بلاغة الصورة السردية الموسعة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60073 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-11-2020, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي بلاغة الصورة السردية الموسعة

بلاغة الصورة السردية الموسعة

أو المشروع النقدي العربي الجديد


د. جميل حمداوي


المقدمة:
تعد الصورة الروائية أو الصورة السردية الموسعة وسيلة للتشخيص والتعبير الفني والجمالي عن قضايا إنسانية خالدة، مثل: الحياة والموت، والحب والكراهية، والسعادة والشقاء، والسلم والحرب... ومن ثم، فهي طريقة للتشكيل والتصوير والوصف، موادها البلاغة واللغة، ورؤيتها إنسانية محضة، وغايتها الوظيفة الفنية والجمالية، بمراعاة مجموعة من السياقات التي تحيط بالصورة من الداخل والخارج، مثل: السياق اللغوي، والسياق البلاغي، والسياق الذهني، والسياق النصي، والسياق الجنسي. ومن ثم، " فالصورة الروائية هي مركز التفاوض ومعترك الاختيارات الفكرية والفنية التي صدر عنها الروائي، على اعتبار أن الصورة إجراء لغوي ووسيلة فنية وغاية، والمسافة الفاصلة بين الصورة بوصفها إجراء، مرورا بكونها وسيلة، ووصولا إلى أنها غاية، يقدر ما تستدعي ذوق وحدس أفق الانتظار، فإنها تنم عن الكفاح الفني للكاتب في بناء عالمه الروائي وفق شروط اختيارية."[1]


ومن ثم، تتأسس بلاغة الصورة السردية الموسعة على ثلاثة مفاهيم متساندة هي: المكونات، والسمات، والصور النوعية. ولا تقتصر هذه الصورة الرحبة على الرواية فقط، بل يمكن توسيعها لتشمل باقي الأجناس الأدبية والفنية الأخرى، مثل: القصة القصيرة، والحكاية، والمسرح، والسينما، والنادرة، والمقامة، والرحلة...


إذاً، كيف نقارب النص الإبداعي أو الفني في ضوء الصورة البلاغية النوعية؟ وما التصورات النظرية والتطبيقية التي يستند إليها مشروع بلاغة الصورة الموسعة؟ وما أهم المفاهيم والمصطلحات التي يستند إليها هذا المشروع النقدي العربي الجديد؟ هذا ما سوف نرصده في موضوعنا هذا.

التعريف بمشروع الصورة الروائية:
من المعلوم أن أغلب الدراسات النقدية العربية، في مجال السرد والرواية، لم تهتم بمكون الصورة السردية، حتى وإن درسته بشكل من الأشكال، فقد كان ذلك يتم في ضوء الصورة الشعرية أو الصورة البلاغية التقليدية. بمعنى أن هذه الدراسات لم تدرس الصورة السردية القصصية أو الروائية من جهة، ولم تربطها بجنسها الأدبي من جهة ثانية، ولم تعتبرها تصويرا وتخييلا وإبداعا إنسانيا من جهة ثالثة. أي: بقيت الصورة البلاغية، لأمد طويل، تتكئ على مفردات البلاغة الكلاسيكية تصنيفا وتعريفا وتمثيلا. كما خضعت لمقاييس عقلية ومنطقية وفلسفية جامدة، دون أن ينظر إليها نظرة تخييلية وتصويرية وإبداعية وإنسانية. ومن هنا، فقد جاء مشروع الباحث المغربي الدكتور محمد أنقار ليسد هذا الفراغ المهول في دراسة الصورة السردية بصفة عامة، والصورة الروائية بصفة خاصة، سيما في كتابه النقدي القيم(صورة المغرب في الرواية الاسبانية)[2]، وقد وضح فيه صاحبه تصوره النظري والتطبيقي. وبذلك، يكون محمد أنقار مؤسس حلقة تطوان للصورة السردية، وتضم هذه الحلقة مجموعة من الباحثين والدارسين الذين تتلمذوا على يد الدكتور محمد أنقار، وتشربوا معالم منهجيته إن نظرية وإن تطبيقا، ومن هؤلاء: محمد مشبال، وشرف الدين ماجدولين، ومصطفى الورياغلي، والبشير البقالي، وعبد الرحيم الإدريسي، وجميل حمداوي، ومحمد المسعودي، وعبد الحفيظ البختي، وخالد أقلعي، ومحمد العناز... والقائمة طويلة.


هذا، ويتأسس مشروع محمد أنقار النقدي على معيار الصورة الروائية الذي يتكئ، بطبيعة الحال، على عدة حقول معرفية، مثل: البلاغة، والنقد، والفلسفة، والتشكيل، والسينما، والفوتوغرافيا، والعمارة...بيد أن الصورة التي يتناولها محمد أنقار هي صورة سردية، وليست صورة شعرية أو أية صورة أخرى. بمعنى أن أنقار يؤسس دعائم البلاغة السردية أو البلاغة النوعية. ومن ثم، تصبح الصورة لديه موسوعة فنية وجمالية رحبة، تشمل ما تعارفت عليه البلاغة الكلاسيكية من صور مجازية ومحسنات، وما تنتجه النصوص السردية من صور داخلية خاصة بها، انطلاقا من مكوناتها التجنيسية الثابتة، وسماتها النوعية المتغيرة التي تحضر وتغيب. علاوة على هذا، فالصورة الروائية أو السردية التي قد تحضر في الرواية أو القصة القصيرة أو القصة القصيرة جدا أو الحكاية أو النادرة....ليست صورة حسية فقط، بل هي صورة تخييلية إبداعية إنسانية، تتجاوز الواقع إلى عوالم خارقة محتملة وممكنة، تتشكل عبر التصوير والنسيج اللغوي والفني والجمالي والمتخيل الإنساني.


