03-12-2020, 06:10 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة :
|
|
عندما تتعانق علوم الكون مع كتاب الوجود!
عندما تتعانق علوم الكون مع كتاب الوجود! إبراهيم عطية السعودي
منذُ وقتٍ ليس بالقليل تمنيتُ لو يلتفتُ أهلُ التخصصات العلميَّة والدِّراساتِ الإنسانيَّة والاجتماعيَّة إلى (القرآن الكريم)؛ يستخرجونَ منهُ الكنوزَ والذخائرَ، واللفتاتِ واللطائفَ، التي تزيدُ قلوبَنا مهابةً وإجلالًا وتمسُّكًا بهذا الكتاب العظيم...
وما أجملَ علومَ الكونِ عندما تتعانقُ مع كتاب الوجود! فترى الوَدْقَ العلميَّ، والإبداعاتِ الفكريَّة، واللمسات الإيمانية، والإشارات النَّفسية، والتوجيهات التَّربوية - تخرج من خلالهما...
لذا قلتُ لأحد الفضلاءِ - من أهل التربية المبدعين، معلقًا على إحدى جدارياتِ فتية الكهفِ، التي يسطِّرها كلَّ جمعةٍ على صفحات هذا الفضاءِ الأزرق (الفيس بوك)، وقد أجاد وأفاد، وبهر في الغوص والإبحار في أعماق سورة الكهف، فخرج بدُرَرٍ من الروائع العذبة المُشرقةِ بشهادةِ متابعيه على (الفيس) وتعليقاتهم - قلتُ له:
"ما تقومُ به هو تألُّقاتٌ قرآنية، ولطائفُ ظلالية وارفة، اختلط فيها عمقُ المنهجية التي تعرفُ فصولَها وأصولَها جيدًا، مع جمالِ التحليلِ والتعليلِ الذي تهُبُّ نسائمُه من جدار الكهف المضيء بالعِبر والعِظات".
وقلتُ:
"استمر بالترجمة الرُّوحيةِ الأدبية الجمالية التربوية لما تكتبه هذه السورةُ وفتيتُها على جدار قلوبنا".
نموذج من تأمُّلاتي المتواضعة بهذا الشأن:
قال تعالى يذكر لنا ما جرى مع قارون عندما افتخر بماله، فوعظَه أهلُ العلمِ والإيمان كما في سورة القصص: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76].
والعبرة التربوية المستفادة من الآية الكريمة:
إذا كان مصدرُ الفخر عند الإنسان هو (الدنيا ومتاعها: أموال، أولاد، ثمار، عقارات، عمارات... إلخ)، فقد انحرف الفكر، واختلَّت المقاييسُ، وادَّارك عِلمُ الآخرة، فعندها تجبُ الموعظةُ والتذكيرُ والمحاورة؛ لردِّ الإنسان إلى التصور الصحيح، والمنطلق الصواب.
ومثله ما ذكره تعالى عن صاحب الجنتين:
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 35، 36].
لاحظوا شعورَه بالافتخار والإعجاب، وامتلاءَه بالزَّهو، وانتفاخَه وانتفاشَه بما لديه من حدائق وبساتين - وهو مرض نفسيٌّ خطير - لكن تدخَّلَ صاحبُه وحاول إرجاعه إلى الصواب وإلى الحقيقة الغائبة:
﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37].
والفائدة المرجوَّة من التأمُّل والتدبُّر والربط بين الآيات أنه ينبغي أن يُذكِّر بعضُنا بعضًا بحقيقة الدنيا وهوانها إذا جرفَتْنا لزخرفها، وأغوتنا بزهوها وغرورها، وصار بعضنا يفخر بها وبما حصله من متاعها.
وختامًا بُوركت الأقلامُ اللماحة البديعة المُسْتلهِمَة المُتنَسِّمة رياحين العيش في الظِّلال الوارفة للوحي الإلهي بجماله وأسراره وإشراقاته...
فنحن بحاجةٍ بالفعل إلى غوصٍ وإبحارٍ في عُمق هذا المحيط الكبير الواسع، كلٌّ في تخصُّصه ومجال عمله، فمن أهداف نزوله التفكُّرُ في آياته، والتدبُّرُ لمعانيه، والتأمُّلُ في بدائعه وأسراره، واستخراجُ كنوزه وذخائره.
وصدق الله:
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|