الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 850961 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 386958 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60074 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 08-12-2019, 04:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 157 الى صــــــــ
163
الحلقة (31)


[كتاب الصلاة]

[[مباحث عامة]]


[حكمة مشروعيتها]

ما تقدم من مباحث الطهارة إنما هو وسيلة للصلاة، وقد علمت أن هذه الوسائل كلها منافع للمجتمع الإنساني؛ لأن مدارها على نظافة الأبدان؛ وطهارة أماكن العبادة من الأقذار التي تنشأ عنها الأمراض والروائح القذرة، نعم إن في بعض الوسائل ما قد يخلو عن هذا المعنى،
ولكن ذلك لحكمة ظاهرة: وهي أن الغرض من العبادات إنما هو الخشوع لله سبحانه باتباع أوامره واجتناب نواهيه، أما الصلاة فهي أهم أركان الدين الإسلامي؛ فقد فرضها الله سبحانه على عباده ليعبدوه وحده، ولا يشركوا معه أحداً من خلقه في عبادته،
قال تعالى:
{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي فرضاً محدوداً بأوقات لا يجوز الخروج عنها،
وقال عليه الصلاة والسلام:
"خمس صلوات كتبهّن الله على العباد؛ فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة" وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم شأن الصلاة،
والحث على أدائها في أوقاتها: والنهي عن الاستهانة بأمرها والتكاسل عن إقامتها؛
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
"مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر عذب غمر، بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يبقى من درنه؟
قالوا:
لا شيء،
قال صلى الله عليه وسلم:
"
فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" ومعنى ذلك أن الصلوات الخمس تطهر النفوس؛ وتنظفها من الذنوب والآثام، كما أن الاغتسال بالماء النقي خمس مرات في اليوم يطهر الأجسام وينظفها من جميع الأقذار.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل: قال: "الصلاة لمواقيتها" فالصلاة هي أفضل أعمال الإسلام، وأجلها قدراً، وأعظمها شأناً؛ وكفى بذلك حثاً على أدائها في أوقاتها.أما ترهيب تاركها وتخويفه؛
فيكفي فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له" وقوله: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" وفي هذا الحديث زجر شديد للمسلم الذي يتسلط عليه الكسل فيحمله على ترك الصلاة التي يمتاز بها عن الكافر،
حتى قال بعض أئمة المالكية:
إن تارك الصلاة عمداً كافر وعلى كل حال فقد أجتمعوا على أنها ركن من أركان الإسلام، فمن تركها فقد هدم ركناً من أقوى أركانه. وينبغي أن يعرف الناس أن الغرض الحقيقي من الصلاة إنما هو غشعار القلب بعظمة الإله الخالق حتى يكون منه على وجل فيأتمر بأمره، وينتهي عما نهاه عنه، وفي ذلك الخير كله للنوع الإنساني، لأن من يفعل الصالحات ويجتنب السيئات لا يصدر عنه للناس الا المنفعة والخير، أما الذين يأتي بالصلاة وقلبه غافل عن ربه، مشغول بشهواته النفسانية، وملاذه الجسمانية، فإن صلاته، وإن أسقطت عنه الفرض عند بعض الأئمة، ولكنها في الحقيقة لم تثمر الثمرة المطلوبة منها،
إنما الصلاة الكاملة هي التي قال الله في شأنها:
{قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتها خاشعون} .
فالغرض الحقيقي من الصلاة، إنما هو تعظيم الإله فاطر السموات والأرض بالخشوع له والخضوع لعظمته الخالدة، وعزته الأبدية، فلا يكون المرء مصلياً لربه حقاً الا إذا كان قلبه حاضراً مملوءاً بخشية الله وحده، فلا يغيب عن مناجاته بالوساوس الكاذبة أو الخواطر الضارة، ومن ي قف بين يدي خالقه وقلبه على هذه الحالة ذليلاً خاشعاً، خائفاً وجلاً من جلال ذلك الخالق القادر القاهر، ذي السطوة التي لا تحدّ، والمشيئة التي لا تردّ، فإنه بذلك يكون تائباً من ذنبه، منيباً إلى ربه، وتصلح أعماله الظاهرة والباطنة، وتقوى علاقته بربه، ويستقيم مع عبادته تعالى، ويقف عند حدود الدين، وينتهي عما نهاه عنه رب العالمين.
كما قال:
{إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر} وبذلك يكون من المسلمين حقاً.فالصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، وهي تلك الصلاة التي يكون العبد فيها معظماً ربه، خائفاً منه، راجياً رحمته، فحظ كل واحد من صلاته إنما هو بقدر خوفه من الله، وتأثر قلبه بخشيته، لأن الله سبحانه إنما ينظر إلى قلوب عباده لا إلى صورهم الظاهرة،
ولذا قال تعالى:
{وأقم الصلاة لذكرى} ، ومن غفل قلبه عن ربه لا يكون ذاكراً له، فلا يكون مصلياً صلاة حقيقية، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه".
فهذه هي الصلاة في نظر الدين، وهي بهذا المعنى لها أحسن الأثر في تهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، فإن في كل جزء من أجزائها تمريناً على فضيلة من الفضائل الخلقية، وتعويداً على صفة من الصفات الحميدة،
وإليك جملة من أعمال الصلاة وآثارها في تهذيب النفوس:
أولاً: النية، وهي عزم القلب على امتثال أمر الله تعالى بأداء الصلاة كاملة، كما أمر بها الله مع الإخلاص له وحده، ومن يفعل ذلك في اليوم والليلة خمس مرات، فلا ريب في أن الإخلاص ينطبع في نفسه، ويصبح صفة منصفاته الفاضلة التي لها أجمل الثر في حياة الأفراد والجماعات، فلا شيء أنفع في حياة المجتمع الإنساني من الإخلاص في القول والعمل، فلو أن الناس أخلصوا لبعضهم بعضاً في أقوالهم وأعمالهم، لعاشوا عيشة راضية مرضية، وصلحت حالهم في الدنيا والآخرة، وكانوا من الفائزين.
ثانياً:
إن القيام بين يدي الله تعالى، فالمصلي يقف ببدنه وروحه بين يدي خالقه مطرقاً يناجيه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، يسمع منه ما يقول، ويعلم منه قلبه ما ينوي، ولا ريب في أن من يفعل ذلك مرات كثيرة في اليوم والليلة، فإن قلبه يتأثر بخالقه، فيأتمر بما أمره به، وينتهي عما نهاه عنه، فلا ينتهك للناس حرمة، ولا يعتدي لهم على نفس، ولا يظلمهم في مال، ولا يؤذيهم في دين أو عرض.
ثالثاً: القراءة، وسيأتي لك حكمها عند الأئمة، ولكن ينبغي لمن يقرأ أن لا يحرك لسانه بالقراءة، وقلبه غافل، بل ينبغي له أن يتدبر معنى قراءته ليتعظ بما يقول، فإذا مر على لسانه ذكر الإله الخالق وجل قلبه خوفاً من عظمته وسطوته، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} وإذا ذكرت صفات الله تعالى من رحمة وإحسان وجب عليه أن يعلم نفسه كيف تتخلق بتلك الصفات الكريمة،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تخلقوا بأخلاق الله فهو سبحانه كريم عفو غفور، عادل لا يظلم الناس شيئاً، فالإنسان مكلف بأن يتخلق بهذه الأخلاق، فإذا ما قرأ في صلاته الآيات التي تشتمل على صفات الإله الكريمة وعقل معناها، وكرّرها في اليوم والليلة مرات كثيرة. فإن نفسه تتأثر بها لا محالة ومتى تأثرت نفسه بجميل الصفات حبب إليه الاتصاف بها، ولذلك أحسن الأثر في تهذيب النفوس والأخلاق.
رابعاً: الركوع والسجود، وهما من أمارات التعظيم لمالك الملوك، خالق السموات والأرض وما بينهما، فالمصلي الذي يركع بين يدي ربه لا يكفيه أن يحنى ظهره بالكيفية المخصوصة، بل لا بد أن يشعر قلبه بأنه عبد ذليل، ينحني أما عظمة إله عزيز كبير، لا حد لقدرته، ولا نهاية لعظمته فإذا انطبع ذلكالمعنى في قلب المصلي مرات كثيرة في اليوم والليلة كان قلبه دائماً خائفاً من ربه فلا يعمل الا ما يرضيه، وكذلك المصلي الذي يسجد لخالقه، فيضع جبهته على الأرض معلناً عبوديته لخالقه. فإنه إذا استشعر قلبه ذل العبودية، وعظمة الرب الخالق فلا بد أن يخافه ويخشاه، وبذلك تتهذب نفسه وينتهي عن الفحشاء والمنكر.
هذا ويتعلق بالصلاة أمور أخرى لها فوائد اجتماعية جليلة الشأن:
منها الجماعة، فقد شرع الإسلام الجماعة في الصلاة، وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال:
"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".
ففي الاجتماع لأداء الصلاة بصفوف متراصة متساوية، تعارف بين الناس يقرب بين القلوب المتنافرة، ويزيل منها الضغائن والأحقاد، وذلك من أجل عوامل الوحدة التي أمر الله تعالى بها في كتابه العزيز،
فقال:
{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وفي الاجتماع لأداء الصلاة تذكير بالأخوة التي قال الله عنها: {إنما المؤمنون إخوة} فالمؤمنون الذين يجتمعون لعبادة رب واحد لا ينبغي لهم أن ينسوا أنهم إخوة، يجب أن يرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويواسي غنيهم فقيرهم، ويعين قويهم ضعيفهم، ويعود صحيحهم مريضهم،
عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخول المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة".
ولو شئنا أن نذكر ما اشتملت عليه الصلاة من فوائد لاستغرقنا صحائف كثيرة فنقف عند هذا الحد، والله يوفقنا إلى العمل بدينه الحنيف، إنه سميع الدعاء.
[تعريف الصلاة]

معنى الصلاة في اللغة:
الدعاء بخير،
قال تعالى:
{وصلِّ عليهم} أي دع لهم، وأنزل رحمتك عليهم،
ومعناها في اصطلاح الفقهاء:
أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، بشرائط مخصوصة، وهذا التعريف يشمل كل صلاة مفتتحة بتكبيرة الإحرام، ومختتمة بالاسلام، ويخرج عنه سجود التلاوة وهو سجدة واحدة عند سماع آية من القرآن المشتملة على ما يترتب عليه ذلك السجود من غير تكبير، أو سلام، كما سيأتي في مبحثه،
فهذا السجود لا يقال له:
صلاة عند الحنفية والشافعية (1) .
[أنواع الصلاة]
للصلاة أنواع مبينة في المذاهب، فانظرها تحت الخط الذي أمامك (2) .
(1) المالكية، والحنابلة: عرّفوا الصلاة بأنها قربة فعلية، ذات إحرام، وسلام، أو سجود فقط، والمراد بالقربة ما يتقرب بها إلى الله تعالى، والمراد بقولهم: فعليه ما يشمل أفعال الجوارح من ركوع وسجود، وفعل اللسان من قراءة وتسبيح وعمل القلب من خشوع وخضوع، ولم يختلف معهم الحنفية والشافعية في هذا المعنى، إنما الخلاف في تسمية السجود فقط صلاة شرعية، والأمر في ذلك سهل

(2) الحنفية قالوا: الصلاة أربعة أنواع: الأول: الصلاة المفروضة فرض عين، كالصلوات الخمس؛ الثاني: الصلاة المفروضة فرض كفاية، كصلاة الجنازة؛ الثالث: الصلاة الواجبة، وهي صلاة الوتر، وقضاء النوافل التي فسدت بعد الشروع فيها، وصلاة العيدين، الرابع: الصلاة النافلة، سواء كانت مسنونة، أو مندوبة، أما سجود التلاوة فليس بصلاة عندهم، كما عرفت.
المالكية قالوا: تنقسم الصلاة إلى خمسة أقسام، وذلك لأنها إما أن تكون مشتملة على ركوع وسجود، وقراءة وإحرام، وسلام، أو لا، والقسم الأول تحته ثلاثة اقسام: الأول الصلوات الخمس المفروضة، والثاني: النوافل والسنن، والثالث: الرغيبة، وهي صلاة ركعتي الفجر، والقسم الثاني تحته قسمان: أحدهما: ما اشتمل على سجود فقط وهو سجود التلاوة، ثانيهما: ما اشتمل على تكبير وسلام، وليس فيه ركوع وسجود، وهو صلاة الجنازة فالأقسام خمسة.
الشافعية قالوا: تنقسم الصلاة إلى نوعين: أحدهما: الصلاة المشتملة على ركوع وسجود وقراءة، وتحت هذا قسمان: الصلوات الخمس المفروضة، والصلاة النافلة؛ ثانيهما: الصلاة الخالية من الركوع والسجود؛ ولكنها مشتملة على التكبير والقراءة والسلام. وهي صلاة الجنازة، وليس عند الشافعية صلاة واجبة كما يقول الحنفية، ولا صلاة رقيبة، كما يقول المالكية ولا يسمون سجود التلاوة صلاة، كما يسميه الحنابلة والمالكية، فالأقسام عندهم ثلاثة.
الحنابلة قالوا: تنقسم الصلاة إلى أربعة أقسام: الصلاة المشتملة على ركوع وسجود وإحرام وسلام، وتحت هذا قسمان: الصلوات الخمس المفروضة، والصلوات المسنونة؛ والقسم الثالث: الصلاة المشتملة على تكبير وسلام وقراءة، وليس فيها ركوع وسجود وهي صلاة الجنازة؛ القسم الرابع: الصلاة المشتملة على سجود فقط، وهي سجود التلاوة.
فإنه صلاة عند الحنابلة كما يقول المالكية

******************************
[شروط الصلاة]

للصلاة شروط تتوقف عليها صحتها، فلا تصح الا بها، وشروط يتوقف عليها وجوبها. فلا تجب الا بها، وقداختلفت اصطلاحات المذاهب في بيان هذه الشروط وعددها، فلذا ذكرناها لك مفصلة تحت الخط الذي أمامك (1) .


(1) المالكية قالوا: تنقسم شروط الصلاة إلى ثلاثة أقسام: شروط وجوب فقطن وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، فأما القسم الأول، وهو شروط الوجوب فقط فهو أمران، أحدهما: البلوغ، فلا تجب على الصبي، ولكن يؤمر بها لسبع سنين؛ ويضرب عليها لعشر ضرباً خفيفاً ليتعود عليها؛ فإن التكاليف الشرعية، وإن كانت كلها مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، وأن العقلاء لا يجدون حرجاً في القيام بها بعد التكليف، ولكن العادة لها حكمها؛ فقد يعلم الإنسان من فوائد الصلاة المادية والأدبية ما فيه الكفاية في حمله على أدائها، ولكن عدم تعوده على فعلها يقعد به من القيام بأدائها، ثانيهما: عدم الإكراه على تركها، كأن يأمره ظالم بترك الصلاة، وإن لم يتركها سجنه، أو ضربه، أو قتله، أو وضع القيد في يده، أو صفعه على وجهه بملأ من الناس إذا كان هذا ينقص قدره، فمن ترك الصلاة مكرهاً فلا إثم عليه، بل لا تجب عليه ما دام مكرهاً، لأن المكره غير مكلف، كما قال صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" والذي لا يجب على المكره عندهم إنما هو فعلها بهيئتها الظاهرة، وإلا فمتى تمكن من الطهارة وجب عليه فعل ما يقدر عليه، من نية، وإحرام وقراءة، وإيماء فهو كالمريض العاجز يجب عليه فعل ما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عن فعله.
وأما القسم الثاني، وهو شرط الصحة فقط، فهو خمسة: الطهارة من الحدث، والطهارة من الخبث، والإسلام، واستقبال القبلة، وستر العورة.
وأما القسم الثالث وهو شروط الوجوب والصحة معاً، فهو ستة: بلوغ النبي صلى الله عليه وسلم، فمن لم تبلغة الدعوة لا تجب عليه الصلاة ولا تصح منه إذا فرض وصلى، والعقل؛ ودخول وقت الصلاة، وأن لا يفقد الطهورين؛ بحيث لا يجد ماء، ولا شيئاً يتيمم به، وعدم النوم والغفلة، والخلو من دم الحيض والنفاس. ويعلم من هذا أن المالكية زادوا في شروط الصحة: الإسلام، ولم يجعلوه من شروط الوجوب، فالكفار تجب عليهم الصلاة عندهم؛ ولكن لا تصح الا بالإسلام، خلافاً لغيرهم، فإنه عدوه في شروط الوجوب، وعدوا الطهارة شرطين. وهما طهارة الحدث، وطهارة الخبث؛ وزادوا في شروط الوجوب عدم الإكراه على تركها.
الشافعية: قسموا شروط الصلاة إلى قسمين فقط: شروط وجوب، وشروط صحة، أما شروط الوجوب عندهم فهي ستة؛ بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، فالكافر لا تجب عليه الصلاة عند للشافعية، ومع ذلك فهو يعذب عليها عذاباً زائداً على عذاب الكفر، ومن ارتد عن الإسلام فإن الصلاة تجب عليه؛ لأنه مسلم باعتبار حالته الأولى، والعقل والبلوغ، والنقاء من دم الحيض والنفاس: وسلامة الحواس، ولو السمع، أو البصر فقط، وأما شروط الصحة فهي سبعة: أحدها: طهارة البدن من الحدثين: ثانيها: طهارة البدن، والثوب، والمكان من الخبث، ثالثها: ستر العورة، رابعها: استقبال القبلة، خامسها: العلم بدخول الوقت، ولو ظناً، ومراتب العلم ثلاث، أولاً: أن يعلم بنفسه أو بغخبار ثقة عرف دخول الوقت بساعة مضبوطة، أو بسماع مؤذن عارف بدخول الوقت، كؤذني المساجد التي بها ساعات، ونحو ذلك، ثانياً: الاجتهاد، بأن يتحرى دخول الوقت بالوقت بالوسائل الموصلة، ثالثاً: تقليد المتحري؛ ويلزم، أن يراعى هذا الترتيب في حق البصير. أما الأعمى فيجوز له التقليد. سادسها: العلم بالكيفية.
سابعها: ترك المبطل، فزاد الشافعية عن المالكية في شروط صحة الصلاة ثلاثة: العلم بكيفية الصلاة، بحيث لا يعتقد فرضاً من فرائضها سنة إن كان عامياً، وأن يميز بين الفرض والسنة، وإن كان ممن اشتغل بالعلم زمناً يتمكن فيه من معرفة ذلك، وترك المبطل بحيث لا يأتى بمناف لها حتى تتم، والعلم بدخول وقت الصلاة في الصلاة المؤقتة؛ وزادوا في شروط الوجوب: الإسلام، لكنهم قالوا: إن كان الكافر لم يسبق له إسلام؛ فإنها لا تجب عليه، بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا، وإن كان يعذب عليها زائداً على عذاب الكفر، كما تقدم، أما المرتد فإنه يطالب بها في الدنيا؛ كما يعذب عليها في الآخرة؛ على أنهم قالوا: إذا صلى الكافر فإن صلاته تقع باطلة، فالإسلام شرط صحة أيضاً.
الحنفية - قسموا شروط الصلاة إلى قسمين: شروط وجوب، وشروط صحة، كالشافعية. أما شروط الوجوب عندهم، فهي خمسة: بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، والعقل والبلوغ، والنقاء من الحيض والنفاس، وكثير من الحنفية لم يذكر بلوغ الدعوة اكتفاء باشتراط الإسلام، وأما شروط الصحة فهي ستة: طهارة البدن من الحدث والخبث، وطهارة الثوب من الخبث، وطهارة المكان من الخبث، وستر العورة، والنية، واستقبال القبلة، فزادوا في شروط الوجوب: الإسلام كالشافعية الا أنهم قالوا: إن الكافر لا يعذب على تركها عذاباً زائداً على عذاب الكفر مطلقاً، ويظهر أن مسألة تعذيب الكافر عذاباً زائداً على عذاب الكفر مسألة نظرية غير عملية. لأن عذاب الكفر أشد أنواع العذاب، فكل عذاب يتصور فهو دونه، فهو إما داخل فيه، وإما أقل منه، وزادوا النية، فلا تصح الصلاة بغير نية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" ولأنه بالنية تتميز العبادات عن العادات، وتتميز العبادات بعضها عن بعض؛ ووافق الحنابلة على عدّها شرطاً، وجعلها الشافعية ركناً، وكذا المالكية على المشهور، كما يأتي في "أركان الصلاة" وقد عرفت مما قدمناه لك في "مبحث النية" الفرق بين الشرط والركن وأن كلاً منهما لا يصح الشيء الا به فلا تصح الصلاة الا بالنية باتفاق الأئمة الأربعة، أما كون النية شرطاً تتوقف عليه الصلاة، مع كونه خارجاً عن حقيقتها، أو ركناً تتوقف عليه الصلاة، وهو جزء من حقيقتها، فتلك مسألة تختص بطالب العلم الذي يريد أن يعرف دقائق الأمور النظرية.
هذا، ولم يذكر الحنفية دخول الوقت في شروط الوجوب ولا في شروط الصحة، وذلك لأنهم يقولون: إنه شرط لصحة الأداء لا لنفس الصلاة، كما مر في التيمم، وسيأتي في مبحث دخول الوقت.
الحنابلة: لم يقسم الحنابلة شروط الصلاة إلى شروط وجوب، وشروط صحة، كغيرهم، بل عدوا الشروط تسعة، وهي: الإسلام، والعقل، والتمييز، والطهارة من الحدث مع القدرة، وستر العورة، واجتناب النجاسة ببدنه وثوبه وبقعته والنية، واستقبال القبلة، ودخول الوقت، وقالوا: إنها جميعها شروط لصحة الصلاة


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 08-12-2019, 04:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 164 الى صــــــــ
171
الحلقة (32)


الإسلام بلا خلاف، قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} . ومعنى الكتاب المكتوب المفروض، ومعنى الموقوت المحدد بأوقات معلومة،
فكأنه قال:
الصلاة مفروضة على المسلمين في أوقات معلومة للرسول الذي أمره الله أن يبين للناس ما نزَّل إليه من ربه، وقد كلف الله تعالى المؤمنين بإقامة الصلاة في كثير من آيات القرآن الكريم.
ولعل بعضهم يقول:
إن الذي ثبت بكتاب الله تعالى إنما هو فرضية الصلاة، أما كونها خمس صلوات بالكيفية المخصوصة فلا دليل عليه في القرآن.
والجواب:
إن القرآن قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر الناس أن يتبعوا ما جاءهم به الرسولن، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا} فكل شيء جاء به الرسول من عند الله فهو ثابت بالكتاب من هذه الجهة،
أما السنة الصحيحة الدالة على أن عدد الصلوات خمس فهي كثيرة بلغت مبلغ التواتر: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟
قالوا:
لا يبقى من درنه شيء،
قال:
فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا"
رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، فهذا الحديث صريح في أن الصلوات خمس،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر" رواه مسلم والترمذي، وغيرهما، وعن جابر رضي الله عنه،
قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" رواه مسلم؛ والغمر - بفتح الغين، وإسكان الميم - الكثير، ومنها غير ذلك.ولهذا فقد أجمع أئمة المسلمين على أن الصلوات المفروضة خمس صلوات، وهي الظهر، والعصر إلى آخر ما تقدم قريبا، ولكنهم اختلفوا في تحديد هذه المواقيت،
فمنهم من يقول مثلاً:
إن الوقت ينقسم إلى ضروري واختياري، وهم المالكية، ومنهم من يقول: إن وقت الظهر ينتهي إذا بلغ ظل كل شيء مثله،
ومنهم من يقول:
لا ينتهي الا إذا بلغ ظل كل شيء مثليه، وهكذا مما ستعرفه قريباً.[مواقيت الصلاة المفروضة]قد عرفت مما قدمناه لك في "شروط الصلاة" أن دخول الوقت شرط من شروط الصلاة. فلا يجب على المكلف الا إذا دخل وقتها على أنك قد عرفت أن الحنفية لم يعدوا دخول الوقت شرطاً من شروط الوجوب، ولا من شروط الصحة،
وذلك لأنهم قالوا:
إن دخول الوقت شرط لأداء الصلاة، بمعنى أن الصلاة لا يصح أداؤها الا إذا دخل الوقت؛ والأمر في ذلك سهل، لأنهم متفقون مع غيرهم على أن الصلاة لا تجب الا إذا دخل وقتها الآتي بيانه، فإذا دخل وقتها خاطبه الشارع بأدائها خطاباً موسعاً. بمعنى أنه إذا فعلها في أول الوقت صحت، وبرئت ذمته منها، وإذا لم يفعلها في أول الوقت لا يأثم إلى أن يبقى من الوقت جزء يسير لا يسع الا الطهارة من وضوء أو غسل إن كان جنباً، ويسع الصلاة بعد الطهارة، فإذا أدرك الصلاة كلها في الوقت فقد أتى بها على الوجه الذي طلبه الشارع منه وبرئت ذمته، كما لو أداها في أول الوقت أو وسطه، أما إذا صلاها كلها بعد خروج الوقت فإن صلاته تكون صحيحة، ولكنه يأثم إثماً عظيماً بتأخير الصلاة عن وقتها، وإذا أدرك بعضها في الوقت، وصلى البعض الآخر بعد خروج الوقت،
فإن بعض الأئمة يقول:
إنه يأثم (1) وبعضهم يقول إنه لا يأثم، على أنهم قد اتفقوا على أن الذي لا يدرك بعض الصلاة يكون قد صلى أداء لا قضاء، فالأداء لا ينافي الإثم عند بعض الأئمة، وقد بينا آراء الأئمة في ذلك تحت الخط الذي أمامك، وإليك بيان أوقات الصلوات الخمس محددة في المذاهب، فأولها الظهر، كما عرفت ويبتدئ وقته عقب زوال الشمس مباشرة.
(1) المالكية قالوا: إذا أدرك ركعة من الصلاة في الوقت الاختياري، ثم خرج الوقت وكملها في الوقت الضروري، فإنه لا يأثم. أما إذا لم يؤد ركعة كاملة في الوقت الاختياري، فإنه يأثم سواء صلاها كلها في الوقت الضروري، أو صلى بعضها في الوقت الضروري، وباقيها خارجة؛ وستعرف قريباً أن المالكية يقسمون الوقت إلى ضروري واختياري.
الحنفية قالوا: إذا أدرك جزءاً من الصلاة، ولو تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت. فإن صلاته تكون أداء، ولكنهم يقولون: إذا لم يدرك كل الصلاة قبل خروج الوقت فإنه يكون آثماً، على أنه في هذه الحالة يكون إثمه صغيرة لا كبيرة؛ وستعلم أن الحنفية لا يقسمون الوقت إلى ضروري واختياري، كما يقول المالكية.
الشافعية قالوا: إذا لم يدرك ركعة كاملة من الوقت كانت صلاته قضاء لا أداء، فإذا أدرك ركعة واحدة، ثم خرج الوقت فإنه يكون آثماً إثماً أقل من إثم من صلاها قضاء، فالشافعية متفقون مع الحنفية في ضرورة أداء الصلاة كلها في الوقت المحدد، وفي أنهم ليس عندهم اختياري وضروري، ومتفقون مع المالكية على أن الصلاة لا تكون أداء الا إذا أدرك ركعة كاملة في الوقت الاختياري.
الحنابلة قالوا: تدرك الصلاة المكتوبة أداء بتكبيرة الإحرام فإذا قام للصلاة في آخر الوقت، ثم كبر تكبيرة الإحرام، وبعد الفراغ منها خرج الوقت، كانت صلاته أداء كما يقول الحنفية، ولا إثم عليه متى أدرك تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت فهم متفقون مع الحنفية على أن من أدرك تكبيرة الإحرام في الوقت فقد أدرك الوقت وكانت صلاته أداء ولنهم لم يقولوا إنه يأثم بعد ذلك لأنه قد صلى أداء لا قضاء، وبذلك تعرف المختلف فيه والمتفق عليه في هذه المسألة على الوجه الواضح الصحيح
****************************

[ما تعرف به أوقات الصلاة]

تعرف أوقات الصلاة بخمس أمور:
أحدها: بالساعات الفلكية المنضبطة المبنية على الحساب الصحيح، وهي الآن كثيرة في المدن والقرى،
وعليها المعول في معرفة الأوقات الشرعية
ثانيها:
زوال الشمس، والظل الذي يحدث بعد الزوال، ويعرف به وقت الظهر ودخول وقت العصر؛
ثالثها:
مغيب الشمس، ويعرف به وقت المغرب؛
رابعها:
مغيب الشفق الأحمر أو الأبيض على رأي، ويعرف به دخول وقت العشاء؛
خامسها:
البياض الذي يظهر في الأفق، ويعرف به وقت الصبح؛ وقد أشار إلى هذه الأوقات الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، والنسائي عن جابر بن عبد الله،
قال:
"جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال قم يا محمد فصل الظهر، حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد فصل العصر ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا غاب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح؛ فقال قم يا محمد فصل الصبح"؛ والى هنا قد بين هذا الحديث أول كل وقت، وله بقية اشتملت على بيان نهاية الوقت، ومعناها أنه جاءه في اليوم التالي وأمره بصلاة الظهر حين بلغ ظل كل شيء مثله، وأمره بصلاة العصر حين بلغ ظل كل شيء مثليه، وأمره بصلاة المغرب في وقتها الأول، وأمره بصلاة العشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، وأمره بصلاة الصبح حين أسفر جداً، ثم قال له ما بين هذين وقت كله، اهـ.فهذا الحديث وأمثاله يبين لنا مواقيت الصلاة بالعلامات الطبيعية التي هي أساس التقيوم الفلكي، والساعات المنضبطة - المزاول - ونحو ذلك، فلنذكر آراء الأئمة في تحديد مواقيت الصلاة تفصيلاً، مع العلم بأن بعضهم (1) يقسم الوقت إلى ضروري واختياري، وبعضهم لا يقسمه إلى ذلك.

(1) المالكية: قسموا الوقت إلى اختياري، وهو ما يوكل الأداء فيه إلى اختيار المكلف، وضروري: وهو ما يكون عقب الوقت الاختياري، وسمي ضرورياً، لأنه مختص بأرباب الضرورات من غفلة وحيض وإغماء وجنون ونحوها؛ فلا يأثم واحد من هؤلاء بأداء الصلاة في الوقت الضروري؛ أما غيرهم فيأثم، بإيقاع الصلاة فيه الا إذا أدرك ركعة من الوقت الاختياري، وستعرف الأوقات الضرورية.
الحنابلة: قسموا وقت العصر إلى قسمين: ضروري، واختياري، فالاختياري ينتهي إذا بلغ ظل كل شيء مثليه، والضروري هو ما بعد ذلك إلى غروب الشمس، ويحرم عندهم إيقاع صلاة العصر في هذا الوقت الضروري. وإن كانت الصلاة أداء ومثل العصر عندهم العشاء كما يأتي
****************************

[وقت الظهر]

يدخل وقت الظهر عقب زوال الشمس مباشرة؛ فمتى انحرفت الشمس عن وسط السماء، فإن وقت الظهر يبتدئ (1) ويستمر إلى أن يبلغ ظل كل شيء مثله، ولمعرفة ذلك تعرز الظل في النقص شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى منه سوى جزء يسير، وعند ذلك يقف الظل قليلاً، فتوضع عند نهايته علامة إن بقي شيء من ظل الخشبة، وإلا فيكون البدء من نفس الخشبة، كما في الأقطار الاستوائية؛ ومتى وقف الظل كان ذلك وقت الاستواء؛ فإذا أخذ في الزيادة علم أن الشمس زالت، أي مالت عن وسط الماء، وهذا هو أول وقت الظهر، فإذا طال ظل الخشبة حتى صار مثلها بعد الظل الذي كان موجوداً عند الزوال خرج وقت الظهر.[وقت العصر]يبتدئ وقت العصر من زيادة ظل الشيء عن مثله بدون أن يحتسب الظل الذي كان موجوداً عند الزوال، كما تقدم، وينتهي إلى غروب الشمس (2) .

