شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 637 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 269 )           »          معنى حديث «من ستر مسلماً ستره الله..» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ركعتا تحية المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حكم صيام من دخل بعض الماء إلى جوفه دون قصد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 368 )           »          قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 837018 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 14-05-2019, 01:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان

المسافر في نهار رمضان


يجوز للمسافر في نهار رمضان أن يفطر، فالعذر ثابت للمريض والمسافر؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]؛ وفي هذه الآية محذوف تقديره: من كان مريضاً فأفطر لزمه أن يقضي، وهذا نوع من أنواع الدلالات، وهي دلالة الاقتضاء، فالكلام فيه حذف أو شيء مضمر والمقام يقتضي أن نعبر عنه بذلك.إذاً من كان منكم مريضاً فأفطر أو على سفر فأفطر، لكن المريض الذي لم يفطر، أو المسافر الذي لم يفطر ليس عليهما عدة من أيام أخر، وهذه تسمى دلالة الاقتضاء: من كان منكم مريضاً فأفطر لزمه أن يقضي مكان اليوم الذي أفطره.روى أصحاب السنن عن أنس بن مالك الكعبي -غير أنس بن مالك الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه- قال: (أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدى فقال: ادن فكل -أي: يتناول
طعام الإفطار في الصباح، والغداء في الغدو، ونحن نقول: الغداء أي: طعام الظهر، ولكن الغداء أصلاً معناه طعام الصبح وهو الإفطار- قال: فقلت: إني صائم، فقال صلى الله عليه وسلم: ادن أحدثك عن الصوم، إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة) أي: رخص الله عز وجل للمسافر أن يفطر وعليه أن يقضي، وطالما أنه سيصلي فليس عليه قضاء؛ لأنه قد أتى بشطر الصلاة. وهذا حديث حسن صحيح.فإن كان سفره فوق مسافة القصر على اختلاف بين العلماء في مسافة القصر فنقول: ابتداء إذا كان السفر مسافة قصر وليس سفر معصية فله الفطر في رمضان، والسفر قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون مباحاً، وقد يكون مكروهاً، فللمسافر أن يفطر في ذلك، أما إذا كان سفر معصية فليس له أن يفطر فيه؛ لأن الإفطار في السفر إعانة على مشقة السفر، وهذا الذي يسافر ليعصي المفترض أن يمنع من السفر، كأن يسافر ليشتري خمراً، أو يزني، فالأصل أن يمنع، ولا يجوز له أن يفطر أو يقصر؛ لأنه بهذه الرخصة أعين على المعصية.إذاً: إذا كان سفره فوق مسافة القصر، وليس السفر في معصية فله الفطر في رمضان؛ لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] سواء كان سفر حج أو جهاد أو تجارة، وأنواع السفر: سفر حج، وهذا قد يكون فريضة، وقد يكون مستحباً، وسفر جهاد وهذا قد يكون فرض عين أو كفاية أو قد يكون مستحباً، أو سفر تجارة فقد تكون مستحبة أو مباحة أو مكروهة، ونحو ذلك من الأسفار.ومذهب الأئمة الأربعة: أنه يجوز للمسافر أن يصوم وأن يفطر، فالأيسر عليه يفعله.وأما في الصلاة فقد استحب الجمهور قصرها في السفر، وذهب الأحناف إلى أنه يجب القصر. والمسافر تجب عليه الصلاة ولا يصح أن يقال له: إذا رجعت من السفر فاقضها كالصيام، ولكن له أن يصلي الرباعية ركعتين، لكن الصوم لا يقال له: صم نصف الصوم، فإما أن يصوم أو يفطر، وإذا أفطر لزمه القضاء وبقي متعلق بذمته، وإذا صام فليس عليه قضاء.
اختلاف العلماء في أيهما أفضل في السفر الصوم أو الفطر


اختلف العلماء في أيهما أفضل: الصوم في السفر أو الإفطار؟ والراجح في ذلك: هو أن الأيسر عليه يفعله سواء الصوم أو الإفطار.روى البخاري ومسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة)، والمعنى أن هذا الصوم كان فريضة في رمضان، فالذي كان صائماً هو النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة وبقية الصحابة كانوا مفطرين.وعن جابر كما في الصحيحين: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر)، وهذا الحديث لا يؤخذ الجزء الأخير منه من غير نظر إلى سببه، فلا يقال: إن قوله: ليس من البر الصوم في السفر تعتبر قاعدة عامة؛ لأنه إنما قال ذلك نتيجة سبب من الأسباب، فلا ينبغي أن يلغى السبب ويؤخذ بالنتيجة، فالنبي صلى الله عليه وسلم، صام في السفر، ولكنه رأى صلى الله عليه وسلم رجلاً صائماً في السفر وحوله أناس مزدحمين كل يقدم له خدمة، فقال: (ما هذا؟) فقالوا: صائم. إذاً: كان القوم مسافرين، والسفر قطعة من العذاب، وكل واحد مشغول بنفسه، وهذا الصائم شغلهم وضيق عليهم بحيث وصل إلى مشقة لا يقدر معها على الصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر)؛ لأنه ليس من التقرب إلى الله أن تشق على صاحبك وتجعل الناس يخدمونك.إذاً هذا الحديث فيما إذا كان الصائم سيشق على نفسه وعلى رفقته.وعن أنس -كما في الصحيحين- قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، فلا الصائم يعيب على المفطر، ولا المفطر يعيب على الصائم، فطالما الصائم لا يتعب غيره فلا بأس أن يصوم، قال الله عز وجل: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، فالأفضل هو الأيسر، والله يريد بنا اليسر. وأيضاً عن ابن عمر -كما في المسند مرفوعاً-: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)، فالله يكره من عبده أنه يأتي المعصية، كذلك يحب من عبده أن يأتي الرخصة.وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام -والمعنى أن الرجل كان كثير الصيام في غير رمضان، فلما جاء عليه شهر رمضان سأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك- فخيره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)؛ لأنه إذا أفطر في رمضان لزمه القضاء بعد رمضان، كسائق السيارة من الإسكندرية إلى القاهرة فهو مسافر دائماً، فله أن يفطر في رمضان، وله أن يصوم، وإذا أفطر لزمه القضاء بعد رمضان، ولعله يكون مسافراً أيضاً، فالذي يتيسر له من الأمرين يفعله سواء كان الصوم أو الإفطار.كذلك في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس، فأفطر صلى الله عليه وسلم)، فظل صائماً إلى أن وصل إلى عسفان، وبعد ذلك بلغه أن الناس شق عليهم الصوم، فأفطر صلى الله عليه وسلم أمام الناس. وكان ذلك في فتح مكة في رمضان.وفي رواية: (أن ذلك كان بعد العصر) .إذاً النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقتدي به الناس أفطر بعد العصر وإن كان الوقت قد قرب من المغرب، ولكنه وجد أن ذلك سيشق على الناس فأفطر صلوات الله وسلامه عليه حتى يفطر الناس، فكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر -يعني في السفر- فمن شاء صام ومن شاء أفطر.ويذكر الحافظ ابن حجر مذاهب العلماء في الصوم أو الإفطار في السفر، فأكثرهم كـمالك والشافعي وأبي حنيفة على أن الصوم أفضل لمن لم يشق عليه؛ لأنه إذا صام لا يتعلق بذمته. وقال كثير من العلماء: الفطر أفضل؛ عملاً بالرخصة، فإذا كان الإنسان لم يرفض الرخصة أصلاً ولكن خاف ألا يتمكن من القضاء، والأداء سهل عليه كان الصوم أفضل له.وقال آخرون: هو مخير بين الأمرين، وقال


آخرون: أفضلهما أيسرهما، وهذا الأرجح، فإذا تيسر الصوم صام، وإن شق الصوم أفطر، وإن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه الأداء ويشق عليه القضاء بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل، وكثير من الناس يسهل عليهم الصيام، فإذا دخل رمضان اعتاد على الصيام، وصام مع الناس وارتاح من القضاء.وآخر يشق عليه وهو مسافر أن يصوم، فقد يمرض أو يعطش عطشاً شديداً لا يقدر معه على أن يقضي حاجته في سفره، فهذا الأفضل في حقه أن يفطر؛ حتى يتمكن من قضاء حاجاته، ثم يقضي بعد ذلك.فالفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به كما ذكرنا، كذلك من ظن أنه رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ورفض الرخصة، فالأفضل أن يأخذ بالرخصة التي رخصها الله عز وجل له.إذاً: الذي قبل الرخصة وصام له ذلك، والذي قبل الرخصة وأفطر له ذلك، لكن الذي رد الرخصة ورفضها فالأفضل في حقه أنه لا يعرض عن رخصة رخصها الله له ولو بالقول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رغب عن سنتي فقد رغب عني، أو فليس مني).كذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء، فقد يكون مسافراً مع الناس، والكل مفطر فيخاف أن يصيبه العجب من كلام الناس، فالأفضل في حقه أنه يبتعد عن الرياء وأن يفطر، وغيره يجوز له أن يصوم ويجوز له الإفطار كما قدمنا.روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثرنا ظلاً الذي يستظل بكسائه، وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئاً، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا).فالصائمون في تلك الحالة فائدة صيامهم مقتصرة عليهم لا تتعدى إلى غيرهم، لكن الذين أفطروا قاموا وخدموا الجميع وأحضروا الطعام، وبعثوا الركاب، وامتهنوا أي: قاموا بالمهنة وبقضاء حوائج المسافرين، فكان نفعهم متعدياً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) .فإذا كان الصائمون لهم أجر على قدر صيامهم، فالأجر العظيم أخذه المفطرون الذين قاموا بأمر السفر، ويسروا على غيرهم، وقاموا بما طلب منهم، فكان لهم الأجر العظيم، فكأنه إذا قورن أجر الصائم بأجر هؤلاء في تعبهم وامتهانهم لكان أجر الصائم قليلاً بالنسبة لأجر ذلك المفطر، وليس معنى ذلك أن الصائم ليس له أجر، بل له أجر عظيم، ولكن أجر أولئك الذين قاموا بالخدمة أعظم.أيضاً أخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام -أي: في فتح مكة في رمضان- فنزلنا منزلاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا -فكانت رخصة- فمنا من صام ومنا من أفطر).ومعنى (إنكم قد دنوتم) أي قربتم من العدو، فالفطر أقوى لكم؛ حتى تقدروا على قتال أعدائكم، فمنهم من صام ومنهم من أفطر، قال: (فنزلنا منزلاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزيمة) أي: أن الصبح هو موعد القتال، وربما يصعب عليهم القتال وهم صائمون، فأمرهم بالإفطار صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفطر أقوى لهم. ففي المرة الأولى كانت رخصة؛ لأن العدو مازال بعيداً فلم يعزم عليهم، لكنهم لما أصبحوا لقتال العدو قال لهم: أفطروا، قال: (فأفطروا إلا قليلاً منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -لما سمع أن فلاناً وفلاناً ما أفطروا-: أولئك العصاة) وهذا دليل على أن أمره لهم كان عزيمة. فقد كانوا ذاهبين إلى مكة مكان الكفر ليحولوه إلى بلد للإسلام، وقد لا يقدرون مع الصوم على ذلك، فعليهم أن يفطروا، وإذا أفطر أحدهم وقاتل حتى قتل فإنه في هذه الحالة لم يتمكن من القضاء، فما عليك شيء، ولا يصوم عنه وليه، فكان الأفضل لهؤلاء أن يفطروا؛ لأنه أقوى لهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عمن لم يفطروا: (أولئك العصاة).ونسبته صلى الله عليه وسلم الصائمين إلى العصيان؛ لأنه عزم عليهم أن يفطروا؛ لأنهم مصبحوا العدو، فأصبحوا صائمين.وكذلك الحديث الذي رواه النسائي عن جابر بلفظ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء فقال: ما بال صاحبكم هذا؟ قالوا: صائم يا رسول الله، فقال: إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوه) فقد قال هذا الكلام لسبب معين فما كان مثله كان كذلك.
مسافة القصر


الراجح في مقدار السفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر أنه ما يسمى سفراً، وخرج فيه الإنسان من مكان إلى مكان آخر، أو من بلدة إلى أخرى فله أن يفطر وله أن يقصر من الصلاة فيه، فما سمي سفراً عرفاً سواء كان قصيراً أو طويلاً يجوز فيه القصر والفطر، بشرط ألا يقل السفر عن أقل مسافة قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فأقل المسافات التي قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت في الحديث: (أنه كان يقصر صلى الله عليه وسلم إذا سافر ثلاث فراسخ أو ثلاثة أميال)، وفي هذه الرواية شك، وفي بعض الروايات: (ثلاثة أميال) بغير شك، فعلى ذلك يحطاط بثلاثة فراسخ، ومقدارها نحو ستة عشر كيلو من آخر عمران البلد، أي: بعد آخر البيوت التي يعيش فيها، فإذا كان بين قرية وأخرى مسافة ستة عشر كيلو فما فوقها فله أن يقصر وأن يفطر.قال يحيى بن يزيد الهنائي : (سألت أنساً عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين).لكن العلماء أخذوا بأطول من ذلك، فذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أنه مسيرة يومين على الإبل أو الأقدام، قالوا: وتقديرها بستة عشر فرسخاً أي: بمقدار واحد وثمانين كيلو متراً تقريباً.واختار البخاري أنها مسيرة يوم وليلة، وكأنه على النصف من ذلك، أي: بمقدار أربعين كيلو متراً.وقال أبو حنيفة : أنها مسيرة ثلاثة أيام، وبعض فقهاء الأحناف يقولوا: أنها تقدر بخمسة عشر فرسخاً، وذلك ست وسبعون كيلو متراً.إذاً من العلماء من يرى أنها ستة عشر فرسخاً، والبعض يرى أنها خمسة عشر فرسخاً، ولكن الحديث على أنها ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال، فإذا احتطنا في الأخذ بالحديث تكون ثلاثة فراسخ، وتقدر بستة عشر كيلو، ويقيد ذلك بأن يسمى سفراً عرفاً.وقد يكون ما بين آخر العمران الذي بين بلد وآخر حوالي ستة عشر كيلو.يقول ابن تيمية رحمه الله: تنازع العلماء: هل يختص القصر والفطر بسفر دون سفر، أم يجوز في كل سفر؟ قال: وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر، قصيراً كان أو طويلاً، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ومنى، وبين مكة وعرفة نحو بريد، يعني: أربعة فراسخ، بما يقدر بواحد وعشرين كيلو متراً، والمعنى: أنه قصر أهل مكة وكانوا وراء النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات، ولم يأمرهم بإتمام الصلاة.يقول: ولم يحد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد لا زمنه ولا مكانه، والأقوال مذكورة في ذلك ومتعارضة، وليس على شيء منها حجة، والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- ويقيد ما قيده، فيقصر المسافر الصلاة في كل سفر، وكذلك في جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر، والصلاة على الراحلة، والمسح على الخفين، ومن قسم الأسفار إلى سفر طويل وقصير، وخص بعض الأحكام بهذا وبعضها بهذا فليس معه حجة يجب الرجوع إليها.هذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله وهو كلام قوي متين، فالراجح: أنه إذا سمي السفر سفراً، أو سميت المسافة التي يقطعها الإنسان من بلد إلى أخرى سفراً فيجوز له أن يقصر من الصلاة، وأن يفطر، والله أعلم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 15-05-2019, 01:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان


شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- الفطر في رمضان ومن لا يرخص له فيه وأحكام الكفارة
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(11)



يجب على المسلم أن يعرف أحكام العبادات التي يتعبد بها ويتقرب بها إلى ربه سبحانه وتعالى، حتى تكون هذه العبادات صحيحة فيقبلها رب العالمين، ومن أهم العبادات فريضة الصيام فهي الركن الرابع من أركان الإسلام، ومع أهمية الصيام ومكانته في دين الله، فإنك تجد كثيراً من الناس يجهل بعض أحكامه، فيجب علينا أن نتنبه لهذا الأمر.


مسائل في الصيام

حكم من أفطر ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.أما بعد: فإن الصائم إذا أفطر ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً، فإن صومه صحيح، وعليه أن يكمل صومه ذلك، والدليل على ذلك في النسيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نسي الصائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)، وكذلك ما جاء في سنن ابن ماجة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فإذا أخطأ الإنسان فأكل، أو نسي فأكل، أو أكره على ذلك فأكل مكرهاً، فإنه مجرد ما يرجع إلى حالته الأولى يلزمه أن يمسك ويتم صومه.فإذا كان جاهلاً بالصيام، وهذا لا يتصور في إنسان يعيش في بلد إسلامي، ولكن في بلاد الكفر قد يتُصور ذلك، فقد يصوم كما يصوم أهل الكتاب، فهذا جاهل، فلا يجب عليه إلا أن يمسك، والأحوط له أن يعيد ما أفطره، لكن إن لم يعد فلا شيء عليه؛ لأنه جاهل.كذلك المكره، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فإذا أكره إنسان من قبل قوم بأن جعلوا بداخل فمه ماء أو طعاماً أو أدخلوه في الماء بحيث أنه يضطر أن يشرب من هذا الماء، فهذا كله لا يبطل صومه، بل ويكمله بعد ذلك إن استطاع.أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، وذرعه أي: غلبه القيء، فهذا إكراه من نفسه؛ لأن المعدة هاجت فأفرغت ما فيها، فمن ذرعه القيء فليس عليه قضاء، وإنما القضاء على من استقاء عمداً، وكذلك الحكم في الطعام والشراب ونحو ذلك، فإن الإنسان إذا أكره عليها ولا يد له في ذلك، أي: أكره إكراهاً ملجئاً بآلة أو سلاح أو نحوها، فلا شيء عليه وليكمل صومه.كذلك إذا أكره إنسان على الوطء، بأن قيل له: جامع في نهار رمضان وإلا قتلناك، لو حدث هذا الشيء وفعل المكره ما أكره عليه فالراجح أيضاً أنه لا يفطر ولا قضاء عليه في ذلك.

حكم المضمضة والاستنشاق للصيام

المضمضة والاستنشاق مشروعان للصائم باتفاق العلماء، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر) ولم يقيد لغير رمضان فهو على إطلاقه، فهذا يعني: أنه إذا كان الإنسان في رمضان أو في غير رمضان وأراد الوضوء، فليجعل في أنفه ماءً أي: يدخل ماء في أنفه، ثم لينتثر، يعني: يخرج بقوة الزفير هذا الماء الذي دخل في أنفه.لكن قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فهنا استثناء واحتراز وهو أنك إذا كنت صائماً فلا تبالغ في المضمضة أو الاستنشاق، فنهى عن المبالغة فيها، ولم ينه عنها بالكلية، وأما حكمها فقد قدمناه فيما مضى.
حكم من أفطر بلا عذر في نهار رمضان

لو أن إنساناً أفطر في نهار رمضان، بطعام أو بشراب أو بجماع وكان معذوراً مريضاً أو مسافراً، فعليه أن يقضي هذه الأيام ولا إثم عليه في ذلك؛ لأنها رخصة من الله سبحانه تبارك وتعالى، ولكن الذي يفطر بغير عذر فهذا إثمه عظيم جداً، وسمعنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم، فإنهم يعلقون كالذبيحة من أعقابهم في نار جهنم والعياذ بالله، منكوس، مشققة أشداقه تسيل دماً، والسبب هو أنه كان يفطر متعمداً في نهار رمضان بغير عذر، فإذا أفطر وجب عليه أن يتوب من هذا اليوم الذي أفطر فيه، ويجب عليه أن يمسك؛ لأنه ليس من حقه أن يفطر طالما أنه قادر على الصيام ولا رخصة له ولا عذر، ويجب عليه أن يقضي يوماً مكان هذا اليوم، ولكن هل يجب عليه مع القضاء الكفارة؟ أي: هل يجب عليه مع هذا القضاء أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو بإطعام ستين مسكيناً؟الراجح أن الدليل خص حالة واحدة من حالات الإفطار وهي الإفطار بالجماع في نهار رمضان، ولا يلحق غيره به، فمن جامع في نهار رمضان فهذا الذي جاء فيه نص النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالقضاء مع الكفارة.فالذي تعمد الإفطار في نهار رمضان يلزمه أن يمسك بقية يومه، وإن كان إمساكه ليس صوماً، ولكن لمراعاة حرمة اليوم.
حكم الجماع في نهار رمضان



