آفاق الوحدة العضوية في قصيدة: خواطر عانس - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         المسائل الفقهية المتعلقة بالمسبحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          دم الاستحاضة سببه ركضة الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حكم التسميع والتحميد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فضل الصلاة في الصف الأول والصفوف المقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          جوانب خفية في الخلاف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الوجيز في فقه الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 181 - عددالزوار : 60934 )           »          أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 26 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-10-2021, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي آفاق الوحدة العضوية في قصيدة: خواطر عانس

آفاق الوحدة العضوية في قصيدة: خواطر عانس


د. ياسر حشيش





آفاق الوحدة العضوية في قصيدة

خواطر عانس للشاعر محمد أحمد العزب



حقائق حول الوحدة العضوية:

مدخل:
لقد كان بناء القصيدة من أُولَى القضايا التي تعرَّض لها دعاة التجديد في الأدب العربي الحديث؛ من أمثال: "خليل مطران"، وصاحبي الديوان، و"شكري"، وغيرهم.


وقد تمثّل ذلك في الدعوة إلى مبدأ الوحدة العضوية في القصيدة، والذي كان أصلاً مشتركًا بين أصحاب نزعات التجديد جميعها على اختلاف مشاربهم، ومدى استيفائها الكلام على هذا المبدأ في رؤيتها النظرية، ومدى تحقق هذه الوحدة في نتاجاتها الشعرية [1].

في مقابل تلك الدعوة كان لهذه الاتجاهات حملة عنيفة تنعى على الشعر العربي في قديمه، وفي إبَّان نهضته الحديثة - في نماذج الإحيائيين - تخلفه عن هذا المبدأ، واحتفاءه بمبدأ آخر ترك القصيدة متهزِّعةَ الأوصال: "لا يؤلف بينها وحدة غير الوزن والقافية"[2]، وهو مبدأ وحدة البيت.

وإذا كان من الحق أن الشعر العربي ونقده في مسيرته الطويلة حتى ظهور هذه الدعوة لم يكن يعرف هذه الوحدة العضوية كما جاءت في بيان أصحابها الذين كانوا متأثرين بالأدب الغربي في ذلك[3]؛ فإنه ينبغي أن نلتفت إلى الحقائق الآتية:
أولاً: أن كثيرًا من النماذج الشعرية في قديم الشعر العربي، قد تحقق لها قدر كبير من تلك الوَحدة[4].

ثانيًا: أن مبدأ وحدة البيت في القصيدة الشعرية لم يحفل به النقد العربي القديم على وجه الإجماع؛ إذ "إن منهم كثيرًا من النقاد رأوا ضرورة التلاؤم والتلاحم بين أجزاء العمل الأدبي..."[5].

ثالثًا: أن الوحدة العضوية قد تحققت في نماذج عديدة لدى شعراء الاتجاه المحافظ، على أن كثيرًا من نماذج هذا الاتجاه قد اتسمت بهذه الوحدة متأثرة بما نادت الاتجاهات التجديدية به[6]، وما نشب بسببها من معارك، ومن أوضح النماذج الشعرية التي تمتعت بهذه الوحدة تلك التي قدمها الشاعر العظيم أحمد محرم[7].

رابعًا: أن حركة الديوان، وهي من أعمق الاتجاهات التجديدية وأشملها حديثًا حول نظرية الشعر، وبخاصة فيما يتعلق بالوحدة الموضوعية[8] - لم تتحقق في نماذجها الشعرية تلك الوحدة بنفس الصرامة التي دعوا بها إليها، بل لم يتخلصوا نهائيًّا من المبدأ الذي حاربوه، وهو مبدأ وحدة البيت، ومن ثَمَّ تعرضوا إلى نفس النقد الذي عنفوا به الشعراء المحافظين من قِبَل الاتجاه الجديد، اتجاه الواقعية الاشتراكية[9].