(1) المالكية قالوا: هذا وقت الظهر الاختياري، أما وقته الضروري فهو من دخول وقت العصر الاختياري، ويستمر إلى وقت الغروب
(2) المالكية قالوا: للعصر وقتان ضروري، واختياري، أما وقته الضروري، فيبتدئ باصفرار الشمس في الأرض والجدران لا باصفرار عينها، لأنه لا تصفر حتى تغرب، ويستمر إلى الغروب، وأما وقته الاختياري فهو من زيادة الظل عن مثله، ويستمر لاصفرار الشمس، والمشهور أن بين الظهر والعصير اشتراكاً في الوقت بقدر أربع ركعات في الحضر، واثنتين في السفر، وهل اشتراكهما في آخر وقت الظهر فتكون العصر داخلة على الظهر آخر وقته، أو في أول وقت العصر فتكون الظهر داخلة على العصر في أول وقته؟ وفي ذلك قولان مشهوران، فمن صلى العصر في آخر وقت الظهر، وفرغ من صلاته حين بلوغ ظل كل شيء مثله، كانت صلاته صحيحة على الأول، باطلة على الثاني؛ ومن صلى الظهر في أول وقت العصر كان آثماً على الأول، لتأخيرها عن الوقت الاختياري، ولا يأثم على القول الثاني، لأنه أوقعها في الوقت الاختياري المشترك بينهما.
الحنابلة قد عرفت قريباً أنهم قالوا: للعصر وقتان: اختياري، وضروري
*************************

[وقت المغرب]

يبتدئ المغرب من مغيب جميع قرص الشمس، وينتهي بمغيب الشفق الأحمر (1) .
ووقت العشاء يبتدئ من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر الصادق (2) .
[وقت الصبح]
ووقت الصبح من طلوع الفجر الصادق، وهو ضوء الشمس السابق عليها الذي يظهر من جهة المشرق، وينتشر حتى يعم الأفق، ويصعد إلى السماء منتشراً، وأما الفجر الكاذب فلا عبرة به، وهو الضوء الذي لا ينتشر، ويخرج مستطيلاً دقيقاً يطلب السماء، بجانبيه ظلمة، ويشبه ذنب الذئب الأسود، فإن باطن ذنبه أبيض، بجانبيه سواد، ويمتد وقت الفجر إلى طلوع الشمس (3) .

(1) الحنفية قالوا: إن الأفق الغربي يعتريه بعد الغروب أحوال ثلاثة متعاقبة: احمرار، فبياض، فسواد؛ فالشفق عند أبي حنيفة هو البياض، وغيبته ظهور السواد بعده، فمتى ظهر السواد خرج وقت المغرب؛ أما الصاحبان فالشفق عندهما ما ذكر أعلى الصحيفة كالأئمة الثلاثة.
المالكية قالوا: لا امتداد لوقت المغرب الاختياري، بل هو مضيق، ويقدر بزمن يسع فعلها، وتحصيل شروطها من طهارتي حدث وخبث وستر عورة، ويزاد الأذان والإقامة، فيجوز لمن يكون محصلاً للأمور المذكورة تأخير المغرب بقدر تحصيلها ويعتبر في التقدير حالة الاعتدال الغالبة في الناس، فلا يعتبر تطويل موسوس، ولا تخفيف مسرع، أما وقتها الضروري فهو من عقب الاختياري، ويستمر إلى طلوع الفجر؛ والفكلية يقولون: إن الساعات مبنية على الوقت الذي حدده الجمهور، فإذا صلى شخص قبل الوقت الفلكي الذي تبينه الساعة تكون صلاته باطلة، وعلى كل حال فالأحوط تأخير الصلاة إلى هذا الوقت، أو إلى ما بعده
(2) الحنابلة قالوا: إن للعشاء وقتين، كالعصر: وقت اختياري، وهو من مغيب الشفق إلى مضي ثلث الليل الأول، ووقت ضرورة، وهو من أول الثلث الثاني من الليل إلى طلوع الفجر الصادق، فمن أوقع الصلاة فيه كان آثماً، وإن كانت صلاته أداء، أما الصبح، والظهر، والمغرب فليس لها وقت ضرورة، كما تقدم قريباً.
المالكية قالوا: إن وقت العشاء الاختياري يبتدئ من مغيب الشفق الأحمر، وينتهي بانتهاء الثلث الأول من الليل، ووقتها الضروري ما كان عقب ذلك إلى طلوع الفجر فمن صلى العشاء في الوقت الضروري أثم. الا إذا كان من أصحاب الأعذار

(3) المالكية قالوا: إن للصبح وقتين: اختياري، وهو من طلوع الفجر الصادق، ويمتد إلى الإسفار البين - أي الذي تظهر فيه الوجوه بالبصر المتوسط في محل لا سقف فيه ظهوراً بيناً، وتخفى فيه النجوم - وضروري، وهو ما كان عقب ذلك إلى طلوع الشمس، وهذا القول مشهور قوي، وعندهم قول مشهور بأنه ليس للصبح وقت ضرورة والأول أقوى
************************

[مبحث المبادرة بالصلاة في أول وقتها وبيان الأوقات التي لا تجوز فيها الصلاة]
لأداء الصلاة في أوقاتها المذكورة أحكام أخرى من استحباب، أو كراهة أو نحو ذلك مفصلة في المذاهب (1) .


(1) المالكية قالوا: أفضل أوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "أول الوقت رضوان الله". ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها" فيندب تقديم الصلاة أول الوقت المختار بعد تحقيق دخوله مطلقاً، صيفاً، أو شتاءً، سواء كانت الصلاة صبحاً، أو ظهراً، أو غيرهما. وسواء كان المصلي منفرداً أو جماعة، وليس المراد بتقديم الصلاة في أول الوقت المبادرة بها، بحيث لا تؤخر أصلاً؛ وإنما المراد عدم تأخيرها عما يصدق عليه أنه أول الوقت، فلا ينافيه ندب تقديم النوافل القبلية عليها، ويندب تأخير صلاة الظهر لجماعة تنتظر غيرها حتى يبلغ ظل الشيء ربعه صيفاً وشتاءً؛ ويزاد على ذلك في شدة الحر إلى نصف الظل.
الحنفية قالوا: يستحق الإبراد بصلاة الظهر، بحيث يؤخر حتى تنكسر حدة الشمس، ويظهر الظل للجدران ليسهل السير فيه إلى المساجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم". أما الشتاء فالتعجيل في أول الوقت أفضل، الا أن يكون بالسماء غيم، فيكون الأفضل التأخير خشية وقوعها قبل وقتها، والعمل في المساجد الآن على التعجيل أول الوقت شتاءً وصيفاً، وينبغي متابعة إمام المسجد في ذلك لئلا تفوته صلاة الجماعة حتى ولو كان ذلك الإمام يترك المستحب.
أما صلاة العصر فيستحب تأخيرها عن أول وقتها، بحيث لا يؤخرها إلى تغيير قرص الشمس، وإلا كان ذلك مكروهاً تحريماً، وهذا إذا لم يكن في السماء غيم، فإن كان، فإنه يستحب تعجيلها لئلا يدخل وقت الكراهة، وهو لا يشعر؛ وأما المغرب فيستحب تعجيلها في أول وقتها مطلقاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي لن يزالوا بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم مضاهاة لليهود" الا أنه يستحب تأخيرها قليلاً في الغيم للتحقق من دخول وقتها: أما صلاة العشاء فإنه يستحب تأخيرها إلى قبل ثلث الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" والأفضل متابعة الجماعة إن كان التأخير يفوتها؛ وأما الفجر فإنه يستحب تأخير صلاته إلى الإسفار، وهو ظهور الضوء، بحيث يبقى على طلوع الشمس وقت يسع إعادتها بطهارة جديدة على الوجه المسنون لو ظهر فسادها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أصفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" فأوقات الكراهة عند الحنفية خمسة: وقت طلوع الشمس؛ وما قبل وقت الطلوع بزمن لا يسع الصلاة، فإذا شرع في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، ثم طلعت قبل الفراغ من صلاته بطلت الصلاة؛ ووقت الاستواء؛ ووقت غروب الشمس؛ وما قبل وقت الغروب بعد صلاة العصر، فإذا صلى العصر كره تحريماً أن يصلي بعده؛ أما قبل صلاة العصر بعد دخول وقته فإنه لا يكره أن يصلي غيره إلى أن تتغير الشمس، بحيث لا تحار فيها العيون.
الشافعية قالوا: إن أوقات الصلاة تنقسم إلى ثمانية أقسام: الأول: وقت الفضيلة، وهو من أول الوقت إلى أن يمضي منه قدر ما يسع الاشتغال بأسبابها وما يطلب فيها ولأجلها ولو كمالاً، وقدر بثلاثة أرباع الساعة الفلكية، وسمي بذلك لأن الصلاة فيه تكون أفضل من الصلاة فيما بعده، وهذا القسم يوجد في جميع أوقات الصلوات الخمس؛ الثاني: وقت الاختيار، وهو من أول الوقت إلى أن يبقى منه قدر ما يسع الصلاة، فالصلاة فيه تكون أفضل مما بعده وأدنى مما قبله، وسمي اختيارياً، لرجحانه على ما بعده، وينتهي هذا الوقت في الظهر، متى بقي منه ما لا يسع الا الصلاة، وفي العصر بصيرورة ظل كل شيء مثليه، وفي المغرب بانتهاء وقت الفضيلة، وفي العشاء بانتهاء الثلث الأول من الليل.
وفي الصبح بالإسفار: الثالث، وقت الجواز بلا كراهة، وهو مساو لوقت الاختيار، فحكمه كحكمه، الا أنه في العصر يستمر إلى الاصفرار، وفي العشاء يستمر إلى الفجر الكاذب، وفي الفجر إلى الاحمرار، الرابع: وقت الحرمة، وهو آخر الوقت بحيث يبقى منه ما لا يسع كل الصلاة، كما تقدم؛ الخامس: وقت الضرورة، وهو آخر الوقت لمن زال عنه مانع كحيض، ونفاس، وجنون، ونحوها، وقد بقي من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام، فإن الصلاة تجب في ذمته، ويطالب بقضائها بعد الوقت، فإذا زال المانع في آخر الوقت بمقدار ما يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة، والتي قبلها إن كانت تجمع معها، كالظهر، والعصر، أو المغرب، والعشاء، بشرط أن يستمر زوال المانع في الوقت الثاني زمناً يسع الطهارة، والصلاة لصاحبة الوقت، والطهارة، والصلاة لما قبلها من الوقتين، فإذا زال الحيض مثلاً في آخر وقت العصر وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر في وقت المغرب إذا كان زمن انقطاع المانع يسع الظهر والعصر وطهارتهما، والمغرب وطهارتها؛ السادس: وقت الإدراك وهو الوقت المحصور بين أول الوقت، وطروّ المانع، كأن تحيض بعد زمن من الوقت يسع صلاتها وطهرها، فإن الصلاة وجبت عليها وهي خالية من المانع، فيجب عليها قضاؤها؛ السابع: وقت العذر، وهو وقت الجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً في السفر مثلاً: الثامن: وقت الجواز بكراهة، وهو لا يكون في الظهر؛ أما في العصر فمبدؤه بعد مضي ثلاثة أرباع ساعة فلكية إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الصلاة كلها.
وأما في العشاء فمبدؤه من الفجر الكاذب إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها؛ وأما في الفجر فمبدؤه من الإحمرار إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها ويستثنى من إستحباب الصلاة في وقت الفضيلة أمور: منها صلاة الظهر في جهة حارة فإنه يندب تأخيرها عن وقت الفضيلة حتى يصير للحيطان ظل يمكن السير فيه لمن يريد صلاتها في جماعة أو في مسجد ولو منفرداً، إذا كان المسجد بعيداً لا يصل إليه في وقت الفضيلة الا بمشقة تذهب الخشوع، أو كماله، ومنها إنتظار الجماعة أو الوضوء لمن لم يجد ماء أول الوقت، فإنه يندب له التأخير، وقد يجب إخراج الصلاة عن وقتها بالمرة لخوف فوت حج، أو إنفجار ميت، أو إنقاذ غريق.
الحنابلة قالوا: إن الأفضل تعجيل صلاة الظهر في أول الوقت، الا في ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون وقت حر، فإنه يسن في هذه الحالة تأخير صلاته حتى ينكسر الحر، سواء صلى في جماعة، أو منفرداً في المسجد، أو في البيت، ثانيها: أن يكون وقت غيم فيسن لمن يريد صلاته حال وجود الغيم في جماعة أن يؤخر صلاته إلى قرب وقت العصر ليخرج للوقتين معاً خروجاً واحداً، ثالثها: أن يكون في الحج، ويريد أن يرمي الجمرات، فيسن له تأخير صلاة الظهر حتى يرمي الجمرات.
هذا إذا لم يكن وقت الجمعة، أما الجمعة فيسن تقديمها في جميع الأحوال. وأما العصر فالأفضل تعجيل صلاته في أول الوقت الاختياري في جميع الأحوال: وأما المغرب فإن الأفضل تعجيلها الا في أمور: منها أن تكون في وقت غيم فإنه يسن في هذه الحالة لمن يريد صلاتها في جماعة. أن يؤخرها إلى قرب العشاء ليخرج لهما خروجاً واحداً: ومنها أن يكون ممن يباح له جمع التأخير، فإنه يؤخرها ليجمع بينها وبين العشاء إن كان الجمع أرفق به؛ ومنها أن يكون في الحج وقصد المزدلفة قبل الغروب. فإن وصل إليها قبل الغروب صلاها في وقتها: وأما العشاء فالأفضل تأخير صلاتها حتى يمضي الثلث الأول من الليل ما لم تؤخر المغرب إليها عند جواز تأخيرها، فإن الأفضل حينئذ تقديمها لتصلي مع المغرب في أول وقت العشاء، ويكره تأخيرها إن شق على بعض المصلين، فإن شق كان الأفضل تقديمها أيضاً؛ وأما الصبح فالأفضل تعجيلها في أول الوقت في جميع الأحوال.
هذا، وقد يجب تأخير الصلاة المكتوبة إلى أن يبقى من الوقت الجائز فعلها فيه قدر ما يسعها، وذلك كما إذا أمره والحده بالتأخير ليصلي به جماعة فإنه يجب عليه أن يؤخرها: أما إذا أمره بالتأخير لغير ذلك، فإنه لا يؤخر، والأفضل أيضاً تأخير الصلوات لتناول طعام يشتاقه، أو لصلاة كسوف أو نحو ذلك إذا أمن فوت الوقت



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 08-12-2019, 04:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 171 الى صــــــــ
178
الحلقة (33)


[مبحث ستر العورة في الصلاة]

الشرط الثاني من شروط الصلاة: ستر العورة. فلا تصح الصلاة من مكشوف العورة التي أمر الشارع بسترها في الصلاة، الا إذا كان عاجزاً عن ساتر يستر له عورته (1) ، ويختلف حد العورة بالنسبة للرجل، والمرأة الحرة، والأمة؛ وحد العورة (2) للرجل والأمة، والحرة مفصل في المذاهب.




(1) المالكية: زادوا الذكر على الراجح. فلو كشف عورته ناسياً صحت صلاته
(2) الحنفية قالوا: حد عورة الرجل بالنسبة للصلاة هو من السرة إلى الركبة: والركبة عندهم من العورة؛ بخلاف السرة؛ والأمة كالرجل؛ وتزيد عنه أن بطنها كلها وظهرها عورة؛ أما جنباها فتبع للظهر والبطن؛ وحد عورة المرأة الحرة هو جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة"، ويستثنى من ذلك باطن الكفين، فإنه ليس بعورة، بخلاف ظاهرهما، وكذلك يستثنى ظاهر القدمين، فإنه ليس بعورة، بخلاف باطنهما، فإنه عورة، عكس الكفين.
الشافعية قالوا: حد العورة من الرجل والأمة وما بين السرة والركبة، والسرة والركبة ليستا من العورة، وإنما العورة ما بينهما، ولكن لا بدّ من ستر جزء منهما ليتحقق من ستر الجزء المجاور لهما من العورة، وحد العورة من المرأة الحرة جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها؛ ويستثنى من ذلك الوجه والكفان فقط ظاهرهما وباطنهما.
الحنابلة قالوا: في حد العورة، كما قال الشافعية، الا أنهم استثنوا من الحرة الوجه فقط، وما عداه منها فهو عورة.
المالكية قالوا: إن العورة في الرجل والمرأة بالنسبة للصلاة تنقسم إلى قسمين: مغلظة؛ ومخففة، ولكل منهما حكم، فالمغلظة للرجل السوءتان، وهما القبل والخصيتان، وحلقة الدبر لا غير والمخففة له ما زاد على السوءتين مما بين السرة والركبة، وما حاذى ذلك من الخلف، والمغلظة للحرة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر، وما حاذاه من الظهر، والمخففة لها هي الصدر، وما حاذاة من الظهر والذراعين والعنق والرأس، ومن الركبة إلى آخر القدم، أما الوجه والكفان ظهراً وبطناً فهما ليستا من العورة مطلقاً، والعورة المخففة من الأمة مثل المخففة من الرجل الا الأليتان وما بينهما من المؤخر، فإنهما من المغلظة للأمة، وكذلك الفرج والعانة من المقدم، فهما عورة مغلظة للأمة.
فمن صلى مكشوف العورة المغلظة كلها أو بعضها، ولو قليلاً، مع القدرة على الستر ولو بشراء ساتر أو استعارته، أو قبول إعارته، لا هبته، بطلت صلاته إن كان قادراً ذاكراً، وأعادها وجوباً أبداً، أي سواء أبقي وقتها أم خرج، أما العورة المخففة، فإن كشفها كلاً أو بعضاً لا يبطل الصلاة، وإن كان كشفها حراماً، أو مكروهاً في الصلاة، ويحرم النظر إليها، ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة، أن يعيد الصلاة في الوقت مستوراً على التفصيل، وهو أن تعيد الحرة في الوقت إن صلت مكشوفة الرأس، أو العنق، أو الكتف، أو الذراع، أو النهد، أو الصدر، أو ما حاذاه من الظهر، أو الركبة، أو الساق إلى آخر القدم، ظهراً لا بطناً. وإن كان بطن القدم من العورة المخففة؛ وأما الرجل فإنه يعيد في الوقت إن صلى مكشوف العانة أو الأليتين، أو ما بينهما حول حلقة الدبر، ولا يعيد بكشف فخذيه، ولا بكشف ما فوق عانته إلى السرة، وما حاذى ذلك من خلفه فوق الأليتين
************************************

ولا بد من دوام ستر العورة (1) ،


(1) الحنابلة قالوا: إذا انكشف شيء من العورة من غير قصد، فإن كان يسيراً لا تبطل به الصلاة، وإن طال زمن الانكشاف، وإن كان كثيراً، كما لو كشفها ريح ونحوه، ولو كلها، فإن سترها في الحال بدون عمل كثير لم تبطل؛ وإن طال كشفها عرفاً بطلبت؛ أما إن كشفها بقصد، فإنها تبطل مطلقاً.
الحنفية قالوا: إذا انكشف ربع العضو من العورة المغلظة، وهي القبل والدبر وما حولهما أو المخففة، وهي ما عدا ذلك من الرجل والمرأة في أثناء الصلاة بمقدار أداء ركن، بلا عمل منه، كأن هبت ريح رفعت ثوبه فسدت الصلاة، أما إن انكشف ذلك؛ أو أقل منه بعمله فإنها تفسد في الحال مطلقاً. ولو كان زمن انكشافها أقل من أداء ركن، أما إذا انكشف ربع العضو قبل الدخول في الصلاة فإنه يمنع من انعقادها.
المالكية قالوا: إن انكشاف العورة المغلظة في الصلاة مبطل لها مطلقاً، فلو دخلها مستوراً فسقط الساتر في أثنائها بطلت ويعيد الصلاة أبداً على المشهور.
الشافعية قالوا: متى انكشفت عورته في أثناء الصلاة مع القدرة على سترها بطلت صلاته، الا إن كشفها الريح فسترها حالاً من غير عمل كثير، فإنها لا تبطل، كما لو كشفت سهواً وسترها حالاً. أما لو كشفت بسبب غير الريح، ولو بسبب بهيمة، أو غير مميز، فإنها تبطل
*********************************

ولا يضر التصاقه بالعورة، بحيث يحدد جرمها، ومن فقد ما يستر (1) به عورته، بأن لم يجد شيئاً أصلاً صلى عرياناً، وصحت صلاته (2) ، وإن وجد ساتراً، الا أنه نجس العين، كجلد خنزير، أو متنجس، كثوب أصابته نجاسة غير معفوِّ عنها، فإنه يصلي عرياناً أيضاً، ولا يجوز له لبسه في الصلاة (3) وإن وجد ساتراً يحرم عليه استعماله،



(1) المالكية قالوا: الساتر المحدد للعورة تحديداً محرماً أو مكروهاً بغير بلل أو ريح يوجب إعادة الصلاة في الوقت. أما إذا خرج وقت الصلاة فلا إعادة، وأما الساتر الذي يحدد العورة بسبب هبوب ريح، أو بلل مطر مثلاً؛ فلا كراهة فيه ولا إعادة
(2) الحنفية، والحنابلة قالوا: إن الأفضل أن يصلي في هذه الحالة قاعداً مومياً بالركوع والسجود، ويضم إحدى فخذيه إلى الأخرى، وزاد الحنفية في ذلك أن يمد رجليه إلى القبلة مبالغة في الستر
(3) المالكية قالوا: يصلي في الثوب النجس أو المتنجس، ولا يعيد الصلاة وجوباً، وإنما يعيدها ندباً في الوقت عند وجود ثوب طاهر، ومثل ذلك ما إذا صلى في الثوب الحرير.
الحنابلة قالوا: يصلي في المتنجس، وتجب عليه الإعادة بخلاف نجس العين، فإنه يصلي معه عرياناً ولا يعيد
*********************************

كثوب من حرير، فإنه يلبسه ويصلي فيه للضرورة، ولا يعيد الصلاة، أما إن وجد ما يستر به بعض العورة فقط، فإنه يجب استعماله فيما يستره، ويقدم القبل والدبر، ولا يجب عليه أن يستتر بالظلمة إن لم يجد (1) ساتراً غيرها.
وإذا كان فاقداً لساتر يرجو الحصول عليه قبل خروج الوقت فإنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت (2) ندباً؛ ويشترط ستر العورة من الأعلى والجوانب، لا من الأسفل، عن نفسه (3) ، وعن غيره، فلو كان ثوبه مشقوقاً من أعلاه أو جانبه، بحيث يمكن له أو لغيره أن يراها منها بطلت صلاته، وإن لم تُرَ بالفعل؛ أما إن رئيت من أسفل الثوب، فإنه لا يضر.
[ستر العورة خارج الصلاة]

يجب على المكلف (4) ستر عورته خارج الصلاة عن نفسه وعن غيره ممن لا يحل له النظر إلى عورته الا لضرورة، كالتداوي، فإنه يجوز له كشفها بقدر الضرورة، كما يجوز له كشف العورة للاستنداء والاغتسال، وقضاء الحاجة، ونحو ذلك إذا كان في خلوة، بحيث لا يراه غيره، وحد العورة من المرأة الحرة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة إذا كانت في خلوة، أو في حضرة محارمها (5) ، أو في حضرة نساء مسلمات (6) ، فيحل لها كشف ما عدا ذلك

(1) المالكية قالوا: يجب عليه أن يستتر بها. لأنهم يعتبرون الظلمة كالساتر عند فقده، فإن ترك ذلك بأن صلى في الضوء مع وجودها أثم وصحت صلاته، ويعيدها في الوقت ندباً
(2) الشافعية قالوا: يؤخرها وجوباً
(3) الحنفية، والمالكية قالوا: لا يشترط سترها عن نفسه، فلو رآها من طوق ثوبه لا تبطل صلاته؛ وإن كره له ذلك
(4) المالكية قالوا: إذا كان المكلف بخلوة كره له كشف العورة لغير حاجة، والمراد بالعورة في الخلوة بخصوصها خصوص السوءتين والأليتين والعانة فلا يكره كشف الفخذ من رجل أو امرأة، ولا كشف البطن من المرأة
(5) المالكية قالوا: إن عورتها مع محارمها الرجال هي جميع بدنهاما عدا الوجه والأطراف، وهي: الرأس، والعنق، واليدان والرجلان.
الحنابلة قالوا: إن عورتها مع محارمها الرجال هي جميع بدنها ما عدا الوجه، والرقبة، والرأس، واليدين، والقدم، والساق
(6) الحنابلة: لم يفرقوا بين المرأة المسلمة والكافرة. فلا يحرم أن تكشف المرأة المسلمة أمامها بدنها الا ما بين السرة والركبة، فإنه لا يحل كشفه أمامها
**********************************

من بدنها بحضرة هؤلاء، أو في الخلوة، أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي، أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها، ما عدا الوجه والكفين، فإنهما ليسا بعورة، فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة (1) .أما عورة الرجل خارج الصلاة فهي ما بين سرته وركبته فيحل النظر إلى ما عدا ذلك من بدنه مطلقاً عند أمن الفتنة (2) ؛ ويحرم النظر إلى عورة الرجل والمرأة، متصلة كانت، أو منفصلة، فلو قص شعر امرأة، أو شعر عانة رجل، أو قطع ذراعها،
أو فخذه:
حرم النظر إلى شيء من ذلك بعد انفصاله (3) ،
وصوت المرأة ليس بعورة:
لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يكلمن بتلاوة القرآن، ويحرم النظر إلى الغلام الأمرد إن كان صبيحاً - بحسب طبع النظر - بقصد التلذذ، وتمتع البصر بمحاسنه، أما النظر إليه بغير قصد اللذة فجائز إن أمنت الفتنة، وأما حد العورة من الصغير فمفصلة في المذاهب (4) . وكل ما حرم النظر إليه حرم لمسه بلا حائل، ولو بدون شهوة.