الذي يفطر بجماع، هذه الصورة الوحيدة التي يلزمه فيها القضاء والكفارة، سواء جامع أهله أو جامع غيرها، أي: وقع في الزنا أو في اللواط وإن كانا حراماً في رمضان وفي غيره لكن كلامنا هنا فيما يجب على من فعل ذلك، فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يمسك بقية هذا اليوم، وعليه القضاء والكفارة أيضاً، والدليل على ذلك ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله! هلكت، قال صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ فقال: لا، -بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الرقبة فدل على أن الكفارة على هذا الترتيب الذي ذكره صلى الله عليه وسلم- فقال للرجل: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ فقال الرجل: لا، - لم يقل له: حاول لعلك تستطيع؛ لأن الشخص أدرى بنفسه إن كان يقدر أو لا يقدر - ثم قال صلى الله عليه وسلم: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم - أي: سكت وانتظر - فبينما نحن على ذلك، أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذها فتصدق بها، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك).هنا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، ولم يذكر زوجة الرجل وما الحكم بالنسبة لها، ولذلك اختلف العلماء هل الكفارة خاصة بالرجل فقط أم أنها تجب على كل من الرجل والمرأة؟ فالبعض يقول: تجب على الاثنين؛ لأن الرجل سأل عن حكم نفسه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والمرأة تقاس على الرجل فيها، والبعض يقول: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بكفارةٍ واحدة، وقد علم أنه جامع أهله، ومع ذلك لم يذكر الكفارة على الزوجة، والراجح في هذه المسألة أن الشخص إذا أكره امرأته على ذلك فوافقته خوفاً منه، فيكون عليه القضاء والكفارة وهي عليها القضاء فقط، وإذا دعته هي إلى ذلك، فتكون هي مطيعة ومريدة للمعصية، فيلزم الاثنين القضاء والكفارة.فالرجل إن استطاع أن يعتق رقبة فليفعل وعليه مع ذلك أن يقضي يوماً مكان اليوم الذي جامع فيه، وإذا لم يقدر على عتق رقبة ينتقل إلى صيام شهرين متتابعين، فإذا لم يكن يقدر على ذلك ينتقل إلى إطعام ستين مسكيناً، فإذا لم يقدر في الوقت الحاضر يصبر وينتظر حتى يقدر، وإذا لم يقدر فإنه مع العجز الدائم يسقط عنه ذلك.والمرأة إذا كانت تقدر على العتق لزمها، وإذا كانت لا تقدر على العتق وتقدر على الصيام لزمها، فلا تعلق لكفارة الرجل بكفارة المرأة، فقد يكون الرجل فقيراً والمرأة غنية؛ ولذلك جاز إذا كان الزوج فقيراً والمرأة غنية ولها مال أن تعطي زكاة مالها لزوجها، ولم يجز العكس، فالرجل إذا كان غنياً لا يجوز أن يعطي زكاة ماله لامرأته؛ لأنه يجب عليه أن ينفق عليها، فالمقصود أن الشخص يكفر عن نفسه، سواء أكان الرجل أم المرأة بما يقدر عليه، على الترتيب الذي ذكر في الحديث. وإذا كان الشخص متزوجاً أربع نسوة، ووطئ الأربع في نهار رمضان، فالراجح أن عليه كفارة واحدة مع القضاء، وعليه ذنب عظيم لانتهاك حرمة اليوم بذلك، والنساء فيهن التفصيل الذي ذكرناه آنفاً، وهو أن المطاوعة له في ذلك عليها القضاء والكفارة، أما المغلوبة على أمرها فإن عليها أن تقضي فقط.لكن لو أن المرأة قاومت ولم ترد هذا الشيء فأجبرها بالقوة، فنرجع إلى حكم الإكراه، وهو أنها إذا كانت مكرهة لا تقدر على الفكاك ولا المقاومة، فإنها تبقى على صيامها وليس عليها القضاء إلا أن تخاف منه فتمكنه، أي: إذا ألجأها لذلك فليس عليها شيء، ففرق بين أن تكره إكراهاً ملجئاً وبين أن لا تكون كذلك.
حكم من طلع عليه الفجر وهو مجامع



من طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع مع العلم بذلك، فإن عليه القضاء والكفارة؛ لأنه أفطر بجماع في يوم من أيام رمضان وهو يعلم بحرمة ذلك، أما إذا كان مجامعاً وأذن الفجر فنزع، فلا شيء عليه.
الجهل عذر في عدم وجوب الكفارة

من المهم أن نعلم أن الجهل يكون عذراً في عدم الكفارة، ومثال ذلك إذا أكل شخص في نهار رمضان ناسياً، وجهل أن الأكل ناسياً لا يبطل الصوم، فظن أنه قد أفطر بذلك، فذهب وجامع أهله، فهنا عليه القضاء فقط وليس عليه كفارة في هذه الحالة؛ لأنه يجهل أن النسيان لا يبطل الصوم.
حكم من جهل تحريم الجماع في نهار رمضان

إذا وطئ في نهار رمضان وقال: جهلت تحريمه، ففي هذه الحالة: نفرق بين إنسان في بلاد المسلمين وفي غير بلاد المسلمين، ففي غير بلاد المسلمين قد يسمع عن الصيام بأنه الامتناع عن الأكل والشرب، ولم يسمع عن الجماع وحكمه في نهار رمضان، فأمسك عن الطعام والشراب وجامع في نهار رمضان، فالراجح أن هذا الإنسان ليس عليه شيء لجهله، ولكن الأحوط أن يقضي يوماً مكان هذا اليوم، أما الكفارة فليس عليه شيء، أما في بلاد المسلمين فلا عذر بالجهل بذلك؛ لأنه معلوم واضح.
ترتيب الكفارة وكيفيتها

الكفارة على الترتيب، إما أن يعتق رقبة إذا وجدها وقدر عليها، فإذا لم يقدر على ذلك أو لم يجدها، فيصوم شهرين متتابعين، بحيث لا يفصل بينهما ولو بيوم، فإن فصل بينهما استأنف من جديد إلى أن يكمل الشهرين، فإذا بدأ من نصف الشهر فيكمل ستين يوماً، وإذا بدأ من أول شهر عربي فيكمل شهرين عربيين، سواء كان أحد الشهرين تسعة وعشرين يوماً والثاني ثلاثين يوماً أو كان كلاهما ثلاثين يوماً.فإذا لم يقدر على العتق ولا على الصيام، فيطعم ستين مسكيناً، والراجح أن الإطعام يكون وجبة لكل مسكين، فيعطي كل مسكين مداً، والمد يقدر بربع صاع إذا كان من تمر، ففي التمر يكون الصاع كيلو وربع الكيلو، إذاً فالمد من التمر سيكون أربعمائة جرام تقريباً، فإذا كان من القمح أو من الأرز ونحو ذلك سيكون أكثر من نصف كيلو بقليل، فإذا أعطى كل مسكين نصف كيلو من الأرز أو من القمح أو نحو ذلك، فالراجح أنه يجزئ عنه ذلك، وإن كان الأفضل أنه يعطي للمساكين من جنس الذي يأكل.
حكم من جامع وهو صائم قضاءً عن رمضان

لو أن إنساناً كان يصوم عن رمضان في أي شهر من الشهور، فأفطر بجماع، فهذا يأثم؛ لأنه انتهك حرمة صوم الواجب، والواجب عليه في مثل هذه الحالة قضاء الأصل؛ لأن صيام هذا اليوم قد فسد بالجماع، ولا يلزمه الكفارة؛ لأنها لحرمة رمضان.
حكم النوم والإغماء والجنون في نهار رمضان


لو أن إنساناً نام في نهار رمضان أو أغمي عليه أو جن، نقول: لو نام جميع النهار وكان قد نوى من الليل أنه سيصوم غداً، فالراجح أن هذا صومه صحيح؛ لأن النائم يستشعر الجوع والعطش ويستشعر من حوله، ولو أيقظته استيقظ، فهو يختلف عن المغمى عليه، ومن باب أولى إذا نام بعض النهار، فإنه لا شيء عليه. فقد أجمع العلماء على أنه لو استيقظ لحظة من النهار -مهما كانت قليلة ولو دقيقة واحدة- ونام بقية يومه صح صومه، وأما إذا نام جميع النهار فهنا المسألة فيها خلاف باعتبار أنه لم يستيقظ وأن حكمه حكم المغمى عليه، ولكن الراجح -كما قلنا- إن هناك فرقاً بين المغمى عليه وبين النائم، فالمغمى عليه لا يشعر مهما عملت معه ومهما حاولت أن تصحيه إلا أن يشاء الله سبحانه تبارك وتعالى؛ لأنه فاقد العقل، أما الإنسان النائم فعقله موجود وإنما ذهبت بعض أحاسيسه فقط. فالمغمى عليه لو نوى الصيام من الليل ثم أغمي عليه جميع النهار، لم يصح منه صوم؛ لأنه لم يوجد منه إلا النية فقط، أما الشعور فلا يوجد؛ لأنه ذاهب العقل بسبب هذا الإغماء، فيقضي يوماً مكان هذا اليوم الذي أغمي عليه فيه.ولو أن إنساناً تصيبه نوبات من الجنون في النهار كالصرع ونحو ذلك، فالراجح أنه لو كان جزءاً من النهار فلا شيء عليه طالما أنه نوى بالليل الصيام وبعض النهار كان صائماً ممسكاً، وإنما عرض له الجنون في جزء من النهار، وكذلك الحكم بالنسبة للإغماء في جزء من النهار.أما من جن وذهب عقله النهار كله، فهذا ذاهب العقل غير مكلف، فلا يلزمه القضاء ولا يجب عليه، فنفرق بين هؤلاء الثلاثة: النائم اليوم كله، والمغمى عليه اليوم كله، والمجنون اليوم كله.فالنائم اليوم كله: صومه صحيح طالما نوى الصيام من الليل.والمغمى عليه اليوم كله: صومه باطل، ويلزمه القضاء؛ لأن حكمه حكم المريض.والمجنون اليوم كله: يعتبر فاقد أهلية التكليف؛ لعدم وجود العقل، فلا يخاطب وهو في حالة جنون، ولا يلزم بالقضاء، بخلاف ما إذا ذهب عقله في بعض اليوم فإن صومه في باقي اليوم صحيح.
حكم المرأة إذا حاضت أو نفست في أثناء الصيام

لو حاضت الصائمة في أثناء النهار أو نفست بطل صومها، ولو ولدت ولم تر دماً، وهذا نادر جداً، فصومها صحيح، فعليها أن تبقى صائمة ولا شيء عليها.
حكم صيام من ارتد وهو صائم ثم تاب

لو أن إنساناً صائماً ارتد، فقد أبطل عمله، فلذلك يبطل صومه وعليه القضاء إذا تاب وعاد إلى الإسلام، فإذا كان الطعام أو الشراب في نهار رمضان معصية يبطل بها الصوم، فكيف بالكفر بالله عز وجل؟! نسأل الله العافية والسلامة.
حكم من ذهب عقله بفعل نفسه في نهار رمضان

لو نوى الصوم من الليل ثم شرب دواءً فزال عقله نهاراً بسبب هذا الدواء، فهذا حكمه حكم المغمى عليه فيلزمه القضاء إذا ذهب عقله جميع النهار، أما إذا زال عقله بعض النهار فإنه يكمل صومه ولا قضاء عليه. ولو أن إنساناً شرب مسكراً بالليل وبقي سكره إلى النهار، فهذا لا يصح منه صيام ويلزمه التوبة إلى الله عز وجل والقضاء.
جواز غطس الصائم في الماء

يجوز للصائم أن ينزل إلى الماء يغطس فيه إذا احتاج إلى ذلك؛ لأن ذلك قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى أبو بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال: (تقووا لعدوكم)، وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الذي حدثني: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج -مكان قرب مكة- يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر، فهذا يدل على أن الصائم له أن يغسل رأسه للتبرد أو لتقليل شدة العطش، وله كذلك أن ينزل في الماء ويغطس فيه، فلو أنه نزل في ماء ودخل بعض الماء -رغماً عنه- إلى أنفه أو إلى فمه، فالراجح أنه يلزمه إخراج هذا الماء، فإن لم يقدر فصومه صحيح؛ لأنه أكره على ذلك أو دخل وهو مخطئ غير متعمد، والله أعلم.نكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 17-05-2019, 12:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان



شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- الوصال في الصيام
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(12)



لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الوصال في الصوم؛ إبقاء عليهم، ورحمة بهم، ورخص لهم في ذلك إلى السحر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يواصل اليومين والثلاثة، فقد أعطاه الله قوة الطاعم والشارب.وقد جاءت الأحاديث الدالة على استحباب تعجيل الفطور وتأخير السحور، وذلك دليل على خيرية هذه الأمة، وظهورها على أعدائها.
حكم الوصال في الصوم


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقالوا: إنك تواصل، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لست مثلكم؟! إني أطعم وأسقى) وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: (وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) وهذا عن أبي هريرة رضي الله عنه.ومعنى الوصال: أنه يظل صائماً يوماً مع الليل لا يفطر ويجمع إليه اليوم التالي، وهذا الفعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى أصحابه أن يفعلوا ذلك؛ إبقاء عليهم وشفقة عليهم، ورحمة بهم، فهو بالمؤمنين رءوف رحيم صلوات الله وسلامه عليه، والصحابة كانوا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ويحبون ما يفعله، فيريدون أن يقتدوا به في كل شيء، فبين لهم وقال: (إني لست مثلكم) فالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بهذا الشيء، فإنه عند ربه يطعمه ويسقيه، فالله عز وجل يجعل له طعاماً وشراباً محسوساً، وفي رواية ابن عمر قال: (إني أطعم وأسقى) وقال صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة في الصحيحين أيضاً: (إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)، فالله عز وجل أعطاه قوة الإنسان الطاعم الساقي، فبعض العلماء قال: إن الله يطعمه ويسقيه حقيقة. فقوله صلى الله عليه وسلم: (إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني) يعني: أن الله عز وجل يعطيه قوة الطاعم الشارب صلوات الله وسلامه عليه، ويعينه على ذلك عليه الصلاة والسلام، فهو يصوم ويجمع أياماً وليالي من غير أن يفطر، فالصحابة أحبوا أنهم يقلدون النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: (فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال) يعني: كان ذلك في آخر شهر رمضان. فأصحاب


النبي صلى الله عليه وسلم لما وصلوا إلى آخر الشهر، وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام، فإذا بهم يريدون أن يواصلوا في آخر الشهر معه صلى الله عليه وسلم، ومن رحمة رب العالمين لهذه الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال، ولكن الظاهر أن النهي منه صلى الله عليه وسلم لم يكن للتحريم؛ لأنه لو كان على التحريم لفهموا ذلك، ولما صام الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ليله مع نهاره، ولكن كأنهم فهموا أنه نهاهم صلى الله عليه وسلم ولم يعزم عليهم، فأرادوا أن يواصلوا، فصام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فصاموا معه، فواصل بهم اليوم الذي يليه فرأوا الهلال، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تأخر الهلال لزدتكم، كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا)، ولو كان ذلك معصية لقال لهم: إن هذه معصية، فيسلمون لذلك، ولكن لم يفعل صلى الله عليه وسلم وإنما واصل بهم يوماً ويوماً ويوماً فظهر الهلال رحمة من رب العالمين، فكان العيد فأفطروا رضوان الله تعالى عليهم. فهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم ذلك عليهم، وإنما رحمهم وأشفق عليهم صلى الله عليه وسلم بذلك، فأمرهم أن يصوموا ويفطروا كما أمر الله، وهذه الزيادة له صلى الله عليه وسلم، زيادة قربى إلى الله عز وجل. وهنا في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة بهم، فقالوا: إنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني). وفي الصحيحين عن أنس قال: (واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان فواصل ناس من المسلمين، فبلغه ذلك فقال لهم: لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم) يعني: لو زاد الشهر لكنا واصلنا وصالاً حتى يدع المتعمقون تعمقهم، ثم قال: (إنكم لستم مثلي أو فإني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني)، ففيه الذي ذكرناه. إذاً: الوصال المنهي عنه: هو أن تواصل يوماً وليلة وتصبح صائماً، لكن الوصال الجائز: هو أنك تؤخر الإفطار إلى السحور، فذلك لك، وإن كان الأفضل أنك تفطر وقت الإفطار بعد غروب الشمس، لما سيأتي من حديث عنه صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر، فقالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي طاعم يطعمني وساق يسقيني) يعني: الله عز وجل يجعل له قوة الطاعم الشارب، أو يجعل له من يطعمه، وهذا شيء معنوي له صلوات الله وسلامه عليه، وفي الحديث الآخر: (إني أظل) يعني: لو كان يطعم حقيقة من عند الله، لأفطر في نهار رمضان صلى الله عليه وسلم، ولكن جعل الله له قوة الطاعم الشارب عليه الصلاة والسلام.
حكم السحور وبيان وقته وفضله


السحور سنة، جاء في الصحيحين عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة) والسحور: هو طعام السحور، وفي رواية لـأحمد عن أبي سعيد : (السحور أكله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين)، لذلك جاز لك إذا أردت الوصال ألا تفطر، لكن تأكل عند السحر، فلا تضيع هذه الفضيلة، وهي أن الله يصلي ويسلم على المتسحرين. وفي سنن أبي داود عن العرباض بن سارية قال: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان، فقال: هلم إلى الغداء المبارك)، وهنا واضح من قوله: (هلم إلى الغداء) أنه قرب الصلاة، فكان سحور النبي صلى الله عليه وسلم قرب الفجر، ولذلك كان يتسحر ويخرج إلى صلاة الفجر صلوات الله وسلامه عليه. كذلك حث عليه كما في صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر).أما وقت السحور فقد ورد في الصحيحين عن أنس (أنهم تسحروا عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة، قال: انظر كم بينهما؟ قال: قدر قراءة خمسين أو ستين آية) إذاً: يستحب أن يكون السحور في آخر الليل.
مشروعية اتخاذ مؤذنين لصلاة الفجر في رمضان

جاء في الصحيحين: (أن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) يعني: أن بلالاً كان يؤذن الأذان الأول، وكان يقول فيه: الصلاة خير من النوم، وهو الذي كان يقيم الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم، فـبلال كان يؤذن بليل، فلكم أن تأكلوا وتشربوا، أما ابن أم مكتوم فكان إذا أذن امتنعوا عن الأكل والشرب. نقول لو أنك سمعت الأذان الأول أو سمعت الأذان الثاني وشككت هل المؤذن أذن قبل الوقت؟ فلك أن تشرب، لكن لو عرفت أن الفجر قد طلع فليس لك أن تأكل ولا أن تشرب. ثم قال: (ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا) لم يكن الأذان من فوق المسجد، إنما كان من فوق بيت قريب من المسجد، وهذا البيت هو لامرأة من الأنصار، وكان بلال يصعد فوق هذا البيت ويؤذن، فإذا نزل بلال من فوق البيت صعد ابن أم مكتوم وأذن الأذان الثاني، وذهاب ابن أم مكتوم وصعوده على البيت يكون في حوالى ربع ساعة أو ثلث ساعة أو عشر دقائق، ولكن هذا قد يرجع في البلاد إلى حاجة الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد الوقت بينهما، وإنما يكون بحسب مصلحة الناس، ففي بعض البلاد مثل: السعودية الفرق بين الأذان الأول والثاني ساعة تقريباً، حتى يتجهز الناس لذلك لكن في بعض المساجد يكون الفرق بين الأذانين قدر ربع ساعة أو ثلث ساعة، وهذا بحسب حاجة الناس، فلا يقال: إن الساعة هي السنة؛ لأن الذي جاء في هذا الحديث أن الزمن ما بين الأذانين قليل، وهو أن ينزل هذا ويصعد هذا، فالسنة أن الوقت قليل.
الحكمة من الأذان الأول والأذان الثاني

حكمة الأذان الأول أنه كانت عادة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فكانوا يقومون فيصلون من الليل، إما في نصف الليل وإما في الثلث الأخير، وإذا صلى في أول الليل نام في آخر الليل، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل؛ ليرجع قائمكم ويوتر نائمكم) يعني: حتى يستيقظ النائم ليصلي صلاة الفجر في وقتها، والأذان الثاني هو الأذان لصلاة الفجر، وبعد الأذان الثاني لا يجوز أن تصلي أكثر من ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصلي بعد أذان الفجر إلا ركعتي السنة فقط. وبعض الناس لعله يأتي إلى المسجد بعد الأذان الثاني فيصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ويطيل فيها، مع أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ركعتين فقط بعد أذان الفجر الثاني.أما الأذان الأول فله أن يصلي بعده ما شاء أو يجلس يدعو الله عز وجل، لكن الأذان الثاني لا يصلي إلا ركعتين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيل فيهما، وإنما كان يقرأ الفاتحة وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، والفاتحة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

استحباب تعجيل الفطر


يستحب تعجيل الإفطار، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) فدليل خيرية هذه الأمة أنهم يعجلون الفطر، ورمضان شهر أحبه الله سبحانه وتعالى، فله أول وله آخر، فقبله يوم الشك وهو منهي عن صيامه، وبعده يوم العيد وهو منهي عن صيامه، ويوم رمضان بعده الليل فنهى عن مواصلة الصيام، وجاء في الحديث (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، والله يعجبه من عبده أن يفرح وقت فطره، فأنت صمت عما منعك الله عز وجل عليه، وأفطرت على ما أحل الله عز وجل لك عند وقت الإفطار، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر). وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي عطية قال: (دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا: يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله -يعني: ابن مسعود - قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل الإفطار، وأحياناً كان يواصل الصيام صلوات الله وسلامه عليه. وفي سنن النسائي هذا الحديث وفيه: فقال: (رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور، والآخر يؤخر الإفطار ويعجل السحور، فقالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويؤخر السحور؟ قال: قلت: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قالت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع) يعني: من سنن النبي صلى الله عليه وسلم تعجيل الإفطار وتأخير السحور، يعجل الإفطار حتى يتفرغ بعد ذلك لصلاة العشاء والعشاء وقيام الليل، ويؤخر السحور عليه الصلاة والسلام ليكون في النهار على الصيام وعلى العمل وعلى الدعوة إلى الله عز وجل. أيضاً يحث المؤمنين على تعجيل الإفطار بقوله: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ فإن اليهود والنصارى يؤخرون).
استحباب الإفطار على رطب أو تمر

إذا أفطرت فالمستحب أن تفطر على رطبات البلح الرطب، وفي حديث أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم عند غروب الشمس كان يفطر على رطبات، وهو البلح الأسود، فإذا كان البلح أو الرطب موجوداً أفطر عليه، فإذا لم يوجد فعلى تمرات، فإذا لم تكن حسا حسوات من ماء، والتمر أو الرطب فيه سعرات حرارية عالية، والصائم عند غروب الشمس تكون كمية السكر في مخه قليلة، والمخ يحتاج إلى سكر حتى يشتغل، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات، وفيها أعلى السعرات الحرارية، أو تمرات، فإذا لم يكن هذا أو ذاك أفطر على ماء.
استحباب الإكثار من الدعاء للصائم والذكر عند الإفطار


كان صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله) فيستحب للصائم بعدما يفطر أن يقول ذلك؛ لأن الله هو الذي أذهب عنه الظمأ، وبل له عروقه، وأعطاه الأجر إن شاء الله سبحانه. كذلك يستحب للصائم الإكثار من الدعاء؛ لأن الصائم دعوته مستجابة، فأكثروا من الدعاء، سواء بطلب حاجة، أو أنك تدعو بخيري الدنيا والآخرة، أكثر من الدعاء في وقت الرخاء حتى يستجاب لك في وقت البلاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر) فيستحب للصائم أن يكثر من الدعاء، لعل الله عز وجل يستجيب له، ومن أفضل ما يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
استحباب إطعام الصائم