خامسًا: أن الوحدة العضوية التي ينبغي أن تكون في القصيدة الشعرية - كما عبر عنها العقاد بأنها -: "كالجسم الحي، يقوم كل قسم منه مقام جهاز من أجهزته، ولا يغني عنه غيره في موضعه..."[10].

هذه الوحدة تُعَدُّ مطلبًا عسيرًا وشاقًّا، وليس على أية حال إن تحققت "بمثل هذه الصرامة التي ترفض إمكان تقديم بيت من أبيات القصيدة أو تأخيره"[11].

سادسًا: أن الوحدة العضوية أقرب ما تكون إلى طبيعة الشعر الموضوعي الدرامي[12]، منها إلى الشعر الغنائي الذي هو أحد السمات البارزة للشعر العربي القديم، فلا يعيبه إن تخلفت فيه هذه الوحدة بمفهومها الحديث؛ إذ كانت تربط بين أبيات قصائد كثيرة فيه وحدةٌ شعوريةٌ لا يمكن إغفالها[13].

من أجل ما ذكرناه آنفًا من أن الوحدة العضوية أقرب في تحققها على وجهها الأكمل في البناء الموضوعي؛ فقد كان ذلك من أحد الأسباب التي مكنت لظهور النزعة الدرامية في الشعر العربي المعاصر.

وسنحاول إبراز هذا الاتجاه إلى القصيدة العضوية ابتداء من القصيدة الغنائية ووصولاً إلى البناء الدرامي.

بيد أنه -بفضل وضوح مفهوم الوحدة الموضوعية لدى الأجيال الجديدة من الشعراء في الوطن العربي على اختلاف اتجاهاتهم- غدت هذه الوحدة أصلاً يتمسكون بأهدابه، فلا يفرطون فيه، سواء كانت قصائدهم غنائيةً أم موضوعية، وتتمثل هذه الوحدة فيما بيَّنه الدكتور غنيمي هلال بالآتي:
وحدة الموضوع.
وحدة المشاعر التي يثيرها الموضوع.
وما يستلزم ذلك من ترتيب الصور والأفكار ترتيبًا به تتقدم القصيدة شيًا فشيًا حتى تنتهي، على أن تكون أجزاء القصيدة كالبنية الحية، لكل جزء وظيفته فيها، ويؤدي إلى بعض عن طريق التسلسل في التفكير والمشاعر..."[14].

قراءة:
آفاق الوحدة العضوية
في قصيدة "خواطر عانس"
ربما يأتي .. إذا صليتُ في جُنْحِ المساءْ
ربما يأتي .. إذا صعَّدتُ لله الدعاءْ


ربما يأتي .. إذا رَجرَجتُ في عينيَّ دمعةْ
أو إذا أشعلت في ليل الحزانَى ضوء شمعةْ


ربما يَنسَلُّ من خلف مجاهيل المدى
ليدقَّ الباب دقاتٍ رقيقات الصدى



آهِ .. كم يشتاق بابي نقرات من يديه
وجداري الساهم الظمآن كم يهفو إليه


كل ما في البيت مشدود الذراعين يصلي
مِخْدَعي الباكي .. إناء الزهر .. أحلامي وظلي


حُزْمة من أغنيات الشوق في صدر البيان
تمطر الليل نشيدًا من حنين وحنان


مثل ما بالرمل من تَوقٍ إلى سَيْب المطرْ
مثل ما باللحن من شوق إلى بوح الوترْ


مثل ما بالزورق المجروح من حب القَرارْ
من لُهَاث الشوق للشاطئ في ليل البحارْ


بي إليه .. غير أني لا أرى يومًا خُطَاه
تزرع الفجر على درب جراحي .. لا أراه


خلف بابي ألف حُلْم يخنق الوهم صداها
ألف غصن يحرق الجَدْب .. براعيم صباها


أَمْضَغ الآهات في صمت ضرير لا يُبِينْ
مثل طير راسف في القَيد مجروح الأنينْ


أتمنى في ظلال الصمت أطياف لقاءْ
تحت كَرْم هارب خلف متاهات الفضاءْ


أرتمي تحتَ خُطَاه طفلةَ الشوق سليبةْ
وهْو يدعوني إلى دنيا انطلاقات غريبة


فارسي الموعودَ .. يا حُلْمِي .. ويا فجري الظَّمِي
أَذْرُعِي تدعوكَ من خلف الضباب المُعْتِمِ