(1) الشافعية قالوا: إن وجه المرأة وكفيها عورة بالنسبة للرجل الأجنبي، أما بالنسبة للكافرة، فإنهما ليستا بعورة، وكذلك ما يظهر من المرأة المسلمة عند الخدمة في بيتها، كالعنق، والذراعين. ومثل الكافرة كل امرأة فاسدة الأخلاق
(2) المالكية، والشافعية قالوا: إن عورة الرجل خارج الصلاة تختلف باختلاف الناظر إليه، فبالنسبة للمحارم والرجال هي ما بين سرته وركبته، وبالنسبة للأجنبية منه هي جميع بدنه، الا أن المالكية استثنوا الوجه والأطراف، وهي الرأس، واليدان، والرجلان، فيجوز للأجنبية النظر إليها عند أمن التلذذ وإلا منع، خلافاً للشافعية، فإنهم قالوا: يحرم النظر إلى ذلك مطلقاً
(3) الحنابلة قالوا: إن العورة المنفصلة لا يحرم النظر إليها لزوال حرمتها بالانفصال.
المالكية قالوا: إن العورة المنفصلة حال الحياة يجوز النظر إليها. أما المنفصلة بعد الموت فهي كالمتصلة في حرمة النظر إليها
(4) الشافعية قالوا: إن عورة الصغير في الصلاة، ذكراً كان، أو أنثى، مراهقاً، أو غير مراهق، كعورة المكلف في الصلاة، أما خارج الصلاة فعولة الصغير المراهق ذكراً كان أو أنثى كعورة البالغ خارجها في الأصح، وعورة الصغير غير المراهق إن كان ذكراً كعورة المحارم إن كان ذلك الصغير يحسن وصف ما يراه من العورة بدون شهوة، فإنه أحسنه بشهوة، فالعورة بالنسبة له كالبالغ، وإن لم يحسن الوصف فعورته كالعدم، الا أنه يحرم النظر إلى قبله ودبره، لغير من يتولى تربيته؛ أما إن كان غير المراهق أنثى فإن كانت مشتهاة عند ذوي الطباع السليمة فعورتها عورة البالغة.
وإلا فلا، لكن يحرم النظر إلى فرجها لغير القائم بتربيتها.
المالكية قالوا: إن عورة الصغير خارج الصلاة تختلف باختلاف الذكورة والأنوثة والسن، فابن ثمان سنينن فأقل لا عورة له فيجوز للمرأة أن تنظر إلى جميع بدنه حياً وأن تغسله ميتاً، وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنة يجوز لها النظر إلى جميع بدنه ولكن لا يجوز لها تغسيله، وأما ابن ثلاث عشرة سنة فما فوق فعورته كعورة الرجل وبنت سنتين وثمانية أشهر لا عورة لها وبنت ثلاث سنين إلى أربع لا عورة لها بالنسبة للنظر. فيجوز أن ينظر إلى جميع بدنها، وعورتها بالنسبة للمس كعورة المرأة، فليس للرجل أن يغسلها، أما المشتهاة كبنت ست فهي كالمرأة فلا يجوز للرجل النظر إلى عورتها ولا تغسيلها؛ وعورة الصغير في الصلاة - إن كان ذكراً - السوءتان والعانة والأليتان فيندب له سترها وإن كانت أنثى فعورتها ما بين السرة والركبة. ولكن يجب على وليها أن يأمرها بسترها في الصلاة كما يأمرها بالصلاة وما زاد على ذلك مما يجب ستره على الحرة فيندب لها فقط.
الحنفية قالوا: لا عورة للصغير ذكراً كان أو أنثى. وحددوا ذلك بأربع سنين.
فما دونها فيباح النظر إلى بدنه ومسه. ثم ما دام لم يشته فعورته القبل والدبر. فإن بلغ حد الشهوة فعورته كعورة البالغ ذكراً أو أنثى. في الصلاة وخارجها.
الحنابلة قالوا: إن الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين لا حكم لعورته.
فيباح مس جميع بدنه والنظر إليه؛ ومن زاد عن ذلك إلى ما قبل تسع سنين فإن كان ذكراً فعورته القبل والدبر في الصلاة وخارجها، وإن كان أنثى فعورتها ما بين السرة والركبة بالنسبة للصلاة؛ وأما خارجها فعورتها بالنسبة للمحارم هي ما بين السرة والركبة، وبالنسبة للأجانب من الرجال جميع بدنها الا الوجه والرقبة والرأس واليدين إلى المرفقين والساق والقدم
*********************************

[مباحث استقبال القبلة]

لعلك على ذكر من شرائط الصلاة التي ذكرناها في "أول كتاب الصلاة" ومن بينها دخول الوقت، وستر العورة، واستقبال القبلة؛ وقد بينا الأحكام المتعلقة بدخول الوقت. وستر العورة، ونريد أن نبين هنا الأحكام المتعلقة باستقبال القبلة؛ ويتعلق بها مباحث؛
أحدها:
تعريف القبلة؛
ثانيها:
دليل اشتراطها؛
ثالثها:
بيان ما تعرف به القبلة؛
رابعها:
بيان الأحوال التي تصح فيها الصلاة مع عدم استقبال القبلة؛
خامسها:
حكم الصلاة في جوف الكعبة، وإليك بيانها على هذا الترتيب:
[تعريف القبلة]
القبلة هي جهة الكعبة، أو عين الكعبة، فمن كان مقيماً بمكة أو قريباً منها فإن صلاته لا تصح الا إذا استقبل عين الكعبة يقيناً ما دام ذلك ممكناً، فإذا لم يمكنه ذلك، فإن عليه أن يجتهد في الاتجاه إلى عين الكعبة، إذ لا يكفيه الاتجاه إلى جهتها ما دام بمكة، على أنه يصح أن يستقبل هواءها المحاذي لها من أعلاها، أو من أسفلها، فإذا كان شخص بمكة على جبل مرتفع عن الكعبة.
أو كان في دار عالية البناء ولم يتيسر له استقبال عين الكعبة، فإنه يكفي أن يكون مستقبلاً لهوائها المتصل بها، ومثل ذلك ما إذا كان في منحدر أسفل منها، فاستقبال هواء الكعبة المتصل بها من أعلى أو أسفل. كاستقبال بنائها عند الأئمة الثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الجدول (1) .
ومن كان بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب عليه أن يتجه إلى نفس محراب المسجد النبوي. وذلك لأن استقبال عين محراب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو استقبال لعين الكعبة، لأنه وضع بالوحي، فكان مسامتاً لعين الكعبة، ولا يلزمه أن يستقبل عين الكعبة، بل يصح أن ينتقل عن عين الكعبة إلى يمينها أو شمالها، ولا يضر الانحراف اليسير عن نفس الجهة أيضاً، لأن الشرط هو
(1) المالكية قالوا: يجب على من كان بمكة أو قريباً منها أن يستقبل القبلة بناء الكعبة، بحيث يكون مسامتاً لها بجميع بدنه، ولا يكفيه استقبال هوائها، على أنهم قالوا: إن من صلى على جبل أبي قبيس فصلاته صحيحة، بناءً على القول المرجوح من أن استقبال الهواء كاف
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 03-06-2020, 11:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 178 الى صــــــــ
185
الحلقة (34)


أن يبقى جزء من سطح الوجه مقابلاً لجهة الكعبة، مثلاً إذا استقبل المصلي في مصر الجهة الشرقية بدون انحراف إلى جهة اليمين، فإنه يكون مستقبلاً للقبلة، لأن القبلة في مصر وإن كانت منحرفة إلى جهة اليمين، ولكن ترك هذا الانحراف لا يضر؛ لأنه لا تزول به المقابلة بالكلية؛ فالمدار على استقبال جهة الكعبة أن يكون جزء من سطح الوجه مقابلاً لها، وهذا رأي ثلاثة من الأئمة وخالفها الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .وليس من الكعبة الحجر، ولا الشاذروان، وهما معروفان لمن كان بمكة، وسيأتي بيانهما في كتاب الحج إن شاء الله، فمن كان بمكة واستقبل الحجر، أو الشاذروان، فإن صلاته لا تصح عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
[دليل اشتراط استقبال القبلة]
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة بالكتاب والسنة والإجماع،
فأما الكتاب فقوله تعالى:
{وقد نرى تقلب وجهك في السماء؛ فلنولينك قبلة ترضاها، فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} : وأما السنة فكثيرة. منها ما أخرجه البخاري، ومسلم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر،
قال:
بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت؛
فقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة؛ وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكان وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.وأخرج مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس؛
فنزلت:
{قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلنولنيك قبلة رتضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام} فمر
(1) الشافعية قالوا: يجب على من كان قريباً من الكعبة أو بعيداً عنها أن يستقبل عين الكعبة، أو هواءها المتصل بها، كما بيناه أعلى الصحيفة، ولكن يجب على القريب أن يستقبل عينها أو هواءها يقيناً بأن يراها أو يلمسها أو نحو ذلك مما يفيد اليقين، أما من كان بعيداً عنها فإنه يستقبل عينها ظناً لا جهتها على المعتمد، ثم إن الانحراف اليسير يبطل الصلاة إذا كان بالصدر بالنسبة للقائم والجالس، فلو انحرف القائم أو الجالس في الصلاة بصدره بطلت، أما إذا انحرف بوجهه فلا، والانحراف بالنسبة للمضطجع يبطل الصلاة إذا كان بالصدر أو بالوجه وبالنسبة للمستلقي يبطل إذا انحرف بالوجه أو بباطن القدمين
(2) الحنابلة قالوا: إن الشاذروان وستة أذرع من الحجر وبعض ذراع فوق ذلك من الكعبة، فمن استقبل شيئاً من ذلك صحت صلاته رجل من بني سلمة، وهم ركوع في صلاة الفجر؛
********************************

وقد صلوا ركعة فنادى:
ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هو نحو القبلة إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة.
وقد أجمع المسلمون على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة.
[مبحث ما تعرف به القبلة]
تعرف القبلة بأمور مفصلة في المذاهب:
وقد ذركناها مجتمعة في كل مذهب تحت الخط الذي أمامك (1) ليسهل حفظها ومعرفتها بدون تشتت لا ضرورة إليه. على أننا سنذكر المتفق عليه والمختلف فيه أثناء التفصيل.

(1) الحنفية قالوا: من يجهل القبلة ويريد أن يستدل عليها لا يخلو حاله إما أن يكون في بلدة أو قرية. وإما أن يكون في الصحراء ونحوها من الجهات التي ليس بها سكان من المسلمين ولكل من الحالتين أحكام. فإن كان الشخص في بلد من بلدان المسلمين. وهو يجهل جهة القبلة. فإن له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون في هذه البلدة مساجد بها محاريب قديمة. وضعها الصحابة أو التابعون. كالمسجد الأموي بدمشق الشام. ومسجد عمرو بن العاص بمصر: وفي هذه الحالة يجب عليه أن يصلي إلى جهة هذه المحاريب القديمة. ولا يصح له أن يبحث عن القبلة، مع وجود هذه المحاريب. فلو بحث وصلى إلى جهة غيرها فإن صلاته لا تصح خلافاً للشافعية الذين يقولون: إن له أن يستدل على القبلة بالقطب ونحوه مع وجود هذه المحاريب. ووفاقاً للمالكية كما ستعرفه. ومثل المحاريب القديمة التي وضعها الصحابة والتابعون. والمحاريب التي وضعت في اتجاهها وقيست عليها، الحالة الثانية: أن يكون جهة ليست بها محاريب قديمة. وفي هذه الحالة يجب أن يعرف القبلة بالسؤال عنها: وللسؤال عنها ثلاثة شروط: أحدها: أن يجد شخصاً قريباً منه، بحيث لو صاح عليه سمعه، فلا يلزمه أن يبحث عن شخص يسأله، ثانيها: أن يكون المسؤول عالماً بالقبلة: إذ لا فائدة من سؤال غير العالم، ثالثها؛ أن يكون المسؤول ممن تقبل شهادته.
فلا يصح سؤال الكافر والفاسق والصبي، لأن شهادتهم لا تقبل.
وكذلك إخبارهم عن جهة القبلة الا إذا غلب على ظنه صدقهم، ويكتفي بسؤال عدل واحد، فإن وجد من يسأله، فلا يجوز له التحري، الحالثة الثالثة: أن لا يجد محراباً ولا شخصاً يسأله، وفي هذه الحالة عليه أن يعرف القبلة بالتحري، بأن يصلي إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها جهة القبلة، فتصح له صلاته في جميع الحالات.
هذا إذا كان موجوداً في مدينة أو قرية، أما إن كان مسافراً في الصحراء ونحوها من الجهات التي ليس بها سكان من المسلمين، فإنه إذا كان عالماً بالنجوم، ويعرف اتجاه القبلة بها أو بالشمس أو القمر، فذاك، وإن لم يكن عالماً ووجد شخصاً عارفاً بالقبلة، فإنه يجب عليه أن يسأله. وإذا سأله، ولم يجبه، فعليه أن يجتهد في معرفة جهة القبلة بقدر ما يستطيع، ثم يصلي، ولا إعادة عليه، وحتى لو أخبره الذي سأله أولاً فلم يجبه.
المالكية قالوا: إذا كان المصلي في جهة لا يعرف القبلة، فإن كان في هذه الجهة مسجد به محراب قديم، فإنه يجب عليه أن يصلي إلى الجهة التي فيها ذلك المحراب، وتنحصر المحاريب القديمة في أربع، وهي: محراب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومحراب مسجد بني أمية بالشام: ومحراب مسجد عمرو بن العاص بمصر، ومحراب مسجد القيروان، فلو اجتهد وصلى إلى غير هذه المحاريب بطلت صلاته، أما غير هذه المحاريب، فإن كانت موجودة في الأمصار، وموضوعة على قواعد صحيحة أقرها العارفون، فإنه يجوز لمن كان أهلاً للتحري أن يصلي إلى هذه المحاريب، ولا يجب عليه أن يصلي إليها، أما من ليس أهلاً للتحري فإنه يجب عليه أن يقلدها، أما المحاريب الموجودة بمساجد القرى، فإنه لا يجوز لمن يكون أهلاً للتحري أن يصلي إليها، بل يجب عليه أن يتحرى عن وضعها قبل الصلاة، فإنه لم يكن أهلاً للتحري؛ فإنه يجب عليه أن يصلي إليها إن لم يجد مجتهداً يقلده.
والحاصل أن الجهات التي فيها محاريب تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: محاريب المساجد الأربعة التي ذكرناها، وهذه لا يجوز استقبال غيرها، الثاني: المحاريب الموجودة في مساجد الأمصار الموضوعة على قواعد صحيحة، وهذه لا يجب على من كان أهلاً للاجتهاد أن يصلي إليها، بل له أن يتركها ويجتهدن وله أن يصلي إليها، القسم الثالث: المحاريب الموجودة في مساجد القرى، وهذه لا يجوز لمن كان أهلاً للتحري أن يصلي إليها، أما غيره فيجب أن يصلي إليها.
هذا حكم الجهات التي بها محاريب، فإن وجد في جهة ليس بها محاريب وكان يمكنه أن يتحرى جهة القبلة، فإنه يجب عليه أن يتحرى، ولا يسأل أحداً، الا إذا خفيت عليه علامات القبلة، وفي هذه الحالة يلزمه أن يسأل عن القبلة شخصاً مكلفاً عدلاً، عارفاً بأدلة القبلة، ولو كان أنثى أو عبداً.
هذا إذا كان أهلاً للتحري وللاجتها، فإن لم يكن أهلاً لذلك، فإنه يجب عليه أن يسأل شخصاً مكلفاً عدلاً عارفاً بالقبلة، فإن لم يجد من يسأله فإنه يصلي إلى أي جهة يختارها وتصح صلاته.
وبهذا تعلم أن المالكية متفقون مع الحنفية في ضرورة اتباع المحاريب القديمة، الا أن المالكية اقتصروا على أربعة منها، والحنفية قالوا: إن جميع المحاريب التي بناها الصحابة والتابعون مقدمة على ما عداها من أمارات القبلة، ومختلفون في السؤال والتحري، فالحنفية يقولون: إذا لم يجد محاريب، فإن عليه أن يسأل أولاً. فإن لم يجد من يسأله يتحرى، أما
المالكية فإنهم يقولون: من كان أهلاً للتحري، فإنه يجب عليه أن يتحرى ولا يسأل أحداً، وغلا إذا خفيت عليه علامات التحري.
الشافعية قالوا: مراتب القبلة أربعة:
المرتبة الأولى:
أن يعلم بنفسه، فمن أمكنه أن يعرف القبلة بنفسه فإنه يجب عليه أن يعرفها بنفسه ولا يسأل عنها أحداً. فالأعمى الموجود في المسجد إذا كان يمكنه مس حائط المسجد ليعرف القبلة، فإنه يجب عليه أن يفعل ذلك، ولا يسأل أحداً، المرتبة الثانية: أن يسأل ثقة عالماً بالقبلة، بحيث يعرف أن الكعبة موجودة في هذه الجهة، وقد عرفت أن سؤال الثقة إنما يكون عندالعجز عن معرفتها بنفسه طبعاً وإلا فلا يصح له السؤال، ويقوم مقام الثقة بيت الإبرة - البوصلة - ونحوها من الآلات التي يمكن أن يعرف بها القبلة، كنجم القطب، والشمس، والقمر، والمحاريب الموجودة في بلد كبير من بلاد المسلمين، أو موجودة في بلد صغير، لكن يصلي إليه كثير من الناس.
والحاصل أن المرتبة الثانية من مراتب معرفة القبلة تشتمل على سؤال الثقة، أو بيت الإبرة أو القطب، أو المحاريب، سواء كانت محاريب المساجد القديمة التي وضعها الصحابة والتابعون أو غيرها من المحاريب التي تكثر الصلاة إليها، أما المحاريب التي توجد في المصلى الصغير التي يستعملها بعض الناس في الطرق والمزارع ونحوهما، فإنها لا تعتبر، المرتبة الثانية: الاجتهاد، والاجتهاد لا يصح الا إذا لم يجد ثقة يسأله، أو لم يجد وسيلة من الوسائل التي يعرف بها القبلة، أو لم يجد محراباً في مسجد كبير أو في مسجد صغير مطروق من الناس، فإذا فقد كل ذلك، فإنه يجتهد، وما يؤديه إليه اجتهاده يكون قبلته. ولو اجتهد للظهر مثلاً، ثم نسي الجهة التي اجتهد إليها في العصر، فإنه يجدد الاجتهاد ثانياً، المرتبة الرابعة: تقليد المجتهد، بمعنى أنه إذا لم يستطع أن يعرف القبلة بسؤال الثقة ولا بمحراب ولا بغيره، فإن له أن يقلد شخصاً اجتهد في معرفة القبلة وصلى إلى جهتها. فهو يصلي مثله.
وبهذا تعلم أن الشافعية خالفوا المالكية، والحنفية في المحاريب الموجودة في المساجد التي بناها الصحابة والتابعون، فإن المالكية جعلوا بعضها عمدة لا يجوز أن تستعمل وسيلة أخرى مع وجوده، والحنفية جعلوها كلها عمدة، أما
الشافعية فقد قالوا: إن المحاريب كلها في مرتبة الوسائل الأخرى التي يمكن أن تعرف بها القبلة، كبيت الإبرة والقطب؛ ونحو ذلك واتفقوا مع الحنفية في الترتيب، فقالوا: إنه إذا جهل القبلة، فإنه يجب عليه أن يسأل، فإذا لم يجد من يسأله فإنه يجب عليه أن يجتهد، الا أن الشافعية زادوا عن الحنفية مرتبة أخرى، وهي تقليد المجتهد.
الحنابلة قالوا: إذا جهل الشخص جهة القبلة، فإن كان في بلدة بها محاريب بناها المسلمون - علامة تدل على القبلة - فإنه يجب عليه أن يتجه إليها متى علم أنها في مسجد عمله المسلمون، ولا يجوز له مخالفتها على أي حال، بل لا يجوز له الانحراف عنها. وإن وجد محراباً في بلدة خراب، كالجهات التي بها آثار قديمة؛ فإنه لا يجوز له أن يتبعه، الا إذا تحقق أن من آثار مسجد تهدم بناه المسلمون، فإن لم يجد محاريب لزمه السؤال عن القبلة، ولو بقرع الأبواب، والبحث عمن يدله، ولا يعتمد الا على العدل، سواء كان رجلاً أو امرأة أو عبداً، ثم إن المخبر إن كان عالماً بالقبلة يقيناً فإنه يجب العمل بإخباره. ولا يجوز له أن يجتهد، وإن كان يعرفها بطريق الظن، فإن كان عالماً، بأدلتها، فإنه يفترض تقليده، بشرط أن يكون الوقت ضيقاً لا يسع البحث؛ وإلا لزمه التعلم والعمل باجتهاده، فإذا كان في سفر، ولم يجد أحداً، فإن كان عالماً بأدلة القبلة، فإنه يفترض عليه أن يبحث عنها بالأدلة، ويجتهد بذلك في معرفتها، فإذا اجتهد وغلب على ظنه جهة صلى إليها؛ وصحت صلاته، وإذا ترك الجهة التي غلب على ظنه أنها القبلة، وصلى إلى غيرها. فإن صلاته لا تصح، حتى ولو تبين له أنه أصاب القبلة، ولا يخفى أن هذا من المعاني السامية، فإن الاجتهاد له قيمته في نظر المسلمين في كل شأن من الشؤون، فإذا لم يستطع الاجتهاد، كأن كان به رمد، أو لم يستطع أن يعرف جهة القبلة. فإنه يصلي إلى أي جهة يختارها، ولا إعادة عليه.
فتحصل من هذا أن من جهل القبلة فيجب عليه أولاً أن يتبع المحاريب إن كانت موجودة، فإن لم يجدها، فإنه يجب عليه أن يسأل أحداً عارفاً بالقبلة، فإن لم يجد من يسأله، فإنه يجب عليه أن يجتهد إن قدر على الاجتهاد، أو يقلد مجتهداً إن لم يقدر؛ فإن لم يجد فإنه يتحري بقدر إمكانه ويصلي، فإذا خالف مرتبة من هذه المراتب، فإن صلاته تبطل، وعليه إعادتها، وحتى لو أصاب القبلة، لأنه ترك ما هو مفترض عليه في هذه الحالة
****************************

وبعد، فلعلك قد عرفت أن أدلة القبلة عند الأئمة لا تخرج عن أمور: منها المحاريب الموجودة في المساجد على التفصيل الذي بيناه؛ ومنها خبر العدل عند عد موجود المحاريب؛ ومنها التحري والاجتهاد عند عدم وجود العدل،
وقد عرفت أن بعضهم يقول:
إن التحري والاجتهاد مقدم على خبر العدل، إلى آخر ما بيناه مفصلاً في كل مذهب.
وبقي ههنا أمور:
أحدها: ما حكم من تحري، فلم يرجح جهة على أخرى؟:
ثانيها: ما حكم من تحرى، وأراد تحريه إلى جهة، ثم تبين له أنه أخطأ يقيناً أو ظناً، وهو في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها؟
ثالثها:
ما حكم من ترك الاجتهاد، وهو قادر عليه، ثم صلى بدونه؟؛
رابعها:
ما حكم من يقدر على الاجتهاد، وقلد مجتهداً آخر؟، أما الجواب عن الأول فهو أن الذي يجتهد، ولم يستطع أن يرجح جهة على أخرى، فقد قام بما في طاقته، وعلى هذا فإن صلاته تصح بالتوجه إلى أي جهة، ولا إعادة عليه باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وأما الجواب عن الثاني، فهو أنه إذا صلى شخص إلى جهة أداه إليها اجتهاده، ثم ظهر له أنه أخطأ أثناء الصلاة، بأن تيقن أو ظن أن القبلة في جهة أخرى، فإنه يتحول إلى الجهة التي تيقن أو ظن أنها القبلة، وهو في صلاته يبني على ما صلاه قبل، فإذا صلى ركعة من الظهر مثلاً إلى جهة اعتقد أنها القبلة بعد التحري، ثم ظهر له بعد أداء هذه الركعة أن القبلة في جهة أخرى، فإنه يتحول إليها، ويبني على الركعة التي


(1) الشافعية قالوا: إذا اجتهد في معرفة القبلة، فلم يرجح جهة على أخرى، فإنه في هذه الحالة يصلي إلى أي جهة شاء: كما يقول الأئمة الثلاثة، الا أن تجب عليه إعادة تلك الصلاة خلافاً لهم
**************************
صلاها، وهذا هو رأي الحنفية والحنابلة، وخالف فيه الشافعية، والمالكية (1) ، أما إذا أتم صلاته بعد اجتهاده، ثم ظهر له أنه أخطأ يقيناً أو ظناً، فإن صلاته تقع صحيحة، ولا إعادة عليه باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، على أن المالكية لهم في ذلك تفصيل يسير، وقد ذكرنا كل ذلك تحت الخط (2)وأما الجواب عن الثالث، فهو أن من ترك الاجتهاد، وهو قادر عليه، بأن قلد مجتهداً آخر، أو صلى وحده بدون اجتهاد، فإن صلاته لا تصح، وإن تبين له أنه أصاب القبلة، وهذا متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، وأما الجواب عن الرابع، فإنه يمكن معرفته من الأحكام التي ذكرناها في "دلائل

(1) المالكية قالوا: إذا اجتهد شخص في معرفة القبلة، فأداه اجتهاده إلى جهة فصلى إليها ثم ظهر له بعد الشروع في الصلاة أنه مخطئ في اجتهاده، فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة بشرطين: الشرط الأول: أن يكون مبصراً، فإذا كان أعمى، فإنه لا يجب عليه قطع الصلاة، ولكن يجب عليه أن يتحول إلى القبلة، ويبني على ما صلاه أولاً، وإلا بطلت صلاته، كما هو في المذاهب الأخرى، فهم متفقون معهم في الأعمى، ومختلفون في المبصر؛ الشرط الثاني أن يكون الانحراف عن القبلة كثيراً، فإذا كان يسيراً، فإن الصلاة لا تبطل، سواء كان المصلي أعمى، أو بصيراً، ولكن يجب عليهما التحول إلى القبلة، وهما في الصلاة فإن لم يتحولا صحت الصلاة مع الإثم.
الشافعية قالوا: إن تبين له في أثناء الصلاة أنه أخطأ يقيناً بطلب صلاته واستأنفها بلا تفصيل بين أعمى ومبصر أما إذا ظن أنه أخطأ، فلا تبطل صلاته، ولا يقطعها مثلاً إذا دخل في الصلاة بعد اجتهاده، ثم أخبره ثقة يعرف القبلة عن معاينة بأنه غير مستقبل القبلة، فإن صلاته تبطل، ولا ينفعه اجتهاده الأول، سواء كان أعمى أو بصيراً، وبذلك خالفوا المالكية الذين يفرقون بين الأعمى والبيصير وخالفوا الحنفية، والحنابلة في جواز التحول إلى الجهة التي ظهر له أنها القبلة
(2) الشافعية قالوا: إذا اجتهد وصلى إلى جهة اجتهاده حتى أتم صلاته، ثم ظهر له بعد تمام الصلاة أنه أخطأ القبلة يقيناً، فإن صلاته تبطل، وتلزمه إعادتها، الا إذا ظن أنه أخطأ؛ فإنه لا يضر.
المالكية قالوا: إذا صلى إلى القبلة بعد اجتهاد، ثم ظهر له بعد تمام الصلاة أنه أخطأ، وصلى إلى غير القبلة، فإن صلاته تكون صحيحة، سواء تبين له أنه أخطأ يقيناً أو ظناً، الا أنه إن اتضح له أنه صلى إلى غير القبلة، فإنه يندب له أن يعيد الصلاة بشرط أن يكون بصيراً، وأن يكون وقت الصلاة باق، وهذا هو الحكم الذي خالفوا فيه الحنفية والحنابلة
(3) الحنفية قالوا: إذا كان قادرا على الاجتهاد، وصلى إلى الجهة يعتقد أنها القبلة بدون أن يجتهد، ثم تبين له أنها هي القبلة حقاً فصلاته صحيحة، أما إذا تبين له أنه أخطأ؛ سواء كان ذلك في أثناء الصلاة أو بعدها، فإن صلاته تبطل، وعليه إعادتها، فإذا شك في القبلة، ولم يتحر، وصلى، ثم تبين له أنه صلى إلى جهة القبلة، فإن كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة فإنها تقع صحيحة ولا تلزم إعادتها، وإن كان في أثناء الصلاة بطلت، ووجب عليه استئنافها
***********************************

القبلة" وهو أنه ليس له أن يقلد غيره متى كان قادراً على الاجتهاد، أما إذا عجز عن اجتهاده بالمرة، فإنه يصح له أن يقلد المجتهد إن وجد مجتهداً يعرف القبلة باجتهاده، وإلا صلى إلى أي جهة شاء، ولا إعادة عليه، وهذا هو رأي الحنفية، والحنابلة فانظر رأي المالكية، والشافعية تحت الخط (1) .
[كيف يستدل الشمس، أو بالنجم القطبي على القبلة]
قد يتوهم أن هذا المبحث ليس داخلاً في المسائل الفقهية،
ولكن الواقع أنه داخل فيها من حيث إن معرفة القبلة تتوقف عليه فقال بعضهم:
إن معرفته سنة، لأن وسائل معرفة القبلة كثيرة، وقد لا تخفى على أحد، فليس بلازم أن يعرف الاستدلال بالشمس،
أو النجم على القبلة وبعضهم يقول:
إنه يجب على من يسافرون في البحار، وليس لديهم أمارات تدلهم على القبلة وعلى كل حال فإن الشريعة الإسلامية مرتبطة في الواقع بكل علم من العلوم التي تنفع المجتمع، سواء في العبادات أو المعاملات، أو غيرهما.ولعلك قد عرفت أن الشمس والنجوم من العلامات الدالة على القبلة، فيستدل بالشمس على القبلة في كل جهة بحسبها، لأن مطلعها يعين جهة المشرق، ومغربها يعين جهة المغرب، ومتى عرف المشرق، أو المغرب، عرف الشمال والجنوب وبهاذ يتيسر لأهل كل جهة معرفة قبلتهم، فمن كان في مصر فقبلته جهة المشرق مع انحراف قليل إلى جهة اليمين، لأن الكعبة بالنسبة لمصر واقعة بين المشرق والجنوب؛ وهو للمشرق أقرب.وأما القطب فهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى، ويستدل به على القبلة في كل جهة بحسبها أيضاً، ففي مصر يجعله المصلي خلف أذنه اليسرى قليلاً، وكذا في أسيوط، وفوة، ورشيد، ودمياط والإسكندرية. ومثلها تونس والأندلس، ونحوها، وفي العراق وما وراء النهر يجعله المصلي خلف أذنه اليمنى، وفي المدينة المنورة والقدس، وغزة، وبعلبك، وطرسوس ونحوها يجعله مائلاً إلى نحو الكتف الأيسر؛ وفي الجزيرة وأرمينية. والموصل ونحوها يجعله

(1) المالكية قالوا: إذا كان العجز لتعارض الأدلة عند المجتهد، تخير جهة يصلي إليها، ولا يقلد مجتهداً آخر، الا إن ظهر له إصابته، فعليه اتباعه مطلقاً، كما يتبعه إن جهل أمره وضاق الوقت، وإن كان لخفاء الأدلة عليه بغيم أو حبس أو نحوهما، فهو كالمقلد: عليه مجتهداً آخر أو محراباً، فإن لم يجد من يقلده تخير جهة يصلي إليها وصحت صلاته.
الشافعية قالوا: إنه في هذه الحالة يصلي في آخر الوقت إن كان يظن زوال عجزه، وإلا صلى في أول الوقت، وعليه الإعادة في الحالتين
**************************
المصلي على فقرات ظهره؛ وفي بغداد، والكوفة، وخوارزم، والري، وحلوان ببلاد العجم، ونحوها يجعله المصلي على خده الأيمن؛ وفي البصرة، وأصبهان، وفارس، وكرمان، ونحوها يجعله فوق أذنه اليمنى؛ وفي الطائف، وعرفات، والمزدلفة، ومنى يجعله المصلي على كتفه الأيمن؛ وفي اليمن يجعله المصلي أمامه، مما يلي جانبه الأيسر؛ وفي الشام يجعله المصلي وراءه، مما يلي جانبه الأيسر؛ وفي نجران يجعله المصلي وراء ظهره؛ ومن الأدلة بيت الإبرة المسمى - بالبوصلة - متى كان منضبطاً.وبالجملة فالقبلة تختلف باختلاف البقاع، وتتحقق معرفتها في كل جهة بقواعد الهندسة والحساب، بأن يُعرف بعد مكة عن خط الاستواء وعن طرف المغرب، ثم بعد البلد المفروض كذلك، ثم يقاس بتلك القواعد ليتحقق سمت القبلة.إنما ذكرنا هذا تكملة للبحث؛ فإن تعذر على العامة فهمه فليتركوه، وليرجعوا إلى المحاريب المعروفة لهم؛ أو إلى غيرها من الأمارات الهامة.
[شروط وجوب استقبال القبلة]
يجب على كل مصل أن يستقبل القبلة بشرطين (1) : أحدهما: القدرة،
ثانيهما: الأمن، فمن عجز عن استقبالها لمرض ونحوه، ولم يجد من يوجهه (2) إليها سقط عنه، ويصلي إلى الجهة التي يقدر عليها، وكذا من خاف من عدو آدمي أو غيره على نفسه أو ماله فإن قبلته هي التي يقدر على استقبالها. ولا تجب عليه الإعادة في الحالتين.
[مبحث الصلاة في جوف الكعبة]
عرفت مما تقدم أن الكعبة هي قبلة المسلمين التي لا تصح الصلاة الا إليها، وليس المراد تقديس جهة خاصة، بل المراد إنما هو عباد الله وحده بالكيفية التي يأمر بها،
ولذا قال تعالى:
{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} ، فالمقصود من الاتجاه إلى مكان خاص إنما هو الخضوع لله تعالى بامتثال أمره، ومن شاء أن يعرف الحكمة في ذلك فإن من السهل عليه أن

(1) المالكية: زادوا شرطاً ثالثاً، وهو الذكر لمن وجب عليه استقبال جهة الكعبة. فلو صلى ناسياً إلى غير جهة القبلة صحت صلاته وأعاد الفرض في الوقت ندباً
(2) الحنفية قالوا: يسقط استقبال القبلة عن المريض العاجز عن استقبالها، وإن وجد من يوجهه إليها



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 03-06-2020, 11:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 186 الى صــــــــ
194
الحلقة (35)

يدرك أن هذه الجهة هي التي بها الكعبة. وهذا المكان قد أمر الله تعالى الناس بأن يقصدوه، لما يترتب عليهمن المنافع العامة، وتهذيب النفوس بطاعة الله تعالى، وخشيته، وإحياء سكانه الذين لا زرع لهم ولا موارد لديهم، كما قال الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات} الآيات، فضلاً عن كون هذه البقعة مقدسة بظهور سيد الأنبياء والمرسلين الذي جاء للناس بما فيه منافعهم الأدبية والمادية. وقضى على عبادة الأوثان في تلك الجهات فأراد الله سبحانه وتعالى أن يعلن رضاءه عنه بتحويل الناس إلى الكعبة، بعد أن كانوا يصلون إلى بيت المقدس، وعلى كل حال، فالغرض الوحيد من العبادة في الإسلام إنما هو تمجيد الله وحده، وتقديسه من غير مشاركة مخلوق، مهما جل قدره، وعظمت منزلته، كما قال الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله، إن الله واسع عليم} .من هذا يتضح لك أن الله تعالى قد أمر بالتوجه إلى القبلة، فالصلاة في جوفها فرضاً، أو نفلاً، وإن كان فيه اتجاه إلى القبلة يصحح الصلاة، الا أنه ليس اتجاهاً كاملاً، ولذا اختلفت المذاهب في الصلاة فيه، فانظرها تحت الخط الذي أمامك (1) .(1) الحنابلة قالوا: إن صلاة الفرض لا تصح في جوف الكعبة، ولا على ظهرها، الا إذا وقف في منتهاها، ولم يبق وراءه شيء منها، أو وقف خارجها، وسجد فيها، أما صلاة النافلة، والصلاة المنذورة فتصح فيها، وعلى سطحها إن لم يسجد على منتهاها، فإن سجد على منتهاها لم تصح صلاته مطلقاً، لأنه يصير في هذه الحالة غير مستقبل لها.
المالكية قالوا: تصح صلاة الفرض فيجوفها، الا أنها مكروهة كراهة شديدة، ويندب له أن يعيدها في الوقت، أما النفل فإن كان غير مؤكد ندب أن يصليه فيها، وإن كان مؤكداً كره ولا يعاد، وأما الصلاة على ظهرها فباطلة إن كانت فرضاً، وصحيحة إن كانت نفلاً غير مؤكد، وفي النفل المؤكد قولان متساويان.
الشافعية قالوا: إن الصلاة في جوف الكعبة صحيحة. فرضاً كانت، أو نفلاً. الا أنها لا تصح إذا صلى إلى بابها مفتوحاً. أما الصلاة على ظهرها؛ فإنه يشترط لصحتها أن يكون أمامه شاخص منها يبلغ ثلثي ذراع بذراع الآدمي.
الحنفية قالوا: إن الصلاة في جوف الكعبة وعلى سطحها صحيحة مطلقاً، الا أنها تكره على ظهرها. لما فيه من ترك التعظيم
**********************

[مبحث صلاة الفرض في السفينة، وعلى الدابة، ونحوها]

ومن كان راكباً على دابة، ولا يمكنه أن ينزل عنها لخوف على نفسه أو ماله، أو لخوف من ضرر يلحقه (1) بالانقطاع عن القافلة، أو كان بحيث لو نزل عنها لا يمكنه العودة إلى ركوبها ونحو ذلك؛ فإنه يصلي الفرض في هذه الأحوال على الدابة إلى أي جهة يمكنه الاتجاه إليها، وتسقط عنه أركان الصلاة التي لا يستطيع فعلها، ولا إعادة عليه.أما صلاة الفرض على الدابة (2) عند الأمن والقدرة، فإنها لا تصح الا إذا بها كاملة مستوفية لشرائطها وأركانها، كالصلاة على الأرض؛ فإذا أمكنه أن يصلي عليها صلاة كاملة صحت، ولو كانت الدابة سائرة.ومن أراد أن يصلي في سفينة فرضاً أو نفلاً (3) ، فعليه أن يستقبل القبلة متى قدر على ذلك، وليس له أن يصلي إلى غير جهتها، حتى لو دارت السفينة وهو يصلي، وجب عليه أن يدور إلى جهة القبلة حيث دارت، فإن عجز عن استقبالها صلى إلى جهة قدرته، ويسقط عنه السجود أيضاً إذا عجز عنه، ومحل كل ذلك إذا خاف خروج الوقت قبل أن تصل السفينة أو القاطرة إلى المكان الذي يصلي فيه صلاة كاملة، ولا تجب عليه الإعادة، ومثل السفينة القطر البخارية البرية. والطائرات الجوية. ونحوها.