يستحب للمسلم أن يدعو أخاه المسلم ليفطر عنده؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)، فالصائم أجره كامل ومضاعف عند الله عز وجل لمن يشاء، والذي أطعم هذا الصائم يؤجر مثل هذا الذي كان صائماً، لذلك يستحب للإنسان أنه يعطي الصائمين طعاماً ليفطروا عليه، ويعطي للفقراء والمساكين، وأن يطعم إخوانه وأقرباءه، وأن يطعم من يحتاج إلى الطعام، فيؤجر على ذلك هذا الأجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام) ، فحض على إطعام الطعام.إذاً: على المؤمن في رمضان وفي غير رمضان أن يعود نفسه على أن يعطي المحتاجين، فإذا فطر صائماً أعطاه طعام الإفطار، أو دعاه ليأكل عنده، فهذا فيه أجر عظيم، فإن لك صومك ولك مثل أجر صوم من أطعمته. نسأل الله عز وجل أن يعيننا على الإنفاق في سبيله، وعلى ذكره وشكره وحسن عبادته. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 17-05-2019, 12:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان




شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- قضاء رمضان وحكم من مات وعليه صوم
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(13)


إن دين الإسلام دين يسر وليس عسراً، ولذلك إذا كان الرجل معذوراً بسفر أو مرض ونحوه وكذلك المرأة فليس عليه صيام شهر رمضان، ولكن يقضي الأيام التي أفطر فيها قبل دخول رمضان الثاني، ويستحب في رمضان الإكثار من قراءة القرآن وقيام الليل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعبد ربه في هذا الشهر الكريم.
أحكام قضاء من أفطر أياماً من رمضان


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. إذا أفطر المسلم في رمضان بعذر كسفر أو مرض، أو المرأة بعذر الحيض أو النفاس، فالواجب عليهم أن يأخذوا عدة من أيام أخر بعد شهر رمضان، ولا يشترط أن تكون هذه الأيام متواصلة أو متتابعة، وإنما يجوز أن يقضي الأيام متتابعة، ويجوز أن يفرقها بحسب ما يستطيع، فإذا كان هذا الذي أفطر في نهار رمضان بعذر من الأعذار، كالإنسان المريض واستمر مرضه بعد رمضان، فعلى ذلك عليه القضاء حين يشفيه الله سبحانه وتعالى، فإذا شفاه وجب عليه القضاء، فإذا استمر مرضه هذا حتى يموت فلا شيء عليه؛ لأنه لم يتمكن من أداء هذا الصوم، فليس عليه شيء ولا على أوليائه، فأولياؤه لا يطعمون عنه ولا يلزمهم ذلك، وإذا أطعموا فهذا خير لكن لا يجب عليهم، فلا يجب على المريض القضاء لأن العذر استمر به حتى لقي الله سبحانه وتعالى، ولكن إذا كان بعد رمضان قد شفاه الله سبحانه وتعالى وبعد ما شفاه الله كسل وترك ولم يقض، وبقيت فترة يستطيع فيها القضاء ولم يفعل، فهنا على أوليائه أن يخرجوا عنه عن كل يوم إطعام مسكين، يعني: كل يوم من ماله الذي تركه، أو لهم الخيار بأن يصوموا عنه عن كل يوم يوماً، فإما أنه يلزمه القضاء فلا يقضي وقد ذهب عليه ما كان عليه من مرض ثم بعد ذلك مات فإنه يلزم أولياءه أن يخرجوا عنه من ماله الدين الذي عليه وهو إطعام مسكين عن كل يوم، ولهم أيضاً أن يصوموا عنه كما سيأتي، عن كل يوم يصومون يوماً سواء صام عنه واحد أو مجموعة قسموا على أنفسهم الأيام التي كانت عليه، ولو أن هذا الإنسان المريض في رمضان صحا بعد رمضان ولم يقض حتى دخل عليه رمضان الذي يليه وهو لم يقض رمضان الماضي، فالأيام التي كان مريضاً وأفطرها بعذر يلزمه قضاؤها وهي معلقة بعنقه، ولكن هل يلزمه مع هذا القضاء أنه يطعم مسكيناً باعتبار أنه دخل عليه رمضان آخر، فقصر في خلال العام مع قدرته، ذهب الشافعي وأحمد إلى أنه يلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً مع القضاء، أي: يقضي ويطعم مع كل يوم مسكيناً، لكن الراجح: أنه يلزمه أن يتوب إلى الله عز وجل ويقضي عن اليوم يومه، فإذا أطعم كان حسناً أن جمع بين الإطعام والصيام، لكن لا يلزمه وجوباً، وهذا هو الراجح لعدم الدليل على ذلك، وقلنا: لا يجب أن يكون فوراً ولا متتابعاً هذا الراجح.

اختلاف العلماء في جواز صيام النافلة قبل القضاء

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان) هذا في الصحيحين، تذكر السيدة عائشة رضي الله عنها أنه كان يكون عليها القضاء من أيام من رمضان، فلا تقدر على القضاء حتى شعبان، فيمر عليها إحدى عشر شهراً حتى تقضي هذه الأيام، لكن خلال الإحدى عشر شهراً هل صامت تطوعاً، كصيام يوم عرفة وفيه ما فيه من الثواب العظيم، وصيام يوم عاشوراء وفيه ما فيه من الثواب العظيم؟ الراجح: أنها صامت التطوع ولكن هي تتكلم هنا عن قضاء رمضان، وهذه مسألة مختلف فيها بين العلماء. هل الذي عليه أيام رمضان يجب عليه أن يبدأ بها بحيث لا يصح منه نافلة حتى يأتي بالفريضة، هذا قاله بعض أهل العلم، وهذا فيه نظر، أي: لو كان الأمر على ذلك لما كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تؤخر صوم رمضان إلى شعبان من العام الآتي، فصوم رمضان واجب وهي تذكر أن هذا بسبب انشغالها برسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه بالنهار وعلى جميع بيوته، وبالليل يبيت مع واحدة من نسائه صلوات الله وسلامه عليه، فالسيدة عائشة كانت تنتظر لعله يأتيها النبي صلى الله عليه وسلم ولعله يطلبها، ولعله يريد حاجة الرجل من المرأة التي يدخل عليها، فلعله يأتيها بالنهار فيريد حاجته منها فهل تقول له: أنا صائمة صوم فريضة فلا يقدر أن يبطل عليها هذا الصوم، لكن صوم النافلة هو أمير نفسه كالذي يتصدق تطوعاً إن شاء أكمل صومه، وإن شاء أفطره، فإذا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار ولعله يسألها: هل من
طعام؟ فتقول له: نعم، فتقدم له الطعام فيقول لها: تعالي كلي معي، فتقول: لا، أنا صائمة، فلعله يضايقه ذلك صلى الله عليه وسلم إذا كان فريضة، أما إذا كان تطوعاً فمن الممكن أنها تفطر وتأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.وشهر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام فيه تطوعاً صلوات الله وسلامه عليه، فلذلك السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تستغل هذه الفرصة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان كان يصوم أكثره أو كله، فتقضي الأيام التي كانت عليها في دورة أيام الحيض الواجب على ذلك، أما القضاء على الفور فهذا غير واجب، ولكن الواجب أن يقضيه في خلال العام قبل رمضان الذي يأتيه، وتتابع الصوم أيضاً لا يجب أن يكون متتابعاً، فله أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، ويصوم يومين ويفطر أسبوعاً بحسب ما تيسر له حتى يقضي ما عليه من الصيام.
حكم من مات وعليه قضاء من رمضان


من مات وعليه قضاء رمضان أو بعض رمضان، ذكرنا أنه إما أن يكون متمكناً من الصوم فلم يصم، فهذا يلزم أولياؤه أن يخرجوا عنه إطعاماً من ماله إذا ترك مالاً، فإن هذا دين عليه لله عز وجل، فإن لم يترك مالاً فالورثة إما أن يخرجوا من عند أنفسهم اختياراً وليس وجوباً أو أنهم يصومون عنه أيضاً اختياراً واستحباباً وليس وجوباً، قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] ولا يجني إنسان إلا على نفسه، لا يجني على ولده ولا على والده، بل هو الذي جنى على نفسه حين ترك الصوم وهو قادر عليه بعد رمضان فلم يفعل ذلك، فعلى ذلك الأولياء لهم الخيار إما أن يصوموا عنه هذه الأيام، وإما أن يطعموا عنه عن كل يوم مسكيناً. والدليل على ذلك: ما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ولم يقل: فليصم عنه بحيث يكون الأمر وجوباً، ولكن قال: صام، فله الخيار إن شاء صام عنه، وإن شاء لم يصم، فهذه عبادة، ورخص النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك، ولا يجوز للذي يصوم عن المتوفى أن يصلي عنه أيضاً، بل لا أحد يصلي عنه؛ لأن الأصل في العبادة ألا يفعلها أحد عن أحد إلا لدليل، فثبت في الصدقة وثبت في الصوم وثبت في الحج وفي العمرة، فهذه الأشياء يجوز أن يفعلها إنسان عن الآخر بعد وفاته.أيضاً جاء في الحديث: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ أمه ماتت وعليها صيام شهر، ولعله شهر رمضان ولعلها نذرت، ولكن هنا في الحديث أن الرجل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عليها صوم شهر، وفي رواية أخرى قال: وعليها صوم نذر، ففي الرواية الأولى: قال: عليها صوم شهر أفأقضيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها) وهذا من أدلة القياس، وهو قياس علمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا مثله، فهل هي حين ماتت وعليها دين تقضي عنها هذا الدين؟ قال: (نعم، قال: فدين الله أحق)، وبذلك عرفنا أن الصوم دين لله سبحانه وتعالى، فإذا مات الإنسان وعليه دين يحاسبه الله عز وجل ويحبسه عن الجنة بسبب هذا الدين، فأولياء هذا المتوفى طالما أنهم يقضون عنهديون الآدميين، فدين الله أحق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فدين الله عز وجل أحق) وقال لامرأة سألته: (نعم، فصومي عن أمك).ولو فرضنا أن هذا المتوفى عليه صيام شهر رمضان؛ لأنه كان مسافراً مثلاً، ورجع فأقام ولم يقضه أو كان مريضاً وشفاه الله عز وجل ولم يقضه، وبعد ذلك توفي وفي عنقه هذا الصوم، فلأوليائه الخيار إما أن يصوموا عنه، أو لا يصومون، وأولياؤه هم أقرباؤه سواء القريب الأدنى أو القريب الأبعد، ويستوي فيه الابن والأخ والأب وابن العم وابن الخال وابن الخالة وأيضاً الغريب لو أراد ذلك، لذا من الممكن أنه لو كان عليه صوم شهر ثلاثين يوماً يقسم هذا الشهر عليهم، وكل واحد من أوليائه يصوم يومين أو ثلاثة أيام أو يوماً واحداً، يقسم عليهم ذلك فيجزئ عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد، فهو القريب وهو الحميم وهو الإنسان الذي يتولى أمره والمسئول عنه بعد وفاته أو في حياته، فيصوم عنه أولياؤه لذلك.
حكم الشيخ الكبير العاجز عن الصوم والمرأة العجوز

هذا إنسان آخر في حياته وقلنا: إنه عاجز عن الصوم، ويلزمه الفدية، فالشيخ الكبير والمرأة العجوز لا يطيقان الصوم كما في حديث ابن عباس رواه أبو داود والبيهقي ، وكذلك المرأة الحامل ويتكرر منها الحمل والرضاعة وهي ضعيفة لا تقدر على الصوم، قلنا: يلزمها أن تطعم، فهل من الممكن أن يقول إنسان: أنا أصوم عن زوجتي هذه الأيام؟ لا يمكن ذلك؛ لأنه لم يثبت أن إنساناً يصوم عن إنسان حي، إنما المتوفى الذي عليه الصوم، فهو
دين لله عز وجل، لأن الحي له البدل، البدل من ذلك أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ثم رحمة رب العالمين سبحانه إذا لم يقدر على الصوم ولا على الإطعام، فليس عليه شيء، فلو أن إنساناً كان عليه صوم رمضان، وكان كبيراً في السن ولا يطيق الصوم، وهو فقير ليس معه مال، ولا يرجى زوال هذه العلة التي فيه، ولا يرجى أن يكون معه مال، ولا أحد يعطيه شيئاً، فعلى ذلك لا شيء عليه، حتى لو مات فلا دين عليه؛ لأنه معذور، وهذا من رحمة رب العالمين بعباده سبحانه وتعالى.
ما يستحب في شهر رمضان


يستحب الجود والاجتهاد والإكثار من فعل الخير في شهر رمضان، فالصائم ينفق في رمضان، ويعتاد على الإنفاق في غير رمضان ويحب ذلك.لذلك جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة)، فهذا الشهر الكريم كان ينزل فيه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من السماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يلقى جبريل، ومرة قال لجبريل عليه السلام: (لم لا تزورنا أكثر مما تزورنا؟) فجبريل عليه السلام ملك من أعظم ملائكة الله عز وجل ومن أقربهم لربهم سبحانه، يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (لم لا تزورنا أكثر مما تزورنا؟) لكن نزول جبريل هو أمر من رب العالمين قال: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم:64] سبحانه وتعالى، فنزول جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا بأمر الله عز وجل، وليس بهوى النبي صلى الله عليه وسلم ولا بطلبه، إنما الله عز وجل بحكمته ينزله في الوقت الذي يريده، فكان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويتدارس معه القرآن في رمضان، يقرأ جبريل ويقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غاية الفرح بتلاوته كتاب ربه على جبريل، وبتلاوة جبريل عليه صلوات الله وسلامه عليه، فكان ينفق أكثر مما ينفق طوال العام صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأكرم خلق الله صلوات الله وسلامه عليه، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلذلك يستحب مدارسة القرآن في ليالي رمضان، والسهر في مدارسته حفظاً وتسميعاً وفهماً لمعانيه وغير ذلك. قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) فالريح حين تهب تهب على الناس جميعاً، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي كل من سأله ومن لم يسأله صلوات الله وسلامه عليه فجوده عظيم وكرمه واسع صلوات الله وسلامه عليه.أيضاً في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) هذه سنته صلى الله عليه وسلم، ففي أول رمضان يقوم ويجتهد عليه الصلاة والسلام، فإذا جاء العشر الأواخر يوقظ أهل بيته الذين كانوا ينامون، يوقظهم لعبادة الله سبحانه وتعالى، فيتعاون الإنسان مع أهل بيته ومع إخوانه على طاعة الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام وفي هذه الليالي، قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره)، فالإنسان حين يقوم ليعمل عمله ويكون العمل عملاً مجهداً تراه يربط على بطنه حزامه ليستعين بذلك على القيام بهذا العمل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يشد مئزره، ويبتعد عن النساء؛ لأنه منشغل عنهن في هذه الأيام الأخيرة، شد مئزره فليس له في النساء حاجة الآن، ويجتهد بالعبادة ويقوم الليل أكثره أو كله صلوات الله وسلامه عليه. قالت: (وأحيا ليله وأيقظ أهله)، وفي رواية لـ مسلم : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)، ويلاحظ الإنسان أن هذا شهر الإحسان، فالإنسان يثاب على إحسانه عظيم الثواب في هذا الشهر، فيستغل ذلك حتى لا يضيع الشهر، فيندم على ما فرط فيه. نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 19-05-2019, 04:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان



شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- فضل قيام الليل
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(14)



إن أعمال البر التي تدخل الإنسان الجنة وتباعده عن النار كثيرة، من هذه الأعمال قيام الليل، فقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، فهو مكفر للذنوب والسيئات ومنهاة للإثم، وقربة إلى الله عز وجل، ونور للعبد يوم القيامة، وأكثر ما يستحب قيام الليل في رمضان. كذلك من أعمال البر استعمال اللسان في طاعة الله، وشغلها بذكره سبحانه.
الحث على قيام الليل وما جاء في فضله

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.تكلمنا عن أحكام الصيام وهذا شق مما يكون في رمضان؛ فرمضان صيام بالنهار وقيام بالليل, وقراءة للقرآن بالليل والنهار. روى الترمذي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم, وهو قربة إلى ربكم, ومكفرة للسيئات, ومنهاة عن الإثم), قوله: (عليكم بقيام الليل) أي: الزموا قيام الليل. وقوله: (فإنه دأب الصالحين قبلكم) أي: عادة وسنة الصالحين قبلكم. وقوله: (وهو قربة إلى ربكم) أي: أنكم تتقربون به إلى الله عز وجل. والإنسان يحب أن يرضى الله سبحانه وتعالى عنه.فقيام الليل عادة الصالحين دائماً، وكل الصالحين من عهد آدم -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- عادتهم قيام الليل, وأن يصلوا لله عز وجل في الليل. قوله: (ومكفرة للسيئات) مكفرة مصدر كفَّر، يعني: يكفر الله عز وجل عنكم السيئات تكفيراً عظيماً, وكفر الشيء بمعنى ستره وغطاه, كأن الله عز وجل يمحو عنكم هذه السيئات, وذلك بأن غطاها وألغاها وسترها وجعلها هباءً. قوله: (ومنهاة عن الإثم) أي: ينهى نهياً عن الإثم, ومنهاة: مصدر نهى. إذاً من فضل قيام الليل أنه تشبه بالصالحين, ومن تشبه بقوم فهو منهم، وهو تقرب إلى الله عز وجل، وهو مكفر للسيئات، وهو سبب في البعد عن الآثام، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, أي: صلاة الفريضة الصحيحة الخالصة لله سبحانه، وزيادة على ذلك: قيام الليل فإنه ينهى عن الآثام. ومن الأحاديث الصحيحة أيضاً ما رواه الترمذي عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر), فالله قريب من عباده سبحانه, وهو مستوٍ على عرشه يقرب من العبد كما يشاء سبحانه وتعالى, فالله يقرب عبده إليه، وهو قريب من عبده؛ يسمعه ويبصره ويعطيه ويرحمه سبحانه وتعالى, فأقرب ساعة إجابة يستجيب الله عز وجل فيها الدعاء يكون معه بعونه وبركته ورحمته ومعيته سبحانه, قريب منه وهو يصلي له في جوف الليل الآخر. جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) وذكر الله أعم من أن تقوم للصلاة، فلعلك تقدر على الصلاة، ولعلك تكون مريضاً في هذا الوقت ونائماً على سريرك, ولك عادة أن تقوم الليل, فإذا بك وأنت على سريرك في هذه اللحظات تقوم من الليل ذاكراً الله عز وجل بلسانك, فالحديث هنا لم يخصص الصلاة ولا غيرها ولكنه عامٌّ يشمل ذكر الله وغيره، فذكر الله يكون في الصلاة, كذلك يكون بالاستغفار والدعاء، فأنت في هذه اللحظات في الثلث الأخير من الليل أقرب ما تكون من ربك، وأقرب ما يكون الله عز وجل منك في هذا الوقت، فاحرص عليه.

الأسباب المعينة على قيام الليل



هناك أسباب تعين على قيام الليل، منها أن تنام مبكراً, فلا تسهر في الليل, حتى يذهب نصف الليل، ونظم وقتك ولا تسهر بعد العشاء، ونم في رمضان بعد أن تصلي التراويح، فإن استطعت أنْ تقوم من آخر الليل ولو ساعة, أو نصف ساعة, أو أقل من ذلك أو أكثر فافعلْ.ومن الأخذ بالأسباب: أنْ تتواصى أنت وأهل بيتك أن من استيقظ في الليل يوقظ صاحبه, فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للرجل والمرأة اللذيْنِ يفعلان ذلك، فقال: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فصليا جميعاً, فإن أبت نضح في وجهها الماء, ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها, فإن أبى نضحت في وجهه الماء) فكل منهما يعين الآخر على أنه يقوم ويستيقظ؛ ليصلي لله عز وجل من الليل, فاستحق الاثنان أن يدعو لهما النبي صلى الله عليه وسلم برحمة الله سبحانه وتعالى.

قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الليل

جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه) أي: حتى تتشقق قدماه صلى الله عليه وسلم, وفي حديث آخر (حتى تتورم قدماه) واتفق الحديثان في المعنى، تشققت قدماه من طول القيام, وتورمت قدماه من طول القيام, ومعلوم أن الإنسان إذا وقف فترة طويلة فالدم ينزل من رجليه, وتنتفخان من طول قيامه, فكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ويستعذبه صلوات الله وسلامه عليه, فهو القائل صلى الله عليه وسلم: (جعلت قرة عيني في الصلاة) قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟) يعني: أنت لست محتاجاً إلى أن تقوم الليل، فربنا قد غفر لك الذي فات, والذي سيأتي كذلك مغفور, وحاشا له صلى الله عليه وسلم أن يقع في الذنوب؛ لأن ربنا سبحانه عصمه صلوات الله وسلامه عليه, ومع ذلك فإنه يقوم لهدف آخر, حتى وإنْ غفر الله له ذنوبه فهو يشكر ربه على الذي أعطاه، فقد قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) صلوات الله وسلامه عليه، هذا النبي صلى الله عليه وسلم يستحي من ربه, إذا كان لم يغفر الله له ذنبه فسيقوم إلى أن يغفر له, وإذا غفر له ذنبه فسيقوم حتى يرضى الله سبحانه وتعالى عنه, وحتى يوفي الحق بشكر الله على هذا الصنيع العظيم من ربه سبحانه.قالت: (فلما كثر لحمه صلى جالساً) ليس معناه: أنه سمن عليه الصلاة والسلام, ولكن المعنى: أنَّه كَبُر في السن وصار عظمه لا يقدر على أن يحمل
جسمه, فهذا معنى قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (فلما كثر لحمه) فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن سميناً، بل كان يذم السمن عليه الصلاة والسلام, إنما المعنى أنه ثقل جسده صلى الله عليه وسلم على عظمه, فلا يستطيع عظمه أن يحمل جسده في هذا القيام الطويل الذي كان يقومه, فقد كان يقوم الليل أحياناً بالسبع الطوال: البقرة وآل عمران والنساء والأعراف والأنعام والأنفال وبراءة، فقد كان يقوم النبي صلى الله عليه وسلم ليلهُ لله عز وجل بهذه السور جميعها، قالت: (فلما كثر لحمه صلى جالساً عليه الصلاة والسلام, فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع) أي: كان يستمر ليلاً طويلاً قائماً, ثم يجلس ويصلي صلاة طويلة وهو جالس, فإذا بقي له أربعون أو ثلاثون آية, قام فقرأها وهو قائم, ونحن نقرأ في الصلاة ثلاثين آية أو أربعين آية ثم نتعب, والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي السبع الطوال يعني: كان يقرأ, ألف آية, ونحن إذا أردنا أن نصلي بألف آية نبدأ من (تبارك) إلى آخر المصحف؛ لأنَّ ذلك أسهل, وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يأخذ من أول القرآن إلى أن يصل إلى براءة والأنفال صلوات الله وسلامه عليه, فيقرأ قراءة متأنية ومرتَّلة, ويستمتع بها, ويتقرب بها إلى الله عز وجل, وإذا مر بآية رحمة وقف وسأل الله من رحمته, وإذا مر بآية عذاب وقف وتعوذ بالله من عذابه.
أعمالٌ تدخل الجنة وتباعد عن النار


جاء عن معاذ رضي الله عنه -وهو حديث عظيم جميل طويل-: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، قال معاذ : فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار)، فهو لم يطلب شيئاً من الدنيا؛ لأن معاذ بن جبل عالم من العلماء رضي الله عنه وأرضاه, وهو سابق العلماء إلى طريق الجنة رضي الله عنه, سيسبقهم برمية حجر، فإذا دخل العلماء الجنة يكون معاذ في المقدمة رضي الله عنه, وكان عمره في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين سنة، وجميعُ العلماء الشيوخ ومن دونهم يأتون كلهم وراءه رضي الله عنه. فقوله: (أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار)، أي: ما هو العمل الذي إذا عملته أدخلني الجنة, ونجاني من النار فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)، أي: تأتي بكلمة التوحيد وتأتي بحقها, فتقول: لا إله إلا الله بلسانك, ويصدق ذلك قلبك وعملك، إذا قلت: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله, فلا أتوجه بعبادة إلا إلى الله وحده لا شريك له, ولن أتوسل إلى أحد بعمل سوى الله تعالى, ولن يكون دعائي إلا إلى الله عز وجل, ولن تكون عبادتي متوجهة إلا إلى الله, ولن أرائي ولن أشرك بالله ولن أوجه عملي لغير الله سبحانه, فتعبد الله بشرعه وبدينه، متابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم ومقتدياً به، وتعمل صالحاً وتخلص لله سبحانه. ثمَّ خصص صلى الله عليه وسلم أشياء فقال: (وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)، وهذه هي أركان الإسلام الخمسة، وكأنه قال: اعبد الله بما شرع وخاصة بأركان الإسلام. ثم قال: (ألا أدلك على أبواب الخير -أي: بعد أن عرفت أركان الإسلام لا بد أن أدلك على أبواب الخير- قال: الصوم جنة -أي: وقاية- والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) فتصدق، فإذا كانت عليك خطيئة, وكأن الخطيئة توقد على صاحبها النار, وليست أي نار وإنما هي نار جهنم والعياذ بالله, فكأنه أطفأ هذه النار بماء الصدقة. ثم قال: (وصلاة الرجل من جوف الليل، وتلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17]) فلا تعلم نفوس الناس مهما حاولت أن تعرف قدر صلاة الليل وقدر هذا الثواب, فهو أعظم من أن تتخيله، وما يخفيه الله سبحانه أعظم.ثم قال: (ألا أخبرك برأس الأمر كله -أي: أعظم شيء في هذا الدين- وعموده وذروة سنامه, قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام), فكل عبد في هذه الدنيا أعظم ما يتمسك به هو الإسلام, فهو رأس الأمر, (وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) فكأنه يقول: أعظم ما يكون أنْ تتمسك بالإسلام شريعة وعملاً, وأن تأخذ بأعظم ما فيه وهو الصلاة, والجهاد في سبيل الله عز وجل. ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله) أي: الذي يملك عليك هذا كله، فتستطيع أن تصلي صلاة صحيحة, وتجاهد جهاداً صحيحاً، وتفعل الخير بطريقة صحيحة، قال: (أمسك عليك هذا، قال: فأخذ بلسانه) كأن الإنسان إذا أراد أن يعمل طاعة ثم وقع في الإثم بسبب لسانه لا يستطيع أن يعمل تلك الطاعة, فلسان الإنسان قد يكون شؤماً على صاحبه؛ لأنه يتكلم في الحرام, ويتكلم في الزور والكذب، فكلما وقع في آفة من آفات اللسان فإن شؤمها يكون عليه, فيريد أنْ يقوم الليل فلا يستطيع, وبذلك يكون لسانه قد أخره عن أن يقوم لله عز وجل في الصلاة, ويريد أن يجاهد في سبيل الله ولسانه يؤخره عن ذلك بما جره عليه من ويلات وما جره عليه من معاصٍ. إذاً: إذا أردت أن تصلي, وتجاهد جهاداً صحيحاً, وتصوم صياماً صحيحاً وأنْ يتقبل الله منك أعمالك فلا تفسد ذلك بآفات لسانك. قال: (فقلت: يا نبي الله! إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ -يعني: أي شيء نقوله ربنا سيكتبه علينا؟- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ) والأم الثكلى: هي الأم التي فقدت ولدها، فهي تنوح وتبكي عليه, كأنه يقول: فقدتك أمك, وهذه الكلمة لا يقصد معناها, وإنما تقال على سبيل الترحم أو التودع لعدم فهمه, أي: ألم تفهم الذي أقصده والذي أقوله من هذا الكلام؟ ألا تعقل ذلك؟ثم قال: (وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) حصائد اللسان هي الآفات التي توقع الإنسان في النار والعياذ بالله، والنبي صلى الله عليه وسلم ينصح أحد أصحابه ويقول: (أمسك عليك لسانك, وليسعك بيتك, وابك على خطيئتك) فأمسك عليك لسانك حتى تنتفع بعباداتك لله سبحانه وتعالى.
معنى الحسد والغبطة والفرق بينهما وحكمهما


جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا حسد إلا في اثنتين) فالحسد كله حرام, والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم مشاكلة لفظية فقط، ولم يقصد المعنى الحقيقي للحسد, إنما المعنى هنا: أن تغبط إنساناً على ما آتاه الله، وفرق بين أن تغبط أحداً وبين أن تحسده, فمعنى أن تحسده: أن تتمنى زوال نعمته، وهذا حرام لا يجوز, ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أبداً. ومعنى الغبطة: أن تتمنى أن يكون لك مثل ما لأخيك من نعمة، فتقول: بارك الله لك في نعمتك وأسأل الله أنْ يرزقني مثل ما رزقك، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الغبطة بهذا الوصف، فكونك تحسد إنساناً على شيء لا يجوز لك، ولكن في أمرين اثنين يجوز لك أن تغبطه, وهما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل) أي: رجل آتاه الله القرآن بأن حفظه وقام يصلي به في الليل, وليس شرطاً أن يكون حفظ القرآن كله؛ لأن الدرجات يوم القيامة عظيمة وكثيرة، وحسب ما تحفظ يقال لك: (اقرأ وارتق) فتصل إلى مرتبة بحسب ما تحفظ, فإذا وجدت
إنساناً يحفظ القرآن ويعمل به تقول في نفسك: يا ليتني أعمل مثل هذا الإنسان، ويا ليتني أحفظ مثله، فتتمنى أن تكون مثل هذا الإنسان وتأخذ بالأسباب, وقد تصل أو لا تصل، ولكن الله يعلم من نيتك أنك تريد ذلك فيعطيك؛ لأن الله كريم وعظيم سبحانه وتعالى, فالعبد الذي يتمنى الخير لا يحرمه الله الخير؛ لأن الله أكرم من أن يحرم عبداً من عبيده, فالغبطة هي أن تتمنى منزلة إنسان وتحبُّ أن يبقى على ما هو عليه من المنزلة، هذا الأعرابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (متى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها؟) أي: ما هو الذي أعددته للساعة حتى تسأل عنها, فالرجل رجع على نفسه وشعر بشيء من الأسف على نفسه، فقال (والله ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة, ولكني أحب الله ورسوله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب، قال أنس راوي الحديث: فما فرحنا بشيء فرحنا بسؤال هذا الأعرابي أن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب، قال: أنس: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأحب أبا بكر وعمر , وأرجو أن أكون معهم). فينبغي للمسلم أن يحب الصالحين؛ لعل الله أن يجعله معهم.ففي الحديث السابق: (رجل آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل) فإذا رأيت هذا الإنسان فقد تعمل مثله, أو لعله يقوم بعملٍ أكثر منك فتحاول أنْ تفعل ما يفعله، فيعطيك الله الأجر على ذلك.أما الثاني: (ورجل آتاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل والنهار) أي: أنه يتصدقفي الليل والنهار، فإذا رأيته قلت: ليت الله يعطيني مالاً فأتصدق مثل هذا الإنسان, فلا حرج أن تتمنى على الله ذلك، ثم تحاول وتعمل, وليس مطلوباً منك أن تحقق هذه الأمنية؛ لأن النتيجة ليست عليك أبداً وإنما عليك السبب فقط, فقد تحاول أن تبحث عن عملٍ لعل الله يرزقك فتتصدق؛ فتذهب فلا تلقى عملاً فترجع، فنيتك هذه لن يضيعها الله عز وجل أبداً؛ لأنك نويت أن تعمل ثم تتصدق، فالله يحفظ ذلك لك وكأنك فعلت. وقد روى أبو داوود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ تكون له صلاة بليل ويغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة) فانظر إلى كرم الله عز وجل, فالمرء إذا كان دائماً يقوم يصلي في الليل فنام وما قام الليل، فإن الله يكتب له أجر صلاته كأنه قام الليل، ونومه عليه صدقة. إن الله كريم سبحانه, فاسألوه من فضله ومن رحمته, وأحسنوا الظن به, ومن أحسن الظن فليحسن العمل. نسأل الله من فضله ورحمته فإنه لا يملكهما إلا هو. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 21-05-2019, 08:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان




شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- فضل قيام الليل وصلاة التراويح
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(15)



إن فضل قيام الليل وصلاة التراويح عظيم، وأجرها عند الله جسيم، فذلك دأب الصالحين من قبلنا، وهي كفارة لذنوبنا، ومطهرة لقلوبنا، ومنهاة لنا عن الوقوع في معصية ربنا، وهي شرف المؤمن وعزته في الدنيا والآخرة، فهنيئاً لمن قام الليل وصلى التراويح وحافظ على ذلك، فإنه سر السعادة، ومفتاح النصر والريادة.
فضل قيام الليل


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.إن من أعمال رمضان العظيمة التي يحرص عليها المؤمن أن يقوم من الليل، وقيام الليل جاءت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، ومن أعظمها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم). وقد كان صلى الله عليه وسلم يحثهم عليه، وكان الصحابة يحرصون على ذلك فيصلون في بيوتهم، وإذا كان رمضان صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد صلاة الفريضة، وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى في بيته ما شاء من النافلة، وهم يقومون بعضهم يقوم فيصلي وحده، وبعضهم يقوم ويصلي جماعة، فلم يكونوا يتركون قيام الليل.ومن الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على ذلك قوله لـعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (يا عبد الله! لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل ثم ترك).وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقوم الليل كله، ويصوم النهار، فالنبي صلى الله عليه وسلم رده إلى ما لا يشق عليه، وهو أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأن يقوم جزءاً من الليل، فيقسم القرآن على سبعة أيام، ووصل في النهاية إلى ثلاثة أيام، ثم قال له صلى الله عليه وسلم: (لا تكن مثل فلان)، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فلاناً باسمه فلم يذكره رواة الحديث ستراً عليه، فيكون ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تنبيهاً لفلان هذا ألا يترك قيام الليل، أو أنه ذكره على الإبهام، فقال: لا تكن مثل فلان، فمن الخطأ أن يعتاد المؤمن على قيام الليل ثم بعد ذلك يتركه.إن الذي ينبغي على المؤمن كلما تقدم به العمر أن يزداد عبادة وطاعة لله سبحانه، وكلما ذاق طعم المناجاة في الليل ازداد حباً لها، وأما أنه يصلي من الليل ويقوم ويتهجد ثم بعد ذلك يتركه فهذا ليس بصواب، وإن كان قيام الليل ليس واجباً وإنما هو سنة، لكن الإنسان المؤمن كلما ازداد تقرباً ازداد استعذاباً لطعم العبادة، وازداد محاولة أن يكثر منها لا أن يتركها، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكن مثل فلان) سينتشر بين الصحابة وسيصل إلى فلان هذا فيرجع ويصلي من الليل، وقال ذلك لـعبد الله بن عمرو وكأنه يريد: لا تشدد على نفسك ثم لا تستطيع عليه فتترك.وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لكل عابد شرة، وإن لكل شرة فترة) فإما إلى سنة وإما إلى بدعة، فأحياناً تأخذ الإنسان الشدة أن يعمل كل شيء، فيريد أن يقوم من الليل، ولعله يقوم الليل كله، يوماً واثنين وثلاثة، ثم يدب إليه التعب والملل فيترك، فلا هو واظب على ما كان يفعله ولا هو فعل المشروع المسنون عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يحثنا بأن نأخذ من الأعمال ما نستطيع عليه، وما نواظب عليه، والله لا يمل حتى تملوا. وأيضاً من الأحاديث ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل)، والليل يبتدئ من المغرب ويستمر إلى أن يطلع الفجر، وقد كان الصحابة يقومون ما بين المغرب والعشاء، وليس هذا هو المقصود بصلاة التراويح ولا بصلاة التهجد ولا بقيام الليل الذي في رمضان، والذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم


والصحابة، وإن كان ما بين المغرب والعشاء يكتب من قيام الليل، فقد كانوا يقومونه وأنزل الله يمدحهم: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16] ، فكانوا يقومون هذا في غير رمضان، ولعله في رمضان أيضاً، ولكن الصلاة التي نتكلم عنها الآن هي صلاة التراويح والقيام التي تكون بعد صلاة العشاء، فيتهجدون لله عز وجل بعد ذلك في آخر الليل أو في أول الليل، وأفضله أن يكون في آخر الليل.وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيحين عن أبي هريرة : (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد)، فانظروا إذا ذهب الإنسان لينام فالشيطان يذهب وراءه، فلا يريده أن يقوم، ولا يريده أن يتعبد لله سبحانه، فيقف له على طريق العبادة؛ ليصده وليمنعه، فإذا نام جاء الشيطان إلى قفا الإنسان فيربط ثلاث عقد، وهذا كفعل السحرة، وقد تعلم السحرة ذلك من الشيطان، وكل عقدة يربطها يقول له فيها: عليك نوم طويل، أي: نم ولا تقم. قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة) فالسنة أول ما تقوم من النوم أن تذكر الله سبحانه بأي نوع من الذكر، مثل: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور، الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في بدني وأذن لي بذكره، فتقول ما تحفظ من أذكار حين تقوم من الليل، وتعود نفسك على ذلك.وبعد ذلك إذا قمت فتوضأت قال صلى الله عليه وسلم: (فإن توضأ انحلت عقدة -وهذه العقدة الثانية- فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس)، فإذا توضأت وصليت من الليل فلا يلزمك أول ما تبدأ بقيام الليل أن تصلي صلاة طويلة، ولكن صل ولو ركعتين خفيفتين كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فتحل عقدة الشيطان الثالثة، وبعد هذا تجد استعذاباً لقيام الليل، وحلاوة للمناجاة.ثم قال صلى الله عليه وسلم: (فأصبح نشيطاً طيب النفس)، إذاً: فقيام الليل يجعلك نشيطاً، وهذا عكس ما يفهمه البعض حيث يقولون: إذا نام الإنسان الليل يكون نشيطاً في الصبح!!والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك: إذا صليت أصبحت طيب النفس، تتقبل الأعمال، وتجيد أداء أعمالك، ولم يقل: صل الليل كله، ولكن قم من الليل ولو أن تصلي ركعتين من آخره، فتصبح طيب النفس. وإن لم يكن ذلك قال: (وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)، وإذا لم يصل الليل فلعله أيضاً يضيع عليه الفجر، فيصبح في الصبح وهو مكتئب متضايق مهموم.ولو أنك صليت من الليل لزالت عنك هذه الهموم، وكان الله عز وجل معك، وكانت ملائكة الله معك، وابتعد عنك الشيطان فأصبحت طيب النفس . وهناك حديث آخر يرويه أبو داود -وهو حديث صحيح- عن أبي سعيد أو أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أيقض الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين والذاكرات) ، وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]، وهذه أعلى مرتبة يصل إليها الإنسان، حيث يقول الله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]، فأعلى مرتبة يصل إليها الإنسان هي أن يكون من الذاكرين أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].ولا يتخيل أبداً أن الذي يكثر ذكر الله لا يصلي، ومستحيل أن يكون ذلك، فكأنه وصل إلى هذه المرتبة بأدائه لأركان الإسلام، وبأدائه للفرائض التي عليه، وبأدائه للنوافل، فصار يستعذب ويستحلي ذكر الله سبحانه على لسانه، فوصل إلى هذه الدرجة: وهي درجة الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.فإذا أردت أن تكون من هؤلاء فعليك بقيام الليل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث الرجل أن يوقظ امرأته وتوقظ المرأة زوجها، فيصليا جميعاً، أو يصلي كل واحد منهما ركعتين في جوف الليل، فبالمواظبة على ذلك يكتبا عند الله من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
قيام الليل يمنع العبد من الفحشاء والمنكر

وأيضاً من فضل قيام الليل: أن هذه الصلاة تمنع العبد من الفحشاء والمنكر إذا أجادها، فخير ما يستعين به العبد على ترك المعاصي: قيام الليل، فقم الليل فإنك بعد حين تجد نفسك تتدرج في ترك المعاصي، ولذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سارقاً، وكان الناس يعرفونه، لكن لم يشهد عليه أحد عند النبي صلى الله عليه وسلم كي تقطع يده، فهذا الرجل قام من الليل، فرآه بعض الناس يقوم الليل فتعجب كيف يسرق في النهار ويقوم في الليل! فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: فلان يقوم الليل ويسرق في النهار، قال: (سينهاه ما يقول) يعني: هذه الصلاة التي يصليها، وفعلاً انتهى الرجل عن السرقة بعد ذلك.فقد يكون في الإنسان أحياناً بعض الخصال السيئة التي يغضب بها ربه، ويحاول أن يبتعد عنها وأن يمتنع منها، كأن يكون فيه شيء من مد اليد إلى مال الغير، أو أنه يقع في بعض الكبائر، فلو أنه عمل صالحاً كقيام الليل، وواظب على الفرائض، فإن صلاته تنهاه عن هذا الذي هو فيه لو أنه كان مخلصاً لله سبحانه، تائباً إليه، راجياً من الله أن يغفر له، وأن يعينه على ترك هذا الذي هو فيه.