وعلى الرغم من ذلك، يمتلك محمد أنقار معرفة خلفية واسعة في مجال الصورة، حيث يحيل عليها مرات ومرات في دراساته النظرية وأبحاثه التطبيقية متنا وهامشا. ومن ثم، فقد استوعب، بشكل جيد، ما كتب عن الصورة في مجال الأدب والسينما والمسرح والتشكيل والفوتوغرافيا والأدب المقارن. وفي هذا النطاق، يقول محمد أنقار:" من الواضح أن «الصورة» منذ العهود البشرية الأولى إلى يومنا هذا كانت ولاتزال بمنزلة الأداة أو المبدأ أو المفهوم أو الوسيلة أو المعيار النقدي أوالبلاغي أو حتى التواصلي، وأن هذا التاريخ الطويل الحافل يقتضي منطقيا أنيكون هناك تجديد على مستويات التصور والفهم والتناول. لذلك، يمكننا أن نتحدثاليوم عن صيغ جمالية جديدة نتعامل بها مع مختلف أنماط الصور بما فيها الصورالأدبية. بيد أن هذه الجدة لا تعني على الإطلاق أية قطيعة مع طرائقالتناول السالفة، ومع الحساسيات الجمالية مختلف العصور. وفي بعض الأحيان،يخطر لي خاطر يقول لي إن الصورة ليست مجرد حلية بلاغية، وإنما هي وسيلةتواصلية إنسانية نسخرها يوميا في حياتنا المعيشة، ونستغلها في شؤون تفكيرنا، وكتاباتنا، وأحلامنا، وكوابيسنا. وفي ضوء هذا الخاطر التداولي أحدس أن الصورةقد تنوب عن البلاغة برمتها، أو عن مجموع ألوان التوشية التعبيرية، أو أن تغدوبابا من أبواب البلاغة الرئيسية. إلا أنني سرعان ما أعود إلى تلك البديهيةالتي ترى أن التفكير الجمالي يجب أن ينصب أساسا ليس على التسميات والفروق (النقد، البلاغة، التحليل، الصورة...)، وإنما على ماهيات كل تلكالمداخل. ومن هنا، يمكن أن نقف على بعض مظاهر الجدة.


إذاً، من المحتمل أنتكون هناك حساسية جمالية جديدة في مجال معالجة الصور، إلا أن هذه الحساسيةليست جديدة بالمفهوم القطعي أو أنها مؤسسة على فراغ.[3]"


هذا، ويستند تحليل الصورة السردية بصفة عامة، والصورة الروائية بصفة خاصة، إلى مجموعة من العناصر المنهجية التي تتمثل في السياق النصي، والمستوى الذهني، وقواعد الجنس، والطاقة اللغوية، والطاقة البلاغية. ويستوجب هذا ربط الصورة السردية بسياقها النصي والذهني. فقد كانت البلاغة التقليدية تدرس الصور الشعرية بمعزل عن سياقها النصي والتداولي، فكانت تتعامل معها على أنها جمل وعبارات وأمثلة وأبيات شعرية لا تمت بصلة إلى إطارها النصي والإبداعي. بيد أن بلاغة الصورة السردية تتعامل مع الصور الروائية أو القصصية في سياقها النصي والذهني والكلي. علاوة على ذلك، فحضور المتلقي ضروري في تأويل الصورة والتفاعل معها؛ لأن الصورة تحتاج إلى من يملأ فراغاتها وبياضاتها. بله عن ربط الصورة بالجنس أو النوع الذي تنتمي إليه، واستجلاء طاقتها اللغوية والبلاغية. وفي هذا الصدد، يقول أستاذي محمد أنقار:" من الممكن مقاربة أبرز حدود الصورة الروائية ضمن ما يصطلح على تسميته بالتصوير اللغوي. والحقيقة أن كل تعبير لغوي هو في جوهره تصوير باللغة. والأديب إذ يعبر بالكتابة، فإنه يخضع هذا الإطلاق العريض إلى قوانين تداولية يقتضيها الفن الأدبي. وحتى في هذه الوضعية لا يختفي الإطلاق نهائيا، لأن الأدب، بحكم طبيعته الإنسانية ليس كتلا مشكلة في صيغ ثابتة.


وللتخفيف من غلواء هذا الإطلاق، يصبح من اللازم إخراج الصورة اللغوية من مستواها النحوي إلى سياقها النصي. ولا يمكن لهذه الخطوة أن تتحقق إلا بفعل القراءة، أو بوجود متلق قادر على الارتقاء بالصورة من خطها اللغوي إلى الحقل الذهني، بحيث يغدو من غير المنطق بتاتا قبول ادعاء "أولمان" (Ulmann)القائل بضرورة تجاوز الصورة الذهنية في مقام بلاغة التصوير.


ومتى تحققت هذه الخطوة، لزم النزول، نقديا درجة أخرى للتموضع في مستوى جنس أدبي بعينه، بهدف استنباط الشروط التقريبية المتحكمة في صيغ التعبير اللغوي. أي: الصيغ التصويرية. وفي حالة الرواية، مثلا، تذعن العبارة اللغوية أولا لماهية الحكي أو السرد من حيث الانطلاق والتوالي والتسلسل والترابط والامتداد، ثم للمكونات النصية. ثانيا، بما فيها من توتر وإيقاع وتكثيف ودينامية، على أساس أن تدخل في وشيج مندغم- في مرحلة ثالثة – مع باقي مكونات الحكي من شخصيات ومشاهد ووقائع وفضاء وتشويق وحوافز.