الذي أشتاقه أن تُطْرِقَ الباب .. وتدخُلْ
باحثًا عني .. عن الكَرْمِ الذي أوشكَ يذْبُلْ


آهِ كم أعبدُ أن تسألَ عني .. عن شرودي
فأنا ما زلت أشتاق سؤالاً عن وجودي


لا تدعني أقطع العمرَ سؤالاً ما سئلتُ
فأنا أنثى .. عشقت الحب .. لكني حُرِمْتُ[15]


يبدو أن الشاعر المعاصر قد انطلق في اتجاهه الإنساني إلى آماد بعيدة، فلم يدع إحساسًا إنسانيًّا يمرُّ على وجدانه إلا رصده، وانطلق يعبر عنه بكل طلاقة.

إن الاتجاه الإنساني في القصيدة العربية، له جذوره البعيدة في تراثنا الشعري القديم، ولكنه في أدبنا المعاصر يشكِّل ظاهرة تستحق التأمل والتحليل؛ إذ يبدو وكأنه طريق يُعبَّد لأول مرة: لجِدَّة في تجاربه، وتنوع في موضوعاته، ورقَّة في التناول، وشفافية في الرؤية، وجمالية في الأداء، تمنح التجربة لونها الأخَّاذ المتميز.

التجربة التي نقرؤها في قصيدة "خواطر عانس" للشاعر المصري: "محمد أحمد العزب" - تجربة فريدة في باب الشعر الإنساني؛ لأنها تفتح الباب على مصراعيه لمعالجة القضايا ذات الحساسية المفرطة، والتي اجتمع كل من الوجدانين "الذاتي" و"الجماعي" على سترها بعيدًا، في منأى عن التناول المباشر.

ولا شك أن الفن لا يتناول مثل هذه القضايا على طرائق المحللين النفسيين أو الاجتماعيين، ولا يعالج أدواءها بالوصفات الكيميائية؛ إذ كان للفن أسلوبه الخاص، وطرائقه المتميزة، التي تركب متن الخيال، وتنحو في التعبير عن قضايا الإنسانية المنحى الوجداني بتأثيراته العميقة في حياة الناس.

ربما كانت القصيدة الشعرية - حينئذٍ - بمثابة الجَرْعة الأولى في طريق الشفاء، غير أنها جَرْعة كُتِبت بمِداد الوجدان، وهي في ذات الوقت أجمل مذاقًا، وأعظم أثرًا.

إن قضية "العنوسة" وغيرها من القضايا الإنسانية ذات الطابع المحلي، حين يتناولها الشعر المعاصر، يمكن أن يجتاز بها المسافات الشاسعة، ويَعبر إلى القارات البعيدة، ويخترق الآداب العالمية؛ لأنها قضية جِدُّ مثيرة، ولا يعانيها بتلك المثالية إلا الشرقيون، أصحاب الديانات، وأهل التقاليد الراسخة.

وعرض مثل هذه القضايا الخاصة، فيه متعة وإثارة للمتأدبين من الأمم الأخرى، وربما مثَّلت تجربتُها فكرة غريبة، لا يجدون غُنْية عنها فيما يمتلكونه من آداب.

إنها تجربة مثيرة؛ لأن لها أسرارها في قرارة الوجدان، وفي واقع المجتمع، ونحن في تطلع إلى استكشاف هذا العالم الغامض. وعلى الرغم من ضخامة تلك الظاهرة في مجتمعاتنا - إنْ كمًّا أو كيفًا - إلا أنها ما تزال تمثل نوعًا من القضايا الأكثر حضورًا، والأعظم هروبًا وغيابًا.