صلاة التراويح تسميتها ووقتها وفضلها


إن صلاة التراويح صلاة مخصوصة في رمضان، وسميت بصلاة التراويح من الاستراحة يعني: جاءت من الراحة، فقد كانوا يصلون أربع ركعات ثم يستريحون، ثم يصلون أربع ركعات ثم يستريحون، فسميت تراويح؛ لأنها صلاة فيها استراحة بين كل أربع ركعات. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، هذا في سنن أبي داود ، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).فقوله: (قام رمضان) أي: كل رمضان، وفضل الله سبحانه عظيم، فمن فاته شيء فليستدرك الباقي، لكن من قام رمضان فإنه يغفر له، ومن قام رمضان فإنه سيوفق إلى ليلة القدر، ولا يمكن أبداً أن يقوم الإنسان كل ليلة لله عز وجل وتأتي ليلة القدر فيضرب الله عليه بالنوم فيها، فالله أعظم وأكرم من ذلك سبحانه، لذلك من قام رمضان وواظب على ذلك وفق لليلة القدر، فقام فيها فغفر الله له ما تقدم من ذنبه.ولعل الإنسان ينشغل أحياناً عن شيء من قيام رمضان فإذا قام ليلة القدر ووفق لها، فالله عز وجل يغفر له أيضاً ما تقدم من ذنبه، ولكن لا يستوي من قام رمضان كله بمن قام ليلة واحدة، فمن أتعب نفسه كان له كل يوم مغفرة من الله، وكان له كل يوم فضيلة، ويعتق من النار، ويرفع درجات بهذه الصلاة العظيمة، ويستجاب له في دعواته.إن قيام
الليل عظيم جداً، فعلى المؤمن أن يحرص عليه، وأن يحرص على حضور التراويح مع الإمام في جماعة.جاء عن أبي ذر قال: (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفلْتنا قيام هذه الليلة).هذا الحديث رواه الإمام أبو داود في سننه وهو حديث صحيح، وفيه أنهم صاموا مع النبي صلوات الله وسلامه ولم يقم بهم إلى أن بقي سبع، يعني: مرت ثلاثة وعشرون يوماً ولم يقم بهم، وفي ليلة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين قام بهم.فلما كانت السادسة لم يقم بهم، فلما كانت الخامسة -كأن هذه الليلة هي ليلة خمس وعشرين أو ليلة ست وعشرين- قام بهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب شطر الليل. (فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة) يعني: لو كنت أكملت بنا إلى فجر هذه الليلة، فقد استعذبوا الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأحبوا أن يقوم بهم إلى آخر الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا هو موضع الشاهد-: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليل)، فانظر إلى فضل الله العظيم ، فإذا صليت مع الإمام إلى أن انتهى من الصلاة سواء كان انتهى من ربع الليل أو من سدس الليل أو من نصف الليل، فإنه يكتب لك قيام الليلة.ثم إذا انصرف الإمام جاز للمسلم أن يصلي ما شاء.قال: (فلما كانتالرابعة -يعني: من آخر الشهر، فإذا كان ثلاثين فستكون ليلة سبع وعشرين- لم يقم بنا -وإذا كان الشهر تسعاً وعشرين فستكون ليلة ست وعشرين- فلما كانت الثالثة -إما ليلة ثمان وعشرين، وإما ليلة سبع وعشرين- جمع أهله ونسائه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح) إذاً فهذه ليلة سبع وعشرين قامها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن خشي الصحابة أن يفوتهم السحور، وسماه الفلاح.فالنبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ثلاث ليالٍ، ولم يقم بهم غيرها؛ لأنه خشي أن تفرض عليهم صلاة التراويح، فهو صلى الله عليه وسلم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، فهو عليه الصلاة والسلام يخاف عليكم ألا تطيقوا هذه العبادة، مع أن الصحابة كانوا يريدون أن يقوم بهم، ووصل بهم الأمر إلى أنهم جاءوا يرمون على باب النبي صلى الله عليه وسلم بالحصى، حتى ينبهوه إلى أن يصلي بهم، فلم يخرج ولم يصل بهم، فلما قرب الفجر خرج وقال لهم: (إنه ما خفي علي مكانكم بالأمس، ولكن خشيت أن تفرض عليكم). فانظروا فهم ينادونه ويريدون منه أن يصلي بهم قيام الليل صلى الله عليه وسلم، وهو يخاف أن تفرض عليهم هذه الصلاة، فلم يخرج ولم يصل بهم صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك جاء في حديث أبي هريرة : (كان صلى الله عليه وسلم يرغِّب في قيام الليل من غير أن يأمرهم بعزيمة) يعني: من غير أن يأمرهم أمراً واجباً، وإنما يرغبهم فقط صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب.
مراعاة آداب المسجد عند صلاة الجماعة فيه


إذا كان الإنسان يصلي الليل مع الجماعة فإنه يراعي آداب المسجد، فلا يؤذي أحداً من المسلمين، ولا يرفع صوته في القراءة إذا كان يقرأ، ولكن ليستمع للإمام، فإذا ترك له الإمام فرصة للقراءة فليقرأ في سره بفاتحة الكتاب. فإذا كان يصلي وحده: فإما أن يصلي وحده في المسجد، وإما أن يصلي وحده في البيت، فإذا كان يصلي وحده في المسجد ولا أحد في المسجد جاز له أن يرفع صوته، فإذا كان هناك أناس في المسجد فلا يزعج أحداً، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشوش بعض المصلين على البعض الآخر، وأن يؤذي بعضهم بعضاً في المسجد.وإذا كان وحده في البيت فله أن يرفع من صوته او يخفضه. وجاء في سنن أبي داود عن أبي قتادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بـأبي بكر رضي الله عنه يصلي ويخفض صوته، ومر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بـعمر يصلي ويرفع صوته، ومر بالثالث وهو بلال رضي الله عنه، فقد كان يقرأ ويرفع صوته فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة من هنا وسورة من هنا وسورة من هنا، أو آيات من هذه السورة وآيات من هذه السورة بحسب ما يقرأ، فالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني قال لـأبي بكر: مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك، فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد أسمعتُ من
ناجيتُ).فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان مظلماً بالليل، فإذا كان فيه إضاءة خافته فلن يرى بعضهم بعضاً فيها إلا الشيء اليسير، فإذا أبو بكر في مكان مظلم في المسجد ويصلي ويخفض من صوته، فكأنما خشي النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن ينام وهو يصلي بهذه الصورة، فلذلك قال له: (ارفع من صوتك شيئاً)، فإذا كان الأمر كذلك وأنت على هذه الهيئة فارفع صوتك شيئاً.وعمر بن الخطاب كان يرفع صوته، لكن كأنه رفعه زيادة على الحد المطلوب، فلو كان أحد بجواره فلعله يزعجه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (لماذا يرفع صوته؟ فكان جواب عمر رضي الله عنه: أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان) أي: أرفع صوتي من أجل أن أقيم النائم كي يصلي، وأطرد الشيطان، فقال له: (اخفض من صوتك شيئاً)، أي: ليس مطلوباً منك أن توقظ النائمين، ولكن من أراد أن يقوم للصلاة فليقم، ومن لا يريد أن يقوم فلا توقظه، لكن ارفع صوتك شيئاً من غير أن تزعج أحداً من الناس.وقال لـبلال : (رأيتك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السور -يعني لم تقرأ سورة بأكملها، وإنما قرأت آية من سورة، ثم قرأت آية من سورة أخرى- فقال بلال رضي الله عنه: كلام طيب يجمع الله تعالى بعضه إلى بعض)، يعني: أنا انتقى منه، فالأشياء التي أعرف أقرأها أستحلي قراءتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم قد أصاب) يعني: فيما صنعتم، ولكن افعلوا هذا الذي دللتكم عليه.
مشروعية حضور النساء لصلاة التراويح



وصلاة التراويح يشرع أن تحضرها النساء، وإن كانت الصلوات العادية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيها: (صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في مسجدها، وصلاتها في قعر بيتها خير من صلاتها في مسجدها). إذاً: فصلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها مسجدها، لكن صلاة التراويح لعلها لا تصليها في بيتها كما لو صلتها في المسجد، فإذا كانت وحدها قد تنشغل بأمور البيت فلا تصليها، فيشرع للنساء أن يحضرن إلى المسجد فيصلين مع الجماعة، ولذلك جاء في حديث أبي ذر : (فلما كانت السادسة -ليلة سبع وعشرين أو ثمان وعشرين- قال: جمع أهله ونساءه والناس)، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم بما فيهم نساءه؛ حتى يصلوا معه صلى الله عليه وسلم، قال: (فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح).وكان عمر رضي الله عنه يجعل للناس، إمامين: إماماً يصلي بالرجال، وإماماً آخر يصلي بالنساء، ونلاحظ أنه لم يجعل إماماً للنساء من النساء مع وجود نساء يحفظن القرآن، بل بعث لهن إماماً يصلي بهن، قال: وجعل عمر بن الخطاب للناس قارئين في رمضان، فكان أبي يصلي بالناس، وابن أبي حتم يصلي بالنساء. وكان علي بن أبي طالب أيضاً يأمر الناس بقيام رمضان، وكان يجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فأمرني علي فقمت إمام النساء. فيجوز للمسلم -طالما قلنا إن صلاة
التراويح سنة وليست فريضة- يجوز أن يصليها في جماعة، ويجوز أن يصليها وحده إن كان في البيت أو في مكان آخر، ولكن الأفضل أن يصليها في جماعة. وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه جمع الناس على إمام، يقول عبد الرحمن بن عبد القاري : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون: يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل.وجمعهم على سيد القراء أبي بن كعب رضي الله تبارك وتعالى عنه، الذي قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يقرأ القرآن بأمر جبريل، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر : نعمة البدعة هذه.وهذه ليست البدعة المذمومة، فنحن نقول: البدعة هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، قصد بالسلوك عليها المبالغة في العبادة، وأما هذه فشرعية؛ فقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً فـعمر لا يقصد بالبدعة هنا البدعة الشرعية، وإنما يقصد المعنى اللغوي في ذلك، أي: نعم الأمر البديع هذا، فهذا أمر جميل أننا أرجعناهم إلى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاث الليالي التي صلاها بهم.قال عمر : والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، وهذا عائد إلى الصلاة يعني: أن الصلاة التي يناموا عنها أفضل من التي يقومون، ولكن لا يستطيع عمر أن يجمعهم في آخر الليل؛ ففي أول الليل الكل موجود وذلك في صلاة العشاء، بخلاف آخر الليل. فيكون مراده: لو كانت هذه الصلاة على هذا الوضع في آخر الليل لكانت أفضل من هذه؛ لأنهم إذا صلوا في أول الليل فإنهم سينامون في آخر الليل، فإذا صلى الإنسان مع الإمام كتب له قيام الليل كله، فإذا رجع إلى بيته فيستحب أن يقوم من آخر الليل قبل الفجر ما يقدر عليه، فيصلي ركعتين أو ما قدر الله عز وجل له. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر لك ما قد صليت)، فأفضل ما يكون من صلاة الليل والنهار ركعتان ركعتان، وإن جازت هيئات أخرى غير ذلك، فيجوز للمرء أن يصلي أربع ركعات متصلات في سنن النهار كصلاة الضحى، فيصلي أربع ركعات متصلات، لكن الأفضل أن يصلي ركعتين ويسلم ثم يصلي ركعتين . وكذلك في السنة القبلية والسنة البعدية للظهر، والسنة القبلية للعصر، فيجوز أن يصلي أربع ركعات متصلات، ولكن الأفضل هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه فقال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، فصلاة الليل ركعتين ركعتين وتوتر بركعة واحدة، وإن كان هناك أحاديث جاءت في غير ذلك نذكرها فيما يأتي إن شاء الله.أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 21-05-2019, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان


شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- صفة صلاة التراويح
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(16)



صلاة التراويح من النوافل التي جاء الحث عليها والندب إليها، وهي من قيام الليل، فعلى المسلم المحافظة عليها؛ لما فيها من الأجر العظيم، والثواب الجزيل.وصلاة التراويح اختلف العلماء في عدد ركعاتها، والراجح أنه لا حد فيها، فلا ينبغي أن ينكر أحد على أحد في هذا، وإن كان الأفضل هو العدد الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
أسماء صلاة التراويح


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.أما بعد:فقد تكلمنا عن صلاة التراويح في رمضان، وذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على قيام رمضان، وكان يحثهم من غير عزيمة، يعني: لم يوجبه، بل كان يخاف صلى الله عليه وسلم أن يواظب عليها مع الناس فيكتب ويفرض عليهم، فلذلك كان يصليها في بيته صلوات الله وسلامه عليه، وخرج فصلى بالصحابة ثلاث ليال، كما ذكرنا في الحديث السابق.وهذه الصلاة تسمى بصلاة القيام، وتسمى بصلاة التراويح، وتسمى التهجد، وتسمى قيام الليل، وتسمى الوتر، وهي واحدة.
عدد ركعات صلاة التراويح وذكر الخلاف في ذلك
وكان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي غير رمضان، وكان يواظب عليها سواء في رمضان أو في غير رمضان، ولكن في رمضان كان يحث عليها الناس.فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاته المعهودة في رمضان وفي غير رمضان، وما زاد في رمضان ولا في غير رمضان على إحدى عشرة ركعة، صلوات الله وسلامه عليه.وثبت عنه صلى الله عليه

وسلم أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، ولكن أكثر الأحاديث على أنه كان يواظب على إحدى عشرة ركعة في رمضان وفي غير رمضان، بل كان إذا فاتته صلاة الليل صلاها في وقت الضحى شفعاً، يعني: يصليها اثنتي عشرة ركعة في النهار في وقت الضحى، وأخبر أن من فاته قيام الليل فصلاه في وقت الضحى كتب له قيام الليل، وهذا من فضل الله العظيم سبحانه وتعالى.فالمستحب في ذلك ما كان أسهل على الناس فيها، سواء صلى ثلاث عشرة ركعة أو صلى إحدى عشرة، أيضاً يجوز أن يصلي أكثر من ذلك، لكن أفضل الفعل هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يصلي إحدى عشرة ركعة ويواظب عليها.ولكن لا إنكار على من يزيد على ذلك؛ لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكثر من ذلك، وهذه مسألة هامة جداً، فبسببها يقع إشكال بين المسلمين كثيراً, بين الذين يرى عدم الزيادة على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وبين الذي يقول: الأمر واسع في الأمر، وهذا الصواب، فالصواب في هذا الشيء: أن الأمر واسع، فإذا صليت مع الناس إحدى عشرة ركعة، ورجعت إلى البيت وأحببت أن تصلي ما شئت، فلا يوجد إنكار في ذلك، فصل ما شئت؛ لأنه لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدد معين لا يجوز تجاوزه.ولذلك فجماهير العلماء على أنه يجوز أن تصلي ما شئت في قيام الليل، سواء إحدى عشرة ركعة أو أكثر من ذلك أو أقل من ذلك؛ بحسب ما يتيسر لك.وقد ذكر الإمام النووي في المجموع مذاهب العلماء في عدد ركعات التراويح، والغرض منها بيان أن الأمر واسع، فلا يحتاج أننا نبقى في عراك مع بعضنا، فواحد يقول: صل إحدى عشرة، وآخر يقول: صل عشرين، وآخر يقول: إحدى وعشرين، وآخر يقول: ستاً وثلاثين، فلا يحتاج الأمر لهذا الشيء، وإنما أفضل ما يكون أن تصلي إحدى عشرة ركعة كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإذا كان يشق على الناس التطويل في الركعات جاز أن يقلل في القراءة ويزيد من عدد الركعات، وإذا صلى الإنسان في المسجد ورجع إلى بيته ورأى أن هناك وقتاً إلى الفجر، وفيه قوة أنه يقوم من الليل، فيجوز أن يصلي أكثر من ذلك، ولم يثبت المنع في ذلك.وأما قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (ما زاد رسول صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) فهذا فعل، والفعل لا يفيد التحديد، ولا يفيد أنه لايجوز إلا إحدى عشرة، وأن أكثر من ذلك يكون بدعة، أو أن أكثر من هذا يكون ضلالة، أو يكون حراماً، فإن هذا كله لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، وجماهير أهل العلم على أن الأمر واسع، ومن أجمل الكلام في ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية .يقول النووي رحمه الله: مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وداود أنها عشرون ركعة، يعني: أن هؤلاء أخذوا بأن عمر بن الخطاب جمع الناس على عشرين ركعة، فعلى ذلك قالوا: نفعل كما فعل عمر رضي الله عنه.والبعض يقول: الوارد عن عمر إسناده ضعيف، ولكن هناك روايات أخرى تعضد هذا الأثر، وهذا كان مشهوراً في عهد عمر رضي الله عنه أنه فعل ذلك.والراجح: أن الأمر واسع، فمن صلى عشرين أو صلى إحدى عشرة فكل ذلك جائز.لكن يا ترى هل الذي سيصلي عشرين الركعة سيقرأ فيها آية ويركع؟ إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الهدي، فعليك أن تقرأ كما كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن قراءته كانت قراءة معتدلة بصلاة طويلة جميلة، وهذا أفضل من أن تصلي وتقرأ في كل ركعة آية وتركع، فهذه الصلاة تجعل الناس يلهثون وراء الإمام وهو يجري في هذه العشرين ركعة.لكن إذا صلى المرء ثمانِ ركعات يحسن فيها القيام، ويفهم الناس القرآن، ويختم فيهن كلام رب العالمين سبحانه وتعالى، فهذا أفضل من أنه يصلي ركعات كثيرة، وتكون في النهاية المحصلة أنه قرأ ربعاً أو ربعين في خلال العشرين الركعة.يقول النووي : مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وداود -يعني: الظاهري - أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات: ركعتين ركعتين ركعتين ركعتين... وذلك خمس ترويحات.وسميت تراويح لأنهم كانوا يتروحون بين كل أربع ركعات، فيصلون أربع ركعات ومن ثم يأخذون راحة، ثم يصلون أربع ركعات ومن ثم يتروحون، يعني: يستريحون بعد الأربع ركعات.وجاء عن الأسود بن يزيد أنه كان يقوم بأربعين ركعة، ويوتر بسبعركعات.وقال مالك : التراويح تسع ترويحات، وهي ست وثلاثون ركعة غير الوتر، واحتج مالك على ذلك بأن أهل المدينة يفعلون ذلك.وقال نافع وهو مولى عبد الله بن عمر وشيخ مالك في الحديث أدرك التابعين وبقايا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: أدركت الناس في المدينة وهم يقومون رمضان بتسع وثلاثين ركعة، يوترون منها بثلاث.وهذا عدد كبير جداً، ولعلهم كانوا يصلون الليل كله، فهل يطيق المسلم ذلك؟ ولو قيل: إنهم كانوا يصلون ركعات كثيرة لكنهم يقرءون في كل ركعة آية أو آيتين، فالجواب: أنهم لم يكونوا يفعلون هذا الشيء، بل كانوا يصلون صلاة طويلة.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى: لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان عدداً معيناً، يعني: لم يحدد أنه لازم أن يكون كذا، فلم يقل: صل إحدى عشرة ركعة ولا تزد على ذلك، فتكون الزيادة على ذلك ممنوعة، كما قال: (لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتين)، فيمنع أن تصلي بعد الفجر، فبعد أن يؤذن المؤذن للفجر الصادق لا يجوز لك أن تصلي أكثر من ركعتين، وهما سنة الفجر، فهذا توقيت وقته النبي صلى الله عليه وسلم.لكن في قيام الليل الأمر مفتوح، فلم يقل: لا تصل أكثر من كذا، فيجوز للإنسان أن يصلي ما

شاء.يقول ابن تيمية رحمه الله: لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان عدداً معيناً، بل كان صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، وكان يستمتع بهذه الصلاة صلى الله عليه وسلم، فكان يقوم من النوم فيصلي ركعتين يطيل فيهما ما شاء الله سبحانه وتعالى، ثم ينام إلى أن يأخذ قسطاً من النوم، ثم يقوم مرة أخرى فيصلي ركعتين ويطيل ما شاء الله له أن يطيل.إذاً: فهو يقوم يصلي صلاة رغبة ورهبة، صلاة إقبال على الله وليست صلاة مستعجلة وكأنه يقول: متى ننتهي منها؟ ليس كذلك، بل كان يقول: (أرحنا بها يا بلال !)، وقال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، فهذه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.يقول ابن تيمية رحمه الله: فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ويوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة.يعني: فكأنه يعوض، فإذا كانت الإحدى عشرة
ركعة ستأخذ ساعتين أو ثلاث ساعات، فيصلي العشرين في نفس المقدار، إذاً: فيقلل في عدد الآيات التي في كل ركعة، لكن في النهاية هو نفس الوقت الذي كان سيصلي فيه الإحدى عشرة ركعة.يقول ابن تيمية: وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من ركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كانت طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ.هذا كلام فقيه عظيم عالم، وقد جمع بين علم العقيدة وعلم الأصول وعلم الفقه وعلم الحديث، فتكلم كلام العلماء الراسخين، فقال: الأمر واسع في ذلك، ولكن أحب ما يكون هو فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه، من غير تبديع لمن زاد على ذلك.قال: والأفضل في ذلك يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام -أي: يستطيعون أن يصلوا صلاة طويلة- فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنفسه في رمضان وغيره، وهو الأفضل على رواية؛ لأن الروايات المشهورة إحدى عشرة ركعة.وإن كانوا لا يحتملون فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين.قال في آخر كلامه: ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ.هذاكلام جميل جداً، وكلام طيب يجمع المسلمين ولا يجعل بينهم خلافاً، ولا يجعلهم يشتم بعضهم بعضاً، ويبدع بعضهم بعضاً، فالأمر واسع في ذلك، لكن أفضل ما يكون هو أن يصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة، ويطيل فيها بما لا يشق على الناس، كما يفعل الكثيرون من أئمة المساجد الذين يقتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. هذا مختصر لكلام ابن تيمية رحمه الله.
ذكر بعض الأحاديث الواردة في صفة قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الليل

ومما جاء في ذلك ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته -تعني: بالليل- فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية)، والخمسون آية ممكن أن تكون ربعين في القرآن، هذا الغالب، ويمكن أن يكون أكثر من ذلك.قالت: (قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر).هنا ذكرت أنه صلى إحدى عشرة ركعة بالليل، وركعتين، فاحتمل أن تكون الركعتان هم اللتان قبل الفجر، سنة الفجر القبلية، واحتمل أن تكونا من ضمن قيامه، وأنه بعدما انتهى وأوتر صلى الله عليه وسلم كأنه قام بعد ذلك فركع ركعتين بعدها، وسيأتي الكلام على ذلك.لكن تقول هنا في الحديث توضح أنها سنة الفجر: (يركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة).فقام الليل بهذه الصفة التي السجدة فيها بقدر خمسين آية، وهذا يدل على أنها طويلة، فإذا كان سيسجد السجدات قدر خمسمائة آية فكم سيكون قدر الركوع؟ والقراءة نفسها كم ساعة ستكون؟إذاً: فهذه الصلاة الطويلة تحتاج إلى راحة، فكان


