وعظت ونصحت الناس، أن تختار الموعظة الرقيقة الرفيقة السهلة التي لا تطويل فيها، ولا مشقة فيها، حتى تصل المعلومة بأقصر طريق وأيسر أسلوب إلى الناس. وإياك أن تعيب على مقصر؛ لأن الناس طاقات وقدرات مختلفة، ليسوا سواء. بعض الناس قد لا يحتمل هذا الواجب أو هذا المفروض وإن كان عليه أن يفعل، لكن هناك طرائق تأتي بها الناس كي يقبلوا منك الوعظ، يقبلوا منك النصيحة، فلا تنفرهم.
أكبر خطأ يقع فيه بعض الدعاة أكبر خطأ يقع فيه بعض الدعاة أنه يعاتب الناس ويأنبهم ويبكتهم على المنابر، وهذا لا يجوز ولا يصلح، ولكن عِظ موعظة رفيقة ورقيقة وتجنب التأنيب والعتاب؛ لأن هذا فيه نوع من المنة. فالمعاتب كأنما يقول بلسان حاله ها أنا ذا قد وعظتكم ومن حقي أن أعاتبكم. لا، ليس من حقك أن تعاتبهم. إذا وقفت على المنبر عظ الناس وانصحهم وذكرهم دون عتاب.
سددوا وقاربوا ولنا كذلك في هذه القصة مع هذا الصحابي الجليل وهو الحكم بن حزم الكلفي - رضي الله عنه- يقول: وفدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمنا أيامًا شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فقام متكئا على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات طيبات خفيفات مباركات، هذا يصف خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه مما قال: «سددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة»، خطبة ما تحتاج إلى كثير من الكلام الطويل، وهذا من فقه الداعي، أن يراعي الناس وأن يتلطف معهم. وأن يعرف من يُكلم ومن يُخاطب، وليس كل ما يعرف يقال، وهذا من فقه الدعوة.

اعداد: الشيخ محمد السنين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-10-2023, 06:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الدعوة

فقه الدعوة (5)