مثل هذه التجارب الشعرية المعاصرة، ذات الأبعاد الإنسانية، جديرة بأن تخرج في بناء موضوعي مُحْكَم، إذ كانت القصيدة وكأنها دفقة شعورية نفثتها نفس مصدورة، تشابكت وانسجمت لغةً وصورًا وأساليب، وبدا النمو والاطراد في جسد القصيدة حتى اكتملت في نهايتها.

عنوان القصيدة:
لقد جاء عُنوان القصيدة دالاًّ على مضمونها "خواطر عانس"، والخواطر لا تَعرف إلا منطق الدفقات التامة، إنها تحاول الظهور على السطح حينًا، ولكنها سريعة الرَّوَغان، إذا لم يُسرع صاحبها بالقبض عليها، لم تَعُد إلى خاطره مرةً أخرى، إنها الفرصة السانحة أولى وأخيرة، إنها التثريب اللاشعوري، تكشَّف على السطح رغمًا عن صاحبه؛ لطول ما طواه في غيابات التناسي، غير أن الضغط في قبو الشعور نتق الحواجز، عسى أن تهدأ الأعماق فترة من الزمان، إن لغة الخواطر أقرب إلى البناء العضوي لاندفاق الفكرة من منبع شعوري يتسم بالصدق والقوة.

لغة القصيدة:
ثلاثية الأبعاد في مدلولاتها: "الشوق" الجارف الحزين، و"اليأس" القاتم، و"الأمل" الشفيف، مشاعر يمتزج بعضها ببعض، تصاحبنا من أول أبيات القصيدة حتى نهايتها، ويبدو الصراع بين المشاعر المتضادة على أَوْجِه.

ومن الحق أن الأمل - دائمًا - باعث للنفس على الصمود، لكن الواقع – ها هنا - يبوح بأن قوة الدفع أمامية، من رأس المثلث، حيث كان الشوق عاملا قويًّا في تغلب الآمال على المشاعر اليائسة، تلك التي تبعث النفس على الانكباب على الذات في رؤية ظلامية.


إن لغة الاحتمال الباعثة على مقارفة الفعل التفاؤلي "ربما يأتي - ربما ينسل.."، كانت باعثًا للغة الشوق على أن تتحكم في أجواء القصيدة: "كم يشتاق - أغنيات الشوق - الظمآن - يهفو - حنين - أتمنى.."، ولكن ذلك لم يكفَّ نغمةَ الحزن واليأس أن تتطرَّق للوجدان، وتلوِّح بالقتامة: "المجروح - لا أرى يومًا خطاه - جراحي - الآهات - صمت ضرير - القيد - مجروح - الأنين - يذبل..".


وهكذا كان ارتياد الشاعر لفكرة واحدة، ومدلولات قريبة متصارعة، عاملاً قويًّا للوقوف على عتبات الوحدة العضوية التي ننشدها في القصيدة المعاصرة.

ولنذهب لنتفقد البناء، ونقرأ الصور وما توحي به من تطور المشاعر.

"البناء":
يمكننا ملاحظة بناء القصيدة من خلال موجات ست كما يلي:
موجة الأمل، الأبيات (1- 6).
موجة الشوق، الأبيات (7-16).
موجة اليأس، الأبيات (17-22).
موجة الأمنيات، الأبيات (23-26).
موجة النداء، الأبيات (27-28).
موجة الرؤية وسؤال الوجود (29-34).
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-10-2021, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آفاق الوحدة العضوية في قصيدة: خواطر عانس

الموجة الأولى (الأمل)

(1- 6)

يظل الأمل باعثًا على البحث عن أسباب الوصول، كما يظل دافعًا إلى تكرار المحاولة وانتظار المعجزة.