صلى الله عليه وسلم يرتاح بعد هذه الصلاة، فلما أذن المؤذن للفجر صلى ركعتين سنة الفجر.ثم يضطجع إلى أن يجتمع الناس إلى بيت الله عز وجل، وهذا الاضطجاع سنة في مثل هذه الحال.فـعائشة رضي الله عنها تحكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام الليل قياماً طويلاً، وعند الفجر صلى صلى الله عليه وسلم سنة الفجر، ثم اضطجع قليلاً صلى الله عليه وسلم.وأحياناً كان يجد زوجته السيدة عائشة أو أم سلمة أو غيرهما من زوجاته قاعدة فكان يحدثهن، وأحياناً تكون هي أيضاً تنتظر صلاة الفجر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضطجع ولا ينام، ولكن يضطجع ليستريح، وهذا معروف طبياً، فإن الإنسان إذا قام قياماً طويلاً ينسحب الدم من رأسه إلى أطرافه، فلا يصل إلى المخ، فيمكن أن يدوخ، فإذا نام على الأرض يصل الدم إلى المخ؛ لذلك إذا أغمي على إنسان فإنك تضعه على الأرض، فترفع رجليه من أجل أن الدم يصل إلى دماغه، وأما إذا وضعته على كرسي وجعلت تضرب فيه من أجل أن يصحو فلن يصحو؛ لأن الدم لن يصل إلى دماغه، فأول شيء أن تجعله ينام على الأرض، وترفع رجليه إلى الأعلى، فتجعل رجليه أعلى من دماغه؛ من أجل أن الدم يصل إلى الدماغ.فالإنسان إذا قام الليل وتعب فإنه ينام ويضطجع.إذاً: فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا كان الواحد حاله مثل حالتنا قد نام الليل كله، وقبل الفجر قام وصلى ركعتين فلا يضطجع؛ لأنه قد نام الليل كله، فلا ينم؛ فإن هذا وقت إجابة دعاء، ولذلك البعض يتشدد ويقول: هي سنة، وأما ابن حزم رحمة الله عليه فيقول: تجب هذه الضجعة.والصحيح أن هذه ضجعة استراحة، وليست عبادة، لكن ابن حزم يقول: هي واجبة، حتى إنك لو ذهبت للمسجد وكان الإمام في الصلاة فاضطجع، ثم قم وادخل في الصلاة، وهذا الكلام بعيد جداً عن الحقيقة وبعيد عن الواقع، ومن يقبل مثل هذا الشيء؟! إذ كيف أدخل وأجد الإمام في الصلاة فأذهب اضطجع وأقوم؟! فسيقول: فعلها بعض الصحابة، فنقول: وإن فعلها بعض الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم؛ فإنهم فعلوها بسبب الأعياء والتعب؛ لأنهم قاموا الليل كله، ولما وصلوا إلى المسجد وكان الواحد منهم مجهوداً اضطجع، أما إذا جئت والإمام في الصلاة وقد أمرك النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتيم والإمام ساجد فاسجدوا)، ولم يقل: نم واضطجع قليلاً وقم وادخل معه، وإنما قال: (فاسجدوا)، مع أن السجدة ليست محسوبة، ولذا قال: (إذا أتيتيم والإمام ساجد فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركوع فقد أدرك الصلاة).وهذا الحديث معناه: أنك أول ما تدخل المسجد افعل كما يفعل الإمام؛ بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خالف بعض الصحابة فنقول: هو فهم هذا الشيء رضي الله عنه لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا الشيء، هو فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا الاضطجاع، وهو صلى الله عليه وسلم أمر من قام الليل أن يضطجع، كما قام النبي صلى الله عليه وسلم وتعب.وأما أن يأتي المسجد وهو قد بات نائماً في وقت أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء فيه مستجاب ويترك الدعاء من أجل أن يضطجع فلا، ولماذا يفعل هذا الشيء وهو غير تعبان؟فهنا الضجعة نحملها على ما فعله النبي، كما أخبرت السيدة عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها.ونحن نحكي هذا لأن في الاعتكاف تجد بعض الإخوة يعملون حاجات غريبة، ومن ثم يقولون: هي سنة، فنريد أن نقيم السنة، وتجد آخرين يردون عليهم، ويحصل خلاف بينهم، فنقول: ابعدوا عن الخلاف، فالخلاف كله شر.وأيام الاعتكاف أيام عبادة لله سبحانه وتعالى، وتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فلا تشذ عن الناس بفعل تفعله، ولا تلفت إليك الناس بحيث تقول: الناس ينظرون إلي، والناس يعملون مثل ما أنا أعمل، فيخشى عليك من الرياء بفعلك الذي تفعل.وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)، ونلاحظ الفرق بين: (كان يفعل كذا)، فهذا دليل على الاستحباب، وبين: (لا تفعلوا كذا)، فهذا دليل على الأمر والنهي، فهنا كان يفعل، والتي تقول هذا هي السيدة عائشة وليس النبي صلى الله عليه وسلم.فالسيدة عائشة رضي الله عنها تقول: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) تعني: لا تسأل عن جمال هذه الصلاة التي يصليها، وعن حسن الصلاة التي يصليها النبي صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الإسراء:110]، فلا تجهر بصلاتك فتوقظ النائمين، ولا تخافت بها، فلعل أحداً يريد أن يسمعك وأنت تقرأ، فكان يقرأ قراءة لا يوقظ بها النائمين، فكانت تسمع له، ويعجبها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعجبها

جمال صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول: (لا تسأل) أي: لا يوجد بعد ذلك حسن؛ فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي يصليها بالليل وهو في بيته عليه الصلاة والسلام أحسن وأجمل صلاة.قالت: (ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) تعني: يوتر بعد ذلك بركعتين ثم بواحدة، قالت: (فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟) كأنه كان يصلي أربع ركعات وينام، ثم يقوم، فيصلي أربع ركعات أخرى وينام، ثم يوتر، فهي تسأله وتقول: أنت تقوم من النوم فتصلي الوتر من غير أن تتوضأ؟ فقال: (يا عائشة ! إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) فقلبه صلوات الله وسلامه عليه لا ينام، بل قلبه معلق بالله سبحانه، فيستشعر بكل ما حوله، والعين تنام وتستريح، وأما القلب فلا، فهو يقظ ليلاً ونهاراً، فصلوات الله وسلامه عليه لا يغيب عن ربه سبحانه وتعالى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام يستشعر نفسه أنه أحدث أو لم يحدث، والعادة أنه لم يحدث في النوم فيصلي صلى الله عليه وسلم، فإن أحدث توضأ وصلى صلوات الله وسلامه عليه.وفي حديث آخر في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر)، وكأنها هنا أجملت الحديث، وفي الحديث الأول ذكرت أنه كان يصلي أربعاً ثم أربعاً، تعني: يصلي ركعتين، ثم يصلي ركعتين، ثم يستريح، ثم يقوم يصلي ركعتين، ثم يصلي ركعتين، ثم يستريح، ثم يقوم فيصلي ركعتين ويوتر عليه الصلاة والسلام، فهذا تفصيل: أربعاً وأربعاً وثلاثاً.وهنا قالت: (ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس) أي: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، فيصلي ثمان ركعات ثم يوتر، وكأنها تقصد أنه يوتر بثلاث، فيكون المجموع إحدى عشرة ركعة، ثم يصلي ركعتين.قالت: (ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح).وهذا الحديث محتمل أنه على هذا الظاهر، أي: أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات، لكن يحتمل أنه أوتر بواحدة، ويحتمل أنه أوتر بثلاث.فإن كان أوتر بواحدة فيكون صلى تسع ركعات، وبعدما صلى التسع ركعات صلى ركعتين وهو جالس عليه الصلاة والسلام.إذاً: نأخذ من هذا أنك إذا أوترت مع الإمام وأحببت أن تصلي في البيت فيجوز لك أن ترجع فتصلي شفعاً شفعاً، فليس لازماً أنك إذا كنت مع الإمام وأوتر وسلم أن تقوم وتأتي بركعة، بل من الممكن أنك أيضاً تسلم مع الإمام في الوتر، وإذا رجعت إلى بيتك وأحببت أن تصلي فصل، لكن صل شفعاً ولا توتر مرة ثانية بعد ذلك.وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز، وصلى ثمان ركعات وأوتر بواحدة صلى الله عليه وسلم، فأصحبت تسعاً، ثم صلى ركعتين وهو جالس عليه الصلاة والسلام؛ وكأنه تعب، فأصبحت إحدى عشرة ركعة.قالت: (فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس) تعني: صلى الركعتين وهو جالس وقرأ فيها ما شاء الله عز وجل أن يقرأ، فإذا أراد أن يركع قام وكمل القراءة وهو قائم، وركع عليه الصلاة والسلام من قيام، وهذا في الركعتين اللتين بعد الوتر وليس في الركعتين اللتين بعد أذان الفجر.قالت: (ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة)، فإذاً: الثلاث عشرة ركعة فيها ركعتا سنة الفجر القبلية. فعلى الحديث الأول يحتمل أنه صلى ركعتين من ضمن ركعات قيام الليل، وعلى هذا فيكون قيام الليل ثلاث عشرة ركعة، وإن كان الغالب من كلامها الاحتمال الثاني، وهو أنها قصدت سنة الفجر.وأيضاً جاء في حديث آخر رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه، فقالت: (كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس).وفي هذا الحديث فضيلة صلاة النافلة في البيت، فإذا أذن للظهر فمن الممكن إذا كان بيتك قريباً من المسجد أنك تصلي سنة الظهر في البيت، فتصلي أربع ركعات ثم تأتي إلى المسجد.قالت: (ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً)، فهنا ذكرت أنه صلى ركعتين سنة العشاء، وكان يصلي تسع ركعات بالوتر، والمجموع إحدى عشرة ركعة بسنة العشاء.فكأن الإحدى عشرة ركعة التي كان يصليها أول ركعتين منها هي سنة العشاء، والباقي من قيام الليل، كما في هذا الحديث.قالت: (وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين).
جمع عمر رضي الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح


روى الإمام مالك في الموطأ عن السائب بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وكان القارئ يقرأ بالمئين.والمئين: السور التي تعدت المائة آية، وسور القرآن كانوا يقسمونها إلى: السبع الطوال، وهي أول سبع سور في القرآن، تليها المئون، وهي السور التي تجاوزت المائة آية كسورة يونس، وسورة هود، وسورة الكهف، وسورة الإسراء، وغيرها من السور التي تجاوزت المائة آية. يليها ما هي أقصر منها وهي: المثاني، وهي أقصر من ذلك، يليها المفصل التي في آخر القرآن، ويقسم المفصل إلى ثلاثة أقسام: طوال المفصل، وأوساط المفصل، وقصار المفصل.فكان القارئ يقرأ بالمئين، يعني: بالسور التي عدت مائة آية، ونحن ربما
صلينا بسورة الكهف في أربع ركعات، بينما كان القارئ في زمانهم يقرأها في ركعة، فيقرأ في ركعة بالمئين، يقرأ بسورة يونس، أو سورة هود، أو سورة الكهف، أو سورة الإسراء، يقرأها في ركعة واحدة.قال: حتى كنا نعتمد على العصي من التعب.يعني: يعتمد الواحد على العصا أو العكاز من التعب من طول القيام.قال: وما كنا ننصرف إلا في طلوع الفجر.هذا في عهد عمر رضي الله عنه، فإذا جاء عن عمر أنه جعل التخفيف بأنه يصلي بهم عشرين ركعة فالمعنى أنهم كانوا يصلون الليل كله، ومعنى هذا أن هذه الصلاة طويلة جداً، فكان يأمر القارئ بأن يقرأ بالعشرين الآية والثلاثين آية كما سيأتي بعد ذلك في قول عمر رضي الله عنه، وأمر أنه يقرأ القارئ بالعشرين آية أو الثلاثين بحسب سرعة القارئ، وهذا هو الذي جعل عدد ركعات الصلاة أطول من أجل أن يعوض القيام الطويل، والله أعلم.أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 24-05-2019, 11:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان



شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- صلاة الوتر وما يقرأ فيها وأحكام القنوت
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(17)



إن صلاة الوتر من النوافل الرواتب، وفضلها عظيم، والأحاديث والآثار فيها كثيرة، فيجوز أن يصليها ركعة ويجوز أن يوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع.فإذا أوتر بثلاث فإنه يقرأ فيها في الأولى بسورة الأعلى، وفي الثانية بسورة الكافرون، وفي الثالثة بسورة الإخلاص.
استحباب صلاة الوتر


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.تكلمنا عن صلاة التراويح سابقاً وذكرنا أنها تسمى بصلاة التراويح، وتسمى بصلاة القيام، وهي نفسها صلاة الوتر، وإن إذا ذكرنا أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ركعتين ويوتر بواحدة فنقصد هنا بالواحدة الوتر، وهي آخر ما يصليها صلى الله عليه وسلم، أو الثلاث الوتر آخر ما يصليها صلى الله عليه وسلم، والوتر عكس الشفع. فصلاة التروايح وإن كانت إحدى عشرة ركعة أو ثنتي عشرة ركعة إلا أنها تسمى بصلاة الوتر لأنها تختم بالوتر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ثمان ركعات ويختم بثلاث وهي الوتر، وكان الغالب من حاله صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين ركعتين في صلاة القيام، ويوتر بركعة واحدة صلوات الله وسلامه عليه.روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء، وهي التي يدع الناس العتمة)، وهذا التفسير لأن البعض كان يسمي المغرب العشاء، ويسمي العشاء العتمة، وهؤلاء الأعراب، فكأنها أرادت أن تبين من أجل ألا يخطئ أحد فيظن أن العشاء هي المغرب، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ الناس من صلاة العشاء وهي التي يدع الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة).وقال: ابن عمر رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الوتر والشفع بتسليمة، ويسمعناها).يجوز أن تقول: الوِتر والوَتر، ففيها لغتان، فله في صلاة أن يوتر بثلاث وخمس ولا يجلس ولا يسلم إلا في الأخيرة، وهذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه


وسلم: (الوتر حق)، وكأنه يقول: لا تتركها، ولكن لم يقل ذلك على وجه الإلزام فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأله الأعرابي وسأله غيره عن الصلوات المفروضات، فأخبر أنها خمس صلوات في اليوم والليلة.وذهب معاذ إلى اليمن في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إلا بعدما مات النبي صلى الله عليه وسلم، فكان آخر ما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم به أن يقول للناس: إن الواجب والفرض الذي عليكم هو الصلوات الخمس، فليس هناك فرض آخر إلا أن يكون بسبب كصلاة الجنازة مثلاً أو نحو ذلك، وأما صلاة النوافل كلها من رواتب وغير رواتب فهي نافلة، والوتر أيضاً من ضمن السنن، ولكن لا ينبغي أن تترك، وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها حضراً وسفراً، فكان وهو حاضر يصلي سنة الفجر والوتر، وكذلك وهو مسافر أيضاً، مع أن الرواتب الأخرى كان يسقطها ولا يصليها في السفر صلى الله عليه وسلم، لكن صلاة الليل، وسنة الفجر، وصلاة الوتر ما كان يتركها صلى الله عليه وسلم لا في السفر ولا في الحضر.قال صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق على كل مسلم)، لو جاء هذا الحديث فقط لكان الوتر لازماً على كل مسلم، ولكن يمنعنا من القول بالوجوب هنا -وإن كان الأحناف قد قالوا بالوجوب- أنه قد جاءت صوارف لهذا الوجوب كقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال الرجل: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)، فدل على أن غيرها تطوع، وهذا الوتر من التطوع الذي لا يلزم، وإنما يتأكد استحبابه.وأيضاً من الأدلة على عدم الوجوب قضاء الله سبحانه المبرم المحكم في ليلة المعراج، حيث قال: (هن خمس، أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي)، إذاً فليس هناك زيادة على الخمس الصلوات التي فرضها الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم.فقوله هنا: (الوتر حق) مصروف عن الوجوب والإلزام إلى الاستحباب، وفيه تأكيد الاستحباب. ومما يدل على الاستحباب أيضاً قوله: (فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)، فدل على الاستحباب لأنه راجع إلى مشيئة العبد.
عدد الركعات في صلاة الوتر
يجوز أن يصلي المسلم الوتر ثلاث ركعات متصلات، أو خمس ركعات متصلات، أو ركعة واحدة فقط، فهذا كله جائز. روى النسائي عن ابن عباس عن أم سلمة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع أو خمس لا يفصل بينهن بتسليم).إذاً: كان صلى الله عليه وسلم إذا زاد على ثلاث كأن يصلي خمس أو سبع ركعات كان لا يفصل بينهن بتسليم، فكان يصلي
النافلة بعد العشاء ثمان ركعات: ركعتين وركعتين وركعتين، ثم يوتر بخمس متصلات يجلس في الرابعة والخامسة، وكذلك إذا صلى سبع ركعات متصلات فإنه يجلس للتشهد في السادسة والسابعة، وإذا صلى تسع ركعات فإنه يجلس في الثامنة والتاسعة، وكان إذا صلى سبعاً متصلات أو تسعاً متصلات فإنه يصلي بعدهن ركعتين، لبيان جواز ذلك.ويجوز إذا أوتر بخمس ركعات متصلات ألا يجلس إلا في الخامسة فقط كما في حديث عائشة رضي الله عنها، ويجوز أن يجلس في الأخيرة وقبل الأخيرة، فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.روى النسائي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وفي الركعة الثانية بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الثالثة: بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ولا يسلم إلا في آخرهن، ويقول - يعني: بعد التسليم -: سبحان الملك القدوس ثلاثاً)، فهذه سنة من سننه.وفي حديث آخر: كان يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، والأمر واسع.وأيضاً روى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس، أو بسبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب).هذا الحديث يؤخذ منه أن الأفضل ألا يوتر بثلاث ركعات متصلات، وهذا جائز، فقد جاء من فعله صلى الله عليه وسلم، فهنا يقول: لا تجعل الوتر مثل صلاة المغرب، فصلاة المغرب تجلس فيها بعد الركعة الثانية، ثم تقوم للثالثة، ثم تجلس في الثالثة، فهنا يقول: لا تشبه الوتر بصلاة المغرب، أي: لا تصلي ثلاث ركعات، ولكنه صلى الله عليه وسلم قد فعل هذا.فالمعنى الآخر: أنك لا تجلس في الركعة الوسطى منها، ويجوز أن

تجلس في الأخيرة والتي قبل الأخيرة في الخمس ركعات والسبع الركعات.وله أن يوتر بسبع وبتسع متصلات لا يجلس إلا في الأخيرتين، فقد جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها أخبرت بذلك، فقالت: (كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة)، وهذه الصلاة كان يصليها وحده صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يصليها بالناس. فإذا كنت إماماً للناس فلا يستحب لك ذلك، بل المستحب أن تصلي ركعتين ركعتين، ولو كان فعل هذا مستحباً بالناس لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، وإنما فعل هذا وحده، ولذلك أخبرت السيدة عائشة عن ذلك، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة طويلة، وأما مع الناس فيصلي تسع ركعات، فلعل الإنسان يحدث في الصلاة فإذا صلى الإمام ركعتين ركعتين يذهب المحدث ليتوضأ، ولو صلى الإمام أكثر فإن المأموم سيتحسر على ما فاته فيها، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ، إذاً: فالمستحب أن تصلي هذه الصلاة في البيت، فيجلس الإنسان في الثامنة والتاسعة إذا كانت تسع ركعات، وإذا كانت سبع ركعات جلس في السادسة والسابعة، وسلم في الأخيرة.قالت: (ثم يصلي ركعتين وهو جالس) تعني: إذا صلى تسع ركعات متصلات وقد تعب من التسع الركعات المتصلات، فإنه يقوم يصلي بعدها ركعتين وهو جالس صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك إذا صلى سبع ركعات، قالت: (ولم يقرأ القرآن في ليلة قط) تعني: لم يقرأ القرآن كله في ليلة، لكن أقصاه أنه كان يقرأ بالسبع السور الطوال من القرآن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، وبراءة، يقرأ هذا كله في قيام الليل، أي: أنه يقرأ بأكثر من ألف آية عليه الصلاة والسلام، لكنه لم يكن يقرأ القرآن من أوله إلى آخره في ركعة كما جاء عن بعض أصحابه أنه فعل ذلك، كـعثمان وعبد الله بن عمرو ، فهو نفسه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك؛ حتى لا يشق على أمته صلوات الله وسلامه عليه.تقول عائشة رضي الله عنها: (ولم يصم شهراً يتمه غير رمضان)، فالشهر الوحيد الذي صامه تاماً هو رمضان، وهذا يشكل عليه ما جاء عنها هي: (أنه كان يصوم أكثر شعبان أو كان يصومه كله) فلم يكن يداوم كل سنة على صيام شعبان كله، فأحياناً كان يصوم شعبان كله وأحياناً كان يكثر من الصوم في شعبان، (وكان إذا صلى صلاة داوم عليها)، (كان أحب العمل إليه أدومه وإن قل) صلى الله عليه وسلم، (وكان إذا غلبته عيناه من الليل بنوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة).
من نام عن صلاة الوتر أن نسيها

كان صلى الله عليه وسلم إذا غلبته عيناه يعني: إذا تعب بالنهار في الإصلاح بين الناس، أو في الجهاد في سبيل الله، أو في أمر من الأمور فتعب صلى الله عليه وسلم فجاء آخر الليل ولم يستطع أن يقوم فنام وغلبته عيناه، فهنا كان يصلي في النهار ثنتي عشرة ركعة مكان صلاة الليل وهي إحدى عشرة، فالنهار ليس فيه وتر إلا المغرب، فكان يصلي في وقت الضحى ثنتي عشرة ركعة صلوات الله وسلامه عليه.وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الوتر قبل طلوع الصبح وقال: (أوتروا قبل أن تصبحوا) ، رواه مسلم .وقال: (من نام عن الوتر أو نسيه فليوتر إذا ذكر أو استيقظ)، فإذا كان الإنسان متعوداً أن يصلي صلاة الوتر، ثم نسيه في مرة من المرات أو نام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فإنه يستحب له إذا قام من الليل أن يصلي ركعة الوتر، سواء قام قبل الفجر أو بعد أن يؤذن الفجر، ثم يصلي سنة الصبح، ثم صلاة الصبح بعد ذلك.وروى ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصبحت ولم أوتر، فقال: إنما الوتر بالليل)، هذا ليبينله أن الأمر ليس بالتشهي، وكأن الرجل اعتاد أن يوتر كل يوم، وهذه المرة غلبته عيناه، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك، وقد صعب عليه هذا الذي وقع فيه فبعدما ألح الرجل في السؤال مرة واثنتين وثلاثاً وأربعاً قال له النبي: (فأوتر).وفي حديث آخر رواه ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)، فهذا الحديث مع الحديث الذي قبله فيهما تضييق في أمر الوتر، فإذا تركته عمداً إلى أن طلع الصبح، فقد انتهى وقته، ولا وتر بعد ذلك، لكن من كانت عادته أن يصلي الوتر فغلبته عيناه يوماً فهذا يأخذ بالحديث الذي فات على شيء من التضييق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن له إلا بعدما ألح الرجل ثلاث مرات أو أربع مرات، إذاً فالأصل هو عدم تضييع الوتر، فإذا أخرت الوتر متعمداً إلى أن طلع الفجر فقد انتهى وقته.
القراءة في صلاة الوتر

وقد ذكرنا سابقاً ما هو الذي يقرأه في الوتر، وأيضاً روى الترمذي عن عبد العزيز بن جريج قال: سألنا عائشة : (بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرأ في الأولى بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وفي الثانية بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الثالثة: بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين).وكان أحياناً يوتر بغير ذلك، فروى النسائي عن أبي مجلز : (أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم).وأيضاً يجوز أن يقرأ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64]، في الثانية، ويقرأ في الركعة الأولى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ [البقرة:136].إذاً: فأمر الوتر واسع فسواء قرأ بآية في الأولى بعد الفاتحة وآية في الثانية بعد الفاتحة، وختم في الأخيرة بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، أو قرأ بآية واحدة من ذلك، أو قرأ بمائة آية من سورة النساء،