لكل مقام مقال وليس كل ما يعرف يقال


  • من السياسة في العلم أن لكل مقام مقالا وأن ما كل ما يُعرف يقال ولا كل ما يقال يصلح أن يقال في كل زمان وفي كل مكان
  • على المتكلم أيّا كان تخصصه أن يخاطب الناس على قدر عقولهم كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه أن من المسائل مسائل جوابها السكوت
  • من المصلحة كتم بعض العلم إذا كان المستمع سيتضرر من هذا العلم ويكون له فتنة فكتم العلم هنا للمصلحة يكون أنفع
من دروس فقه الدعوة -في باب العلم والتعليم- أنّ لكل مقام مقالا، وليس كل ما يُعرف يُقال، وليس كل ما يُقال يصلح أن يقال في كل زمان ومكان، وهذا من الحكمة ومن سياسة العلم، وسبق أن قلنا: إن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه زمانا ومكانا وأهلا، والله -تبارك وتعالى- يقول: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة 269).
وفي حديث معاذ -رضي الله عنه - الذي بوّب له البخاري في صحيحه باب جواز كتمان العلم للمصلحة- ما يدل على هذه القاعدة (ما كل ما يُعرف يقال)، والحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - «أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ومُعاذٌ رَدِيفُهُ علَى الرَّحْلِ، قَالَ: يا مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، قَالَ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، قَالَ: يا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا، قَالَ: ما مِن أحَدٍ يَشْهَدُ ألا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِن قَلْبِهِ، إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ علَى النَّارِ، قَالَ يا رَسولَ اللَّهِ: أفلا أُخْبِرُ به النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: إذًا يَتَّكِلُوا، وأَخْبَرَ بهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا»، ليس هذا كتما للعلم؛ لأن المراد ببيان العلم هو نفع المستمع، أما إذا كان المستمع سيتضرر من هذا العلم، وقد يكون له فتنة، فكتم العلم هنا للمصلحة يكون أنفع، ومثل هذه الأحاديث -التي فيها الرجاء العظيم- قد يتخذها البطلة والمباحية -كما يسميهم العلماء- ذريعة لترك التكاليف، ما دام أن من قال لا إله إلا الله سيُحرّم على النار، إذًا لا داعي للعمل؛ لذلك كان كتم العلم هنا مصلحة.
حَدِّثُوا النَّاسَ بما يَعْرِفُونَ
وفي هذا السياق كذلك ما رواه البخاري في كتاب العلم أيضا (باب من خَصّ بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموه)، ثم ذكر أثر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الذي يقول فيه: «حَدِّثُوا النَّاسَ بما يَعْرِفُونَ، أتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ ورَسولُهُ؟!»، وهذا فيه دليل على أن بعض العلم لا يصلح لكل أحد، وقال كذلك الشاطبي -رحمه الله-: رُبّ مسألة تصلح لقوم دون قوم؛ فالمطلوب من العلماء أن يتحدثوا إلى الناس بما تفهمه عقولهم، وأن يراعي المتحدث قدرات الناس المختلفة؛ من حيث الفهم والإدراك، فيعظهم ويعلمهم بالتدرج، ولا يلقي عليهم ما لا يستطيعون فهمه. وهذا أشرنا إليه سابقا في مسألة مراعاة الفروقات بين الناس.
خاطبوا الناس على قدر عقولهم
وفي هذا يقول عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة»، أي كان هذا الحديث الذي حدثتهم إياه سببًا لوقوع الناس في الفتنة، وقد يتركوا الدين؛ لأنهم لم يفهموه، وفي هذا إرشاد للمتكلم -أيّا كان تخصصه- أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه-: «كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت» يقول: «كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر».