وهكذا تمارس تلك المرأة المنكوبة بالعنوسة المحاوَلة، وهي مفعمة بالأمل، فتكرر صيغة: "ربما يأتي"، في سياق الشرط "إذا"؛ لتدل على أن تلك الوصفة السحرية، كثيرًا ما تتحقق في سياق الفعل والحركة، وبخاصة إذا كان الاتصال المباشر بصاحب القرار، الله.

فـ: "ربما" تفيد الكثرة، و"إذا" تفيد التحقيق.

والتكرار لم يكن مرتبطًا بالصيغة فحسب، بل إن تنمية العلاقة الوجدانية أمر يستحق الالتفات إليه كدلالة من دلالات التكرار والتأكيد، فهي تبدأ تراتيل المجيء بصلاة في جوف الليل، ثم تعوِّل على تكثيف الدعاء، ثم تتبعه البكاء.

إن الشاعر الإنساني يلمح أن تلك العلاقة في ذلك الإطار محدودة، وربما كان ارتباطها بـ"الأنا" يجعل الاستجابة محدودة؛ ولذلك فهو يرى أن ثمرة تلك العلاقة هي الولوج إلى الباب الأرحب، حين ينعتق المرء من عبئه الذاتي؛ لينطلق إلى آفاق الإنسانية "إذا أشعلتُ في ليل الحزانى ضوء شمعة".

إن الوصفة السابقة قد تطورت، و"ربما يأتي" صارت "ربما ينسل"، إنها حالة من اليقين تصاحب ذلك الاتصال العجيب في مراحله الختامية؛ فالانسلال سرعة في خفة، إنه فعل أشبه برواية الأساطير، ولذلك جاء الانسلال (من خلف مجاهيل المدى)، وإتمامًا لتلك الصورة الحانية، يقرع الباب برقَّة.

إن سياق الإصرار قد آثر مفردات التجربة مترددة: بين الأفعال المُضعَّفة، والمزيدة، وصيغ الجموع، وإن شئت فاقرأ: "صليت - صعدت - رجرجت - أشعلت - ينسل - مجاهيل - يدق -

الموجة الثانية (الشوق)

(7- 16)

ينطق الشاعر تلك المرأة بأحاديث الشوق إلى الغائب المنتظر، ويجسِّد لنا في صور متتابعة طول ذلك الانتظار، فلم تعد وحدها التي تتوق للقاء، بل كل ما حاطها، انتقلت إليه مشاعرها الحارَّة، ورأت فيه شوقًا جارفًا: فبابها، وجدارها، ومخدعها، وإناء زهرها، وظلها...، لكن قوة المشاعر التي تحياها، جعلتها تنظر الأشياء في غير ما جُبِلت عليه، فجدار بيتها المنصوب لم يكن في انتصابه إلا سهمًا مشدودًا بأفكاره إلى القادم! ومَخْدعها على طول ما شهد بكاءها صار يبكي، بل نبت لكل ما في بيتها ذراعان، تراهما مشدودين على الدوام، يشاركانها التبتل والصلاة، والكل حولها يعزف نشيدَ الانتظار.

لا أصادر عليك إن حاولتَ أن تقرأ كل ما توهمتْه حيًّا، برؤية ذات دلالات رمزية، سواء كان "بابًا" أو "جدارًا"، "فالبيت" وكل ما بداخله لا شك يترجم عن كيانها الملهوف.

لكننا إذا أردنا أن نتفقد كم كان الشاعر موفَّقًا فيما قدمه من صور تؤازر ذلك الإحساس الجارف بالشوق، وترسم وجدان المرأة التعيسة من كل الاتجاهات، فلنقرأ صورًا ثلاثًا متتاليات، ساقها الشاعر في حديث الشوق.

لقد كان حديثًا يتقرَّى في كتاب الكون شوقًا أبديًّا، يجمع الأُلاَّف من أجل الحياة، لقد مثلت كل صورة رسمها شاعرنا وجهًا من وجوه التجربة التي يعانيها وجدان المرأة:
فالصورة "الأولى" كما تجسدت فيها الأشواق، كحالة من حالات الظمأ، حين تترقب الأرض أمطار السماء، فإنها ترصد - كذلك - مدى الارتباط العضوي، الذي بانتفائه تذهب الأرض عبثًا في مرحلة من الجفاف والبوار، إنه البحث الفطري عن واهب الحياة والخصوبة:
مثل ما بالرمل من تَوق إلى سَيْب المطرْ.