وأفضل شيء أنه يقرأ بما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقرأ عليه الصلاة والسلام بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1].وجاء أن القراءة بـ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا [آل عمران:64]، وقوله: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة:136]، كان يقرأ بها في ركعتي الفجر، وكذلك: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] لأن هذه الآيات بالليل لها فضيلة، فقرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة الفجر، وقرأ في الوتر بمائة من النساء، وقرأ بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وبالمعوذتين.ويستحب لمن فاته قيام الليل أن يصلي بدله من النهار كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عنه: (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل). وملخص ما مضى في الوتر وفي سنة الفجر: أما الوتر فهو إحدى عشرة ركعة، وما جاء أنه صلى ثلاث عشرة فهو محمول على أنها سنة الفجر، أو أنهما ركعتان زائدتان كان يصليهما النبيصلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يصلي أكثر من ثلاث عشرة.والوتر يقرأ فيها بما شاء من القرآن، ولكن أفضل شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقرأ بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وهذا في الركعة الوحيدة للوتر، وإذا كان في الثلاث الركعات فيقرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] في الأولى، والثانية: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، والثالثة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، أو قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين يقرأهما. فإذا أطال في ركعة الوتر جاز أن يقرأ من سورة طويلة كأن يقرأ سورة النساء، وجاز أن يقرأ أقل من ذلك بما يتيسر له، لكن هذه سنته صلى الله عليه وسلم.وإذا كان في رغيبة الفجر، وهما الركعتان بعد الوتر، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، في الشفع وأيضاً في الوتر، وفي سنة الفجر كذلك: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:64]، قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة:136] وسنة الفجر تعتبر من صلاة الليل لأنها في الغلس.والقراءة في التراويح يقرأ بما شاء من القرآن، ولكن استحب جماهير العلماء أن يختم القرآن في صلاة التراويح ولو مرة في رمضان.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة الإسلام، بل إن من أجل مقصود التراويح قراءة القرآن كله فيها كي يسمع المسلمون كلام الله إذا وهذا له نظير في السنة أن المسلم يسمع القرآن كله ولو مرة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذاكره جبريل القرآن كله فيه، وبعض الناس يقول: لماذا تقرأ القرآن كله ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بالمسلمين رمضان كله، ولو صلى بهم لعرف ذلك، فنقول: إن هذا ليس واجباً، لكن يستحب له أن يسمع الناس القرآن كله.يقول ابن تيمية رحمه الله: إن شهر رمضان فيه نزل القرآن، وفيه كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.يقول: وقد ذهب الحنابلة وأكثر الحنفية إلى أن السنة أن يختم القرآن الكريم في صلاة التراويح يسمع الناس جميع القرآن، قال الحنفية: السنة الختم مرة، فلا يترك الإمام الختم لكسل القوم.فإذا كان هذا الختم يشق على الناس فيقرأ بحسب ما يتيسر ولا يشق على الناس.روى ابن أبي شيبة عن أبي عثمان قال: دعا عمر القراء في رمضان فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين أية، والوسط خمساً وعشرين، والبطيء عشرين آية.وروى مالك في الموطأ عن الأعرج قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف.وكأنه زاد الركعات من أجل ألا يشق على الناس بالقراءة الطويلة، فيقرأ سورة البقرة في ثنتي عشرة ركعة فلا يشق عليهم.وروى مالك عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: أمر عمر بن الخطابأبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين.وسور المئين هي السورة التي تتعدى آياتها المئة آية، مثل: سورة الكهف، وسورة هود، وسورة يونس، وسورة الإسراء، وغيرها.يقول: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. أي: قرب طلوع الفجر.
حكم الصلاة في وقت الترويح


إذا صلى الإمام ركعتين وجلس للاستراحة هل يقوم الناس ليصلوا ركعتين؟ الجواب: أن الإمام أحمد كره التطوع بين التراويح، فهذا الوقت وقت راحة من أجل أن تستعد وتنتبه لصلاتك بعد ذلك، فلا معنى أن تصلي بين الركعتين ركعتين أخريين، فإذا انتهى الإمام ورجعت إلى بيتك فصلي ما شئت، فإذا كنت في المسجد فأنت في صلاة سواء كنت تصلي الآن مع الإمام أو كنت جالساً. إذاً: فاجلس بين الركعتين واسترح حتى تهيئ نفسك للقيام بعد ذلك.فقد كره الإمام أحمد التطوع بين التراويح وقال: فيه عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم. يعني: ثلاثة من الصحابة منعوا من ذلك، وهم: عبادة وأبو الدرداء وعقبة بن عامر رضي الله عنهم، فقد منعوا من أن يقوم الإنسان بين التروايح ليصلي ركعتين، فإنما سميت التراويح لأنهم بين الركعات يجلسون ويستريحون حتى يقوموا بعد ذلك.
استحباب قراءة القرآن في التراويح من الحفظ ويجوز من المصحف

المستحب في قراءة القرآن في التراويح أن يقرأ القارئ من حفظه، فهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه، ولكن مع وجود - أحياناً - الزحمة في المسجد والإمام قد يخطئ فيرد عليه عشرون أو ثلاثون ممن خلفه ويفتحون عليه، فربما لا يفهم مرادهم ولا يستطيع أن يكمل القراءة فبعض القراء يجعل أمامه مصحفاً؛ من أجل أن يراجع بدلاً من أن يفتح عليه شخص من خلفه فيضطرب.وهذا فعله ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها، ولم ينكر عليه أحد في ذلك، فيجوز للإمام أن يفتح المصحف لكن الأفضل ترك ذلك.وأما المأموم فلا معنى أن يفتح المصحف وهو يصلي، فبعض المأمومين يفعلون ذلك ويفتحون المصاحف أثناء الصلاة، فنقول لهم: لا تفعل ذلك، ولكن عود نفسك أن تسمع القرآن وتنتبه له، فالبعض يقول: عندما أسمع القرآن أسهو ويذهب فكري بعيداً، فالصلاة صلة بينك وبين ربك، فعليك أن تحضر قلبك في الصلاة ولا تنشغل بشيء، لا بمصحف ولا بغيره، فهذا غير مطلوب من المأموم. وأما كون الإمام يخطئ في القراءة فو أمر عادي لا ضير فيه، فليفتح عليه من وراءه من الحفاظ فلنعود أنفسنا أنه إذا صلى الإمام وكان يقرأ من حفظه وأخطأ الإمام فليترك من خلفه هم الذين يردون عليه، والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول: (ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى)، فيبقى الحفاظ للقرآن خلف الإمام، ويكفي أن يفتح عليه واحد ولا يكثر الفاتحون حتى لا يشوشوا عليه، فالصلاة صلة بين العبد وبين ربه، وهي تقرب إلى الله، فيكون فيها خشوع وإخبات.وننبه هنا أن مسألة فتح المصحف والقراءة منه يكون صلاة النافلة فقط، وأما الفريضة فلا يجوز أن تفتح المصحف وتقرأ منه، وليس هناك أحد من العلماء جوز ذلك، إنما جوزوا ذلك في صلاة التراويح أو صلاة الوتر، وهو قول بعض العلماء أخذاً بفعل ذكوان مولى عائشة حين كان يؤم بـعائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
حكم القنوت في الوتر


يستحب دعاء القنوت بعد الرفع من الركوع في الوتر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت قبل الركوع، والأمر واسع، لكن الأفضل حتى لا يضطرب الناس أن يكون بعد الركوع، فالناس قد تعودوا على ذلك.وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. ودعاء القنوت ليس في رمضان فقط، بل في السنة
كلها، يقول الحسن بن علي رضي الله عنه: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت).فيجوز الدعاء في رمضان وفي غير رمضان بهذا الدعاء وأن تزيد عليه، وإنما هذا والذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي أن يدعو به.وكان في عهد عمر رضي الله عنه يدعون فيلعنون الكفرة في النصف. يعني: كانوا يدعون، فإذا جاء نصف رمضان لعنوا الكفرة ودعوا على الكفرة، فيقولون: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك.فهذا من دعاء الأئمة في عهد عمر ، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قريباً من ذلك، وليس بنفس النص، ولم يكن في الوتر، وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد بعدما حصلت الهزيمة للمسلمين، فوقف يثني على الله ويمدح الله وذكر قريباً من هذا الدعاء صلوات الله وسلامه عليه، فيجوز أن تدعو بذلك.فهم كانوا يدعون في النصف، والآن المصائب عندنا كثيرة في بلاد المسلمين، ففي كل بلاد المسلمين مصائب، ففي كل يوم اليهود يعملون مصيبة في فلسطين، إذاً فليس هناك وجه لتخصيص النصف من رمضان بذلك، فيجوز أن تدعو وتلعن الكفار في جميع رمضان وفي غير رمضان، والصحابة لعلهم كان إخوانهم يخرجون للجهاد في هذه الأيام وهم يصلون، فكانوا يفعلون ذلك، وأما الآن فالمسلمون مبتلون في كل مكان، ومستضعفون، ومقتلون في الشرق وفي الغرب، فهنا تدعو للمسلمين أن ينصرهم الله عز وجل، وأن يكون معهم، في رمضان وفي غير رمضان.
الدعاء بعد الوتر

تقول بعدما تنتهي من صلاة الوتر وأنت جالس: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، ثلاث مرات، وتدعوا الله عز وجل: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، فيجوز أن تقوله وأنت ساجد في الصلاة، ويجوز أن تقوله بعدما تنتهي من صلاة الوتر، لكن الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: (سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس) .أسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 24-05-2019, 11:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان


شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- ليلة القدر وفضل قيامها
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(18)


ليلة القدر هي أفضل ليالي السنة، ففيها يقدر الله عز وجل على العباد ما يكون في السنة المقبلة. وتكون ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، ولها علامات ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه.ويستحب للمسلم في هذه الليلة أن يدعو الله عز وجل ويسأله العفو والعافية.
حكم من نذر أن يعتكف فمات قبل ذلك
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.مسألة: ما حكم من نذر أن يعتكف فمات قبل ذلك؟ الجواب: من نذر اعتكافاً ومات قبل أن يوفيه فيستحب لأوليائه أن يعتكفوا عنه, لقول سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: إن أمي ماتت وعليها نذر، وكان نذرها صوماً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اقضه عنها) فيستحب لأولياء المتوفى أن يصوموا عنه ما وجب عليه ولم يفعله من نذر أو من فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى عليه من صيام أو حج مثلاً, فإذا نذر شيئاً من ذلك أو كان فرضاً عليه وكان قادراً عليه ولم يفعل ذلك في حياته فعله عنه أولياؤه وهذا استحباباً وليس فرضاً واجباً.
فضل ليلة القدر


ليلة القدر هي أفضل ليالي السنة, والعبد المؤمن يستحب له أن يتحرى هذه الليلة قدر المستطاع، فهي ليلة واحدة في العام، فإذا أحياها كان له فضل قيام ألف شهر, وكأن الله سبحانه عوض هذه الأمة لقصر أعمارها بعبادات لها أجور كثيرة، وكانت الأمم التي قبلنا أعمارها طويلة, فقد عاش نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام ألف سنة, فهذه الأمة فيها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين) فربنا عوض هذه الأمة بهذه الليلة, فمن أراد عبادة سنين طويلة لم يعشها فقد جعل الله له هذه الليلة العظيمة وحدها بعبادة ثلاث وثمانين سنة, تخيل لو أنك تعيش ثلاث وثمانين سنة هل تقدر أن تعبد الله عز وجل في الثلاث والثمانين سنة؟ هذا بعيد وصعب جداً, فالإنسان لا يقدر أن يعبد ربنا يوماً كاملاً ليل نهار، فكيف بألف شهر؟! والله جعل لك عبادة ثلاث وثمانين سنة أي: أجر ألف شهر كاملة، إذا قمت ليلة واحدة وهي ليلة القدر ولم يقل يوماً وليلة. لذلك على المؤمن أن يتحرى هذه الليلة بالعبادة لينال فيها عبادة ألف شهر خالصة, كما ذكر ربنا سبحانه لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3].قال ابن عباس : (العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر بصيام نهارها وقيام ليلها) أي: خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
سبب تسمية ليلة القدر بليلة القدر
سميت ليلة القدر بليلة الحكم, لأن الله يحكم فيها بما يشاء, فهي ليلة قدر، قال الله فيها: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الدخان:4-6] فالله عز وجل يقدر في هذه الليلة بما في أيدي الملائكة من صحف ما قدره قبل أن يخلق الخلق, فينسخ من اللوح المحفوظ ما يكون من أعمال السنة, فتكتب الملائكة ما قدره الله عز وجل على العباد في خلال هذه السنة في ليلة القدر، قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4] قال العلماء: معناه أن الله تعالى يأمر الملائكة فيها أن تكتب في تلك السنة، وما يكون فيها من الأرزاق والآجال وغير ذلك, ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك قد سبق في علم الله سبحانه وتقديره, فسميت ليلة القدر بليلة الأقدار. وليلة القدر هي الليلة العظيمة القدر التي لها شأن عظيم عند الله وعند خلق الله سبحانه وتعالى, قال سبحانه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر:1-2] أي: ما أعظم هذه الليلة، فهي ليلة

عظيمة لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر:3-4] الملائكة تنزل من السماء, والروح هو جبريل فهو روح القدس، فينزلون جميعاً من السماء إلى الأرض, ويسلمون على المؤمنين كما ذكر في أثر عن ابن عباس أنه قال: (يسلمون على كل مؤمن ومؤمنة -أو على كل مؤمن- إلا مدمن خمر أو مصراً على معصية أو كاهناً أو مشاحناً) فمن أصابه السلام غفر له ما تقدم من ذنبه. فالملائكة تنزل ونحن لا نراها، لكن نؤمن بما قاله ربنا سبحانه تبارك وتعالى.وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) أي: من قام ليلة القدر مؤمناً بأنها الليلة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، -والله ذكر كلاماً صدقاً يعلمنا ويحثنا على العبادة- فهو مؤمن بذلك ومصدق أن هناك ليلة قدر في رمضان, وهي ليلة من ليالي هذا الشهر العظيم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قامها مؤمناً بها، وأنها خير من ألف شهر محتسباً أجرها, أي: طالباً الأجر من الله, لم يقم رياء وسمعة, وإنما قام يطلب من الله أن يؤجره على ذلك, غفر الله له ذنوب السنين الماضية كلها. فرحمة الله عظيمة واسعة, فالصيام يكفر الله عز وجل به الذنوب, كصيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين.وصيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة, وقيام ليلة القدر يكفر الذنوب من ساعة ما يولد الإنسان حتى هذه الليلة, أي: ما تقدم من الذنوب، فمن قامها راجياً فضل الله سبحانه, تائباً إليه مؤمناً مصدقاً غفر له ما تقدم من ذنبه.
متى تكون ليلة القدر
وليلة القدر منحصرة في العشر الأواخر، وجبريل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف من رمضان في أوله وفي وسطه فجاءه جبريل، وقال: أنت تطلب ليلة القدر وليست في الأول ولا في الوسط, إنما هي في آخر الشهر، فاعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الشهر، فعرف الصحابة أنها في ليلة من ليالي العشر الأخيرة من الشهر.
علامات ليلة القدر


هنالك علامات لهذه الليلة، فقد جاء ذلك من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم, هذه العلامات لا تعرف قبلها ولكن تعرف بعدها, فمنها: أنها ليلة طلقة لا حارة ولا باردة, أي: أنها ليلة سهلة طيبة لا حارة شديدة الحرارة، ولا باردة عظيمة البرودة، ولكنها وسط بين الاثنين, والملائكة في تلك الليلة يكونون في الأرض مع العباد أكثر من عدد الحصى على الأرض, وتطلع الشمس صبيحة هذه الليلة بيضاء ليس لها كثير شعاع, أي: في وقت الشروق، فإنها تشرق قرصاً أبيضاً طالعاً أو قرصاً أحمراً طالعاً لا شعاع لها.ففي صحيح مسلم عن زر بن حبيش قال سمعت أبي بن كعب رضي الله عنه وقيل له: (إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر -كأنه يحث الناس على قيام السنة كلها- فقالوا ذلك لـأبي بن كعب رضي الله عنه, فقال: والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان فهو يحلف ولم يستثن، وابن مسعود شدد قليلاً من أنها في العام كله, ثم قال: ووالله إني لأعلم أي ليلة هي, هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها). كأنه لم يسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هي ليلة سبع وعشرين) فهو أخذ بما أمرهم به النبي صلى
الله عليه وسلم من قيام تلك الليلة إلى طلوع الفجر، فكانت ليلة سبع وعشرين, فظن أبي بن كعب أنها الليلة هذه فقط. والراجح في ذلك أنها ليلة متنقلة في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن لأربع وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان) ففي ليلة أربع وعشرين أنزل القرآن إلى السماء الدنيا، والكتب السماوية كصحف إبراهيم نزلت في أول رمضان، وتوراة موسى في ستة من رمضان, وإنجيل عيسى في ثلاثة عشر من رمضان, والقرآن العظيم نزل في أربع وعشرين من رمضان, وقول النبي صلى الله عليه وسلم أنها في ليلة أربع وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين فقط.والراجح في ذلك أنها تتنقل في هذه الليالي الأخيرة من شهر رمضان, أما حديث أبي فواضح من كلامه أنه ليس نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو ما فهمه من النبي صلى الله عليه وسلم لما حثهم على أن يقوموا هذه الليلة فقاموها كلهم، وفي الصبح عرفوا أنها كانت ليلة القدر، فكانت ليلة سبع وعشرين وهذا لا ينافي أن تكون غير هذه الليلة.قال أبي بن كعب رضي الله عنه: هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها: أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها, ولعل البعض من الناس يقوم في صبيحة سبع عشرين ويرى الشمس وهي طالعة وهو ليس متعود أن يرى الشمس قبل ذلك في وقت الشروق، فإذا به يرى الشمس طالعة شعاعها خفيف أو أن لونها أحمر، فيقول: كانت الليلة ليلة القدر, فلا يعرف هذا إلا بمقارنة صبيحة كل ليلة, أي: صبيحة ليلة واحد وعشرين واثنين وعشرين إلى آخر الشهر، فإذا أصبحت والشمس بيضاء وشعاعها أخف ما يكون، فاعلم أن هذه الليلة كانت ليلة القدر, فلعلك ترى الشمس طالعة بيضاء وهي ومحجوبة وراء سحابة خاصة في فصل الشتاء، فتقول: ليلة البارحة هي ليلة القدر، وتترك القيام بعد ذلك. فإذا فعلت ذلك فقد ضيعت على نفسك وفرطت في أمرك, وحتى لو عرفت أن ليلة القدر كانت هذه الليلة التي أنت فيها، هل يكفي أن تقومها وتترك قيام ما بعدها؟ لا، فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) فالمؤمن يتعلم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم, فلو أن الله أرانا ليلة القدر فقمنا فيها لكان ينبغي علينا أن نقوم بعد ذلك شاكرين الله على ما وفقنا له, لا أن نسهو ونترك ونغفل ونرجع إلى اللعب مرة أخرى.ومن الأحاديث التي جاءت في ذلك، حديث ابن عباس رضي الله عنه وهو في الطيالسي قال: (ليلة القدر ليلة سمحة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء) وفي رواية لـأبي داود : (تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع)، وفي حديث آخر قال: (إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين) أي: توقعوها ما بين ليلة سبع وعشرين أو ليلة تسع وعشرين من شهر رمضان.والملائكة في تلك الليلة أكثر من عدد الحصى, والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن القرآن نزل ليلة أربع وعشرين, وكأنه لما خاف أن الناس يتحروا هذه الليلة فقط, قام النبي صلى الله عليه وسلم الليالي الأخرى وحثهم على الاجتهاد فقد تكون ليلة سبع وعشرين أو ليلة تسع وعشرين, وقد تكون آخر الشهر.
ما يستحب في هذه الليلة
الذي يقوم هذه الليلة يستحب له أن يدعو الله سبحانه كما علم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بأن تقول: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)، ويستحب للإنسان أن يكون هذا الدعاء على لسانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على سؤال الله سبحانه العفو والعافية فقال: (سلوا الله العفو والعافية).
الأحاديث التي فيها تحري ليلة القدر


وفي الصحيحين عن ابن عمر أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر, فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبروه بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) ولو كان يعرف أي ليلة هي لأخبرهم صلى الله عليه وسلم، ولكنه مرة رأى رؤيا منامية فلما أصبح ذهب ليخبرهم بها فنسيها. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجاور في رمضان العشر التي في
وسط الشهر, فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه) ومعنى يجاور: يعتكف، أي: كأنه كان يبقى معتكفاً, من يوم عشرة من الشهر إلى يوم عشرين, وليلة واحد وعشرين يكون في بيته عليه الصلاة والسلام، فكان يعتكف العشر الوسطى من الشهر, قال أبو سعيد الخدري : (وأنه أقام في شهر جاور الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس) أي: في ليلة واحد وعشرين كان يرجع إلى بيته إلا في هذه السنة فإنه اعتكف، فخطب بالناس فقال: (كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر -أي: العشر الأخيرة من رمضان- فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد أريت هذه الليلة) فالعلة في الاعتكاف من أجل ألا تضيع عليه ليلة القدر. وقال لأصحابه: (قد أريت هذه الليلة ثم نسيتها) أي: أنه صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن ليلة كذا هي ليلة القدر, فلما أصبح الصبح وهو ذاهب إلى أصحابه يحدثهم بها، فرأى اثنان يتعاركان فرفع عنه علم هذه الليلة في هذه السنة, ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فابتغوها في العشر الأواخر -أي: العشر الأواخر شفعاً ووتراً- وابتغوها في كل وتر -أي: أكثروا من العبادة خاصة في الليالي الوترية- وقد رأيتني أسجد في ماء وطين) أي: أنه رأى في المنام أنه ساجد في هذه الليلة في ماء وطين صلى الله عليه وسلم، وكان قد أخبر عن هذه الليلة في هذا العام فلما خرج نسيها عليه الصلاة والسلام لأنه قال في رواية: (فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان) أي: يتعارك كل واحد مع الآخر، فيقول الأول: هذا حقي، ويقول الثاني: هذا حقي, فاختصما أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء معهما الشيطان فنسي النبي صلى الله عليه وسلم هذه الليلة في ذلك العام, ولكن ذكر في الرؤيا أن هذه الليلة سيقوم فيها من سجوده وعلى جبهته أثر ماء وطين, فاستهلت السماء ليلة من ليالي العشر الأواخر من رمضان أي: أمطرت، (فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه -أي: بعدما انتهى من صلاة الصبح- ووجهه ممتلئ طيناً وماء) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على أرض المسجد, وكان فيه حصى ولم يكن فيه سجاد ولا موكيت، فحولت السماء أرض المسجد من تراب إلى طين، فسجد النبي صلى