أمور قد تسبب فتنة في الدين
هناك أمور في أهوال يوم القيامة وأشراط الساعة لا يصلح أن تطرحها أمام عامة الناس أو حديثي الإسلام، بل تُؤخر، وقد تكون المصلحة في التأخير؛ فليس كل ما يُعرف يقال، كذلك بعض المسائل التي وقع فيها خلاف يسير بين أهل العلم لا يصلح أن تُطرح أمام عامة الناس؛ فقد تشوش عليهم وتسبب لهم التباس، كذلك ما وقع بين الصحابة في الجمل وصفين، هذه أمور كان ينهى السلف عن الكلام فيها؛ لأن هذا قد يسبب للناس فتنا، كذلك الكلام في الأخبار وما يجري في بلداننا من معلومات هنا وهناك، كثير من الناس يتلقفها ثم ينقلها إلى المجالس العامة مثل الديوانيات، وقد يكون فيها ضرر؛ فليس كل ما يُعرف يقال، والنبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: «كفى بالمرء كذبا أن يُحدث بكل ما سمع»؛ لأن هذا مصيره أن يقع في الكذب.
مشكلة بعض الناس
أيضا من الأدلة على هذه القاعدة، ما جاء عن أن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: «كنت أقرئ رجالا من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب، في آخر حجة حجها؛ إذ رجع إليَّ عبد الرحمن فقال: «لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم! فقال: «يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت»، فغضب عمر، ثم قال: «إني -إن شاء الله- لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم»، فقال عبدالرحمن بن عوف: «يا أمير المؤمنين، لا تفعل؛ فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم» أي الهمج من الناس «فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وألا يعوها، وألا يضعوها على مواضعها»، وهذه مشكلة بعض الناس الذين يسمعون خطأ؛ فيفهمون خطأ؛ فينقلون خطأ. ثم قال عبد الرحمن: «فأمهل حتى تقدم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها» فأخذ عمر بالنصيحة ولما ذهب إلى المدينة قال ما كان يريد أن يقول، وهذا أسلم؛ لأن الناس قد تفهم خطأ فتنقل خطأ.
ليس كل ما يُعرف يقال
وأيضا من الأدلة على أنه ليس كل ما يُعرف يقال، ما ذكره الصحابي الجليل أبو هريرة أنه قال: «حَفِظْتُ مِن رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- وِعَاءَيْنِ: فأمَّا أحَدُهُما فَبَثَثْتُهُ، وأَمَّا الآخَرُ فلوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هذا البُلْعُومُ»، هذا الذي أخفاه أبو هريرة من العلم كان فيه ذكر بعض الحوادث وبعض ما سيجري في دولة بني أمية وغيرهما، وهذا -بلا شك- لو أثير لأحدث جلبة وفتنة.
من السياسة في العلم
القصد من ذلك أن هذا من سياسة العلم، فمن السياسة في العلم أن لكل مقام مقالاً، وأن ما كل ما يُعرف يقال، ولا كل ما يقال يصلح أن يقال في كل زمان وفي كل مكان، فانتبه أيها الفقيه في دعوتك إلى الله لمثل هذه القواعد المهمة!.
خاطبوا الناس على قدر عقولهم
من آداب الكلام أن الإنسان إذا كلم قومًا، فإنه يبتغي درجة من الكلام تبلغها عقولهم ويفهمونها، ولا يخاطبهم بالصعب الذي لا يدركون معناه، ولا بغريب الكلام الذي لا يفهمونه، وحتى إذا انتقى أشياء من العلم ينتقي الأشياء الأساسية الواضحة السهلة التي تقبل، ويترك الأشياء التي قد ينفر منها الناس لغرابتها عندهم، مع أنها قد تكون من الدين، لكن إذا أدى عرضها إلى تكذيب الله ورسوله، كما يفعل بعض العامة إذا عُرِض عليه شيء غريب جدًا قالوا: هذا ليس حديثًا، ولا يمكن أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كلاماً مثل هذا؛ فيؤدي به إلى تكذيب الله ورسوله؛ فعليه أن يجتنبها. ولذلك قَالَ عَلِيٌّ -كما روى البخاري تعليقاً-: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟!» وهذا شيء يهم الخطباء والدعاة إلى الله -عزوجل.