بينما تأتي الصورة "الثانية" في تحول اللَّحْن من حال القوَّة إلى الفعل، فلا يخفى ما فيها من دلالةٍ على التعطيل، إذا ظلَّ اللحن محرومًا من عزف الوتر، غير أن فقدان نشوة الحياة، دلالة أخرى تظهر عند التأمل، حينما نرصد الإحساس الجمالي الذي يبعثه الوتر في وجدان المتلقي:
مثلَ ما باللَّحنِ من شوقٍ إلى بوْحِ الوَتَرْ

وتأتينا الصورة (الثالثة) لتجسِّد ما يعانيه وجدان المرأة من حال الانكسار، وما أصابها من الجروح في رحلة الانتظار، فالزورق المجروح الذي تتقاذفه الأمواج في الليل البهيم، لا بد وأن يحتويه حالة من اليأس تصاحب الإحساس بالخوف والهلع؛ إذ كان الوصول للمرفأ الآمن - حينئذ - أمرًا أشبه بالمستحيلات:
من لُهَاثِ الشَّوْقِ للشاطِئِ في لَيْلِ البِحَارْ

الموجة الثالثة (اليأس)

(17- 22)

بديهيٌّ حين يطول الانتظار أن يغالب اليأس الأمل، وربما غلبه، ولكنَّ صاحبتنا يبدو عليها التماسك، فلا يخدعنك السطح الساكن، فإن البراكين تعمل في الأعماق البعيدة: "أمضغُ الآهات في صمت ضرير..".

وحينما تفتقد وقع خطاه عند بزوغ الفجر، بعد ليل طويل خاشع، فإنها مطاردة من إحساسين: "الوهم والجدب"؛ فالوهم يخنق الأحلام، ومن ثم يخنق الأمل؛ والجدب يحرق البراعم المُخْضَوْضِرَة، فتموت البراعم النضيرة، ولا يبقى من رسمها إلا الجفاف.

إن العالم الغريب - الذي يعيش في وجدان المرأة البئيسة - مليء بالمتناقضات، ولذلك نراها تلوك آهاتها، والآهات أصوات مسموعة، ولكنها قديرة على أن تلوكها في صمت ليس له أدنى بريق، فصمتها من لون غريب، موصوف بأنه ضرير.

الموجة الرابعة (الأمنيات)

(23- 26)

إن أقصى الأمنيات التي قرَّت لديها أن تلاقي طيفَه مرة، ولو في عالم خيالي صامت "ظلال الصمت"، حينها تغدو أسيرة، تسلس القياد من غير تردد "سليبة"؛ فهي في شوق لأحلام دفينة "دنيا انطلاقات غريبة".

الموجة الخامسة (النداء)

(27- 28)

إنَّ الأماني حملتها على إطلاق نداءات عديدة، وكأنها في جلسة روحية، تقرأ للغائب تراتيل القدوم:
فارسي الموعودُ .. يا حُلْمِي .. ويا فجري الظَّمِي
أَذْرُعِي تدعوكَ مِنْ خلفِ الضَّبَابِ المُعْتِمِ


لم يكن من تنتظره رجلاً كبقية الرجال، إنه فارس اللحظة المنتظرة "الموعود"، ومثال رسَمَت له الصورة المُثْلى في الخيال "حلمي"، إنه الإشراقة جاءتها بشوق عاطش "فجري الظمي"؛ لترَوِّيه كما يروي بها عطاش الأمنيات.