(1) المالكية قالوا: إن خوف مجرد الضرر لا يكفي في صحة صلاة الفرض على ظهر الدابة، بل قالوا: لا تجوز صلاة الفرض على الدابة إيماءً، الا في الالتحام فيحرب كافر، أو عدو كلص، أو خوف من حيوان مفترس، أو مرض لا يقدر معه على النزول، أو سير في خضخاض لا يطيق النزول به، وخاف خروج الوقت المختار، ففي كل ذلك تصح على الدابة إيماءً، ولو لغير القبلة، وإن أمن الخائف أعاد في الوقت ندباً
(2) الشافعية قالوا: لا يجوز له صلاة الفرض على الدابة الا إذا كانت واقفة أو سائرة، وزمامها بيد مميز، وكانت صلاته مستوفية، سواء في حالة الأمن والقدرة وغيرهما. الا أن الخائف في الأحوال المتقدمة يصلي حسب قدرته. وعليه الإعادة.
الحنفية قالوا: لا تصح صلاة الفرض على الدابة لغير عذر. ولو أتى بها كاملة. سواء كانت الدابة سائرة. أو واقفة. الا إذا صلى على محمل فوق دابة وهي واقفة، وللمحمل عيدان مرتكزة على الأرض. أما المعذور فإنه يصلي حسب قدرته. ولكن بالإيماء لأنها فرض. وإذا كان يقدر على إيقاف الدابة فلا تصح صلاته حال سيرها. ومثل الفرض الواجب بأنواعه
(3) الشافعية قالوا: إن الصلاة النافلة في السفينة يجب أن تكون إلى جهة القبلة. فإن لم يكن التحول إليها ترك النافلة بالمرة. وهذا في غير الملاح. أما هو فيجب عليه استقبال القبلة إن قدر، وإلا صلى إلى جهة قدرته على الراجح؛ وأما الفرض فيجب فيه استقبال القبلة مطلقاً
*************************

[مباحث فرائض الصلاة]

يتعلق بفرائض الصلاة أمور:
أحدها: بيان معنى الفرض والركن؛
ثانيها:
عدّ فرائض الصلاة في كل مذهب.
ثالثها:
شرح فرائض الصلاة، وبيان المتفق عليه والمختلف فيه؛
رابعها:
بيان معنى الواجب، والفرق بينه وبين الفرض والركن، وعد واجبات الصلاة.
هذه الأمور ينبغي معرفتها بدون خلط، ليتيسر للقارئ أن يعرف المذهب الذي يريده؛ ومن شار أن يعرف المتفق عليه والمختلف فيه؛ فإنه يمكنه أن يرجع إلى التفصيل الآتي:
[معنى الفرض والركن]
قد ذكرنا معناهما في "مبحث فرائض الوضوء" صحيفة 51، ومجمل القول في ذلك: أن الفرض والركن بمعنى واحد باتفاق، وهو هنا جزء العبادة التي طلبها الشارع، بحيث لا تتحقق الا به، فمعنى فرائض الصلاة أجزاؤها التي لا تتحقق الصلاة الا بها ولا توجد الا بها، بحيث إذا فقد منها جزء لا يقال لها: صلاة، مثلاً إذا قلت: إن تكبيرة الإحرام فرض من فرائض الصلاة، أو ركن، كان معنى هذا أنك إذا لم تأت بتكبيرة الإحرام لا تكون مصلياً، وهذا المعنى يشمل أجزاء الصلاة المفروضة التي يثاب المكلف على فعلها ويعاقب على تركها، كما يشمل أجزاء صلاة التطوع التي لا يؤاخذ المكلف على تركها، فإنها لا يقال لها: صلاة، الا إذا اشتملت على هذه الأجزاء، فهي فرض فيها كغيرها من الصلوات المفروضة بلا فلاق.
فقولهم في تعريف الفرض: هو ما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه، خاص بما طلبه الشارع طلباً جازماً، سواء كان جزءاً من شيء، أو كلاً، مثلاً الصلوات الخمس؛ فإن الإتيان بها في أوقاتها فرض يثاب فاعله، ويعاقب تاركه، وقد جعل الشارع لها أجزاء خاصة لا تتحقق الا بها؛ فكل جزء من هذه الأجزاء التي تتوقف عليه الصلاة يقال له: فرض من فرائض الصلاة، كما يقال له: ركن من أركانها؛ أما الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج؛ وأولها شهادة أن لا إله الا الله، وأن محمداً رسول الله؛ فهذا معنى الركن والفرض بأيضاح.
*************************
[مبحث عد فرائض الصلاة بمعنى أركانها]

قد عرفت أن المراد بالفرائض ههنا الأجزاء التي إذا فقد منها جزء لم توجد الصلاة رأساً، وإليك بيانها في كل مذهب من المذاهب الأربعة تحت الخط (1) .

(1) الحنفية: قسموا الركن إلى قسمين: ركن أصلي، وركن زائد؛ فالركن الأصلي هو الذي يسقط عند العجز عن فعله سقوطاً تاماً، بحيث لا يطالب المكلف بالإتيان بشيء بدله، وذلك معنى قولهم: الركن الأصلي ما يسقط عن المكلف عند العجز عن فعله بلا خلف، أما الركن الزائد فهو ما يسقط في بعض الحالات، ولو مع القدرة على فعله، وذلك كالقراءة، فإنها عندهم ركن من أركان الصلاة، ومع ذلك فإنها تسقط عن المأموم، لأن الشارع نهاه عنها.
فتحصل من ذلك أن ما يتوقف عليه صحة الصلاة، منه ما هو جزء من أجزائها، وهي الأربعة المذكورة، ويزاد عليه القعود الأخير قدر التشهد، فإنه ركن زائد على الراجح، ومنه ما هو داخل فيها، وليس جزءاً منها، كإيقاع القراءة في القيام، ويقال له: شرط لدوام الصلاة، ومنه ما هو خارج عن الصلاة، ويقال له شرط لصحة الصلاة.
فأركان الصلاة المتفق عليها عندهم أربعة، سواء كانت أصلية، أو زائدة؛ فالأصلية هي القيام والركوع والسجود، والركن الزائد عندهم هو القراءة فقط، وهذه الأركان الأربعة هي حقيقة الصلاة، بحيث لو ترك الشخص واحداً منها عند القدرة فإنه لا يكون قد أتى بالصلاة. فلا يقال له: مصل، وهناك أمور تتوقف عليها صحة الصلاة، ولكنها خارجه عن حقيقة الصلاة، وهذه الأمور تنقسم إلى قمسين: الأول: ما كان خارج ماهية الصلاة، وهو الطهارة من الحدث والخبث، وستر العورة، واستقبال القبلة، وجخول الوقت، والنية، والتحريمة؛ وهي شرائط لصحة الشروع في الصلاة كغيرها مما سبق: والثاني: ما كان داخل الصلاة ولكنه ليس من حقيقتها، كإيقاع القراءة في القيام، وكون الركوع بعد القيام، والسجود بعد الركوع. وهذه شرائط لدوام صحة الصلاة، ويقد يعبرون عنها بفرائض الصلاة، ويريدون بالفرض الشرط أما القعود الأخير قدر التشهد فهو فرض بإجماعهم، ولكنهم اختلفوا في هل هو ركن أصلي أو زائد، ورجحوا أنه ركن زائد، لأن ماهية الصلاة تتحقق بدونه، إذ لو حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود، وإن لم يجلس، فتتحقق ماهية الصلاة بدون القعود؛ وأما الخروج من الصلاة بعمل ما ينافيها من سلام أو كلام أو نحو ذلك من مبطلات الصلاة فقد عده بعضهم من الفرائض، والصحيح أنه ليس بفرض، بل هو واجب.
المالكية قالوا: فرائض الصلاة خمسة عشر فرضاً، وهي: النية، وتكبيرة الإحرام والقيام لها في الفرض دون النفل، لأنه يصح الإتيان به من قعود ولو كان المصلي قادراً على القيام؛ فتكبيرة الإحرام يصح الإتيان بها من قعود في هذه الحالة، وقوراءة الفاتحة، والقيام لها في صلاة الفرائض أيضاً، والركوع والرفع منه، والسجود والرفع منه، والسلام، والجلوس بقدره، والطمأنينة، والاعتدال في كل من الركوع والسجود والرفع منهما، وترتيب الأداء، ونية اقتداء المأموم.
*******************************

[شرح فرائض الصلاة مرتبة: الفرض الأول: النية]

يتعلق بالنية أمور:
أحدها: معناها؛
ثانيها: حكمها في الصلاة المفروضة؛
ثالثها:
كيفيتها في الصلاة المفروضة؛
رابعها:
حكمها وكيفيتها في الصلاة غير المفروضة؛
خامسها:
بيان وقت النية،
سادسها:
حكم استحضار الصلاة المنوية، وشروط النية؛
سابعها:
نية المأموم الاقتداء بإمامه، ونية الإمام الإمامة.
فأما معنى النية فهي عزم القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله وحده، وإن شئت قلت: النية هي الإرادة الجازمة، بحيث يريد المصلي أن يؤدي الصلاة لله وحده، فلو نطلق بلسانه بدون أن يقصد الصلاة بقلبه، فإنه لا يكون مصلياً؛ ومعنى ذلك أن من صلى لغرض دنيوي، كأن يمدح عند الناس، بحيث لو لم يمدح بترك الصلاة، فإن صلاته لا تصح، وكذا إذا صلى ليظفر بمال أو جاه، أو يحصل على شهوة من الشهوات، فإن صلاته تكون باطلة؛ فعلى الناس

ومن هذا تعلم أن المالكية والحنفية، اتفقوا في أربعة من هذه الفرائض، وهي: القيام للقادر عليه، والركوع، والسجود أما القراءة فإن الحنفية يقولون: إن المفروض هو مجرد القراءة لا قراءة الفاتحة بخوصها، والمالكية يقولون: إن الفرض هو قراءة الفاتحة، فلو ترك الفاتحة عمداً فإنه لا يكون مصلياً، ووافقهم على ذلك الشافعية، والحنابلة، كما هو موضح في مذهبيهما، وسيأتي تفصيل ذلك في "مبحث القراءة".
الشافعية: عدوا فرائض الصلاة ثلاثة عشر فرضاً، خمسة فرائض قولية، وثمانية فرائض فعلية؛ فالخمسة القولية هي: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والتشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليمة الأولى: أما الثمانية الفعلية فهي: النية، والقيام في الفرض القادر عليه، والركوع، والاعتدال منه، والسجود الأول والثاني، والجلوس بينهما. والجلوس الأخير. والترتيب؛ وأما الطمأنينية فهي شرط محقق للركوع والاعتدال والسجود والجلوس، فهي لا بد منها؛ وإن كانت ليست ركناً زائداً على الراجح.
الحنابلة: عدوا فرائض الصلاة أربعة عشر، وهي: القيام في الفرض، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع والرفع منه، والاعتدال، والسجود والرفع منه، والجلوس بين السجدتين والتشهد الأخير، والجلوس له وللتسليمتين، والطمأنينة في كل ركن فعلي، وترتيب الفرائض، والتسليمتان
**************************

أن يفهموا هذا المعنى جيداً، ويدركوا أن من قصد بصلاته غرضاً من الأغراض الدنيوية، فإن صلاته تقع باطلة، ويعاقب عليها المرائين المجرمين، قال تعالى: {وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (1) فمن لم يخلص في إرادة الصلاة، ويقصد أن يصلي لله وحده، فإنه يكون مخالفاً لأمره تعالى؛ فلا تصح صلاته، والنية بهذا المعنى متفق عليها، أما الخواطر النفسية أثناء الصلاة، كأن يصلي وقلبه مشغول بأمر من أمور الدنيا، فإنها لا تفسد الصلاة، ولكن يجب على المصلي الخاشع لربه أن يحارب هذه الوساوس بكل ما يسطيع، ولا يتفكر وهو في الصلاة الا في الخضوع لله عز وجل، فإن عجز عن ذلك، ولم يستطع أن ينزع من نفسه أمور الدنيا، وهو واقف بين يدي ربه، فإنه لا يؤاخذ. ولكن عليه أن يستمر في محاربه هذه الوساوس الفاسدة ليظفر بأجر العاملين المخلصين.
والحاصل أن ها هنا أمرين: أحدهما: إرادة الصلاة والعزم على فعلها لله وحده بدون سبب آخر لا يقره الدين؛
ثانيهما:
حضور القلب، وعدم اشتغاله بتفكر أمر من أمور الدنيا، فأما الأمر الأول فإنه لا بد منه في الصلاة، وأما الأمر الثاني فإنه ليس شرطاً في صحة الصلاة ولكن ينبغي للواقف بين يدي خالقه أن ينزع من نفسه كل شيء لا علاقة له بالصلاة، فإن عجز فإن أجر صلاته لا ينقص، لأنه قد أتى بما في وسعه، ولا يكلفه الله بغير ذلك.
[حكم النية في الصلاة المفروضة]
وأما حكم النية في الصلاة فقد اتفق الأئمة الأربعة على أن الصلاة لا تصح بدون نية، الا أن بعضهم قال: إنها ركن من أركان الصلاة، بحيث لو لم ينو الشخص الصلاة، فلا يقال

(1) الحنفية قالوا: إن النية شرط. ثبتت شرطيتها بالإجماع، لا بقوله تعالى: {وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} لأن المراد بالعبادة في هذه الآية التوحيد، ولا بقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما الأعمال بالنيات" لأن المراد ثواب الأعمال أما صحة الأعمال فمسكوت عنها.
والواقع أن هذه الأدلة تحتمل المعنى الذي قال الحنفية، كما تحتمل المعنى الذي قاله غيرهم، أما الآية فلأن عبادة الله ليست مقصورة على التوحيد، بل المتبادر منها إخلاص النية في عبادة الله مطلقاً: لأن بعض المشركين كانوا يشركون مع الله غيره في العبادة، خصوصاً أهل الكتاب الذين ذكروا مع المشركين في الآية، فإنهم كانوا يشركون في العبادة مع الله بعض أنبيائه، وأما الحديث فلأن ثواب الأعمال إذا حبط فإنه لا يكون لها أية فائدة، ولا معنى لقولهم: إن العمل صحيح مع بطلان ثوابه نعم لهم أن يقولوا: إن فائدته رفع العقاب، ولكن هذا لا دليل عليه في الحديث. بل العكس، ظاهر الحديث يدل على النية شرط في الثواب وفي الصحة، والتخصيص بالثواب تحكم لا دليل عليه.
**************************

له: إنه قد صلى مطلقاً، وبعضهم قال: إنها شرط لصحة الصلاة، فمن لم ينو فإنه يقال له: إنه قد صلى صلاة باطلة، ومثل هذا الخلاف لا يترتب عليه كثير فائدة لمن يريد أن يعرف ما تصح الصلاة به؛ وما لا تصح، بدون تدقيق فقهي، فإن مثل هذا يقال له: إن النية لازمة في الصلاة، فلو تركت بطلت الصلاة، باتفاق المذاهب، لا فرق في ذلك بين كونها شرطاً في صحتها أو جزءاً من أجزائها، أما طلبة العلم الذين يريدون أن يعرفوا اصطلاح كل مذهب، فعليهم أن يعرفوا أن المالكية والشافعية اتفقوا على أن النية ركن من أركان الصلاة، فلو لم ينو الصلاة فإنه لا يقال له: قد صلى أصلاً، والحنفية والحنابلة اتفقوا على أنها شرط؛ بمعنى أنه إن لم يأت بها فإنه يكون قد صلى صلاة باطلة، وبذلك تعلم أن النية بالمعنى المتقدم فرض، أو شرط لا بد منه على كل حال، وإليك بيانها مفصلة:
[كيفية النية في الصلاة المفروضة]

الصلاة إما أن تكون فرض عين، كالصلوات الخمس؛ وإما أن تكون فرض كفاية، كصلاة الجنازة، والصلاة المنذورة، وإما أن تكون سنة مؤكدة، أو غير مؤكدة، على التفصيل المتقدم في صحيفة 64.فأما نية الصلاة المفروضة ففي كيفيتها تفصيل المذاهب (1) .

(1) الحنفية قالوا: يتعلق بهذا المبحث أمور: أحدها: أنه يفترض على كل مكلف أن يعلم أن الله فرض عليه خمس صلوات، فإذا كان جاهلاً بالصلوات المفروضة، فإن صلاته لا تصح، ولو كان يصليها في أوقاتها، الا إذا صلى مع الإمام. ونوى صلاة إمامه. فإن علم أن عليه صلاة مفروضة، ولكن لم يميز الفرض من الواجب والسنة وصلاها كلها بنية الفرض، فإن صلاته تصح؛ ومثل هذا كثير بين العامة، على أن صلاتهم بهذه الكيفية، وإن كانت صحيحة، ولكن يلزمهم أن يتعلموا الفرق بين الفرض وغيره، ولا يستمروا على جهلهم بأمور دينهم الضرورية في هذا الزمن الذي يسهل فيه عليهم أن يحضروا دروس الفقه في المساجد وغيرها؛ ثانيها: كيفية النية، وكيفية النية في الفرض: هي أن يعلم المصلي بقلبه الصلاة التي يصليها من ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء أو صبح. فمتى علم ذلك فإنه يكون قد أتى بالنية التي هي شرط لازم لصحة الصلاة. ثم إن كانت الصلاة في وقتها، فإنه يكفي تعيين الوقت، كما ذكرنا، بدون زيادة بحيث لو نوى صلاة الظهر أو العصر أو غيرهما من الفرائض، فإنه صلاته تصح، فلا يلزمه أن ينوي ظهر اليوم أو ظهر الوقت؛ وبعضهم يقول: بل يلزمه أن ينوي ظهر اليوم أو ظهر الوقت، وذلك لأن وقت الصلاة يقبل صلاة فرض آخر قضاء، فلو نوى صلاة الظهر يحتمل أنه يريد ظهر اليوم، ويحتمل أنه يريد صلاة ظهر آخر كان عليه، والرأيان مصححان، على أن الأحوط أن ينوي ظهر اليوم، أو عصر اليوم.
هذا إذا كانت الصلاة في وقتها؛ أما إذا كانت خارج الوقت فإن كان جاهلاً بخروج الوقف فإنه يكفي أن ينوي صلاة الظهر أو العصر بدون قيد على الأربجح، وإن كان عالماً بخروج الوقت، فقيل يكفي، وقيل: لا وعلى كل حال فالأحوط أن يقيده باليوم، فيقول: ظهر اليوم، أو عصر اليوم، ولو نوى صلاة الفرض بدون أن يعينه، فإنه لا يكفيه ما لم يقيده بالوقت، وذلك بأن ينوي صلاة فرض الوقت، فإذا نوى صلاة فرض الوقت، فإنه يصح بشرط أن تكون الصلاة في الوقت؛ فإذا صلى بعد خروج الوقت، وهو لا يعلم بخروجه ونوى فرض الوقت فإنه لا يصح.
والحاصل أنه لا بد في النية من تعيين الوقت الذي ينوي صلاته، فإن كان يصلي في الوقت، فإن التعيين يكون بنية نفس الفرض من ظهر أو عصر، الخ؛ وبعضهم يرى أن التعيين لا يكفي فيه ذلك، بل لا بد من أن ينوي عصر اليوم أو مغرب اليوم، وهكذا؛ وإن كان يصلي بعد خروج الوقت وهو لا يدري أن الوقت قد خرج، فمثله كمثل الذي يصلي في الوقت، فإنه يكفي أن ينوي الظهر أو العصر بدون زيادة على الأرجح؛ أما إن كان عالماً بخروج الوقت، فكذلك الحال فيه، فبعضهم يقول: إنه يكتفي منه بنية صلاة الظهر أو العصر، الخ، بدون زيادة، وبعضهم يرى أنه لا بد من أن ينوي ظهر اليوم.
هذا، وإذا لم يعين الظهر أو العصر، ولم يقيد باليوم. بل نوى صلاة الفرض فقط. فإنه لا يكفي باتفاق، فإذا نوى فرض الوقت فإن نيته تصح إذا كانت صلاته في الوقت.
ثالثها: النية في صلاة الجنازة، والصلاة الواجبة، وهي شرط في صحتها. كما هي شرط في صحة الصلاة المفروضة، فأما صلاة الجنازة فإنه يكفي أن ينوي فيها صلاة الجنازة، ولكن النية الكاملة فيها هي أن ينوي صلاة الجنازة والدعاء للميت، كما يأتي في "مباحث الجنازة"، وينوي في الجمعة صلاة الجمعة، وكما أن النية شرط في صحة الصلاة المفروضة عن الحنفية، فكذلك هي شرط في صحة صلاة الواجب، كالوتر وركعتي الطواف، فإن النية شرط في صحتهما، بأن ينوي الوتر وركعتي الطواف؛ ومثل ذلك صلاة النفل الذي شرع فيه ثم أفسده، فإذا شرع في صلاة ركعتين تطوعاً ثم فسدت صلاته قبل تمامها، فإنه يجب عليه إعادتهما، وفي هذه الحالة تشترط النية، لأن صلاتهما ثانياً أصبحت واجبة.
وبالجملة فالنية لازمة للصلوات المفروضة عيناً وكفاية وللصلاة الواجبة وللصلاة المنذورة؛ أما صلاة النفل فإنه لا يشترط لها النية، كما يأتي:
المالكية قالوا: لا بد من نية الفرض من تعيينه، بأن يقصد صلاة الظهر أو العصر، وهكذا، فإن لم ينو فرضاً معيناً، فإن صلاته لا تصح، وسيأتي بيان حكم النية في النافلة.
الشافعية قالوا: يشترط للنية في صلاة الفرض ثلاثة شروط: أحدها: نية الفرضية، بمعنى أن يقصد المصلي كون الصلاة التي يصليها فرضاً؛ يانيها: قصد فعل الصلاة، بمعنى أنه يستحضر الصلاة، ولو إجمالاً، ويقصد فعلها، وإنما اشترطوا قصد فعل الصلاة لتتميز عن الأفعال الأخرى،ثالثها: تعيين الصلاة التي يصليها من ظهر أو عصر، رابعها: أن تكون نية الفرضية وقصد فعل الصلاة وتعيين الصلاة التي يصليها مقارناً لأي جزء من أجزاء تكبيرة الإحرام، فإذا فقد شرط من هذه الشروط بطلب النية، وبطلت الصلاة، لأن النية فرض من فرائضها، ولعل بعض الناس يجد صعوبة في هذا، ولكن الواقع هو أن المصلي الذي يقف بين يدي خالقه لا يصخ له أن يقدم على مناجاته وهو ساه عن الفعل الذي يريد أن يعبده به؛ فعليه أولاً أن ينوي الفرض لتتميز عنده الصلاة من أول الأمر، ثانياً: أن يتسحضر الصلاة التي يريد فعلها. ولا يلزمه أن يستحضر صلاة ذات ركوع وسجود وقيام وجلوس وقراءة فإذا كان ذلك فرضاً عليه من أول الأمر فإنه يساعده على الخشوع لربه، أما كون هذا مقارناً لأي جزء من أجزاء تكبيرة الإحرام فعلته ظاهرة، وهي أن يكون استحضار الصلاة مقارناً لأول جزء من أجزائها فيساعد على الخشوع.
هذا وإذا صلى شخص فرضاً من فرائض الصلاة منفرداً. ثم أراد أن يعيده في جماعة. فإنه يلزمه أن يعينه على الوجه المتقدم.
الحنابلة قالوا: لا بد في نية الفرض من التعيين. بأن ينوي صلاة الظهر أو العصر، أو المغرب أو الجمعة، وهكذا. فلا يكفي بأن ينوي مطلق الفرض. ولا يلزم أن يزيد على ذلك شيئاً
******************************




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 03-06-2020, 11:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 195 الى صــــــــ
206
الحلقة (36)

[حكم استحضار الصلاة المنوية وشروط النية]

قد عرفت مما تقدم في "مبحث كيفية النية" أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أن استحضار الصلاة من قيام. وقراءة. وركوع. وسجود عند النية ليس بشرط لصحة الصلاة. وخالف في ذلك الشافعية. فقالوا: لا بد من استحضار بعض أجزاء الصلاة عند النية إن لم يستطع استحضار جميع الأركان، وقد تقدم بيان مذهبهم موضحاً؛ أما استمرار النية إلى آخر الصلاة بحيث لو نوى الخروج من الصلاة. وأبطل نية الدخول فيها، فإن الصلاة تبطل، ولو استمر في صلاته. لأن في هذه الحالة يكون قد صلى بدون نية، مثلاً إذا دخل شخص في الصلاة بنية صحيحة ثم ناداه شخص آخر فنوى الخروج من الصلاة تلبية لندائه. فإن صلاته تبطل بذلك. ولو لم يقطع الصلاة بالفعل، لأن من شرائط صحة النية أن لا يأتي المصلي بما ينافيها، وظاهر أن نية الخروج من الصلاة يناقض نية الدخول فيها، وقد تقدمت شروط النية في صحيفة 54 - وهي: الإسلام: والتمييز، والجزم، بأن لا يتردد في النية أو يرفضها، وهذا القدر متفق عليه في المذاهب، الا أنك قد عرفت أن الشافعية زادوا على ذلك في نية الصلاة قصد أفعال الصلاة، ونية كون الصلاة فرضاً؛ وزادوا في نية الوضوء أن تكون مقارنة لغسل أول عضو مفروض، أما
الإسلام فهو شرط من شروط صحة النية في الصلاة باتفاق، وذلك لأن الصلاة لا تصح من غير المسلم، كما تقدم في "شروط الصلاة".