والحقيقة أن الكشف عن هذا التآصر لا يكفي وحده لتحديد ماهية التصوير اللغوي في الرواية، بل يستلزم في مرتبة رابعة استحضار جميع الوظائف التي يمكن أن تقوم بها اللغة من حيث هي لغة، من تنظيم وتجسيم وتشخيص وتلوين وتنغيم وتمثيل، قبل استدعاء الطاقات البلاغية التداولية، أو ما يعرف بالصور البلاغية.".[4]


ومنهجيا، تتميز البلاغة السردية عن الأسلوبية التي تدرس الصورة في ضوء بلاغة الشعر، أو في ضوء معطيات اللسانيات، أوفي ضوء علم الإحصاء، أو ضمن معطيات علم النفس وعلم الاجتماع. ومن ثم، لا تدرس الأسلوبية الصور السردية في ارتباطها بالنوع الأدبي، أو ضمن سياقها النصي والذهني والجنسي، بل تدرس الصور، مهما كانت طبيعتها، بمقاييس الشعر، وهذا ما كانت تفعله الشعرية (Poétique) أيضا في دراستها للخطابات الأدبية والإبداعية مع رومان جاكبسون(R.Jakobson)، وميشال ريفاتير(M.Rifaterre)، وهنري ميشونيك (H.Meshonic)، وجماعة مو Groupe µ ....


ومن المعلوم أن الاهتمام بالصورة الشعرية قد بدأ مع أرسطو، وامتد زمنيا عبر دراسات الفلاسفة والبلاغيين العرب والغربيين، ونشطت - كذلك- مع الأسلوبية في مختلف اتجاهاتها وتياراتها. بيد أن الصورة الشعرية مافتئت تحظى بمكانة كبرى في دراسة النصوص. في حين، أغفل النقد الأدبي والأسلوبية معا دراسة الصور في النصوص السردية، حتى وإن كانت تهتم بها، بشكل من الأشكال، فإنها تدرسها في ضوء مقاييس البلاغة الشعرية، ولم تتمثل في ذلك معايير البلاغة النوعية، من خلال استنطاق النصوص السردية داخليا، واستكشاف صورها التخييلية والجمالية، ورصد متخيلاتها الإنسانية. وهذا ما قام به - فعلا- الدكتور محمد أنقار في مشروعه النقدي الجديد.


وثمة صعوبة ملحوظة في تعريف الصورة السردية الموسعة، إذ يمكن تعريفها على أنها نقيض لكل من الصورة الشعرية والصورة التشكيلية والصورة الفنية الدرامية والسينمائية. ومن ثم، فالصورة السردية هي صورة لغوية تخييلية وإبداعية وإنسانية، تتشكل في رحم السرد، وتتفاعل مع مجموعة من المكونات التي تشكل الحبكة السردية. ومن ثم، يمكن الحديث عن صورة الموضوع، وصورة اللغة، وصورة الفضاء، وصورة الشخصية، وصورة الراوي، وصورة الإيقاع، وصورة الامتداد، وصورة التوتر، وغيرها من الصور السردية التي تستنبط من داخل النص السردي. وفي هذا السياق، يقول أنقار:" في الحقيقة، ليست الصورة تكوينا متحققا خارج بنية النص ومكوناته، بما فيه البنية الذهنية، بل هي وجود ممتزج عضويا بالفقرة والمشهد والمقطوعة والحوار والحوادث والفضاء والشخصية والموضوع، وكذا بالانطباعين الذهني والنفسي اللذين يثيرهما ذلك المجموع في المتلقي.


والصورة دينامية بطبعها، ومساهمة في ضمان دينامية النص الروائي. كما أنها توتر وامتداد وتفاعل بين مختلف أنماط الصور الكثيفة والمباشرة والجزئية والكلية. وهذا الطابع التكويني الداخلي لا يلغي قيام جدل وتعارض بين الصورة وماهو خارجي عنها، عندما تنخرط في لعبة تداولية غير متكافئة مع الخير والواقع والتاريخ.


كل هذه المعطيات تثبت أن الصورة الروائية ليست اعتباطية، بل خاضعة لمنطق يتحكم بدقة في مظاهر ترابط المكونات.وبذلك، تتشكل، مثلما تتشكل أية صورة فنية، في نسق يصبح هو كونها ونسغ وجودها، ويغدو أي نقل أو تحوير أو فحص للصورة، بعيدا عن نسق التشكل، هدرا لكنهها."[5]


ومن ثم، تتحدد وظائف الصورة الروائية أو السردية من خلال جنسها ونوعها الأدبي. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى ترابط الصورة الروائية بسياقها الجنسي والنوعي والذهني. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون الصورة الشعرية أفضل من الصورة الروائية، بدليل أن الصورة السردية جافة وتقريرية ومباشرة، فكل صورة لها جماليتها الخاصة، ولا يمكن أن نفضل واحدة على الأخرى. وفي هذا النطاق، يقول أنقار:" توهم البعض أن "المباشرة" هي صفة سلبية ملازمة لطبيعة السرد. وأن اللفظة في التصوير السردي باردة جافة حائلة اللون لا تشدنا على غير المتوقع، ولا تخطف الأبصار. ونرى أنه من المشكوك فيه احتمال صفة المباشرة في الأدب برمته مهما تباينت أجناسه. لأن كل مرتبة أدبية تقتضي تسخير درجة بلاغية ما. ونعتقد أن توهم دونية السرد وإسفافه التعبيري وواقعيته السطحية في مقابل فيض الشعر، هو الذي ساهم في عرقلة بروز الصورة الروائية من حيث هي إشكال نقدي.[6]"