إنها في أجواء تلك التعويذات، لم تعد تنظر شخصًا من كثافة الضباب، بيد أن كل إحساس بها ظميء نبتت له ذراع/"أذرعي"، سوف ترتق أغباش الليالي والنهار "الضباب المعتم"، وتناديه ليأتي.

الموجة السادسة (الرؤية وسؤال الوجود)

(29- 34)

وفي الختام: جاء شاعرُنا ليكثف الرؤية التي تكشف عن وجه الصراع، وعن دواعي القلق، وعمَّا طرحته أبيات القصيدة من أماني، وعن سر ما ذرفته صاحبتنا من دموع، وأطلقته من آهات، وعن علة تلك النداءات، وذلك في رؤيتين:
(الأولى): "خوفٌ من الذبول"؛ فصاحبتنا كالكَرْمة الناضجة، حان قطافها، وإلا أسلمت إلى الذبول؛ "أوشك يذبل".

لقد أحسن الشاعر في وصفها بأنها "كَرْمة"، إشارة إلى أن مميزاتها مرهونة بفصل محدود من الزمان، وهي ما تزال في خدرها مدلاَّة، في مظهر بديع متقن، ومخبَر من سلافة الرحيق المسكر، وما عليه إلا أن يجِدَّ في بحثه.

و(الثانية): "سؤال عن حقيقة الوجود المعلق"، سؤال عن شطر الدائرة الغائب، فنصيبها من الحياة - حتى تجده - في فراغ.

الحب في وجدانها أكبر الحقائق، ونفسها في سعيها إليه تبحث عن أليف، ذلك الذي بنقرة سحرية من إصبعه، بنظرة مفتونة مصوبة بصوته الحاني، يقول: أنت؟ يبعث في كيانها الحياة، ويمنحها وثيقة الوجود.


[1] - راجع: النقد الأدبي الحديث، د.غنيمي هلال، ص:381، وقضايا معاصرة، ص:12 - 14، والأدب العربي المعاصر في مصر، د.شوقي ضيف، ص:67، والشعر المصري بعد شوقي، د.محمد مندور (1/8)، والاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، د.عبد القادر القط، ص:325، وحركة التجديد الشعري، د.عبد الحكيم بلبع، ودراسات ونماذج، د.غنيمي هلال، ص:20، 39، والعامل الديني، د.الجيزاوي، والتيارات المعاصرة في النقد الأدبي، د. بدوي طبانة، ص:154.

[2] - التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، د.بدوي طبانة، ص:349.

[3] - راجع: في النقد الأدبي، د.شوقي ضيف، ص:154.

[4] - راجع: الاتجاه الوجداني، د.عبد القادر القط، ص:326، والتيارات المعاصرة في النقد الأدبي، د.بدوي طبانة، ص:342.

[5] - التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، د.بدوي طبانة، ص:346-329.

[6] - راجع: العامل الديني في الشعر المصري، د.الجيزاوي، ص:244.

[7] - راجع: خمسة من شعراء الوطنية، د.بدوي طبانة، ص:29.

[8] - راجع: حركة التجديد الشعري في المهجر، د.عبد اللحكيم بلبع، ص:406 - 407، والتيارات المعاصرة في النقد الأدبي، ص:352 - 353.


[9] - راجع: التطور والتجديد في الشعر المصري الحديث، د. عبد المحسن طه بدر، ص:406-407، والتيارات المعاصرة في النقد الأدبي، د.بدوي طبانة، ص:352-353.

[10] - التيارات المعاصرة، د.بدوي طبانة، ص:350.

[11] - عن بناء القصيدة، د.علي عشري زايد، ص:29.

[12] - راجع: فصول في الشعر ونقده، د.شوقي ضيف، ص:298.

[13] - راجع: الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، أنيس المقدسي، ص:387.

[14] - النقد الأدبي الحديث، ص:373، وراجع: في النقد الأدبي، د.شوقي ضيف، ص:153، والتيارات المعاصرة، د.بدوي طبانة، ص:354.

[15] - تقويم الشعر السنوي الخامس 1963.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.78 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]