[حكم التلفظ بالنية، ونية الأداء أو القضاء أو نحو ذلك]

يسن أن يتلفظ بلسانه بالنية، كأن يقول بلسانه أصلي فرض الظهر مثلاً، لأن في ذلك تنبيهاً للقلب، فلو نوى بقلبه صلاة الظهر، ولكن سبق لسانه فقال: نويت أصلي العصر فإنه لا يضر، لأنك قد عرفت أن المعتبر في النية إنما هو القلب، النطق باللسان ليس بنية، وإنما هو مساعد على تنبيه القلب، فخطأ اللسان لا يضر ما دامت نية القلب صحيحة، وهذا الحكم متفق عليه عند الشافعية والحنابلة، أما المالكية، والحنفية فانظر مذهبهما تحت الخط (1) ، أما نية الأداء أو القضاء أو عدد الركعات فسنبينه مفصلاً بعد هذا:[نية الأداء والقضاء]لا يلزم المصلي أن ينوي الأداء والقضاء، فإذا صلى الظهر مثلاً في وقتها، فإنه لا يلزم أن ينوي الصلاة أداء، وكذلك إذا صلاها بعد خروج وقتها فإنه لا يلزمه أن ينويها قضاء، فإذا نواه تصح، وإن لم تطابق الواقع. كما إذا نوى صلاة الظهر أداء بعد خروج الوقت، فإن كان عالماً بخروج الوقت وتعمد المخالفة بطلت صلاته؛ لأن في هذا تلاعباً ظاهراً، أما إذا لم يكن عالماً بخروج الوقت، فإن صلاته تكون صحيحة.هذا، وإذا نوى أن يصلي المغرب أربع ركعات أو العشاء خمس ركعات، فإن صلاته تكون باطلة، ولو كان غالطاً؛ وهذا هو رأي الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، فانظر مذهبهما تحت الخط (2) .
(1) المالكية، والحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية ليس مروعاً في الصلاة، الا إذا كان المصلي موسوساً، على أن المالكية قالوا: إن التلفظ بالنية خلاف الأولى لغير الموسوس، ويندب للموسوس.
الحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية بدعة، ويستحسن لدفع الوسوسة

(2) الحنفية قالوا: إذا نوى الظهر خمس ركعات أو ثلاثاً مثلاً، فإن قعد على رأس الرابعة ثم خرج من الصلاة أجزأه، وتكون نية الخمس ملغاة.
**************************

[حكم النية في الصلاة غير المفروضة وكيفيتها]
في حكم النية في الصلاة النافلة تفصيل في المذاهب (1) .
[وقت النية في الصلاة]
اتفق ثلاثة من الأئمة، وهم المالكية، والحنفية؛ والحنابلة: على أن يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بزمن يسير، وخالف الشافعية، فقالوا: لا بد من أن تكون النية مقارنة

المالكية قالوا: لا تبطل صلاته الا إذا كان متعمداً، فلو نوى الظهر خمس ركعات غلطاً صحت صلاته

(1) الحنفية قالوا: لا يشترط تعيين صلاة النافلة، سواء كانت سنناً أو لا، بل يكفي أن ينوي مطلق الصلاة، الا أن الأحوط في السنن أن ينوي الصلاة متابعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما أن الأحوط في صلاة التراويح أن ينوي التراويح، أو سنة الوقت، أو قيام الليل وإذا وجد جماعة يصلون ولا يدري أهم في صلاة التراويح أم في صلاة الفرض، وأراد أن يصلي معهم، فلينو صلاة الفرض، فإن تبين أنهم في صلاة الفرض أجزأه، وإن تبين أنهم في التراويح انعقدت صلاته.
الحنابلة قالوا: لا يشترط تعيين السنة الراتبة بأن ينوي سنة عصر، أو ظهر، كما يشترط تعيين سنة التراويح، وأما النفل المطلق فلا يلزم أن ينوي تعيينه، بل يكفي فيه نية مطلق الصلاة.
الشافعية قالوا: صلاة النافلة إما أن يكون لها وقت معين؛ كالسنن الراتبة، وصلاة الضحى، وإما أن لا يكون لها وقت معين، ولكن لها سبب، كصلاة الاستسقاء؛ وإما أن تكون نفلاً مطلقاً، فإن كان لها وقت معين، أو سبب، فإنه يلزم أن يقصدها ويعينها، بأن ينوي سنة الظهر مثلاً، وأنها قبلية أو بعدية؛ كما يلزم أن يكون القصد والتعيين مقارنين لأي جزء من أجزاء التكبير، وهذا هو المراد بالمقارنة والاستحضار العرفيين، وقد تقدم مثله في صلاة الفرض، ولا يلزم فيها نية النفلية، بل يستحب، أما إن كانت نفلاً مطلقاً، فإنه يكفي فيها مطلق قصد الصلاة حال النطق بأي جزء من أجزاء التكبير، ولا يلزم فيها التعيين، ولا نية النفليه، ويلحق بالنفل المطلق في ذلك كل نافلة لها سبب. ولكن يغني عنها غيرها؛ كتحية المسجد، فإنها سنة لها سبب وهو دخول المسجد، ولكن تحصل في ضمن أي صلاة يشرع فيها عقب دخوله المسجد.
المالكية قالوا: الصلاة غير المفروضة إما أن تكون سنة مؤكدة؛ وهي صلاة الوتر والعيدين والكسوف والاستسقاء، وهذه يلزم تعيينها في النية بأن ينوي صلاة الوتر أو العيد، وهكذا؛ وإما أن تكون رغيبة؛ وهي صلاة الفجر لا غير، ويشترط فيها التعيين أيضاً، بأن ينوي صلاة الفجر، وإما أن تكون مندوبة كالرواتب والضحى والتراويح والتهجد، وهذه يكفي فيها نية مطلقة الصلاة، ولا يشترط تعيينها، لأن الوقت كاف في تعيينها
****************************

لتكبيرة الإحرام، بحيث لو فرغ من تكبيرة الإحرام بدون نية بطلت، وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في وقت النية تحت الخط (1) .

(1) الحنفية قالوا: يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بشرط أن لا يفصل بينهما فاصل أجنبي عن الصلاة، كالأكل والشرب والكلام الذي تبطل به الصلاة؛ أما الفاصل المتعلق بالصلاة، كالمشي لها؛ والوضوء، فإنه لا يضر، فلو نوى صلاة الظهر مثلاً، ثم شرع في الوضوء، وبعد الفراغ منه مشى إلى المسجد، وشرع في الصلاة ولم تحضره النية؛ فإن صلاته تصح، وقد عرفت مما تقدم أن النية هي إرادة الصلاة لله تعالى وحده؛ بدون أن يشرك معه في ذلك أمراً من الأمور الدنيوية مطلقاً، فمتى نوى هذا، وشرع في الصلاة بدون أن يفصل بين نيته وبينه بعمل أجنبي، فإنه يكون قد أتى بالمطلوب منه، فإذا شرع في الصلاة بهذه النية الصحيحة، ثم دخل عليه شخص، فأطال الصلاة لميدح عنده، فإن ذلك لا يبطل الصلاة ولكن ليس له ثواب هذه الإطالة وإنما له ثواب أصل الصلاة، وذلك لأن نيته كانت خالصة الله تعالى وهذا معنى قول بعض الحنفية؛ إن الصلاة لا يدخلها رياء؛ فإنهم يريدون به أن النية الخالصة تكفي في صحة الصلاة؛ ولا يضر الرياء العارض، على أنه شر لا فائدة منه باتفاق.
وهل تصح نية الصلاة قبل وقتها، كأن ينوي الصلاة، ويتوضأ قبل دخول الوقت بزمن يسير، ثم يمشي إلى المسجد بدون أن يتكلم بكلام أجنبي، ويجلس فيه إلى أن يدخل الوقت فيصلي؟ والجواب: أن المنقول عن أبي حنيفة أن النية لا تصح قبل دخول الوقت، وبعضهم يقول: بل تصح لأن النية شرط والشرط يتقدم على المشروط، فتقدم النية طبيعي.
هذا، وقد اتفق علماء الحنفية على أن الأفضل أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام بدون فاصل، فعلى مقلدي الحنفية أن يراعوا ذلك، ولا يفصلوا بين التكبيرة وبين النية، لأنه أفضل، ويرفع الخلف.
الحنابلة قالوا: إن النية يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام بزمن يسير، بشرط أن ينوي بعد دخول الوقت، كما نقل عن أبي حنيفة، فإذا نوى الصلاة قبل دخول وقتها فإن نيته لا تصح، وذلك لأن النية شرط، فلا يضر أن تتقدم على الصلاة، كما يقول الحنفية، ولكن الحنابلة يقولون: إن الكلام الأجنبي لا يقطع النية، فلو نوى الصلاة، ثم تكلم بكلام خارج عن الصلاة، ثم كبر، فإن صلاته تكون صحيحة، وإنما اشترطوا اللنية دخول الوقت، مراعات لخلاف من يقول: إنها ركن.
هذا، والأفضل عندهم أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام، كما يقول الحنفية.
المالكية قالوا: إن النية يصح أن تتقدم على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفاً، كما إذا نوى في محل قريب من المسجد، ثم كبر في المسجد ناسياً للنية، وبعض المالكية يقول: إن النية لا يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام مطلقاً، فإن تقدمت بطلت الصلاة، ولكن الظاهر عندهم هو القول الأول؛ على أنهم اتفقوا على أن النية إذا تقدمت بزمن طويل في العرف فإنها تبطل، وإنما ذكرنا هذا الخلاف ليعلم الناظر في هذا أن مقارنة النية لتكبيرة الإحرام عند المالكية له منزلة، فلا يصح إهماله بدون ضرورة: من نسيان، ونحوه.
الشافعية قالوا: إن النية لا بد أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، بحيث لو تقدمت عليها أو تأخرت بزمن ما، فإن الصلاة لا تصح، كما بيناه في مذهبهم في "مبحث كيفية النية"
*******************************

[نية الإمام ونية المأموم]

يشترط في صح صلاة المأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام، بأن ينوي متابعته في أول الصلاة فلو أحرم شخص بالصلاة منفرداً، ثم وجد إماماً فنوى الاقتداء به فإن صلاته لا تصح عند الحنفية، والمالكية؛ أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ؛ أما الإمام فإنه لا يشترط أن ينوي الإمامة الا في أمور مبينة في المذاهب(2) .



(1) الشافعية قالوا: إذا نوى الاقتداء في أثناء الصلاة صحت الا في صلاة الجمعة والصلاة التي جمعت جمع تقديم للمطر، والصلاة المعادة، فإنه لا بد أن ينوي الاقتداء فيهما أول صلاته، وإلا لم تصح.
الحنابلة قالوا: يشترط في صحة المأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام أو الصلاة، الا إذا كان المأموم مسبوقاً، فله أنيقتدي بعد سلام إمامه بمسبوق مثله في غير الجمعة؛ ومثل ذلك إذا ما اقتدى مقيم بمسافر يقصر الصلاة فإن للمقيم أن يقتدي بمثله في بقية الصلاة بعد فراغ الإمام
(2) الحنابلة قالوا: يشترط أن ينوي الإمامة في كل صلاة، وتكون نية الإمامة في أول الصلاة الا في الصورتين المتقدمتين في الحكم الذي ذكر قبل هذا مباشرة.
المالكية قالوا: يشترط نية الإمامة في كل صلاة تتوقف صحتها على الجماعة، وهي الجمعة والمغرب، والعشاء المجموعتان ليلة المطر تقديماً، وصلاة الخوف، وصلاة الاستخلاف، فلو ترك الإمام نية الإمامة في الجمعة بطلت عليه وعلى المأمومين، ولو تركها في الصلاتين المجموعتين بطلت الثانية. وأما إذا تركها في صلاة الخوف فإنها تبطل على الطائفة الأولى من المأمومين فقط، لأنها فارقت في غير محل المفارقة، وتصح للإمام وللطائفة الثانية. أما صلاة الاستخلاف فإن نوى الخليفة فيها الإمامة صحت له وللمأمومين الذين سبقوه، وإن تركها صحت له، وبطلت على المأمومين.
الحنفية قالوا: تلزم نية الإمامة في صورة واحدة، وهي ما إذا كان الرجل يصلي إماماً لنساء، فإنه يشترط لصحة اقتدائهن به أن ينوي الإمامة، لما يلزم من الفساد فيمسألة المحاذاة، وسيأتي تفصيلها.
الشافعية قالوا: يجب على الإمام أن ينوي الإمامة في أربع مسائل: إحداها: الجمعة؛ ثانيها: الصلاة التي جمعت للمطر جمع تقديم، كالعصر مع الظهر، والعشاء مع المغرب، فإنه يجب عليه أن ينوي الإمامة في الصلاة الثانية منهما فقط، بخلاف الأولى، لأنها وقعت في وقتها؛ ثالثها: الصلاة المعادة في الوقت جماعة؛ فلا بد للإمام فيها أ، ينوي الإمامة؛ رابعها: الصلاة التي نذر أن يصليها جماعة، فإنه يجب عليه أن ينوي فيها الإمامة للخروج من الإثم، فإن لم ينو الإمامة فيها صحت، ولكنه لا يزال آثماً حتى يعيدها جماعة وينوي الإمامة
**************************

[الفرض الثاني من فرائض الصلاة: تكبيرة الإحرام]
[حكمها - تعريفها]

يتعلق بتكبيرة الإحرام مباحث: أحدها: حكمها، وتعريفها: ثانيها: دليل فرضيتها؛ ثالثها: صفتها؛ رابعها: شروطها فأما حكم تكبيرة الإحرام فهي فرض من فرائض الصلاة باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنها شرط لا فرض، وعلى كل حال فإن الصلاة بدونها لا تصح باتفاق الجميع، لأنك قد عرفت أن الشرط لازم كالفرض، وقد بينا مذهب الحنفية تحت الخط (الحنفية قالوا: إن تكبيرة الإحرام ليست ركناً على الصحيح، وإنما هي شرط من شروط صحة الصلاة، وقد يقال: إن التكبيرة يشترط لها ما يشترط للصلاة من طهارة، وستر عورة، الخ. فلو كانت شرطاً لم يلزم لها ذلك، ألا ترى أن نية الصلاة تصح من غير المتوضئ، ومن مكشوف العورة، عند من يقول: إنها شرط؛ والجواب على ذلك أن تكبيرة الإحرام متصلة بالقيام الذي هو ركن من أركان الصلاة، فلذا اشترط لها ما اشترط للصلاة من طهارة ونحوها؛ وقد عرفت أن هذا فلسفة فقهية لا يترتب عليها فائدة عملية الا لطلبة العلم الذين قد يبنون على هذا أحكاماً دقيقة في الطلاق ونحوه، وإلا فتكبيرة الإحرام أمر لازم لا بد منه باتفاق الجميع، كما كررنا غير مرة) ، وأما تعريف تكبيرة الإحرام فهو الدخول في حرمات الصلاة، بحيث يحرم عليه أن يأتي بعمل ينافي الصلاة، يقال: أحرم الرجل إحراماً إذا دخل في حرمة لا تهتك، فلما دخل الرجل بهذه التكبيرة في الصلاة التي يحرم عليه أن يأتي بغير أعمالها سميت تكبيرة إحرام، ويقالها أيضاً تكبيرة تحرّم، وقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أن تكبيرة الإحرام هي أن يقول المصلي في افتتاح صلاته: الله أكبر، بشرائط خاصة ستعرفها قريباً، وخالف الحنفية، فقالوا: إن تكبيرة الإحرام لا يشترط أن تكون بهذا اللفظ، وسيأتي مذهبهم في "صفة التكبيرة".

[دليل فرضية تكبيرة الإحرام]

أجمع المسلمون على أن افتتاح الصلاة بذكر اسم الله تعالى أمر لازم لا بد منه، فلا تصح صلاة الا به، وقد وردت أحاديث صحيحة تؤيد ذلك الإجماع: منها ما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"، وهذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وأحسن.
وقد استدل بعضهم على فرضية تكبيرة الإحرام بقوله تعالى: {وربك فكبر} ووجه الاستدلال أن لفظ: "فكبر" أمر وكل أمر للوجوب، ولم يجب التكبير الا في الصلاة بإجماع المسلمين فدل ذلك على أن تكبيرة الإحرام فرض.وعلى كل حال فلم يخالف أحد من العلماء المسلمين في أن تكبيرة الإحرام أمر لازم لا تصح الصلاة بدونها، سواء كانت فرضاً أو شرطاً.
[صفة تكبيرة الإحرام]

قد عرفت أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أن تكبيرة الإحرام مركبة من لفظين، وهما: الله أكبر، بخصوصهما، بحيث لو افتتح الصلاة بغير هذه الجملة، فإنه صلاته لا تصح وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .

(1) الحنفية قالوا: لا يشترط افتتاح الصلاة بلفظة: الله أكبر، إنما الافتتاح بهذا اللفظ واجب لا يترتب على تركه بطلان الصلاة في ذاتها، بل يترتب عليه إثم تارك الواجب، وقد عرفت أن الواجب عندهم أقل من الفرض، وأن تاركه يأثم إثماً لا يوجب العذاب بالنار، وإنما يوجب الحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وكفى بذلك زجراً للمؤمنين؛ ومن هذا تعلم أن افتتاح الصلاة بهذه الصفة مطلوب عند الحنفية، كما هو مطلوب عند غيرهم؛ الا أن الحنفية قالوا: لا تبطل الصلاة بتركه، ولكن تركه يوجب إعادة الصلاة. فإن لم يعدها سقط عنه الفرض، وأثم ذلك الإثم الذي لا يوجب العذاب.
أما الصيغة التي تتوقف عليها صحة الصلاة عندهم فهي الصيغة التي تدل على تعظيم الله عز وجل وحده بدون أن تشتمل على دعاء ونحوه؛ فكل صيغة تدل على ذلك يصح افتتاح الصلاة بها، كأن يقول: سبحان الله، أو يقول: الحمد لله، أو لا إله الا الله، أو يقول: الله رحيم، أو الله كريم. ونحو ذلك من الصيغ التي تدل على تعظيم الإله جل وعز خاصة، فلو قال: استغفر الله، أو أعوذ بالله، أولا حول ولا قوة الا بالله، فإن صلاته لا تصح بذلك، لأن هذه الكلمات قد اشتملت على شيء آخر سوى التعظيم الخالص، وهو طلب المغفرة والاستعاذة، ونحو ذلك.
هذا، ولا بد أن يقرن هذه الأوصاف بلفظ الجلالة: فلو قال: كريم، أو رحيم، أو نحو ذلك فإنه لا يصح، ولو ذكر الاسم الدال على الذات دون الصفة، كأن يقول: الله، أو الرحمن، أو الرب، ولم يزد عليه شيئاً، فقال أبو حنيفة: إنه يصح، وقال صاحباه: لا. أما الأدلة التي تقدم ذكرها، فإنها لا تدل الا على ذلك، فقوله تعالى: {وربك فكبر} ليس معناه الإتيان بخصوص التكبير، بل معناه: عظم ربك بكل ما يفيد تعظيمه، وكذلك التكبير الوارد في الحديث؛ وإنما قلنا: إن الإتيان بخصوص التكبير واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الإتيان به ولم يتركه.
***********************

[شروط تكبيرة الإحرام]

ينبغي أن تحفظ شروط تكبيرة احرام في كل مذهب على حدة، لما في ذلك التسهيل على طلاب كل مذهب، فانظرها تحت الخط (1) .

هذا هو رأي الحنفية، وقد عرفت أن الأئمة الثلاثة اتفقوا على أن تكون بلفظ: الله أكبر، كما هو الظاهر من هذه الأدلة، وقد أيده النبي صلى الله عليه وسلم بعمله
(1) الشافعية قالوا: شروط صحة تكبيرة الإحرام خمسة عشر شرطاً، إن اختل واحد منها لم تنعقد الصلاة: أحدها: أن تكون باللغة العربية إن كان قادراً عليها، فإن عجز عنها، ولم يستطع أن يتعلمها فإنه يصح له أن يكبر باللغة التي يقدر عليها؛ ثانيها: أن يأتي بها وهو قائم إن كان في صلاة مفروضة، وكان قادراً على القيام، أما في صلاة النفل فإن الإحرام يصح من قعود، كما تصح الصلاة من قعود، فإن أتى بالإحرام في صلاة الفرض حال الانحناء، فإن كان إلى القيام أقرب، فإنها تصح، وإن كان الركوع أقرب، فإنها لا تصح، وفاقاً للحنفية؛ والحنابلة، وخلافاً للمالكية الذين قالوا: إن الإتيان بها حال الانحناء لا يصح الا في صورة واحدة؛ وهي ما إذا كان مقتدياً بإمام سبقه، ولكن الشافعية لا يلزم عندهم أن يدرك الإمام حال ركوعه، بل لو سبقه الإمام بالركوع ثم كبر المأموم وركع وحده فإنه يصح، وسيأتي إيضاح ذلك، ثالثها: أن يأتي بلفظ الجلالة، ولفظ أكبر، رابعها: أن لا يمد همزة لفظ الجلالة، فلا يقول: الله أكبر، لأن معنى هذا الاستفهام، فكأنه يستفهم عن الله، خامسها: أن لا يمد الباء، من لفظ أكبر، فلا يصح أن يقول: الله أكبار، فلو قال ذلك لم تصح صلاته، سواء فتح همزة أكبار، أو كسرها. لأن أكبار - بفتح الهمزة - جمع كبر، وهو اسم للطبل الكبير. وإكبار - بكسر الهمزة - اسم للحيض، ومن قال ذلك متعمداً، فإنه يكون ساباً لإلهه، فيرتد عن دينه، سادسها؛ أن لا يشدد الباء من أكبر، فلو قال: الله أكبر لم تنعقد صلاته، سابعها: أن لا يزيد واواً ساكنة أو متحركة بين الكلمتين. فلو قال: والله أكبر، أو قال: الله وأكبر.
لم تنعقد صلاته،
ثامنها: أن لا يأتي بواو قبل لفظ الجلالة، فلو قال: والله أكبر لم تنعقد صلاته، تاسعها: أن لا يفصل بين الكلمتين بوقف طويل أو قصير على المعتمد، فلو قال: الله، ثم سكت قليلاً، وقال: أكبر. لم تنعقد صلاته، ومن باب أولى إذا سكت طويلاً، ولا يضر إدخال لام التعريف على لفظ: أكبر، فلو قال: الله الأكبر صحت، وكذا إذا زاد الوصف عن كلمتين فإنه يبطل التكبيرة، فإذا قال: الله العظيم الكريم الرحيم أكبر لم تنعقد صلاته، ولو فصل بين لفظ الجلالة، ولفظ أكبر بضمير، أو نداء فإنه لا يصح، كما إذا قال: الله هو أكبر، أو قال: الله يا رحمن أكبر.
عاشرها: أن يسمع بها نفسه، بحيث لو نطق بها في سره بدون أن يسمعها هو فإنها لا تصح، الا إذا كان أخرس، أو أصم، أو كانت بالمكان جلبة أو ضوضاء، فإنه لا يلزم في هذه الحالة أن يسمع نفسه، على أن الأخرس ونحوه يجب عليه أن يأتي بما يمكنه. بحيث لو كان الخرس عارضاً وأمكنه أن يحرك لسانه أو شفتيه بالتكبير، فإنه يجب عليه أن يفعل، الحادي عشر: دخول الوقت إن كان يصلي فرضاً أو نفلاً مؤقتاً، أو نفلاً له سبب، كما تقدم، الثاني عشر: أن يوقع التكبيرة وهو مستقبل القبلة إن لم يسقط عنه استقبال القبلة، كما تقدم في مبحث "استقبال القبلة" الثالث عشر: أن تتأخر التكبيرة عن تكبيرة الإمام إن كان يصلي مقتدياً بإمام، الرابع عشر: أن يأتي بالتكبير في المكان الذي يصح فيه القراءة، وسيأتي في بيان شروط القراءة.
الحنفية قالوا: شروط تكبيرة الإحرام عشرون، وإليك بيانها:
-1 - دخول وقت الصلاة المكتوبة وإن كانت التحريمة لها، فلو كبر قبل دخول الوقت بطلت تكبيرته.
-2 - أن يعتقد المصلي أن الوقت قد دخل، أو يترجح عنده دخوله، فلو شك في دخوله وكبر للإحرام فإن تكبيرته لا تصح حتى ولو تبين أن الوقت قد دخل.
-3 - أن تكون عورته مستورة، وقد تقدم بيان العورة في الصلاة، فلو كبر عورته مكشوفة ثم سترها، فإن صلاته لا تصح.
-4 - أن يكون المصلي متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر، ومتطهراً من النجاسة فلا تصح منه التكبيرة إذا كان على بدنه أو ثوبه أو مكانه نجاسة غير معفّو عنها، وقد تقدم بيان النجاسة المعفو عنها في مبحث الطهارة، فلو كبر، وهو يظن أن به نجاسة بطلت تكبيرته، ولو تبين له أنه طاهر.
-5 - أن يأتي بالتكبيرة وهو قائم إذا كان يصلي فرضاً أو واجباً أو سنة فجر، أما باقي النوافل فإنه لا يشترط لها القيام، بل يصح الإتيان بها وهو قاعد، فإن أتى بها منحنياً. فإن كان انحناؤه إلى القيام أقرب، فإنه لا يضر، وإن كان إلى الركوع أقرب فإنه يضر، ومحل ذلك ما إذا كان قادراً على القيام، كما هو ظاهر، وإذا أدرك الإمام، وهو راكع، فكبر للإحرام خلفه، فإن أتى بالتكبيرة كلها وهو قائم، فإنه يصح، أما إذا قال: الله، وهو قائم، وقال: أكبر، وهو راكع، فإن صلاته لا تصح، ولو أدرك الإمام من أول الصلاة، فنطق بقول: الله، قبل أن يفرغ منها الإمام فإنها لا تصح.
-6 - نية أصل الصلاة. كأن ينوي صلاة الفرض.
-7 - تعيين الفرض من أنه ظهر أو عصر مثلاً، فإذا كبر من غير تعيين؛ فإن تكبيرته لا تصح.
-8 - تعيين الصلاة الواجبة، كركعتي الطواف، وصلاة العيدين والوتر، والمنذور، وقضاء نفل أفسده، فإن كل هذا واجب يجب تعيينه عند التكبيرة، أما باقي النوافل فإنه لا يجب تعيينها، كما تقدم.
-9 - أن ينطق بالتكبيرة بحيث يسمع بها نفسه، فمن همس بها، أو أجراها على قلبه، فإنها لا تصح، ومثل ذلك جميع أقوال الصلاة من ثناء، وتعوّذ؛ وبسملة؛ وقراءة، وتسبيح، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الطلاق واليمين وغير ذلك فإنها لا تعتبر عند الحنفية، الا إذا نطق بها وسمعها، فلا تصح، ولا يترتب عليها أثر إذا همس بها أو أجراها على قلبه.
-10 - أن يأتي بجملة ذكر، كأن يقول: الله أكبر، أو سبحان الله، أو الحمد لله، فلو أتى بلفظ واحد، فإنه لا يصح، وقد تقدم بيان ذلك مفصلاً في صفة التحريمة قريباً.
-11 - أن يكون الذكر خالصاً لله، فلا تصح تكبيرة الإحرام إذا كان الذكر مشتملاً على حاجة للمصلي؛ كاستغفار، ونحوه كما تقدم تقريباً.
-12 - أن لا يكون الذكر بسملة، فلا يصح افتتاح الصلاة بها على الصحيح.
-13 - أن لا يحذف الهاء من لفظ الجلالة، فإن حذفها بطلت صلاته.
-14 - أن يمد اللام الثانية من لفظ الجلالة فإذا لم يمدها اختلف في صحة تكبيرته، وفي حال ذبيحته؛ فينبغي الإتيان بذلك المد احتياطاً.
-15 - أن لا يمد همزة الله، وهمزة أكبر فلو قال: الله أكبر، بالمد، لم تصح صلاته، لأن المد معناه الاستفهام، ومن يستفهم عن وجود إلهه فلا تصح صلاته. وإن تعمد هذا المعنى يكفر، فالذين يذكرون الله - بمد الهمزة - مخطئون خطئاً فاحشاً، لما فيه من الإيهام، وإن كان غرضهم النداء؛ أما إذا كان غرضهم الاستفهام؛ فإنهم يرتدون عن الإسلام، وعلى كل حال فإن المد في الصلاة مبطلها، وقد عرفت أن الشافعية موافقون على هذا.
-16 - أن لا يمد باء أكبر، فإذا قال: الله أكبار بطلت صلاته، لأنه - بفتح الهمزة - جمع كبر، وهو الطبل - وبكسرها - اسم للحيض، ومن قصد هذا فإنه يكفر، وعلى كل حال فهو مبطل للصلاة.
-17 - أن لا يفصل بين النية وبين التحريمة بفاصل أجنبي عن الصلاة فلو نوى، ثم أتى بعمل خارج عن الصلاة من كلام أو أكل، ولو كان بين أسنانه من قبل (بشرط أن يكون قدر الحمصة) أو شرب أو تكلم، أو تنحنح بلا عذر، ثم كبر فلإحرام بعد ذلك بدون نية جديدة، فإن صلاته لا تصح، أما إذا فصل بين النية وبين التكبيرة بالمشي إلى المسجد بدون كلام، أو فعل، فإنه يصح، كما تقدم في مبحث "النية" قريباً.
-18 - أن لا تتقدم التكبيرة على النية، فلو كبر، ثم نوى الصلاة، فإن تكبيرته لا تصح، ومتى فسدت تكبيرة الإحرام فقد قسدت الصلاة كلها، لما علمت من أنها شرط.
-19 - أن يميز الفرض.
-20 - أن يعتقد الطهارة من الحدث والخبث. ولم يشترط الحنفية أن تكون تكبيرة الإحرام باللغة العربية، فلو نطق بها بلغة أخرى، فإن صلاته تصح، سواء كان قادراً على النطق بالعربية أو عاجزاً، الا أنه كان قادراً يكره له تحريماً أن ينطق بها بغير العربية.
المالكية قالوا: يشترط لتكبيرة الإحرام شروط: أحدها: أن تكون باللغة العربية إذا كان قادراً عليها، أما إن عجز بأن كان أعجمياً، وتعذر عليه النطق بها، فإنها لا تجب عليه، ويدخل الصلاة بالنية، فإن ترجمها باللغة التي يعرفها، فلا تبطل صلاته، على الأظهر. أما إن كان قادراً على العربية فيتعين عليه أن يأتي بلفظ: الله أكبر بخصوصه، ولا يجزئ لفظ آخر بمعناه، ولو كان عربياً، وبذلك خالفوا الشافعية، والحنفية، لأن الشافعية أجازوا الفصل بين لفظ: الله، ولفظ: أكبر، بفاصل؛ كما إذا قال: الله الرحمن أكبر، وأجازوا الإتيان بها بغير العربية لغير القادر على النطق بالعربية، بخلاف المالكية؛ أما الحنفية فقد أجازوا الإتيان بها بغير العربية لغير القادر على العربية بلا كراهة، أما القادر على النطق بالعربية فقالوا إن: صلاته تصح إذا نطق بها بغير العربية مع كراهة التحريم.
ثانيها: أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم متى كان قادراً على القيام في الفرض، فإذا أتى بها حال انحنائه فإنها تبطل، لا فرق بين أن يكون الانحناء إلى الركوع أقرب أو إلى القيام أقرب، الا في حالة واحدة؛ وهي ما إذا أراد شخص أن يقتدي بإمام سبقه بالقراءة وركع، فأراد ذلك الشخص أن يدرك الإمام فكبر منحنياً، وركع قبل أن يرفع الإمام، فإن تكبيرة ذلك الشخص المأموم تكون صحيحة، ولكن لا تحتسب له تلك الركعة، وعليه إعادتها بعد سلام الإمام. أما إذا ابتدأ التكبير وهو قائم قبل أن يرفع الإمام، ثم أتم التكبير وهو راكع، أو حال الانحناء للركوع فإن الركعة تحتسب على أحد قولين راجحين، ويشترط في هذه الحالة أن ينوي بالتكبيرة الإحرام وحده، أو ينوي الإحرام مع الركوع أما إذا نوى الركوع وحده فإن صلاته لا تنعقد.
ولكن لا يصح له أن يقطع صلاته، بل ينبغي أن يستمر فيها مع الإمام احتراماً للإمام، ثم يعبدها بعد ذلك.
ثالثها: أن يقدم لفظ الجلالة على لفظ أكبر، فيقول: الله أكبر، أما إذا قال: أكبر الله فإنه لا يصح، وهذا متفق عليه.
رابعها: أن لا يمد همزة الله قاصداً بذلك الاستفهام، أما إذا لم يقصد الاستفهام بأن قصد النداء أو لم يقصد شيئاً، فإنه لا يضر عندهم.
خامسها: أن لا يمد باء أكبر قاصداً به جمع كبر، وهو الطبل الكبير، ومن يقصد ذلك كان سابّاً لإلهه، أما إذا لم يقصد ذلك فإن مد الباء لا يضر؛ وهذا الأمران قد خالف فيهما المالكية الأئمة الثلاثة؛ لأنهم اتفقوا على أن التكبيرة تبطل بهما، سواء قصد معناه اللغوي أو لا، كما أوضحناه في مذاهبهم.
سادسها: أن يمد لفظ الجلالة مداً طبيعياً، وهذا متفق عليه في المذاهب.
سابعها: أن لا يحذف هاء لفظ الجلالة، بأن يقول: الله أكبر، بدون هاء، وهذا متفق عليه أيضاً. أما إذا مد الهاء من لفظ الجلالة حتى ينشأ عنها واو، فإنه لا يضر عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، فقال الشافعية: إذا كان المصلي عامياً فإنه يغتفر له ذلك، أما غير العامي فإنه لا يغتفر له، ولو فعله تبطل التكبيرة، أما الحنابلة قالوا: إن ذلك يضر، وتبطل به التكبيرة على أي حال.
ثامنها: أن لا يفصل بين لفظ الجلالة، ولفظ أكبر بسكوت، بأن يقول: الله، ثم يسكت، ويقول: أكبر، بشرط أن يكون هذا السكوت طويلاً في العرف، أما إذا كان قصيراً عرفاً، فإنه لا يضر، وقد اتفقت المذاهب على أن الفصل بين لفظ الجلالة ولفظ أكبر ضار، الا إذا كان يسيراً، فأما المالكية فقد وكلوا تقدير اليسير للعرف، وأما الشافعية فقد قالوا: اليسير الذي يغتفر هو ما كان بقدر سكتة التنفس أو سكتة العيّ، وأما الحنفية؛ والحنابلة قالوا: إن السكوت الذي يضر هو السكوت الذي يمكنه أن يتكلم فيه ولو بكلام يسير.
تاسعها: أن لا يفصل بين الله؛ وبين أكبر بكلام؛ قليلاً كان؛ أو كثيراً؛ حتى ولو كان الفصل بحرف، فلو قال، الله أكبر، فإنه لا يصح، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنابلة، والمالكية، أما الحنفية فقد أجازوا الفصل بأل، فلو قال: الله الأكبر: أو قال: الله الكبير، فإنه يصح، كما يصح إذ قال: الله كبير، وأما الشافعية فقد عرفت أنهم أجازوا الفصل بوصف من أوصاف الله تعالى، بشرط أن لا يزيد على كلمتين، فلو قال: الله الرحمن الرحيم أكبر، فإنه يصح، كما تقدم موضحاً في مذهبهم.
عاشرها: أن يحرك لسانه بالتكبيرة، فلو أتى بها في نفسه بدون أن يحرك لسانه، فإنه لا تصح، أما النطق بها بصوت يسمعه، فإنه ليس بشرط عندهم، فإن كان أخرس، فإن التكبيرة تسقط عنه، ويكتفي منه بالنية؛ وقد خالف في ذلك المذاهب الثلاثة، فقد اشترطوا النطق بها بصوت يمسعه فلو حرك بها لسانه فقط، فإن صلاته تكون باطلة، الا إذا كان أخرس، فإنه يعفى عنه، عند الحنابلة، والحنفية؛ أما الشافعية قالوا: يأتي بما يمكنه من تحريك لسانه وشفتيه.
هذا، وكل ما كان شرطاً لصحة الصلاة من استقبال القبلة، وستر العورة، والطهارة، ونحو ذلك مما تقدم، فهو شرط للتكبيرة.
الحنابلة قالوا: يشترط لتكبيرة الإحرام شروط: أحدها: أن تكون مركبة من لفظ الجلالة، ولفظ أكبر: الله أكبر، فلو قال غير ذلك فإن صلاته تبطل؛ فالحنابلة، والمالكية متفقون على أن الإحرام لا يحصل الا بهذا اللفظ المترتب، فلو قال: أكبر الله، أو قال: الله الأكبر، أو الله الكبير، أو الجليل، أو غير ذلك من ألفاظ التعظيم، بطلت تحريمته، وكذا لو قال: الله فقط، أما إذا قال: الله أكبكر، ثم زاد عليه صفة من صفات الله، كأن قال: الله أكبر، وأعظم، أو الله أكبر وأجل، فإن صلاته تصح مع الكراهة، ومثل ذلك ما إذا قال: الله أكبر كبيراً، وقد عرفت أن الشافعية قالوا: إن الفصل بين الله وأكبر بكلمة أو كلمتين من أوصاف الله، نحو الله الرحمن الرحيم أكبر، فإنه لا يضر، وأن الحنفية قالوا: إن الفصل بأل لا يضر، كما إذا قال الله الأكبر، وكذا إذا قال: الله كبير، فإنه لا يضر عند الحنفية.
ثانيها: أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم، متى كان قادراً على القيام، ولا يشترط أن تكون قامته منتصبة حال التكبير، فلو كبر منحنياً، فإن تكبيرته تصح، الا إذا كان إلى الركوع أقرب، فإن أتى بالتكبير كله راكعاً أو قاعداً، أو أتى ببعضه من قيام. وبالبعض الآخر من قعود أو ركوع، فإن صلاته تنعقد نفلاً، فيصليها على أنها نفل إن اتسع الوقت، وإلا وجب أن يقطع الصلاة ويستأنف التكبيرة من قيام، وقد عرفت رأي المذاهب في ذلك قبل هذا.
ثالثها: أن لا يمد همزة الله.
رابعها: أن لا يمد باء أكبر، فيقول: أكبار، وقد عرفت معنى هذا، والخلاف فيه في مذهب المالكية.
خامسها: أن تكون بالعربية، فإن عجز عن تعلمها، كبر باللغة التي يعرفها، كما قال الشافعية ولو ترك التكبير باللغة التي يعرفها لم تصح صلاته، لأنه ترك ما هو مطلوب منه، خلافاً للمالكية فإن عجز عن التكبير بالعربية وغيرها من اللغات فإن تكبيرة الإحرام تسقط عنه؛ كما تسقط عن الأخرس، وإذا أمكنه أن ينطق بلفظ الله، دون أكبر، أو بلفظ أكبر دون الله، فإنه يأتي بما يستطيع؛ ولا يجب على الأخر أن يحرك لسانه، لأن الشارع لم يكلفه بذلك، فتكون محاولته عبثاً، خلافاً للشافعية.
سادسها: أن لا يشبع هاء الله، حتى يتولد منها واو، فإن فعل ذلك بطلت تكبيرته.
سابعها: أن لا يحذف هاء الله. فلا يقول: الله أكبر.
ثامنها: أن لا يأتي بواو بين الكلمتين، بأن يقول: الله وأكبر، فإن فعل ذلك لا تصح تكبيرته.
تاسعها: أن لا يفصل بين الكلمتين بسكوت يسع كلاماً. ولو يسيراً. وكذا يشترط للتكبيرة كل ما يشترط للصلاة: من استقبال، وستر عورة، وطهارة وغير ذلك
***************************