الله عليه وسلم على الأرض, فانصرف من صلاته وعلى وجهه أثر الماء والطين فعرفوا أن البارحة كانت ليلة القدر, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى في المنام أنه على جبهته في صبيحتها الماء والطين.وكانت هذه الليلة كما قال رضي الله عنه: (ليلة إحدى وعشرين)، والصواب من قول أهل العلم أنها ليلة متنقلة وليست ثابتة, فهي ليست ليلة سبع وعشرين فقط، بل هي ليلة متنقلة من ليلة إحدى وعشرين إلى آخر الشهر شفعاً ووتراً كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه.وقال صلى الله عليه وسلم: (هي في تسع يمضين أو في سبع يبقين -يعني: ليلة القدر-).وفي حديث آخر قال: (التمسوها في العشر من رمضان، في تاسعة تبقى, في سابعة تبقى, في خامسة تبقى) هذه الليالي يكون عدها من آخر الشهر إلى أول الشهر, فتاسعة تبقى إذا كان الشهر ثلاثين يوماً وستكون ليلة إحدى وعشرين, وإذا كان تسعة وعشرين يوماً ستكون ليلة عشرين, أو إذا كان الشهر ثلاثين يوماً ستكون ليلة اثنين وعشرين, والتاسعة الباقية منها، فكأنه جعلها بين الشفع والوتر, فمن تحري ليلة إحدى وعشرين، فليتحر معها ليلة اثنين وعشرين, وسابعة تبقى أي: يتحرى ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن تقام جميع الليالي الأخيرة ولا يفرط فيها لكي تدرك هذه الليلة.وقوله صلى الله عليه وسلم في التاسعة تبقى والسابعة والخامسة يكون العد فيها من أول العشر، أي: من واحد وعشرين، فتلتمس ليلة خمسة وعشرين وسبعة وعشرين وتسعة وعشرين, أو ليلة واحد وعشرين وثلاث وعشرين وخمسة وعشرين.وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في حديث آخر في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: (فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه) هذه ليلة القدر للمرة الثانية وكانت في سنة أخرى, وفي الحديث الذي مضى كانت في ليلة إحدى وعشرين, وفي هذا الحديث الذي في صحيح مسلم كانت في ليلة ثلاث وعشرين, وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أن نزول القرآن كان ليلة أربع وعشرين.نذكر هذا حتى لا يتحرى المتحري ليلة سبع وعشرين فقط فيضيع على نفسه خيراًً كثيراً، ولكن الحرص يكون على الليالي الأخيرة كلها بالصلاة لله عز وجل, سواء كان ذلك في المسجد أو في البيت.وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة) أي: أنهم كانوا يتذاكرون ليلة القدر بعد أن انتهى رمضان فقال لهم: إنها في الليلة التي طلع القمر فيها مثل شق الجفنة. وفي حديث آخر قال: (التمسوها في العشر الأواخر لتسع يبقين أو لسبع يبقين أو لخمس يبقين أو لثلاث أو آخر ليلة) أي: أنها تلتمس في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين وليلة ثلاثين؛ فيمكن أن تكون هي ليلة القدر, ولأن المسلم قد يقول: رمضان انتهى فلماذا أقوم؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها قد تكون في آخر ليلة, فالمؤمن يحرص على أن يصلي هذه الليلة من أجل أن يصيبها، وليواظب على قيام العشر الأواخر من رمضان.وجاء عن بعض الصحابة وهو عبد الله بن أنيس أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها -له إبل في البادية ولا يستطيع أن يتركها كل يوم ويقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم- فأخبرني عن ليلة آتي أصلي معكم في المسجد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انزل ليلة ثلاث وعشرين) فكانت هذه الليلة في ذلك العام هي ليلة القدر، وواظب الرجل على هذه الليلة في كل عام. وقال غيره من الصحابة: إنه كان يجتهد في العشرين من رمضان، فإذا دخل العشر اجتهد، قال أبو بكرة رضي الله عنه: ما أنا ملتمسها لشيء سمعته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا في العشر الأواخر, أي: لن يلتمسها في أول رمضان بل في آخر رمضان, قال: فإني سمعته يقول: (التمسوها في تسع يبقين أو في سبع يبقين أو في خمس يبقين أو في ثلاث أو آخر ليلة) أي: سيكون حساب الشهر من ليلة واحد وعشرين إلى آخر ليلة، وكان أبو بكرة راوي هذا الحديث يصلي فيالعشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة, أي: أنهم كانوا متعودين على قيام الليل في السنة كلها, فإذا كان في العشر أو دخل العشر اجتهد فيها، وهذا هو ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم، (فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد المئزر) وهذا كناية عن اعتزاله النساء في هذه العشر الأواخر من رمضان.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 24-05-2019, 11:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان الشيخ أحمد حطيبة يوميا فى رمضان





شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان
- صيام التطوع
- للشيخ : ( أحمد حطيبة )
(19)



صيام التطوع من أفضل الطاعات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، ويكون سبباً لتحصيل محبة الله للعبد.وهنا لك أيام يستحب صيامها، فهي تزيد من الطاعات، وتكفر من المعاصي والسيئات، فمن هذه الأيام: الست من شوال، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وأيام البيض من كل شهر، ويوم الإثنين ويوم الخميس وثلاثة أيام من كل شهر سواءً في أوله أو في وسطه أو في آخره.
فضيلة صيام التطوع


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. صوم الفريضة وهو الصوم الذي فرضه الله عز وجل على عباده كصوم رمضان، ويكون الصوم في غير رمضان نافلة إلا ما افترضه الإنسان على نفسه، كأن يكون عليه نذر أو كفارة أو قتل صيداً في الحرم، أو عليه هدي التمتع فإذا لم يجده فعليه أن يصوم وهكذا.وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن رب العزة سبحانه تبارك وتعالى أنه قال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه). فهذا الحديث العظيم فيه أن أحب الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل هي الفرائض التي فرضها الله سبحانه، فمن ذلك صلاة الفريضة، فمن تقرب إلى الله بصلاة الفريضة على النحو الذي يحبه الله، فإن صلاته تكون مقبولة عند الله فتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتعينه على البر والتقوى، وعلى طريق الجنة، ويجعل الله عز وجل في قلبه نوراً بهذه الصلاة، ويجعل صلاته ذخراً له في الدنيا والآخرة، ثم الإكثار من صلاة النوافل فإن ذلك يقرب العبد إلى الله عز وجل، حتى يكون سبباً في حبه الله تعالى.كذلك مما فرض الله عز وجل صيام رمضان على النحو الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، بأن يمتنع الصائم عن الطعام، والشراب، والشهوة، ولا يؤذ أحداً من المسلمين بلسانه ولا بفعله، ولا يغضب ولا يسب إنساناً قد سبه، ولا يشتم، ولا يقع في إثم من الآثام، ليكون صومه صوماً مقبولاً، فلا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل في الصوم حتى يحبه سبحانه وتعالى.وصوم التطوع له فضيلة عظيمة، ويكفي أن صيام ثلاثة أيام في كل شهر يذهب وحر الصدر وما فيه من غش وغل وحقد وحسد، فالصوم ينقي القلب ويجعله يحب الله يحب طاعته، ويذهب منه آفات القلوب وآثامها، فعلى المؤمن أن يتحرى ذلك ما استطاع. وصوم النبي صلى الله عليه وسلم للنافلة كثير، فما من يوم من أيام الأسبوع إلا وصامه صلوات الله وسلامه عليه، فكان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس، ويصوم السبت والأحد والإثنين، ويصوم الثلاثاء والأربعاء والخميس، وكان يكثر من صوم الجمعة، فكان على مدار عمره يصوم أيام الأسبوع كلها صلوات الله وسلامه عليه.والذي يطيق أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضه فليأخذ بما لا يشق على نفسه وبما لا يجهد نفسه، وهذا الصوم الذي هو صوم التطوع ليس مطلوباً منا أن نصومه كله، فمن لم يصمه فلا شيء عليه، وأفضل صوم التطوع صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء.
فضلة صوم الست من شوال


ومن صيام التطوع صيام ستة أيام من شوال، وكثير من الناس يسمونها أيام البيض وهذا خطأ، فليست أيام البيض إنما اسمها الست من شوال، ويستحسن أن يكون صيامها بعد رمضان مباشرة حتى لا تنسى ولا تضيع، ولكن سواء كانت بعده مباشرة أو بعده بفترة فهي الستة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.ففي صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، أو ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)، أي: كأنه صام العمر، وهذا للمواظب عليها وعلى صيام رمضان، فإن الحسنة أقل ما
يكون فيها بعشر أمثالها، فصيام رمضان يكون بعشرة شهور، وصيام ستة أيام من شوال بشهرين، وهذا كصيام العام كله، فمن واظب على ذلك كأنه صام الدهر كله أي: عمره كله، وهذه الست من شوال يجوز للمسلم أن يصومها بعد رمضان مباشرة حتى ولو كان عليه صوم من رمضان بأن كان مسافراً أو مريضاً فأفطر أو أفطرت المرأة بسبب حيضها أو نفاسها أو إرضاعها أو حملها ونحو ذلك، فإذا أرادت أنها تصوم الست من شوال ابتداء يجوز ذلك، ولا دليل على المنع، وإن كان بعض أهل العلم يقولون: إنه لا يقع صوم شوال حتى يقع صوم الفريضة، ولكن لا دليل عليه أصلاً، بل الدليل على خلافه، فالسيدة عائشة رضي الله عنها تقول: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، ويستحيل أن السيدة عائشة تعرف فضيلة يوم عاشوراء وفضيلة يوم عرفة وتضيع صيامها، ولا تصوم إلا في شعبان، فهي هنا تقصد بصيامها: الفريضة على ما فسرناه في الحديث السابق.وصيام ستة أيام من شوال يجوز أن تكون متتابعة ويجوز أن تكون متفرقة.
فضلة صوم يوم عرفة

ومن التطوع صوم يوم عرفة، فقد روى مسلم عن أبي قتادة: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: يكفر السنة الماضية والباقية)، أي: السنة التي فاتت، وهي التي فيها يوم عرفة. والسنة الباقية التي ستأتي بعد السنة الماضية.إذاً: هي كفارة لذنوب قد وقعت ومغفرة لذنوب قد تقع، والمقصود بها صغائر الذنوب، وفي الصحيحين أيضاً عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها (أن ناساً اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم -هذا في حجة الوداع- فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم قالت: فأرسلت إليه بقدح فيه لبن وهو واقف على بعيره فشربه)، أرادت أن تعرف هل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصوم يوم عرفة سيصومه وهو في حجة الوداع؟ إذاً آخر عام من عمر النبي صلى الله عليه وسلم شهر فيه يوم عرفة ولم يصمه؛ لأنه كان حاجاً صلوات الله وسلامه عليه، فلا يستحب للحاج أن يصومه،
والعمل الذي يقوم به في هذا اليوم أعظم من أجر صيام يوم عرفة، فإن صيامه يكفر ذنوب سنتين، ويوم عرفة يكفر ذنوب العمر كله، لأن الحج عرفة، فالحاج سيرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ليس عليه ذنوب. فإذا صام الحاج يوم عرفة من أجل تكفير ذنوب سنتين فإنه سيتعب فلعله لا يقدر أن يصلي وأن يدعو، فليس مطلوباً منه صيام هذا اليوم، فهذا اليوم يوم الدعاء بالمغفرة التي هي أعظم بكثير من صيام هذا اليوم، لذلك أفطر فيه النبي صلى الله عليه وسلم.إذاً الحجاج في عرفة لا يستحب لهم الصوم، ولغيرهم يجوز إلا أن يكون هذا الحاج متمتعاً وعليه هدي التمتع وهو غير واجد للهدي أو لثمنه، فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فهذه الثلاثة الأيام قد تكون يوم السابع أو الثامن أو التاسع من ذي الحجة، فإذا لم يقدر على ذلك فسيكون الثاني من أيام العيد والثالث والرابع هي الثلاثة الأيام التي في الحج، والسبعة الأيام إذا رجع.
فضلة صيام يوم عاشوراء

صيام يوم عاشوراء يستحب صيامه مع صيام يوم تاسوعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء في مكة قبل الهجرة، فلما هاجر إلى المدينة صامه، ووجد اليهود يصومونه لأجل أن الله نجى فيه موسى، فقال: (نحن أولى بموسى منكم)، فصوم النبي صلى الله عليه وسلم له في المدينة لم يكن لأول مرة وإنما كان يصومه من قبل، وكانت قريش تصوم هذا اليوم أيضاً، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة صامه أيضاً، وهذا فيه نوع من التأليف لليهود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أولى بموسى منهم)، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بصوم يوم عاشوراء في العام الثاني من الهجرة، ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم، وفي هذا العام فرض فيه صيام رمضان، وفي يوم عاشوراء أصبح النبي صلى الله عليه وسلم صائماً، وأمر الناس بصيامه على أنه فريضة، فأمر من لم يكن قد طعم طعاماً أن يصوم، ومن طعم أيضاً أن يمسك، ثم نسخ بعد ذلك بشهر رمضان وثبت إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم.وفي صحيح مسلم : (وسئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: يكفر السنة الماضية)، فصوم عاشوراء يكفر سنة كاملة،


والله عظيم وكريم سبحانه وتعالى، فقد جعل المكفرات كثيرة، ولذلك من غلبت سيئاته حسناته فإنه يستحق دخول النار لأن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها ويعفو سبحانه وتعالى، والله جعل مكفرات للسيئات منها الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة، والحج يكفر ذنوب العمر كله، وجعل الله أياماً تكفر السيئات مثل: صوم يوم عرفة، فإنه يكفر ذنوب سنتين، وصوم يوم عاشوراء، فإنه يكفر ذنوب سنة، وهذا بالإجماع عند العلماء، وهو من فضل الله عز وجل، فإذا كان العبد يستكبر على ربه أن يعبده -وربنا بهذه الرحمة العظيمة الواسعة يكفر عنه ذنوبه- ثم تغلب سيئاته حسناته فإنه يستحق النار، فلا يهلك على الله إلا هالك، فالذي يهلك يوم القيامة ويدخل النار فإنه يستحقها.قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)، فهذا الكلام في آخر سنة من حياته صلوات الله وسلامه عليه، فإنه شهد حجة الوداع في ذي الحجة ثم بقي محرم وصفر وربيع وهو الشهر الذي مات فيه، أي أنه بقي من عمره أربعة أشهر بعد حجة الوداع، ثم توفي عليه الصلاة والسلام.وصام آخر محرم وقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن تاسوعاء)، أي: يصوم تسعة وعشرة من محرم مخالفة لليهود الذين كانوا يصومون يوم عاشوراء، فأراد أن يخالفهم بأنه يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وتاسوعاء فيه فضيلة الصيام، وفضيلة مخالفة اليهود، لكن ليس معنى ذلك أنه يكفر ذنوب السنة، إنما يكفرها يوم عاشوراء كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى، فمنها: ما رواه البخاري عن ابن عمر : (كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان قال النبي صلى الله عليه وسلم: من شاء صامه ومن شاء لم يصمه).إذاً: كان أهل الجاهلية يصومونه والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة كان يصومه كما قالت عائشة رضي الله عنه الله عنها كما في الصحيحين: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية -والنبي صلى الله عليه وسلم من قريش- ثم قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه).إذاً: صامه في مكة، فلما هاجر إلى المدينة صامه أيضاً، وفي رواية كما قالت عائشة كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه الكعبة) إذاً كان أهل مكة يصومونه وكان عندهم يوم عيد ويوم عبادة، فكانوا يجملون فيه الكعبة ويسترونها فيضعون الكسوة عليها، فلما فرض الله رمضان كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليترك).أيضاً جاء في الصحيحين عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك -وكأن المسلمين سألوا اليهود: لماذا تصومون يوم عاشوراء؟- فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون)، فهو يوم النجاة لبني إسرائيل مع موسى عليه الصلاة والسلام وهم خارجين من مصر هاربين من فرعون أنجاهم الله عز وجل وأهلك فرعون في يوم عاشوراء. فصامه النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً له، وقال: (نحن أولى بموسى منكم)، ثم أمر بصومه صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب، ثم أمر به على وجه الوجوب في العام الثاني، ثم نسخ الوجوب بقوله: (فمن شاء صامه ومن شاء تركه).ولذلك جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه صام يوم عاشوراء وكذلك المسلمون، ثم أخبر كما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لما فرض رمضان: (من شاء صام) ففي هذا أنه كان واجباً في السنة الثانية ثم بعد ذلك رجع الأمر إلى ما كان عليه من الاستحباب في صومه.
فضلة صيام أيام البيض

ويستحب صيام أيام البيض، وهي أيام الليالي البيض أو الأيام ذوات الليالي البيض، وهي الأيام التي تكون لياليها بيضاء وهي الليالي القمرية، والليالي القمرية هي ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر من كل شهر، فهذه الليالي البيض وأيامها أيام البيض، وهنا حذف تقديره: الأيام ذوات الليالي البيض.فيوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر يستحب صومها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومها وأخبر عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر فقال: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة
عشر)، وفضل صوم ثلاثة أيام كصوم سنة كلها، فثلاثة أيام من كل شهر في إحدى عشر شهراً، والثلاثة الأيام بشهر، أي: بأجر صيامه كله، ثم يأتي شهر رمضان فيصير أعظم ما يكون من الأجر والثواب.
فضل صيام يوم الإثنين والخميس

ويستحب صوم يوم الإثنين والخميس، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن ذلك فقال: (إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس)، أي: تعرضها الملائكة على الله سبحانه وتعالى، وإن كان الله أدرى وأعلم بأعمال العباد وما تكتبه الملائكة قبل أن


ي
خلق العباد، ولكن الله سجل على العباد بعد فعلهم حتى تكون شاهداً عليهم يوم القيامة، قال تعالى: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14].والكتاب هو ما كتبته الملائكة على بني آدم. وأيضاً في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين)، أي: في كل أسبوع مرتين، فإن الملائكة تعرض الأعمال وترفع بها إلى الله عز وجل في يوم الإثنين ويوم الخميس (فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء)، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل للمسلم في غضبه ومخاصمته لأخيه المسلم ثلاثة أيام فقط، فلا يزيد عليها، فإن بين الاثنين والخميس ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فلا تطول الخصومة بينهما، ويرتفع في يوم الاثنين والخميس العمل ولا يغفر للمتشاحنين؛ لقوله صلى الله عليه وسلمفيغفر لكل عبد مؤمن -يعني: في يوم الإثنين والخميس- إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا).هذا إذا كان الغضب على الدنيا أو مخاصمة بين إنسان وآخر على الدنيا، فإذا كان هذا يستحق الهجر في الله سبحانه وتعالى فإنه يهجر؛ كأن يكون ظالماً أكل حقك ولا يريد أن يعطيك حقك فيهجر على ذلك، أما إذا كان لأمر من أمور الدنيا فلا يهجر أكثر من ثلاثة أيام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).وأيضاً جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال: (تعرض الأعمال يوم الإثنين ويوم الخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، هذا النبي صلى الله عليه وسلم وعمله كله خير صلوات الله وسلامه عليه ويريد أن تعرض أعماله في يوم الإثنين والخميس وهو صائم ويرفع عمله إلى الله سبحانه وتعالى. كذلك جاء عنه في يوم الإثنين قال: (ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت وأنزل علي فيه)، فقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ولم يعمل ضجة بين الصحابة، وكذلك الصحابة لم يعملوا هذه الضجة فاحتفال النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اليوم شكراً لله سبحانه تبارك وتعالى أن جعله عبداً له وجعله رسولاً ومن عليه وأكرمه سبحانه، ورباه وأدبه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:6-8]، فكان يحتفل بصيام اليوم الذي ولد فيه صلوات الله وسلامه عليه، لكن الناس تناسوا هذا الشيء وإذا بهم يحتفلون بيوم الميلاد ويعملون ضجة ليكسبوا ذنوباً، وليقلدوا الكفار في ذلك، نسأل الله العفو والعافية.وأيضاً يستحب صيام ثلاثة أيام مطلقة من كل شهر، سواء كان في أول الشهر أو في وسطه أو في آخره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر)، وأيضاً (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يصوم الدهر قال: وددت أنه لم يطعم الدهر)، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر؛ لأن الدهر فيه خمسة أيام وهي: يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وثلاث أيام التشريق، وهذه الأيام يحرم الصوم فيها، فإذا صام الإنسان الدهر كله فإنه يأثم بذلك، (قالوا: فثلثيه -أي: ثلثي الدهر- فقال: أكثر -أي: هذا كثير قد يضعف العبد فيه نفسه ويتعبها- قالوا: فنصفه؟ قال: أكثر -يعني: إن شاء فعل وإن شاء ترك، ولكن هذا كثير- ثم قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر)، وهذا من رأفته بالأمة صلى الله عليه وسلم.وأيضاً جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى ونوم على وتر)، فأوصى أبا هريرة بصوم ثلاثة أيام مطلقة من كل شهر. وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه -كما رواه الترمذي - (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة، -غرة الشهر أوله- كل شهر ثلاثة أيام)، فصيام الثلاثة الأول من كل شهر حسن، وقل ما كان يفطر يوم الجمعة، فهذا بعض من صيام النبي صلى الله عليه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 290.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 284.01 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]