أنفلونزا الخنازير - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854761 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389658 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-04-2020, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي أنفلونزا الخنازير

أنفلونزا الخنازير (1/2)





الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل












الحمد لله العليم الحكيم، أحلَّ لعباده من المآكل أطيبَها، وحرَّم عليهم خبائثَها؛ رحمة منه - سبحانه - بهم، ورعاية لمصالحهم، وحفاظًا على سلامة قلوبهم وأبدانهم، نحمده على شريعته الكاملة، ونشكره على نِعَمه المتتابعة، فكم ساقَ لنا من الخير! وكم دفع عنا من الضر! وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يُردُّ أمره، ولا يهزم جنده، ولا حول ولا قوة إلا به، سبحانه وبحمده، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جاء بالهدى والرشاد من عند ربه – سبحانه - للإنس والجن كافة؛ {يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه، والزموا شريعته، وتمسكوا بدينه؛ فلا صلاح للعباد إلا به، وإنكم مسؤولون عنه؛ {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزُّخرف: 43 – 44].

أيها الناس:
من رحمة الله - تعالى - بعباده، وإحسانه إليهم لما خلقهم: أنه - عز وجل - آواهم وكفاهم، وأمدَّهم بما ينفعهم، ومنعهم مما يضرهم، ورزقهم عقولاً يدركون بها الخير والشر، والنفع والضر، وأنزل عليهم الشرائع لهدايتهم في شؤونهم الدينية والدنيوية.

والغذاء ضروري لبقاء الحياة البشرية، ومن رحمة الله - تعالى – بعباده: أنه - سبحانه - رزقهم غذاءهم لحياة أبدانهم، وأنزل عليهم كتابه لحياة قلوبهم، وفصَّل فيه ما أباح لهم، وبيَّن لهم ما حرَّم عليهم، وفي القرآن سورة الأنعام، فيها ذِكر كثير من أحكام الطعام، غير ما ذكر في سواها من السور والآيات، فلا مجال للنظر في ذلك وقد كفانا الله - تعالى - ذلك بعلمه المحيط بكل شيء، وإنَّ الاعتداء كل الاعتداء في عدم الامتثال لأمر الله - تعالى - فيما أنزل علينا من الآيات، وما فصل فيها من الأحكام؛ {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119].

وسبب الهوى المضلِّ عن سبيل الله - تعالى - بلا علم هو اتِّباع الشيطان، الذي أقسم بعزة الله - تعالى - ليغوينَّ البشرَ أجمعين، والشهواتُ من أوسع أبواب غوايته؛ لأنها موطن ضعف البشر، ومكمن عجزهم، وموقع زلتهم، وما أخرج الأبوين - عليهما السلام - من الجنة إلا شهوةُ الأكل من شجرةٍ ظنَّا أن الخلد فيها، وسبب طلبهم للخلد في الجنة ما وجدوا فيها من لذيذ الطعام والشراب والعيش الرغيد.

إن شهوات البطن والفرج هي أكثر شيء يغزو الشيطان به بني آدم، وطريقة الشيطان في استدراج بني آدم إلى معاصي البطون والفروج هي أخذهم إليها بالتدرُّج خطوة خطوة، حتى يصل الآدمي للمعصية الكبرى؛ ولذا حذر الله - تعالى - من اتباع خطوات الشيطان، وكرَّر ذلك في أربعة مواضع من القرآن:
موضعٌ منها يأمرهم ربهم - سبحانه - فيه بالدخول في كافة شرائع الإسلام، ويحذرهم من خطوات الشيطان الذي يصدهم عن ذلك؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208].

وموضعان في سياق ذكر المآكل والمشارب؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168]، والموضع الآخر في سورة الأنعام: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام: 142].

والموضع الرابع في سياق ذكر الزنا والقذف والفواحش؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} [النور: 21].

ومعلوم أن شهوة ملء الجوف بالطعام تتكرر أكثر من شهوة الفرج، والمرء يصبر على ترك النكاح ما لا يصبر على فقد الطعام والشراب، فمظنةُ الوقوع في إثم إشباع الجوف بالمحرَّم أكثرُ من مظنة الوقوع في إثم إشباع الفرج بالحرام؛ ولذا كان التحذير في القرآن من خطوات الشيطان في شهوات ملء الجوف على الضِّعف منها في الفرج.

إن من خطوات الشيطان أن يزيِّن للناس أكل بعض المحرمات؛ لتوافرها، أو لرخص قيمتها، أو لتوهم لذَّتها، أو من باب تجربتها حتى يألفوها، وتنبت أجسادهم من الخبائث التي حرَّمها الله - تعالى - عليهم.

ومن خطواته في هذا الباب أيضًا: أن يزين للتجار الاتِّجارَ بهذه المحرمات وتسويقها، والقفز على النصوص التي تحرمها بمعارضتها، أو تأويلها، أو الاحتيال عليها؛ كما فعل أهل الكتاب حين استباحوا ما حرم الله - تعالى - عليهم بأنواع الحِيَل.