وبعد ذلك، ينتقل محمد أنقار إلى استعراض مجموعة من الصور الروائية، مثل: صورة الموضوع التي تتداخل، في كثير من الأحيان، مع الصورة الروائية. ويعني هذا أن الموضوع الدلالي قد يتخذ شكل صورة، كأن نقول صورة الشرقي في الرواية الغربية، أو صورة الإنسان العربي في الأدب الصهيوني، أو صورة المغربي في الرواية الإسبانية. وغالبا ما تتحول هذه الموضوعات إلى صور سردية، سيما في كتابات الأدب المقارن أو دراسات(الصورلوجيا).


ويمكن الحديث أيضا عن صورة التوتر الناتجة عن الدرامية وشدة شحنة الصراع، وقد تترتب عن الارتباطات السلبية بين الظواهر الأدبية والفنية والجمالية داخل النص التخييلي الإبداعي. كما يمكن الإشارة إلى صورة الإيقاع التي تتشكل في النصوص السردية الشاعرية التي يتقاطع فيها السردي والشعري، وصورة التكثيف التي تحضر في السرود الشعرية أو النفسية الخالية من التتابع الزمني والترابط السببي و المنطقي. وهناك أيضا صورة الفضاء التي تتشكل من الزمان والمكان معا، ضمن ما يسمى بالكرونوطوب (Chronotope) حسب ميخائيل باختين(M.Bakhtine).


و من جهة أخرى، يمكن استجلاء صورة الشخصية الإنسانية في ضوء سياقها النصي، بعيدا عن الإسقاطات المرجعية والإيديولوجية، وترتبط هذه الصورة - جدليا- بصورة الفضاء والحدث. ويعني هذا ضرورة ربط الشخصية بصورة الإنسان.


علاوة على ذلك، تعرف الصورة الروائية امتدادا على مستوى الأحداث والتحبيك والتخطيب. وبالتالي، لا تتحقق جمالية الصورة الجزئية إلا في تفاعلها مع الصورة الكلية. وبذلك، قد تكون الرواية كلها استعارة أو كناية سردية كبرى. كما تخضع الصورة الروائية للتقويم، فقد تكون صورة متوازنة أو صورة مختلة. والآتي، أن المتلقي هو الذي يمارس هذا التقويم، حين تفاعله القرائي مع النص تلقيا وتقبلا وتأويلا. وغالبا ما تعج الروايات الاستعمارية بصور مختلة، حينما تقدم الإنسان العربي في وضعيات مشينة وممقوتة، وتستعرضه في مشاهد كاريكاتورية ساخرة، كما هو شأن صورة الإنسان المغربي في الروايات الإسبانية في فترة الحماية على المغرب (1912-1956م). وفي هذا السياق، يقول محمد أنقار:"إن «الاختلال» الذي عالجته يخص بالدرجة الأولى النوع الروائي المعروف ب"الرواية الاستعمارية". ففي هذا النوع يكون «الاختلال» سمة تكوينية في معظمنصوصه الروائية حيث يأبى الروائي إلا أن يضحي بأصول الفن، وجلال الحقيقةالإنسانية في سبيل تلبية نداء الأطروحة الاستعمارية. وبذلك يتجلى"الاختلال» لكل ناقد أو بلاغي محايد، ويغدو من الممكن إثبات ذلك «الاختلال"بالحجج الأسلوبية المتناقضة، أو الزائفة، أو المرتبكة جماليا.


أما فيما يخص الأنواع الروائية الأخرى غير الاستعمارية، فلا أرى أن «الاختلال» يجبأن يكون مقوما من مقوماتها. وبهذا المفهوم لا أظن أن معظم روايات بروستوتولستوي وكونديرا تتسم باختلال من هذا القبيل. صحيح أنه من الممكن أن نعثرلدى هؤلاء ولدى غيرهم من الروائيين على أخطاء أو هفوات جمالية، وعلى الرغممن ذلك يبقى الإقناع الجمالي حاضرا في إبداعهم بقوة مهيمنة. كل ذلك يعنى أن"الاختلال» الجمالي أو الأسلوبي هو حالة ملازمة لكل إبداع روائي، تتيحللروايات الاستعمارية (ويمكن أن نضيف إليها كثيرا من الروايات التاريخيةوالجنسية) فرصا عدة لمعاينة الاختلال بصورة ملموسة.


ثم لا تنس أني عنونتالباب الأخير [من الكتاب] ب «نحو صورة متوازنة» من غير أن أقول «صورة متوازنة» مراعيابذلك «طغيان «الخلل الجمالي» على معظم الروايات الاستعمارية المكتوبة عنالمغرب. في حين، يظل «التوازن» أملا جماليا لم يتحقق للأسف في تلك الرواياتالمكتوبة باللغة الإسبانية.[7]"


ومن جهة أخرى، يمكن إغناء الأدب المقارن بمنهجية جديدة في دراسة الصورة، من خلال استبدال الصور المرجعية المقارنة بصور سردية فنية وجمالية، تحتكم إلى مجموعة من السياقات النصية والتخييلية واللغوية والبلاغية والذهنية.