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 03-06-2020, 11:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 207 الى صــــــــ
211
الحلقة (37)

[الفرض الثالث من فرائض الصلاة: القيام]

اتفقت المذاهب على أن القيام فرض على المصلي في جميع ركعات الفرض، بشرط أن يكون قادراً على القيام، فإن عجز عن القيام لمرض ونحوه. فإنه يسقط عنه، ويصلي على الحالة التي يقدر عليها، كما سيأتي في مبحث "صلاة المريض".أما صلاة السنن والمندوبات ونحوها، فإن القيام لا يفترض فيها بل تصح من قعود، ولو كان المصلي قادراً على القيام، وهذا الحكم متفق عليه، أن الحنفية لهم تفصيل في بعض الصلاة غير المفروضة فانظره تحت الخط (1) .والقيام فرض ما دام المصلي واقفاً لقراءة مفروضة أو مسنونة أو مندوبة، فكل ما يطلب
---------------------------------------
(1) الحنفية قالوا: كما يفترض القيام في الصلوات الخمس، كذلك يفترض في صلاة الوتر. فلا تصح صلاته الا من قيام. ومثله الصلاة المنذورة، وصلاة ركعتي الفجر على الصحيح، فلا تصح صلاتهما من قعود
**********************

منه فعله حال القيام، فإنما يقع في قيام مفروض، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذاهبهما تحت الخط (1) .
[الفرض الرابع من فرائض الصلاة: قراءة الفاتحة]

يتعلق بقراءة الفاتحة مباحث:
أحدها: هل هي فرض في الصلاة باتفاق جميع المذاهب؟،
ثانيها: هل هي فرض في جميع ركعات الصلاة، سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً؟؛
ثالثها:
هل هي فرض على كل مصل، سواء كان يصلي منفرداً، أو كان يصلي إماماً أو مأموماً؟،
رابعها:
ما حكم العاجز عن قراءة الفاتحة؟،
خامسها:
هل يشترط في قراءة الفاتحة أن يسمع القارئ بها نفسه بحيث لو حرك لسانه ولم يسمع ما ينطق به تصح أو لا؟، وإليك الجواب عن هذه الأسئلة،
أما الأول والثاني: فقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أن قراءة الفاتحة في جميع ركعات الصلاة فرض، بحيث لو تركها المصلي عامداً في ركعة من الركعات بطلت الصلاة، لا فرق في ذلك بين أن ت كون الصلاة مفروضة أو غير مفروضة. أما لو تركها سهواً، فعليه أن يأتي بالركعة التي تركها فيها بالكيفية الآتي بيانها في مباحث "سجود السهو". وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن قراءة الفاتحة في الصلاة ليست فرضاً وإنما هي واجب.
(1) الحنفية قالوا: القدر المفروض من القيام هو ما يسع القراءة المفروضة، وهي آية طويلة أو ثلاث آيات قصار، وسيأتي بيانها قريباً في مبحث "قراءة الفاتحة" أما ما زاد على ذلك فهو إما قيام واجب إن كان يؤدي فيه واجب كقراءة الفاتحة، وإما قيام مندوب إن كان يؤدي فيه مندوب، على أنهم قالوا: إن هذا الحكم قبل إيقاع القراءة، أما إذا أطال القراءة كان القيام فرضاً، بقدر ذلك التطويل، حتى ولو قرأ القرآن كله، فلا يصح أن يقرأ آية وهو قائم، ثم يجلس ويكمل الباقي. فالخلاف بين الحنفية، والشافعية، والحنابلة في هذه المسألة لا فائدة له، الا من حيث ترتب الثواب؛ فالشافعية، والحنابلة يقولون: إذا أطال القيام، كان له ثواب الفرض؛ وإذا قصر القيام بترك سنة من سنن الصلاة، فإنه يعاقب على تقصير القيام، وإن كان لا يعاقب على ترك السنة، أما الحنفية فإنهم يقولون: إذا أطال القيام بالقدر المطلوب منه، فإنه يثاب عليه ثواب الفرض، وإذا قصر القيام بترك سنة، فإنه لا يعاقب، فإذا وافق الشافعية والحنابلة والحنفية على هذا الرأي فإنه لا يكون بينهم خلاف.
المالكية قالوا: يفترض القيام استقلالاً في الصلاة المفروضة حال تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والهويّ للركوع، وأما حال قراءة السورة فهو سنة، فلو استند حالة قراءة السورة إلى شيء، بحيث لو أزيل ذلك الشي لسقط، فإن صلاته لا تبطل. بخلاف ما لو استند إلى ذلك الشيء حال قراءة الفاتحة، أو حال الهوي للركوع، فإن صلاته تبطل، على أنهم اتفقوا مع غيرهم من الأئمة على أنه إذا جلس وقت قراءة السورة تبطل صلاته؛ وإن لم يكن القيام فرضاً؛ لإخلاله بهيئة الصلاة
*****************************

وإن شئت قلت: سنة مؤكدة بحيث لو تركها عمداً فإن صلاته لا تبطل. فانظر تفصيل مذهبهم، ودليلهم عليه تحت الخط (1) ، أما دليل من قال: إنها فرض فهو ما روي في "الصحيحين" من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب": وأما الجواب عن الثالث. وهو هل تفترض قراءة الفاتحة على المأموم؟ فإنه فيه تفصيلاً في المذاهب بيناه تحت الخط (2) ، وأما الجواب عن الرابع. وهو ما حكم العاجز عن قراءة الفاتحة؟ فقد اتفق الشافعية، والحنابلة على أن من عجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة، فإن كان يقدر على أن يأتي بآيات من القرآن بقدر

(1) الحنفية قالوا: المفروض مطلق القراءة، لا قراءة الفاتحة بخصوصها. لقوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسرمن القرآن} فإن المراد القراءة في الصلاة. لأنها هي المكلف بها، ولما روي في "الصحيحن" من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء. ثم استقبل القبلة ثم اقرأ ما تيسر من القرآن". ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا صلة الا بقراءة" والقراءة فرض في ركعتين من الصلاة المفروضة. ويجب أن تكون في الركعتين الأوليين، كما تجب قراءة الفاتحة فيهما بخصوصها. فإن لم يقرأ في الركعتين الأوليين في الصلاة الرباعية فرأ فيما بعدهما وصحت صلاته. الا أنه يكون قد ترك الواجب. فإنه تركه ساهياً يجب عليه أن يسجد للسهو؛ فإن لم يسجد وجبت عليه إعادة الصلاة. كما تجب الإعادة إن ترك الواجب عامداً. فإن لم يفعل كانت صلاته صحيحة، مع الإثم. أما باقي ركعات الفرض. فإن قراءة الفاتحة فيه سنة. وأما النفل فإن قراءة الفاتحة واجبة في جميع ركعاته. لأن كل اثنتين منه صلاة مستقلة. ولو وصلهما بغيرهما. كأن صلى أربعاً بتسليمة واحدة؛ وألحقوا الوتر بالنفل، فتجب القراءة في جميع ركعاته. وقّدروا القراءة المفروضة بثلاث آيات قصار. أو آية طويلة تعديلها. وهذا هو الأحوط
(2) الشافعية قالوا: يفترض على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام. الا إن كان مسبوقاً بجميع الفاتحة أو بعضها. فإن الإمام يتحمل عنه ما سبق به إن كان الإمام أهلاً للتحمل. بأن لم يظهر أنه محدث أو أنه أدركه في ركعة زائدة عن الفرض.
الحنفية قالوا: إن قراءة المأموم خلف إمامه مكروهة تجريماً في السرية والجهرية، لما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" وهذا الحديث روي من عدة طرق.
هذا، وقد نفل منع المأموم من القراءة عن ثمانين نفراً من كبار الصحابة، منهم المرتضى والعبادلة. وروي عن عدة من الصحابة أن قراءة المأموم خلف إمامه مفسدة للصلاة، وهذا ليس بصحيح، فأقوى الأقوال وأحوطها القول بكراهة التحريم.
المالكية قالوا: القراءة خلف الإمام مندوبة في السرية، مكروهة في الجهرية، الا إذا قصد مراعاة الخلاف، فيندب.
الحنابلة قالوا: القراءة خلف الإمام مستحبة في الصلاة السرية، وفي سكتات الإمام في الصلاة الجهرية، وتكره حال قارءة الإمام في الصلاة الجهرية
***********************

الفاتحة في عدد الحروف والآيات، فإنه يجب عليه أن يأتي بذلك. فإن كان يحفظ آية واحدة أو أكثر فإنه يفترض عليه أن يكرر ما يحفظه بقدر آيات الفاتحة. بحيث يتعلم القدر المطلوب منه تكراره. فإن عجز عن الإتيان بشيء من القرآن بالمرة فإنه يجب عليه أن يأتي بذكر الله كأن يقول: الله الله ... مثلاً. بمقدار الفاتحة. فإن عجز عن الذكر أيضاً فإنه يجب عليه أن يقف ساكتاً بقدر الزمن الذي تقرأ فيه الفاتحة، فإن لم يفعل ذلك بطلت صلاته في هذين المذهبين: على أنه لا يجوز عندهم قراءة الفاتحة بغير اللغة العربية على كل حال. ومن لم يفعل ذلك فإن صلاته تبطل. أما المالكية والحنفية؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، وأما الجواب عن الخامس وهو هل يشترط أن يسمع نفسه بقراءة الفاتحة؟ فالجواب عنه أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أنه إذا لم يسمع نفسه بالقراءة. فإنه لا يعتبر قارئاً. وخالف المالكية فقالوا: يكفي أن يحرك لسانه، وإن لم يسمع نفسه فانظر مذهبهم تحت الخط (2) على أنك قد عرفت أن الحنفية قالوا: إن قراءة الفاتحة ليست فرضاً، فلو لم يسمع بها نفسه لا تبطل صلاته، ولكن يكون تاركاً للواجب.

[الفرض الخامس من فرائض الصلاة: الركوع]

الركوع فرض في كل صلاة للقادر عليه باتفاق، وقد ثبتت فرضية الركوع في الصلاة ثبوتاً قاطعاً، وإنما اختلف الأئمة في القدر الذي تصح به الصلاة من الركوع، وفي ذلك القدر تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (3) .

(1) الحنفية قالوا: من عجز عن العربية يقرأ بغيرها من اللغات الأخرى، وصلاته صحيحة.
المالكية قالوا: من لا يحسن قراءة الفاتحة وجب عليه تعلمها إن أمكنه ذلك، فإن لم يمكنه وجب عليه الاقتداء بمن يحسنها، فإن لم يجده ندب له أن يفصل بين تكبيره وركوعه ويندب أن يكون الفصل بذكر الله تعالى، وإنما يجب على غير الأخرس. أما هو فلا يجب عليه
(2) المالكية قالوا: لا يجب عليه أن يسمع بها نفسه. ويكفي أن يحرك بها لسانه، والأولى أن يسمع بها نفسه مراعاة للخلاف

(3) الحنفية قالوا: يحصل الركوع بطأطأة الرأس، بأن ينحني انحناء يكون إلى حال الركوع أقرب، فلو فعل ذلك صحت صلاته؛ أما كمال الركوع فهو انحناء الصلب حتى يستوي الرأس بالعجز، وهذا في ركوع القائم، أما القاعد فركوعه يحصل بطأطأة الرأس مع انحناء الظهر، ولا يكون كاملاً الا إذا حاذت جبهته قدام ركبتيه.
الحنابلة قالوا: إن المجزئ في الركوع بالنسبة للقائم انحناؤه بحيث يمكنه من ركبتيه بيديه إذا كان وسطاً في الخلقة، لا طويل اليدين ولا قصيرهما، وقدره من غير الوسط الانحناء، بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه لو كان وسطاً، وكمال الركوع أن يمد ظهره مستوياً، ويجعل رأسه بإزاء ظهره، بحيث لا يرفعه عنه ولا يخفضه، وبالنسبة للقاعد مقابلة وجهه لما قدام ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة، وكماله أن تتم مقابلة وجهه لما قدام ركبتيه.
الشافعية قالوا: أقل الركوع بالنسبة للقائم انحناء، بحيث تنال راحتا معتدل الخلقة ركبتيه بدون انخناس، وهو - أن يخفض عجزه، ويرفع رأسه، ويقدم صدره - بشرط أن يقصد الركوع وأكمله بالنسبة له أن يسوي بين ظهره وعنقه، وأما بالنسبة للقاعد فأقله أن ينحني بحيث تحاذي جبهتها ما أمام ركبتيه، وأكمله أن تحاذي جبهته موضع سجوده من غير مماسة.
المالكية قالوا: حد الركوع الفرض أن ينحني حتى تقرب راحتاه من ركبتيه إن كان متوسط اليدين، بحيث لو وضعهما لكانتا على رأس الفخذين مما يلي الركبتين، ويندب وضع اليدين على الركبتين، وتمكينهما منهما، وتسوية ظهره
****************************

[الفرض السادس من فرائض الصلاة: السجود - شروطه]

السجود من الفرائض المتفق عليها، فيفترض على كل مصل أن يسجد مرتين، في كل ركعة، ولكن القدر الذي يحصل به الفرض من السجود فيه اختلاف المذاهب. فانظره تحت الخط (1) .



(1) المالكية قالوا: يفترض السجود على أقل جزء من الجبهة، وبجهة الإنسان معروفة، وهي ما بين الحاجبين إلى مقدم الرأس؛ فلو سجد على أحد الحاجبين لم يكفه، ويندب السجود على أنفه، ويعيد الصلاة من تركه في الوقت مراعاة للقول بوجوبه، والوقت هنا في الظهر والعصر يستمر إلى اصفرار الشمس، فلا يعيد فلو سجد على أنفه دون جبهته لم يكفه، وإن عجز عن السجود على الجبهة ففرضه أن يومئ للسجود، وأما السجود على اليدين والركبتين وأطراف القدمين فسنة، ويندب إلصاق جميع الجبهة بالأرض وتمكينها.
الحنفية قالوا: حد السجود المفروض هو أن يضع جزءاً، ولو قليلاً من جبهته على ما يصح السجود عليه، أما وضع جزء من الأنف فقط فإنه لا يكفي الا لعذر على الراجح، أما وضع الخد أو الذقن فقط فإنه لا يكفي مطلقاً لا لعذر ولا لغير عذر، ولا بد من وضع إحدى اليدين وإحدى الركبتين وشيء من أطراف إحدى القدمين، ولو كان إصبعاً واحداً على ما يصح السجود عليه، أما وضع أكثر الجبهة فإنه واجب، ويتحقق السجود الكامل بوضع جميع اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة والأنف.
الشافعية، والحنابلة قالوا: إن الحد المفروض في السجود أن يضع بعض كلعضر من الأعضاء السبعة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين" الا أن الحنابلة، قالوا: لا يتحقق السجود الا بوضع جزء من الأنف زيادة على ما ذكر
والشافعية قالوا: يشترط أن يكون السجود على بطون الكفين وبطون أصابع القدمين
****************************

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 03-06-2020, 11:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 211 الى صــــــــ
217
الحلقة (38)


ويشترط في صحة السجود أن يكون على يابس تستقر جبهته عليه، كالحصير والبساط، بخلاف القطن المندوف الذي لا تستقر الجبهة عليه، فإنه لا يصح عليه السجود، ومثله التبن والأرز والذرة ونحوها إذا كانت الجبهة لا تستقر عليها، أما إذا استقرت الجبهة، فإنه يصح السجود على كل ذلك.ويشترط أن لا يضع جبهته على كفه، فإن وضعها على كفه بطلت صلاته عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، ولا يضر أن يضع جبهته على شيء ملبوس، أو محمول له يتحرك بحركته، وإن كان مكروهاً باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، ولا يضر السجود على كور عمامته؛ فلو وضع على رأسه عمامة عليها شال كبير، ستر بعض جبهته، ثم سجد عليه؛ فإن صلاته تصح عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
ويشترط أن يكون موضع الجبهة غير مرتفع عن موضع الركبتين في السجود، وفي تقدير الارتفاع المبطل للصلاة اختلاف المذاهب، فانظره تحت الخط (4) .

(1) الحنفية قالوا: إن وضع الجبهة على الكف حال السجود لا يضر؛ وإنما يكره فقط
(2) الشافعية قالوا: يشترط في السجود عدم وضع الجبهة على ما ذكر. وإلا بطلت صلاته الا إذا طال بحيث لا يتحرك بحركته، كما لا يضر السجود على منديل في يده لأنه في حكم المنفصل
(3) الشافعية قالوا: يضر السجود على كور العمامة ونحوها. كالعصابة إذا ستر كل الجبهة، فلو لم يسجد على جبهته المكشوفة بطلت صلاته. إن كان عامداً عالماً الا لعذر. كأن كان به جراحة وخاف من نزع العصابة حصول مشقة شديدة؛ فإن سجوده عليها في هذه الحالة صحيح
(4) الحنفية قالوا: إن الارتفاع الذي يضر في هذه الحالة هو ما زاد على نصف ذراع. ويستثنى من ذلك مسألة قد تقضي بها الضرورة عند شدة الزحام وهو سجود المصلي على ظهر المصلي الذي أمامه. فإنه يصح بشروط ثلاثة: الأول: أ، لا يجد مكاناً خالياً لوضع جبهته عليه في الأرض: الثاني: أن يكون في صلاة واحدى، الثالث: أن تكون ركبتاه في الأرض. فإن فقد شرط من ذلك بطلت صلاته.
الحنابلة قالوا: إن الارتفاع المبطل للصلاة هو ما يخرج المصلي عن هيئة الصلاة.
************************
[الفرض السابع: الرفع من الركوع، الثامن: الرفع من السجود، التاسع: الاعتدال، العاشر: الطمأنينة]
هذه الفرائض الأربعة متصلة ببعضها، وقد اتفق على فرضيتها ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية في فرضيتها، بل قالوا: إن الرفع من الركوع والطمأنينة والاعتدال من واجبات الصلاة؛ لا من فرائضها. بحيث لو تركها المصلي لا تبطل صلاته، ولكنه يأثم إثماً صغيراً، كما تقدم بيانه غير مرة، ولكنهم قالوا: إن لرفع من السجود فرض؛ وقد بينا كل مذهب في هذا تحت الخط (1) .

الشافعية قالوا: إن ارتفاع موضع الجبهة عن موضع الركبتين مبطل للصلاة، الا إذا رفع عجيزته وما حولها عن رأسه وكتفيه. فتصح صلاته. فالمدار عندهم على تنكيس البدن. وهو رفع الجزء الأسفل من البدن عن الجزء الأعلى منه في السجود. حيث لا عذر. كسجود المرأة الحبلى. فإن التنكيس يجب عليها إذا خافت الضرر.
المالكية قالوا: إن كان الارتفاع كثيراً متصلاً بالأرض. فإن السجود عليه لا يصح على المعتمد. وإن كان يسيراً كمفتاح ومحفظة فإن السجود عليه يصح. ولكنه خلاف الأولى

(1) الحنفية قالوا: الرفع من الركوع والاعتدال والطمأنينة من واجبات الصلاة لا من فرائضها الا أنهم فصلوا فيها، فقالوا: الطمأنينة وهي تسكين الجوارح التي تطمئن المفاصل، ويستوي كل عضو في مقرّه بقدر تسبيحة على الأقل، واجبة في الركوع والسجود، وكذا في كل ركن قائم بنفسه؛ ويعبرون عن ذلك بتعديل الأركان، والواجب في الرفع من الركوع هو القدر الذي يتحقق به معنى الرفع، وما زاد على ذلك إلى أن يستوي قائماً وهو المعبر عنه بالاعتدال، فهو سنة على المشهور، أما الرفع من السجود فإنه فرض، ولكن القدر المفروض منه هو أن يكون إلى القعود أقرب، وما زاد على ذلك إلى أن يستوي جالسا، فهو سنة على المشهور.
الشافعية قالوا: إن الرفع من الركوع هو أن يعود إلى الحالة التي كان عليها قبل أن يركع، من قيام، أو قعود، مع طمأنينة فاصلة بين رفعه من الركوع وهو به للسجود: وهذا هو الاعتدال عندهم وأما الرفع من السجود الأول، وهو المسمى بالجلوس بين السجدتين، فهو أن يجلس مستوياً مع طمأنينة؛ بحيث يستقر كل عضو في موضعه، فلو لم يستو لم تصح صلاته، وإن كان إلى الجلوس أقرب، ويشترط أن لا يطيل الاعتدال في الرفع من الركوع والسجود؛ فلو أطال زمناً يسع الذكر الوارد في الاعتدال، وقدر الفاتحة في الرفع من الركوع، ويسع الذكر الوارد في الجلوس، وقدر أقل التشهد بطلت صلاته، ويشترط أيضاً أن لا يقصد بالرفع من الركوع أو السجود غيره، فلو رفع من أحدهما لفزع، فإنه لا يجزئه بل يجب عليه أن يعود إلى الحالة التي كان عليها من ركوع أو سجود. بشرط أن لا يطمئن فيهما إن كان قد اطمأن. ثم يعيد الاعتدال.
*************************
[الحادي عشر من فرائض الصلاة: القعود الأخير]

وهو من فرائض الصلاة المتفق عليها عند أئمة المذاهب، ولكنهم اختلفوا في حد القعود الأخير، كما هو مفصل تحت الخط (1) .

المالكية قالوا: حد الرفع من الركوع هو ما يخرج به عن انحناء الظهر إلى اعتدال. أما الرفع من السجود فإنه يتحقق برفع الجبهة عن الأرض. ولو بقيت يداه بها على المعتمد، وأما الاعتدال وهو أن يرجع كما كان، فهو ركن مستقل في الفصل بين الأركان، فيجب بعد الركوع، وبعد السجود، وحال السلام، وتكبيرة الإحرام؛ وأما الطمأنينة فهي ركن مستقل أيضاً في جميع أركان الصلاة، وحدها استقرار الأعضاء زمناً ما زيادة على ما يحصل به الواجب من الاعتدال والانحناء، وكل ذلك لازم لا بد منه في الصلاة عندهم.
الحنابلة قالوا: إن الرفع من الركوع هو أ، يفارق القدر المجزئ منه، بحيث لا تصل يداه إلى ركبتيه، وأما الاعتدال منه أن يستوي قائماً، بحيث يرجع كل عضو إلى موضعه، والرفع من السجود هو أن تفارق جبهته الأرض، والاعتدال فيه هو أن يجلس مستوياً بعده، بحيث يرجع كل عضو إلى أصله. وقد عرفت أنهم متفقون مع المالكية والشافعية: على أن الرفع من الركوع والسجود والطمأنينة والاعتدال من فرائض الصلاة

(1) الحنفية قالوا: حد القعود المفروض هو ما يكون بقدر قراءة التشهد على الأصح، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم "إذا رفعت رأسك من السجدة الأخيرة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك".
المالكية قالوا: الجلوس بقدر السلام المفروض مع الاعتدال فرض، وبقدر التشهد سنة، وبقدر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مندوب على الأصح، وبقدر الدعاء المندوب مندوب، وبقدر الدعاء المكروه - كدعاء المأموم بعد سلام الإمام - مكروه.
الشافعية قالوا: الجلوس الأخير بقدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمة الأولى فرض؛ وإنما كان الجلوس المذكور فرضاً، لأنه ظرف للفرائض الثلاثة: أعني التشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمة الأولى، فهو كالقيام للفاتحة، أما ما زاد على ذلك؛ كالجلوس للدعاء والتسليمة الثانية فمندوب.
الحنابلة: حددوا الجلوس الأخير بقدر التشهد والتسليمتين

**************************
[الثاني عشر من فرائض الصلاة: التشهد الأخير]

التشهد الأخير فرض عند الشافعية، أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، أما صفة التشهد فقد اختلفت فيها المذاهب، فانظرها عند كل مذهب تحت الخط (2) .