والخنزير مخلوق بغيض قبيح خبيث، ابتلى الله - تعالى - به البشرَ، وحرَّمه عليهم تحريمًا شديدًا، كرر التأكيد عليه في أربع آيات من القرآن الكريم:
في سورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ} [البقرة: 173].

وفي المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ} [المائدة: 3].

وفي سورة الأنعام التي عالجتْ مسألة الطعام، وما يحل منه وما يحرم: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145].

وفي النحل: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ} [النحل: 115].

قال عدد من المفسرين: "أجمعت الأمَّةُ على أن الخنزير بجميع أجزائه محرَّم، وإنما ذكر الله - تعالى - لحمه؛ لأن معظم الانتفاع متعلق به".

وقال العلامة ابن حزم - رحمه الله تعالى -: "لا يحِلُّ أكلُ شيءٍ من الخِنزِيرِ، لا لحمِهِ، ولا شحمِهِ، ولا جِلدِهِ، ولا عصبِهِ، ولا غُضرُوفِهِ، ولا حشوتِهِ، ولا مُخِّهِ، ولا عظمِهِ، ولا رأسِهِ، ولا أطرافِهِ، ولا لبنِهِ، ولا شعرِهِ".

واشتدَّ فيه قولُ التابعي الجليل قتادة السدوسي - رحمه الله تعالى - فقال: "مَن أكل لحم الخنزير، عُرضت عليه التوبة، فإن تاب، وإلا قُتل"، ولعل سبب تشديده فيه أن الخنزير صار شعارًا للنصارى بعد أن حرَّفوا دينهم، وتلاعبوا بكتابهم، وخرجوا عن شريعة المسيح - عليه السلام - ولذا فإن تحريم الخنزير وقتله من أهم الأعمال التي يقوم بها عيسى - عليه السلام - حين ينزل في آخر الزمان؛ كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَنْزِلَ فِيكُم ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ))؛ رواه الشيخان.

وقد بوب البيهقي - رحمه الله تعالى - على هذا التشديد في الخنزير، فقال: "باب الدليل على أن الخنزير أسوأ حالاً من الكلب، ثم نقل عن الشافعي - رحمه الله تعالى - قوله: لأن الله - سبحانه وتعالى - نصَّه، فسماه نجسًا" اهـ.

والله - تعالى - لما حرَّم أكل الخنزير، فإنه - سبحانه - حرَّم بيعَهُ وثمنه؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ الله حَرَّمَ الخَمْرَ وثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ المَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ))؛ رواه أبو داود.

وجاء في السنة ما يدل على الحذر من استخدام آنية الكفار الذين يأكلون الخنازير، ويلطخون أوانيهم بلحمه ودهنه، فلا تستخدم حتى تغسل؛ لئلا يعلق شيء من قذر الخنزير فيها؛ كما في حديث أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ - رضي الله عنه -: أنَّه سأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ في قُدُورِهِم الخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ في آنِيَتِهِم الخَمْرَ"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فيها وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لم تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَارْحَضُوهَا بِالمَاءِ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا))؛ رواه أبو داود.

بل بلغ من تقبيح الخنزير واستقذاره، أن الأعمال المستقبحة المحرمة تمثَّل به؛ من باب التحذير والتنفير؛ كما في حديث بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن لَعِبَ بِالنَّرْدَشير فكأنما صَبَغَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ))؛ رواه مسلم، والنردشير هو النرد، وهي لغة الفرس؛ لأن تلك اللعبة جاءت منهم.

يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس، فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذِّي به؟! وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره" اهـ.

وأهل علم الحيوان، والمربون للخنازير ومنتجوها، يقرُّون بأن الخنزير أقذر الحيوانات، وأنه يأكل كل مستقذر من الحشرات، والعذرة، وغيرها، حتى إنه يأكل فضلاته، ولو وضع في مكان نظيف، وقدمت له أحسن الأعلاف، فإنه لا يغيِّر طبعه القذر الخبيث.

ومن الثابت شرعًا وطبًّا: أن نوع الأكل، وكثرة اختلاط الإنسان بالحيوان، يؤثران في طبعه وأخلاقه؛ كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الخُيَلاَءُ وَالفَخْرُ في أَهْلِ الخَيْلِ وَالإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ في أَهْلِ الغَنَمِ))؛ رواه أحمد، قال أهل العلم: "الغذاء يصير جزءًا من جوهر المغتذِي، فلا بدَّ أن يحصل للمغتذِي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم، ورغبة شديدة في المشتهيات، فحَرُم أكلُه على الإنسان؛ لئلا يتكيَّف بتلك الكيفية"، ويقول ابن خلدون - رحمه الله تعالى -: "أكلَتِ الأعراب لحمَ الإبل، فاكتسبوا الغلظة، وأكل الأتراك لحم الفرس، فاكتسبوا الشراسة، وأكل الإفرنج لحم الخنزير، فاكتسبوا الدياثة".

نسأل الله - تعالى - العصمة مما حرَّم علينا، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وبفضله عمن سواه.

وأقول ما تسمعون وأستغفر.