خلفيات الصورة الروائية:
يمكن الحديث عن مجموعة من الدوافع والمؤثرات والخلفيات الفلسفية التي كانت وراء ظهور مشروع الصورة الروائية، ويمكن إجمال هذه الحوافز والدوافع في النقط التالية:
1- الرغبة في تأسيس بلاغة رحبة للصورة السردية، انطلاقا من مكوناتها النصية الداخلية، وليس اعتمادا على مكونات الصورة الشعرية.بمعنى أن للمسرح صورته، وللسينما صورته، وللشعر صورته، وللتشكيل صورته. لكن للسرد أيضا صورته يمكن استكشافها، ليس في ضوء معايير الصورة الشعرية الكلاسيكية، بل انطلاقا من المتون والنصوص السردية، سواء أكانت قصصية أم روائية.


2- التخلص من القواعد العلمية الثابتة، والحد من صرامة المناهج النقدية الحديثة والمعاصرة ذات الطابع الدوغمائي الوثوقي. وفي هذا السياق، يقول الباحث محمد العناز: " تعتبر الصورة مبحثا مهما في تجاوز المشكلات الناتجة حاليا عن تطبيق المناهج الصارمة وقواعدها التي تقتل العمل الإبداعي، وتسلب منه روحه وقيمته الإبداعية، لصالح الدفاع عما تبشر به من مفاهيم وترسيمات شكلية، فهي تسمح، نظرا إلى المرونة التي تتصف بها، بوصف النواحي الجمالية التي يقوم عليها النص الأدبي، وتحترم خصوصيته، وتكشف عن علاقته بالقيم الإنسانية والحياة عموما. كما أن مبحث الصورة صار اليوم من أهم المباحث النقدية في عالمنا العربي؛ بحيث نلاحظ صدور الكثير من الدراسات التي تهتم به، وتحاول تطبيقه على النصوص بغاية الخروج بالنقد من مأزقه الشكلاني، وفي مقدمة هذه الدراسات المنجز النقدي المغربي في هذا المجال، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ما أنجزه رائد هذا المبحث في المغرب محمد أنقار. ويكفي هذا التحول في النقد العربي ليكون سببا مقنعا في اعتماد مبحث الصورة موضوعا لبحثنا هذا "[8]
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-11-2020, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بلاغة الصورة السردية الموسعة

ويعني هذا أن مقاربة الصورة الروائية أو مقاربة الصورة السردية الموسعة هي مقاربة إنسانية مرنة، تعتمد على التذوق والتفاعل الجمالي مع النص المعطى، بعيدا عن صرامة المناهج النقدية ذات المنحى العلمي أو الوصفي.


3- الاستفادة من المقاربات البلاغية والجمالية والتأويلية والذوقية في تحليل النصوص الروائية والقصصية والسردية، بشرط ألا تكون تلك المقاربات شعرية أو أسلوبية أو سيميائية، بل تكون مقاربات بلاغية نوعية، تدرس الصورة السردية الموسعة ضمن جنسها النوعي، وضمن سياقها الفني والجمالي، بالاحتكام إلى الذوق، والتأويل، والخبرة الفنية الجمالية، والتمرس المصقول بالدربة النقدية النصية.


4- تجاوز البلاغة الشعرية الضيقة، واستبدالها ببلاغة سردية موسعة، تعتمد على المكونات، والسمات، والصور النوعية، أو ما يمكن تسميته ببلاغة السمات."لذلك، ليس من طبيعة السمة أن تفرض عسفا؛ وإنما الذي يقتضي استحضارها نقديا تلك البدهية التي ترى أن قسما هائلا من كلمات الإبداع الأدبي إنما هي في العمق نعوت وصفات وأفعال تضفى على المكونات النصية. وفي المجال الروائي تتجلى بوضوح شديد عملية الإضفاء أو التساند المشع. وبذلك، يغدو البحث البلاغي رصدا للتحولات الجمالية التي تطرأ على السمات التي تثير إليها انتباه القارئ وملكته الذوقية. ومن البين أنه من الصعوبة بمكان حصر تلك التحولات كميا وإحصائيا نظرا لغزارتها، إن لم نقل لا نهائيتها. إلا أن رصدها يظل على الرغم من ذلك وطيد الصلة بمقتضيات الجنس أو النوع الأدبي وسياقات اللغة والقراءة والتكوين النصي.


إن علاقة البلاغة بالسمة شبيهة بالعلاقة التي يحتمل أن تقوم بين اللغة والكلام. فالسمات، إلى جانب الكون الأدبي والمكونات والسمات التكوينية والصورة تشكل تجليات فعلية للأسلوب الحيوي الذي نستقري "بلاغته". بيد أن ذلك الشبه لا يعني التطابق بين القضية اللسانية والتجلي الأدبي. فالسمات الأدبية على الرغم من طبيعتها الجمالية التطبيقية لا تكتفي بتحقيق غايات التواصل والإخبار والتداول فحسب، وإنما تضيف إلى ذلك طموحها إلى تصوير النوازع الدفينة في النفس البشرية التي تمتنع عن التقييد والضبط الحصري. وبذلك، لا ترقى السمة إلى رتبة القاعدة أو القانون العلمي[9]"


وعليه، تتكئ بلاغة السرد الموسع على استخلاص المكونات والسمات والصور النوعية الجزئية والكلية.