(1) الحنفية قالوا: التشهد الأخير واجب لا فرض.
المالكية قالوا: إنه سنة
(2) الحنفية قالوا: إن ألفاظ التشهد هي: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، وهذا هو التشهد الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والأخذ به أولى من الأخذ بالمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
المالكية قالوا: إن ألفاظ التشهد هي: "التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، والأخذ بهذا التشهد مندوب، فلو أخذ بغيره من الوارد فقد أتى بالسنة وخالف المندوب.
الشافعية قالوا: إن ألفاظ التشهد هي: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله"؛ وقالوا: إن الفرض يتحقق بقوله: "التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن سيندنا محمداً رسول الله". أما الإتيان بما زاد على ذلك مما تقدم فهو أكمل ويشترط في صحة التشهد المفروض أن يكون بالعربية إن قدر وأن يوالي بين كلماته. وأن يسمع نفسه حيث لا مانع وأن يرتب كلماته فلو لم يرتبها فإن غير المعنى بعدم الترتيب بطلت صلاته إن كان عامداً، وإلا فلا، وقالوا: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير ركن مستقل من أركان الصلاة. وأقله أن يقول: اللهم صلى الله عليه وسلم على محمد أو النبي.
ومن هذا تعلم أن الإتيان ببعض هذه الصيغة فرض عند الشافعية، كما ذكرنا: أما المالكية فإنهم قالوا: إنه سنة؛ بحيث لو قعد بقدره ولم يتكلم به؛ فإن صلاته تصح مع الكراهة؛ والحنفية قالوا: إنه إذا ترك التشهد تكون صلاته صحيحة مع كراهة التحريم.
الحنابلة قالوا: إن التشهد الأخير هو: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلي على محمد"، والأخذ بهذه الصيغة أولى: ويجوز الأخذ بغيرها مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كالأخذ بتشهد ابن عباس مثلاً، والقدر المفروض منه "التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله صلِّ على محمد"، الا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تتعين بهذه الصيغة
************************
[الثالث عشر من فرائض الصلاة: السلام]
[بدون نص]
[الرابع عشر: ترتيب الأركان]

اتفق ثلاثة من الأئمة على أن الخروج من الصلاة بعد تمامها لا بد أن يكون بلفظ: السلام، وإلا بطلت صلاته،
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا:
إن الخروج من الصلاة يكون بأي عمل مناف لها حتى ولو بنقض الوضوء، ولكن لفظ السلام واجب لا فرض، وقد عرفت الفرق بينهما، أما صيغة السلام المطلوبة عند الأئمة الثلاثة ففيها تفصيل ذكرناه تحت الخط (1) ، كما ذكرنا تفصيل مذهب الحنفية أما ترتيب الأركان بحيث يؤدي المصلي القيام قبل الركوع، والركوع قبل السجود، فهو أمر لازم، بحيث لو قدم المصلي الركوع على السجود، أو السجود على القيام، أو نحو ذلك، فإن صلاته تكون باطلة باتفاق،
على أن الحنفية يقولون:
إن هذا الترتيب شرط لا فرض،
والأمر في ذلك سهل:
وقد خال الحنفية الأئمة في قراءة الفاتحة، كما عرفت،
فقد قالوا:
إنها ليست ركناً: فلها حكم خاص بالنسبة للترتيب، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .


(1) الحنفية - قالوا: إن الخروج من الصلاة بلفظ السلام ليس فرضاً، بل هو واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم ابن مسعود التشهد قال له: "إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، وإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" فلم يأمره، بالخروج من الصلاة بلفظ السلام، ويحصل الخروج من الصلاة بلفظ السلام وحده بدون كلمة: عليكم، فلو خرج من الصلاة بغير السلام، ولو بالحدث صحت صلاته، ولكنه يكون آثماً، وتجب عليه الإعادة، فإن ترك الإعادة كان آثماً أيضاً.
الحنابلة قالوا: يفترض أن يسلم مرتين بلفظ: السلام عليكم ورحمة الله، بهذا الترتيب، وهذا النص وإلا بطلت صلاته.
الشافعية قالوا: لا يشترط الترتيب في ألفاظ السلام فلو قال: عليكم السلام، صح مع الكراهة.
المالكية قالوا: لا بد في الخروج من الصلاة أن يقول: السلام عليكم.
بهذا الترتيب.
وبهذا النص.
ويكفي في سقوط الفرض عندهم أن يقولها مرة واحدة.
ويسقط عن العاجز عن النطق باتفاق
(2) الحنفية قالوا: إن التريب المذكور شرط لصحة الصلاة لا فرض. وعلى كل حال فلا بد منه الا أنهم قالوا: إذا ركع قبل القيام ثم سجد وقام، وفإن ركوعه هذا لا يعتبر. فإذا ألغى الركوع الأول ثم ركع وسجد فإن الركعة تعتبر له وعليه أن يسجد للسهو إن وقع منه ذلك سهواً. فإن فعله عمداً بطلت صلاته. وهذا إذا ركع بدون أن يقوم.
أما إذا قام ولم يقرأ ثم ركع فإن صلاته تكون صحيحة، لأن القراءة ليست فرضاً في جميع الركعات، بل هي فرض في ركعتين، فإذا أدرى ركعتين بدون قراءة فإنه يفترض عليه الترتيب في الركعتين الباقيتين

**************************
[الخامس عشر من فرائض الصلاة: الجلوس بين السجدتين]
اتفق ثلاثة من الأئمة على أنه يفترض على المصلي أن يجلس بين كل سجدتين من صلاته، فلو سجد مرة، ثم رفع رأسه، ولم يجلس، وسجد ثانياً، فإن صلاته لا تصح، وخالف الحنفية في ذلك،
فقالوا:
إن الجلوس بين السجدتين ليس فرضاً في الصلاة فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
وقد استدل القائلون بفرضية الجلوس بين السجدتين وغيره من الفرائض المتقدمة بما رواه البخاري، ومسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي صلاة ناقصة،
فعلمه كيف يصلي فقال له:
"إذا قمت إلى الصلاة فكبر.
ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن"
وفي بعض الروايات "فاقرأ بأم القرآن" وقال: "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً.
ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً.
ثم ارفع حتى تستوي قائماً؛
ثم ارفع حتى تعتدل قائماً.
ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً.
ثم ارفع حتى تستوي قائماً؛
ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"

وقد عرفت أن الحنفية لم يوافقوا على أن الجلوس فرض، وكذا لم يوافقوا على أن قراءة الفاتحة فرض،
وقالوا:
إن الحديث المذكور لا يدل على الفرضية، وإنما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد تعليم الرجل الصلاة الكاملة المشتملة على الفرائض والواجبات والسنن، وليس المقام محتملاً للشرح والبيان.
ولهذا لم يذكر في الحديث النية والقعود الأخير، مع أنه فرض باتفاق، وكذلك لم يذكر التشهد الأخير مع أنه فرض عند بعض الأئمة، وكذلك لم يشتمل الحديث على أشياء كثيرة كالتعوذ ونحوه.
فدل ذلك كله على أن الغرض إنما هو تعليم الرجل كيفية الصلاة بطريق عملي، حتى إذا تعلمها أمكنه أن يفهم ما هو فرض وما هو واجب أو مسنون،
أما الأئمة الآخرون فقد قالوا:
إن طلب هذه الأعمال من الرجل دليل على فرضيتها، وإنما لم يذكر له باقي الفرائض، لأن الرجل قد أتى بها، وهذا حسن إذا دل عليه دليل في الحديث، ولكن أين الدليل؟ على أن الاحتياط إنما هو في اتباع رأي الأئمة الثلاثة،
خصوصاً أن الحنفية قالوا:
إنها واجبة بمعنى أن الصلاة تصح بدونها مع الإثم، كما تقدم.


(1) الحنفية قالوا: الجلوس بين السجدتين ليس بفرض. وهل هو واجب أقل من الفرض أو سنة غير مؤكدة؟ فبعضهم يقول: إنه واجب. وهو ما يقتضية الدليل. وبعضهم يقول: إنه سنة
*****************************
[واجبات الصلاة]
ذكرنا غير مرة أن المالكية، والشافعية اتفقوا على أن الواجب والفرض بمعنى واحد، فلا يختلف معناهما الا في "باب الحج" فإن الفرض معناه في الحج ما يبطل بتركه الحج، أما الواجب فإن تركه لا يبطل الحج، ولكن يلزم تاركه ذبح فداء، كما سيأتي بيانه في الحج، وعلى هذا فليس عندهم واجبات للصلاة، بل أعمالها منها ما هو فرض؛ ومنها ما هو سنة.
وقد تقدمت فرائض الصلاة، وسيأتي بيان سننها، أما الحنفية؛
والحنابلة فقد قالوا:
إن للصلاة واجبات.
فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) .

(1) الحنفية قالوا: واجبات الصلاة لا تبطل بتركها، ولكن المصلي إن تركها سهواً فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن تركها عمداً؛ فإنه يجب عليه إعادة الصلاة فإن لم يعد كانت صلاته صحيحة مع الإثم. ودليل كونها واجبة عندهم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها، وإليك بيان واجبات الصلاة عند الحنفية:
-1 قراءة سورة الفاتحة في كل ركعات النفل، وفي الأوليين من الفرض، ويجب تقديمها على قراءة السورة؛ فإن عكس سهواً سجد للسهو.
-2 ضم سورة إلى الفاتحة في جميع ركعات النفل والوتر، والأوليين من الفرض، ويكفي في أداء الواجب أقصر سورة أو ما يماثلها كثلاث آيات قصار؛ أو آية طويلة، والآيات القصار الثلاث كقوله تعالى: {ثم نطر، ثم عبس ويسر، ثم أدبر واستكبر} وهي عشر كلمات. وثلاثون حرفاً من حروف الهجاء، مع حسبان الحرف المشدد بحرفين، فلو قرأ من الآية الطويلة هذا المقدار في كل ركعة أجزأه عن الواجب، فعلى هذا يكفي أن يقرأ من آية الكرسي قوله تعالى: {الله لا إله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} .
-3 أن لا يزيد فيها عملاً من جنس أعمالها. كأن يزيد عدد السجدات عن الوارد، فلو فعل ذلك ألغى الزائد. وسجد للسهو إن كان ساهياً.
-4 الاطمئنان في الأركان الأصلية، كالركوع والسجود ونحوهما، والاطمئنان الواجب عندهم هو تسكين الأعضاء حتى يستوي كل عضو في مقره بقدر تسبيحة على الأقل، كما ستعرفه في مبحث "الاطمئنان".
-5 القعود الأول في كل صلاة ولو نافلة.
-6 قراءة التشهد الذي رواه ابن مسعود، ويجب القيام إلى الركعة الثالثة عقب تمامه فوراً فلو زاد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سهواً سجد للسهو، وإن تعمد وجبت إعادة الصلاة، وإن كانت صحيحة.
-7 لفظ السلام مرتين في ختام الصلاة.
-8 قراءة القنوت بعد الفاتحة والسورة في الركعة الثالثة من الوتر.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 03-06-2020, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 218 الى صــــــــ
226
الحلقة (39)

{سنن الصلاة}
يتعلق بها مباحث:
أولاً: تعريف السنة؛
ثانياً: عدد سنن الصلاة الداخلة فيها مجتمعة في كل مذهب على حده ليسهل حفظها؛
ثالثاً: شرح ما يحتاج إلى الشرح من هذه السنن.
رابعاً: بيان سنن الصلاة الخارجة عن الصلاة، فلنذكر مباحث السنن على هذا الترتيب.
__________
-9 تكبيرات العيدين، وهي ثلاث في كل ركعة. وسيأتي بيانها.
-10 جهر الإمام بالقراءة في صلاة الفجر والعيدين والجمعة والتراويح والوتر في رمضان والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، أما المنفرد فيخير بين الجهر والإسرار في جميع صلواته، الا أن الأفضل له أن يجهر فيما يجب على الإمام أن يجهر فيه، ويسر فيما يجب على الإمام الإسرار فيه.
-11 إسرار الإمام والمنفرد في القراءة في نفل النهار وفرض الظهر والعصر، وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء، وصلاة الكسوف والخسوف، والاستسقاء.
-12 عدم قراءة المقتدي شيئاً مطلقاً في قيام الإمام.
-13 ضم ما صلب من الأنف إلى الجبهة في السجود.
-14 افتتاح الصلاة بخصوص جملة: الله أكبر، الا إذا عجز عنها أو كان لا يحسنها، فصح أن يفتتحها باسم من أسماء الله تعالى.
-15 تكبيرة الركوع في الركعة الثانية من صلاة العيد، لأنها لما اتصلت بتكبيرات العيد الواجبة صارت واجبة.
-16 متابعة الإمام فيما يصح الاجتهاد فيه، وسيأتي بيان المتابعة في "مبحث الإمامة".
-17 الرفع من الركوع، وتعديل الأركان، كما تقدم.
الحنابلة قالوا: الواجب في الصلاة أقل من الفرض، وهو ما تبطل الصلاة بتركه عمداً، مع العلم، ولا تبطل بتركه سهواً، أو جهلاً، فإن تركه سهواً وجب عليه أن يسجد للسهو، وواجبات الصلاة عندهم ثمانية. وهي تكبيرات الصلاة كلها ما عدا تكبيرة الإحرام، فإنها فرض، كما تقدم، وما عدا تكبيرة المسبوق للركوع إذا أدرك إمامه راكعاً، فإنها سنة؛ قول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد؛ قول: ربنا ولك الحمد، لكل مصل، ومحل التكبير لغير الإحرام والتسميع والتحميد ما بين ابتداء الانتقال وانتهائه فلا يجوة تقديم شيء من ذلك على هذا المحل؛ قول: سبحان ربي العظيم في الركوع مرة واحدة؛ قول: سبحان ربي الأعلى في السجود مرة؛ قول: رب اغفر لي إذا جلس بين السجدتين مرة. التشهد الأول، والمجزئ منه ما تقدم في التشهد الأخير ما عدا الصلاة على النبي عليه السلام؛ الجلوس لهذا التشهد؛ وإنما يجب على غير من قام إمامه للركعة الثالثة سهواً؛ أما هو فيجب عليه متابعة الإمام، ويسقط عنه التشهد، والجلوس له

******************************
{تعريف السنة}
تقدم في صحيفة 64؟؟ م أن الحنابلة والشافعية قد اتفقوا على أن السنة والمندوب والمتسحب والتطوع معناها واحد، وهو ما يثاب المكلف على فعله، ولا يؤاخذ على تركه، فمن ترك سنن الصلاة أو بعضها فإن الله تعالى لا يؤاخذه على هذا الترك، ولكنه يحرم من ثوابها، ووافق على ذلك المالكية، الا أنهم فرقوا بين السنة وغيرها، وقد ذكرنا هناك تفصيل المذاهب في هذا المعنى، فارجع إليه.
على أنه لا ينبغي للمسلم أن يستهين بأمر السنن.
لأن الغرض من الصلاة إنما هو التقرب إلى الله الخالق، ولهذا فائدة مقررة، وهي الفرار من العذاب، والتمتع بالنعيم، فلا يصح في هذه الحالة لعاقل أن يستهين بسنة من سنن الصلاة فيتركها، لأن تركها يحرمه من ثواب الفعل، وذلك الحرمان فيه عقوبة لا تخفى على العاقل، لأن فيه نقصان للتمتع بالنعيم، فمن الأمور الهامة التي ينبغي للمكلف أن يعنى بها أداء ما أمره الشارع بأدائه.
سواء كان فرضاً أو سنة، ولعل قائلاً يقول: لماذا جعل الشارع بعض أفعال الصلاة فرضاً لازماً، وبعضها غير لازم؟ والجواب: أن الله تعالى أراد أن يخفف عن عباده، ويجعل لهم الخيار في بعض الأعمال ليجزل لهم الثواب عليها، فإذا تركوها باختيارهم فقد حرموا من الثواب، ولا عقوبة عليهم، وذلك من محاسن الشريعة الإسلامية التي رفعت عن الناس الحرج في التكاليف، ورغبتهم في الجزاء الحسن ترغيباً حسناً.

عدّ سنن الصلاة مجتمعة
لنذكر ههنا سنن الصلاة مجتمعة في كل مذهب ليسهل حفظها على القراء، فاقرأها تحت الخط
(1)
__________
(1) الحنفية: عدوا سنن الصلاة كالآتي: 1 - رفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين للرجل والأمة، وحذاء المنكبين للحرة. 2 - ترك الأصابع على حالها، بحيث لا يقرّقها ولا يضمها، وهذا في غير حالة الركوع الآتية 3 - وضع الرجل يده اليمنى على اليسرى تحت سرته، ووضع المرأة يديها على صدرها 4 - الثناء 5 - التعوذ للقراءة 6 - التسمية سراً أول كل ركعة قبل الفاتحة 7 - التأمين 8 - التحميد 9 - الإسرار بالثناء والتأمين والتحميد 10 - الاعتدال عند ابتداء التحريمة وانتهائها 11 - جهر الإمام بالتكبير والتسميع والسلام 12 - تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع 13 - أن تكون القراءة من المفصل حسب التفصيل المتقدم 14 - تكبيرات الركوع والسجود 15 - أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثاً 16 - أن يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" ثلاثاً 17 - وضع يديه على ركبتيه حال الركوع 18 - تفريج أصابع يديه حال وضعهما على ركبتيه في الركوع إذا كان رجلاً 19 - نصب ساقيه 20 - بسط ظهره في الركوع 21 - تسوية رأسه بعجزه 22 - كمال الرفع من الركوع 23 - كمال الرفع من السجود 24 - وضع يديه، ثم ركبتيه، ثم وجهه عند النزول للسجود، وعكسه عند الرفع منه 25 - جعل وجهه بين كفيه حال السجود، أو جعل يديه حذو منكبيه عند ذلك 26 - أن يباعد الرجل بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض في السجود 27 - أن تلصق المرأة بطنها بفخذيها حال الجلوس بين السجدتين، وحال التشهد 30 - أن يفترش الرجل رجله اليسرى، وينصب اليمنى موجهاً أصابعها إلى القبلة حال الجلوس للتشهد وغيره 31 - أن تجلس المرأة على أليتيها، وأن تضع إحدى فخذيها على الأخرى، وتخرج رجلها اليسرى من تحت وركها الأيمن 32 - الإشارة بالسبابة عند النطق بالشهادة على ما تقدم 33 - قراءة الفاتحة فيما بعد
الركعتين الأوليين 34 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير بالصيغة المتقدمة 35 - الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ الكتاب والسنِّة 36 - الالتفات يميناً ثم يساراً بالتسليمتين 37 - أن ينوي الإمام بسلامه من خلفه من المصلين والحفظة وصالحي الجن 38 - أن ينوي المأموم إمامه بالسلام في الجهة التي هو فيها إن كان عن يمينه أو يساره، فإن حاذاه نواه بالتسليمتين مع القوم والحفظة وصالحي الجن 39 - أن ينوي المنفرد الملائكة فقط 40 - أن يخفض صوته في سلامه 41 - أن ينتظر المسبوق فراغ إمامه من سلامه الثاني حتى يعلم أنه ليس عليه سجود سهو.
المالكية قالوا: سنن الصلاة أربع عشرة سُنة، وهي: 1 - قراءة ما زاد على أم القرآن بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية من الفرض الوقتي المتسع وقته 2 - القيام لها في الفرض 3 - الجهر بالقراءة فيما يجهر فيه حسب ما تقدم 4 - السر فيما يسر فيه على ما تقدم 5 - كل تكبيرات الصلاة، ما عدا تكبيرة الإحرام، فإنها فرض 6 - كل تسميعة 7 - كل تشهد 8 - كل جلوس للتشهد 9 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير 10 - السجود على صدور القدمين، وعلى الركبتين والكعبين 11 - رد المقتدي على إمامه السلام، وعلى من على يساره إن كان به أحد شاركه في إدراك ركعة مع الإمام على الأقل 12 - الجهر بتسليمة التحليل 13 - إنصات المقتدي للإمام في الجهر 14 - الزائد عن القدر الواجب من الطمأنينة.
الشافعية قالوا: سنن الصلاة الداخلة فيها تنقسم إلى قسمين، قسم يسمونه بالهيئات، وقسم يسمونه بالأبعاض، فأما الهيئات فلم يحصروها في عدد خاص، بل قالوا، كل ما ليس بركن من أركان الصلاة وليس بعضاً من أبعاضها فهو هيئة، والسنة التي من أبعاض الصلاة إذا تركت عمداً فإنها تجبر بسجود السهو، وعدد الأبعاض عشرون.
-1 القنوت في اعتدال الركعة الأخيرة من الصبح، ومن وتر النصف الثاني من رمضان، أما القنوت عند النازلة في أي صلاة غير ما ذكر فلا يعد من الأبعاض وإن كان سنة 2 - القيام له 3 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت 4 - القيام لها 5 - السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها 6 - القيام له 7 - الصلاة على الآل 8 - القيام لها 9 - الصلاة على الصحب 10 - القيام لها 11 - السلام على النبي 12 - القيام له 13 - السلام على الصحب 14 - القيام له 15 - التشهد الأول في الثلاثية والرباعية 16 - الجلوس له 17 - الصلاة على النبيي صلى الله عليه وسلم بعده 18 - الجلوس لها 19 - الصلاة على الآل بعد التشهد الأخير 20 - الجلوس له، فهذه هي السنن التي يسمونها أبعاضاً تشبيهاً لها بأركان الصلاة التي إذا تركت سهواً، فإنها تعاد، وتجبر بسجود السهو، أما السنن الأخرى التي يسمونها بالهيئات فمنها أن يقول الرجل سبحان الله عند حدوث شيء يريد التنبيه عليه، بشرط أن لا يقصد التنبيه وحده؛ وإلا بطلت الصلاة وأن تصفق المرأة عند إرادة التنبيه، بشرط أن لا تقصد اللعب، وإلا بطلت صلاتها، ولا يضرها قصد الإعلام، كما لا يضر زيادته على الثلاث، وأن توالي التصفيق، ولكنها لا تبعد إحدى يديها عن الأخرى؛ ثم تعيدها، وإلا بطلت صلاتها، ومنها الخشوع في جميع الصلاة، وهو حضور القلب، وسكون الجوارح، بأن يستحضر أنه بين يدي الله تعالى؛ وأن الله مطلع عليه ومنها جلوس الاستراحة لمن يصلي من قيام، بأن يجلس جلسة خفيفة بعد السجدة الثانية، وقبل القيام إلى الركعة الثانية والرابعة، ويسن أن تكون قدر الطمأنينة، ولا يضر زيادتها عن قدر الجلوس بين السجدتين على المعتمد، ويأتي بها المأموم، وإن تركها الإمام، ومنها نية الخروج من الصلاة من أول التسليمة الأولى،
فلو نوى الخروج قبل ذلك بطلت صلاته، وإن نواه في أثنائها أو بعدها، لم تحصل السنة، ومنها وضع بطن كف اليد اليمنى على ظهر كف اليسرى، ويقبض بيده اليمنى كوع اليسرى. وبعض ساعد اليسرى ورسغها، وذلك هو المعتمد عندهم، على أن هذه الهيئة لو تركها وأرسل يديه، كما يقول المالكية، فلا بأس. ولكنهم عدوا ذلك من المستحبات للإشارة إلى أن الإنسان محتفظاً بقلبه، لأن العادة أنه إذا خاف على شيء حفظه بيديه. ومنها أن يقول المصلي بعد تكبيرة الإحرام: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المس
لمين".
وهذا الدعاء يقال له: دعاء الافتتاح. وهو مستحب الإتيان بهذا الدعاء الا بشروط خمسة: أحدها. أن يكون في غير صلاة الجنازة. فإن كان في صلاة الجنازة، فإنه لا يأتي به، ولكن يأتي بالتعوذ، ثانيها: أن لا يخاف فوات وقت الأداء. فلو بقي في الوقت ما يسع ركعة بدون أن يأتي بدعاء الافتتاح. فإنه لا يأتي به، ثالثها: أن لا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة فإن خاف ذلك فلا يأتي به، رابعها: أن يدرك الإمام في حال الاعتدال من القيامن فإذا أدركه في الاعتدال فإنه لا يأتي به، خامسها: أن لا يشرع في التعوذ أو قراءة الفاتحة، فإن شرع في ذلك عمداً بالاستعاذة بعد دعاء الافتتاح الذي تقدم، وتحصل الاستعاذة بكل لفظ يشتمل على التعوذ. ولكن الأفضل أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وبعضهم يقول: إن زيادة السميع العليم سنة أيضاً. فيقول: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، ومنها الجهر بالقراءة إذا كان المصلي إماماً ومنفرداً، أما المأموم فيسن في حقه الإسرار وإنما يسن الجهر فيحق المرأة والخنثى إذا لم يسمع شخص أجنبي، أما إذا وجد أجنبي، فإن المرأة والخنثى لا يجهران بالقراءة، بل يسن لهما الإسرار، كي لا يسمع صوتهما الأجنبي وحد الإسرار عند الشافعية هو أن يسمع المصلي نفسه، كما تقدم، وظاهر أن الجهر لا يكون الا في الركعتين الأوليين إذا كان منفرداً. وسيأتي حكم المسبوق. ومنها التأمين، وهو أن يقول المصلي عقب قراءة الفاتحة "آمين" فإذا ركع ولم يقل: آمين فقد فات التأمين ولا يعود إليه، وكذا إن شرع في قراءة شيء آخر بعد الفاتحة.
ولو سهواً، الا أنه يستثنى من ذلك ما إذا قال: رب اغفر لي؛ ونحوه، لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قرأ الفاتحة، ثم سكت فإن التأمين لا يسقط، وإذا كان يصلي مأموماً فإنه يسن له أن يقول: آمين مع إمامه، إذا كانت الصلاة جهرية، أما الصلاة السرية فلا يؤمن المأموم فيها مع إمامه، فإذا لم يؤمّن في الصلاة الجهرية، أو أخر التأمين عن وقته المندوب، وهو أن يكون تأمينه مع تأمين الإمام، فإنه يأتي بالتأمين وحده.
لأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم "إذا أمن من الإمام فأمّنوا" إذا دخل وقت تأمين الإمام فأمّنوا، وإن لم يؤمّن بالفعل، أو أخره عن وقته، ومنها قراءة شيء من القرآن، وإن لم يكن سورة كاملة، ولكن قراءة السورة الكاملة أفضل عند الشافعية من بعض السورة، بشرط أن لا يكون بعض السورة أكثر من السورة، فلو قرأ "آمن الرسول بما أُنزل إليه" إلى آخر سورة البقرة، كان ذلك أفضل من قراءة سورة صغيرة، كسورة "قريش"، أو "الفيل"، أو {قل هو الله أحد} لأن أواخر البقرة أكثر من السورة الصغيرة، وهذا هو المعتمد عند الشافعية، وبعضهم يقول: إن السورة الصغيرة أفضل وأقل السورة ثلاث آيات؛ ولكن لا يلزم المصلي أن يأتي بثلاث آيات، بل يتحقق أصل السنة عند الشافعية بالإتيان بشيء من القرآن، ولو آية واحدة، ولكن الأفضل هو ما ذكرنا من الإتيان بسورة كاملة، وهي ثلاث آيات؛ وأفضل من ذلك أن يأتي بأطوال منها، ويندب عند الشافعية تطويل قراءة ما زاد على الفاتحة من سورة قصيرة ونحوها في الركعة الأولى عن الركعة الثانية، الا إذا اقتضى الحال ذلك، كما إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً، فلو قرأ السورة أولاً، ثم قرأ الفاتحة، فإن السورة لا تحسب له؛ وعليه أن يعيدها بعد قراءة الفاتحة، إن أراد تحصيل السنة، ومنها أن يسكت المصلي بعد قراءة الفاتحة إذا كان إماماً، فلا يشرع في قراءة السورة الا بعد زمن يسع قراءة فاتحة المأمومين إذا كانت الصلاة جهرية، والأولى للإمام في هذه الحالة يشتغل بدعاء، أو قراءة في سره.
وعند الشافعية سكتات أخرى مطلوبة، ولكنها يسيرة، ويعبرون عنها بسكتات لطيفة، وهي في مواضع: أحدها: أن يسكت سكتة لطيفة بعد تكبيرة الإحرام، ثم يشرع في قراءة التوجه {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض} الخ، ثانيها: أن يسكت كذلك بعد الفراغ من التوجه، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو نحو ذلك، مما تقدم، ثالثها: أن يسكت كذلك بعد التعوذ، ثم يسمى على الوجه المتقدم، رابعها: أن يسكت بعد التسمية كذلك، ثم يشرع في قراءة الفاتحة، خامسها: أن يسكت بعد الفراغ من قراءة الفاتحة قبل التأمين، ثم يقول: آمين؛ سادسها: أن يسكت كذلك بعد قول: آمين. ثم يشرع في قراءة السور.
سابعها: أن يسكت في قراءة السورة كذلك، ثم يكبر للركوع، فإذا أضيفت هذه السكتات إلى السكتة المشروعة للإمام بعد قراءة الفاتحة، يكون عدد السكتات ثمانية، ولكن المعروف عند الشافعية أن السكتات ستة، لأنهم يعدون السكتة بين التكبيرة والتوجه، وبين التوجه والتعوذ واحدة؛ والأمر في ذلك سهل، ومنها التكبيرات عند الخفض للركوع، ويسن مدها حتى يتم ركوعه، وكذلك تكبيرات السجود، فإنه سنة عندهم، وعليه أن يجهر بالتكبيرات المذكورة إذا كان إماماً، كي يسمعه المأمون، ومثل ذلك ما إذا كان مبلغاً كما يأتي؛ ومنها أن يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع رأسه من الركوع، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ويجهر الإمام بقوله: سمع الله لمن حمده أما المأموم فإنه يسر بها؛ ومنها أن يقول: ربنا لك الحمد، إذا انتصب قائماً، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفردا، أما إذا صلى قاعداً فإنه يأتي بذلك بعد الاعتدال من القعود، ولكن يسن أن يأتي الإمام والمأموم والمنفرد بقول: "ربنا لك الحمد" سراً، حتى ولو كان المأموم مبلغاً، فإذا جهر بقول: "ربنا لك الحمد" كان جاهلاً؛ ومنها أن يسبح في ركوعه، بأن يقول: سبحان ربي العظيم، وهو سنة مؤكدة عندهم، حتى قال بعضهم: إن من داوم على تركه سقطت شهادته، وأقله مرة واحدة، فتحصل أصل السنة إذا قال: سبحان ربي العظيم، ولكن أدنى كمال السنة لا يحصل الا إذا أتى به ثلاث مرات، سواء كان إماماً أو مأموماً، أو منفرداً.
ويسن الزيادة على الثلاث إذا كان المصلي منفرداً، أو كان إماماً لجماعة راضين بالتطويل، وفي هذه الحالة يسن له أن يأتي بإحدى عشرة تسبيحة، ولا يزيد على ذلك، ويسن للمنفرد أن يزيد: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري، وما استقلت به قدمي لله رب العالمين؛ وكذا يسن للإمام أن يأتي بهذا الدعاء في ركوعه إذا كان إمام قوم محصورين، راضين بالتطويل؛ ومنها أن يسبح في سجوده، بأن يقول: "سبحان ربي الأعلى"، وتحصل أصل السنة بمرة واحدة ولكن أقل الكمال يحصل بثلاث مرات، وأعلى الكمال أن يأتي بإحدى عشرة مرة، كما تقدم في تسبيح الركوع؛ وإذا كان يصلي إماماً بجماعة محصورين، فإنه يسن له أن يزيد على ذلك: "اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين" والدعاء في السجود بطلب الخير سنة، لحديث مسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد فأكثروا الدعاء"؛ ومنها وضع اليدين على الفخذين في الجلوس للتشهد الأول والأخير؛ ومنها أن يبسط اليد اليسرى بحيث تكون رؤوس أصابع اليد مسامته للركبة. ومنها أن يقبض أصابع اليد اليمنى. الا الإصبع التي بين الإبهام الوسطى. ويقال لها: المسبحة - بكسر الباء - لأنها يشار بها عند التسبيح، وتسمى السبابة لأنها يشار بها عند السب وإنما يسن ذلك عند قوله في التشهد:الا الله ويكره إصبعه المسبحة، فإن حركها فقد فعل مكروهاً على الأصح. وبعضهم يقول: إن صلاته تبطل. لأنه عمل خارج عن أعمال الصلاة. ولكن هذا ضعيف لأنه عمل يسير لا تبطل به الصلاة. ومنها أن يجلس الشخص في جميع جلسات الصلاة مفترشاً؛ ومعنى الافتراض أن يجلس على كعب رجله اليسرى.
ويجعل ظهر رجله للأرض وينصب قدمه اليمنى، ويضع أطراف أصابعها لجهة القبلة. وسمي افتراشاً لأن المصلي يفترض قدمه، ويجلس عليها.
هذا إذا لم يكن به علة تمنعه من الجلوس بهذه الكيفية. أما إذا كان عاجزاً عن ذلك. كأن كان جسمه ضخماً (سميناً) فإنه يأتي بالكيفية التي يقدر عليها ومنها التسليمة الثانية فإنها سنة عند الشافعية.
الحنابلة قالوا: سنن الصلاة ثمان وستون وهي قسمان: قولية؛ وفعلين فالقولية: اثنتا عشرة. وهي: دعاء الاستفتاح؛ والعوذ قبل القراءة؛ والبسملة؛ وقول: آمين؛ وقراءة سورة بعد الفاتحة؛ كما تقدم؛ وجهر الإمام بالقراءة، كما تقدم؛ أما المأموم فيكره جهره بالقراءة؛ وقول: ملء السموات وملء الأرض. الخ. بعد التحميد كما تقدم؛ وما زاد على المرة الأولى في تسبيح الركوع والسجود؛ وما زاد على المرة في قول: "رب اغفر لي" في الجلوس بين السجدتين؛ والصلاة على آله عليه الصلاة والسلام في التشهد الأخير؛ والبركة عليه عليه السلام. وعلى الآل فيه؛ والقنوت في الوتر جميع السنة. أما الفعلية وتسمى الهيئات: فهي ست وخمسون تقريباً: رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام؛ كون اليدين مبسوطتين عند الرفع من الركوع؛ حط اليدين عقب ذلك؛ وضع اليمين على الشمال حال القيام والقراءة؛ جعل اليدين الموضوعتين على هذه الهيئة تحت سرته. نظر المصلي إلى موضع سجوده حال قيامه؛ الجهر بتكبيرة الإحرام؛ ترتيل القراءة؛ تخفيف الصلاة إذا كان إماماً، إطالة الركعة الأولى عند الثانية، تقصير الركعة الثانية، تفريج المصلي بين قدميه حال قيامه يسيراً، قبض ركبتيه بيديه حال الركوع، تفريج اصابع اليدين حال وضعهما على الركبتين في الركوع، مدّ ظهره في الركوع مع استوائه، تجعل رأسه حيال ظهره في الركوع، مجافاة عضديه عن جنبيه فيه.
أن يبدأ في السجود بوضع ركبتيه قبل يديه، أن يضع يديه بعد ركبتيه، أن يضع جبهته وأنفه بعد يديه، تمكين أعضاء السجود من الأرض، مباشرتها لمجل السجود، كما تقدم، مجافاة عضدية عن جنبيه في السجود، مجافاة بطنه عن فخذيه فيه أيضاً، مجافاة الفخذين عن الساقين فيه، تفريج ما بين الركبتين فيه أيضاً: أن ينصب قدميه فيه أيضاً، جعل بطون أصابع القدمين على الأرض في السجود، تفريق اصابع القدمين في السجود؛ وضع اليدين حذو المنكبين فيه، بسط كل من اليدين؛ ضم الأصابع من اليدين فيه أيضاً، توجيه أصابعهما إلى القبلة فيه أيضاً؛ رفع اليدين أولاً في القيام من السجود إلى الركعة، بأن يقوم للكرعة الثانية على سدور قدميه، أن يقوم كذلك للركعة الثالثة، أن يقوم كذلك للركعة الرابعة، أن يعتمد بيديه على ركبتيه في النهوض لبقية صلاته، الافتراش في الجلوس بين السجدتين؛ الافتراش في التشهد الأول التورك في التشهد الثاني؛ وضع اليدين على الفخذين في التشهد الأول؛ بسط اليدين على الفخذين في التشهد الأول، ضم أصابع اليدين في الجلوس بين السجدتين في التشهد الأول والثاني قبض الخنصر والبنصر من يده اليمنى وتحليق إبهامه مع الوسطى في التشهد مطلقاً، أن يشير بسبابته عند ذكر لفظ الجلالة في التشهد. ضم أصابع اليسرى في التشهد، جعل أطراف أصابع اليسرى جهة القبلة، الإشارة بوجهه نحو القبلة في ابتداء السلام، الالتفاف يميناً وشمالاً في تسليمه أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، زيادة اليمين على الشمال في الالتفاف الخشوع في الصلاة.
والمرأة فيما تقدم كالرجل؛ الا أنها لا يسن لها المجافاة السابقة في الركوع والسجود، بل السنة لها أن تجمع نفسها وتجلس مسدلة رجليها عن يمينها وهو الأفضل، وتسر القراءة وجوباً إن كان يسمعها أجنبي، والخنثى المشلك كالأنثى) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 03-06-2020, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 227 الى صــــــــ
234
الحلقة (40)