الخطبة الثانية




الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واحذروا ما يسخطه؛ فإن أخذه أليم شديد؛ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ} [المائدة: 92].

أيها المسلمون:
تتوالى على البشر في هذه الأزمان المتأخرة أمراضٌ وأوبئة يخشون فتكها، ويحاذرون ضرها، وخلال السنوات الماضية عرف الناس حمى الوادي المتصدع التي أصابت الأغنام، ثم جنون البقر، ثم أنفلونزا الطيور، التي أثبت كثير من الباحثين أن سببها الخنازير التي احتضنت المرض، فنقلته الطيور منها، لتظهر في هذه الأيام أنفلونزا الخنازير.

والخنزير ثبت تحريمه في شريعة موسى - عليه السلام - وبقيت نصوص تحريمه فيما بقي مما لم يحرَّف من التوراة المحرفة؛ ولذا فإن اليهود الملتزمين بالتوراة المحرفة يحرِّمونه على أنفسهم، ويذكر نصارى الشرق في قاموسِ كتبهم المقدسة: أن الناس في عصر المسيح - عليه السلام - ما كانوا يأكلون الخنزير.

وإنما أحدث النصارى ذلك بعده - عليه السلام - مما حرفوه من دينهم، وغيَّروه من كتابهم؛ ولذا دعا بعض رهبانهم في هذا العصر إلى الامتناع عن أكل الخنازير، وطالبوا بقتلها.

وقد ثبت في أبحاث الغربيين الطبية أن الخنزير مرتع خصب لأكثر من أربعمائة وخمسين مرضًا وبائيًّا، وهو يقوم بمهمة الوسيط في نقل سبعة وخمسين منها إلى الإنسان؛ ولكن علوهم يجعلهم يكابرون ولو ضروا أنفسهم، وأهلكوا البشر معهم، وانتفاع تجار الخنازير ببيعها يدفعهم لأَسْرِ البسطاء من الناس بالدعايات لمنتجاتهم الخبيثة، والآن يجنون ثمار هذا الاستكبار، ويجرُّون البشرية معهم إلى هوة سحيقة، لا يعلم مداها إلا الله – تعالى - ذلك أن وباء الخنازير لو انتشر لكان طاعون العصر - نسأل الله تعالى العافية والسلامة - والمسؤولون منهم صرحوا بأن الآلاف في أوربا قد يهلكون بسبب وباء الخنازير، ومنظمة الصحة العالمية قد قرَّرت رفع حالة التأهب لمواجهة هذا الوباء إلى الدرجة الخامسة، وهي الدرجة التي تسبق إعلان حالة الوباء العالمي.

ومع كل ذلك، فإنهم لا يزالون مستكبرين عن شرائع الله - تعالى - ويريدون تغيير اسم هذه الأنفلونزا، ليكون اسمها الأنفلونزا النبيلة، أو الأنفلونزا المكسيكية؛ لئلا تتأثر تجارة الخنازير بعزوف شعوبهم عنها.

وقبل ثنتين وأربعين سنة انتشر هذا الفيروس في الصين، فقتل مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، وفي تاريخ إسبانيا ذُكر فيروس للأنفلونزا صدر من ديارهم، فقتل على وجه البسيطة ما يقارب مائة مليون إنسان قبل تسعين سنة من الآن؛ ولذلك خافوا هذا الخوف؛ لمعرفتهم بعواقب انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير في الناس.

إن هذه الأمراض المتلاحقة التي يخافها البشر لَتدلُّ على عجزهم وضعفهم أمام قدرة الرب - جل جلاله -: {وَللَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح: 7]، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطَّلاق: 12]، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدَّثر: 31]، كما تدل على أن استنكاف البشر عن شريعة الله - تعالى - هو الهلاك في العاجل والآجل، وأن الله - تعالى - لا يظلم عباده؛ بل يجازيهم بأعمالهم؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]، {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الكَفُورَ} [سبأ: 17]، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى: 30].

وقد بغى المستكبرون في الأرض على شريعة الله – تعالى - وحاربوا المستمسكين بها، وحرفوا الناس عنها، وسكت بقية البشر على ظلمهم وبغيهم؛ إلا من رحم الله تعالى - وقليل ما هم - والله تعالى غيور، يغار على محارمه، ويُخشى على البشر من عقوبات متلاحقة لا تُبقي ولا تذر، فنعوذ بالله - تعالى - من عذابه، ونسأله - سبحانه - أن يلطف بعباده، وألاَّ يعاجلهم بعقابه؛ فلا قوة إلا بالله – تعالى - ولا ملجأ منه - سبحانه - إلا إليه، ولا معاذ منه - عز وجل - إلا به؛ ذلك {أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ} [البقرة: 165]، فلُوذُوا بربكم، وتوبوا من ذنوبكم، وراجعوا دينكم، وخذوا على أيدي السفهاء منكم، قبل أن يحل بكم ما حل بالأمم قبلكم؛ {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].

وصلوا وسلموا...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 107.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 105.90 كيلو بايت... تم توفير 1.95 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]