الخطوات المنهجية:
يستند مشروع الصورة الروائية، أو مشروع الصورة السردية الموسعة، إلى مجموعة من الخطوات المنهجية الرئيسة التي يمكن حصرها فيما يلي:
1- قراءة العمل القصصي أو السردي أو الرواية قراءة جمالية وفنية متأنية عميقة، مرات عدة ومتكررة.


2- تلخيص أحداث العمل، واختزال وقائعه الحدثية.


3- التمييز بين المكونات والسمات.


4- التوقف عند مكون سردي ما (الحدث، والشخصية، والفضاء، والوصف، والأسلوب، واللغة، والمنظور السردي)، أو سمة ما (سمة التعجيب، سمة الغرابة، سمة التصوف، سمة التاريخ، سمة البيكاريسك، سمة الميتاسرد...)، بغية تحليله (ها) ودراسته (ها) ضمن رؤية تصويرية فنية وجمالية وتأويلية شاملة.


5- تحليل الصورة في ضوء معطياتها الفنية والجمالية والإنسانية، أو وفق البنية والدلالة والوظيفة.


6- استكشاف الصورة وفق المعايير الخمسة التالية: السياق النصي، والسياق الذهني، وسياق الجنس، والطاقة اللغوية، والطاقة البلاغية.


7- استخراج الصور الجزئية والكلية، حيث نبدأ بدراسة الصور الجزئية في تعاقبها وتدرجها الفني والجمالي، حتى نصل إلى الصورة الكلية تحديدا وتقويما وحكما.


8- دراسة الصورة السردية دراسة فنية وجمالية وبلاغية، بعيدا عن قواعد علم السرد والمعايير المتوارثة في النقد الأدبي الحديث والمعاصر.


9- جرد جميع الصور السردية التي تتمحور حول موضوع الدراسة، سواء أكان مكونا أم سمة، ثم تقويمها، في الأخير، في ضوء مجموعة من الأحكام الفنية والجمالية، إن شكلا، وإن مضمونا، وإن وظيفة، مثل: التوازن، والاختلال، والانسجام، والنمو الطبيعي، والتكافؤ، والتماسك، والأصالة الإبداعية...


10- توظيف المصطلحات والمفاهيم التي تنتمي إلى حقل الصورة الروائية، كما وردت في الكتب والدراسات النظرية والتطبيقية التي تناولت الصورة الروائية، بطريقة من الطرائق.

المكونات والسمات:
إذا كانت المكونات عناصر ثابتة في الأثر أو العمل الأدبي، فإن السمة هي خاصية تحضر و تغيب. فمن أهم المكونات الرئيسة التي تقوم عليها الرواية، مثلا، مكون الحدث، ومكون الشخصية، ومكون المكان، ومكون الزمان، ومكون الفضاء، ومكون الوصف، ومكون المنظور السردي، ومكون اللغة، ومكون الأسلوب. وتتمثل السمات الثانوية في خاصيات تتأرجح بين الحضور والغياب، مثل: سمة التعجيب، وسمة الغرابة، وسمة التصوف، وسمة التاريخ، وسمة البيكاريسك، وسمة الميتاسرد، وسمة التضمين...


وتكون هذه السمات فنية أو دلالية أو وظيفية، كسمة الواقعية، أو سمة الرومانسية، أو سمة الحداثة، أو سمة الحرب، أو سمة الحنين، أو سمة التهجين..." إن مقولة السمات يمكن اعتبارها وسيلة إجرائية فاعلة في استشراف معالم الصورة الروائية، لأنها سليلتها الشرعية. فالصورة مسافة جمالية يسن سؤال الماهية وسؤال الوظيفية، وما سؤال الماهية في النهاية سوى سؤال السمات التي من خلالها تنكشف ملامح المكونات النصية ووظيفتها، وبالتالي، بنائية الصورة وحيويتها، وقد عرف محمد أنقار السمة بأنها" إمكانية بلاغية بكل ما للكلمة من أنماط ودلالات متحولة، وهي لا تقل خطورة جمالية عن مكونات العمل الأدبي المحكم الصنعة."


وجدير بالذكر أن السمة خيار جمالي يتسم بالمرونة، لأنها تستمد فاعليتها من بلاغة نوعية خاصة بكل نوع أدبي على حدة، كما أنها تتميز بالخصوبة والامتداد، نستشف ماهيتها من عناصر نصية، وتنفتح على عناصر أخرى غير نصية تكون خلاصة الحوار الجمالي بين سياق الإبداع وسياق التلقي."[10]


وفي مكان آخر، يعرفها محمد أنقار بقوله:" لا أقصد بهذا المصطلح تلك الوحدة المعنوية الصغرى المعروفة في اللسانيات ب sème، وإنما يتجه القصد نحو الخاصية أو الصفة التي تتساند مع مكونات جنس أدبي تساندا ينتج صورا أدبية. بذلك يكون حقلُ السمات الفسيح الأجناسَ الأدبيةَ وليس مطلق القول، وتكون الوظيفة المطلوبة جمالية "قبل" وظائف التواصل أو الإخبار أو التلقين. كما أن وجه السمة لا يظل متجليا في الدلالة أو المعنى أو المضمون أو الشكل الفني؛ وإنما تنصهر في السمة كل تلك الوجوه، وتتداخل تبعا للوظيفة الجمالية التي يقتضيها سياق كل جنس أدبي وسياق كل نص أدبي.