اعداد: الشيخ محمد السنين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-10-2023, 09:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الدعوة

فقه الدعوة (٦)

فقه التعامل مع الناس


  • إذا اختلفت مع أي إنسان وهذا لابد من وقوعه في الحياة سواء كان قريبا أم بعيدا احرص ألا تُبالغ في الخصومة واجعل للصلح موضعا ولا تقطع حبال صلتك معه
  • الشرع والعقل والحكمة تقتضي أنه لا مصلحة لأحد بإظهار العداوة لأحد حتى ممن لم يكن لك مصلحة بصحبته
من تجارب الحياة في التعامل والعلاقات عند أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي -رحمه الله تعالى- التي ضمّنه كتابه الماتع (صيد الخاطر)، يقول: «مما أفادتني تجارب الزمان، أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحدًا ما استطاع؛ فإنه ربما يحتاج إليه، مهما كانت منزلته، وإن الإنسان ربما لا يظن الحاجة إلى مثله يومًا ما، كما لا يحتاج إلى عويد منبوذ، لا يلتفت إليه، لكن كم من محتقر احتيج إليه! فإذا لم تقع الحاجة إلى ذلك الشخص في جلب نفع، وقعت الحاجة في دفع ضر، ولقد احتجت في عمري إلى ملاطفة أقوام ما خطر لي قط وقوع الحاجة إلى التلطف بهم، واعلم أن المظاهرة بالعداوة قد تجلب أذى من حيث لا يعلم؛ لأن المظاهر بالعداوة كشاهر السيف ينتظر مضربًا، وقد يلوح منه مضرب خفي، وإن اجتهد المتدرع في ستر نفسه، فيغتنمه ذلك العدو، فينبغي لمن عاش في الدنيا أن يجتهد في ألا يظاهر بالعداوة أحدًا، لما بينت من وقوع احتياج الخلق بعضهم إلى بعض، وإقدار بعضهم على ضرر بعض، وهذا فضل مفيد، تبين فائدته للإنسان مع تقلب الزمان».
وهذه نصيحة ثمينة، وموعظة بليغة، كلنا في هذه الحياة نحتاج إلى أن نتعلم كيف نفقه التعامل مع الناس، قد تمر عليك بعض الأوقات تحتاج إلى مراجعة إدارة من إدارات الدولة، مستشفى مثلا، فيثيرك أحد العاملين أو المسؤولين بأسلوب غير مناسب، إما لأنك تأخرت في الموعد، أو أن أوراقك الثبوتية غير كافية أو ناقصة، فيسيء إليك بكلام، أو يرد عليك بأسلوب غير مناسب، فتغضب، وترد عليه بكلام فيه نوع من الشدة، وربما التهديد بأن تشكوه إلى المسؤولين، وأنت تعلم أو لا تعلم بأنك سترجع إليه حتما؛ لحاجتك إلى هذه المراجعات وهذه المؤسسات، ولذلك ليس من المعقول أن تسيء إلى هذا الإنسان أنت محتاج إليه، هذه صورة في المثال، ولها في حياتنا أخوات من هذا النوع من المعاملة. تواجهك في الحياة فتبالغ أنت في الرد وبالإساءة وبالكلام الذي قد يحفظه هذا الإنسان الذي أُسيء إليه لك يوما من الأيام.
لا تُظاهر أحدا بالعداوة!
لذلك كما قال ابن الجوزي -رحمه الله-: لا تُظاهر أحدا بالعداوة، ولا تبالغ في البغضاء والخصومة، وقد جاء في الأثر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ويُذكر مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما»، هونا ما أي من غير مبالغة أو غلو في البغض.
لا تُبالغ في الخصومة!
فإذا اختلفت مع أي إنسان -وهذا لابد من وقوعه في الحياة، سواء كان قريبا أم بعيدا، وسواء كان جارا أو مشاركا لك في أي مصلحة من مصالح الدنيا، عندما تختلف معه- احرص ألا تُبالغ في الخصومة، وهذه قاعدة مع كل إنسان، حتى يقع بين طلبة العلم عندما يختلفون في بعض مسائل العلم، ومسائل الفكر والرأي والاجتهاد، بعضهم يبالغ في خصومته، بل ربما يفجر أحيانا من حيث لا يعلم، فيُظهر هذه العداوة بكثرة الكلام والنقد والمعارضة وتتبع الأخطاء والزلات، وهذا لا شك له أثر سيء جدا على علاقة الإنسان بأخيه الإنسان؛ لذلك لا تبالغ في خصومتك، ولا تُظهر معاداتك لهذا الإنسان الذي اختلفت معه.
اجعل للصلح موضعا
واجعل للصلح موضعا، ولا تقطع حبال صلتك معه، واجعل لك خط رجعة؛ فالدنيا لا تصفو لك دائما، قد تحتاج إليه، وقد يتبين لك أنك أنت المخطئ في خلافك معه، وهذا يحدث كثيرا عندما تجلس مع نفسك وتُراجع ما قلت، وما خاصمته فيه، ربما اكتشفت بأنك أنت المخطئ، وأن صاحبك هذا لم يكن مخطئا. وأنك تعجلت أمرا لك فيه أناة - أي هذه الخصومة- أو يترجح لديك أن عودة العلاقات أفضل من بقاء العداوة والبغضاء، ولا سيما إن كان هذا الخلاف في محيط الأسرة والقرابة والرحم، يتبين للإنسان بعد ذلك أنه لا داعي للاستمرار والتمادي في الخصومة وإظهار العداوة، وحينئذ يصعب عليك الرجوع إلى صاحبك إلى ما كنتم عليه من عهد الأخوة والصحبة والقرابة والمشاركة والزمالة في العمل من حسن المعاملة وحسن الخلق؛ فيصعب عليك الرجوع كلما تذكرت عداوتك وإساءتك له فتخجل أن ترجع؛ لأنك لم تدع للصلح موضعا، وهذه فرصة من فرص الشيطان، يُؤجج العداوة كي تبقى القطيعة، كما أشار في ذلك ربنا -تبارك وتعالى-: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}، والسبب أنك لم تدع للصلح موضعا، ألقيت كل ما عندك. ويُحكى أن رجلا سبّ أبا الدرداء الصحابي الجليل وبالغ في السب، فقال له أبو الدرداء: يا هذا لا تبالغ في سبنا وشتمنا، ودع للصلح موضعا.