مبحث شرح بعض سنن الصلاة وبيان المتفق عليه؛ والمتختلف فيه
رفع اليدين
رفع اليدين عند الشروع في الصلاة سنة، فيسن للمصلي أن يرفع يديه عند شروعه في الصلاة باتفاق، ولكنهم اختلفوا في كيفية هذا الرفع، فانظره مفصلاً تحت الخط (1) .

حكم الإتيان بقول: آمين
من سنن الصلاة أن يقول المصلي عقب الفراغ من قراءة الفاتحة: آمين، وإنما يسن بشرط أن لا يسكت طويلاً بعد الفراغ من قراءة الفاتحة، أو يتكلم بغير دعاء، وهو سنة للإمام والمأموم والمنفرد، وهذا القدر متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة، فاتفق الشافعية والحنابلة على أنه يؤتى به سراً في الصلاة السرية، وجهراً في الصلاة الجهرية، فإذا فرغ من قراءة الفاتحة جهراً في الركعة الأولى، والثانية من صلاة الصبح والمغرب والعشاء، قال: آمين جهراً، أما في باقي الركعات التي يقرأ فيها سراً فإنه يقول: آمين في سره أيضاً، ومثل ذلك باقي الصلوات التي يقرأ فيها سراً، وهي الظهر، والعصر، ونحوهما، مما يأتي بيانه، أما المالكية والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنفية قالوا: يسن للرجل أن يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام إلى حذاء أذنيه، مع نشر أصابعه - فتحها. ومثله الأمة، وأما المرأة الحرة فالسنة في حقها أن ترفع يديها إلى الكتفين - المنكبين - ومثل تكبيرة الإحرام تكبيرات العيدين والقنوت، فيسن له أن يرفع يديه فيها، كما سيأتي مفصلاً في مباحثه.
الشافعية قالوا: الأكمل في السنة هو رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، والركوع والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول حتى تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وتحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه؛ وتحاذي راحتاه منكبيه؛ للرجل والمرأة، أما أصل السنة فتحصل ببعض ذلك.
المالكية قالوا: رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام مندوب، وفيما عدا ذلك مكروه، وكيفية الرفع أن تكون يداه مبسوطتين. وظهورهما للسماء وبطونهما للأرض، على القول الأشهر عندهم

(2) الحنفية قالوا: التأمين يكون سراً في الجهرية والسرية، سواء كان ذلك عقب فراغه من قراءة الفاتحة، أو بسبب سماعه ختام الفاتحة من الإمام أو من جاره ولو كانت قراءتهما سرية.
المالكية قالوا: التأمين يندب للمنفرد والماموم مطلقاً، أي فيما يسر فيه، وفيما يجهر فيه، وللإمام فيما يسر فيه فقط، وإنما يؤمِّن المأموم في الجهرية إذا سمع قول إمامه: "ولا الضالين": وفي السرية بعد قوله هو: "ولا الضالين"

****************************
وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت السرة أو فوقها
يُسن وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت سرته أو فوقها، وهو سنة باتفاق ثلاثة من الأئمة،
وقال المالكية: إنه مندوب، أما كيفيته فانظرها تحت الخط (1) .

التحميد والتسميع
يُسن التحميد، وهو أن يقول: اللهم ربنا ولك الحمد عند الرفع من الركوع، أما التسميع فهو أن يقول المصلي: سمع الله لمن حمده عند الرفع من الركوع أيضاً، وهذا القدر متفق عليه في التسميع والتحميد، وإنما الخلاف في الصيغة التي ذكرنا.
فانظره تحت الخط (2) .
__________
(1) المالكية قالوا: وضع اليد اليمنى على اليسرى فوق السرة، وتحت الصدر مندوب لا سنة، بشرط أن يقصد المصلي به التسنن - يعني اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله - فإن قصد ذلك كان مندوباً. أما إن قصد الاعتماد والاتكاء، فإنه يكره بأي كيفية. وإذا لم يقصد شيئاً. بل وضع يديه هكذا بدون أن ينوي التسنن فإنه لا يكره على الظاهر بل يكون مندوباً أيضاً. هذا في الفرض أما في صلاة النفل فإنه يندب هذ الوضع بدون تفصيل.
الحنفية قالوا: كيفيته تختلف باختلاف المصلي. فإن كان رجلاً فيسن في حقه أن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كف اليسرى محلقاً بالخنصر والإبهام على الرسغ تحت سرته. وإن كانت امرأة فيسن لها أن تضع يديها على صدرها من غير تحليق.
الحنابلة قالوا: السنة للرجل والمرأة أن يضع باطن يده اليمنى على ظهر يده اليسرى ويجعلها تحت سرته.
الشافعية قالوا: السنة للرجل والمرأة وضع بطن كف اليد اليمنى على ظهر كف اليسرى تحت صدره وفوق سرته مما يلي جانبه الأيسر. وأما أصابع يده اليمنى بهو مخير بين أن يبسطها في عرض مفصل اليسرى وبين أن ينشرها في جهة ساعدها. كما تقدم إيضاحه في مذهبهم قريباً

(2) الحنفية قالوا: الإمام يقول عند رفعه من الركوع "سمع الله لمن حمده". ولا يزيد على ذلك على المعتمد. والمأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد. وهذه أفضل الصيغ، فلو قال: ربنا ولك الحمد. فقد أتى بالسنة، وكذا لو قال: ربنا لك الحمد، ولكن الأفضل هي الصيغة الأولى ويليها ربنا ولك الحمد، ويليهما ربنا لك الحمد. أما المنفرد فإنه يجمع بين الصيغتين فيقول: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد. أو ربنا لك الحمد. إلى آخر ما ذكر. وهذا سنة عند الحنفية، كما ذكرنا.
المالكية قالوا: التسميع. وهو قول: سمع الله لمن حمده سنة للإمام والمنفرد والمأموم. أما التحميد وهو قول: اللهم ربنا ولك الحمد، فهو مندوب لا سنة في الحنفية قالوا: المنفرد والمأمةم. أما الإمام فإن السنة في حقه أن يقول: سمع الله لمن حمده كما ذكرنا، ولا يزيد على ذلك. كما لا يزيد المأموم على قول: اللهم ربنا ولك الحمد، أو ربنا ولك الحمد ولكن الصيغة الأولى أولى.
الشافعية قالوا: السنة أن يجمع كل من الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد، فيقول كل واحد منهم: سمع الله لمن حمده. ربنا لك الحمد، ولكن على الإمام أن يجهر بقوله: سمع الله لمن حمده. أما المأموم فلا يسن له أن يجهر بها. الا إذا كان مبلغاً. أما قول ربنا لك الحمد فيسن لكن منهم أن يأتي بها سراً، حتى ولو كان المأموم مبلغاً، كما تقدم بيانه في مذهبهم.
الحنابلة قالوا: يجمع الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد. فيقول: سمع الله لمن حمده. ربنا ولك الحمد، وهذا الترتيب في الصيغة واجب عند الحنابلة، فلو قال: من حمد الله سمع له. لم يجزئه. ويقول: ربنا ولك الحمد عند تمام قيامه. أما المأموم، فإنه يقول: ربنا ولك الحمد بدون زيادة في حال رفعه من الركوع ولو قال ربنا لك الحمد، فإنه يكفي، ولكن الصيغة الأولى أفضل: وأفضل من ذلك أن يقول: اللهم ربنا لك الحمد بدون واو. ويسن أن يقول بعد الفراغ من قول: ربنا ولك الحمد: ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد
****************************
جهر الإمام بالتكبير والتسميع
ويسن: جهر الإمام بالتكبير، والتسميع، والسلام كي يسمعه المأمومون الذين يصلون خلفه، وهذا الجهر سنة باتفاق ثلاثة.
وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة.

التبليغ خلف الإمام
ويتعلق بذلك بيان حكم التبليغ، وهو أن يرفع أحد المأمومين أو الإمام صوته ليسمع الباقين صوت الإمام وهو جائز بشرط أن يقصد المبلغ برفع صوته الإحرام للصلاة بتكبيرة الإحرام.
أما لو قصد التبليغ فقط، فإن صلاته لم تنعقد، وهذا القدر متفق عليه في المذهب أما إذا قصد التبليغ مع الإحرام، أي نوى الدخول في الصلاة.
ونوى التبليغ. فإنه لا يضر.
أما غير تكبيرة الإحرام من باقي التكبيرات، فإنه إذا نوى بها التبليغ فقد فإن صلاته لا تبطل، ولكن يفوته الثواب (1) .
__________
(1) الشافعية قالوا: تبطل صلاة المبلغ إذا قصد التبليغ فقط بتكبيرة الإحرام، وكذا إذا لم يقصد شيئاً، أما إذا قصد بتكبيرة الإحرام التبليغ والإحرام للصلاة، أو قصد الإحرام فقط، فإن صلاته تنعقد، وكذلك الحال في غير تكبيرة الإحرام، فإنه إذا قصد بها مجرد التبليغ، أو لم يقصد شيئاً بطلت صلاته، أما إذا قصدر التبليغ مع الذكر، فإن صلاته تصح، الا إذا كان عامياً، فإن صلاته لا تبطلن ولو قصد الإعلام فقط.
الحنفية قالوا: يسن جهر الإمام بالتكبير بقدر الحاجة لتبليغ من خلفه، فلو زاد على ذلك زيادة فاحشة، فإنه يكره، لا فرق في ذلك بين تكبيرة الإحرام وغيرها، ثم إذا قصد الإمام أو المبلغ الذي يصلي خلفه بتكبيرة الإحرام مجرد التبليغ خالياً عن قصد الإحرام فإن صلاته تبطل، وكذا صلاة من يصلي بتبليغه إذا علم منه ذلك، وإذا قصد التبليغ مع الإحرام فإنه لا يضر، بل هو المطلوب.
هذا في تكبيرة الإحرام، أما باقي التكبيرات، فإنه إذا قصد بها مجرد الإعلام فإن صلاته لا تبطل، ومثلها التسميع والتحميد، ما لم يقصد برفع صوته بالتبليغ التغني ليعجب الناس بنغم صوته فإن صلاته تفسد على الراجح

*****************************
تكبيرات الصلاة المسنونة
ومن سنن الصلاة التكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، وهي تكبيرة الركوع، وتكبيرة السجود، وتكبيرة الرفع من السجود، وتكبيرة القيام، فإنها كلها سنة، وهذا الحكم متفق عليه بين المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) .

قراءة السورة أو ما يقوم مقامها بعد الفاتحة
قراءة شيء من القرآن بعد قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والمغرب والعشاء، وفي ركعتي فر الصبح، مطلوب باتفاق، ولكنهم اختلفوا في حكمه، فقال ثلاثة من الأئمة: إنه سنة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وكذا مقدار المطلوب
__________
(1) الحنابلة قالوا: إن كل هذه التكبيرات واجبة لا بد منها، ما عدا تكبيرة المسبوق الذي أدرك إمامه راكعاً، فإن تكبيرة ركوعه سنة، بحيث لو كبر للإحرام، وركع، ولم يكبر صحت صلاته.
الحنفية قالوا: إن جميع هذه التكبيرات سنة، كما يقل الشافعية والمالكية، الا في صورة واحدة، وهي تكبيرة الركوع في الركعة الثانية من صلاة العيدين، فإنها واجبة، وقد عرفت أن الواجب عندهم أقل من الفرض، وقد عبر عنه بعضهم بأنه سنة مؤكدة
(2) الحنفية قالوا: حكم قراءة السورة أو ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة هو الوجوب. فتجب قراءة ذلك في الركعتين الأوليين من صلاة الفرض، وقد ذكرنا معنى الواجب عندهم
************************
قراءته، فقد اتفق الشافعية والمالكية على أنه يكتفي بقراءة سورة صغيرة، أو آية، أو بعض آية، فمتى أتى بهذا بعد الفاتحة فقد حصل أصل السنة؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) وقراءة السورة بعد الفاتحة في الفرض سنة للإمام والمنفرد والمأموم إذا لم يسمع قراءة الإمام، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
هذا في صلاة الفرض، أما صلاة النفل، فإن قراءة السورة ونحوها مطلوبة في جميع ركعاته، سواء صلاها ركعتين أو أربعاً، بتسليمة واحدة، أو أكثر من ذلك، وهذا الحكم فيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (3) .
__________
(1) الحنفية قالوا: لا يحصل الواجب الا بما ذكر من قراءة سورة صغيرة، أو آية طويلة، أو ثلاث آيات قصار.
الحنابلة قالوا: لا بد من قراءة آية لها معنى مستقل غير مرتبط بما قبله ولا بعده، فلا يكفي أن يقول: "مدهامتان" أو "ثم نظر" أو نحو ذلك
(2) الحنفية قالوا: لا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف الإمام مطلقاً، كما تقدم، وقد عرفت حكم الإمام، والمنفرد في ذلك في الصحيفة التي قبل هذه.
المالكية قالوا: تكره القراءة للمأموم في الصلاة الجهرية، وإن لم يسمع أو سكت الإمام
(3) المالكية قالوا: إن قراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة مندوب في النفل لا سنة. سواء صلى ركعتين أو أكثر.
الحنفية قالوا: قراءة السورة أو ما يقوم مقامها من الآيات التي ذكرنا واجب في جميع ركعات النفل لا سنة ولا مندوب، كما يقول غيرهم.
الشافعية قالوا: إذا صلى النفل أكثر من ركعتين. فإنه يكون كصلاة الفرض الرباعي. فلا يسن أن يأتي بالسورة الا في الركعتين الأوليين. أما ما زاد على ذلك فإنه يكتفي فيه بقراءة الفاتحة.
الحنابلة قالوا: قراءة سورة صغيرة أو آية مستقلة لها معنى مستقل بعد الفاتحة في صلاة النفل سنة في كل ركعة من ركعاته، سواء صلاها ركعتين أو أربعاً
*************************
دعاء الافتتاح ويقال له: الثناء
دعاء الافتتاح سنة عند ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية.
فقالوا: المشهور أنه مكروه.
وبعضهم يقول: بل هو مندوب.
أما صيغة هذا الدعاء وما قيل فيه، فانظره تحت الخط (1) .
__________
(1) الحنفية قالوا: نص دعاء الافتتاح هو أن يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" ومعنى: سبحانك اللهم وبحمدك، أنزهك تنزيهك اللائق بجلالك يا الله، ومعنى وبحمدك، سبحتك بكل ما يليق بك، وسبحتك بحمدك، ومعنى: وتبارك اسمك، دامت بركته، ودام خيره، ومعنى تعالى جدّك، علا جلالك؟ واترفعت عظمتك، وهو سنة عندهم للإمام والمأموم والمنفرد في صلاة الفرض والنفل، الا إذا كان المصلي مأموماً وشرع الإمام في القراءة؛ فإنه في هذه الحالة لا يأتي المأموم بالثناء، وإذا فاتته ركعة وأدرك الإمام في الركعة الثانية، فإنه يأتي به قبل أن يشرع الإمام في القراءة؟ وهكذا، فلا يسن في الحنفية قالوا: المأموم بعد شروع إمامه في القراءة في كل ركعة سواء كان يقرأ جهراً أو سراً وإذا أدرك الإمام وهو راكع أو ساجد؟ فإن كان يظن أنه يدركه قبل الرفع من ركوعه، أو سجوده؛ فإنه يأتي بالثناء؟ وإلا فلا.
الشافعية قالوا: دعاء الافتتاح هو أن يقول المصلي بعد تكبيرة الإحرام: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين؛ لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين} والحنفية يقولون إن هذه الصيغة تقال قبل نية صلاة الفرض، كما تقال بعد النية، والتكبيرة في صلاة النافلة، وقد اشترط الشافعية للإتيان بهذا الدعاء شروطاً خمسة، ذكرناها مع بيان كل ما يتعلق به في "سنن الصلاة" في مذهبهم؛ فارجع إليه.
الحنابلة قالوا: نص دعاء الافتتاح هو النص الذي ذكر في مذهب الحنفية، ويجوز أن يأتي بالنص الذي ذكره الشافعية بدون كراهة، بل الأفضل أن يأتي بكل من النوعين أحياناً، وأحياناً.
المالكية قالوا: يكره الإتيان بدعاء الافتتاح على المشهور، لعمل الصحابة على تركه، وإن كان الحديث الوارد به صحيحاً على أنهم نقلوا عن مالك رضي الله عنه أنه قال بندبه، ونصه: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً"، إلى آخر الآية؛ وقد عرفت أن الإتيان به مكروه على المشهور
****************************
التعوذ
التعوّذ سنة عن ثلاثة من الأئمة، خلافاً للمالكية؛ فانظر ما قيل في التعوذ عند كل مذهب تحت الخط (1) .

التسمية في الصلاة
ومنها التسمية في كل ركعة قبل الفاتحة، بأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي سنة عند الحنفية، والحنابلة،
أما الشافعية فيقولون: إنها فرض،
والمالكية يقولون: إنها مكروهة وفي كل ذلك تفصيل ذكرناه تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنفية قالوا: التعوذ سنة، وهو أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والثناء المتقدم، ولا يأتي بالتعوذ الا في الركعة الأولى، سواء كان إماماً، أو منفرداً، أو مأموماً، الا إذا كان المأموم مسبوقاً، كأن أدرك الإمام بعد شروعه في القراءة، فإنه في هذه الحالة لا يأتي بالتعوذ، لأن التعوذ تابع للقراءة على الراجح عندهم، وهي منهي عنها في هذه الحالة.
الشافعية قالوا: التعوذ سنة في كل ركعة من الركعات، وأفضل صيغة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد تقدم تفصيل ذلك في بيان مذهبهم قريباً.
المالكية قالوا: التعوذ مكروه في صلاة الفريضة، سراً كان، أو جهراً، أما في صلاة النافلة فإنه يجوز سراً، ويكره جهراً على القول المرجح.
الحنابلة قالوا: التعوذ سنة، وهو أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وهو سنة في الركعة الأولى
(2) الحنفية قالوا: يسمي الإمام والمنفرد سراً في أول كل ركعة، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية. أما المأموم فإنه لا يسمي طبعاً، لأنه لا تجوز له القراءة ما دام مأموماً، ويأتي بالتسمية بعد دعاء الافتتاح، وبعد التعوذ، فإذا نسي التعوذ، وسمي قبله، فإنه يعيده ثانياً، ثم يسمي، أما إذا نسي التسمية، وشرع في قراءة الفاتحة، فإنه يستمر، ولا يعيد التسمية على الصحيح أما التسمية بين الفاتحة والسورة، فإن الإتيان بها غير مكروه، ولكن الأولى أن لا يسمي، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، وليست التسمية من الفاتحة، ولا من كل سورة في الأصح، وإن كانت من القرآن.
المالكية قالوا: يكره الإتيان بالتسمية في الصلاة المفروضة، سواء كانت سرية أو جهرية، الا إذا نوى المصلي الخروج من الخلاف، فيكون الإتيان بها أول الفاتحة سراً مندوباً؛ والجهر بها مكروه في هذه الحالة أما في صلاة النافلة، فإنه يجوز للمصلي أن يأتي بالتسمية عند قراءة الفاتحة.
الشافعية قالوا: البسملة آية من الفاتحة، فالإتيان بها فرض لا سنة، فحكمها حكم الفاتحة في الصلاة السرية أو الجهرية، فعلى المصلي أن يأتي بالتسمية جهراً في الصلاة الجهرية، كما يأتي بالفاتحة جهراً، وإن لم يأت بها بطلت صلاته.
الحنابلة قالوا: التسمية سنة، والمصلي يأتي بها في كل ركعة سراً، وليست آية من الفاتحة، وإذا سمى قبل التعوذ سقط التعوذ، فلا يعود إليه، وكذلك إذا ترك التسمية، وشرع في قراءة الفاتحة، فإنها تسقط، ولا يعود إليها، كما يقول الحنفية
*****************************
تطويل القراءة وعدمه
ومنها أن تكون القراءة من طوال المفصل، أو أوساطه في أوقات مختلفة مبينه.
وحد المفصل في المذاهب، تحت الخط (1) .
وإنما تسن الإطالة إذا كان المصلي مقيماً منفرداً، فإن كان مسافراً، فلا تسن عند ثلاثة من الأئمة وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وإن كان المصلي إماماً، فيسن له التطويل بشروط مفصلة في المذاهب
(3) .
__________
الحنابلة قالوا: التسمية سنة، والمصلي يأتي بها في كل ركعة سراً، وليست آية من الفاتحة، وإذا سمى قبل التعوذ سقط التعوذ، فلا يعود إليه، وكذلك إذا ترك التسمية، وشرع في قراءة الفاتحة، فإنها تسقط، ولا يعود إليها، كما يقول الحنفية
(1) الحنفية قالوا: إن طوال المفصل من "الحجرات" إلى سورة "البروج" وأوساطه من سورة "البروج" إلى سورة "لم يكن"، وقصاره من سورة "لم يكن" إلى سورة "الناس"، فيقرأ من طوال المفصل في الصبح والظهر، الا أنه يسن أن تكون في الظهر أقل منها في الصبح؛ ويقرأ من أوساطه في العصر والعشاء، ويقرأ من قصاره في المغرب.
الشافعية قالوا: إن طوال المفصل من "الحجرات" إلى سورة "عم يتساءلون" وأوساطه من سورة "عم" إلى سورة "والضحى" وقصاره منها إلى آخر القرآن، فيقرأ من طوال المفصل في صلاة الصبح وصلاة الظهر؛ ويسن أن تكون في الظهر أقل منها في الصبح، الا أنه يستثنى من ذلك صبح يوم الجمعة، فإنه يسن فيه أن يقرأ في ركعته الأولى بسورة "ألم - السجدة" وإن لم تكن من المفصل، وفي ركعته الثانية بسورة "هل أتى" بخصوصها، ويقرأ من أوساطه في العصر والعشاء، ومن قصار في المغرب.
المالكية قالوا: إن طوال المفصل من سورة "الحجرات" إلى آخر "والنازعات" وأوساطه من بعد ذلك إلى "والضحى" وقصاره منها إلى آخر القرآن، فيقرأ من طول المفصل في الصبح والظهر، ومن قصاره في العصر والمغرب، ومن أوساطه في العشاء، وهذا كله مندوب عندهم لا سنة.
الحنابلة قالوا: إن طوال المفصل من سورة "ق" إلى سورة "عم" وأوساطه إلى سورة "والضحى" وقصاره إلى آخر القرآن، فيقرأ من طوال المفصل في الصبح فقط، ومن قصاره في المغرب فقط، ومن أوساطه في الظهر والعصر والعشاء، ويكره أن يقرأ في الفجر وغيره بأكثر من ذلك لعذر، كسفر، ومرض، وإن لم يوجد عذر كره في الفجر فقط
(2) المالكية قالوا: يندب التطويل للمنفرد، سواء كان مسافراً أو مقيماً
(3) الشافعية قالوا: يسن التطويل للإمام بشرط أن يكون إمام محصورين راضين بالتطويل بأن يصرحوا بذلك، الا في صبح يوم الجمعة، فإنه يسن للإمام فيه الإطالة بقراءة سورة "السجدة" كلها، وسورة، هل أتى، وإن لم يرضوا.
المالكية قالوا: يندب التطويل للإمام بشروط أربعة: الأول: أن يكون إماماً لجماعة محصورين، الثاني: أن يطلبوا منه التطويل بلسان الحال أو المقال، الثالث: أن يعلم أو يظن أنهم يطيقون ذلك، الرابع: أن يعلم، أو يظن أن لا عذر لواحد منهم، فإن تخلف شرط من ذلك، فتقصير القراءة أفضل.
الحنفية قالوا: تسن الإطالة للإمام إذا علم أنه لم يثقل بها على المقتدين، أما إذا علم أنه يثقل فتكره الإطالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بالمعوذتين، فلما فرغ قيل: أوجزت؟ قال: "سمعت بكاء صبي؛ فخشيت أن تفتتن أمه، ويلحق بذلك الضعيف والمريض وذو الحاجة".
الحنابلة قالوا: يسن للإمام التخفيف بحسب حال المأمومين

****************************
إطالة القراءة في الركعة الأولى عن القراءة في الثانية، وتقريج القدمين حال القيام
ومنها إطالة القراءة في الركعة الأولى من كل صلاة على الثانية فإن سوّى بينهما في القراءة فقد فاتته السنة، وإن أطال الثانية على الأولى كره له ذلك، الا في صلاة الجمعة، فيسن له أن يطيل الثانية فيها على الأولى، ومعنى الإطالة في الركعة الأولى أن يأتي بآيات أكثر منها في الركعة الثانية إلا في صلاة الجمعة والعيدين، وفي حال الزحام، فإنه يسن تطويل القراءة في الثانية عن الأولى، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، أما المالكية، والحنابلة "فانظر مذهبيهما تحت الخط" (1) .
ومنها تفريج القدمين حال القيام، بحيث لا يقرن بينهما، ولا يوسع إلا بعذر، كسمن ونحوه وقد اختلف في تقديره في المذاهب
(2) .
__________

(1) المالكية، والحنابلة قالوا: يندب تقصير الركعة الثانية عن الركعة الأولى في الزمن، ولو قرأ بها أكثر من الأولى بدون فرق بين الجمعة وغيرها، فإن سوّى بينهما أو أطال الثانية على الأولى، فقد خالف الأولى، على أن المالكية يفرقون بين المدوب والسنة، كما تقدم، بخلاف الحنابلة، وكذلك الشافعية لا يفرقون بين المندوب والسنة ومن هذا يتضح لك معنى الرفاق والخلاف
(2) الحنفية: قدروا التفريج بينهما بقدر أربع أصابع، فإن زاد أو نقص كره.
الشافعية: قدروا التفريج بينهما بقدر شبر. فيكره أن يقرن بينهما أو يوسع أكثر من ذلك كما يكره تقديم إحداهما على الأخرى.
المالكية قالوا: تفريج القدمين مندوب لا سنة، وقالوا: المندوب هو أن يكون بحالة متوسطة،بحيث لا يضمهما ولا يوسعهما كثيراً، حتى يتفاحش عرفاً ووافقهم الحنابلة على هذا التقدير إلا أنه لا فرق عند الحنابلة بين تسميته مندوباً أو سنة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 343.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 337.09 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]