والسمات الأدبية متعددة المصادر؛ فقد تستمد من أسماء المذاهب الفنية والمدارس الفكرية، أو من أنماط السلوك البشري وتفاصيله الصغرى، أو من ميدان الأخلاق، أو من الطبائع والأمزجة. ثم إن السمة قد تنحصر في لفظة واحدة (وتلك صورتها العامة)، مثلما قد تتجلى في جملة أو شبه جملة، وحتى في فقرة (في حالات نادرة). وحيث إن السمة التي نرومها "أدبية" ومنتمية إلى "جنس" تعبيري مخصوص ومتساندة إلى "مكوناته"؛ فيفترض فيها أن تكون ذات واجهات قابلة للإشعاع والانتشار، لها وظائف نوعية، معقدة وغنية بإمكانيات التعبير. كل ذلك يمكن أن تشتمل عليه الصفة اللفظية الواحدة مما يقتضي من الناقد الأدبي أن يحتفي بها في صيغتها المشعة، ويوفيها حقها من التأمل الرحب.[11]"


إذاً، يعد مفهوما المكونات والسمات من أهم المفاهيم الإجرائية في مقاربة الصورة الروائية أو الصورة السردية الموسعة، علاوة على مفهوم آخر يتمثل في (الصور النوعية) التي تتشكل من متخيلات نصية وفنية وجمالية، وتمتاز بطاقتها التصويرية اللافتة للانتباه. وتكون هذه الصور إما جزئية وإما كلية.


سياقات الصورة السردية الموسعة:
تعتمد منهجية الصورة الروائية أو الصورة السردية الموسعة على سياقات منهجية أساسية، نحددها فيما يلي:
1- السياق اللغوي: يعنى هذا السياق بتشخيص اللغة الأدبية الموظفة في الصورة المدروسة، وتبيان خصائص هذه اللغة، من حيث طبيعتها، وسجلها التداولي، وبنية أصواتها ومقاطعها وكلماتها ومفرداتها وجملها وتراكيبها، ودراسة جمالية هذه اللغة ووظائفها التعبيرية والإنسانية، ضمن سياقها النصي الجزئي أوالكلي.


2- السياق البلاغي: ينصب هذا السياق على المكونات البلاغية التي تحضر في الصورة أو تغيب، كأن نتوقف عند بعض السمات البلاغية في صورة ما، مثل: صورة المفارقة، وصورة السخرية، وصورة الامتساخ، وصورة القبح، وصورة النقيض،...أي: نستخلص بلاغة سردية جديدة اعتمادا على صور النص أو الأثر الإبداعي.


3- السياق الذهني: هو سياق القراءة أو التلقي أو التقبل. بمعنى أن الصورة لا قيمة لها إلا بالقراءة التفاعلية التي يلتجئ إليها المتلقي، حينما يمارس فعل التأويل، وإعادة البناء، وخلق صور جمالية ذهنية احتمالية وافتراضية، بملء فراغات النص، وتكملة بياضاته.


4- السياق الجنسي: هو سياق النوع الأدبي. أي: احترام خصائص الجنس الأدبي، واستحضار قواعده الفنية والجمالية أثناء تحليل الصورة السردية الموسعة ومقاربتها. ويعني هذا ضرورة التقيد بمكونات الجنس الأدبي أو الفني، عندما تحلل الصورة السردية أو الروائية. ويساعدنا هذا السياق على تقويم الصورة في ضوء مقياس التوازن والاختلال.


5- السياق النصي: يقصد به التكوين النصي أو البناء الفني للصورة السردية. أي: دراسة الصورة ضمن مكوناتها الفنية والبنائية. كأن ندرس الصورة ضمن مكونات النوع السردي: الحدث، والشخصية، والفضاء، والمنظور، واللغة، والأسلوب... ويعني هذا مقاربة الصورة في نطاق بنائها الفني والجمالي، في علاقتها بالمكونات النصية الأخرى التي ساهمت في خلق هذه الصورة المعطاة.


6- السياق الإبداعي: هناك من يضيف سياقا آخر يتعلق بالمؤثرات الفكرية والذهنية والجمالية التي تتحكم في الصورة. وقد أضافه البشير البقالي في كتابه (صورة الإنسان في رواية (السفينة) لجبرا إبراهيم جبرا):" إننا نرى ضرورة استدعاء معيار سادس، وهو سياق الإبداع بما هو مجموع المؤثرات الفنية والفكرية التي أنتجت النص، وخططت لسيرورته وديناميته، على اعتبار أن الصورة الكلية لا تكتمل ماهيتها إلا بهذا السياق، لأنها لا تكتسب حدودها إلا بما رسمه الكاتب لها فكريا وإيديولوجيا وجماليا."[12]


وقد يحيل هذا السياق الإبداعي على ما هو فكري وجمالي وفلسفي. أي: الخلفيات الذهنية والتيارات الأدبية التي تتحكم في الصورة الروائية، بشكل من الأشكال. ولماذا لا نضيف أيضا سياقات أخرى، مثل: السياق المرجعي، والسياق الحجاجي، والسياق السيميائي...؟