قصة واقعية
سأحكي لكم قصة واقعية وأجزم أنها مازالت تتكرر بالتفاصيل نفسها، وقد حضرتها وشاهدتها بنفسي: رجل اختلف مع زوجته لمشكلات متكررة لا تخلو منها أسرة عادة، لكن يبدو أن الأمر زاد عن حده فانقلب إلى ضده كما يقولون، فطلقها الرجل، فانطلقت إلى بيت أهلها مخالفة بذلك أمر ربها بالبقاء في بيت الزوجية في أثناء فترة العدة، كما تفعل الكثير من المطلقات -هداهن الله-؛ بسبب الجهل، وعندما تذهب إلى بيت أبيها تبدأ بالكلام والافتراء، ربما كلام مثل ما ذكر هذا الأخ يقول: كثير مما قالته فيّ ليس حقا، وتطعن عليه، وتسيء إليه، وتتهمه بأشياء كثيرة، تريد أن تنتقم بسبب جهلها وضعف عقلها، فإذا استمر مكثها في بيت أهلها، اشتاقت لزوجها واشتاقت لتلك العشرة بينها وبين زوجها وأولادها فتندم، وهنا يبدأ سعي أهل الصلح في الإصلاح، فإذا ذهبوا للزوج ليقوموا بالصلح بينهما، يرفض الزوج بإصرار، ويقول: الآن وبعد الذي قالته، هي لم تدع شيئا من سوء إلا وقد قالته في حقي، وقال: والله ما أطيقها، لأنها لم تدع للصلح موضعا، لا هي التي لزمت بيت زوجها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا كما قال -عز وجل-، ولا هي التي حفظت لسانها من الكلام فيّ، فكيف أرجع إليها؟!
كلام مهم في حياتنا
ما قاله ابن الجوزي -رحمه الله- في خاطرته كلام مهم في حياتنا، فينبغي لمن عاش في الدنيا أن يجتهد في ألا يظاهر العداوة أحدا، لما يقول بينت من وقوع احتياج الخلق بعضهم إلى بعض. ثم قال: وإقدار بعضهم على ضرر بعض، من بالغت في عداوته، وأظهرت العداوة له ربما يضرك، وضرب ابن الجوزي رحمة الله عليه مثلا في إقدار بعض الناس إيقاع الضرر على بعض، وهذا قد يقع في كل وقت، قال -رحمه الله-: إني لأعلم ناسا أظهروا عداوة لبعض الناس، فلما دار الزمان وتمكن هؤلاء الناس الذين أسيء إليهم وآلت السلطة إليهم انتقموا ممن أظهر عداوتهم شر انتقام.
سيحفظون ذلك لك
تتكلم في الناس وتُظهر العداوة لهم، وتسيء إليهم، وتبالغ في الإساءة، ولا تترك شاردة ولا واردة من السوء والشر إلا وتقذفهم به، سيحفظون ذلك لك، ولا تقل هذا قوي وهذا ضعيف، هذا شريف وهذا وضيع، لا، حتى الخادم في البيت، بعض النساء تسيء إلى الخادمة؛ لأنها كسرت شيئا أو تأخرت في إنجاز عمل ما أو ما شابه ذاك فتسيء إليها بالكلام وتحاول تؤذيها. ثم تأتي الزوجة هذه أو الرجل ويقول هذا ما فعله الخادم بي، ربما يصل إلى تسميم الطعام وأشياء كثيرة بل وحتى إلى القتل، وقد رأينا هذا، والسبب هو هذا.
لابد للإنسان أن يكون حكيما
لابد للإنسان أن يكون حكيما وأن يكون على حذر، والشرع والعقل والحكمة تقتضي أنه لا مصلحة لأحد بإظهار العداوة لأحد، حتى ممن لم يكن لك مصلحة بصحبته لا تعاديه، رد وانتقد وعاتب وحاسب وانصح ووجّه وربما تشد في الكلام أحيانا إذا استدعى الأمر، لكن لا تستمر في المعاداة ولا تطل العداوة، وأنت محتاج إلى هؤلاء الناس، وفي حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يقول فيه: «يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها»، وهذا فيه إشارة واضحة لهذا المعنى الذي ذكرناه، أنت محتاج إلى الزوجة فكيف تضربها بهذا الشكل؟ كأنك تضرب أمة وأنت محتاج إلى عشرتها وإلى مضاجعتها وغير ذلك. هذا أيضا مع الخدم ومع كل الناس في الحياة.
لو أن بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها
وأختم بهذا الكلام عن معاوية - رضي الله عنه -، وكان معاوية بن أبي سفيان من عقلاء الرجال المعدودين، وحلمائهم المعروفين، يقول معاوية: «إني لا أضع سيفي حيث يكفيني صوتي، ولا أضع صوتي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها، قيل: وكيف ذلك؟! قال: إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها» هذا شأن الحكيم في تعامله في بيته مع زوجه وأولاده وخدمه وأصدقائه وزملائه وجيرانه وعامة الناس.

اعداد: الشيخ محمد السنين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 114.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 110.81 كيلو بايت... تم توفير 4.02 كيلو بايت...بمعدل (3.50%)]