المصطلحات النقدية:
تقوم بلاغة الصورة الروائية على مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الإجرائية التي تنتمي إلى حقل الصورة الروائية، وقد أخذت هذه المفاهيم والأدوات والآليات التحليلية من الدراسات والكتب التي تناولت الصورة الروائية، سواء أكانت نظرية أم تطبيقية، وهذه المصطلحات هي: الامتداد، والتصوير، والبعد الفني والجمالي، وصورة الإنسان، والصورة الروائية، والطاقات التصويرية، والمكونات، والسمات، وذهن المتلقي، والوعي الذاتي، والتوتر، والمنظور البنائي العام، والوظيفة الجمالية، والكشف الجمالي، والماهية الجمالية، والصورة الكلية، والصورة الجزئية، والمتلقي الذهني، والشبكة النصية، والوظيفة التصويرية الآنية، والوظيفة التصويرية السياقية، والتشخيص الأدبي، والطاقة اللغوية، والطاقة البلاغية، وسياق التلقي، وسياق النص، وسياق الجنس الأدبي، وسياق الإبداع، وسؤال الماهية، وسؤال الوظيفة، والذوق الجمالي، والأصالة الأدبية، والتعبير الفني، والكثافة التصويرية، ودينامية الصورة، والكثافة الإنسانية، وإيقاع الصورة، والمفارقة، والمؤشرات الدرامية والبنائية، والتصوير الفني، والسمات النصية وغير النصية، ونسيج الصورة، والتطلع الجمالي، والوضعيات، والحوافز، والفاعلية الدرامية، والتجسيد، واللغة، والفضاء، وصوت المؤلف، والزمان، والمكان، والراوي، والرمزية، والأسلوب، والسياق الواقعي، و الشاعرية الروائية، والشاعرية النزوية، والمفارقة الدرامية، ومحكي المعين الإنساني، والصورة النزوية، والمجاز المضاعف، والسند الدرامي...


ويلاحظ أن هناك مصطلحات عدة توجد في حقول معرفية ومنهجية مختلفة ومتنوعة، لكن يمكن توظيفها في حقل الصورة الروائية، بطريقة من الطرائق، بعد تكييفها فنيا وجماليا مع فلسفة هذه الصورة وبلاغتها الرحبة الموسعة.

الخاتمة:
وخلاصة القول، يتبين لنا، مما سبق ذكره، بأن الصورة، بصفة عامة، تصوير لغوي وعقلي وذهني وخيالي وحسي، قد تنقل العالم الواقعي أو قد تتجاوزه نحو عوالم خيالية وافتراضية أخرى. لكن أهم ما في الصورة هو طبيعتها اللغوية والفنية والجمالية الخاصة، وارتباطها بمتخيلات غنية وثرية. كما أن للصورة آليات تعبيرية قد تتجاوز الصور الشعرية إلى صور نثرية وسردية ودرامية موسعة، تجعل من مبحث الصورة عالما منفتحا وخصبا.


وفوق ذلك كله، تؤدي الصورة مجموعة من الوظائف التي يمكن استكشافها واستجلاؤها عبر السياق التداولي والكلي للنص أو الصورة على حد سواء. وقد تكون هذه الصورة جزئية أو كلية من جهة، أو قد تكون متوازنة أو مختلة من جهة أخرى.


هذا، ويستند معيار الصورة، سيما الروائية والسردية منها، إلى مجموعة من الخطوات المنهجية، مثل: قواعد الجنس، والطاقة اللغوية، والطاقة البلاغية، والسياق النصي، والسياق الذهني.


هذا، ونختم كلامنا بقولة أستاذنا محمد أنقار:" نفترض أن اعتماد (معيار الصورة) في النظر والمعالجة النقدية من شأنه أن يتيح للنقاد إجراء منهجيا مشتركا لضبط وظيفة الكشف عن الآليات الجمالية المتحكمة في الإنتاج الأدبي، وتقليص الحواجز المصطنعة القائمة بين مختلف الاتجاهات والمذاهب النقدية.


من أجل ذلك نرى أن الوقت قد حان كي تتبوأ بلاغة الصور السردية مكانها المناسب في ميدان النقد الأدبي، وتلملم نتائجها المتناثرة، وتجلي علاقاتها المبهمة مع الأجناس الأدبية ونظريتها، وتنتظم رسميا، بفعالية، في سياق الإنشائية المعاصرة.".[13]


[1] البشير البقالي: صورة الإنسان في رواية (السفينة) لجبرا إبراهيم جبرا، شمس للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى سنة 2011م، ص:104.

[2] د. محمد أنقار: صورة المغرب في الرواية الإسبانية، مكتبة الإدريسي، تطوان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1994م.

[3] (الأديب المغربي محمد أنقار)، حوار، جريدة بيان اليوم، المغرب.

[4] د. محمد أنقار: صورة المغرب في الرواية الإسبانية، ص:16.

[5]د. محمد أنقار: نفسه، ص:16.

[6] د. محمد أنقار: نفسه، ص:23.

[7] انظر: (الأديب المغربي محمد أنقار)، حوار، جريدة بيان اليوم، المغرب، http://bayanealyaoume.press.ma

[8] محمد العناز: مفهوم الصورة في كتاب البيان والتبيين عند الجاحظ، دار العين للنشر،القاهرة، مصر، الطبعة الأولى سنة 2013م، ص:23-24.

[9] د.محمد أنقار : (البلاغة والسمة)، مجلة فكر ونقد، المغرب، السنة الثالثة، العدد25، يناير2000م، ص:97.

[10] البشير البقالي: صورة الإنسان في رواية (السفينة) لجبرا إبراهيم جبرا، ص:19.

[11] د.محمد أنقار : (البلاغة والسمة)، ص:97.

[12] البشير البقالي: نفسه، ص:18.

[13] د. محمد أنقار: نفسه، ص:13.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 104.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 102.19 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]